الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ) صِحَّةِ الْإِجَارَةِ
ــ
[منح الجليل]
[بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الْإِجَارَةُ وَكِرَاء الدَّوَابّ وَغَيْرهَا]
بَابٌ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ وَكِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالْحَمَّامِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَمَا يُنَاسِبُهَا
(صِحَّةُ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْحَاءِ، أَيْ مُوَافَقَةُ (الْإِجَارَةِ) الشَّرْعَ بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَحُكِيَ ضَمُّهُ مِنْ الْأَجْرِ، أَيْ الْجَزَاءِ، وَفِي فِعْلِهَا الْمَدُّ وَالْقَصْرُ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْمَدَّ. عِيَاضٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ هَذِهِ الْمَادَّةِ الثَّوَابَ عَلَى الْعَمَلِ، وَهُوَ مَنْفَعَةٌ خَصَّتْ الْإِجَارَةَ فِي إصْلَاحِ الشَّرْعِ بِالْعَقْدِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ عَلَى قَاعِدَةِ الْعُرْفِ مِنْ تَخْصِيصِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ بِاسْمٍ لِيَحْصُلَ التَّعَارُفُ عِنْدَ التَّخَاطُبِ، وَقَدْ عُلِمَ وَضْعُ الْفِعَالَةِ بِالْكَسْرِ لِلصَّانِعِ نَحْوِ الصِّبَاغَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْفَعَالَةُ بِالْفَتْحِ لِأَخْلَاقِ النُّفُوسِ، كَالسَّمَاحَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْفُعَالَةُ بِالضَّمِّ لِمَا يُطْرَحُ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ نَحْوُ الْكُنَاسَةِ وَالْقُمَامَةُ وَالنُّخَالَةُ، أَفَادَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي اللُّبَابِ حَقِيقَتُهَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةِ عَلَى مَنْفَعَةِ مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَبَهِيمَةٍ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا فَيَخْرُجُ كِرَاءُ الدُّورِ وَالسُّفُنِ وَالرَّوَاحِلِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةُ وَالْجَعْلُ قَالَ وَقُلْت بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ خَوْفَ نَقْضِ عَكْسِهِ بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى {أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] ، فَإِنَّهَا إجَارَةٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهَا {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] ، وَعِوَضُهَا لَا يَتَبَعَّضُ، وَقَوْلُ الْقَاضِي هِيَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ لَا يَخْفَى بُطْلَانُ طَرْدِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْل عِيَاضٍ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ مَعَ خُرُوجِ فَاسِدِهَا عَنْهُ، وَالْحَدُّ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ.
بِعَاقِدٍ، وَأَجْرٍ: كَالْبَيْعِ
ــ
[منح الجليل]
وَقَوْلُهَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَرِيقًا فِي دَارِ رَجُلٍ أَوْ مَسِيلَ صَبِّ مِرْحَاضٍ مَجَازًا لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، وَاعْتَرَضَهُ " غ " بِأَنَّ لَفْظَ الْبَعْضِ مُبْهَمٌ لَا يُنَاسِبُ التَّعْرِيفَ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دُخُولُ الْجُعْلِ فِي التَّعْرِيفِ فَيَبْطُلُ طَرْدُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حُذِفَ لَفْظُ بَعْضٍ لَمْ تَخْرُجْ الْإِجَارَةُ بِالْبِضْعِ لِأَنَّ تَبْعِيضَ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِي صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَهُوَ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا فَتَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ يَتَبَعَّضُ إلَخْ، أَيْ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا، وَلَوْ قَالَ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا أَوْ بِضْعًا وَحَذَفَ لَفْظَ بَعْضٍ الْمُسَلَّمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. الْغَرْنَاطِيُّ الْإِجَارَةُ تُطْلَقُ اصْطِلَاحًا عَلَى الْعَقْدِ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْمَنْقُولِ إلَّا السَّفِينَةَ وَالْبَهِيمَةَ وَالْكِرَاءَ عَلَى الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ مَا لَا يُنْقَلُ وَالسَّفِينَةُ وَالْبَهِيمَةُ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَقَدْ يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَعْنَى الْآخَرِ، فَفِيهَا إنْ اسْتَأْجَرَتْ مِنْهُ دَارًا بِثَوْبٍ إلَخْ. وَفِي اللُّبَابِ خُصَّ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ الْآدَمِيِّ بِاسْمِ الْإِجَارَةِ وَتَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَاتِ بِاسْمِ الْكِرَاءِ
وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ ابْتِدَاءً وَاللُّزُومُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يُفْسِدُهَا. ابْنُ عَرَفَةَ مُحَمَّدٌ هِيَ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا. الصِّقِلِّيُّ خِلَافُ الْأَصَمِّ فِيهَا لَغْوٌ لِأَنَّهُ مُبْتَدِعٌ، وَفِيهَا مَعَ غَيْرِهَا عَقْدُهَا لَازِمٌ كَالْبَيْعِ. اهـ. وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ وَوَجَبَتْ إعَانَتُهُ وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا التَّعَاوُنُ وَدَفْعُ الْحَاجَاتِ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] ، وَخَبَرُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ (ب) جِنْسِ (عَاقِدٍ) فَشَمَلَ الْمُؤَجِّرَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْمُسْتَأْجِرَ كَذَلِكَ (وَأَجْرُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، أَيْ عِوَضٌ مُتَمَوَّلٌ (ك) عَاقِدٍ وَعِوَضِ (الْبَيْعِ) فِي كَوْنِ الْأَوَّلِ مُمَيَّزًا، وَالثَّانِي ظَاهِرًا مُنْتَفِعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ. ابْنُ شَاسٍ أَرْكَانُ الْإِجَارَةِ ثَلَاثَةٌ، الْأَوَّلُ الْعَاقِدَانِ وَلَا يَخْفَى أَمْرُهُمَا. الرُّكْنُ الثَّانِي الْأُجْرَةُ. ابْنُ الْحَاجِبِ الْعَاقِدَانِ كَالْمُتَبَايِعِينَ.
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْأَجْرُ كَالثَّمَنِ يُطْلَبُ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا قَدْرًا وَصِفَةً، وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أَجْرًا، وَهَذَا مَنْقُوضٌ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَالطَّعَامِ، فَإِنَّهُمَا يَصْلُحَانِ ثَمَنًا وَلَا يَصْلُحَانِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
أَجْرًا لَهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ مَا يَصْلُحُ لِلثَّمَنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَصْلُحُ أَجْرًا كَذَلِكَ، وَهُنَا عَدَمُ الصَّلَاحِيَّةِ لِمَانِعٍ عَارِضٍ، وَهُوَ النَّهْيُ كَالْبَيْعِ وَقْتَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا إيرَادَ، إذْ مِمَّا أَفَادَهُ التَّشْبِيهُ عَدَمَ النَّهْيِ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَبِالطَّعَامِ فَانْتَفَى الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ النَّهْيِ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي فَسَادَ إجَارَةِ الْخَيَّاطِ وَالْحَجَّامِ وَكِرَاءِ الْحَمَّامِ إذَا لَمْ تُعَيَّنْ الْأُجْرَةُ ابْتِدَاءً، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِنْ صِحَّتِهِمَا إذَا كَانَ مُخَالِطًا وَأَرْضَاهُ بَعْدَ عَمَلِهِ كَمَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ. وَأُجِيبَ بِنُدُورِ هَذَا، وَالْكَلَامُ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ. وَنَصُّ السَّمَاعِ سُئِلَ الْإِمَام مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الْخَيَّاطِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْخُلْطَةُ وَلَا يَكَادُ يُخَالِفُنِي أَسْتَخِيطُهُ الثَّوْبَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ وَجَاءَ بِهِ أَرْضَيْته بِشَيْءٍ أَدْفَعُهُ إلَيْهِ، فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَجَازُوهُ وَمَضَوْا عَلَيْهِ، وَهُوَ نَحْوُ مَا يُعْطَى الْحَجَّامُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَارِطَهُ عَلَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ قَبْلَهُ وَمَا يُعْطَى فِي الْحَمَّامِ وَالْمَنْعِ مِنْ هَذَا، وَشِبْهُهُ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ، وَحَرَجٌ فِي الدِّينِ وَغُلُوٌّ فِيهِ، وَاَللَّهُ تبارك وتعالى قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]
وَقَالَ {لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171] ، وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ مَا ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَمَهُ أَبُو طِيبَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ خَرَاجَهُ» ، وَأَجَازَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يُؤَاجَرَ الْخَيَّاطُ عَلَى خِيَاطَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ الثِّيَابِ فِي السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ عَلَى خَبْزِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْخُبْزِ سَنَةً أَوْ شَهْرًا إذَا عَرَفَ عِيَالَ الرَّجُلِ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا مَعْرُوفٌ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَمِقْدَارُ أَكْلِ النَّاسِ مَعْرُوفٌ، وَالثِّيَابُ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَكَرِهَ اللَّخْمِيُّ اسْتِعْمَالَ الصَّانِعِ حَتَّى يُقَاطِعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى، وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا، قَالَ وَلَا يَبْلُغُ التَّحْرِيمَ وَالْأَمْرُ فِيهِ وَاسِعٌ. (فُرُوعٌ)
الْأَوَّلُ: فِي الذَّخِيرَةِ ابْنُ يُونُسَ إذَا قُلْت خَطَّهُ بِدِرْهَمٍ، وَقَالَ بِدِرْهَمَيْنِ فَخَاطَهُ فَلَيْسَ لَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
إلَّا دِرْهَمٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّك أَعْلَمْته بِمَا تَرْضَى بِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ سَاكِنِ الدَّارِ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ دَفَعَ ثَوْبًا لِخَيَّاطِ فَقَالَ لَا أَخِيطُهُ إلَّا بِدِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ رَبُّهُ لَا أَخِيطُهُ إلَّا بِدِرْهَمٍ، وَجَعَلَهُ عِنْدَهُ فَخَاطَهُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمٌ، وَمَنْ سَكَنَ مَنْزِلًا فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ بِدِينَارَيْنِ فِي السَّنَةِ، وَقَالَ السَّاكِنُ لَا أُعْطِي إلَّا دِينَارًا وَإِلَّا فَاخْرُجْ إنْ لَمْ تَرْضَ فَسَكَتَ وَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ حَتَّى تَمَّتْ السَّنَةُ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِينَارٌ. ابْنُ رُشْدٍ مَسْأَلَةُ الْخَيَّاطِ لَا تُشْبِهُ كِرَاءَ الْمَنْزِلِ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ لَمْ يَتَوَلَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُصَاحِبِ الثَّوْبِ وَالسَّاكِنُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِنَفْسِهِ مَعَ عِلْمِ رَبِّ الْمَنْزِلِ بِهِ فَفَرَّقُوا بَيْنَ تَقَدُّمِ قَوْلِهِ عَلَى قَوْلِ رَبِّهِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ.
الثَّانِي: سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ حَارِسِ الزَّرْعِ وَالزَّيْتُونِ لَيْلًا وَنَهَارًا بِالضَّمَانِ أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَفِيزٍ عَلَيْهِ مُدَّانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ تَفْرِيغُ الشِّبَاكِ وَالْأَحْمَالِ؟ فَأَجَابَ أَمَّا اسْتِئْجَارُهُمْ لِكُلِّ قَفِيزٍ مُدَّانِ فَجَائِزٌ وَسَوَاءٌ قَلَّتْ الْأَقْفِزَةُ أَوْ كَثُرَتْ لِاغْتِفَارِ جَهْلِ الْجُمْلَةِ إذَا عُلِمَ التَّفْصِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ شَرَطُوا تَفْرِيغَ الشِّبَاكِ وَتَنْزِيلَ الْأَحْمَالِ فَيَلْزَمُ، وَإِلَّا فَلَا، وَشَرْطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ لَا يَلْزَمُ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مِمَّنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: سُئِلَ أَيْضًا عَنْ حِرَاسَتِهِمْ الْأَنْدَرَ كُلَّهُ بِأَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَلْفٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ مِائَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَكْثَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَقَلُّ، هَلْ هُوَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ أَوْ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ؟ فَأَجَابَ إنْ كَانَ اسْتِئْجَارُهُمْ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي الْأَنْدَرِ وَرُؤْيَتِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ حُصُولِهِ وَرُؤْيَتِهِ فَيَجُوزُ وَنُقِضَ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ. وَقَالَ سَحْنُونٌ عَلَى الرُّءُوسِ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ.
الرَّابِعُ: فِيهَا لَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ طَائِفَةً مِنْ دَارِك وَقَدْ عَلِمْت بِهِ وَلَمْ تُخْرِجْهُ فَيَلْزَمُهُ كِرَاءُ مَا سَكَنَ. أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْمُعَاوَضَةُ لَا الْإِرْفَاقُ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْك أَنَّك أَرْفَقْته فَتَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي دَعْوَى الْمَعْرُوفِ.
الْخَامِسُ: فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا خَرَجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَيْنٍ لِاقْتِضَائِهِ دُونَ إذْنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
صَاحِبِهِ فَاقْتَضَاهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَطَلَبَ الْأُجْرَةَ مِنْ صَاحِبِهِ وَجَبَتْ لَهُ بَعْدَ حَلِفِهِ مَا خَرَجَ لِذَلِكَ مُتَطَوِّعًا إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْعَادَةُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَأْخُذُ أُجْرَةً عَلَى ذَلِكَ.
السَّادِسُ: سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ رُهِنَتْ عِنْدَهُ دَارٌ وَاقْتَضَى غَلَّتَهَا ثُمَّ طَلَبَ أُجْرَةَ اقْتِضَائِهِ إيَّاهَا فَقَالَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فَالرَّجُلُ الَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَعْمَلَ بِأُجْرَةٍ وَمِثْلُهُ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ فِي مِثْلِهِ فَأَرَى ذَلِكَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ مِثْلُهُ بِعَيْنٍ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ يَمِينِهِ مَا قَامَ بِهِ احْتِسَابًا، وَإِنَّا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَقُومَ بِأُجْرَتِهِ.
السَّابِعُ: فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ إذَا عَجَزَ رَبُّ الدَّابَّةِ عَنْ عَلَفِهَا وَتَرَكَهَا فِي الصَّحْرَاءِ فَعَلَفهَا غَيْرُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَبُّهَا أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى تَرْكِهَا بِالْإِضْرَارِ بِهِ، وَيَدْفَعُ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا، وَقِيلَ هِيَ لِعَالِفِهَا لِإِعْرَاضِ رَبِّهَا عَنْهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي قِيَامِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ.
الثَّامِنُ: عُلِمَ مِنْ تَشْبِيهِ عَاقِدِهَا بِعَاقِدِ الْبَيْعِ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا أَجَرَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ صَحَّ وَتَوَقَّفَ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ لَيْسَ لِذِي الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ، فَإِنْ فَعَلَ نَظَرَ فِيهِ وَلِيُّهُ فَيُمْضِيهِ أَوْ يَرُدُّهُ مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِنْ كَانَ عَمِلَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ، فَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ فَلَهُ أَرْشُ النَّقْصِ، وَإِنْ هَلَكَ فَلَهُ الدِّيَةُ وَلَهُ الْأُجْرَةُ إلَى يَوْمِ الْإِصَابَةِ، وَلَيْسَ لَهُ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ الْعَمَلِ شَيْءٌ.
التَّاسِعُ: إنْ أَجَرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَمِثْلُهُ لَا يُؤَجَّرُ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ وَيُنْفِقُ الْأَبُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَلَا مَالَ لِلْوَلَدِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ فِيمَا لَا مَعَرَّةَ فِيهِ عَلَى الِابْنِ إنْ كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا أَوْ مُقِلًّا أَوْ أَرَادَ تَعْلِيمَهُ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لَهُ ذَلِكَ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهَا شَيْءٌ حَبَسَهُ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا فَضَلَ مِنْ عَمَلِ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا خَوْفًا مِنْ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ الصَّبِيُّ مِنْ الْعَمَلِ فِي
وَعُجِّلَ، إنْ عُيِّنَ أَوْ بِشَرْطٍ، أَوْ عَادَةٍ،
ــ
[منح الجليل]
الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ لِمَرَضٍ فَلَا يَجِدُ مَا يَأْكُلُ. وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ.
الْعَاشِرُ: الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ يَجُوزُ عَقْدُ الْحَاضِنَةِ عَلَى مَحْضُونِهَا إمَّا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، وَلَا يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يُزَادَ فِي أُجْرَةِ الصَّبِيِّ فَتُقْبَلُ الزِّيَادَةُ وَيُفْسَخُ عَقْدُ الْأُمِّ وَيُنْظَرُ لَهُ أَحْسَنُ الْمَوَاضِعِ وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ فِي عَقْدِ الْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ غَبْنٌ عَلَى الْيَتِيمُ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْعَزَبِ امْرَأَةً لِخِدْمَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ كَانَ مَأْمُونًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ جَازَ إنْ كَانَ مَأْمُونًا وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مُتَجَالَّةً لَا إرْبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا، أَوْ كَانَتْ شَابَّةً وَمُسْتَأْجِرُهَا شَيْخٌ كَبِيرٌ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: سُئِلَ الْإِمَام مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الْمَرْأَةِ الْعَزَبَةِ الْكَبِيرَةِ تَلْجَأُ إلَى الرَّجُلِ فَيَقُومُ لَهَا بِحَوَائِجِهَا وَيُنَاوِلُهَا الْحَاجَةَ هَلْ تَرَى لَهُ ذَلِكَ حَسَنًا، قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلْيَدْخُلْ مَعَهُ غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَلَوْ تَرَكَهَا النَّاسُ لَضَاعَتْ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا عَلَى مَا قَالَ إذَا غَضَّ بَصَرَهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِمَّا يَظْهَرُ مِنْ زِينَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَذَلِكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ عَلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الدُّخُولِ عَلَيْهَا أَدْخَلَ غَيْرَهُ مَعَهُ لِيُبْعِدَ سُوءَ الظَّنِّ عَنْ نَفْسِهِ. فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرَّا عَلَيْهِ لَيْلًا وَمَعَهُ صَفِيَّةُ زَوْجَتُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَسَلَّمَا عَلَيْهِ وَانْطَلَقَا فَقَالَ لَهُمَا عَلَى رِسْلِكُمَا إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيت أَنْ يُلْقِيَ فِي قُلُوبِكُمَا فَتَهْلِكَا» .
(وَعُجِّلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْأَجْرُ وُجُوبًا شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ (إنْ عُيِّنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْأَجْرُ كَإِجَارَةِ رَجُلٍ لِخِدْمَةِ سِنِّهِ بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَيَجِبُ تَعْجِيلُهُ لِأَنَّ عَدَمَهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعٍ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ وَفِيهِ غَرَرٌ (أَوْ) لَمْ يُعَيَّنْ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ (بِشَرْطِ) لِتَعْجِيلِهِ فَيَجِبُ وَفَاءً بِالشَّرْطِ (أَوْ) لَمْ يُعَيَّنْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَهُ وَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ مَصْحُوبَةً ب (عَادَةٍ)
أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا،
ــ
[منح الجليل]
لِتَعْجِيلِهِ فَيَجِبُ لِأَنَّهَا كَالشَّرْطِ (أَوْ) لَمْ يُعَيِّنْ وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُهُ وَلَمْ يَعْتَدْ وَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ (فِي) مَنْفَعَةٍ (مَضْمُونَةٍ) فِي ذِمَّةِ الْمُؤَجِّرِ كَإِجَارَةٍ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ، فَيَجِبُ تَعْجِيلُهُ تَخَلُّصًا مِنْ ابْتِدَاءِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ إنْ (لَمْ يَشْرَعْ) الْعَامِلُ (فِيهَا) أَيْ الْمَنْفَعَةِ الْمَضْمُونَةِ، فَإِنْ شُرِعَ فِيهَا فَلَا يَجِبُ التَّعْجِيلُ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ لِانْتِفَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى قَبْضِ الْأَوَّلِ كَقَبْضِ الْآخَرِ. الْحَطّ قَوْلُهُ أَوْ فِي مَضْمُونِهِ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا، أَرَادَ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا إلَّا بَعْدَ طُولٍ، وَأَمَّا إنْ قَرُبَ الشُّرُوعُ فَيَحُوزُ تَأْخِيرُ الْكِرَاءِ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ.
الْمُتَيْطِيُّ إنْ كَانَ الْمَضْمُونُ فِي الْكِرَاءِ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَوْ فِي الْغَدِ فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ تَأْخِيرِ الْكِرَاءِ إلَى أَجَلٍ. ابْنُ عَرَفَةَ الْعَرْضُ الْمُعَيَّنُ أَجْرًا كَشِرَائِهِ فَيَجِبُ تَعْجِيلُهُ، وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ، أَوْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ فَتَشَاحَّا فِي النَّقْدِ وَلَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا، فَإِنْ كَانَتْ سَنَةُ الْكِرَاءِ بِالْبَلَدِ النَّقْدَ جَازَ وَقَضَى بِنَقْدِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَنَتُهُمْ بِالنَّقْدِ فَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ، إنْ عُجِّلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ النَّقْدُ فِي الْعَقْدِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ أَوْ حَيَوَانٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ إلَى شَهْرٍ، وَيُفْسَخُ ذَلِكَ اهـ. ابْنُ يُونُسَ الْعُرْفُ كَالشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَنَةٌ رَاتِبَةٌ، وَكَانُوا يَكُرُّونَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةُ وَأَبْهَمُوا الْكِرَاءَ، فَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى التَّأْخِيرِ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ لَا يُوجِبُ نَقْدَ ثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرْفًا أَوْ شَرْطًا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْقُدَ إلَّا بِقَدْرِ مَا رُكِّبَ أَوْ سَكَنَ بِخِلَافِ شِرَاءِ السِّلَعِ الْمُعَيَّنَةِ، هَذِهِ بِتَمَامِ عَقْدِ شِرَائِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا لِأَنَّهُ يَنْتَقِدُهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ نَقْدُ ثَمَنِهَا وَالرُّكُوبُ وَالسُّكْنَى لَمْ يَنْقُدْهُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْقُدَ إلَّا ثَمَنَ مَا قُبِضَ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ عَقْدُ الْكِرَاءِ لَا يُوجِبُ انْتِقَادَ ثَمَنِهِ فَكَأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْكِرَاءِ بِهَذِهِ الْمُعَيَّنَاتِ عَلَى التَّأْخِيرِ فَوَجَبَ فَسَادًا الْكِرَاءُ.
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ اكْتَرَى مَا ذَكَرْنَا بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَشَاحَّا فِي النَّقْدِ، فَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
نَقْدًا قَضَى بِنَقْدِهَا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِهَا فِي الْعَقْدِ. وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ اسْتَأْجَرَ صَانِعًا عَلَى عَمَلٍ عُرِفَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ فَسَأَلَهُ تَقْدِيمَ الْأُجْرَةِ وَهُوَ يَقُولُ لَا أَعْمَلُهُ إلَى شَهْرٍ فَلَا يَصْلُحُ تَقْدِيمُ أُجْرَةٍ لَهُ حَتَّى يَشْرَعَ فِي عَمَلِهِ، فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ قَدَّمَهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ. وَفِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا أَرَادَ الصُّنَّاعُ وَالْأُجَرَاءُ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَامْتَنَعَ رَبُّ الْعَمَلِ حُمِلُوا عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَنَةٌ فَلَا يَقْضِي لَهُمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِهِمْ. وَأَمَّا فِي الْأَكْرِيَةِ فِي دَارٍ أَوْ رَاحِلَةٍ أَوْ إجَارَةِ بَيْعِ السِّلَعِ وَنَحْوِهَا. فَبِقَدْرِ مَا مَضَى، وَلَيْسَ لِلْخَيَّاطِ إذَا خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ أَخْذُ نِصْفِ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَتِمَّ إذْ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى ذَلِكَ.
