المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في بيان أحكام المغارسة] - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٧

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌[باب في بيان أحكام المغارسة]

بَابٌ) نُدِبَ الْغَرْسُ، وَجَازَتْ الْمُغَارَسَةُ

ــ

[منح الجليل]

[بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الْمُغَارَسَةُ]

(نُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (الْغَرْسُ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، أَيْ الشَّجَرُ يُثْمِرُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَانَ مَا أَكَلَ مِنْهُ صَدَقَةٌ وَمَا سُرِقَ مِنْهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ مِنْهُ السَّبُعُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتْ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ " رضي الله عنهما ". وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ رَجُلٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ قَدْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْغَرْسِ» ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَنَى بُنْيَانًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ أَوْ غَرَسَ غَرْسًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ جَارِيًا مَا انْتَفَعَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ الرَّحْمَنِ تبارك وتعالى» . وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَوْ أَجْرَى نَهْرًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ غَرَسَ نَخْلًا أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ»

(وَجَازَتْ الْمُغَارَسَةُ) أَيْ الْعَقْدُ عَلَى غَرْسِ شَجَرٍ فِي أَرْضٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَيْرِهِمَا إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ أَوْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُمَا شَرِكَةً، فَالْعَقْدُ جِنْسٌ شَمَلَ الْمُعَرَّفَ وَسَائِرَ الْعُقُودِ، وَعَلَى غَرْسِ شَجَرٍ فَصْلٌ مُخْرِجٌ الْعَقْدَ عَلَى غَيْرِهِ، وَبِعِوَصٍ مَعْلُومٍ فَصْلٌ مُخْرِجٌ التَّوْكِيلَ عَلَى غَرْسِ شَحْرٍ بِلَا عِوَضٍ وَمِنْ غَيْرِهِمَا، أَيْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا أَوْ حَيَوَانًا إجَارَةً، أَيْ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ اللَّازِمَةِ بِعَقْدِهَا الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ فِي اسْتِحْقَاقِ عِوَضِهَا تَوَقُّفُهُ عَلَى الْإِتْمَامِ أَوْ جَعَالَةً، أَيْ عَلَى وَجْهِ الْجَعَالَةِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ بِعَقْدِهَا الْمُتَوَقِّفِ اسْتِحْقَاقُ

ص: 417

فِي الْأُصُولِ، أَوْ مَا يَطُولُ مُكْثُهُ: كَزَعْفَرَانٍ وَقُطْنٍ: إجَارَةً وَجَعَالَةً بِعِوَضٍ

وَشَرِكَةَ جُزْءٍ مَعْلُومٍ: فِي الْأَرْضِ. وَالشَّجَرِ،

ــ

[منح الجليل]

عِوَضِهَا عَلَى الْإِتْمَامِ أَوْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ عُطِفَ عَلَى بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ مِنْهُمَا، أَيْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ شَرِكَةٌ، أَيْ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ. فِي الذَّخِيرَةِ الْمُغَارَسَةُ مُفَاعَلَةٌ وَأَصْلُهَا كَوْنُهَا لِصُدُورِ الْفِعْلِ مِنْ فَاعِلَيْنِ عَلَيْهِمَا كَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالْمُدَافَعَةِ، فَيَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَغْرِسُ لِصَاحِبِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُجَابُ بِأَنَّهَا هُنَا بِاعْتِبَارِ حُصُولِ الْعَقْدِ مِنْهُمَا وَتَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ (فِي الْأُصُولِ) أَيْ الْأَشْجَارِ (أَوْ مَا) أَيْ زُرِعَ (يَطُولُ مُكْثُهُ) فِي الْأَرْضِ (سِنِينَ) وَتُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ فِيهَا (كَزَعْفَرَانٍ وَقُطْنٍ) فَلَا تَجُوزُ فِيمَا يُزْرَعُ كُلَّ سَنَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ شَرْطِهَا كَوْنُهَا فِي أَصْلٍ لَا فِي زَرْعٍ وَلَا فِي بَقْلٍ، وَفِي جَوَازِهَا فِي الزَّعْفَرَانِ الَّذِي يُقِيمُ أَعْوَامًا ثُمَّ يَنْقَطِعُ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَسَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ سَحْنُونًا وَتَجُوزُ فِي الْقُطْنِ الَّذِي يَبْقَى سِنِينَ لَا فِيمَا يُزْرَعُ كُلَّ سَنَةٍ، وَتَجُوزُ فِيمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ كَانَ عَقْدُهَا (إجَارَةً) لَازِمَةً بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا غَيْرِ مُتَوَقِّفِ اسْتِحْقَاقِ عِوَضِهَا عَلَى الْإِتْمَامِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اغْرِسْ لِي هَذِهِ الْأَرْضَ نَخْلًا أَوْ عِنَبًا أَوْ تِينًا، وَلَك كَذَا دِينَارًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضٍ، كَذَا أَوْ كَذَا عَبْدًا إنْ كَانَ الْغَرْسُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْأَرْضِ سَوَاءٌ سَمَّى لَهُ عَدَدًا أَمْ لَا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ (وَجَعَالَةً) غَيْرَ لَازِمَةٍ بِعَقْدِهَا مُتَوَقِّفًا عِوَضُهَا عَلَى الْإِتْمَامِ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اغْرِسْ هَذِهِ الْأَرْضَ نَخْلًا أَوْ عِنَبًا أَوْ تِينًا، وَلَك بِكُلِّ شَجَرَةٍ تَنْبُتُ أَوْ تُثْمِرُ كَذَا دِينَارًا وَدَرَاهِمَ أَوْ عِرْضٍ كَذَا وَتَنَازَعَ إجَارَةٌ وَجَعَالَةٌ فِي قَوْلِهِ (بِعِوَضٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ، أَيْ مَعْلُومٍ سَوَاءٌ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا فَلَا تَجُوزُ بِمَجْهُولٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ.