ابْنُ يُونُسَ وَلِأَنَّهُ لَوْ خَاطَهُ كُلَّهُ ثُمَّ ضَاعَ الثَّوْبُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَجْرٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَكَذَلِكَ إذَا خَاطَ بَعْضَهُ. ابْنُ رُشْدٍ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ كَنَسْجِ الْغَزْلِ إنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ أَوْ الشُّرُوعِ، وَإِنْ تَأَخَّرَا كَانَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. الْحَطّ التَّعْيِينُ تَارَةً يَكُونُ فِي الْأُجْرَةِ وَتَارَةً فِي الْمَنْفَعَةِ، وَيُقْضَى بِتَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ التَّعْجِيلَ فِيهِمَا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَنْفَعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْمَضْمُونَةِ، وَيُقْضَى بِهِ إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَضْمُونَةً، وَتَأَخَّرَ شُرُوعُهُ فِيهَا يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ تَأَخَّرَ يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ، فَقَوْلُهُ إنْ عَيَّنَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّهُ إنْ شَرَطَ أَوْ اُعْتِيدَ تَعْجِيلُهُ صَحَّتْ، وَقَضَى بِهِ، وَهَذَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَلَمْ يَعْتَدْ تَعْجِيلَهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ كَمَا سَيَقُولُ، وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى شَرْطُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ وَلَا يَرُدُّ هَذَا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ عِنْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْعُرْفُ التَّأْخِيرَ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ يُعَجَّلُ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ وَلَا شَرْطٌ بِالتَّعْجِيلِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى عُرْفٌ إلَخْ، إنَّمَا هُوَ صِحَّةُ الْعَقْدِ مَعَ عُرْفِ التَّعْجِيلِ، وَلَا يُفْهَمُ الْجَبْرُ عَلَى الدَّفْعِ فَعُرْفُ التَّعْجِيلِ يَدْفَعُ الْفَسَادَ
إلَّا كَرِيِّ حَجٍّ: فَالْيَسِيرُ
ــ
[منح الجليل]
وَالْجَبْرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعُجِّلَ إنْ عَيَّنَ فَالْأَوَّلُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي حَقُّ الْآدَمِيِّ، فَقَوْلُهُ وَعُجِّلَ إنْ عُيِّنَ أَيْ مَعَ شَرْطِهِ أَوْ اعْتِيَادِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِشَرْطٍ إلَخْ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ اهـ. الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ كَمَا قَالَ. الْحَطّ فَالْحَقُّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُ بِشَرْطٍ إلَخْ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى مَعْنَى إنْ عُيِّنَ أَيْ أَوْ عُجِّلَ بِتَعْيِينِهِ أَوْ بِشَرْطٍ إلَخْ، وَأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ الْحَطّ لَازِمٌ لَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ عُيِّنَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ إنْ اُشْتُرِطَ أَوْ اُعْتِيدَ تَعْجِيلُهُ فَهُوَ مُتَدَرِّجٌ فِي قَوْلِهِ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ تَأْخِيرَهُ أَوْ لَا عُرْفَ أَصْلًا، فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ كَمَا قَالَ. وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ وَالتَّعْجِيلُ فَرْعُ صِحَّتِهَا اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ بِإِغْنَاءِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ شَاعَ عَدَمُ تَوَجُّهِهِ لِوُقُوعِ الْأَوَّلِ فِي مَرْكَزِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَضْمُونِ الَّذِي يَجِبُ تَعْجِيلُهُ، فَقَالَ (إلَّا كَرِيَّ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَشَدِّ الْيَاءِ أَيْ كَارِيَ إبِلٍ مَضْمُونَةٍ فِي ذِمَّتِهِ لِرُكُوبِهَا أَوْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا لَك (حَجٍّ) مِنْ كُلِّ مَوْسِمٍ لَهُ وَقْتٌ مَخْصُوصٌ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ قَبْلَ وَقْتِهِ (ف) لَا يَجِبُ تَعْجِيلُ جَمِيعِ الْكِرَاءِ
وَيُعَجَّلُ (الْيَسِيرُ) مِنْهُ وُجُوبًا وَيَقُومُ مَقَامَ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ إذَا عُجِّلَ الْجَمِيعُ لِلْكَرِيِّ قَبْلَ وَقْتِ السَّفَرِ يُخْشَى هُرُوبُهُمْ بِهِ وَعَدَمُ إتْيَانِهِمْ بِالْإِبِلِ وَقْتَهُ فَيُضِيعُ الْكِرَاءُ عَلَى الْمُكْتَرِي. ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ مِثْلِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَانَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ النَّقْدُ، وَلَكِنْ يُعَجَّلُ مِثْلُ الدِّينَارَيْنِ وَنَحْوُهُمَا، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ لَا يَنْبَغِي إلَّا بِنَقْدٍ مِثْلِ ثُلُثَيْ الْكِرَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ قَدْ اقْتَطَعَ الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرُوهُمْ بِالنَّقْدِ وَلْيَنْقُدُوهُمْ الدِّينَارَ وَشِبْهَهُ. أَبُو مُحَمَّدٍ أَرَادَ لَوْ كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِ أَجَلٍ وَشَرَعَ فِي الرُّكُوبِ جَازَ بِغَيْرِ نَقْدٍ لِأَنَّ نَقْدَ
وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةٌ
ــ
[منح الجليل]
أَوَائِلِ الرُّكُوبِ كَقَبْضِ جَمِيعِهِ، إذْ هُوَ أَكْثَرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فِي قَبْضِهِ. ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ اكْتَرَى كِرَاءً مَضْمُونًا لَا يَرْكَبُ فِيهِ إلَّا إلَى أَجَلٍ فَالنَّقْدُ فِيهِ جَائِزٌ، بَلْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّقْدِ كُلِّهِ بِشَرْطٍ فِي هَذَا الْمَضْمُونِ كَتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا أَجَازَهُ مَالِكٌ، إذَا أَخَّرَ بَعْضَ النَّقْدِ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ اقْتَطَعُوا أَمْوَالَ النَّاسِ فَأَجَازَ فِيهِ تَأْخِيرَ بَعْضِ الثَّمَنِ لِهَذِهِ الضَّرُورَة بِخِلَافِ تَأْخِيرِ بَعْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. طفي فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحَجِّ، إذْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ الْمُؤَجَّلِ الَّذِي يَتَأَخَّرُ الشُّرُوعُ فِيهِ، وَقَدْ نُقِلَ فِي تَوْضِيحِهِ كَلَامُ الْمَوَّازِيَّةِ الدَّالُّ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ مَضْمُونٍ مُؤَجَّلٍ، وَمَعَ ذَلِكَ خُصَّ الْحَجُّ وَأَخَلَّ بِالتَّأْجِيلِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الشُّرُوعِ أَوْ تَعْجِيلِ جَمِيعِ النَّقْدِ، إذْ لَا ضَرُورَةَ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ يُقَالُ فَرْضُهُ فِي الْحَجِّ لِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ وَمِنْهُ عُلِمَ شَرْطُ التَّأْجِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَطّ لَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى حَجٍّ لَكَانَ أَشْمَلَ الْمُتَيْطِيُّ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجَّ، وَنَصُّهُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطٍ، وَاخْتُلِفَ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ بَاقِيه دُونَ شَرْطٍ، فَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ أَكْرَى إلَى الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ لِيَخْرُجَ فِي إبَّانِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يُقَدِّمَ مِنْهُ الدِّينَارَ وَالدِّينَارَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ. وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجَّ، وَقَالَ كَمْ كَرِيٌّ قَدْ هَرَبَ بِالْكِرَاءِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ تَأْخِيرِ النَّقْدِ إلَّا أَنْ يَنْقُدَ أَكْثَرَهُ أَوْ ثُلُثَيْهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ قَدْ اقْتَطَعَ الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْقُدَهُ الدِّينَارَ وَالدِّينَارَيْنِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَرَادَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ. وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلُ الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ وَالْيَسِيرُ الدِّينَارُ وَالدِّينَارَانِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَهُ وَلَمْ يُجَرِّبْهُ الْعُرْفُ وَلَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَضْمُونَةً لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شُرِعَ فِيهَا (فَمُيَاوَمَةٌ)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
بِضَمِّ الْمِيمِ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ وَفَتْحِ الْوَاوِ، أَيْ كَمَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَةَ يَوْمٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ دَفْعُ أُجْرَتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ شَيْءٍ قَبْلَهُ. الْحَطّ وَهَذَا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَيَانِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمِثْلِ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ وَلَا عَادَةٌ أُخِذَ مُيَاوَمَةً بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ يَتَنَاوَلُ الصُّنَّاعَ، بَلْ الْإِجَارَةُ فِي الْعِرَاقِ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهَا. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّانِعَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ. اهـ. فَفِيهَا إذَا أَرَادَ الصُّنَّاعُ وَالْأُجَرَاءُ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَامْتَنَعَ رَبُّ الْعَمَلِ حُمِلُوا عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سَنَةٌ فَلَا يُقْضَى لَهُمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِهِمْ وَأَمَّا فِي الْأَكْرِيَةِ فِي دَارٍ أَوْ رَاحِلَةٍ أَوْ فِي إجَارَةِ بَيْعِ سِلْعَةٍ وَنَحْوِهِ فَبِقَدْرِ مَا مَضَى، وَلَيْسَ لِلْخَيَّاطِ إذَا خَاطَ نِصْفَ الْقَمِيصِ أَخْذُ نِصْفِ الْأُجْرَةِ حَتَّى يُتِمَّ، إذْ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى ذَلِكَ.
الثَّانِي: مَحَلُّ جَوَازِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا شَرَعَ فِي الْعَمَلِ أَوْ تَأَخَّرَ نَحْوَ عَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَإِنْ طَالَ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ. ابْنُ رُشْدٍ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِثْلِ نَسْجِ الْغَزْلِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَضْمُونَةٌ فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ، فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ أَوْ الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ أَوْ تَعْجِيلُهُمَا وَمُعَيَّنَةٌ فِي عَيْنِهِ فَتَجُوزُ بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ، وَتَأْخِيرِهِ عَلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ. اهـ. وَتَأْخِيرُ الشُّرُوعِ إلَى يَوْمَيْنِ لَا يَضُرُّ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. أَبُو الْحَسَنِ وَإِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ مُعَيَّنًا عَلَى أَنْ لَا يُشْرَعَ فِيهِ إلَى أَجَلٍ، وَكَانَ الْأَجْرُ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِاقْتِضَاءِ تَعَيُّنِ الْأَجْرِ وُجُوبَ التَّقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ الشُّرُوعِ وُجُوبَ التَّأْخِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ ابْنُ رُشْدٍ إنْ صَرَّحَ بِكَوْنِ الْعَمَلِ مَضْمُونًا كَأَسْتَأْجِرُكَ عَلَى كَذَا فِي ذِمَّتِك إنْ شِئْت عَمِلْته بِيَدِك أَوْ بِغَيْرِك أَوْ مُعَيَّنًا، كَأَسْتَأْجِرُكَ عَلَى عَمَلِ كَذَا بِنَفْسِك فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا
وَفَسَدَتْ، إنْ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ: كَمَعَ جُعْلٍ،
ــ
[منح الجليل]
حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ كَأَعْطَيْتُكَ كَذَا عَلَى خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ حُمِلَ عَلَى الْمَضْمُونِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ، أَوْ كَانَ عَمَلُهُ بِيَدِهِ، أَوْ كَانَ عَمَلُهُ بِيَدِهِ مَقْصُودًا لِرِقَّتِهِ وَإِحْكَامِهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ التَّعْيِينَ كَأَسْتَأْجِرُكَ عَلَى خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ أَوْ عَلَى أَنْ تُخَيِّطَهُ، فَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ أَوْ الْمُعَيَّنِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَضْمُونِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ أَوْ يَقْصِدُ عَمَلَهُ بِيَدِهِ لِدِقَّتِهِ وَإِحْكَامِهِ.
الرَّابِعُ: ابْنُ يُونُسَ كَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَقْدَ الْكِرَاءِ فِي السُّفُنِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْبَلَاغِ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ نَافِعٍ، وَقَالَ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا قُطِعَ. فَإِنْ عَطِبَتْ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَادَّعَيْت النَّقْدَ صَدَقَ عَلَيْك لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَا يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَقِيلَ تَجُوزُ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَفَسَدَتْ) الْإِجَارَةُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ (إنْ انْتَفَى) مِنْهَا (عُرْفُ تَعْجِيلِ) الْأَجْرِ (الْمُعَيَّنِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْيَاءُ مُثَقَّلَةٌ بِأَنْ كَانَ الْعُرْفُ تَأْخِيرَهُ أَوَّلًا عَرَفَ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ جَرَى الْعُرْفُ بِهِمَا مَعًا، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ. ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ، وَكَانُوا يَكْرُونَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَأَبْهَمُوا الْكِرَاءَ، فَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى التَّأْخِيرِ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ لَا يُوجِبُ تَقْدِيمَ ثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرْفًا أَوْ بِشَرْطٍ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْقُدَ إلَّا بِقَدْرِ مَا رُكِّبَ أَوْ سَكَنَ، بِخِلَافِ شِرَاءِ السِّلَعِ الْمُعَيَّنَةِ هَذِهِ بِتَمَامِ عَقْدِ شِرَائِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْدُ ثَمَنِهَا.
وَشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ فَقَالَ (ك) إجَارَةٍ (مَعَ جُعْلٍ) فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَفْسُدُ إنْ عَلَى الْمَشْهُورِ لِتَنَافِيَ أَحْكَامِهِمَا. ابْنُ عَرَفَةَ اُخْتُلِفَ فِي الْبَيْعِ وَالْجُعْلِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. ابْنُ رُشْدٍ لَا يَجْتَمِعُ الْجُعْلُ وَالْإِجَارَةُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا مَعْلُومًا فِي مَعْلُومٍ، وَالْجُعْلُ يَجُوزُ فِي الْمَجْهُولِ فَهُمَا مُخْتَلِقَا الْأَحْكَامِ مَتَى جُمِعَا فَسَدَا، وَعَنْ سَحْنُونٍ إجَازَةُ الْمُغَارَسَةِ مَعَ الْبَيْعِ وَهُوَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. الْحَطّ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْإِجَارَةِ مَعَ السَّلَفِ، فَفِيهَا إنْ دَفَعْت إلَى حَائِكٍ غَزْلًا يَنْسِجُهُ لَك ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُسْلِفَك فِيهِ رَطْلَيْنِ مِنْ غَزْلٍ فَلَا يَجُوزُ،
لَا بَيْعٍ وَكَجِلْدٍ لِسَلَّاخٍ،
ــ
[منح الجليل]
لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ. ابْنُ يُونُسَ الْإِجَارَةُ بَيْعٌ فِيهَا مَا يَحْرُمُ فِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ.
(لَا) تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ الْمُجْتَمِعَةُ (مَعَ بَيْعٍ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَحْكَامِ. تت شَمِلَ كَلَامُهُ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: كَوْنُهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَشِرَائِهِ جُلُودًا عَلَى أَنْ يُخَرِّزَهَا لَهُ الْبَائِعُ خِفَافًا. وَالثَّانِيَةُ: كَوْنُهُمَا فِي مَحَلَّيْنِ كَشِرَائِهِ جُلُودًا بِكَذَا عَلَى أَنْ يَخِيطَ الْبَائِعُ ثَوْبًا فَيَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا. فِيهَا لَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، وَقَالَ سَحْنُونٌ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْمَبِيعِ. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ فِي الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ، أَوْ أَمْكَنَتْ إعَادَتُهُ كَالصُّفْرِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهُ الْبَائِعُ قَدَحًا. الْحَطّ أُطْلِقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي غَيْرِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ بِأَنْ بَاعَ لَهُ جُلُودًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ نِعَالًا لِلْمُشْتَرِي فَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهَا قَوْلٌ مَشْهُورٌ بِالْمَنْعِ. خَلِيلٌ هُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي النَّوَادِرِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَقَالَ جَائِزٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ عَلَى حَالٍ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ كَبَيْعِهِ ثَوْبًا عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ خِيَاطَتَهُ أَوْ قَمْحًا، عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ طَحْنَهُ أَوْ فِيمَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ
وَتُمْكِنُ إعَادَتُهُ كَبَيْعِهِ صُفْرًا عَلَى أَنَّ عَلَى بَائِعِهِ صِيَاغَتَهُ قَدَحًا، فَإِنْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ وَلَا تُمْكِنُ إعَادَتُهُ لِلْعَمَلِ كَبَيْعِهِ غَزْلًا، عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ نَسْجَهُ أَوْ الزَّيْتُونَ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ عَصْرَهُ أَوْ الزَّرْعَ، عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ حَصْدَهُ وَدَرْسَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَعُطْفُ عَلَى كَمَعَ جَعَلَ الْمُشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ:(وك) إجَارَةٍ عَلَى سَلْخٍ ب (جِلْدٍ لِسَلَّاخٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَشَدِّ اللَّامِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ لِلْغَرَرِ بِتَقَطُّعِ الْجِلْدِ حَالَ سَلْخِهِ
أَوْ نُخَالَةٍ لِطَحَّانٍ، وَجُزْءِ ثَوْبٍ لِنَسَّاجٍ أَوْ رَضِيعٍ وَإِنْ مِنْ الْآنِ
ــ
[منح الجليل]
وَ) إجَارَةٌ عَلَى طَحْنٍ بِ (نُخَالَةٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَإِعْجَامِ الْخَاءِ (لِطَحَّانٍ) لِلْغَرَرِ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهَا وَصِفَتِهَا. فِيهَا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى سَلْخِ شَاةٍ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا. ابْنُ شَاسٍ لَوْ اسْتَأْجَرَ السَّلَّاخَ بِالْجِلْدِ وَالطَّحَّانَ بِالنُّخَالَةِ فَلَا يَجُوزُ. ابْنُ عَرَفَةَ الْجِلْدُ يَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِهِ وَالنُّخَالَةُ تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الدَّقِيقِ، وَفِيهَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى طَحْنِ إرْدَبّ حِنْطَةٍ بِدِرْهَمٍ وَقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ، لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّاةِ حَيَّةً أَوْ مَذْبُوحَةً وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا مَنَعَ لِأَنَّ السَّلَّاخَ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بَعْدَ سَلْخِهِ، وَلَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ سَلِيمًا مِنْ الْقَطْعِ أَوْ لَا، وَفِي أَيِّ جِهَةٍ يَكُونُ قَطْعُهُ، وَأَتَى بِالْكَافِ لِيَدْخُلَ اللَّحْمُ، وَانْظُرْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِرَأْسٍ أَوْ بِالْأَكَارِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الذَّبْحِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ، وَعَلَى السَّلْخِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ تَصِحُّ ذَكَاتُهُ أَمْ لَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى السَّلْخِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ الْحَطّ.
(وَ) كَإِجَارَةٍ ب (جُزْءِ ثَوْبٍ لِنَسَّاجٍ) عَلَى النَّسْجِ لِجَهْلِ صِفَتِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ. فِيهَا وَإِنْ أَجَرْته عَلَى دَبْغِ جُلُودٍ وَعَمَلِهَا أَوْ نَسْجِ ثَوْبٍ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ ذَلِكَ إذَا فَرَغَ فَلَا يَجُوزُ. ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَخْرُجُ، وَلِأَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ بِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا إنْ قَالَ لَك نِصْفُ الْغَزْلِ عَلَى أَنْ تَنْسِجَ لِي نِصْفَهُ، فَيَجُوزُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَجُزْءُ ثَوْبٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ بِجُزْءِ الْغَزْلِ أَوْ الْجِلْدِ أَوْ الْجُلُودِ قَبْلَ الدَّبْغِ لَجَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ شُرِطَ تَعْجِيلُهُ، أَوْ عُرِفَ وَإِلَّا فَسَدَتْ.
(أَوْ) إجَارَةٌ عَلَى إرْضَاعٍ بِجُزْءِ (رَضِيعٍ) رَقِيقٍ أَوْ بَهِيمٍ إنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بَعْدَ فِطَامِهِ، بَلْ (وَإِنْ كَانَ) عَلَى أَنْ يَمْلِكَهُ (مِنْ الْآنَ) أَيْ وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ أَرْضَعَتْ بِجُزْءٍ مِنْ الرَّضِيعِ الرَّقِيقِ بَعْدَ الْفِطَامِ فَلَا يَجُوزُ. ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَعْرِفْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ
وَبِجُزْءِ مَا سَقَطَ، أَوْ خَرَجَ فِي نَفْضِ زَيْتُونٍ، أَوْ عَصْرِهِ،
ــ
[منح الجليل]
بِشَخْصِهَا إلَّا لِلْغَزَالِيِّ، وَهِيَ نَحْوُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ وَأُجْرَتُهُ عَلَى تَعْلِيمِ عَبْدِك الْكِتَابَ سَنَةً وَلَهُ نِصْفُهُ، فَلَا يَجُوزُ، إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِ مَالِهِ فِيهِ قَبْلَ السَّنَةِ، وَقَدْ يَمُوتُ الرَّضِيعُ فِيهَا فَيَذْهَبُ إرْضَاعُهُ بَاطِلًا. أَبُو مُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعَلِّمُ نِصْفَهُ الْآنَ عَلَى سَنَةٍ فَلَا يَجُوزُ.
" غ " كَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمَبْسُوطَةِ، سُئِلَ ابْنُ كِنَانَةَ عَمَّنْ يُعْطِي فَصِيلَهُ لِمَنْ يُغَذِّيهِ بِنَاقَتِهِ وَيَكُونُ الْفَصِيلُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا ابْتَدَأَ لَهُ بِسَاعَةٍ يَدْفَعُهُ لَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ مِنْ الْآنِ خَاصٌّ بِمَسْأَلَةِ الرَّضِيعِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ الْفِطَامِ، لَكِنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعَلِّمُ نِصْفَهُ الْآنَ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سَنَةً فَلَا يَجُوزُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ لَمَّا كَانَ مُعَيَّنًا وَلَوْ تَعَذَّرَ تَعْلِيمُهُ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا يَلْزَمُ رَبَّهُ خَلْفُهُ صَارَ نَقْدُ الْأُجْرَةِ فِيهِ كَالنَّقْدِ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَمَلَةِ بِشَرْطٍ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ جَزَاءً مِنْهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيُشَارِكُهُ فِي هَذَا مَسْأَلَةُ الرَّضِيعِ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى نَفْضِ زَيْتُونٍ أَوْ عَصْرِهِ (بِجُزْءٍ) مِ (مَا سَقَطَ) مِنْهُ بِسَبَبِ نَفْضِهِ كَثُلُثِهِ (أَوْ) بِجُزْءٍ مِمَّا (خَرَجَ) مِنْ زَيْتِهِ بِسَبَبِ عَصْرِهِ. وَصِلَةُ سَقَطَ (مِنْ نَفْضٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَنَقْطِ الضَّادِ، أَيْ ضَرْبِ (زَيْتُونٍ) وَصِلَةُ خَرَجَ مِنْ (عَصْرِهِ) أَيْ الزَّيْتُونِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهْلِ بِالْقَدْرِ فِي الْأُولَى وَالصِّفَةِ فِي الثَّانِيَةِ. فِيهَا إنْ قَالَ لَهُ اُنْفُضْ شَجَرِي أَوْ حَرِّكْهَا فَمَا نَفَضْت أَوْ سَقَطَ فَلَكَ نِصْفُهُ، فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَإِنْ قَالَ اعْصِرْ زَيْتُونِي أَوْ جُلْجُلَانِي فَمَا عَصَرْت فَلَكَ نِصْفُهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَخْرُجُ وَلَا كَيْفَ يَخْرُجُ، وَإِذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّرْكِ إذَا شَرَعَ وَلَيْسَ هَكَذَا الْجَعْلُ. اهـ. فَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَ عَدَمِ جَوَازِ عَصْرِ الزَّيْتُونِ بِجُزْءِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَأَمَّا وَجْهُ عَدَمِ جَوَازِ النَّفْضِ وَالتَّحْرِيكِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ لِأَنَّ الشَّجَرَ يَخْتَلِفُ، فَمِنْهُ
وَكَاحْصِدْ، وَادْرُسْ، وَلَك نِصْفُهُ، وَكِرَاءُ أَرْضٍ بِطَعَامٍ، أَوْ بِمَا يُثْبِتُهُ
ــ
[منح الجليل]
مَا هُوَ نَاصِحٌ يَقِلُّ مَا يَسْقُطُ مِنْهُ، وَمِنْهُ مَا هُوَ بِخِلَافِهِ. اهـ. فَلَا يَصِحُّ إجَارَةً وَلَا جُعْلًا لِلْجَهْلِ الْمَذْكُورِ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: ابْنُ الْقَصَّارِ مَعْنَى التَّحْرِيكِ هُنَا النَّفْضُ بِالْيَدِ، وَأَمَّا بِالْقَضِيبِ فَهُوَ كَالْحَصْدِ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ النَّفْضَ بِالْيَدِ غَيْرُ مُعْتَادٍ.
الثَّانِي: فِي التَّوْضِيحِ عَقِبَ مَسْأَلَةِ النَّفْضِ. ابْنُ يُونُسَ لَوْ قَالَ اُنْفُضْهُ كُلَّهُ وَلَك نِصْفُهُ جَازَ، وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُفْهَمُ أَنَّهُ لِابْنِ حَبِيبٍ مُخَالِفًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
الثَّالِثُ: إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْفَاسِدَةِ وَأَتَمَّ الْعَمَلَ فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَجَمِيعُ الزَّرْعِ لِرَبِّهِ، فَإِنْ اقْتَسَمَا عَلَى مَا قَالَا فَمَا أَخَذَهُ الْعَامِلُ حَرَامٌ، وَمَا أَخَذَهُ رَبُّ الزَّرْعِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّرْعَ جَمِيعَهُ لَهُ أَفَادَهُ الْحَطّ.
وَشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ فَقَالَ: (ك) قَوْلِهِ (اُحْصُدْ) بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا (وَادْرُسْ) بِضَمِّ الرَّاءِ هَذَا الزَّرْعَ (وَلَك نِصْفُهُ) فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ إذْ لَا يَدْرِي كَمْ يَخْرُجُ وَلَا كَيْفَ يَخْرُجُ فِيهَا إنْ قَالَ اُحْصُدْهُ وَادْرُسْهُ وَلَك نِصْفُهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَبِّ، وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ يَخْرُجُ وَلَا كَيْفَ يَخْرُجُ. وَعُطِفَ عَلَى اُحْصُدْ فَقَالَ (وَ) ك (كِرَاءِ الْأَرْضِ) لِتُزْرَعَ (بِطَعَامٍ) فَهُوَ فَاسِدٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، سَوَاءٌ أَنْبَتَتْهُ كَالْقَمْحِ أَمْ لَا كَاللَّبَنِ (أَوْ) كِرَائِهَا لَهُ (بِمَا تُنْبِتُهُ) مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ، وَأَمَّا كِرَاؤُهَا لِلْبِنَاءِ فِيهَا بِمَا ذُكِرَ فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَنْبُتُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَا بِطَعَامٍ تُنْبِتُ مِثْلَهُ أَوْ لَا تُنْبِتُهُ، وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ أُصْطُبَّةٍ وَهُوَ الْمُشَاقُّ، إذْ قَدْ يُزْرَعُ ذَلِكَ فِيهَا فَيَصِيرُ مُحَاقَلَةً وَلَا بِقَضْبٍ وَقَصَبٍ وَقُرْطٍ أَوْ تِبْنٍ أَوْ عَلَفٍ، وَلَا بِلَبَنٍ مَحْلُوبٍ أَوْ فِي ضُرُوعِهِ،
إلَّا كَخَشَبٍ
ــ
[منح الجليل]
وَلَا بِجُبْنٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ صُبْرٍ أَوْ مِلْحٍ وَلَا بِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَنْبِذَةِ. وَإِذَا خِيفَ فِي اكْتِرَائِهَا بِبَعْضِ مَا تَنْبُتُ مِنْ الطَّعَامِ أَنْ يَدْخُلَهُ طَعَامٌ بِمِثْلِهِ إلَى أَجَلٍ خِيفَ فِي اكْتِرَائِهَا بِطَعَامٍ لَا تُنْبِتُهُ أَنْ يَكُونَ طَعَامًا بِطَعَامٍ خِلَافِهِ إلَى أَجَلٍ، وَلَا تُكْرَى بِالْفِلْفِلِ وَلَا بِزَيْتِ زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ وَلَا بِزَيْتِ الْجُلْجُلَانِ وَلَا بِالسَّمَكِ وَلَا بِطَيْرِ الْمَاءِ وَلَا بِشَاةِ لَحْمٍ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ الطَّعَامِ وَلَا بِزَعْفَرَانٍ، لِأَنَّهَا تُنْبِتُهُ، وَلَا بِوَرْسٍ وَيَاسَمِينٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَا بِعُصْفُرٍ (إلَّا كَخَشَبٍ) .
فِيهَا قَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " وَلَا بَأْسَ بِكِرَائِهَا بِالْعُودِ، أَرَادَ الْهِنْدِيَّ وَبِالصَّنْدَلِ وَالْحَطَبِ وَالْخَشَبِ وَالْجُذُوعِ وَبِالْعَيْنِ. سَحْنُونٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِطُولِ مُكْثِهَا وَوَقْتِهَا فَلِذَلِكَ سَهُلَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ تُنْبِتُهَا الْأَرْضُ. ابْنُ عَرَفَةَ لَا بَأْسَ بِكِرَائِهَا بِالْمَاءِ وَلَا يَتَخَرَّجُ مَنْعُهَا بِهِ عَلَى أَنَّهُ طَعَامٌ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ، وَهُوَ يُجِيزُهُ بِالطَّعَامِ غَيْرِ الْحِنْطَةِ وَجِنْسِهَا: وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ الْقَصَبَ كَالْجُذُوعِ وَقَبُولِهِ. ابْنُ هَارُونَ لَمْ أَعْرِفْهُ، بَلْ قَوْلُهَا لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْقَصَبِ. اهـ. وَضَبَطَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، نُقِلَ الْجَوَازُ عَنْ صَاحِبِ التَّلْقِينِ فَيَرِدُ إنْكَارُ ابْنِ عَرَفَةَ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَضْبُ بِسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مُصَحَّحَةٍ، وَيَدُلُّ لَهُ ذِكْرُهُ مَعَ الْقُرْطِ وَالتِّينِ قَالَهُ الْحَطّ. الْبُنَانِيُّ وَكَذَا ضَبَطَهُ أَبُو الْحَسَنِ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ قَائِلًا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصَّوَابَ فِي الْقَصَبِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ جَوَازُ كِرَائِهَا بِهِ كَالْخَشَبِ، وَأَنَّ الْقَضْبَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِثِيَابِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ غَيَّرَتْهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِي: ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْمَصْطَكَى نَصٌّ فِي أَنَّهَا غَيْرُ طَعَامٍ،
الثَّالِثُ: فِيهَا مَنْ أَكْرَى أَرْضَهُ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ وَحَلَّتْ فَلَا يَأْخُذْ بِهَا طَعَامًا وَلَا إدَامًا وَلْيَأْخُذْ مَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ كِرَاءَهَا بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الرَّابِعُ. فِيهَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَجَرٍ بِأُصُولِهَا يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُكْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا ثَمَرٌ فَلَا يَجُوزُ.
الْخَامِسُ: فِيهَا يَجُوزُ بَيْعُ رَقَبَةِ الْأَرْضِ بِشَجَرٍ فِيهَا ثَمَرٌ كَمَا تُبَاعُ بِطَعَامٍ عَاجِلٍ وَآجِلٍ. وَفِي النَّوَادِرِ لَا بَأْسَ بِشِرَائِهَا بِذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا طَعَامٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ تُكْرِيَ بِئْرًا إلَى جَانِبِ أَرْضِك لِتَسْقِيَهَا بِمَائِهَا بِمَا شِئْت مِنْ الطَّعَامِ. اهـ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي سَلَمِهَا الثَّالِثِ.