(وَشَرِكَةَ) بَيْنَهُمَا ب (جُزْءٍ مَعْلُومٍ) نِسْبَتُهُ لِكُلِّهِ كَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ فَحَذَفَ لَفْظَ مَعْلُومٍ مِنْ الْعِوَضِ لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ بِجُزْءٍ مَجْهُولٍ، وَصِلَةُ شَرِكَةٍ (فِي الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ) الَّذِي يُغْرَسُ بِهَا وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْبَابِ لِأَنَّ لِلْإِجَارَةِ وَالْجُعْلِ بَابَيْنِ (لَا) تَصِحُّ

ص: 418

لَا فِي أَحَدِهِمَا

وَدَخَلَ مَا بَيْنَ الشَّجَرِ مِنْ الْأَرْضِ، إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ أَوَّلًا

ــ

[منح الجليل]

الْمُغَارَسَةُ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الْأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَوْرِدِهَا. فِيهَا إنْ قُلْت لَهُ اغْرِسْ هَذِهِ الْأَرْضَ شَجَرًا أَوْ نَخْلًا، فَإِذَا بَلَغَتْ كَذَا وَكَذَا فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ جَازَ، وَإِنْ قَالَ فَالْأُصُولُ بَيْنَنَا فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَعَ مَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَشَرَطَ تَرْكَ الْأُصُولِ فِي أَرْضِهِ حَتَّى تَبْلَى فَلَا يَجُوزُ. اهـ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الشَّجِرِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهَا إلَّا بِغَلَّتِهَا قَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ صِحَّتِهَا كَوْنُ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ بَيْنَهُمَا.

(وَدَخَلَ) فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا بِالْمُغَارَسَةِ (مَا بَيْنَ الشَّجَرِ مِنْ الْأَرْضِ إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ) أَيْ يَشْتَرِطُ رَبُّ الْأَرْضِ عَدَمَ دُخُولِهِ فِيهَا (أَوَّلًا) بِشَدِّ الْوَاوِ أَيْ حِينَ عَقَدَهَا.

اعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ

الْأَوَّلُ: الْمَوْضِعُ الْمَغْرُوسُ فِيهِ الشَّجَرُ وَدُخُولُهُ فِيهَا شَرْطُ صِحَّةٍ.

الثَّانِي: الْأَرْضُ الَّتِي بَيْنَ الشَّجَرِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَلِلْعَامِلِ جُزْؤُهُ مِنْهُ مَعَ بَقَاءِ الشَّجَرِ وَبَعْدَ فِنَائِهِ إلَّا إذَا اسْتَثْنَاهَا رَبُّهَا حِينَ الْعَقْدِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ شَيْئًا مِنْهَا.

الثَّالِثُ: الْأَرْضُ الْبَعِيدَةُ عَنْ الْغَرْسِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ شَيْئًا مِنْهَا أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِهَا رَبُّهَا وَهَذِهِ وَالْأُولَى مَفْهُومُ مَا بَيْنَ الشَّجَرِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَأَنَّهُ قَسَّمَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ الْمُغَارَسَةَ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. ابْنُ عَرَفَةَ الْمُغَارَسَةُ جُعْلٌ وَإِجَارَةٌ وَشَرِكَةٌ فِي الْأُصُولِ، سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَاضَى رَجُلًا عَلَى غَرْسِ نَخْلٍ أَرْضِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي كُلِّ نَخْلَةٍ تَنْبُتُ جُعْلًا مُسَمًّى، وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ شَرَطَا النَّخْلَ قَدْرًا يُعْرَفُ أَرْبَعَ سَعَفَاتٍ أَوْ خَمْسًا. ابْنُ رُشْدٍ الْمُغَارَسَةُ عَلَى الْجُعْلِ جَائِزَةٌ وَكَذَا عَلَى الْإِجَارَةِ وَعَلَى جُزْءٍ مِنْ الْأَصْلِ، وَفِيهَا إنْ قُلْت لَهُ اغْرِسْ لِي أَرْضِي هَذِهِ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا بِطَائِفَةٍ أُخْرَى مِنْ أَرْضِك جَازَ كَكِرَاءِ الْأَرْضِ بِالْخَشَبِ، وَإِنْ قُلْت لَهُ اغْرِسْهَا شَجَرًا أَوْ نَخْلًا، فَإِذَا بَلَغَتْ كَذَا وَكَذَا سَعَفَةً وَالشَّجَرُ قَدْرَ

ص: 419

إنْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ تَبْلُغُهُ الشَّجَرُ، وَلَا ثَمَرَ دُونَهُ:

ــ

[منح الجليل]

كَذَا فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ قَالَ فَالْأَصْلُ بَيْنَنَا فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَعَ مَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَاشْتَرَطَ بَقَاءَ تِلْكَ الْأُصُولِ فِي أَرْضِهِ حَتَّى تَبْلَى فَلَا يَجُوزُ. ابْنُ رُشْدٍ لِلْمُغَارَسَةِ سُنَّةٌ تَخُصُّهَا فَلَيْسَتْ مَحْضَ إجَارَةٍ وَلَا جُعْلٍ بَلْ تُشْبِهُ الْإِجَارَةَ بِلُزُومِ عَقْدِهَا، وَالْجُعْلَ بِوَقْفِ عِوَضِهَا عَلَى ثُبُوتِ الْغَرْسِ.

وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى غَرْسِ أَرْضِي هَذِهِ كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً إنْ نَبَتَ فَهِيَ بَيْنَنَا جَازَ، وَهُوَ جُعْلٌ لَا إجَارَةٌ لَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ، وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جُعْلًا مَا جَازَ إذْ لَعَلَّهُ أَنْ يَعْمَلَ فَيُبْطِلَ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُخْرِجَ فَيَذْهَبَ عَمَلُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِي حَائِطِهِ هَذَا، كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً بِنِصْفِ أَرْضِهِ هَذِهِ لَجَازَ، وَكَانَتْ إجَارَةً وَلَا تَرَكَ لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ غَرْسِهِ، فَإِنْ غَرَسَهَا وَغَيَّبَهَا فِي أَرْضِهِ ثَبَتَ أَجْرُهُ وَلَوْ عَطِبَتْ. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إنْ ثَبَتَتْ فَهِيَ بَيْنَنَا يُرِيدُ وَمَا نَبَتَ مِنْهَا فَهُوَ أَيْضًا بَيْنَنَا لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى طَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِثُبُوتِ كُلِّ النَّخْلِ، لَلَزِمَ إنْ ثَبَتَ بَعْضُهَا فَقَطْ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَامِلِ فِيهِ شَيْءٌ، وَهَذَا بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى لَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي قَوْلِهِ اسْتَأْجَرْتُك لِمَا شُرِطَ فِيهَا لِعَمَلٍ عَلَى حُكْمِ الْجُعْلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِيهَا لَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ، وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ الْفِعْلُ لَا الْقَوْلُ. وَقَوْلُهُ: إنَّ الْمُغَارَسَةَ فِي الْأَرْضِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ، بِأَنْ لَا يَلْزَمَ التَّمَادِي، وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ، بِخِلَافِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا فِي الْأَرْضِ عَلَى جُزْءٍ جَائِزَةٌ عَلَى لُزُومِ عَقْدِهَا لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْمِلُهُ الْقِيَاسُ قِيَاسًا عَلَى الْمُسَاقَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ اعْتِرَاضٌ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُجَاعَلَةِ كَوْنُ الْجُعْلِ فِيهَا مَعْلُومًا وَالْجُعْلُ فِي هَذِهِ الْمُغَارَسَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الَّذِي شَرَطَهُ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَعْدَ غَرْسِهَا وَلَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ الْغَرْسُ.