السَّادِسُ: إذَا وَقَعَ كِرَاؤُهَا بِمَا مُنِعَ كِرَاؤُهَا بِهِ، فَإِنَّمَا لَهُ كِرَاؤُهَا بِالدَّرَاهِمِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ عِيسَى بْنَ مِسْكِينٍ وَغَيْرَهُ مِنْ قُضَاةِ أَصْحَابِنَا بِأَفْرِيقِيَّةِ حَكَمُوا بِأَنْ يُعْطِيَ لَهُ قِيمَةَ الْجُزْءِ الَّذِي يَقَعُ لَهُ مِنْ ثُلُثِ أَوْ رُبُعِ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ لَهَا بِالْمَغْرِبِ قِيمَةُ كِرَاءٍ بِالْعَيْنِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ قِيمَةُ كِرَائِهَا يَوْمَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَا كِرَاءَ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي الْأَرْضِ إذَا لَمْ يُصِبْ شَيْئًا فِيهَا. ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ أَرْضُ الْأَنْدَلُسِ عِنْدِي بِخِلَافِ ذَلِكَ الْكِرَاءِ فِيهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَعْرُوفٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُقْضَى فِيهَا بِكِرَاءِ الْمِثْلِ. وَقُلْت وَكَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أَرْضِ تُونُسَ، وَفِي قَوْلِهِمْ فَنَظَرَ إلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ ثُلُثِ أَوْ رُبُعِ دَرَاهِمَ نَظَرٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ مِنْ الْجُزْءِ، وَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَيَجِبُ لَغْوٌ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ فِيهِ، وَيَنْظُرُ إلَى قِيمَتهَا بِالْجُزْءِ أَنْ لَوْ جَازَ فِيهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ. اهـ. الْحَطّ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّابِعُ: شَدَّدَ سَحْنُونٌ فَقَالَ مَنْ أَكْرَاهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَذَلِكَ جُرْحَةٌ فِيهِ، وَتَأَوَّلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى مَنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُهُ، أَوْ قَلَّدَ مَنْ مَذْهَبُهُ الْمَنْعُ. سَحْنُونٌ وَلَا يُؤْكَلُ طَعَامُهُ وَلَا يُشْتَرَى مِنْهُ ذَلِكَ الطَّعَامُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ كِرَائِهَا، وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْوَرَعِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ كَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شِرَاءَ طَعَامٌ مِنْ مُكْتَرِي الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الطَّعَامَ كُلَّهُ لِمُكْتَرِي الْأَرْضِ، وَعَلَيْهِ كِرَاؤُهَا عَيْنًا. الْحَطّ هَذَا إنْ لَمْ يَتُبْ وَيُصْلِحْ مَا وَقَعَ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَأَمَّا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا يَظْهَر لِلتَّوَقُّفِ
وَحَمْلِ طَعَامٍ لِبَلَدٍ بِنِصْفِهِ، إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْآنَ،
ــ
[منح الجليل]
حِينَئِذٍ وَجْهٌ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ مِمَّنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مَغْصُوبَةٍ جَوَازُ شِرَاءِ مَا يَحْصُلُ بِالْمُعَامَلَةِ الْفَاسِدَةِ قَبْلَ أَنْ يُصْلِحَا شَأْنَهُمَا، قَالَ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ شِرَاءُ الطَّعَامِ مِنْ مُكْتَرِي الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُصْلِحَ شَأْنَهُ مَعَ رَبِّهَا، فَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ عَلَى التَّنَزُّهِ وَهُوَ الْأَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(و) فَسَدَتْ إجَارَةٌ عَلَى (حَمْلِ طَعَامٍ) مِنْ بَلَدٍ (لِبَلَدٍ) مُعَيَّنَيْنِ (بِنِصْفِهِ) أَيْ الطَّعَامِ مَثَلًا لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) بِشَرْطِ (أَنْ يَقْبِضَهُ) أَيْ الْمُكْرِي الطَّعَام (الْآنَ) أَيْ وَقْتَ عَقْدِ الْكِرَاءِ فَيَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ الْمَذْكُورِ. فِيهَا لَوْ قُلْت احْمِلْ طَعَامِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَلَك نِصْفُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إنْ تَنْقُدَهُ الْآنَ مَكَانَك وَإِنْ أَخَّرْته إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْمِلُهُ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ شَيْءٌ بَيْعُهُ بَيْعٌ عَلَى أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ إلَى أَجَلٍ. ابْنُ يُونُسَ إذَا وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا فَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَجَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَجَرْت رَجُلًا عَلَى حَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَكُمَا إلَى بَلَدٍ يَبِيعُهُ بِهِ عَلَى أَنَّ عَلَيْك كِرَاءَ حِصَّتِك وَسَمَّيْتُمَا ذَلِكَ، فَإِنْ شَرَطْت أَنْ لَا يُمَيِّزَ حِصَّتَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْبَلَدِ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَاءَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ أَوْ يَخْرُجُ جَازَ إنْ كَانَ ضَرَبَ لِلْمَبِيعِ أَجَلًا، أَرَادَ بَعْدَ وُصُولِ الْبَلَدِ وَلَا يَنْقُدُهُ أُجْرَةَ الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ إنْ وَاجَرْتَهُ عَلَى طَحِينِهِ، فَإِنْ كَانَ إذَا شَاءَ أَفْرَدَ طَحَنَ حِصَّتَهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ لَا يَطْحَنَهُ إلَّا مُجْتَمِعًا فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَاجَرْتَهُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بَيْنَكُمَا جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْإِجَارَةُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاسِمَك حِصَّتَهُ وَيَبِيعَهَا مَتَى شَاءَ وَضَرَبْت لِلرِّعَايَةِ أَجَلًا إنْ شَرَطْت خَلَفَ مَا يَهْلِكُ مِنْ حِصَّتِك. وَإِنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى حَمْلِ الطَّعَامِ لِبَلَدٍ بِنِصْفِهِ وَحَمْلِهِ إلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ أَخِي ابْنُ هِشَامٍ لِلْجَمَّالِ نِصْفُهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فِي الْمَوْضِع الَّذِي حَمَلَهُ مِنْهُ، وَلَهُ كِرَاءُ حَمْلِ النِّصْفِ الْآخَرِ. ابْنُ يُونُسَ عَابَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا قَائِلًا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ نِصْفِ الطَّعَامِ إذَا هَلَكَ لِأَنَّهُ لَزِمَ ذِمَّتَهُ بِقَبْضِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ فَسَادَ الْمُعَامَلَةِ مَنَعَ الْمُكَارِي مِنْ قَبْضِ حِصَّتِهِ إلَى وُصُولِهِ لِلْبَلَدِ
وَكَإِنْ خِطْته الْيَوْمَ بِكَذَا، وَإِلَّا فَبِكَذَا،
ــ
[منح الجليل]
الْمَحْمُولِ إلَيْهِ، فَكَيْفَ يَضْمَنُهُ إذَا هَلَكَ قَبْلَهُ وَهُوَ لَا يَصِيرُ لَهُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الطَّعَام كُلُّهُ لِرَبِّهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ حَمْلِهِ كُلِّهِ.
ابْنُ يُونُسَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ دَبْغِ الْجُلُودِ وَنَسْجِ الثَّوْبِ عَلَى أَنَّهُ لَهُ نِصْفُهُ إذَا فَرَغَ فَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ، وَالثَّوْبُ وَالْجُلُودُ لِرَبِّهَا، فَكَذَا هَذَا. أَبُو الْحَسَنِ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ أَخِي ابْنِ هِشَامٍ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا لِأَنَّهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ بِيعَ عَلَى أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ، فَإِنْ أَفَاتَهُ الْجَمَّالُ بَعْدَ وُصُولِهِ لِلْبَلَدِ الْمَحْمُولِ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فِيهِ، وَلَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعُطِفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي الْفَسَادِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ (وك) إجَارَتِهِ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ قَائِلًا (إنْ خِطْته) أَيْ الثَّوْبَ (الْيَوْمَ) مَثَلًا فَهِيَ (بِكَذَا) كَدِرْهَمٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخِطْهُ الْيَوْمَ (ف) خِيَاطَتُهُ (بِكَذَا) أَيْ أُجْرَةً أَقَلَّ كَنِصْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنْ نَزَلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ زَادَ أَوْ نَقَصَ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَجَّرْت رَجُلًا يَخِيطُ لَك ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ إنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّهُ آجَرَ نَفْسَهُ بِمَا لَا يُعْرَفُ. ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ الْإِمَام مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَجَّرَ مَنْ يُبْلِغُ لَهُ كِتَابًا إلَى ذِي الْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَإِنْ بَلَّغْته فِي يَوْمَيْنِ فَلَكَ زِيَادَةُ كَذَا، فَكَرِهَهُ وَاسْتَخَفَّهُ فِي الْخِيَاطَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إجَازَتُهُ أَحَبُّ إلَيْنَا وَبِهَا أَخَذَ سَحْنُونٌ. وَفِيهَا إنْ أَجَرْت رَجُلًا يَخِيطُ ثَوْبًا إنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قُلْت لَهُ إنْ خِطْته خِيَاطَةً رُومِيَّةً فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته خِيَاطَةً عَجَمِيَّةً فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ مِنْ وَجْهٍ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، فَإِنْ خَاطَهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، زَادَ عَلَى التَّسْمِيَةِ أَوْ نَقَصَ. قَالَ غَيْرُهُ فِي الْأَوْلَى إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الدِّرْهَمِ أَوْ يَنْقُصَ عَنْ نِصْفِهِ فَلَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ. أَبُو الْحَسَنِ وَيُعْتَبَرُ فِي التَّقَوُّمِ التَّعْجِيلُ وَالتَّأْخِيرُ بِأَنْ يُقَالَ كَمْ قِيمَةُ خِيَاطَةِ مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ الْيَوْمَ، وَكَمْ قِيمَةُ خِيَاطَتِهِ إلَى غَدٍ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ. سَحْنُونٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْسَنُ.
وَاعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي فَمَا حَصَلَ: فَلَكَ نِصْفُهُ، وَهُوَ لِلْعَامِلِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا.
ــ
[منح الجليل]
فَرْعَانِ)
الْأَوَّلُ: إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ عَجِّلْ فِي الْيَوْمِ وَأَزِيدُك نِصْفَ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنْ يُمْكِنَهُ تَعْجِيلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي إذَا أَجْهَدَ نَفْسَهُ هَلْ يُتِمُّهُ فِي الْيَوْمِ أَمْ لَا، فَكَرِهَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَمِثْلُهُ اسْتِئْجَارُ رَسُولٍ عَلَى تَبْلِيغِ كِتَابٍ لِبَلَدِ كَذَا، ثُمَّ زِيَادَتُهُ عَلَى أَنْ يُسْرِعَ السَّيْرَ فَيُبْلِغَهُ فِي يَوْمِ كَذَا يَفْصِلُ فِيهِ، هَذَا الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَنَصُّهُ سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الرَّجُلِ يَسْتَخِيطُ الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَجِّلْهُ إلَى الْيَوْمِ وَلَك نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَلَمْ يَرَهُ كَالرَّسُولِ يُزَادُ لِسُرْعَةِ السَّيْرِ. ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا الَّذِي يَسْتَخِيطُ الثَّوْبَ بِأَجْرٍ مُسَمَّى ثُمَّ يَزِيدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ لِأَنَّ تَعْجِيلَهُ مُمْكِنٌ لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَمَّدَ تَأْخِيرَهُ وَمَطْلِهِ إضْرَارًا بِهِ لِغَيْرِ سَبَبٍ، وَلَهُ أَنْ يَتَّسِعَ فِي عَمَلِهِ وَيُؤَخِّرَهُ فِي عَمَلِ غَيْرِهِ قَبْلَهُ، أَوْ لِلِاشْتِغَالِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حَوَائِجِهِ عَلَى مَا جَرَى عُرْفُ الصُّنَّاعِ فِي التَّرَاخِي فِي أَعْمَالِهِمْ، فَإِذَا زَادَهُ عَلَى أَنْ يَتَفَرَّغَ لَهُ وَيُعَجِّلَهُ جَازَ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا زَادَهُ عَلَى فِعْلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ. اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَبَعْضُهُ فِي التَّوْضِيحِ.
الثَّانِي: فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِنْ الْإِجَارَةِ مَنْ اسْتَأْجَرَ غِلْمَانًا يَخِيطُونَ الثِّيَابَ كُلَّ شَهْرٍ بِشَيْءٍ مُسَمًّى فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى أَحَدِهِمْ ثِيَابًا عَلَى أَنَّهُ إنْ فَرَغَ مِنْهَا فِي يَوْمِهَا فَلَهُ بَقِيَّةُ يَوْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْرَغْ مِنْهَا فِيهِ فَعَلَيْهِ يَوْمٌ آخَرُ لَا يُحْسَبُ لَهُ مِنْ شَهْرِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا خَفَّ ذَلِكَ.
(وَ) كَقَوْلِهِ (اعْمَلْ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الْمِيمِ (عَلَى دَابَّتِي) بِاحْتِطَابٍ أَوْ احْتِشَاشٍ أَوْ سَقْيِ مَاءٍ وَبَيْعِهِ أَوْ بِتَحْمِيلِهَا بِأُجْرَةٍ (فَمَا حَصَلَ) مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ (فَلَكَ نِصْفُهُ) فَفَاسِدٌ لِلْغَرَرِ (وَ) إنْ نَزَلَ فَ (هُوَ) أَيْ الْحَاصِلُ (لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (كِرَاؤُهَا)
عُكِسَ لِتُكْرِيَهَا،
ــ
[منح الجليل]
أَيْ الدَّابَّةُ وَذَلِكَ (عَكْسُ) حُكْمِ خُذْ دَابَّتِي (لِتُكْرِيهَا) أَيْ الدَّابَّةَ وَلَك نِصْفُ كِرَائِهَا، وَهُوَ أَنَّ مَا حَصَلَ لِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْعَامِلِ. فِيهَا وَإِنْ دَفَعْت إلَيْهِ دَابَّةً أَوْ إبِلًا أَوْ دَارًا أَوْ سَفِينَةً أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ وَلَهُ نِصْفُ الْكِرَاءِ فَلَا يَجُوز، فَإِنْ نَزَلَ كَانَ لَك جَمِيعُ الْكِرَاءِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ كَمَا لَوْ قُلْت لَهُ بِعْ سِلْعَتِي فَمَا بِعْتهَا بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك، أَوْ قُلْت لَهُ فَمَا زَادَ عَلَى مِائَةٍ فَبَيْنَنَا فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالثَّمَنُ لَك وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. ابْنُ يُونُسَ سَاوَى بَيْنَ الدَّوَابِّ وَالدُّورِ وَالسُّفُنِ إذَا قَالَ اكْرِهَا وَلَك نِصْفُ الْكِرَاءِ أَنَّ الْكِرَاءَ لِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ إجَارَةُ الْمِثْلِ لِلرَّجُلِ وَهُوَ أَصْوَبُ، وَلَوْ أَعْطَيْته الدَّابَّةَ أَوْ السَّفِينَةَ أَوْ الْإِبِلَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا فَمَا أَصَابَ بَيْنَكُمَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، فَإِنْ عَمِلَ عَلَيْهَا فَالْكَسْبُ هَاهُنَا لِلْعَامِلِ، وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ مَا بَلَغَ، وَكَأَنَّهُ اكْتَرَى ذَلِكَ كِرَاءً فَاسِدًا وَالْأَوَّلُ آجَرَ نَفْسَهُ مِنْك فَاسِدَةٌ فَافْتَرَقَا. " غ "، قَوْلُهُ فَمَا حَصَلَ فَلَكَ نِصْفُهُ، أَيْ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَجَازَ بِنِصْفِ مَا يَحْتَطِبُ عَلَيْهَا.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالسَّفِينَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَكْسِ، وَزَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعَهَا فِيهِ الْحَمَّامُ وَالدَّارُ وَسَكَتَ فِي الْأَصْلِ عَنْ الدَّارِ وَالْحَمَّامِ فَقَالَ عِيَاضٌ لِأَنَّ مَا لَا يَذْهَبُ بِهِ وَلَا عَمَلَ فِيهِ لِمُتَوَلِّيهِ كَالرِّبَاعِ فَهُوَ فِيهَا أَجِيرٌ وَالْكَسْبُ لِرَبِّهَا، وَيَسْتَوِي فِيهَا اعْمَلْ وَأَجِّرْ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَبِلَهُ اللَّخْمِيُّ. قَوْلُهُ فِي السَّفِينَةِ اكْرِهَا وَاعْمَلْ عَلَيْهَا سَوَاءٌ إنْ كَانَ فِيهَا قَوْمَةُ رَبِّهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ فَغَلَّتُهَا لِرَبِّهَا وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَلَوْ سَافَرَ فِيهَا بِمَتَاعِهِ فَالرِّبْحُ لَهُ وَلِرَبِّهَا الْإِجَارَةُ وَالْحَمَّامُ، وَالْفُرْنُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا دَوَابُّ وَلَا آلَةٌ كَانَ مَا يُؤَاجِرُ بِهِ الْعَامِلُ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَإِنْ كَانَا بِدَوَابِّهِمَا وَيَشْتَرِي الْحَطَبَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهَا أَوْ مِنْ غَلَّتِهَا فَمَا أَصَابَ فَلِرَبِّهَا وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ قِيَمٌ فِيهِمَا، وَكَذَا الْفُنْدُقُ مَا أَكْرَى بِهِ مَسَاكِنُهُ لِرَبِّهِ وَلِلْقَيِّمِ أُجْرَتُهُ.
الثَّانِي: لَا فَرْقَ إذَا قَالَ أَعْمَلُ عَلَى دَابَّتِي أَوْ فِي سَفِينَتِي أَوْ إبِلِي بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لِي أَوْ
وَكَبَيْعِهِ نِصْفًا: بِأَنْ يَبِيعَ نِصْفًا، إلَّا فِي الْبَلَدِ، إنْ آجِلًا وَلَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا.
ــ
[منح الجليل]
لَا يَقُولُهَا عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ، وَصَرِيحِ رِوَايَةِ الدَّبَّاغِ. وَفِي الْجَلَّابِ إذَا قَالَ اعْمَلْ لِي كَانَ الْكَسْبُ كُلُّهُ لِرَبِّ الدَّابَّةِ. عِيَاضٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لِي أَوْ لَا يَقُولُهَا، إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
الثَّالِثُ: إذَا أُصِيبَ مَا عَمِلَ عَلَيْهَا قَبْلَ بَيْعِهِ فَهُوَ مِنْ الْعَامِلِ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
الرَّابِعُ: إذَا قَالَ اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي فَعَمِلَ وَلَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا فَقَالَ الصِّقِلِّيُّ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ. وَلِابْنِ حَبِيبٍ إنْ عَرَفَ أَنَّهُ عَاقَهُ عَائِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُكْرِهَا بِشَيْءٍ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ.
الْخَامِسُ: لَوْ قَالَ اكْرِهَا فَعَمِلَ عَلَيْهَا فَالْكَسْبُ لِلْعَامِلِ وَلِرَبِّهَا كِرَاءُ مِثْلِهَا، وَإِنْ قَالَ اعْمَلْ عَلَيْهَا فَأَكْرَاهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا أَكْرَيْت بِهِ لِلْأَجِيرِ وَلِرَبِّهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا. وَفِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مَا أَكْرَيْت بِهِ لِرَبِّهَا لِأَنَّ ضَمَانَهَا مِنْهُ. وَعُطِفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي الْفَسَادِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ (وَكَبَيْعِهِ) أَيْ الْمَالِكِ شَيْئًا كَامِلًا وَمَفْعُولُ بَيْعٍ الْمُضَافُ لِفَاعِلِهِ (نِصْفًا) مِنْهُ وَصِلَةُ بَيْعٍ (بِأَنْ يَبِيعَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (نِصْفًا) ثَانِيًا مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَثَمَنُ النِّصْفِ الْأَوَّلِ بَيْعُ النِّصْفِ الثَّانِي فَهِيَ فَاسِدَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. أَبُو إِسْحَاقَ لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ لَا يَقْبِضُهُ إلَّا إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ وَهُوَ بُلُوغُهُ الْبَلَدَ الْآخَرَ الَّذِي يَبِيعُ فِيهِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْبَيْعِ (بِالْبَلَدِ) الَّذِي هُمَا بِهِ فَيَجُوزُ. وَلِابْنِ لُبَابَةَ غَيْرُ الْبَلَدِ كَالْبَلَدِ (إنْ أَجَّلَا) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا، أَيْ جَعَلَ الْعَاقِدَانِ لِلْبَيْعِ أَجَلًا مَعْلُومًا لِيَخْرُجَا عَنْ الْبَيْعِ وَالْجُعْلِ، فَإِنْ جَمَعَهُمَا مُمْتَنِعٌ وَالْإِجَارَةُ الْجَائِزُ اجْتِمَاعُهُمَا (وَلَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ) أَيْ الْمَبِيعُ وَهُوَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ (مِثْلِيًّا) مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا، فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَسَدَتْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِ وَالثَّمَنِ.
سَحْنُونٌ لِأَنَّهُ قَبَضَ أُجْرَتَهُ وَهِيَ طَعَامٌ لَا يَعْرِفُ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ يَبِيعُ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَيَرِدُ نِصْفُ الْأُجْرَةِ فَتَصِيرُ إجَارَةً وَسَلَفًا. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ ثَوْبٍ أَوْ نِصْفَ دَابَّةٍ أَوْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
غَيْرَهُمَا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالْبَلَدِ جَازَ إنْ ضَرَبَ لِبَيْعِ ذَلِكَ أَجَلًا مَا خَلَا الطَّعَامَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. سَحْنُونٌ لِأَنَّهُ قَبَضَ إجَارَتَهُ وَهِيَ طَعَامٌ لَا يَعْرِفُ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ يَبِيعُ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَيَرِدُ حِصَّةُ ذَلِكَ فَتَصِيرُ إجَارَةً وَسَلَفًا، أَرَادَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَأَجَازَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ لَمْ يَضْرِبْ لِبَيْعِهِ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ شَرْطُ بَيْعِهِ فِي الْبَلَدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الْإِمَام مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ نِصْفَ الثَّوْبِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ. تت ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ بَاعَ لَهُ نِصْفَ سِلْعَةٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ نِصْفَهَا أَوْ بِأَنْ يَبِيعَ لَهُ نِصْفَهَا فَثَالِثُهَا إنْ عَيَّنَ أَجَلًا جَازَ، وَرَابِعُهَا عَكْسُهُ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِهَا بِالْبَلَدِ أَوْ بِغَيْرِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ.
وَالْجَوَازُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ فِي الْبَلَدِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ، غَيْرَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ هِيَ الْأُولَى مِنْ صُورَتَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ، ثُمَّ قَالَ وَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ لِلْجَوَازِ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ كَوْنُ الْبَيْعِ بِالْبَلَدِ وَكَوْنُهُ لِأَجَلٍ، وَكَوْنُ الْمَبِيعِ غَيْرَ مِثْلِيٍّ وَعَلِمْت أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ ذَكَرَ صُورَتَيْنِ، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى ثَانِيَتِهِمَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي تَوْضِيحِهِ بِأَنَّ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا هُنَا النِّصْفُ فِيهَا مَجْمُوعُ الثَّمَنِ، أَيْ لِبَيْعِ النِّصْفِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ بَيْعَ النِّصْفِ بَعْضُ الثَّمَنِ كَقَوْلِك أَبِيعُك النِّصْفَ بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ اهـ. وَرَأَى ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ مَعَهُ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا، وَرُبَّمَا أَشْعَرَ بِهَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأُخْرَى، وَدَعْوَى الْبِسَاطِيِّ تَعَسُّفَ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَقَوْلُهُ إنَّ الَّتِي اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا وَقَرَّرَ كَلَامَهُ عَلَيْهَا اعْتَرَضَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهَا دُونَ الْأَجَلِ مُجَرَّدُ جَعْلٍ، وَبِهِ إجَارَةٌ فَلَا مَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ غَيْرُ ظَاهِرٍ أَيْضًا لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ إنَّمَا تَعَقَّبَ عَلَى ابْنِ هَارُونَ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَوَابٍ، لِأَنَّهُ دُونَ أَجَلٍ مُجَرَّدُ جَعْلٍ وَبِهِ إجَارَةٌ، وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ اهـ، وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ فِي جَوَازِ بَيْعِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
نِصْفِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مُشْتَرِيهِ بَاقِيَهُ لِبَائِعِهِ.
ثَالِثُهَا إنْ ضَرَبَ لِبَائِعِهِ أَجَلًا. وَرَابِعُهَا إنْ ضَرَبَهُ كُرِهَ وَإِلَّا جَازَ. لِعِيَاضٍ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ مَعَ الْمُوَطَّإِ وَالصَّقَلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ مَعَ إحْدَى رِوَايَتَيْهَا وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا وَاللَّخْمِيُّ عَنْ رِوَايَةِ مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَعَ قَوْلِ ابْنِ زَرْقُونٍ نَحْوُهُ، رَوَى أَشْهَبُ فِيمَا ذُكِرَ فَضْلٌ وَلِعِيَاضٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَ فِيمَا يَنْقَسِمُ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مَتَى شَاءَ جَازَ إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ. فِيهَا قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ أَوْ الْإِجَارَةِ، كَذَا نَقَلَ عَنْهُ عِيَاضٌ، وَنَقَلَهُ الصِّقِلِّيُّ عَنْهُ لَا بِقَيْدٍ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَكُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. وَفِي الْمُوَطَّإِ مَا نَصُّهُ مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَشْرِكْنِي بِنِصْفِهَا وَأَنَا أَبِيعُهَا لَك جَمِيعًا فَلَا يَجُوزُ، وَقَبِلَ عِيَاضٌ قَوْلَ ابْنِ لُبَابَةَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ بَيْعُ نِصْفِ سِلْعَةٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ حَلَالٌ أَحْسِبُهُ يُرِيدُ ضَرَبَ أَجَلًا أَمْ لَا فِي بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَهُ مِنْ الْأَجَلِ إنْ لَمْ يَضْرِبْ قَدْرُ مَا ابْتَاعَ إلَيْهِ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ مَنْ أَشْرَكَ فِي لُؤْلُؤٍ اشْتَرَاهُ قَوْمًا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ لَهُمْ وَلَوْ بَارَ وَذَهَبَ الَّذِي كَانَ يُرِيدُ بَيْعَهُ إلَيْهِ فَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَيَدْفَعُ لَهُمْ الَّذِي لَهُمْ بِمُقَاسَمَتِهِ إيَّاهُمْ.
ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُهُ جَوَازُهُ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِبَيْعِهِ أَجَلًا وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ جُعْلٌ وَبَيْعٌ، وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ رَأَى فِيهَا أَنَّ مَا يُبَاعُ لَهُ اللُّؤْلُؤُ مَعْرُوفٌ بِالْعَادَةِ فَهُوَ كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ، وَهَذَا بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ بَارَ اللُّؤْلُؤُ وَذَهَبَ الَّذِي كَانَ يُرَادُ بَيْعُهُ إلَيْهِ يُرِيدُ وَيَسْتَوْجِبُ الْبَائِعُ كُلَّ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَهُ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ لَرَجَعَ الْمُبْتَاعُونَ بِمَنَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَيَقْتَضِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ عَدَمَ وُجُودِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ بَاعَهُ نِصْفَ سِلْعَةٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ نِصْفَهَا، أَوْ بِأَنْ يَبِيعَ لَهُ نِصْفَهَا، ثَالِثُهَا إنْ عَيَّنَ أَجَلًا جَازَ، وَرَابِعُهَا عَكْسُهُ فَلَمْ يَعْزُ ابْنُ هَارُونَ الْقَوْلَ الرَّابِعَ وَاسْتَبْعَدَهُ، وَكَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَزَادَ وَيَقْرَبُ مِنْهُ مَا فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ. قُلْت الْأَظْهَرُ أَنَّهُ هُوَ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ.
وَجَازَ بِنِصْفِ مَا يُحْتَطَبُ عَلَيْهَا
ــ
[منح الجليل]
وَاشْتُهِرَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَغَيْرِهِ إطْلَاقُ لَفْظِ الْمَكْرُوهِ عَلَى الْمُحَرَّمِ قَالَهُ فِي جَامِعِ الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهِ، وَقَبُولُهُمَا نَقَلَهُ الْقَوْلُ بِالْفَسَادِ فِي بَيْعِ نِصْفِ سِلْعَةٍ بِأَنْ يَبِيعَ لَهُ نِصْفَهَا غَيْرُ صَوَابٍ لِأَنَّهُ دُونَ أَجَلٍ مُجَرَّدٍ جُعْلٌ، وَبِالْأَجَلِ إجَارَةٌ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ بَيْعِهِ بِالْبَلَدِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَالْجَوَازُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ فِي الْبَلَدِ. وَتَقَدَّمَ لِابْنِ كِنَانَةَ غَيْرِ الْبَلَدِ كَالْبَلَدِ اهـ. طفي وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ كَيْفَ ذَكَرَ الْفَرْضَ الْمُتَعَقِّبَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَتَرَكَ الْفَرْضَ السَّالِمَ مِنْ التَّعَقُّبِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ ذِكْرِ ذَلِكَ فِي تَوْضِيحِهِ. وَأَعْجَبُ مِنْهُ تَقْرِيرُ تت لَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَتَعْلِيلُهُ بِاجْتِمَاعِ الْجُعْلِ وَالْبَيْعِ، وَقَدْ تَكَلَّفَ مَنْ جَعَلَ الْبَاءَ بِمَعْنَى عَلَى.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: عُلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْمُثْمَنِ وَهُوَ النِّصْفُ الْمَبِيعُ، وَبِهِ عَبَّرَ الْخَرَشِيُّ أَوَّلًا فَقَالَ الثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْ ثَمَنُ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ السَّمْسَرَةُ عَلَى بَيْعِ النِّصْفِ الْآخَرِ مِثْلِيًّا، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُسَاوٍ لِلتَّعْبِيرِ بِالْمُثْمَنِ أَوْ بِالْمَبِيعِ، وَبِعِبَارَةِ الثَّمَنُ هُوَ بَعْضُ السِّلْعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، أَيْ وَإِذَا كَانَ النِّصْفُ مِثْلِيًّا تَضَمَّنَ ذَلِكَ كَوْنَهَا كُلِّهَا مِثْلِيَّةً، وَقَالَ طفي الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْمُثْمَنُ اهـ.