وَتَصِحُّ الْمُغَارَسَةُ (إنْ اتَّفَقَا) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسُ (عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ تَبْلُغُهُ الشَّجَرُ وَلَا تُثْمِرُ) الشَّجَرُ (دُونَهُ) أَيْ قَبْلَ بُلُوغِهَا الْقَدْرَ الْمَعْلُومَ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

ص: 420

كَتَحْدِيدِهَا بِالْإِثْمَارِ، أَوْ أَجَلٍ لَا بَعْدَهُ

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَادَ كَالْقَامَةِ أَوْ نِصْفِهَا، زَادَ غَيْرُهُ أَوْ سِتَّةُ أَشْبَارٍ وَنَحْوُهَا بِشِبْرٍ مُتَوَسِّطٍ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَحْدِيدِهَا بِقَدْرٍ لَا تَبْلُغُهُ الشَّجَرُ إلَّا بَعْدَ إثْمَارِهَا فَسَدَتْ. ابْنُ رُشْدٍ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا تَوْفِيَتُهَا بِشَبَابٍ مَعْلُومٍ قَبْلَ الْإِطْعَامِ. الْمُتَيْطِيُّ إنْ جَعَلَاهَا إلَى قَدْرٍ سَمَّيَاهُ وَيُثْمِرُ الشَّجَرُ قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي سَمَاعِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا حَدُّ الشَّبَابِ الَّذِي وَصَفَ مَالِكٌ، قَالَ حَدُّ الشَّجَرِ فِي ارْتِفَاعِهَا قَدْرًا مَعْلُومًا كَقَامَةٍ أَوْ نِصْفِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي سَعَفَاتٍ يُلْقِيهَا الشَّجَرُ مَعْرُوفَةٌ وَالسَّعَفَةُ بِالتَّحْرِيكِ غُصْنُ النَّخْلِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ (كَتَحْدِيدِهَا) أَيْ الْمُغَارَسَةِ (بِالْإِثْمَارِ) ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ جَوَازَ حَدِّهَا بِالْإِثْمَارِ. ابْنُ رُشْدٍ أَجَازَهُ فِي هَذَا السَّمَاعِ وَفِي رَسْمِ الْجَوَابِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا مَنْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى تُثْمِرُ. الْمُصَنِّفُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ خِلَافًا حَقِيقِيًّا، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُعْلَمُ وَقْتُ إطْعَامِهِ بِالْعَادَةِ، وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ وَقْتُ إطْعَامِهِ.

(أَوْ) تَحْدِيدُهَا بِ (أَجَلٍ) مِنْ الْأَشْهُرِ وَالسِّنِينَ يَتِمُّ (دُونَهُ) أَيْ قَبْلَ الْإِثْمَارِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ حَدَّهَا بِأَجَلٍ دُونَ الْإِطْعَامِ، فَفِي صِحَّتِهَا وَمَنْعِهَا أَوَّلَ سَمَاعِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ ابْنَ الْقَاسِمِ وَمَا فِي أَثْنَائِهِ مَعَ رِوَايَةِ الْوَاضِحَةِ (لَا) يَجُوزُ تَحْدِيدُهَا بِأَجَلٍ تَبْلُغُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْإِطْعَامِ. الْكَافِي الْمُغَارَسَةُ إلَى الْإِطْعَامِ هِيَ الْجَائِزَةُ الصَّحِيحَةُ. ابْنُ سَلْمُونٍ الْمُغَارَسَةُ إلَى الْإِثْمَارِ جَائِزَةٌ، وَتَجُوزُ إلَى شَبَابٍ مَعْلُومٍ مَا لَمْ يَكُنْ يُثْمِرُ قَبْلَهُ. الْمُتَيْطِيُّ إنْ جُعِلَتْ إلَى الْإِثْمَارِ كَانَ حَسَنًا لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ، وَمِثْلُهُ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ. وَفِي الْمُهَذَّبِ الرَّائِقِ فِي تَدْرِيبِ الْقُضَاةِ وَأَهْلِ الْوَثَائِقِ. ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَجَلُ إلَى مَا فَوْقَ الْإِطْعَامِ فَلَا تَجُوزُ الْمُفِيدُ، فَإِنْ حَدَّا شَبَابًا يَكُونُ بَعْدَ الْإِطْعَامِ أَوْ مُدَّةً تَكُونُ فَوْقَهُ فَلَا تَجُوزُ وَتُفْسَخُ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَعْطَى رَجُلًا أَرْضَهُ لِيَغْرِسَهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ بَلَغَتْ كَذَا قَدْرًا سَمَّيَاهُ فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا فَأَطْعَمَتْ قَبْلَهُ، قَالَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَامَلَ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَلَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ فِي هَذَا لَا عَلَى مَا دُونَ الْإِطْعَامِ أَوْ إلَى الْإِطْعَامِ.

ص: 421

وَحُمِلَا عَلَيْهِ عِنْدَ السُّكُوتِ، وَصَحَّتْ:

كَاشْتِرَاطِهِ عَلَى الْعَامِلِ مَا خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ كَزَرْبٍ لَا مَا عَظُمَ مِنْ بُنْيَانٍ.

وَهَلْ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ؟

ــ

[منح الجليل]

(وَحُمِلَا) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، أَيْ الْعَاقِدَانِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْإِثْمَارِ (عِنْدَ السُّكُوتِ) عَنْ التَّحْدِيدِ عِنْدَ الْعَقْدِ (وَصَحَّتْ) الْمُغَارَسَةُ الَّتِي سَكَتَا عَنْ تَحْدِيدِهَا حِينَ عَقْدِهَا فِي الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمُنْتَخَبِ. ابْنُ حَبِيبٍ لَوْ لَمْ يُذْكَرْ لِلشَّجَرِ حَدٌّ لَجَازَ وَجُعِلَ الْإِثْمَارُ وَالشَّبَابُ التَّامُّ الَّذِي يُعْرَفُ لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي عَرَفَهُ النَّاسُ فِي الْمُغَارَسَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ سَكَتَا عَنْ التَّحْدِيدِ فَفِي جَوَازِهَا وَمَنْعِهَا سَمَاعُ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَجَعَلَهُ لِلْإِثْمَارِ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِينَ فِي الْبَابِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلِذَا اقْتَصَرْت عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ، وَهَذَا إذَا جَرَى الْعُرْفُ بِتَحْدِيدِهَا بِالْإِثْمَارِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعُرْفُ جَارِيًا عَلَى الْوَجْهِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي بَعْضِ مَنْ عَقَدَهَا عَلَى عَمَلِ الْعَامِلِ مَا عَاشَ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِصِحَّتِهَا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحْدِيدَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَلَمْ يَذْكُرُوا لِعَقْدِ الْمُغَارَسَةِ صِيغَةً مُعَيَّنَةً.

وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ (كَاشْتِرَاطِهِ) أَيْ رَبِّ الْأَرْضِ (عَلَى الْعَامِلِ مَا) أَيْ عَمَلًا (خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ كَزَرْبٍ لَا) يَجُوزُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ (مَا عَظُمَ) بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ (مِنْ بُنْيَانٍ) لِحَائِطٍ مَثَلًا (وَحَفْرِ بِئْرٍ وَإِزَالَةِ شَعْرَاءَ) كَحَمْرَاءَ، أَيْ أَشْجَارٍ نَابِتَةٍ بِنَفْسِهَا لَا ثَمَرَ لَهَا. فِي الْمُتَيْطِيَّةِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْعِرَةً كُلَّهَا فَلَا تَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ لِأَنَّ تَنْقِيَتَهَا مِنْ الشَّعْرَاءِ لَهَا قَدْرٌ وَبَالٌ، وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الْمُجَاعَلَةِ وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ بِنَاءَ جِدَارٍ حَوْلَ الْأَرْضِ مِمَّا تَكْثُرُ النَّفَقَةُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ، وَهُوَ غَرَرٌ لِأَنَّ الْغَرْسَ رُبَّمَا لَمْ يَنْبُتْ أَوْ يَهْلَكْ قَبْلَ بُلُوغِ الْحَدِّ الْمُشْتَرَطِ فَتَرْجِعُ الْأَرْضُ إلَى رَبِّهَا، وَقَدْ انْتَفَعَ بِتَنْقِيَتِهَا وَالْبُنْيَانِ حَوْلَهَا وَيَذْهَبُ عَمَلُ الْغَارِسِ بَاطِلًا، فَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا لُمَعٌ يَسِيرَةٌ مِنْ الشَّعْرِ تُخَفْ إزَالَتُهَا فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ. ابْنُ سَلْمُونٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مَا تَعْظُمُ نَفَقَتُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ التَّزْرِيبَ الْخَفِيفَ أَوْ مَا قَلَّ مِنْ الْبِنَاءِ.

(وَهَلْ تَلْزَمُ) الْمُسَاقَاةُ عَاقِدَيْهَا (ب) مُجَرَّدِ (الْعَقْدِ أَوْ) لَا تَلْزَمُهُمَا (إلَّا إنْ شَرَعَ)

ص: 422

أَوْ إلَّا أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ؟ خِلَافٌ

وَعَمِلَ الْعَامِلُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ عُرْفًا، أَوْ تَسْمِيَةً. وَضُمِنَ إنْ فَرَّطَ فَإِنْ عَجَزَ أَوْ غَابَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَعَمِلَ رَبُّهُ أَوْ غَيْرُهُ: فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ إنْ شَاءَ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، إلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ أَوَّلًا

ــ

[منح الجليل]

الْعَامِلُ (فِي الْعَمَلِ) فِي الْجَوَابِ (خِلَافٌ) أَيْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، قَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِمَشْهُورِيَّةِ لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ وَأَقَرَّهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ وَالْمُوثَقِينَ. ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَيْسَتْ الْمُغَارَسَةُ بِإِجَارَةٍ مُنْفَرِدَةٍ وَلَا جُعْلٍ مُنْفَرِدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ عَلَى حِيَالِهَا وَأَصْلٌ فِي نَفْسِهَا أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْبَابَيْنِ أَشْبَهَتْ الْإِجَارَةَ مِنْ جِهَةِ لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ وَالْجُعْلَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْغَارِسَ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْغَرْسِ وَبُلُوغِهِ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ، فَإِنْ بَطَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُعِيدَهُ مَرَّةً أُخْرَى.

(وَعَمِلَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ (الْعَامِلُ) وُجُوبًا (مَا) أَيْ الْعَمَلُ الَّذِي (دَخَلَ) لِعَامِلٍ فِي عَقْدِ الْمُغَارَسَةِ (عَلَى) عَمَلِ (هـ حِينَ عَقَدَهَا عُرْفًا) أَيْ بِسَبَبِ عَادَتِهِمْ فِيهَا (أَوْ تَسْمِيَةٍ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ (وَضَمِنَ) الْعَامِلُ مَا تَلِفَ مِنْ الشَّجَرِ (إنْ فَرَّطَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْعَامِلُ فِي تَعَاهُدِهِ. فِي الْمُتَيْطِيَّةِ يَتَعَاهَدُ الْعَامِلُ الْأَشْجَارَ بِالْحَفْرِ وَالسَّقْيِ وَالتَّنْقِيَةِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ الْإِثْمَارَ أَوْ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ، فَإِنْ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى أَصَابَهَا مَا أَهْلَكَهَا بِسَبَبِ تَفْرِيطِهِ فَيَضْمَنُ لِرَبِّ الْأَرْضِ نَصِيبَهُ مِنْهَا، نَقَلَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ عَنْ الْوَغْلِيسِيِّ.

(فَإِنْ عَجَزَ) الْعَامِلُ عَنْ عَمَلِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ بِمَانِعٍ طَرَأَ لَهُ (أَوْ غَابَ) أَيْ سَافَرَ الْعَامِلُ مِنْ الْبَلَدِ (بَعْدَ الْعَقْدِ) لِلْمُغَارَسَةِ وَقَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْعَمَلِ (أَوْ عَمِلَ) الْعَامِلُ (الْبَعْضَ) مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ (وَعَمِلَ رَبُّهُ) أَيْ الشَّجَرِ (أَوْ غَيْرُهُ) الْبَاقِيَ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ (فَهُوَ) أَيْ الْعَامِلُ (عَلَى حَقِّهِ) فِي الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ (إنْ شَاءَ) الْعَامِلُ الْبَقَاءَ عَلَى مُغَارَسَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (الْأُجْرَةُ) لِمَا عَمِلَهُ رَبُّهُ أَوْ غَيْرُهُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ) أَيْ الْعَامِلُ عَمَلَ الْمُغَارَسَةِ وَيَفْسَخَهُ عَنْ نَفْسِهِ (أَوَّلًا) بِشَدِّ الْوَاوِ، أَيْ قَبْلَ