الثَّانِي: الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى قَوْلِهِ بِبَلَدٍ آخَرَ، أَيْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمُعَيَّنِ إلَى مِثْلِهِ، وَيَنْبَغِي إذَا كَانَ قَرِيبًا جِدًّا أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّهُ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ.
الثَّالِثُ: اشْتَرَطَ الْأَجَلَ لِيَكُونَ إجَارَةً وَهِيَ تُجَامِعُ الْبَيْعَ، وَإِذَا لَمْ يُؤَجَّلْ كَانَ جُعْلًا وَهُوَ لَا يُجَامِعُ الْبَيْعَ.
الرَّابِعُ: اُشْتُرِطَ كَوْنُ الْمَبِيعِ غَيْرَ مِثْلِيٍّ لِئَلَّا يَكُونَ تَارَةً سَلَفًا إنْ بَاعَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ مِثْلًا، وَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى مَا يَخُصُّ بَيْعَهُ فِي نِصْفِهِ، وَتَارَةً ثَمَنًا إنْ بَاعَ فِي آخِرِهِ أَوْ بَعْدَهُ.
(وَجَازَ) الْكِرَاءُ لِدَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ (بِنِصْفِ مَا) أَيْ الْحَطَبُ الَّذِي (يُحْتَطَبُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ يُحْمَلُ (عَلَيْهَا) أَيْ الدَّابَّةِ وَالسَّفِينَةِ مِنْ غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى
وَصَاعِ دَقِيقٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ زَيْتٍ لَمْ يَخْتَلِفْ
ــ
[منح الجليل]
بَلَدٍ مَعْلُومٍ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ، وَمِثْلُ الْحَطَبِ الْكَلَأُ وَالْمَاءُ وَالْحَجَرُ وَنَحْوُهَا بِأَنْ كَانَتْ نَقْلَةٌ لِهَذَا وَنَقْلَةٌ لِلْآخَرِ، أَوْ يَوْمٌ لِأَحَدِهِمَا وَيَوْمٌ لِلْآخَرِ، أَوْ خَمْسَةُ أَيَّامٍ لِأَحَدِهِمَا وَخَمْسَةٌ لِلْآخَرِ. ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ دَابَّةً لِمَنْ يَحْطِبُ عَلَيْهَا عَلَى النِّصْفِ. مُحَمَّدٌ أَرَادَ نِصْفَ ثَمَنِ الْحَطَبِ وَلَوْ جَعَلَ لَهُ نِصْفَ النَّقْلَةِ لَجَازَ، وَكَذَلِكَ عَلَى نَقَلَاتٍ مَعْرُوفَةٍ، أَوْ قَالَ لِي نَقْلَةٌ وَلَك نَقْلَةٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ. يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إذَا قَالَ مَا يُحْتَطَبُ عَلَيْهَا مِنْ الْحَطَبِ فَلِي نِصْفُهُ وَلَك نِصْفُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَهُ دَابَّتَك يَعْمَلُ عَلَيْهَا الْيَوْمَ لِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا غَدًا لِرَبِّهَا. ابْنُ الْمَوَّازِ لَوْ قَالَ خُذْ دَابَّتِي فَاعْمَلْ عَلَيْهَا لِنَفْسِك وَتَعْمَلُ عَلَيْهَا لِنَفْسِي فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي مِثْلِ خَمْسَةِ الْأَيَّامِ وَسِتُّهَا، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا يَصْلُحُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَيَنْقُدَهُ الْأُجْرَةَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ. ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ إذَا كَانَ يَقْتَضِي إلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ. مُحَمَّدٌ لَا يَصْلُحُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ يَعْمَلُ لَهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَيَنْقُدُهُ كِرَاءَهُ الْآنَ لِأَنَّ دَفْعَهُ دَابَّتَهُ يَعْمَلُ عَلَيْهَا هَذَا الشَّهْرَ هُوَ أُجْرَتُهُ. وَأَمَّا فِي الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مِثْلُ الَّذِي أَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَا يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، لِأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَجَازَ أَنْ يَكْتَرِيَ الرَّجُلُ دَارًا لِيَسْكُنَهَا سَنَةً بِسُكْنَى دَارٍ لَهُ السَّنَةَ الْمُقْبِلَةَ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ. ابْنُ يُونُسَ لِقِلَّةِ أَمْنِ الْحَيَوَانِ فَصَارَ النَّقْدُ فِيهِ إذَا لَمْ يُقْبَضْ غَرَرًا وَلَا غَرَرَ فِيمَا قَرُبَ.
(وَ) جَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى طَحْنِ حَبٍّ أَوْ عَلَى عَصْرِ زَيْتُونٍ ب (صَاعِ دَقِيقٍ مِنْهُ) أَيْ الْحَبِّ (أَوْ) صَاعٍ (مِنْ زَيْتٍ) لِلزَّيْتُونِ الَّذِي يُعْصَرُ (إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ) الْمَذْكُورُ مِنْ الدَّقِيقِ وَالزَّيْتِ فِي الصِّفَةِ بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا، وَلَا فِي الْخُرُوجِ بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ دَقِيقًا أَوْ زَيْتًا، فَإِنْ كَانَ يَخْتَلِفُ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْخُرُوجِ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ فِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ تُؤَجِّرَهُ عَلَى طَحْنِ إرْدَبٍّ بِدِرْهَمٍ وَبِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ، إذْ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ يَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِهِ. وَلَوْ أَجَرْته
وَاسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ مِنْهُ
وَتَعْلِيمِهِ بِعَمَلِهِ سَنَةً مِنْ أَخْذِهِ
ــ
[منح الجليل]
يَطْحَنُهُ لَك بِدِرْهَمٍ وَبِقِسْطٍ مِنْ زَيْتِ زَيْتُونٍ قَبْلَ أَنْ يُعْصَرَ جَازَ، وَلَوْ بِعْت مِنْهُ دَقِيقَ هَذِهِ الْحِنْطَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ قَبْلَ أَنْ يَطْحَنَهَا جَازَ لِأَنَّ الدَّقِيقَ لَا يَخْتَلِفُ، فَإِنْ تَلِفَتْ هَذِهِ الْحِنْطَةُ كَانَ ضَمَانُهَا مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الزَّيْتُ وَالدَّقِيقُ مُخْتَلِفًا خُرُوجُهُ إذَا عُصِرَ أَوْ طُحِنَ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُطْحَنَ أَوْ يُعْصَرَ، وَقَدْ خَفَّفَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ طَحَنَهَا، إذْ لَا يَكَادُ الدَّقِيقُ يَخْتَلِفُ وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ مُخْتَلِفًا لَمَا جَازَ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ شَيْئًا لِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَتِهِ بِاسْتِخْدَامٍ أَوْ اسْتِصْنَاعٍ أَوْ اكْتِرَاءٌ لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ زَرْعٍ وَمَلَكَ مَنْفَعَتَهُ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الِاكْتِرَاءِ وَاحْتَاجَ لَهَا مُؤَجِّرُهُ أَوْ مُكْرِيهِ الْمَالِكُ لِذَاتِهِ جَازَ (اسْتِئْجَارُ) أَوْ اكْتِرَاءُ الشَّخْصِ (الْمَالِكِ) لِذَاتِ الشَّيْءِ الْمُؤَجَّرِ أَوْ الْمُكْتَرَى بِالْفَتْحِ تِلْكَ الذَّاتَ (مِنْهُ) أَيْ مُسْتَأْجِرُهَا أَوْ مُكْتَرِيهَا. الْحَطُّ أَرَادَ إنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى دَفْعِ قَلِيلٍ، أَيْ أَوْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ أَوْ صَرْفٍ مُؤَخَّرٍ كَمَا فِي بُيُوعِ الْآجَالِ حَلَّ وَلَوْ ظَاهِرَهُ سَوَاءٌ كَانَ اسْتِئْجَارُهُ بِجِنْسِ الْأَجْرِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ إلَى أَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ هُنَا مَا يَمْتَنِعُ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ، وَيَجُوزُ هُنَا مَا يَجُوزُ هُنَاكَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ فَحُكْمُهَا كَحُكْمِ الْبَيْعِ.
(وَ) جَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى (تَعْلِيمِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ صَنْعَةً (بِعَمَلِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ لِمُعَلِّمِهِ فِي تِلْكَ الصَّنْعَةِ (سَنَةً) مَثَلًا مُبْتَدَأَةٌ (مِنْ) حِينَ (أَخَذَهُ) أَيْ الرَّقِيقَ الْمُعَلَّمَ لِتَعَلُّمِهِ. فِيهَا إنْ دَفَعْت غُلَامَك إلَى خَيَّاطٍ أَوْ قَصَّارٍ لَيُعَلِّمَهُ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِعَمَلِهِ سَنَةً جَازَ. وَقَالَ غَيْرُهُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ أُجَوِّزُ. الصِّقِلِّيُّ يَحْيَى وَالسَّنَةُ مِنْ يَوْمَ أَخَذَهُ. أَبُو الْحَسَنِ عَقِبَ نَقْلِهِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ وَالتُّونُسِيِّ كَلَامًا طَوِيلًا، تَحْقِيقُ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْغُلَامِ أَنَّ مُعَلِّمَ الصِّنَاعَةِ بَاعَ مَنَافِعَهُ بِمَنَافِعِ الْغُلَامِ سَنَةً، فَإِنْ مَاتَ الْغُلَامُ عِنْدَ تَمَامِهَا فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَهَا فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ وَيَرْجِعُ الْمُعَلِّمُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ فِيمَا عَلِمَهُ، وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهَا فَيَتَحَاسَبَانِ، فَإِنْ كَانَ الصَّانِعُ عَلَّمَهُ ثُلُثَيْ الصَّنْعَةِ وَعَمِلَ الْغُلَامُ ثُلُثَ الْعَمَلِ فَقَطْ وَجَبَ لِلْمُعَلِّمِ
وَاحْصُدْ هَذَا وَلَك نِصْفُهُ، وَمَا حَصَدْت: فَلَكَ نِصْفُهُ
وَكِرَاءُ دَابَّةٍ لِكَذَا
ــ
[منح الجليل]
الرُّجُوعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِثُلُثِ أُجْرَةِ تَعْلِيمِهِ، إذْ هِيَ بَقِيَّةُ قِيمَةِ مَنَافِعِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ عَمِلَ ثُلُثَيْ الْعَمَلِ وَعَلَّمَهُ الْمُعَلِّمُ ثُلُثَ الصَّنْعَةِ وَجَبَ لِسَيِّدِهِ الرُّجُوعُ عَلَى مُعَلِّمِهِ بِثُلُثِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ. وَإِنْ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. ابْنُ عَرَفَةَ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ مَا حَاصِلُهُ إنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ تَعْلِيمِهِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِثْلَيْ قِيمَةِ تَعْلِيمِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي وَقِيمَةُ عَمَلِهِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ نِصْفَ قِيمَةِ عَمَلِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي يَرْجِعُ عَلَى رَبِّهِ بِثُلُثِ قِيمَةِ تَعْلِيمِهِ. قُلْت الْأَظْهَرُ مَنْعُ إجَارَتِهِ بِعَمَلِهِ لِاخْتِلَافِ عَمَلِهِ بِحَسَبِ سُرْعَةِ تَعَلُّمِهِ وَبَعْدَهُ.
(وَ) جَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى حَصْدِ زَرْعٍ مُعَيَّنٍ بِقَوْلِهِ (اُحْصُدْ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا (هَذَا) أَيْ الزَّرْعَ الْمُعَيَّنَ الْحَاضِرَ (وَلَك نِصْفُهُ) أَيْ الزَّرْعِ (وَ) يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ (مَا حَصَدْت فَلَكَ نِصْفُهُ) مَثَلًا وَتَبِعَ الْمُدَوَّنَةَ فِي الْإِطْلَاقِ، وَقَيَّدَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا إذَا عَلِمَ كَمْ الزَّرْعُ وَنَظَرَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا خَيْر فِيهِ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُحْصُدْ زَرْعِي هَذَا وَلَك نِصْفُهُ، أَوْ جِدَّ نَخْلِي هَذَا وَلَك نِصْفُهُ جَازَ، وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ، وَكَذَلِكَ لَقْطُ الزَّيْتُونِ. ابْنُ حَبِيبٍ وَالْعَمَلُ فِي تَهْذِيبِهِ بَيْنَهُمَا أَرَادَ لَوْ شَرَطَ قَسْمَ الزَّرْعِ حَبًّا فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَجِبُ لَهُ بِالْحَصَادِ فَجَائِزٌ، وَإِنْ قَالَ فَمَا حَصَدْت أَوْ لَقَطْت فَلَكَ نِصْفُهُ جَازَ، وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ لِأَنَّ هَذَا جُعْلٌ.
(وَ) جَازَ (إجَارَةُ دَابَّةٍ) مِنْ كَذَا كَمِصْرٍ (لِكَذَا) كَالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا
عَلَى إنْ اسْتَغْنَى فِيهَا: حَاسَبَ،
ــ
[منح الجليل]
أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ (عَلَى) شَرْطِ (إنْ اسْتَغْنَى) الْمُكْتَرِي عَنْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ (فِي) أَثْنَاءِ (هَا) أَيْ الْمَسَافَةِ لِظَفَرِهِ بِحَاجَتِهِ الَّتِي سَافَرَ إلَيْهَا مِنْ وُجُودِ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ مَدِينٍ هَارِبٍ مَثَلًا فَسَخَ الْإِجَارَةَ و (حَاسَبَ) رَبَّ الدَّابَّةِ بِأُجْرَةِ الْمَسَافَةِ الَّتِي رَكِبَهَا قَبْلَ اسْتِغْنَائِهِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ لِخِفَّةِ الْغَرَرِ، إذْ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ عَدَمُ اسْتِغْنَائِهِ فِيهَا، فَانْدَفَعَ قَوْلُ ابْنِ عَاشِرٍ مَا وَجْهُ جَوَازِهَا، مَعَ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَا يَدْرِي مَا بَاعَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَنَحْوُهُ لِلْخَرَشِيِّ، وَأَجَابَ بِيَسَارَةِ الْغَرَرِ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ تَكَارَى دَابَّةً بِدِينَارٍ إلَى بَلَدِ كَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ بِهَا فَبِحِسَابِ مَا تَكَارَى مِنْهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا سَمَّى مَوْضِعَ التَّقَدُّمِ أَوْ عَرَفَ نَحْوَهُ وَقَدَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ عَبْدِي الْآبِقُ بِذِي الْمَرْوَةِ فَاكْتَرَى مِنْك إلَيْهَا بِدِينَارٍ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ عُرِفَ وَجْهُهُ، فَهُوَ كَتَسْمِيَةِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ. فَأَمَّا إنْ تَكَارَى مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّهُ أَيْنَمَا يَبْلُغُ مِنْ الْأَرْضِ كُلِّهَا فَبِحِسَابِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، مَرَّةً يَذْهَبُ إلَى الْعِرَاقِ وَمَرَّةً إلَى الْغَرْبِ، فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ مَوْضِعُ التَّقَدُّمِ مَعْلُومًا مُسَمًّى أَوْ أَمْرًا لَهُ وَجْهٌ يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ ابْنُ الْمَوَّازِ، ثُمَّ لَا يَنْقُدُهُ إلَّا كِرَاءَ الْغَايَةِ الْأُولَى، فَإِنْ نَقَدَهُ الْكِرَاءَيْنِ دَخَلَهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ أَوْ آبِقٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَوْضِعًا، فَإِنْ سَمَّاهُ وَقَالَ إنْ وَجَدْت حَاجَتِي دُونَ ذَلِكَ رَجَعْت وَكَانَ عَلَيَّ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ.
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ هُوَ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي اكْتِرَاءِ الدَّارِ سَنَةً، عَلَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ قَبْلَهَا حَاسَبَهُ بِمَا سَكَنَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي إجَارَةِ الرَّجُلِ شَهْرًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مَتَى شَاءَ تَرَكَ أَنَّهُ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَنْقُدْ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ بِخِيَارِ فَضْلٍ، وَمَنَعَهَا سَحْنُونٌ، لِأَنَّهُ خِيَارٌ إلَى أَمَدٍ بَعِيدٍ. ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ بِالْخِيَارِ فِي الْجَمِيعِ الْآنَ، وَكُلَّمَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ شَيْءٌ كَانَ بِالْخِيَارِ فِيمَا بَقِيَ.
وَاسْتِئْجَارُ مُؤَجَّرٍ، أَوْ مُسْتَثْنًى مَنْفَعَتُهُ، وَالنَّقْدُ فِيهِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ غَالِبًا
ــ
[منح الجليل]
وَ) جَازَ (اسْتِئْجَارُ مُؤَجَّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ سَوَاءٌ اسْتَأْجَرَهُ مُؤَجِّرُهُ أَوْ غَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّيْءَ الْمُسْتَأْجَرَ رَقِيقًا أَوْ عَقَارًا أَوْ بَهِيمًا تَجُوزُ إجَارَتُهُ لِمَنْ هُوَ مُسْتَأْجِرُهُ أَوْ لِغَيْرِهِ مُدَّةً تَلِي مُدَّةَ الْإِجَارَةِ الْأُولَى (أَوْ) أَيْ وَجَازَ اسْتِئْجَارُ شَيْءٍ مَبِيعٍ (مُسْتَثْنًى) يُفْتَح النُّونِ وَنَائِبُ فَاعِلِهِ (مَنْفَعَتُهُ) مِنْ بَائِعِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً يَبْقَى الْمَبِيعُ عَلَى حَالِهِ غَالِبًا لَا يُغَيَّرُ عَنْهُ إلَى انْتِهَائِهَا، فَلِمُشْتَرِيهِ إجَارَتُهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً تَلِي مُدَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ. ابْنُ الْحَاجِبِ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الرَّقَبَةِ وَهِيَ مُسْتَأْجَرَةٌ، أَوْ مُسْتَثْنًى مَنْفَعَتُهَا مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا غَالِبًا وَالنَّقْدُ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الرَّقَبَةُ تَشْمَلُ الْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُ.
أ (وَ) يَجُوزُ (النَّقْدُ) أَيْ تَعْجِيلُ الْأَجْرِ (فِي) إيجَارٍ (هـ) أَيْ الْمُؤَجَّرِ أَوْ الْمُسْتَثْنَى مَنْفَعَتُهُ (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) الْمُؤَجَّرُ أَوْ الْمُسْتَثْنَى مَنْفَعَتُهُ قَبْلَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةِ أَيْ إنْ ظَنَّ أَوْ تَحَقَّقَ بَقَاؤُهُ بِحَالِهِ حَتَّى تَتِمَّ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْغَرَرِ، وَإِذَا أَجَازُوا شَرْطَ النَّقْدِ فِي الْعَقَارِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ بَعْدَ سِنِينَ، وَلَمْ يُجِيزُوهُ فِي الْحَيَوَانِ إلَّا فِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ كَعَشَرَةِ الْأَيَّامِ. ابْنُ شَاسٍ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ الدَّارَ إلَى حَدٍّ لَا تَتَغَيَّرُ فِيهِ غَالِبًا وَيَنْتَقِدُ. فَأَمَّا مَا لَا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهَا فِيهِ لِطُولِ الْمُدَّةِ أَوْ ضَعْفِ الْبِنَاءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ الْعَقْدُ دُونَ النَّقْدِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَبْقَى إلَى الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إلَيْهَا. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا بَأْسَ بِإِجَارَةِ الْعَبْدِ عَشْرَ سِنِينَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَالدَّوْرُ أَبْيَنُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيهَا، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ فِيهِ بِشَرْطٍ. ابْنُ يُونُسَ تَجُوزُ إجَارَةُ الدُّورِ ثَلَاثِينَ سَنَةً بِالنَّقْدِ وَالْمُؤَجَّلِ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ. الْبُنَانِيُّ فَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَيْ فِي الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ وَالصُّوَرُ هُنَا ثَلَاثَةٌ غَلَبَةُ سَلَامَتِهِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةُ وَغَلَبَةُ تَغَيُّرِهِ فِيهَا وَاحْتِمَالُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنْ غَلَبَ التَّغَيُّرُ امْتَنَعَ الْعَقْدُ، وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ جَازَ الْعَقْدُ وَالنَّقْدُ، وَإِنْ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ جَازَ الْعَقْدُ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ شَاسٍ، وَامْتَنَعَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُوَضِّحِ. فَقَوْلُهُ إنْ لَمْ
وَعَدَمُ التَّسْمِيَةِ لِكُلِّ سَنَةٍ
وَكِرَاءُ أَرْضٍ لِتُتَّخَذَ مَسْجِدًا مُدَّةً. وَالنَّقْضُ لِرَبِّهِ إذَا انْقَضَتْ.
ــ
[منح الجليل]
يَتَغَيَّرْ غَالِبًا شَامِلٌ لِصُورَتَيْ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَاحْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ فَهُوَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ، هَذَا إنْ رَجَعَ الشَّرْطُ لِلْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَثْنَى مَنْفَعَتُهُ، لَكِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّقْدَ جَائِزٌ فِي الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَذَا إنْ رَجَعَ لَهُ وَلِمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ رَجَعَ لِقَوْلِهِ وَالنَّقْدُ فَقَطْ اقْتَضَى مَعَ ذَلِكَ أَنَّ النَّقْدَ جَائِزٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالنَّقْدُ فِيهِ إنْ سَلِمَ غَالِبًا لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ غَالِبًا هُوَ إنْ لَمْ يَغْلِبْ تَغَيُّرُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ انْتَفَى التَّغَيُّرُ غَالِبًا، أَيْ إنْ كَانَ الْغَالِبُ انْتِفَاءً. فَالْحَالُ قَيْدٌ فِي النَّفْيِ لَا فِي الْمَنْفِيِّ، فَيَسْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) يَجُوزُ إيجَارُ الشَّيْءِ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَ (عَدَمُ التَّسْمِيَةِ لِكُلِّ سَنَةٍ) قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْهَا كَمَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا سَنَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِدُونِ تَسْمِيَةِ مَا يَخُصُّ كُلَّ شَهْرٍ مِنْهَا. ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ الرُّبْعِ عِدَّةَ سِنِينَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لِكُلِّ سَنَةٍ قَدْرًا مِنْ الْكِرَاءِ كَالْأَشْهُرِ فِي السَّنَةِ، وَفِيهَا إنْ أَكْرَيْت أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا لِكُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةٌ. قَالَ لَا بَلْ تُحْسَبُ عَلَى قَدْرِ نِفَاقِهَا كُلَّ سَنَةٍ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ لَوْ آجَرَ سِنِينَ وَلَمْ يَقْدُرْ حِصَّةَ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الْأُجْرَةِ صَحَّ كَمَا فِي الْأَشْهُرِ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ.
(وَ) يَجُوزُ (كِرَاءُ أَرْضٍ لِتُتَّخَذَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَالْحَاءِ الْمُعْجَمَةِ (مَسْجِدًا مُدَّةً) بِضَمِّ الْمِيمِ مُعَيَّنَةً وَبَعْدَهَا تَزُولُ مَسْجِدِيَّتِهَا (وَالنَّقْضُ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْقَافِ وَإِعْجَامِ الضَّادِ، أَيْ الْحَجَرُ وَالْآجُرُّ وَالْخَشَبُ وَنَحْوُهَا الْمَنْقُوضَةُ الْمَهْدُومَةُ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ مِلْكٌ (لِرَبِّهِ) أَيْ النَّقْضُ الَّذِي بُنِيَ بِهِ الْمَسْجِدُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ (إذَا انْقَضَتْ) مُدَّةُ الْكِرَاءِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى بَقَائِهِ مَسْجِدًا إنْ أَرَادَهُ الْبَانِي. وَلَا الْبَانِي إنْ أَرَادَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَتْ الْأَرْضُ إلَى رَبِّهَا وَكَانَ النَّقْضُ لِمَنْ بَنَاهُ. سَحْنُونٌ يَجْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ. أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِثْلُ
وَعَلَى طَرْحِ مَيْتَةٍ.
وَالْقِصَاصُ
وَالْأَدَبُ.
وَعَبْدٍ خَمْسَةَ عَشْرَ عَامًا.
وَيَوْمٍ
ــ
[منح الجليل]
الْأَرْض تُسْتَحَقُّ وَقَدْ بُنِيَتْ مَسْجِدًا، أَرَادَ فَنَقْضُ هَذَا يُجْعَلُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالْآخَرُ إنَّمَا جَعَلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى إلَى مُدَّةٍ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ بَعْدَ تَمَامِهَا. ابْنُ يُونُسَ كَمَنْ دَفَعَ فَرَسَهُ لِمَنْ يَغْزُو بِهِ غَزْوَةً ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ.
(وَ) يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ (عَلَى طَرْحِ) أَيْ حَمْلِ (مَيْتَةٍ) أَوْ عُذْرَةٍ أَوْ دَمٍ مِنْ بَيْتٍ مَثَلًا لِطَرْحِهَا خَارِجَ الْبَلَدِ وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ التَّلَطُّخُ بِالنَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى طَرْحِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْعُذْرَةِ.
(وَ) تَجُوزُ الْإِجَارَةُ (عَلَى الْقِصَاصِ) مِنْ جَانٍ عَمْدًا عُدْوَانًا بِقَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ. فِيهَا مَنْ قَتَلَ رَجُلًا ظُلْمًا بِأَجْرٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَمَنْ وَجَبَ لَهُمْ الدَّمُ قِبَلَ رَجُلٍ فَقَتَلُوهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا إلَى الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ الْأَدَبِ لِئَلَّا يُجَرَّأَ عَلَى الْعَدَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ الَّذِي لَهُ الْقَوَدُ فِي الْجِرَاحِ أَنْ يَقْتَصَّ بِنَفْسِهِ وَيَقْتَصَّ لَهُ مَنْ يَعْرِفُ الْقِصَاصَ بِأَرْفَقِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأُجْرَتُهُ عَلَى مَنْ يُقْتَصُّ لَهُ. وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ فَيُدْفَعُ الْقَاتِلُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ فَيَقْتُلُهُ وَيُنْهَى عَنْ الْعَبَثِ فِيهِ، وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى قَتْلِ قِصَاصٍ أَرَادَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِحُكْمِ قَاضٍ عَدْلٍ اللَّخْمِيُّ الْإِجَارَةُ عَلَى الْقَتْلِ وَالْجُرْحِ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَنْ قِصَاصٍ أَوْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَسْتَأْجِرُ فِي ذَلِكَ إلَّا مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي بِالْأَمْرِ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا يَعْبَثُ فِي الْقَتْلِ وَلَا يُجَاوِزُ الْحَدَّ فِي الْجُرْحِ.
(وَ) تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى (الْأَدَبِ) لِرَقِيقٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِمْ، فِيهَا لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى ضَرْبِ عَبْدِك أَوْ وَلَدِك لِلْأَدَبِ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْأَبِ فَلَا يُعْجِبُنِي. أَبُو الْحَسَنِ قَالُوا يُصَدَّقُ السَّيِّدُ أَنَّ الْعَبْدَ فَعَلَ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ، فَلَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَبَ، فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ الْيَسِيرِ دُونَ سَبَبٍ أَوْ لَا، فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَيُصَدَّقُ الزَّوْجُ أَنَّ زَوْجَتَهُ فَعَلَتْ مُوجِبَ الْأَدَبِ، اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) تَجُوزُ إجَارَةُ (عَبْدٍ) أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ وَنَحْوَهَا (خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا) فِيهَا لَا بَأْسَ
أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَثَلًا. وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا وَتَسَاوَيَا، أَوْ مُطْلَقًا؟ خِلَافٌ
ــ
[منح الجليل]
بِإِجَارَةِ الْعَبْدِ عَشْرَ سِنِينَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَالدَّارُ أَبْيَنُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيهَا، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ فِيهِ بِشَرْطٍ. ابْنُ يُونُسَ تَجُوزُ إجَارَةُ الدَّارِ ثَلَاثِينَ سَنَةً بِالنَّقْدِ وَالْمُؤَجَّلِ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ وَبِعِبَارَةٍ يَنْظُرُ لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالشَّيْخِ وَالْهَرَمِ، وَلِلدَّابَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَالْقَوِيَّةِ وَالضَّعِيفَةِ، وَلَا شَيْءَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ وَالنَّقْدِ فِيهِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ غَالِبًا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ يَسْتَأْجِرُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا. اللَّخْمِيُّ الْأَمَدُ فِي الْمُسْتَأْجَرِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَأَوْسَعُهَا فِي الْأَجَلِ الْأَرَضُونَ ثُمَّ الدُّورُ ثُمَّ الْعَبِيدُ ثُمَّ الدَّوَابُّ ثُمَّ الثِّيَابُ، فَيَحُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَرْبَعِينَ بِغَيْرِ نَقْدٍ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَأْمُونَةَ الشِّرْبِ فَيَجُوزُ مَعَ النَّقْدِ، وَيَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الدُّورِ إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً مَأْمُونَةَ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً فَدُونَ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ يَأْمَنُ سَلَامَتَهَا فِي الْغَالِبِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْعَبِيدِ، فَأَجَازَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ الْعِشْرِينَ سَنَةً بِالنَّقْدِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا، وَمَنَعَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعِشْرِينَ، وَأَرَى أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى سَنِّ الْعَبْدِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانَاتُ اُخْتُلِفَ فِي كِرَائِهَا بِاخْتِلَافِ الْعَادَةِ فِي إعْمَارِهَا، فَالْبِغَالُ أَوْسَعُهَا أَجَلًا لِأَنَّهَا أَطْوَلُهَا أَعْمَارًا، وَالْحَمِيرُ دُونَ ذَلِكَ، وَالْإِبِلُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَالْمَلَابِسُ فِي الْأَجَلِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَيَفْتَرِقُ الْأَجَلُ فِي الْحَرِيرِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ فَيَضْرِبُ مِنْ الْأَجَلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِهِ.
(وَ) تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى خِيَاطَةِ (يَوْمٍ) مَثَلًا (أَوْ) عَلَى (خِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَثَلًا) رَاجِعٌ لِلْيَوْمِ لِإِدْخَالِ الْأُسْبُوعِ وَالشَّهْرِ وَالْعَامِ، وَلِلْخِيَاطَةِ لِإِدْخَالِ سَائِرِ الصَّنَائِعِ (وَهَلْ تَفْسُدُ) الْإِجَارَةُ (إنْ جَمَعَهُمَا) أَيْ التَّحْدِيدُ بِالزَّمَنِ وَالْعَمَلِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ فِي يَوْمٍ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (تَسَاوَى) الزَّمَنُ وَالْعَمَلُ بِأَنْ كَانَ الْيَوْمُ يَسَعُ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ لَا أَكْثَرَ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ، وَعَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورَيْنِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (أَوَّلًا) تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ مَعَ تَسَاوِيهِمَا، وَهُوَ أَحَدُ مَشْهُورَيْنِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (أَوْ تَفْسُدُ) الْإِجَارَةُ يَجْمَعُهُمَا فَسَادًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِضِيقِ الزَّمَنِ عَنْ الْعَمَلِ أَوْ مُسَاوَاتِهِ لَهُ، وَشَهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، فِي الْجَوَابِ (خِلَافَ) ابْنِ شَاسٍ اسْتِصْنَاعَ الْآدَمِيِّ يُعْرَفُ إمَّا بِالزَّمَنِ أَوْ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ، كَاسْتِئْجَارِ الْخَيَّاطِ يَوْمًا أَوْ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ، فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ أَسْتَأْجِرُك لِتَخِيطَ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَلَا يَصِحُّ. ابْنُ رُشْدٍ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ نَسْجِ غَزْلٍ أَوْ طَحْنِ قَمْحٍ وَشِبْهِهِ مِمَّا الْفَرَاغُ مِنْهُ مَعْلُومٌ لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ بِوَقْتٍ يَشُكُّ فِي سَعَتِهِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ لَا إشْكَالَ فِي سَعَتِهِ لَهُ، فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا يَطْحَنُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ فَوَجَدَهُ يَطْحَنُ إرْدَبًّا فَقَطْ لَهُ رَدَّهُ وَلَمْ يَفْسَخْ الْإِجَارَةَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَجَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُعَلِّمِ تَعْلِيمَ الْغُلَامِ الْقُرْآنَ الشَّرِيفَ عَلَى الْحَذْقَةِ نَظَرًا أَوْ حِفْظًا سَمَّيَا فِي ذَلِكَ أَجَلًا أَوْ لَمْ يُسَمِّيَا، وَعَزَاهُ لِمَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَرَى أَنْ يَمْضِيَ أَفَادَهُ الْمَوَّاقُ. الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِجَارَةِ إذَا كَانَتْ صَنْعَةً يَجُوزُ أَنْ تُقَيَّدَ بِزَمَنٍ كَخِيَاطَةِ يَوْمٍ، أَوْ بِمَحَلِّهَا كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَثَلًا. فَإِنْ جَمَعَا بَيْنَهُمَا أَيْ التَّقْيِيدَ بِالْمَحَلِّ وَالزَّمَنِ، فَفِي الْبَيَانِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ مُشْكِلًا فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الْعَمَلَ يُمْكِنُ تَمَامُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ إمْضَاءَهَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي ارْتَضَاهُ الشُّيُوخُ أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي قُيِّدَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ إنْ كَانَ أَوْسَعَ مِنْ الْعَمَلِ بِكَثِيرٍ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِهَا، وَإِنْ كَانَ أَضْيَقَ بِكَثِيرٍ فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي مَنْعِهَا، وَإِنْ تَسَاوَيَا فَقَوْلَانِ اُخْتُلِفَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْهُمَا، فَالضَّيِّقُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْمُسَاوِي عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ، وَعَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورَيْنِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، فَصَدَّرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ بِالْفَسَادِ لِقُوَّتِهِ، لِحِكَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَعَقَّبَهُ بِعَدَمِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ أَحَدُ مَشْهُورَيْنِ، وَالزَّمَنُ الزَّائِدُ عَنْ الْعَمَلِ كَثِيرًا، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْفَسَادَ لِتَشْهِيرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَعْتَبِرْ حِكَايَةَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الِاتِّفَاقَ عَلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى
وَبَيْعُ دَارٍ لِتُقْبَضَ بَعْدَ عَامٍ، وَأَرْضٌ لِعَشْرٍ، وَاسْتِرْضَاعٌ،
ــ
[منح الجليل]
مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلضَّيِّقِ لِوُضُوحِ فَسَادِهِ وَعِلْمِهِ بِالْأَوْلَى مِنْ الْمُسَاوِي، فَقَوْلُهُ وَتَسَاوَيَا فِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ فَالضَّيِّقُ تَفْسُدُ فِيهِ بِالْأَوْلَى، وَالْوَاسِعُ تَصِحُّ فِيهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُطْلَقًا أَيْ تَفْسُدُ سَوَاءٌ كَانَ مُسَاوِيًا أَمْ وَاسِعًا عج. وَالْمُنَاسِبُ لِاصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ تَرَدُّدُ بَدَلِ خِلَافٍ.
(وَ) جَازَ (بَيْعُ دَارٍ) وَاسْتِثْنَاءُ الْبَائِعِ مَنْفَعَتَهَا عَامًّا (لِتَقْبِضَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ أَيْ يَقْبِضُهَا الْمُشْتَرِي (بَعْدَ عَامٍ) عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا مِنْهَا مِنْ التَّغَيُّرِ لَا أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا جَوَازُ بَيْعِ الدَّارِ وَاسْتِثْنَاءُ سُكْنَاهَا مُدَّةً لَا تَتَغَيَّرُ فِيهَا غَالِبًا، وَفِي حَدِّهَا سِتَّةُ أَقْوَالٍ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ سَمَاعِ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ سَنَةً قَائِلًا وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فِي التَّوْضِيحِ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِثْنَاءَ سُكْنَى الدَّارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِ، وَلَمْ يَجُزْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَغَيُّرِهَا. وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ السَّنَةَ وَنِصْفًا إلَخْ، قَالَ وَالْخِلَافُ خِلَافٌ فِي حَالٍ لَا فِي فِقْهٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَغَيَّرُ فِيهَا غَالِبًا جَازَ.
(أَوْ) بَيْعُ (أَرْضٍ) وَاسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَتِهَا (لِ) تُقْبَضَ بَعْدَ (عَشْرٍ) مِنْ السِّنِينَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهَا فِيهَا غَالِبًا. ابْنُ رُشْدٍ وَبَيْعُ الْأَرْضِ وَاسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَتِهَا أَعْوَامًا أَخَفُّ. ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ عَشَرَةُ أَعْوَامٍ.
(وَ) جَازَ (اسْتِرْضَاعٌ) لِرَضِيعٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ قَصْدًا، وَلِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ عَلَى جَوَازِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ نَقْدًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ كَحِمَارٍ فَتُكْرَى حِمَارَةٌ لِإِرْضَاعِهِ لِلضَّرُورَةِ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا بَأْسَ بِإِجَارَةِ الظِّئْرِ عَلَى إرْضَاعِ الصَّبِيِّ حَوْلًا وَحَوْلَيْنِ بِكَذَا وَكَذَا، إلَّا إنْ شَرَطَتْ عَلَيْهِمْ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا فَهُوَ جَائِزٌ. ابْنُ حَبِيبٍ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ عَلَى قَدْرِهَا وَقَدْرِ هَيْئَتِهَا وَقَدْرِ أَبِي الصَّبِيِّ فِي غِنَاهُ وَفَقْرِهِ. ابْنُ يُونُسَ وَلَا يَدْخُلُهَا طَعَامٌ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْأَطْعِمَةِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِاقْتِيَاتِهَا. وَأَمَّا الْإِرْضَاعُ فَقَدْ جَرَى الْعَمَلُ عَلَى جَوَازِهِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَلَا خِلَافَ
وَالْعُرْفُ فِي: كَغَسْلِ خِرْقَةٍ، وَلِزَوْجِهَا فَسْخُهُ، إنْ لَمْ يَأْذَنْ، كَأَهْلِ الطِّفْلِ إذَا حَمَلَتْ،
ــ
[منح الجليل]
فِيهِ، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي يَرْضَعُهُ الصَّبِيُّ لَا قَدْرَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ، وَأَكْثَرُ الْإِجَارَةِ لِقِيَامِهَا بِالصَّبِيِّ وَتَكَلُّفِهَا جَمِيعَ مُؤْنَتِهِ فَكَانَ اللَّبَنُ فِي جَنْبِ ذَلِكَ لَا قَدْرَ لَهُ.
(وَ) وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ غَسْلَ خِرْقَةٍ عَلَى الظِّئْرِ وَلَا عَلَى أَهْلِ الطِّفْلِ فَ (الْعُرْفُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ يُعْمَلُ بِهِ (فِي كَغَسْلِ خِرْقَةٍ) أَيْ الرَّضِيعِ وَرَبْطِهِ فِي تَخْتِهِ وَحَمْلِهِ وَدَهْنِهِ وَتَحْمِيمِهِ وَتَكْحِيلِهِ وَدَقِّ رَيْحَانِهِ وَطِيبِهِ فِيهَا وَيَحْمِلُونَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي غَسْلِ خِرَقِهِ وَحَمِيمِهِ وَدَهْنِهِ وَدَقِّ رَيْحَانِهِ وَطِيبِهِ عَلَى مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُحْمَلُ فِي الدِّهَانِ وَغَسْلِ الْخِرَقِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْعُرْفِ، وَقِيلَ عَلَى الظِّئْرِ. التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ أَيْ كَحَمِيمِهِ وَدَقُّ رَيْحَانِهِ وَنَحْوُهُمَا عَلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ اقْتَضَى أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ فَعَلَيْهِ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِالْحُكْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ، وَنَصَّ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْعُرْفِ عَلَى الْأَبِ، وَقَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى الظِّئْرِ أَيْ مَعَ عَدَمِ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَعَ ثُبُوتِ الْعُرْفِ.
(وَ) إنْ آجَرَتْ ذَاتُ زَوْجٍ نَفْسَهَا لِإِرْضَاعِ طِفْلٍ فَ (لِزَوْجِهَا فَسْخُهُ) أَيْ الْإِيجَارِ وَإِلْزَامُهَا بِرَدِّ الطِّفْلِ لِأَهْلِهِ (إنْ لَمْ يَأْذَنْ) الزَّوْجُ لَهَا فِي إيجَارِهَا لِلْإِرْضَاعِ لِتَضَرُّرِهِ بِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِالرَّضِيعِ، وَتَغَيُّرِ حَالِهَا إنْ كَانَتْ خِدْمَةُ الرَّضِيعِ عَلَيْهَا بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ، فَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهَا فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا إنْ أَجَرَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ إجَارَتَهَا وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَأْتِيَ بِغَيْرِهَا تُرْضِعُهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا اُكْتُرِيَتْ عَلَى إرْضَاعِهِ بِنَفْسِهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْأَبَوَانِ السَّفَرَ فَلَيْسَ لَهُمَا أَخْذُ الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَدْفَعَا لِظِئْرِهِ جَمِيعَ الْأَجْرِ. وَشَبَّهَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ فَقَالَ (كَأَهْلِ الطِّفْلِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ فَلَهُمْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ (إذَا حَمَلَتْ) الظِّئْرُ لِأَنَّ لَبَنَهَا يَضُرُّ الطِّفْلَ. تت وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ
وَمَوْتُ إحْدَى الظِّئْرَيْنِ
ــ
[منح الجليل]
حَمَلَتْ وَخَافُوا عَلَى الطِّفْلِ أَلَهُمْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ، قَالَ نَعَمْ وَلَمْ أَحْفَظْهُ عَنْ مَالِكٍ اهـ. فَإِنْ قَيَّدَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِهِ وَافَقَ مَا فِيهَا اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إرْضَاعُ الْحَامِلِ مَظِنَّةُ ضَرَرِ الطِّفْلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَأَمَّا الَّذِي قَدْ يَكُونُ فَهُوَ حُصُولُ الضَّرَرِ اهـ. طفي فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا احْتَاجَ لِذِكْرِهِ فِيهَا وَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُخْتَصِرُونَ فَفِي التَّهْذِيبِ إذَا حَمَلَتْ الظِّئْرُ وَخِيفَ عَلَى الْوَلَدِ وَإِبْقَاؤُهَا. أَبُو الْحَسَنِ عَلَى ظَاهِرِهَا فَقَالَ ظَاهِرُهُ إذَا تَحَقَّقَ الْخَوْفُ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ الشَّارِحُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ يُرِيدُ وَخِيفَ عَلَى الْوَلَدِ نَعَمْ لَمَّا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهَا وَنَقَلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ فَسْخَهَا بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ لَا بِقَيْدِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ قَالَ لِأَنَّ رَضَاعَ الْحَامِلِ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ. اهـ. فَلَعَلَّ هَذَا يُرَشِّحُ مَا قَالَ تت تَبَعًا لِلْبِسَاطِيِّ وَإِذَا فُسِخَتْ فَلَهَا بِحِسَابِ مَا أَرْضَعَتْ، فَلَوْ دَفَعَتْ لَهَا الْأُجْرَةَ فَأَكَلَتْهَا فَلَا تُحْسَبُ عَلَيْهَا لِتَبَرُّعِهِمْ بِدَفْعِهَا لَهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. الْبُنَانِيُّ اُنْظُرْهُ فَإِنَّمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَلَعَلَّهُ مُقَابِلٌ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصُّهُ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَأْتِيَ بِأُخْرَى تُرْضِعُهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ بِغَيْرِهَا إنْ كَانَ نَقَدَهَا الْأَبُ الْأُجْرَةَ لِأَنَّهُ فَسْخٌ فِي دَيْنٍ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِلَّا جَازَ اهـ. وَنَقَلَهُ الْحَطّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي رَدِّ مَا فِي الْخَرَشِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا يُرَدُّ بِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ هَلَكَ الْأَبُ فَحِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّةِ فِي مَالِ الْوَلَدِ قَدَّمَهُ الْأَبُ أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ، وَتَرْجِعُ حِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّةِ إنْ قَدَّمَهُ الْأَبُ مِيرَاثًا وَلَيْسَ ذَلِكَ عَطِيَّةٌ وَجَبَتْ اهـ.
وَعُطِفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ مُشَبَّهًا فِيهِ فَقَالَ (وَ) ك (مَوْتِ إحْدَى الظِّئْرَيْنِ) بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ مُثَنَّى ظِئْرٍ كَذَلِكَ أَيْ مُرْضِعُ الْمُسْتَأْجَرَتِي نِ لِرَضَاعِ صَغِيرٍ فَيُتِيحُ لِلْبَاقِيَةِ فَسْخَ الْإِجَارَةِ لِتَضَرُّرِهَا بِإِرْضَاعِهِ وَحْدَهَا. فِيهَا مَنْ أَجَّرَ ظِئْرَيْنِ فَاتَتْ إحْدَاهُمَا فَلِلْبَقِيَّةِ أَنْ تُرْضِعَ وَحْدَهَا. سَحْنُونٌ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ. الْحَطّ الظِّئْرُ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ الْمُرْضِعُ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ إذَا اسْتَأْجَرَهُمَا مَعًا أَوْ الثَّانِيَةَ بَعْدَ الْأُولَى عَالِمَةً بِهَا، فَفِيهَا وَمَنْ أَجَرَ ظِئْرَيْنِ فَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَلِلْبَاقِيَةِ أَنْ لَا تُرْضِعَهُ وَحْدَهَا، وَمَنْ أَجَرَ
وَمَوْتُ أَبِيهِ، وَلَمْ تَقْبِضْ أُجْرَةً، إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا مُتَطَوِّعٌ،
ــ
[منح الجليل]
وَاحِدَةً ثُمَّ أَجَرَ أُخْرَى فَمَاتَتْ الثَّانِيَةُ فَالْإِرْضَاعُ لَازِمٌ لِلْأُولَى كَمَا كَانَتْ قَبْلَ مُؤَاجَرَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُولَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ تُرْضِعُ مَعَ الثَّانِيَةِ. أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا إنْ عَلِمَتْ الثَّانِيَةُ حِينَ إجَارَتِهَا أَنَّ مَعَهَا غَيْرَهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَلَا كَلَامَ لَهَا، لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى أَنْ تُرْضِعَهُ وَحْدَهَا، وَكَذَا ذَكَرَ حَمْدِيسُ.
وَعَطَفَ عَلَى الْمُشَبَّهَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ (وَ) ك (مَوْتِ أَبِيهِ) أَيْ الرَّضِيعِ (وَلَمْ تَقْبِضْ) ظِئْرُهُ (أُجْرَةً) لِمُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ يَنْتَهِي بِهَا إرْضَاعُهُ السَّنَتَيْنِ، وَلَمْ يَتْرُكْ الْأَبُ مَالًا وَلَا مَالَ لِلرَّضِيعِ فَلِلظِّئْرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ) بِهَا (مُتَطَوِّعٌ) فَلَيْسَ لَهَا فَسْخُهَا. فِيهَا إنْ هَلَكَ الْأَبُ فَحِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّةِ فِي مَالِ الْوَلَدِ قَدَّمَهُ الْأَبُ أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ، وَتَرْجِعُ حِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّةِ إنْ قَدَّمَهُ الْأَبُ مِيرَاثًا لِأَنَّهَا نَفَقَةٌ قَدَّمَهَا الْأَبُ وَلَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَ عَنْهُ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ أَجْرِ رَضَاعِهِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَطِيَّةٍ وَجَبَتْ، إذْ لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ فَلَا تُورَثُ عَنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ لِلْأَبِ خَاصَّةً دُونَ أُمِّهِ، فَفَارَقَ الضَّامِنُ الَّذِي قَالَ لِرَجُلٍ اعْمَلْ لِفُلَانٍ أَوْ بِعْهُ سِلْعَتَك وَالثَّمَنُ لَك عَلَيَّ فَالثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ إنْ مَاتَ، وَلَا طَلَبَ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَلَا عَلَى الْمَعْمُولِ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَجْرَ الرَّضَاعِ لَمْ يَلْزَمْ الْأَبَ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الصَّبِيَّ يَحْيَا، وَأَنَّهُ لَازِمُهُ فَلَمَّا مَاتَ الصَّبِيُّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، وَاَلَّذِي قَالَ بِعْ سِلْعَتَك مِنْ فُلَانٍ وَالثَّمَنُ عَلَى تَطَوُّعٍ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُ، فَلَمَّا تَطَوَّعَ بِهِ وَضَمِنَهُ لِلْبَائِعِ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ وَلَمْ تَبْقَ لَهُ حُجَّةٌ. فِيهَا وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَدَعْ مَالًا وَلَمْ تَأْخُذْ الظِّئْرُ مِنْ إجَارَتِهَا شَيْئًا فَلَهَا فَسْخُهَا، وَلَوْ تَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَائِهَا فَلَا تُفْسَخُ، وَمَا وَجَبَ لِلظِّئْرِ فِيمَا مَضَى فَفِي مَالِ الْأَبِ وَذِمَّتِهِ وَلَا طَلَبَ فِيهِ عَلَى الصَّبِيِّ أَرَادَ وَلَوْ قَبَضَتْ أُجْرَتَهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا فَلَا يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَأَخْذُ حِصَّةِ بَاقِي الْمُدَّةِ مِنْهَا، وَلَكِنْ يَتْبَعُونَ الصَّبِيَّ بِمَا يَنُوبُهُمْ مِنْهَا.
ابْنُ يُونُسَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَتَوَسُّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي النُّكَتِ وَهَذَا بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْأَبِ
وَكَظُهُورِ مُسْتَأْجِرٍ أُوجِرَ بِأَكْلِهِ أَكُولًا، وَمَنْعِ زَوْجٍ رَضِيَ مَنْ وَطِئَ وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ
ــ
[منح الجليل]
أُجْرَةَ تَعْلِيمِ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا تَكُونُ مِيرَاثًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّعْلِيمَ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ، وَلَمَّا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا. وَأَمَّا أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَبِ، فَإِنَّمَا قَدَّمَ مَا يَلْزَمُهُ، وَإِذَا مَاتَ سَقَطَ عَنْهُ لَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْأَبَ قَدَّمَهَا لِلْوَلَدِ خَوْفَ مَوْتِهِ فَهِيَ عَطِيَّةٌ أَوْجَبَهَا فِي صِحَّتِهِ، فَلَا سَبِيلَ إلَى رُجُوعِهَا مِيرَاثًا، وَتُسَوَّى أُجْرَةُ الظِّئْرِ وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ وَأَعْرِفُ نَحْوَ هَذَا التَّفْسِيرِ لِابْنِ الْمَوَّازِ. وَعَطَفَ عَلَى أَهْلِ الطِّفْلِ الْمُشَبَّهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ (وَكَظُهُورِ) بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ تَبَيُّنِ شَخْصٍ (مُسْتَأْجَرٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى خِدْمَةٍ أَوْ عَمَلِ صَنْعَةٍ أَوْ رَعْيِ مَاشِيَةٍ أَوْ حِرَاسَةٍ (أُوجِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْجِيمِ (بِأَكْلِهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ دَرَاهِمَ مَثَلًا حَالَ كَوْنِهِ (أَكُولًا) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ، أَيْ كَثِيرِ الْأَكْلِ جِدًّا فَلِمُسْتَأْجِرِهِ فَسْخُ إجَارَتِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَجِيرُ بِطَعَامٍ وَسَطٍ، فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُهَا.
ابْنُ يُونُسَ إنْ وُجِدَ الْأَجِيرُ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ بِطَعَامِهِ أَكُولًا خَارِجًا عَنْ عَادَةِ النَّاسِ فِي الْأَكْلِ فَفِي الْمَبْسُوطِ لَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ. ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ كَعَيْبٍ وَجَدَهُ بِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَجِيرُ بِطَعَامٍ وَسَطٍ. وَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَجَدَهَا أَكُولَةً خَارِجَةً عَنْ النَّاسِ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ نِكَاحِهَا فَإِمَّا أَشْبَعَهَا وَإِمَّا طَلَّقَهَا لِأَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَّا مِنْ الْعُيُوبِ التِّسْعَةِ، الْأَرْبَعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْخَمْسَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَا فَهُوَ كَوُجُودِهَا عَوْرَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ وَلَوْ شَاءَ لَاسْتَثْبَتَ.
(وَمُنِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (زَوْجٌ) لِظِئْرٍ (رَضِيَ) الزَّوْجُ بِإِجَارَتِهَا لِلْإِرْضَاعِ فَيُمْنَعُ (مِنْ وَطْءٍ) لِزَوْجَتِهِ الظِّئْرِ إنْ كَانَ يَضُرُّ الرَّضِيعَ، بَلْ (وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ) الْوَطْءُ الرَّضِيعَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَسَوَاءٌ حَضَرَ الْعَقْدَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ أَمْ لَا. وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِقَوْلِ أَصْبَغَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ حُصُولِ ضَرَرٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَمَّ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ فَبَلَغَهُ أَنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ يُغِيلُونَ وَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ فَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا. ابْنُ حَبِيبٍ قَوْلُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ
وَسَفَرٌ كَأَنْ تَرْضِعَ مَعَهُ، لَا يَسْتَتْبِعُ حَضَانَةً: كَعَكْسِهِ، وَبَيْعِهِ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ بِثَمَنِهَا سَنَةً، إنْ شَرَطَ الْخُلْف:
ــ
[منح الجليل]
أَحَبُّ إلَيَّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَكُونُ مُولِيًا بِالْيَمِينِ عَلَى تَرْكِهِ مُدَّةَ إرْضَاعِهَا، وَنَصُّهَا لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا إنْ أَجَرَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ. فَإِنْ تَعَدَّى وَوَطِئَهَا فَلِأَبِ الرَّضِيعِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِمَا يُتَّقَى مِنْ ضَرَرِهِ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا.
(وَ) مُنِعَ زَوْجٌ رَضِيَ مِنْ (سَفَرٍ بِهَا) أَيْ الظِّئْرِ مِنْ بَلَدِ أَهْلِ الرَّضِيعِ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَإِنْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، فَإِنْ كَانَتْ آجَرَتْ نَفْسَهَا لِلْإِرْضَاعِ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ. وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (تُرْضِعَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الظِّئْرُ (مَعَهُ) أَيْ الرَّضِيعِ رَضِيعًا (غَيْرَهُ) فَتُمْنَعُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِيهَا كِفَايَةٌ لَهُمَا، لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا جَمِيعَ لَبَنِهَا، وَسَوَاءٌ اُشْتُرِطَ عَلَيْهَا عَدَمُ إرْضَاعِ غَيْرِهِ أَمْ لَا، وَإِنْ شَرَطَتْ إرْضَاعَ غَيْرِهِ فَلَا تُمْنَعُ مِنْهُ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ أَجَّرَهَا عَلَى رَضَاعِ صَبِيٍّ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُرْضِعَ مَعَهُ غَيْرَهُ (وَلَا يَسْتَتْبِعُ) الِاسْتِرْضَاعُ (حَضَانَةً) أَيْ حِفْظًا وَخِدْمَةً لِلرَّضِيعِ.