ص: 423

وَوَجَبَ بَيَانُ مَا يُغْرَسُ: كَعَدَدِهِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ عِنْدَ أَهْلِهِ،

ــ

[منح الجليل]

عَمَلِ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ، يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ إنْ عَجَزَ عَنْ الْعَمَلِ بِمَانِعٍ حَدَثَ لَهُ أَوْ تَرَكَهُ لِغَيْبَتِهِ بَعْدَ عَقْدِهَا وَقَبْلَ عَمَلِهِ شَيْئًا أَوْ بَعْدَ غَرْسِهِ بَعْضًا فَأَقَامَ رَبُّ الْأَرْضِ مِنْ غَرْسِهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ غَرَسَهَا رَبُّهَا بِنَفْسِهِ أَوْ أَقَامَ مَنْ تَوَلَّى مَا غَرَسَهُ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ بِالسَّقْيِ وَالتَّنْقِيَةِ وَنَحْوِهِمَا، حَتَّى تَمَّ الْغَرْسُ، ثُمَّ قَامَ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ أَوْ قَدِمَ وَأَرَادَ الدُّخُولَ فِي حَقِّهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا عَمِلَهُ غَيْرُهُ، هَذَا حَاصِلُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ عَارَضَهُ بِمَالِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا، وَخَرَجَ الْخِلَافُ هُنَا مِنْ تِلْكَ فَإِنْ تَرَكَ حَقَّهُ وَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَخْذَهُ بِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ. ابْنُ رُشْدٍ لَوْ لَمْ يَطْلُبْ الْأَوَّلُ حَقَّهُ وَقَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِهِ وَطَلَبَ الَّذِي عَمِلَ عَنْهُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مِنْهُ لِتَخْرُجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي لُزُومِ الْمُغَارَسَةِ بِالْعَقْدِ كَالْمُسَاقَاةِ، وَعَدَمِ لُزُومِهَا بِهِ كَالْجُعْلِ وَلَوْ عَجَزَ قَبْلَ أَنْ تَفُوتَ الْمُغَارَسَةُ فِي الْأَرْضِ فَغَارَسَ رَبُّهَا فِيهَا غَيْرَهُ كَانَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ عَمَلِ الثَّانِي، وَإِنْ تَرَكَ حَقَّهُ أَوَّلًا وَسَلَّمَ فِيهِ قَبْلَ عَمَلِ غَيْرِهِ ثُمَّ عَمِلَ غَيْرُهُ ثُمَّ أَرَادَ الْأَوَّلُ الرُّجُوعَ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

(وَوَجَبَ) شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْمُغَارَسَةِ (بَيَانُ) نَوْعِ (مَا) أَيْ الشَّجَرِ الَّذِي (يُغْرَسُ) بِالْأَرْضِ لِاخْتِلَافِ الْأَشْجَارِ فِي مُدَّةِ الْإِثْمَارِ وَخِدْمَتِهَا بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ. وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ الْبَيَانِ فَقَالَ (كَعَدَدِهِ) أَيْ مَا يُغْرَسُ فَيَجِبُ بَيَانُهُ (إلَّا أَنْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ صِلَتُهُ (يُعْرَفُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، أَيْ يَكُونُ قَدْرَ مَا يُغْرَسُ فِيهَا مَعْرُوفًا (عِنْدَ أَهْلِهِ) أَيْ الْغَرْسَ بَعْضُ الْمُوثَقِينَ تُكْتَبُ فِي عَقْدِ الْمُغَارَسَةِ دَفَعَ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ أَرْضَهُ لِيَغْرِسَهَا كَذَا وَكَذَا شَجَرَةً مِنْ جِنْسِ كَذَا وَكَذَا مِنْ زَيْتُونٍ أَوْ رُمَّانٍ حُلْوٍ أَوْ حَامِضٍ أَوْ مُرٍّ. وَأَمَّا تَسْمِيَةُ عَدَدِ مَا يُغْرَسُ فَحَسَنٌ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُرْهَا جَازَ لِأَنَّ مَا يَبْقَى شَجَرُهُ وَأُخْرَى مَعْرُوفٌ. بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّمَا تَجُوزُ مُغَارَسَةُ الْأَنْوَاعِ إذَا كَانَ إطْعَامُهَا مُتَّفِقًا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ مَثَلًا حَقًّا، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِالتَّبْكِيرِ وَالتَّأْخِيرِ فَلَا تَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. الْبُرْزُلِيُّ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 424

وَمُنِعَ جَمْعُهَا مَعَ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ: كَجُعْلٍ، وَصَرْفٍ وَمُسَاقَاةٍ، وَشَرِكَةٍ، وَنِكَاحٍ. وَقِرَاضٍ، وَقَرْضٍ وَاقْتَسَمَاهَا إنْ بَلَغَ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ، أَوْ تَوَلَّيَا الْعَمَلَ، وَإِنْ هَلَكَتْ الْأَشْجَارُ بَعْدَهُ، فَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيمَا قَلَّ، إنْ بَطَلَ الْجُلُّ، إلَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ بِنَاحِيَةٍ،

ــ

[منح الجليل]

وَمُنِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (جَمْعُهَا) أَيْ الْمُغَارَسَةُ (مَعَ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ (كَ) جَمْعِهَا مَعَ (جُعْلٍ وَصَرْفٍ وَمُسَاقَاةٍ وَشَرِكَةٍ وَنِكَاحٍ وَقِرَاضٍ وَقَرْضٍ) ثُمَّ قَالَ (وَاقْتَسَمَاهَا) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسُ بِهَا الْأَشْجَارَ (إنْ بَلَغَ) الشَّجَرُ (الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ) حَالَ عَقْدِ الْمُغَارَسَةِ كَالْإِثْمَارِ أَوْ الْقَامَةِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ الْأَشْبَارِ (أَوْ) أَبْقَيَاهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ وَ (تَوَلَّيَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ فِي الْأَشْجَارِ (الْعَمَلَ) فِيهَا بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِأُجَرَائِهِمَا. فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَيَتَعَاهَدُ الْعَامِلُ الْأَشْجَارَ بِالْحَفْرِ وَالسَّقْيِ وَالتَّنْقِيَةِ حَتَّى تَبْلُغَ الْإِطْعَامَ أَوْ تَبْلُغَ كُلُّ شَجَرَةٍ مِنْهَا قَامَةً أَوْ نَحْوَهَا، أَرَادَ عَلَى حَسَبِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْأَرْضُ حِينَئِذٍ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا فَيَقْتَسِمَانِهِمْ ا، إنْ أَحَبَّا أَوْ يُنَقِّيَانِهِمَا مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُمَا عَلَى الشُّيُوعِ إنْ شَاءَا وَيَكُونُ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ حَظِّ كُلٍّ مِنْهُمَا