وَشَبَّهُ فِي عَدَمِ الِاسْتِتْبَاعِ فَقَالَ (كَعَكْسِهِ) أَيْ لَا تَسْتَتْبِعُ الْحَضَانَةُ الْإِرْضَاعَ، فَلَا يَلْزَمُ الظِّئْرَ حَضَانَةٌ وَلَا الْحَاضِنَةَ إرْضَاعٌ. ابْنِ شَاسٍ الْإِجَارَةُ عَلَى الْإِرْضَاعِ لَا تُوجِبُ الْحَضَانَةَ وَلَا الْعَكْسَ. ابْنُ عَرَفَةَ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْآخَرِ كَالْخِيَاطَةِ وَالطَّرْزِ.
(وَ) جَازَ (بَيْعُهُ) أَيْ الْمَالِكِ الرَّشِيدِ (سِلْعَةً) بِمِائَةٍ مَثَلًا (عَلَى) شَرْطِ (أَنْ يَتَّجِرَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ (بِثَمَنِهَا) أَيْ السِّلْعَةِ كَمِائَةِ دِينَارٍ (سَنَةً) مَثَلًا وَالرِّبْحُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ، إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ لِلسِّلْعَةِ بِالْمِائَةِ مَثَلًا وَاتِّجَارُ الْمُشْتَرِي بِهَا سَنَةً وَإِجَارَةٌ لِلْمُشْتَرِي عَلَى التَّجْرِ بِالْمِائَةِ مَثَلًا سَنَةً بِبَعْضِ السِّلْعَةِ وَجَمْعُهُمَا جَائِزٌ لِاتِّفَاقِ أَحْكَامِهِمَا (إنْ شُرِطَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فِي حَالِ الْعَقْدِ (الْحَلِفُ) لِلثَّمَنِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ إنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
تَلِفَ لِيَسْتَمِرَّ التَّجْرُ بِهِ سَنَةً وَيَخِفَّ الْغَرَرُ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَلَفَ فَلَا يَجُوزُ لِشِدَّةِ الْغَرَرِ.
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ بَاعَ لِرَجُلٍ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرُ لَهُ بِثَمَنِهَا سَنَةً، فَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ إنْ تَلِفَ الثَّمَنُ أَخْلَفَ لَهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَتِمَّ عَمَلُهُ بِهِ سَنَةً جَازَ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ. فَإِنْ شَرَطَهُ فَضَاعَ الثَّمَنُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَخْلُفَهُ حَتَّى تَتِمَّ السَّنَةُ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْأَجِيرِ اذْهَبْ بِسَلَامٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرْت رَجُلًا يَعْمَلُ لَك بِهَذِهِ الْمِائَةِ دِينَارٍ سَنَةً جَازَ ذَلِكَ إنْ شُرِطَتْ عَلَيْهِ إنْ ضَاعَتْ أَخْلَفْتهَا لَهُ، فَإِنْ ضَاعَتْ كَانَ لَك أَنْ تُخْلِفَهَا أَوْ تَدَعَ وَقَدْ لَزِمَتْك الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْإِجَارَةِ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَذَلِكَ إنْ أَجَرَهُ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِعَيْنِهَا سَنَةً، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ أَنَّ مَا هَلَكَ مِنْهَا أَوْ بَاعَهُ أَوْ ضَاعَ أَخْلَفَهُ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، فَإِنْ شَرَطَهُ وَضَاعَ شَيْءٌ مِنْهَا قِيلَ لِلْأَجِيرِ أَوْفِ الْإِجَارَةَ وَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَاشِيَةِ بَيْنَ خَلَفِ مَا ضَاعَ وَعَدَمِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ أَجَّرَهُ عَلَى رِعَايَةِ مِائَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَلَفَ لِمَا مَاتَ وَلِرَبِّهَا خَلَفُ مَا مَاتَ بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّرْطِ فِيهَا.
وَقَالَ سَحْنُونٌ يَجُوزُ فِي الْمُعَيَّنَةِ مِنْ غَنَمٍ أَوْ دَنَانِيرَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِط خَلَفَ مَا هَلَكَ، وَالْحُكْمُ يُوجِبُ عَلَيْهِ خَلَفَ مَا هَلَكَ. ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَبِهِ أَقُولُ. ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ عِنْدِي أَصْوَبُ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهَا لَا تَتَعَيَّنُ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلِ طَعَامٍ أَوْ مَتَاعٍ مَا احْتَاجَ إلَى شَرْطِ خَلَفِهِ إنْ هَلَكَ، وَالْحُكْمُ يُوجِبُ خَلَفَهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ. الْبَاجِيَّ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَصْدِ زَرْعٍ مُعَيَّنٍ فَهَلَكَ فَقَالَ أَشْهَبُ تَنْفَسِخُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَنْفَسِخُ. ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافٌ لِقَوْلِهِ إنْ تَعَذَّرَ الْحَرْثُ بِنُزُولِ الْمَطَرِ سَقَطَ الْأَجْرُ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْحَرْثُ بِكَسْرِ الْمِحْرَاثِ أَوْ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ فَلَا يَسْقُطُ أَجْرُهُ. وَلِسَحْنُونٍ إنْ مَنَعَ أَجِيرُ الْبِنَاءِ أَوْ الْحَصَادِ أَوْ عَمِلَ مَاءَ مَطَرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا بِحِسَابِ مَا
كَغَنَمٍ لَمْ تُعَيَّنْ، وَإِلَّا فَلَهُ الْخُلْفُ عَلَى آجِرِهِ:
ــ
[منح الجليل]
عَمِلَ مِنْ النَّهَارِ. وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ كُلُّ الْأَجْرِ. ابْنُ عَرَفَةَ لَا يَدْخُلُ الْخِلَافُ نَوَازِلَ تُونُسَ لِتَقَرُّرِ الْعُرْفِ عِنْدَهُمْ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ وَنُزُولِ الْخَوْفِ.
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ (ك) إجَارَةٍ عَلَى رَعْيِ (غَنَمٍ لَمْ تُعَيَّنْ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا الْغَنَمُ فِي الْعَقْدِ عَلَى رَعْيِهَا فَتَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ خَلَفُ مَا يَمُوتُ مِنْهَا أَوْ يَضِيعُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عُيِّنَتْ فَتَجُوزُ إنْ شُرِطَ الْخَلَفُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ هَلَكَتْ (فَلَهُ) أَيْ الرَّاعِي (الْخَلَفُ) لَهَا (عَلَى آجِرِهِ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ مُسْتَأْجَرِهِ، فَإِنْ أَبَى لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ. الْحَطُّ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِلَمْ قَبْلَ الْمُضَارِعِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْغَنَمَ غَيْرَ الْمُعَيَّنَةِ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى رَعْيِهَا إلَّا بِشَرْطِ خَلَفِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ إنْ حَمَلَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ عُيِّنَتْ فَلَهُ الْخَلَفُ، وَأَرَادَ مَعَ عَدَمِ شَرْطِهِ فَلَا يَصِحُّ لِفَسَادِ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَرَادَ مَعَ الشَّرْطِ فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ. وَتَكَلَّفَ الْبِسَاطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَصْحِيحَهُ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ بَيْنَ الْغَنَمِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ وَبَيْنَ التَّجْرِ بِثَمَنِ السِّلْعَةِ مَعَ شَرْطِ الْخَلَفِ فِي أَنَّ عَلَى الْمَالِكِ الْخَلَفَ لَا فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِالشَّرْطِ وَعَدَمِهَا بِعَدَمِهِ، يَعْنِي أَنَّ الْغَنَمَ غَيْرَ الْمُعَيَّنَةِ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى رَعْيِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَلَفَ، وَيَقْضِي عَلَى رَبِّهَا بِهِ. بِخِلَافِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِهِ فَافْهَمْهُ فَإِنَّهُ كَاللُّغْزِ، وَبِأَنَّهُ فِي الْجَوَازِ أَيْ يَجُوزُ كَذَا كَمَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى رَعْيِ غَنَمِ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ.
وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ مَعْنَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالْخَلَفِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ وَإِنْ عُيِّنَتْ أَيْ مَعَ شَرْطِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْخَلَفِ أَوْ يَدْفَعَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ. وَمَعْنَاهُ عَلَى الثَّانِي أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ الْمُعَيَّنَةِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ، وَهُوَ عَلَى أَجْرِهِ الْأَوَّلِ. اهـ. هُوَ فِي غَايَةِ التَّكَلُّفِ بَعِيدُ الْمُلَاءَمَةِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ كَغَنَمٍ عُيِّنَتْ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ عَلَى أَجْرِهِ، وَهَذِهِ لَا إشْكَالَ فِيهَا، وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْغَنَمَ الْمُعَيَّنَةَ تَجُوزُ الْإِجَارَةَ عَلَى رَعْيِهَا إذَا شُرِطَ خَلَفُهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةٌ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ، وَلَهُ الْخَلْف عَلَى آجِرِهِ، يُرِيدُ أَوْ يَدْفَعُ لَهُ الْأُجْرَةَ كَامِلَةً، وَهَذِهِ النُّسْخَةُ مُطَبِّقَةٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ
كَرَاكِبٍ
وَحَافَتَيْ نَهْرِك لِيَبْنِيَ بَيْتًا
وَطَرِيقٍ فِي دَارٍ
ــ
[منح الجليل]
الْمُتَقَدِّمِ. وَقَوْلُهُ عَلَى آجِرِهِ أَتَى بِهِ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْخَلَفُ إنَّمَا هُوَ الْآجِرُ أَيْ رَبِّ الْغَنَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَقِيَّةُ شُرُوطِهَا وَتَفْرِيعَاتِهَا مَبْسُوطَةٌ فِي شُرُوحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرُوا مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِهَا أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ التَّجْرَ بِالرِّبْحِ، بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْغَنَمِ فَيَجُوزُ شَرْطُ رَعْيِهَا عَلَى رَاعِي أُمَّهَاتِهَا، قَالُوا لِأَنَّ الرِّبْحَ مَجْهُولٌ، وَمَا تَلِدُهُ الْغَنَمُ مَعْرُوفٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، نَعَمْ غَرَرُهُ أَخَفُّ مِنْ غَرَرِ الرِّبْحِ.
وَشَبَّهَ فِي الْقَضَاءِ بِالْخَلَفِ فَقَالَ (كَرَاكِبٍ) أَيْ مُرِيدِ رُكُوبٍ مَثَلًا اكْتَرَى دَابَّةً مَضْمُونَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِيَرْكَبَهَا لِمَوْضِعِ كَذَا فَهَلَكَتْ قَبْلَهُ أَوْ فِي الْمَسَافَةِ، فَعَلَى رَبِّهَا خَلَفُهَا قَرَّرَهُ الشَّارِحَانِ، وَيَحْتَمِلُ كَرَاكِبٍ تَعَذَّرَ رُكُوبُهُ فَيَجِبُ خَلَفُهُ وَلَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا تَكَارَى قَوْمٌ دَابَّةً لِيَزِفُّوا عَلَيْهَا عَرُوسًا لَيْلَتَهُمْ فَلَمْ يَزِفُّوهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَعَلَيْهِمْ الْكِرَاءُ، وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ أَوْ لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ فَبِدَالِهِ أَوْ لِلرَّجُلِ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَلْيُكْرِ الدَّابَّةَ إلَى الْمَوْضِعِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى. وَإِنْ اكْتَرَاهَا إلَى الْحَجِّ أَوْ إلَى بَيْتِ الْقُدْسِ أَوْ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَاقَهُ مَرَضٌ أَوْ سَقْطَةٌ أَوْ مَاتَ أَوْ عَرَضَ لَهُ غَرِيمٌ حَبَسَهُ فِي الطَّرِيقِ فَالْكِرَاءُ لَازِمٌ لَهُ، وَلَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ كِرَاؤُهَا فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى، وَصَاحِبُ الْإِبِلِ أَوْلَى بِمَا عَلَى إبِلِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ.
(وَ) جَازَ إيجَارُ (حَافَتَيْ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُثَنَّى حَافَةٍ سَقَطَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ، أَيْ جَانِبَيْ (نَهْرِك ل) مَنْ أَرَادَ أَنْ (يَبْنِيَ) عَلَيْهِمَا جِدَارَيْنِ، وَيَرْفَعَهُمَا لِيَبْنِيَ عَلَيْهِمَا (بَيْتًا) يَجْرِي نَهْرُك مِنْ تَحْتِهِ. الْمِسْنَاوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِهَذِهِ الْإِضَافَةِ، فَإِنْ جَرَى نَهْرُ غَيْرِك بِأَرْضِك فَلَكَ كِرَاءُ حَافَتَيْهِ لِمَنْ يَبْنِي عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَك. ابْنُ نَاجِي قُلْت فِي دَرْسِ شَيْخِنَا أَبِي مَهْدِيٍّ لَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الْبِنَاءِ، بِخِلَافِ مَنْ اكْتَرَى جِدَارًا لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ لِتَضَرُّرِ الْجِدَارِ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ فَاسْتَحْسَنَهُ تت، وَفِيهِ بَحْثٌ.
(وَ) جَازَ إجَارَةُ (طَرِيقٍ فِي دَارٍ) يَمُرُّ مِنْهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِدَارِهِ مَثَلًا وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ أَكْلِ
وَمَسِيلِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ، لَا مِيزَابٍ، إلَّا لِمَنْزِلِك فِي أَرْضِهِ
وَكِرَاءُ رَحَى مَاءٍ بِطَعَامٍ، أَوْ غَيْرِهِ
ــ
[منح الجليل]
أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَشْهَبَ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ أَنْ تُؤَاجِرَ حَافَتَيْ نَهْرِك مِمَّنْ يَبْنِي عَلَيْهِ بَيْتًا أَوْ يَنْصِبُ عَلَيْهِ رَحًى، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَرِيقًا فِي دَارٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَصَبَّ مِرْحَاضٍ مِنْ دَارٍ. وَأَمَّا مَسِيلُ مَاءِ مَيَازِيبِ الْمَطَرِ مِنْ دَارٍ فَلَا يُعْجِبُنِي لِأَنَّ الْمَطَرَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، وَيَكُونُ وَلَا يَكُونُ. ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إنَّمَا افْتَرَقَ جَوَابُهُ فِي مَسِيلِ الْمِرْحَاضِ وَمَسِيلِ الْمِيزَابِ لِافْتِرَاقِ السُّؤَالِ. وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي اسْتَأْجَرَ مَسِيلَ الْمِرْحَاضِ إنَّمَا اسْتَأْجَرَ مَسِيلَ الْمِرْحَاضِ مِنْ دَارِهِ عَلَى دَارِ صَاحِبِهِ، فَذَلِكَ كَطَرِيقٍ اسْتَأْجَرَهَا. وَأَمَّا مَسِيلُ مَاءِ الْمِيزَابِ فَإِنَّمَا اشْتَرَى الْمَاءَ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهَا. وَأَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ جَوَازَ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ جَوَازِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ.
(وَ) جَازَ كِرَاءُ (مَسِيلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ مَوْضِعِ سَيَلَانٍ (مَصَبِّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَصْبُوبِ (مِرْحَاضٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَإِهْمَالِ الْحَاءِ وَإِعْجَامِ الضَّادِ، أَيْ مَوْضِعِ الرَّحْضِ أَيْ الطَّرْحِ لِلْفَضْلَةِ لِيَجْرِيَ فِيهِ إلَى الْخَلَاءِ أَوْ الْبَحْرِ مَثَلًا (لَا) يَجُوزُ شِرَاءُ الْمَطَرِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ (مِيزَابٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَإِعْجَامِ الزَّايِ، ثُمَّ بَاءَ مُوَحَّدَةٍ آلَةٌ تُجْعَلُ بِطَرَفِ سَطْحٍ يَسِيلُ مِنْهَا مَاءُ الْمَطَرِ الْمُجْتَمِعِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ، وَإِنْ كَانَ فَتَارَةً يَكْثُرُ وَتَارَةً يَقِلُّ، وَلَا يَدْرِي وَقْتَهُ (إلَّا) أَيْ لَكِنْ يَجُوزُ كِرَاءُ مَسِيلٍ مَصَبِّ مِيزَابٍ (لِمَنْزِلِك) حَالَ كَوْنِ الْمَسِيلِ (فِي أَرْضِهِ) أَيْ الْمُكْرِي.
" قِ " لَوْ قَالَ وَطَرِيقٌ فِي دَارٍ أَوْ مَسِيلِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ أَوْ مَسِيلِ مَصَبِّ مَاءِ مِيزَابٍ. لَا مَاءَ مِيزَابٍ فِي أَرْضِهِ لَا لَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ مَا حَكَاهُ. ابْنُ يُونُسَ الْبُنَانِيُّ لَوْ قَالَ وَمَسِيلُ مَاءِ مِرْحَاضٍ أَوْ مِيزَابٍ لَا مَاؤُهُ فِي أَرْضِك لَكَانَ أَجْرَى عَلَى قَصْدِهِ وَهُوَ تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ.
(وَ) جَازَ (كِرَاءُ رَحَى) حَبٍّ تَدُورُ ب (مَاءٍ بِطَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ الطَّعَامُ فِيهَا لِلْإِمَامِ
وَعَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ مُشَاهَرَةً، أَوْ عَلَى الْحُذَّاقِ، وَأَخْذُهَا، وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ.
ــ
[منح الجليل]
مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا بَأْسَ بِإِجَارَةِ رَحَى الْمَاءِ بِالطَّعَامِ وَغَيْرِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهَا فَهُوَ عُذْرٌ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِهِ، وَإِنْ رَجَعَ الْمَاءُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ لَزِمَهُ بَاقِيهَا، كَقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْعَبْدِ يَمْرَضُ ثُمَّ يَصِحُّ قَالُوا نَبَّهَ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الطَّحْنِ بِالْمَاءِ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْأَرْضِ وَيُصْنَعُ الطَّعَامُ بِهَا يَمْتَنِعُ كِرَاؤُهَا بِالطَّعَامِ كَأَرْضِ الزِّرَاعَةِ. الْمَشَذَّالِيُّ وَنَحْوُهُ كِرَاءُ الْمِعْصَرَةِ بِالزَّيْتِ وَالْمِلَاحَةِ بِالْمِلْحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) جَازَتْ الْإِجَارَةُ (عَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ مُشَاهَرَةً) بِضَمِّ الْمِيمِ، أَيْ كُلَّ شَهْرٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ إنْ لَمْ يَذْكُرْ مَا يُعَلِّمُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَإِلَّا جَرَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي جَمْعِ الزَّمَنِ وَالْعَمَلِ (أَوْ عَلَى الْحِذَاقِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِعْجَامِ الذَّالِ، أَيْ الْحِفْظِ لِكُلِّ الْقُرْآنِ أَوْ بَعْضٍ مِنْهُ مَعْلُومٍ كَسُورَةِ يس أَوْ ثُلُثُهُ مَثَلًا، أَوْ عَلَى قِرَاءَتِهِ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا، أَوْ عَلَى الْحِذَاقِ لِلْقُرْآنِ بِكَذَا أَوْ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ أَوْ سُدُسَهُ بِكَذَا. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَ أَجْرِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا كُلَّ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى.
(وَأَخْذُهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ السِّيَاقِ أَوْ الْحَذْقَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْحِذَاقَةِ الْمُعَلِّمُ إنْ اُشْتُرِطَتْ، بَلْ (وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الرَّاءِ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَا بَأْسَ بِمَا يَأْخُذُهُ الْمُعَلِّمُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ سُئِلَ الْإِمَامُ سَحْنُونٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَيَجْرِي لَهُ الدِّرْهَمُ وَالدِّرْهَمَانِ كُلَّ شَهْرٍ ثُمَّ يَحْذِقُهُ الْمُعَلِّمُ فَيَطْلُبُ الْحَذْقَةَ وَيَأْبَاهَا الْأَبُ، وَيَقُولُ حَقُّك فِيمَا قَبَضْت، فَقَالَ يُنْظَرُ إلَى سُنَّةِ الْبَلَدِ فَيُحْمَلَانِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ فِي الْحَذْفَةِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ إلَّا عَلَى قَدْرِ الرَّجُلِ وَحَالِهِ، وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ عِنْدَ الْمُعَلِّمِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْقُرْآنِ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْخَتْمَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهِمَا مَا لَمْ يَتَقَارَبْ عِتْقُهُمَا بِمَرَضِ السَّيِّدِ، فَلَا يَنْتَزِعُ مِنْهُمَا شَيْئًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ حَبِيبٍ نَحْنُ نُوجِبُ حَقَّ الْحَذْقَةِ وَنَقْضِي بِهَا لِلْمُعَلِّمِ. الْحَذْقَةُ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْخَتْمَةِ وَأَمَّا عِنْدَنَا الْيَوْمَ فَهِيَ عَلَى الْأَجْزَاءِ، إلَّا أَنَّهُ مَعْرُوفٌ. الْقَابِسِيُّ فِي أَحْكَامِ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ الْحَذْقَةُ فِي السُّوَرِ مَا تَقَرَّرَتْ بِهِ عُرْفًا مِثْلُ لَمْ يَكُنْ وَعَمَّ وَتَبَارَكَ وَالْفَتْحِ وَالصَّافَّاتِ.
ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ يَذْكُرْ الْفَاتِحَةَ وَهِيَ حَذْقَةٌ فِي عُرْفِنَا. الْقَابِسِيُّ، وَكَذَا عَطِيَّةُ الْعَبْدِ يَثْبُتُ بِالْعُرْفِ. سَحْنُونٌ لَا تَلْزَمُ الْحَذْقَةُ إلَّا فِي خَتْمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهَا تَفَضُّلٌ، وَمَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَادَةً بِغَيْرِهَا. الْمُتَيْطِيُّ اخْتَلَفَ فِي الْحَذْقَةِ فَقِيلَ لَا حَذْقَةَ عَلَيْهِ لِلْمُؤَدِّبِ بِحُكْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِشَرْطٍ لِشَيْءٍ مَعْلُومٍ. وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى سُنَّةِ الْبَلَدِ، فَإِنْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِهَا حُكِمَ لَهُ بِهَا بِقَدْرِ مَا يَرَى عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا أَوْ نَظَرًا وَإِنْ كَانَ يُخْطِئُ فِي الْحَرْفِ وَالْحَرْفَيْنِ، وَإِذَا حَسُنَ خَطُّهُ وَهِجَاؤُهُ وَكَتَبَ كُلَّ مَا يُمْلَى عَلَيْهِ وَقَرَأَ جُلَّ مَا رَآهُ وَجَبَ عَلَيْهِ حَذْقَتُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَتَجُوزُ عَلَى الْقُرْآنِ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى» . وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ بِكَذَا، أَوْ عَلَى الْحِذَاقِ لِلْقُرْآنِ أَوْ عَلَى تَعَلُّمِهِ كُلِّهِ أَوْ سُدُسِهِ بِكَذَا، وَنَحْوُهُ سَمِعَ الْقَرِينَانِ ابْنَ رُشْدٍ إجَازَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَهُمْ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَاحْتَجَّ ابْنُ رُشْدٍ بِحَدِيثِ جَوَازِ الْجُعْلِ عَلَى الرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَالْإِجَارَةُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ مُشَاهَرَةً وَمُقَاطَعَةً عَلَى جَمِيعِهِ، أَوْ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ نَظَرًا أَوْ ظَاهِرًا، أَوْ وَجِيبَةٌ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الشُّهُورِ أَوْ الْأَعْوَامِ، فَالْمُشَاهَرَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِأَحَدِهِمَا، وَالْوَجِيبَةُ وَالْمُقَاطَعَةُ لَازِمَةٌ لَهُمَا.
وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يُسَمِّيَ فِي الْمُقَاطَعَةِ أَجَلًا، وَرَوَاهُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي تَوْقِيتِ مَا أَجَّلَهُ فَرَاغُهُ، وَقَالَ يُقْضَى بِالْحَذْقَةِ فِي النَّظَرِ. وَالظَّاهِرُ بِقَدْرِ حَالِ الْأَبِ وَيُسْرِهِ وَقُوَّةِ حِفْظِ الْوَلَدِ وَتَجْوِيدِهِ لِأَنَّهَا مُكَارَمَةٌ جَرَى النَّاسُ عَلَيْهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْأَبُ تَرْكَهَا، فَإِنْ أَخْرَجَ الْأَبُ ابْنَهُ قُرْبَ الْحَذْقَةِ لَزِمَتْهُ، وَإِنْ بَقِيَ لَهَا مَا لَهُ بَالٌ كَالسُّدُسِ وَنَحْوِهِ سَقَطَتْ، وَلَيْسَ لَهُ حِسَابُ مَا مَضَى مِنْهَا، وَإِنْ شَرَطَ الْمُعَلِّمُ الْحَذْقَةَ فَلَا تَجُوزُ دُونَ تَسْمِيَتِهَا، وَإِنْ أَخْرَجَ الْأَبُ ابْنَهُ قَبْلَ بُلُوغِهَا لَزِمَهُ بِحِسَابِ مَا مَضَى وَلَوْ قَلَّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُقْضَى بِالْإِخْطَارِ فِي الْأَعْيَادِ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُسْتَحَبًّا فِي أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُكْرَهُ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى كَالنَّيْرُوزِ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ فَعَلَهُ وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ قَبِلَهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَعْظِيمِ الشِّرْكِ، قُلْت فَلَا يَحِلُّ قَبُولُ هَدَايَا النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا الْيَهُودُ وَكَثِيرٌ مِنْ جَهَلَةِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُمْ ذَلِكَ فِي عِيدِ الْفَطِيرَةِ عِنْدَهُمْ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَأَيْت أَنْ أُكْمِلَ هَذَا الْفَصْلَ بِالضَّرُورِيِّ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ، قَالَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «خِيَارُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» يَشْمَلُ الْوَالِدَ بِتَعْلِيمِهِ وَلَدَهُ إيَّاهُ وَلَوْ بِأُجْرَةِ تَعْلِيمِهِ الْمُعَلِّمَ، وَلَقَدْ أَجَابَ ابْنُ سَحْنُونٍ أَبَا وَلَدٍ كَانَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ عَلَيْهِ عَنْ قَوْله أَنَا أَتَوَلَّى الْعَمَلَ بِنَفْسِي وَلَا أَشْغَلُهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ أَجْرُك فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ.
الْقَابِسِيُّ إنْ تَرَكَ الْأَبُ تَعْلِيمَ وَلَدِهِ الْقُرْآنَ لِشُحٍّ قَبُحَ فِعْلُهُ وَلِقِلَّةِ عُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَلَا يَدَعُهُ دُونَ تَعْلِيمٍ وَلِيُّهُ أَوْ قَاضِي بَلَدِهِ أَوْ جَمَاعَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ تَوَجَّهَ حُكْمُ النَّدْبِ عَلَى وَلِيِّهِ وَأُمِّهِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَتَعْلِيمُ مَنْ أَسْلَمَ مَا يُصَلِّي بِهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ انْفَرَدَ بِهِ دُونَ عِوَضٍ وَتَعْلِيمُ الْأُنْثَى مَا تُصَلِّي بِهِ كَالذَّكَرِ، كَذَلِكَ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ لِلْأُنْثَى حَسَنٌ، وَكَذَا الْعِلْمُ لَا الرَّسَائِلُ وَالشِّعْرُ وَتَرْكُ تَعْلِيمِهَا الْخَطَّ أَصْوَنُ، وَيَكُونُ الْمُعَلِّمُ مَعَهُمْ مَهِيبًا لَا فِي عُنْفٍ لَا يَكُونُ عَبُوسًا مُغْضَبًا وَلَا مُنْبَسِطًا مُرْفَقًا بِالصِّبْيَانِ دُونَ لِينٍ. قُلْت وَيَكْتَفِي فِي إبَاحَةِ انْتِصَابِهِ بِسِتْرِ الْحَالِ لِلْمُتَزَوِّجِ وَيَسْأَلُ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ عَنْهُ إلَّا الْعَفَافَ أُبِيحَ لَهُ، وَيَمْنَعُ مَنْ يَتَحَدَّثُ عَنْهُ بِسَوْءٍ مُطْلَقًا، وَبِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ وَهُوَ الْحَقُّ، قَالَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَزْجُرَ الْمُتَخَاذِلَ فِي حِفْظِهِ أَوْ صَنِفَةِ كُتُبِهِ بِالْوَعِيدِ وَالتَّقْرِيعِ لَا بِالشَّتْمِ كَيَا قِرْدُ، فَإِنْ لَمْ يُفْدِ الْقَوْلُ انْتَقَلَ لِلضَّرْبِ بِسَوْطٍ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ضَرْبَ إيلَامٍ فَقَطْ دُونَ تَأْثِيرٍ فِي الْعُضْوِ، فَإِنْ لَمْ يُفِدْ زَادَ إلَى عَشْرٍ. قُلْت ضَرَبَ مُعَلِّمٌ صَبِيًّا بِالسَّوْطِ فِي رِجْلِهِ لِتَقَرُّرِ قِلَّةِ حِفْظِهِ فَحَدَثَتْ بِرِجْلِهِ مِنْ ضَرْبِهِ قُرْحَةٌ صَارَتْ نَاصُولًا يَشُكُّ فِي مَوْتِهِ بِهِ، قَالَ وَمَنْ نَاهَزَ الْحُلُمَ وَغَلُظَ خُلُقُهُ وَلَمْ تَرْعُهُ الْعَشْرُ فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ.
قُلْت الصَّوَابُ اعْتِبَارُ حَالِ الصِّبْيَانِ، شَاهَدْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ مُعَلِّمِينَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الصُّلَحَاءِ يَضْرِبُ الصَّبِيُّ نَحْوَ الْعِشْرِينَ وَأَزْيَدَ، وَكَانَ مُعَلِّمُنَا يَضْرِبُ مَنْ عَظُمَ جُرْمُهُ بِالْعِصِيِّ فِي سَطْحٍ أَسْفَلَ رِجْلَيْهِ الْعِشْرِينَ وَأَكْثَرَ، وَمَنْعُهُ الزَّجْرَ بِيَا قِرْدُ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ فِعْلُ بَعْضِهِمْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَجَازُوهُ لِلْقَاضِي لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ضَرْبِهِ، وَكَذَا كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَزْجُرُ بِهِ فِي مَجْلِسِ إقْرَائِهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الزَّجْرَ لِتَعَذُّرِهِ بِالضَّرْبِ، وَنَقَلُوهُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِمْ، وَسَمِعْنَا مِنْهُمْ عَنْ شُيُوخِهِمْ فِي ذَلِكَ مَقَالَاتٍ مِمَّنْ نَقَلْنَا عَنْهُ شَائِعًا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْعَادِلُ الْخَطِيبُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْجِينِيُّ، وَالشَّيْخِ النَّحْوِيِّ الْمَشْهُورِ بِالزَّلْدَوِيِّ، وَكَانَ يَصْدُرُ كَثِيرًا مِنْ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْن وَالْبَاقِلَّا، وَقَلِيلًا مِنْ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَفَائِدَةٌ وَاضِحَةٌ لِمَنْ أَنْصَفَ، لِأَنَّهَا تُكْسِبُ تَثَبُّتَ الطَّالِبِ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَقُولَهُ مِنْ بَحْثٍ أَوْ نَقْلٍ، وَقَدْ وَاَللَّهِ سَمِعْت شَيْخَنَا ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ زَجَرَ بَعْضُ أَهْلِ مَجْلِسِنَا فِي مَدْرَسَةِ السَّمَّاعِينَ فِي قَوْلٍ قَالَهُ بِمَا يَقُولُ هَذَا مُسَلَّمٌ، وَكَانَ هَذَا الْمَقُولُ لَهُ مُتَّصِفًا بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ الْمُنْتَصِبِينَ لِلشَّهَادَةِ وَخُطَّةِ الْقَضَاءِ بِالْبِلَادِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَلَمْ يَتْرُكْ لِذَلِكَ مَجْلِسَهُ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَالْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ.
قَالَ وَمَنْ اتَّصَفَ مِنْ الصِّبْيَانِ بِأَذًى أَوْ لَعِبٍ أَوْ هُرُوبٍ مِنْ الْمَكْتَبِ اسْتَشَارَ وَلِيَّهُ فِي قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ الزِّيَادَةِ فِي ضَرْبِهِ قَدْرَ مَا يُطِيقُ. قُلْت أَمَّا فِي الْإِذَايَةِ فَلَا يَسْتَشِيرُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ يَتَعَذَّرُ طَلَبُهُ عِنْدَ غَيْرِ مُعَلِّمِهِ لِتَعَسُّرِ إثْبَاتِ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ، وَاسْتَحَبَّ سَحْنُونٌ أَنْ لَا يُوَلِّيَ أَحَدًا مِنْ الصِّبْيَانِ ضَرْبَ غَيْرِهِ مِنْهُمْ. سَحْنُونٌ وَلَا يَضْرِبْ وَجْهًا وَلَا رَأْسًا، وَمِنْ حُسْنِ النَّظَرِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. سَحْنُونٌ أَكْرَهُ خَلْطَهُمْ لِتَأْدِيَتِهِ لِلْفَسَادِ. قُلْت مَنْ بَلَغَ حَدَّ التَّفْرِقَةِ فِي الْمَضْجَعِ فَوَاجِبٌ تَفْرِيقُهُ مِنْهُمْ، قَالَ وَيُحْتَرَزُ مِمَّنْ يُخَافُ فَسَادُهُ عَلَى الصَّبِيَّانِ مِمَّنْ قَارَبَ الْحُلُمَ، أَوْ كَانَ ذَا جُرْأَةٍ. قُلْت الصَّوَابُ فِي هَذَا مَنْعُ تَعْلِيمِهِ مَعَهُمْ، قَالَ وَلَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَنْ عَرَفَهُ بِالصِّدْقِ، فَيَقْبَلُ قَوْلَهُ، قَالَ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الرِّبَا فِي تَبَايُعِهِمْ طَعَامًا بِطَعَامٍ، وَيَفْسَخُهُ إنْ نَزَلَ وَمَا فَاتَ فَهُوَ فِي مَالِ مُفَوِّتِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ. سَحْنُونٌ وَشِرَاءُ الْفَلَقَةِ وَالدِّرَّةِ وَكِرَاءُ مَوْضِعِ التَّعْلِيمِ عَلَى الْمُعَلِّمِ، فَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى تَعْلِيمِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
صِبْيَانٍ مَعْلُومِينَ سَنَةً مَعْلُومَةً فَعَلَى أَوْلِيَائِهِمْ كِرَاءُ الْمَوْضِعِ، وَأَمَّا تَعْلِيمُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ مَبْلَغَ الْأَدَبِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْتَى بِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَقَرُّ بِهِ وَيَعْبَثُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ. وَرَوَى سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَحَفَّظُونَ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَأَجَابَ سَحْنُونٌ عَنْ مُعَلِّمٍ أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِبَعْضِ الصِّبْيَانِ لِبُعْدِهِ مِنْ دَارِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ عَقْدُ إجَارَتِهِ مَعَ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ عَلَى اللُّزُومِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَإِلَّا جَازَ دُونَ إذْنِهِ، وَمُتَعَلِّقُ تَعْلِيمِهِ بِالذَّاتِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ حِفْظًا أَوْ نَظَرًا. ابْنُ سَحْنُونٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَهُمْ إعْرَابَ الْقُرْآنِ وَيُلْزِمَهُ ذَلِكَ وَالشَّكْلَ وَالْهِجَاءَ وَالْخَطَّ الْحَسَنَ وَحُسْنَ الْقِرَاءَةِ بِالتَّرْتِيلِ وَأَحْكَامَ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَفَرَائِضَهُمَا وَسُنَنَهُمَا وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَدُعَاءَهَا وَصَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْخُسُوفِ. قُلْت مَحْمَلُ قَوْلِهِ عِنْدِي إعْرَابُ الْقُرْآنِ هُوَ تَعْلِيمُهُ مُعْرَبًا احْتِرَازًا مِنْ اللَّحْنِ، إذْ الْإِعْرَابُ النَّحْوِيُّ مُتَعَذِّرٌ وَحُسْنُ الْقِرَاءَةِ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّجْوِيدَ فَهُوَ لَازِمٌ فِي عُرْفِنَا إلَّا عَلَى مَنْ شُهِرَ بِتَعْلِيمِهِ. وَأَمَّا أَحْكَامُ الْوُضُوءِ وَمَا بَعْدَهُ فَوَاضِحٌ عَدَمُ لُزُومِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعَلِّمِينَ لَا يَقُومُونَ بِذَلِكَ. قَالَ وَيَجِبُ عَدْلُهُ بَيْنَهُمْ فِي التَّعْلِيمِ لَا يُفَضَّلُ بَعْضُهُمْ فِيهِ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْ تَفَاضَلُوا فِي الْجُعْلِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِوَلِيِّهِ فِي عَقْدِهِ، أَوْ يَكُونُ تَفْصِيلُهُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ وَقْتِ تَعْلِيمِهِ وَلَا يُعَلِّمُهُمْ قِرَاءَتَهُ بِالْأَلْحَانِ لِنَهْيِ مَالِكٍ عَنْهَا. ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ وَلَا يُعَلِّمُهُمْ أباجاد وَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، لِأَنِّي سَمِعْت حَفْصَ بْنَ غَيَّاثٍ يُحَدِّثُ أَبَاجَادَ أَسْمَاءُ الشَّيَاطِينِ أَلْقَوْهَا عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَتَبُوهَا. مُحَمَّدٌ فَكَتْبُهَا حَرَامٌ.
وَأَخْبَرَنِي سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ قَوْمٌ يَنْظُرُونَ النُّجُومَ يَكْتُبُونَ أَبَاجَادَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ. قُلْت لَعَلَّ الْأُسْتَاذَ الشَّاطِبِيَّ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ هَذَا، أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ، أَوْ رَأَى النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهَا عَلَى أَصْلِ مَا وُضِعَتْ لَهُ لَا مَعَ تَغَيُّرِهَا بِالنَّقْلِ لِمَعْنًى صَحِيحٍ، وَعَلَى هَذَا يَسُوغُ اسْتِعْمَالُهَا عَدَدًا كَسَرَّاجِ الْيَمَنِ فِي التَّحْصِيلِ وَاخْتِصَارِ الْأَرْبَعِينَ وَغَيْرِهِ عَقَدَهَا يَجُوزُ مُؤَجَّلًا لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَيَلْزَمُ، وَمُشَاهَرَةً فَلَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ حَبِيبٍ مَالِكٌ يَجُوزُ أَنْ يُشَارِطَ الْمُعَلِّمُ عَلَى الْحَذْقَةِ ظَاهِرًا أَوْ نَظَرًا وَلَوْ سَمَّيَا أَجَلًا. أَصْبَغُ إنْ تَمَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَحْذِقْهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. الْقَابِسِيُّ فَرَّقَ أَصْبَغُ بَيْنَ ضَرْبِ الْأَجَلِ لِلْمُعَلِّمِ وَالْخَيَّاطِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ يُمْكِنُ الْفَرَاغُ مِنْهُ فِيهِ. قُلْت سَوَّى اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ بَيْنَهُمَا. الْقَابِسِيُّ الْحَذْقَةُ ظَاهِرًا حِفْظُ كُلِّ الْقُرْآنِ، وَنَظَرًا قِرَاءَتُهُ فِي الْمُصْحَفِ، وَقَدْرُ عِوَضِهَا مَا اشْتَرَطَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَهِيَ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْأَبِ فِي كَسْبِهِ وَحِفْظِ الصَّبِيِّ وَقِرَاءَتِهِ مَعَ اعْتِبَارِ حُسْنِ خَطِّهِ، فَإِنْ نَقَصَ تَعَلُّمُ الصَّبِيِّ فِي أَحَدِهِمَا فَلِمُعَلَّمِهِ مِنْ الْحَذْقَةِ بِقَدْرِ مَا تَعَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ الصَّبِيُّ فِي الْحِفْظِ أَوْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ فَلَا شَيْءَ لِمُعَلِّمِهِ، وَيُؤَدِّبُ الْمُعَلِّمُ عَلَى تَفْرِيطِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّعْلِيمَ، وَعَلَى تَقْرِيرِهِ إنْ لَمْ يُحْسِنْهُ، فَإِنْ اعْتَذَرَ بِبَلَادَةِ الصَّبِيِّ اُخْتُبِرَ، فَإِنْ بَانَ صِدْقُهُ فَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ حَزْرِهِ وَتَأْدِيبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَرَّفَ أَبَاهُ بِبَلَهِهِ. قُلْت أَوْ يَكُونُ الْأَبُ عَرَفَ ذَلِكَ قَالَ وَمَحَلُّ الْحَذْقَةِ مِنْ السُّوَرِ مَا تَقَرَّرَ فِيهِ عُرْفًا مِثْلُ: لَمْ يَكُنْ وَعَمَّ وَتَبَارَكَ وَالْفَتْحِ وَالصَّافَّاتِ.
قُلْت لَمْ يَذْكُرْ الْفَاتِحَةَ وَهِيَ حَذْقَةٌ فِي عُرْفِنَا قَالَ وَكَذَا عَطِيَّةُ الْعِيدِ تَثْبُتُ بِالْعُرْفِ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ لَا تَلْزَمُ الْحَذْقَةُ إلَّا فِي خَتْمِ الْقُرْآنِ، لَعَلَّ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ تَكُنْ عَادَةٌ بِغَيْرِهَا، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يَجِبُ الْإِخْطَارُ وَلَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ فِي عِيدِ الْعَجَمِ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ إعْطَاءُ الْمُعَلِّمِ فِي النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ، إنَّمَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَعْرِفُونَ حَقَّ الْمُعَلِّمِ فِي الْعِيدَيْنِ وَرَمَضَانَ وَقُدُومِ غَائِبٍ. الْقَابِسِيُّ أَمَّا الْعِيدَانِ فَفِعْلُ الْعَامَّةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا وَعَاشُورَاءُ فَفِعْلُ الْخَاصَّةِ، وَأَجَابَ عَمَّنْ عَلَّمَهُ مُعَلِّمٌ بَعْضَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ أَكْمَلَهُ لَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْحَذْقَةِ بِقَدْرِ مَا عَلَّمَ أَنْصَافًا أَوْ أَثْلَاثًا وَنَحْوَهُمَا، وَرُبَّمَا اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ فَقَطْ إنْ بَلَغَ مِنْ تَعْلِيمِهِ مُقَارَبَةَ الْخَتْمِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْمُعَلِّمِ، وَرُبَّمَا اسْتَحَقَّهَا الثَّانِي فَقَطْ إنْ قَلَّ لَبْثُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَنَلْ مِنْ تَعْلِيمِهِ مَا لَهُ بَالٌ. ابْنُ حَبِيبٍ إنْ شَرَطَ الْمُعَلِّمُ أَجْرًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ وَقَدْرًا مَعْلُومًا فِي الْحَذْقَةِ فَلِوَلِيِّهِ إخْرَاجُهُ، وَعَلَيْهِ مِنْ الْحَذْقَةِ بِقَدْرِ مَا قَرَأَ مِنْهُ مِنْهَا إلَّا الثُّلُثَ أَوْ الرُّبْعَ فَعَلَيْهِ بِحِسَابِهِ لِاشْتِرَاطِهِ مَا سُمِّيَ مَعَ إخْرَاجِهِ وَلَوْ شَارَطَهُ عَلَى أَنْ يَحْذِقَهُ بِكَذَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَّى يَتِمَّ حَذْقَتَهُ.
الْقَابِسِيُّ فَرَّقَ هَذَا التَّفْرِيقَ وَلَمْ يُقِمْ حُجَّةً عَلَيْهِ، وَقَالَ مَا حَاصِلُهُ إنَّهُمَا سَوَاءٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْتِزَامِ الْوَلِيِّ الْحَذْقَةَ، وَاخْتِصَاصِ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ بِزِيَادَةِ قَدْرٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ لَا يُوجِبُ حِلَّ مَا لَزِمَ بِالْتِزَامِ الْحَذْقَةِ، وَأَنَّ لِوَلِيِّهِ إخْرَاجَهُ وَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا بَلَغَ مِنْهَا. قُلْت تَقْرِيرُ وَجْهِ تَفْرِقَتِهِ أَنَّهُ إذَا شَارَطَهُ فِي الْحَذْقَةِ فَقَطْ كَانَ أَمَدُهَا الْعُرْفِيُّ كَمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ عَاقَدَهُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْرُونَةٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى انْحِلَالِ عَقْدِهَا، فَإِنْ ضُمَّ إلَيْهَا شَرْطٌ قُدِّرَ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَانَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ لُزُومِ عَقْدِهِ وَصَرْفِهِ لِحُكْمِ عَقْدِ الْمُشَاهَرَةِ. قَالَ وَإِنَّمَا جُعِلَ لَهُ بِقَدْرِ مَا بَلَغَ إذَا أَخْرَجَهُ فِي الْمُشَارَطَةِ عَلَى الْحَذْقَةِ، لِأَنِّي رَأَيْته مِنْ تَجْوِيزِ الْإِجَارَةِ الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا غَايَةٌ، فَمَا حَصَلَ مِنْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِهِ. وَأَمَّا حُكْمُ بَطَالَةِ الصِّبْيَانِ فَقَالَ سَحْنُونٌ تَسْرِيحُهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُنَّةُ الْمُعَلِّمِينَ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لِمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا بَطَالَةُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَتَرْكُهُ مِنْ عَشِيَّةِ يَوْمِ الْخَمِيسِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ وَبَطَالَتُهُ كُلَّ يَوْمِهِ بَعِيدٌ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ إجْزَاؤُهُمْ فِيهِ مِنْ عَشِيِّ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ وَبَطَالَتُهُمْ فِي الْأَعْيَادِ عَلَى الْمَعْرُوفِ هِيَ فِي الْفِطْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَكَذَا فِي الْأَضْحَى وَلَا بَأْسَ بِالْخَمْسَةِ.
سَحْنُونٌ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ بَطَالَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْخَتْمَةِ الْيَوْمَ وَبَعْضَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ أَوْلِيَاءِ الصِّبْيَانِ، قِيلَ لَهُ رُبَّمَا أَهْدَى الصَّبِيُّ لِلْمُعَلِّمِ لِيَزِيدَهُ فِي الْبَطَالَةِ. قَالَ هَذَا لَا يَجُوزُ. الْقَابِسِيُّ وَمِنْ هُنَا سَقَطَتْ شَهَادَةُ أَكْثَرِ الْمُعَلِّمِينَ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤَدِّينَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَبَعَثَهُمْ لِمَنْ تَزَوَّجَ أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ لِيُعْطُوا شَيْئًا لِيَأْتُوا بِهِ مُؤَدِّبَهُمْ لَا يَجُوزُ وَكَذَا مَا يَأْتُونَ بِهِ مِنْ بُيُوتِ آبَائِهِمْ إلَّا بِإِذْنِهِمْ. قُلْت بَعْثُهُمْ لِدَارِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ لِخَتْمَةٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ خِتَانٍ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ فِي بَلَدِنَا، وَالْغَالِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مَسِيرُ الْوَلَدِ لِذَلِكَ إلَّا بِعِلْمٍ مِنْ وَلِيِّهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْشُونَ بِذَلِكَ بِمُعْتَادِ ثِيَابِهِمْ، بَلْ بِثِيَابِ التَّجْمِيلِ وَالتَّزَيُّنِ فِي الْأَعْيَادِ. قَالَ وَاِتَّخَذَهُ بَعْضُهُمْ فِي حَوَائِجِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَشَاغَلَ عَنْ تَعْلِيمِهِمْ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ ضَرُورَةٌ اسْتَنَابَ مِثْلَهُ فِيمَا قَرُبَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
سَحْنُونٌ لِمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى تَعْلِيمِ صِبْيَانٍ تَعْلِيمُ غَيْرِهِمْ مَعَهُمْ إنْ لَمْ يَضْرِبْهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ عَدَمَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمْ وَشَرِكَةُ الْمُعَلِّمِينَ جَائِزَةٌ إنْ كَانُوا بِمَكَانٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَجْوَدَ تَعْلِيمًا مِنْ بَعْضٍ لِأَنَّ فِيهِ رِفْقًا يَمْرَضُ أَحَدُهُمْ فَيَقُومُ الصَّحِيحُ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ عَرَبِيَّ الْقِرَاءَةِ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ لَا يَلْحَنُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَابْنُ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَسْتَوِيَا فِي الْعِلْمِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَعْلَمْهُمَا فَضْلٌ مِنْ الْكَسْبِ بِقَدْرِ فَضْلِ مَا عَمِلَهُ عَلَى صَاحِبِهِ.
الْقَابِسِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الزِّيَادَةِ إلَّا إنْ يُعْرِبَ قِرَاءَتَهُ وَالْآخَرُ لَا يُعْرِبُهَا وَلَا يَلْحَنُ، وَأَحَدُهُمَا رَفِيعُ الْخَطِّ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَكْتُبُ وَيَتَهَجَّى فَهَذَا قَرِيبٌ مُغْتَفَرٌ فِي الشَّرِكَةِ فِي الصَّنَائِعِ وَالتِّجَارَاتِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَقُومُ بِالشَّكْلِ وَالْهِجَاءِ وَعِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَالشَّعْرِ وَالنَّحْوِ وَالْحِسَابِ، وَأَمَّا لَوْ انْفَرَدَ مُعَلِّمُ الْقُرْآنِ بِجَمْعِهِ لَجَازَ شَرْطُ تَعْلِيمِهِ إيَّاهُ مَعَ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى ضَبْطِهِ وَحُسْنِ مَعْرِفَتِهِ، وَهَذَا إنْ شَارَكَ مَنْ لَا يُحْسِنُ إلَّا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْكُتُبِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا مُتَفَاضِلَةً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى قَدْرِ عِلْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى النَّحْوِ وَالشَّعْرِ وَشِبْهِهِمَا وَالْآخَرُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحِسَابِ مَا صَحَّتْ شَرِكَتُهُمَا. وَقِيلَ لِأَنَسٍ " رضي الله عنه " كَيْفَ كَانَ الْمُؤَدِّبُونَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ " رضي الله عنهم "، قَالَ كَانَ لِلْمُؤَدِّبِ إجَّانَةٌ يَجِيءُ كُلُّ صَبِيٍّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ بِمَاءٍ ظَاهِرٍ يَصُبُّهُ فِيهَا يَمْحُونَ بِهَا أَلْوَاحَهُمْ، ثُمَّ يَصُبُّونَ ذَلِكَ فِي حُفْرَةٍ بِالْأَرْضِ فَيَنْشَفُ.
قُلْت الْجَوَاهِرِيُّ الْإِجَّانَةُ وَاحِدَةُ الْأَجَاجِينَ وَلَا يُقَالُ إنْجَانَةٌ، وَفِي بَابٍ آخَرَ الْمِرْكَنُ بِالْكَسْرِ الْإِجَّانَةُ الَّتِي تُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ. ابْنُ سِيدَهْ يُقَالُ إجَّانَةٌ وَإِنْجَانَةٌ، وَبِنَبْغِي أَنْ يُصَبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ بِالْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَكَانَ مُعَلِّمُنَا يَأْمُرُنَا بِصَبِّهِ فِي حُفْرَةٍ بَيْنَ الْقُبُورِ، وَيَنْبَغِي التَّحَفُّظُ مِنْهُ لِأَنَّ غَالِبَ الصِّبْيَانِ لَا يَتَحَفَّظُونَ فِي أَيْدِيهمْ مِنْ نَجَاسَةِ أَبْوَالِهِمْ. مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ كَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَقُولُ مِنْ الْمُرُوءَةِ أَنْ يُرَى فِي ثَوْبِ الرَّجُلِ وَشَفَتَيْهِ مِدَادٌ، وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ.
وَإِجَارَةِ مَاعُونٍ: كَصَحْفَةٍ، وَقِدْرٍ، وَعَلَى حَفْرِ بِئْرٍ إجَارَةٌ، وَجَعَالَةً
ــ
[منح الجليل]
وَ) جَازَ (إجَارَةُ مَاعُونٍ كَصَحْفَةٍ وَقِدْرٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَمُنْخُلٍ وَغِرْبَالٍ وَفَأْسٍ كَانَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ أَمْ لَا، وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ يُمْنَعُ كِرَاءُ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَقِدْرِ الْفَخَّارِ الَّتِي غَيَّرَهَا الدُّخَانُ فَصَارَتْ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِنَقْشِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا قُصُورٌ (وَ) جَازَ الْعَقْدُ (عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ) حَالَ كَوْنِهِ (إجَارَةٌ) بِتَعْيِينِ مِقْدَارِ الْحَفْرِ وَصِفَتِهِ وَإِنْ انْهَدَمَ فِي الْأَثْنَاءِ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَهُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ (وَ) حَالَ كَوْنِهِ (جَعَالَةً) بِعَدَمِ التَّعْيِينِ وَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْحَفْرِ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ أَجَرْته عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ مِنْ صِفَتِهَا كَذَا تَمَّ انْهَدَمَتْ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَهُ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ بَعْدَ فَرَاغِهَا أَخَذَ جَمِيعَ الْأَجْرِ حَفَرَهَا فِي مِلْكٍ أَوْ فِي مَوَاتٍ.
ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَهِيَ تَجُوزُ فِي مِلْكٍ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْفَلَوَاتِ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْجُعْلِ تُجْعَلُ لَهُ دَرَاهِمُ مَعْلُومَةٌ عَلَى أَنْ يَحْفِرَ لَك بِئْرًا مِنْ صِفَتِهَا كَذَا وَكَذَا فَحَفَرَ نِصْفَهَا ثُمَّ انْهَدَمَتْ، فَإِنْ انْهَدَمَتْ فِي هَذَا قَبْلَ إسْلَامِهَا إلَيْك فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِسْلَامُهَا إلَيْك فَرَاغُهُ مِنْ حَفْرِهَا، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي الْأَجِيرِ عَلَى حَفْرِ قَبْرٍ انْهَدَمَ قَبْلَ فَرَاغِهِ لَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ انْهَدَمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ. ابْنُ الْقَاسِمِ هَذِهِ الْإِجَارَةُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ مِنْ الْأَرَضِينَ. ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ أَنَّهُ جَعَلَ ابْنَ الْمَوَّازِ لَا يَكُونُ الْجُعْلُ فِي شَيْءٍ إذَا أَرَادَ الْمَجْعُولُ لَهُ تَرْكَ الْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِيهِ يَبْقَى مِنْ عَمَلِهِ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الْجَاعِلُ. مُحَمَّدٌ هَذَا أَبْيَنُ فَرْقٍ بَيْنَ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ فَالْبِنَاءُ وَالْحَفْرُ فِيمَا يَمْلِكُ مِنْ الْأَرَضِينَ لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الْإِجَارَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَلَى قَوْلِ الْمَوَّازِ وَزَادَ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا اخْتِيَارُ الْأَرْضِ فِي لِينِهَا وَقَسَاوَتِهِمَا. وَالثَّانِي اسْتِوَاءُ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَوْ الْجَهْلِ بِهَا. وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ مُتَدَافِعَانِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُعْلِ الْعِلْمُ بِحَالِ الْأَرْضِ وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِي فِي الْعُتْبِيَّةِ فَهُمَا قَوْلَانِ.
ابْنُ الْحَاجِبِ الْعَمَلُ كَعَمَلِ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا، فَإِنَّ مَسَافَةَ الْآبِقِ وَالضَّالَّةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامُهُ يُوهِمُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ أَنْوَاعِ عَمَلِ الْجَعَالَةِ، وَلَيْسَ
وَيُكْرَهُ: حُلِيٌّ. كَإِجَارِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ لِمِثْلِهِ،
ــ
[منح الجليل]
كَذَلِكَ إذْ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى حَفْرِ الْبِئْرِ إلَّا بَعْدَ خِبْرَتِهِمَا بِالْأَرْضِ مَعًا، وَشَرَطَ فِي الْعُتْبِيَّةِ اسْتِوَاءَ حَالَيْ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ الْعِلْمُ بِحَالِ الْأَرْضِ. ابْنُ عَرَفَةَ عَزَوْهُ لِلْمُدَوَّنَةِ شَرْطُ الْخِبْرَةِ لَمْ أَعْرِفْهُ فِي الْجُعْلِ نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا بَلْ بِلُزُومٍ يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ، وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الصِّقِلِّيِّ، قَالَ مَا نَصُّهُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ بِمَوْضِعِ كَذَا وَقَدْ خَبَرَا الْأَرْضَ، وَإِنْ لَمْ يَخْبُرَاهَا لَمْ يَجُزْ بِيَحْيَى بْن يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ عُرْفًا الْأَرْضَ بِلِينٍ أَوْ شِدَّةٍ أَوْ جَهِلَاهَا مَعًا جَازَ، وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَهُ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ الْجُعْلُ فِيهِ اهـ. فَهَذَا كَالنَّصِّ فِي حَمْلِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْجُعْلِ لِذِكْرِهِ عَلَيْهَا نَقَلَ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْجُعْلِ. قُلْت لَفْظُهَا فِي الْأُمِّ. قُلْت إنْ اسْتَأْجَرَتْ مَنْ يَحْفِرُ لِي بِئْرًا بِمَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ قَالَ إنْ خَبَرُوا الْأَرْضَ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ لَمْ يَخْبُرُوهَا فَلَا خَيْرَ فِيهِ، كَذَا سَمِعْت مَالِكًا " رضي الله عنه " وَسَمِعْته فِي الْإِجَارَةِ عَلَى حَفْرِ فَقِيرِ النَّخْلِ يَحْفِرُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ إنْ عَرَفَ الْأَرْضَ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا فَلَا أُحِبُّهُ.