(وَإِنْ هَلَكَتْ الْأَشْجَارُ بَعْدَهُ) أَيْ الْحَدِّ الْمُشْتَرَطِ بِآفَةٍ أَوْ عَاهَةٍ أَوْ جَائِحَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ احْتِرَاقٍ (فَالْأَرْضُ) مُشْتَرَكَةٌ (بَيْنُهُمَا) أَيْ رَبُّهَا وَالْعَامِلُ عَلَى حَسَبِ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ مِنْ مُنَاصَفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. ابْنُ سَلْمُونٍ إذَا بَلَغَ الْغَرْسُ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ وَجَبَ لِلْعَامِلِ حَظُّهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَسِمَاهُ وَاحْتَرَقَ الْغَرْسُ أَوْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ آفَةٌ فَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ. وَمَفْهُومُ بَعْدَهُ أَنَّهَا إنْ هَلَكَتْ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ كَالْجَعَالَةِ (وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيمَا) أَيْ الشَّجَرِ الَّذِي (قَلَّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا (إنْ بَطَلَ الْجُلُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ هَلَكَ أَكْثَرُ الشَّجَرِ وَلَمْ يَنْبُتْ فِي حَالٍ (إلَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ) الْأَقَلُّ السَّالِمُ (بِنَاحِيَةٍ) مِنْ الْأَرْضِ

ص: 425

أَوْ كَانَ لَهُ قَدْرٌ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَلَيْسَ لَهُ قَبْلَهُ جُعْلٌ، كَبَقْلٍ، إلَّا بِإِذْنٍ

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجُزْءِ: حُمِلَا عَلَى الْعُرْفِ، وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ،

ــ

[منح الجليل]

(أَوْ كَانَ) الْأَقَلُّ (لَهُ) أَيْ الْأَقَلِّ (قَدْرٌ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، فَلِلْعَامِلِ نَصِيبُهُ مِنْهُ يَعْنِي أَنَّ الْأَشْجَارَ إذَا خَابَتْ لَمْ يَنْبُتْ مِنْهَا إلَّا الْقَلِيلُ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيهِ إذَا كَانَ الْأَقَلُّ مُتَفَرِّقًا وَكَانَ لَا قَدْرَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا بِنَاحِيَةٍ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ كَانَ لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ فَلَهُ حَظُّهُ مِنْهُ.

(بِخِلَافِ الْعَكْسِ) أَيْ بُطْلَانُ الْأَقَلِّ وَسَلَامَةُ الْجُلِّ فَلِلْعَامِلِ نَصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ ابْنُ سَلْمُونٍ إنْ أَثْمَرَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَثْمَرَ أَكْثَرُهَا كَانَ غَيْرُهُ تَبَعًا لَهُ وَاقْتَسَمَا الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ فَإِنْ كَانَ إلَى نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَسَقَطَ الْعَمَلُ بِهَا وَيَعْمَلُ الْبَاقِي حَتَّى يُثْمِرَ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا لَزِمَهُ الْعَمَلُ فِي الْجَمِيعِ حَتَّى يُثْمِرَ مُعْظَمُهُ وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا، وَنَحْوُهُ لِلْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ.

(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْعَامِلِ (قَبْلَهُ) أَيْ الْحَدِّ الْمُشْتَرَطِ مِنْ الْإِثْمَارِ أَوْ غَيْرِهِ (جَعْلٌ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ زَرْعٌ (كَبَقْلٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ بَيْنَ الشَّجَرِ (إلَّا بِإِذْنٍ) مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا بِالتَّمَامِ. سُئِلَ الْوَنْشَرِيسِيُّ عَمَّنْ أَخَذَ أَرْضًا مُغَارَسَةً فَغَرَسَهَا، ثُمَّ جَعَلَ فِي عِمَارَةِ الْغَرْسِ مَقَاثِئَ وَبُقُولًا فَأَجَابَ لَيْسَ لِلْغَارِسِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْأَرْضِ شَيْئًا إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا، فَإِنْ عَمِلَ قَبْلَ إذْنِهِ فَالْغَلَّةُ لَهُ وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ. قَالَ وَسُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ الْغَارِسِ يَزْرَعُ فُولًا بَيْنَ الْأَشْجَارِ قَبْلَ الْإِطْعَامِ فَيَطْلُبُ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إذْ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَرْضِ إلَّا بَعْدَ الْإِطْعَامِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْقَلْعُ فِي الْإِبَّانِ وَالْكِرَاءُ بَعْدَهُ، وَيَمْنَعُ رَبُّ الْأَرْضِ الضَّامِنَ زِرَاعَتَهَا لِأَنَّهُ يَضُرُّ الْغَرْسُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُمْ عَادَةٌ.

(وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْعَامِلُ بَعْدَ الْعَمَلِ (فِي الْجُزْءِ) الْمَجْعُولِ لِلْعَامِلِ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ (حُمِلَا) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ، أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْعَامِلُ (عَلَى الْعُرْفِ) بَيْنَ أَهْلِ بَلَدِهِمْ فِي مُغَارَسَتِهِمْ (وَ) إنْ اخْتَلَفَا فِي صِحَّتِهَا وَعَدَمِهَا فَ (ا) لِقَوْلِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ

ص: 426

إلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْفَسَادُ

وَفُسِخَتْ فَاسِدَةٌ بِلَا عَمَلٍ. وَإِلَّا، فَهَلْ تَمْضِي وَيَتَرَادَّانِ الْأَرْضَ وَالْعَمَلَ إنْ جُعِلَ لِلْعَامِلِ جُزْءٌ؟ أَوْ إنْ كَانَ كَذَلِكَ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَعَمَلِهِ فَقَطْ؟ وَإِلَّا فَفِي كَوْنِهِ كِرَاءً فَاسِدًا أَوْ إجَارَةً فَاسِدَةً كَذَلِكَ؟

ــ

[منح الجليل]

لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْفَسَادُ) فِي عُرْفِهِمْ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِ لِنَسْخِهِ الْأَصْلَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهِ خِلَافٌ.

(وَفُسِخَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُغَارَسَةٌ (فَاسِدَةٌ) إنْ كَانَتْ (بِلَا عَمَلٍ) مِنْ الْعَامِلِ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ ظُهُورِ فَسَادِهَا فَتُرَدُّ الْأَرْضُ لِرَبِّهَا وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَا عَمَلٍ بِأَنْ عَمِلَ الْعَامِلُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ فَسَادِهَا (فَهَلْ تَمْضِي) الْمُغَارَسَةُ بَيْنَهُمَا إلَى تَمَامِهَا بِالْحَدِّ الْمَدْخُولِ عَلَيْهِ كَالصَّحِيحَةِ (وَيَتَرَادَّانِ) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ وَغَارِسُهَا (قِيمَةَ الْأَرْضِ وَ) قِيمَةُ (الْعَمَلِ) فَيَرْجِعُ رَبُّ الْأَرْضِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا عَلَى الْعَامِلِ وَالْعَامِلُ بِنِصْفِ قِيمَةِ عَمَلِهِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ الْأَرْض فَيَتَقَاصَّانِ وَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَدْفَعُهُ لِلْآخَرِ (إنْ) كَانَ (جَعَلَ) رَبُّ الْأَرْضِ (لِلْعَامِلِ جُزْءًا) مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ حِينَ عَقْدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ جُزْءًا فَتُفْسَخُ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ بَعْضِ الْمُؤَلِّفِينَ فِيهَا غَيْرَ ابْنِ رُشْدٍ

(أَوْ إنْ كَانَ) عَقْدُ الْمُغَارَسَةِ (كَذَلِكَ) الْمَذْكُورُ فِي كَوْنِهِ بِجُزْءٍ لِلْعَامِلِ، وَالْمَوْضُوعُ ظُهُورُ الْفَسَادِ بَعْدَ الْعَمَلِ (فَلَهُ) أَيْ الْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (قِيمَةُ غَرْسِهِ وَعَمَلِهِ فَقَطْ) أَيْ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ (وَإِلَّا) إي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فِي كَوْنِهَا بِجُزْءٍ لِلْعَامِلِ، بِأَنْ كَانَتْ بِلَا جُزْءٍ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ (فَفِي كَوْنِهِ) أَيْ الْعَقْدِ (كِرَاءً) لِلْأَرْضِ (فَاسِدًا) فَالْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْعَامِلِ، وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى، وَيُخَيَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ فِي إلْزَامِهِ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَإِبْقَائِهِ لِنَفْسِهِ وَدَفْعِ قِيمَتِهِ لَهُ مَقْلُوعًا.

(أَوْ) كَوْنِهِ (إجَارَةً) لِلْعَامِلِ (فَاسِدَةً) فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا لِلْعَامِلِ حَالَ كَوْنِهَا (كَذَلِكَ) الْمَذْكُورُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِلِ إلَّا قِيمَةُ غَرْسِهِ وَعَمَلِهِ

ص: 427

قَوْلَانِ تَرَدُّدٌ

ــ

[منح الجليل]

(قَوْلَانِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فِي كَوْنِهِ كِرَاءً فَاسِدًا أَوْ إجَارَةً كَذَلِكَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ (تَرَدُّدٌ) أَيْ طَرِيقَتَانِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ فِي جَوَابِ هَلْ تَمْضِي إلَخْ، يَعْنِي أَنَّ الْمُغَارَسَةَ الْفَاسِدَةَ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ شُرُوعِ الْعَامِلِ فِي عَمَلِهَا فَإِنَّهَا تُفْسَخُ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْغَرْسِ وَمُعَالَجَتِهِ فَفِيهَا طَرِيقَتَانِ، الْأُولَى لِبَعْضِ الْمُؤَلِّفِينَ النَّظَرُ فِي الْمُغَارَسَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا جُزْءٌ لِلْعَامِلِ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ وَفَسَدَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَكَوْنِهَا لِأَجَلٍ بَعِيدٍ يُثْمِرُ الشَّجَرُ قَبْلَهُ أَوْ يَخْدُمُهَا الْعَامِلُ مَا عَاشَ فَتَمْضِي، وَيَتَرَادَّانِ قِيمَتَيْ الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ بَيْنَهُمَا أَيْ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأَرْضِ، وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ عَمَلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ جُزْءًا مِنْهُمَا تُفْسَخُ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَمَفْهُومُهُ لَمْ يَذْكُرُوهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا أَخَذْنَاهُ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِهِمْ.

الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ. لِابْنِ رُشْدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ لِلْعَامِلِ فَلَهُ قِيمَةُ غَرْسِهِ، أَيْ الْأَعْوَادُ الَّتِي غَرَسَهَا وَعَمَلُهُ أَيْ مُعَالَجَتُهُ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ إذَا جَعَلَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ فِي الْمُغَارَسَةِ كَقَوْلِهِ اغْرِسْ هَذِهِ الْأَرْضَ وَقُمْ عَلَى غَرْسِهَا كَذَا وَكَذَا سَنَةً أَوْ حَتَّى تَبْلُغَ كَذَا وَكَذَا لِأَجَلٍ أَوْ حَتَّى يَكُونَ الْإِطْعَامُ دُونَهُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا إجَارَةٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْغَارِسُ مَا أَخَذَ مِنْهَا يُرِيدُ مِنْ الثَّمَرَةِ مَكِيلَتَهَا إنْ عُرِفَتْ وَخَرْصَهَا إنْ جُهِلَتْ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَالْغَرْسُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْعَامِلِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُجْعَلْ لِلْعَامِلِ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ بِأَنْ قَالَ لَهُ اغْرِسْهَا وَالثَّمَرُ فَقَطْ بَيْنَنَا وَالثَّمَرُ وَالشَّجَرُ فَقَطْ بَيْنَنَا وَلَا شَيْءَ لَك مِنْ الْأَرْضِ أَوْ قَالَ لَهُ مَا دَامَتْ الْأَشْجَارُ قَائِمَةً فَإِنَّك تَنْتَفِعُ بِهَا فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ ذَهَبَتْ فَلَا حَقَّ لَك فِيهَا، فَقِيلَ إنَّهُ كِرَاءٌ فَاسِدٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ فَعَلَى أَنَّهُ كِرَاءٌ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْعَامِلِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءُ أَرْضِهِ مِنْ يَوْمِ أَخَذَهَا. وَقِيلَ مِنْ يَوْمِ غَرَسَهَا. وَقِيلَ مِنْ يَوْمِ إثْمَارِهَا وَيُخَيَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ فِي أَمْرِهِ بِقَلْعِ شَجَرِهِ وَإِعْطَائِهِ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا. وَقِيلَ قَائِمًا لِأَنَّهُ غَرَسَهُ بِشُبْهَةٍ،

ص: 428

وَمَا فَاتَ مِنْ غَلَّةٍ: رَجَعَ صَاحِبُهَا بِمِثْلِهَا، إنْ عُلِمَتْ: كَالْمِثْلِيِّ فِي غَيْرِهَا

وَإِذَا غَرَسَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ بَنَى: فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ، وَيُعْطِيهِ قِيمَةَ ذَلِكَ قَائِمًا.

ــ

[منح الجليل]

وَعَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ فَالْعِلَّةُ كُلُّهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَيَرْجِعُ بِمَكِيلَةِ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا إنْ عُلِمَتْ وَخَرْصِهَا إنْ جُهِلَتْ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي غَرْسِهِ وَسَقْيِهِ وَعِلَاجِهِ، وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ.

(وَمَا فَاتَ مِنْ غَلَّةٍ) بَيَانُ مَا عِنْدَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ (رَجَعَ صَاحِبُهَا) أَيْ الْغَلَّةِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهَا وَهُوَ رَبُّ الْأَرْضِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَالْعَامِلُ فِي الْكِرَاءِ الْفَاسِدِ عَلَى مَنْ فَاتَتْ بِيَدِهِ، وَهُوَ الْعَامِلُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَرَبُّ الْأَرْضِ فِي الْكِرَاءِ الْفَاسِدِ، وَصِلَةٍ رَجَعَ (بِمِثْلِ) كَيْلِ (هَا) أَوْ وَزْنِهَا (إنْ عُلِمَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْغَلَّةُ قَدْرًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ (وَ) رَجَعَ صَاحِبُهَا (بِقِيمَتِهَا) أَيْ الْغَلَّةِ (إنْ جُهِلَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْغَلَّةُ قَدْرًا مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ (كَ) الرُّجُوعِ بِ (الْمِثْلِيِّ) الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ أَوْ الْمَعْدُودِ الْمَجْهُولِ الْفَائِتِ بِيَدِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ الْمُغَارَسَةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ جُهِلَتْ يَرْجِعُ بِخَرْصِهَا، أَيْ قَدْرِهَا بِالتَّقْدِيرِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْحَزْرِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِتَأْدِيَةِ الرُّجُوعِ بِالْخَرْصِ إلَى رِبَا الْفَضْلِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مَنْ اسْتَهْلَكَ فُولًا مَجْهُولَ الْقَدْرِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ غَاصِبُ الطَّعَامِ يَغْرَمُ مِثْلَهُ صِفَةً وَقَدْرًا، فَإِنْ كَانَ جُزَافًا جُهِلَ كَيْلُهُ غَرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ.

(وَإِذَا غَرَسَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ بَنَى) فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ أَوْ حُضُورِهِ غَيْرَ عَالِمٍ (فَلِ) لِشَرِيكِ (الْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يَغْرِسْ وَلَمْ يَبْنِ (الدُّخُولُ مَعَهُ) أَيْ الْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ فِيمَا غَرِمَهُ أَوْ بَنَاهُ (وَيُعْطِيهِ) أَيْ الْآخَرُ الدَّاخِلُ الْبَانِي أَوْ الْغَارِسُ (قِيمَةَ ذَلِكَ) الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ حَالَ كَوْنِهِ (قَائِمًا) لِوَضْعِهِ بِشُبْهَةِ الشَّرِكَةِ أَيْ حِصَّتُهُ مِنْهَا. سَحْنُونٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي أَرْضٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ احْتَفَرَ أَحَدُهُمَا بِئْرًا أَوْ غَرَسَ غَرْسًا، فِيهَا فَأَرَادَ الْآخَرُ الدُّخُولَ مَعَهُ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ فِي الْبِئْرِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْأَرْضِ. ابْنُ رُشْدٍ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنْ أَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ.

ص: 429

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

يَدْخُلَ مَعَ شَرِيكِهِ فِيمَا بَنَى أَوْ حَفَرَ أَوْ غَرَسَ فَعَلَيْهِ فِي الْبِئْرِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْأَرْضِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ يَكُونُ حَظُّهُ مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا أَوْ مِنْ قِيمَةِ الْعَمَلِ قَائِمًا أَوْ مَنْقُوضًا، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرْسُ أَوْ الْبِنَاءُ أَوْ الْحَفْرُ مَعَ غَيْبَةِ الشَّرِيكِ الثَّانِي أَوْ مَعَ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ عَالِمًا أَوْ مَعَ إذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا غَيْرَ عَالِمٍ فَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلَانِ، أَنْ يَكُونَ لَهُ قَدْرُ حَظِّ شَرِيكِهِ مِنْ قِيمَةِ عَمَلِهِ قَائِمًا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَرْضِ شُبْهَةٌ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ حَظِّهِ مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَتْ شُبْهَةً فَلَيْسَ لَهُ سِوَى قِيمَةِ حَظِّهِ مَنْقُوضًا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرْسِ وَنَحْوُهُ مَعَ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ.

فَإِنْ قُلْنَا السُّكُوتُ إذْنٌ فَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ كِرَاءُ حِصَّتِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلَ قِيَامِهِ أَمْ لَا، عَلَى قَوْلَيْنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا سَكَتَ رَاضِيًا بِتَرْكِ حَقّه، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ السُّكُوتُ إذْنًا فَلَهُ كِرَاءُ الْمَاضِي قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ الْغَرْسُ وَنَحْوُهُ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي السُّكُوتِ عَلَى أَنَّهُ إذْنٌ وَإِنْ أَرَادَ مُقَاسَمَتَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُقْسَمُ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ بُنْيَانُهُ وَغَرْسُهُ فِيمَا صَارَ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ انْتِفَاعِهِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ خُيِّرَ الَّذِي صَارَ فِي حَظِّهِ بَيْنَ إعْطَائِهِ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا وَبَيْنَ إسْلَامِهِ إلَيْهِ وَنَقْضِهِ، هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى الْقِسْمَةِ أَوْ اخْتَلَفَا فِيهَا أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَا إشْكَالَ فِيهَا وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُعْطِيَ الْقَائِمُ لِشَرِيكِهِ قَدْرَ حَظِّهِ م، ن الْأَرْضِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ أَوْ يَتْرُكَانِ اهـ.

وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَالْأَصْحَابِ. تَمَّ الرُّبْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْكِتَابِ بِمَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَلِكِ الْوَهَّابِ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ دَائِمًا بَعْدَ عَصْرِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِخَمْسٍ بَقِيَتْ مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعَةٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ مِنْ هِجْرَةِ مَنْ لَهُ غَايَةُ الشَّرَفِ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كَتَبَهُ مُحَمَّدُ عُلَيْشٍ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَحِمَهُ وَوَالِدَيْهِ وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ آمِينَ.

ص: 430