قُلْت فَلَفْظُ الْإِجَارَةِ مَعَ ذِكْرِ فَقِيرِ النَّخْلِ كَالنَّصِّ فِي عَدَمِ الْجَعْلِ لِأَنَّ حَفْرَ فَقِيرِ النَّخْلِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا، وَالْجُعْلُ عَلَى الْحَفْرِ لَا يَكُونُ فِيمَا يَمْلِكُهُ الْجَاعِلُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا جُعْلٌ عَلَى بِنَاءٍ أَوْ حَفْرٍ وَمَا نَسَبَهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ إيهَامِ الْعُمُومِ، مِثْلُهُ لَفْظُ الْمُقَدِّمَاتِ وَالتَّلْقِينِ،. اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ.
(وَيُكْرَهُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ أَنْ يُؤَجَّرُ (حُلِيٌّ) بِإِهْمَالِ الْحَاءِ مَفْتُوحَةً أَوْ مَضْمُومَةً مَعَ سُكُونِ اللَّامِ فِي الْأَوَّلِ وَكَسْرِهَا فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ بَيِّنٍ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِإِجَارَةِ حُلِيِّ الذَّهَبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَاسْتَثْقَلَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَرَّةً وَخَفَّفَهُ مَرَّةً. ابْنُ يُونُسَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لَيْسَ كِرَاءُ الْحُلِيِّ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ، مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ زَكَاتَهُ أَنْ يُعَارَ، فَلِذَلِكَ كَرِهُوا أَنْ يُكْرَى. وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ (كَإِجَارِ) شَخْصٍ (مُسْتَأْجِرٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ (دَابَّةً) لِيَرْكَبَهَا لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ تِلْكَ الدَّابَّةَ (أَوْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ثَوْبٍ) لِيَلْبَسَهُ زَمَنًا مُعَيَّنًا ذَلِكَ الثَّوْبُ (لِ) رَاكِبٍ أَوْ لَابِسٍ (مِثْلِهِ) فِي الْخِفَّةِ أَوْ الثِّقَلِ وَالْأَمَانَةِ وَأَوْلَى لِأَثْقَلَ مِنْهُ، وَلَا مَفْهُومَ لِمِثْلِهِ فَيُكْرَهُ كِرَاؤُهَا لِأَخَفَّ مِنْهُ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ لِمِثْلِهِ بِأَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِرُكُوبِهَا، فَإِنْ اكْتَرَاهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا إرْدَبًّا لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ كِرَاؤُهَا لِمِثْلِهِ.
" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ اسْتَأْجَرْت ثَوْبًا تَلْبَسُهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَلَا تُعْطِيهِ غَيْرَك لِيَلْبَسَهُ لِاخْتِلَافِ اللِّبْسِ وَالْأَمَانَةِ، فَإِنْ هَلَكَ بِيَدِك فَلَا تَضْمَنْهُ وَإِنْ دَفَعْته إلَى غَيْرِك ضَمِنْته إنْ تَلِفَ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ لِمُكْتَرِي الدَّابَّةِ لِرُكُوبِهَا كِرَاءَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَانَ أَخَفَّ مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ، فَإِنْ أَكْرَاهَا فَلَا أَفْسَخُهُ، وَإِنْ تَلِفَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ كَانَ أَكْرَاهَا فِيمَا اكْتَرَاهَا فِيهِ مِنْ مِثْلِهِ فِي حَالَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَخِفَّتِهِ وَلَوْ بَدَا لَهُ الْعُدُولُ عَنْ السَّفَرِ أَوْ مَا كُرِيَتْ مِنْ مِثْلِهِ، وَكَذَا الثِّيَابُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ كَكِرَاءِ الْحُمُولَةِ وَالسَّفِينَةِ وَالدَّارِ، إذْ هَذَا لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِنْ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَاهَا لَهُ. ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ فِي هَذَا أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا بِغَيْرِ كَرَاهِيَةٍ، وَفِي الثَّوْبِ لِلِبْسٍ وَالدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللِّبْسِ وَالرُّكُوبِ، فَإِنْ أَكْرَى ذَلِكَ مِنْ مِثْلِهِ فَلَا يُفْسَخُ وَلَا يَضْمَنُهَا، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَعْمَلُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْ غَيْرِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ مَنَافِعَهُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ لِفَظٍّ لِمِثْلِهِ بِأَوْ الْعَاطِفَةِ، وَلِفَظٍّ فَاللَّامُ الْجَرِّ وَالْفَظُّ مِنْ الْفَظَاظَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ غَلِقَةٌ، وَلَعَلَّ فِيهَا تَقْدِيمًا أَوْ عَلَى لِفَظٍّ غَلَطًا مِنْ النَّاسِخِ، وَأَصْلُهَا لِفَظٍّ أَوْ لِمِثْلِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِفَظٍّ أَوْ لِمِثْلِهِ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ فِي كَرَاهَةِ إجَارَتِهَا لِفَظٍّ، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ كَرَاهَةُ إجَارَتِهَا لِمِثْلِهِ أَوْ أَخَفَّ مِنْهُ، وَصَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِتَعَدِّيهِ بِإِجَارَتِهَا لِفَظٍّ أَوْ غَيْرِ أَمِينٍ، وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَصْبَغَ فِي سَمَاعِ عِيسَى، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لِمِثْلِهِ أَوْ أَخَفَّ لَجَرَى عَلَى لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ. وَلِمَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ إجَازَةُ كِرَاءِ الدَّابَّةِ لِمِثْلِهِ أَوْ أَخَفَّ. أَبُو الْحَسَنِ اخْتَلَفَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي كِرَاءِ الدَّوَابِّ بِالْجَوَازِ
وَتَعْلِيمُ فِقْهٍ، وَفَرَائِضَ: كَبَيْعِ كُتُبِهِ،
ــ
[منح الجليل]
وَالْكَرَاهَةِ، وَأَكْثَرُ قَوْلِهِ إنَّهُ جَائِزٌ وَأَقَلُّ قَوْلِهِ كَرَاهِيَتُهُ. اهـ. فَقَدْ دَرَجَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَقَلِّ مَعَ نَقْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامُهَا فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ.
(وَ) تُكْرَهُ الْإِجَارَةُ (عَلَى تَعْلِيمِ فِقْهٍ) أَيْ الْعِلْمِ الْمُبَيَّنِ فِيهِ حُكْمُ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِالطَّلَبِ أَوْ النَّهْيِ أَوْ الْإِبَاحَةِ أَوْ الْوَضْعِ لَهَا (وَ) تَعْلِيمُ (فَرَائِضَ) أَيْ الْعِلْمُ الْمُبَيَّنُ فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَاتِ، وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ (كَبَيْعِ كُتُبِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْفِقْهِ وَالْفَرَائِضِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ أَكْرَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ وَالْفَرَائِضِ لِأَنَّ مَالِكًا " رضي الله عنه " كَرِهَ بَيْعَ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالشَّرْطُ عَلَى تَعْلِيمِهَا أَشَدُّ. ابْنُ يُونُسَ قَدْ أَجَازَ غَيْرُهُ بَيْعَ كُتُبِ الْفِقْهِ فَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِهِ جَائِزَةٌ عَلَى هَذَا، وَهُوَ الصَّوَابُ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِيعَتْ كُتُبُ ابْنِ وَهْبٍ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَصْحَابُنَا مُتَوَافِرُونَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَكَانَ أَبِي وَصِيَّهُ. اللَّخْمِيُّ وَعَلَى هَذَا فَتَجُورُ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَكِتَابَتِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ، وَلَا أَرَى أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ الْيَوْمَ لِنَقْصِ فَهْمِ النَّاسِ وَحِفْظِهِمْ عَمَّنْ تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ لَا كُتُبَ لَهُمْ مَالِكٌ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاسِمِ وَلَا لِسَعِيدٍ كُتُبٌ، وَلَقَدْ قُلْت لِابْنِ شِهَابٍ أَكُنْت تَكْتُبُ الْعِلْمَ فَقَالَ لَا، فَقُلْت أَكُنْت تَسْأَلُهُمْ أَنْ يُعِيدُوا عَلَيْك الْحَدِيثَ، فَقَالَ لَا هَذَا شَأْنُهُمْ، فَلَوْ سَارَ النَّاسُ بِسَيْرِهِمْ لَضَاعَ الْعِلْمُ وَذَهَبَ رَسْمُهُ وَالنَّاسُ الْيَوْمَ يَقْرَءُونَ كُتُبَهُمْ ثُمَّ هُمْ فِي غَايَةِ الْقُصُورِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْأُمُورِ. اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ لَهُ جَارٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَأْخُذُ أَجْرًا مِمَّنْ يُفْتِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْأَجْرِ عَلَى الشَّهَادَةِ خِلَافٌ، وَكَذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ، وَمَنْ يَشْغَلُهُ ذَلِكَ عَنْ جُلِّ تَكَسُّبِهِ فَأَخْذُهُ الْأُجْرَةَ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ لِتَعَذُّرِهَا مِنْهُ خَفِيفٌ، وَهُوَ مَحْمَلُ مَا سَمِعْته مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ شُيُوخِنَا وَهُوَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ عَلْوَانَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْأَجْرَ الْخَفِيفَ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ.
وَقِرَاءَةٍ بِلَحْنٍ
وَكِرَاءُ دُفٍّ، وَمِعْزَفٍ لِعُرْسٍ
وَكِرَاءُ: كَعَبْدٍ كَافِرٍ
ــ
[منح الجليل]
وَ) تُكْرَهُ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ (قِرَاءَةٍ) قُرْآنٍ (بِلَحْنٍ) بِسُكُونِ الْحَاءِ، أَيْ تَطْرِيبٍ وَهُوَ تَقْطِيعُ الصَّوْتِ بِالْأَنْغَامِ عَلَى حَدِّهِ الْمَعْرُوفِ فِي الْمُوسِيقَى، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا كَالْغِنَاءِ فَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ أَكْرَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الشِّعْرِ وَالنَّوْحِ أَوْ عَلَى كِتَابَةِ ذَلِكَ أَوْ إجَارَةِ كُتُبٍ فِيهَا ذَلِكَ أَوْ بَيْعِهَا. ابْنُ يُونُسَ يَعْنِي التَّغَنِّي، وَكَرِهَ مَالِكٌ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ، فَكَيْفَ بِالتَّغَنِّي. عِيَاضٌ مَعْنَاهُ قَوْلُ الْمُتَصَوِّفَةِ وَأَنَاشِيدُهُمْ الْمُسَمَّى بِالتَّغَنِّي عَلَى طَرِيقَةِ النَّوْحِ وَالْبُكَاءِ.
(فَرْعٌ) الْقُرْطُبِيُّ فِي أَوَّلِ شَرْحِ مُسْلِمٍ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ عَلَى ادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ أَوْ ظَنِّهِ لَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ، حَكَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
(وَ) كُرِهَ (كِرَاءُ دُفٍّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْفَاءِ آلَةُ الطَّبْلِ الْمُدَوَّرَةُ الْمُغَشَّاةِ بِجِلْدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْغِرْبَالِ (وَ) كِرَاءُ (مِعْزَفٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الزَّايِ فَفَاءٍ. الْجَوْهَرِيُّ الْمَعَازِفُ الْمَلَاهِي الشَّارِحُ شَيْءٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِيدَانِ. عِيَاضٌ عِيدَانُ الْغِنَاءِ (لِعُرْسٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ فَرَحِ نِكَاحِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْبَغِي إجَارَةُ الدُّفِّ وَالْمَعَازِفِ كُلِّهَا فِي الْعُرْسِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَضَعَّفَهُ ابْنُ يُونُسَ، أَرَادَ ضَعْفَ قَوْلِ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ الدُّفُّ الَّذِي أُبِيحَ ضَرْبُهُ لِعُرْسٍ وَنَحْوِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إجَارَتُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ كَرِهَهَا الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّهُ غَيْرُ عَمَلِ الصَّالِحِينَ، وَإِنْ كَانَ ضَرْبُهُ مُبَاحًا فِي الْعُرْسِ فَلَيْسَ كُلُّ مُبَاحٍ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ. عِيَاضٌ الْمَعَازِفُ عِيدَانُ الْغِنَاءِ لَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا وَلَا اسْتِئْجَارُهَا وَهِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَرَابِطِ وَالْعِيدَانِ.
(وَ) كُرِهَ (كِرَاءُ عَبْدٍ) مُسْلِمٍ (لِ) شَخْصٍ (كَافِرٍ) فِيمَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ عَمَلُهُ كَبِنَاءٍ وَخِيَاطَةٍ لَا فِيمَا لَا يَجُوزُ كَعَمَلِ خَمْرٍ وَرَعْيِ خِنْزِيرٍ. " غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ إدْخَالُ لَامِ الْجَرِّ
وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْكِرَاءِ،
ــ
[منح الجليل]
عَلَى عِيدٍ بِالْمُثَنَّاةِ وَاحِدُ الْأَعْيَادِ مُضَافًا لِكَافِرٍ، وَفِي بَعْضِهَا كِرَاءُ عَبْدٍ لِكَافِرٍ بِإِضَافَةِ كِرَاءِ لِعَبْدٍ بِالْمُوَحَّدَةِ وَاحِدُ الْعَبِيدِ، وَإِدْخَالُ لَامِ الْجَرِّ عَلَى كَافِرٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، زَادَ الْحَطّ وَفِي بَعْضِهَا وَكِرَاءُ كَعَبْدٍ كَافِرٍ بِإِدْخَالِ كَافِ التَّمْثِيلِ عَلَى عَبْدٍ بِالْمُوَحَّدَةِ وَاحِدُ الْعَبِيدِ وَتَجْرِيدُ كَافِرٍ مِنْ اللَّامِ وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهَا لِلنُّسْخَةِ الْأُولَى بِإِضَافَةِ كِرَاءٍ إلَى كَافِرٍ إضَافَةَ مَصْدَرٍ إلَى فَاعِلِهِ مَعَ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِمَفْعُولِهِ أَوْ بِإِضَافَةِ كِرَاءٍ إلَى كَافِ كَعَبْدٍ إضَافَةَ مَصْدَرٍ لِمَفْعُولِهِ، وَرَفْعِ كَافِرٍ بِفَاعِلِيَّتِهِ وَكَرَاهَةُ كِرَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ إذَا لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ غَابَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَلَا يَجُوزُ لِمَفَاسِدِهِ مِنْ اسْتِيلَاءِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِهَانَتِهِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ أَذِيَّتِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَخَشْيَةُ فِتْنَةٍ فِي دِينِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَإِطْعَامِهِ مُحَرَّمًا كَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ وَخَمْرٍ، وَمَنْعِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَوَطْءِ الْأَمَةِ، فَإِنْ نَزَلَتْ الْإِجَارَةُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتُفْسَخُ. ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ إجَارَةُ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنْ كَافِرٍ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ جَائِزَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمَحْظُورَةٌ وَحَرَامٌ، فَالْجَائِزُ عَمَلُ الْمُسْلِمِ لَهُ عَمَلًا فِي بَيْتِ الْعَامِلِ كَصَانِعٍ يَعْمَلُ لِلنَّاسِ وَالْمَكْرُوهَةُ أَنْ يَسْتَبِدَّ الْكَافِرُ بِجَمِيعِ عَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ كَوْنِهِ تَحْتَ يَدِهِ مِثْلَ كَوْنِهِ عَامِلَ قِرَاضٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ، وَالْمَحْظُورَةُ إجَارَةُ نَفْسِهِ فِي عَمَلٍ تَحْتَ يَدِهِ كَخِدْمَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَإِرْضَاعِ وَلَدِهِ فِي بَيْتِهِ، فَهَذَا تُفْسَخُ إنْ عَثَرَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَاتَتْ مَضَتْ وَلَهُ الْأُجْرَةُ وَالْحَرَامُ إجَارَةُ نَفْسِهِ فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنْ عَمَلِ خَمْرٍ وَرَعْيِ خِنْزِيرٍ، فَهَذِهِ تُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَإِنْ فَاتَتْ يَتَصَدَّقُ بِالْأُجْرَةِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي إجَارَةِ الْحُرِّ نَفْسَهُ فَكَيْفَ بِالرَّقِيقِ فَلَا شَكَّ أَنَّ إجَارَةَ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ إذَا كَانَ يَغِيبُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ لَا تَجُوزُ، وَتُفْسَخُ وَيُؤَدَّبُ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُؤَجِّرُ أَدَبًا يَلِيقُ بِحَالِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) يُكْرَهُ (بِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْكِرَاءِ) لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ فِيهَا لَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ. الْبَاجِيَّ لَا يَصْلُحُ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا هُنَا. وَفِي التَّهْذِيبِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ أَوْ يُكْرِيَ بَيْتَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَأَجَازَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ذَلِكَ غَيْرُهُ فِي الْبَيْتِ. ابْنُ يُونُسَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ أَجَرَ بَيْتَهُ مِنْ قَوْمٍ لِيُصَلُّوا فِيهِ فِي رَمَضَانَ فَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، كَمَنْ أَكْرَى الْمَسْجِدَ. وَقَالَ غَيْرُهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي كِرَاءٍ الْبَيْتِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا بَيْتَهُ فَإِجَارَتُهُمَا لِذَلِكَ لَا تَجُوزُ، وَأَجَازَهَا غَيْرُهُ فِي الْبَيْتِ. عِيَاضٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. اللَّخْمِيُّ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ جَازَ. قُلْت اقْتِصَارُهُ عَلَى هَذَا دُونَ قَوْلِهَا لَا يَجُوزُ غَيْرُ صَوَابٍ، وَإِنْ وَافَقَ مَفْهُومَ نَقْلِ الصِّقِلِّيِّ عَنْ سَحْنُونٍ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ كِرَاءُ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُكْرَى، وَالْبَيْتُ لَيْسَ مِثْلُهُ كِرَاؤُهُ جَائِزٌ. وَفِي التَّنْبِيهَاتِ قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَبْنِي مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ وَكَرَاهِيَتُهُ لَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَا الَّذِي أَجَرَ بَيْتَهُ مِنْ قَوْمٍ لِيُصَلُّوا فِيهِ قَالَ لَا يُعْجِبُنِي، وَهُوَ كَمَنْ أَكْرَى الْمَسْجِدَ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْبَيْتِ لَا بَأْسَ بِإِيجَارِهِ لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ وَإِجَازَتُهُ كِرَاءَ الدَّارِ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا بَيِّنٌ أَنْ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَرْقًا.
أَمَّا الَّذِي بَنَى مَسْجِدًا فَأَكْرَاهُ فَلَوْ أَبَاحَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لَكَانَ حَبْسًا لَا حُكْمَ لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُبِحْهُ وَبَنَاهُ لِيُكْرِيَهُ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فِي كِرَاءِ الْمَسْجِدِ لَا يَصْلُحُ، وَفِي كِرَاءِ الْبَيْتِ لَا يُعْجِبُنِي، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إنْ فَعَلَهُ كَإِجَارَةِ الْمُصْحَفِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لَا يَصْلُحُ هَلْ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى الْمَنْعِ، فَعَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ هُوَ عَلَى الْمَنْعِ لِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُكْرَى، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ لِعِيَاضٍ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِقَوْلِهِ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ اهـ. ابْنُ نَاجِي قَوْلُهُ لَا يَصْلُحُ عَلَى التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ فِيهَا وَإِجَارَتُهُمَا لِذَلِكَ غَيْرُ جَائِزَةٍ. الْحَطّ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْجَوَازِ لَا الْكَرَاهَةِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا الْمُصَنِّفُ. أَبُو الْحَسَنِ أَثَرُ قَوْلِ التَّهْذِيبِ أَجَازَ ذَلِكَ غَيْرُهُ فِي الْبَيْتِ. الشَّيْخُ وَأَجَازَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنْ
وَسُكْنَى فَوْقَهُ
ــ
[منح الجليل]
يُكْرِيَ الْأَرْضَ مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ فَالْمَسْجِدُ فِي طَرَفٍ وَالْأَرْضُ لِتُتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي طَرَفٍ وَالْبَيْتُ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا. وَوَفَّقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَاسِمِ وَقَوْلِ غَيْرِهِ فِي الْبَيْتِ بِأَنَّ غَيْرَهُ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ الْوُقُوعِ. وَابْنُ الْقَاسِمِ قَبْلَهُ، وَبِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إكْرَائِهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فِي غَيْرِهَا وَقَوْلُ غَيْرِهِ فِي إكْرَائِهِ مِنْهُمْ لِيَنْتَفِعُوا بِهِ مُدَّةَ كِرَائِهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فِيمَا شَاءُوا أَوْ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) تُكْرَهُ (سُكْنَى) الرَّجُلِ (فَوْقَهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ بِأَهْلِهِ، قَالَهُ الشَّارِحُ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ مُطْلَقًا بِأَهْلِهِ أَوْ وَحْدَهُ.
(تَنْكِيتٌ) سَيَأْتِي فِي الْإِحْيَاءِ مَنْعُ سُكْنَى فَوْقَهُ. وَمَفْهُومُ فَوْقَهُ جَوَازُهَا تَحْتَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِيهَا، وَسَيَأْتِي فِي الْإِحْيَاءِ جَوَازُ السُّكْنَى فِيهِ لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ قَالَهُ تت. طفي تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْكَرَاهِيَةِ هُنَا لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي تَعْبِيرِهِ بِالْمَنْعِ فِي الْإِحْيَاءِ. ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَعَارَضَهُ فِي تَوْضِيحِهِ بِنَصِّهَا. وَأَجَابَ بِحَمْلِهِ عَلَى الْمَنْعِ فَيُقَالُ كَذَا فِي كَلَامَيْهِ هُنَا. فِيهَا كَرِهَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَبْنِيَ الرَّجُلُ مَسْجِدًا ثُمَّ يَبْنِيَ فَوْقَهُ بَيْتًا يَسْكُنُهُ بِأَهْلِهِ، أَرَادَ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ يَطَؤُهَا عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ. الْحَطّ هَذَا مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ مَا فِي جُعْلِهَا وَإِجَارَتِهَا، وَلِظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ، وَمُخَالِفٌ لِظَاهِرِ مَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي الْإِحْيَاءِ، وَلِظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ هُنَاكَ وَالْقَرَافِيِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، فَفِي التَّهْذِيبِ كَرِهَ مَالِكٌ السُّكْنَى بِالْأَهْلِ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ. ابْنُ يُونُسَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَبْنِيَ الرَّجُلُ مَسْجِدًا ثُمَّ يَبْنِيَ فَوْقَهُ بَيْتًا يَسْكُنُهُ بِأَهْلِهِ، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ يَطَؤُهَا عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ. وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَبِيتُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ فِي الصَّيْفِ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَكَانَ لَا يَقْرَبُ فِيهِ امْرَأَةً. ابْنُ الْحَاجِبِ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ جَعْلُ عُلْوِ مَسْكَنِهِ مَسْجِدًا وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ سُفْلِهِ مَسْجِدًا، وَيُمْكِنُ الْعُلْوُ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْجَوَاهِرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
فِي التَّوْضِيحِ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاضِحَةِ. وَفِي جَعْلُ الْمُدَوَّنَةِ كَرِهَ مَالِكٌ السُّكْنَى فَوْقَهُ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْوَاضِحَةِ. فَفِي مُخْتَصَرِهَا أَجَازَ مَالِكٌ لِمَنْ لَهُ سُفْلٌ وَعُلْوٌ أَنْ يَجْعَلَ الْعُلْوَ مَسْجِدًا وَيَسْكُنَ السُّفْلَ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا وَيَسْكُنَ الْعُلْوَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا جَعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا صَارَ لِمَا فَوْقَهُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ قَالَ الْحَطّ وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا بُنِيَ لِلَّهِ تَعَالَى وَحِيزَ عَنْ بَانِيهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فَوْقَهُ، فَقَدْ قَالَ الْقَرَافِيُّ حُكْمُ الْأَهْوِيَةِ تَابِعٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ، فَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ، وَهَوَاءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ، وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ، وَهَوَاءُ الْمِلْكِ مِلْكٌ، وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ لَا يَقَرُّ فِيهِ الْجُنُبُ. وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُمْنَعَ هَوَاءُ الْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَاتُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ لِمَنْ أَرَادَ غَرْسَ خَشَبٍ حَوْلَهَا، وَيُبْنَى عَلَى رُءُوسِ الْخَشَبِ سَقْفًا عَلَيْهِ بُنْيَانٌ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَّا فَرْعٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَنْ الْحِيطَانِ، ثُمَّ أَخَذَ يُبَيِّنُ وَجْهَ خُرُوجِهِ فَانْظُرْهُ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَوَاعِدِ الْمُقْرِي. وَفِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَحِيزَ عَنْهُ وَأَحَبَّ أَنْ يَبْنِيَ فَوْقَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهُ دَارٌ لَهَا عُلْوٌ وَسُفْلٌ وَأَرَادَ أَنْ يُحْبَسَ السُّفْلُ مَسْجِدًا وَيَبْقَى الْعُلْوُ عَلَى مِلْكِهِ، فَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ لِلْوَاضِحَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَتَابِعِيهِ وَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِجَوَازِهِ، فَقَالَ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا أَبْنِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَبْنِي فَوْقَهُ مَسْكَنًا، وَعَلَى هَذَا أَبْنِي جَازَ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ دَارٌ لَهَا عُلْوٌ وَسُفْلٌ فَأَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ السُّفْلَ مَسْجِدًا وَيَبْقَى الْعُلْوُ عَلَى مِلْكِهِ جَازَ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ هَذِهِ النُّقُولِ، وَيَجْعَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُعْجِبُنِي أَوْ لَا يَنْبَغِي لَا يَجُوزُ. وَيُحْمَلُ هُوَ وَمَا فِي الْوَاضِحَةِ وَابْنِ شَاسٍ وَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي مَنْعِهِ، وَيُحْمَلُ مَا فِي جُعْلِهَا وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ الْأَخِيرُ وَمَا لِلْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ لَفْظُ اللَّخْمِيِّ
وَبِمَنْفَعَةٍ تَتَقَوَّمُ. قُدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا
ــ
[منح الجليل]
الْجَوَازَ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ، وَيُسَاعِدُ هَذَا التَّوْفِيقُ كَلَامَ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهُ عَلَى قَوْلِ التَّهْذِيبِ وَلَا يَبْنِي إلَخْ، قَالَ فِي الْأُمِّ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَسْكَنًا يُجَامِعُ فِيهِ، وَذَلِكَ كَالنَّصِّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَلَمْ أَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا. وَذَكَرَ أَبُو عُمْرَانَ الْمَظَاهِرَ الْمَعْلُومَةَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ، هَلْ ظَاهِرُ الْمَسْجِدِ كَبَاطِنِهِ أَمْ لَا؟ وَذَلِكَ يُوهِمُ جَوَازَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلٍ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ، مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْمَسْجِدِ فَهُوَ تَغْيِيرٌ لِلْحَبْسِ، بَلْ ظَاهِرُهَا أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ عُلْوٌ وَسُفْلٌ فَحَبَسَ الْعُلْوَ مَسْجِدًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ، وَعَلَى قَوْلِهَا الْمُتَقَدِّمِ وَكُرِهَ يُرِيدُ يَكُونُ تَحْبِيسُ الْمَسْجِدِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ اهـ.
(وَ) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (بِمَنْفَعَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ الْمَنْفَعَةُ مَا لَا تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا دُونَ إضَافَةٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ غَيْرَ جُزْءٍ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ، فَتَخْرُجُ الْأَعْيَانُ وَنَحْوُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَنِصْفُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الدَّابَّةِ مَشَاعًا، وَهِيَ رُكْنٌ لِأَنَّهَا عِوَضُ الْأُجْرَةِ (تَتَقَوَّمُ) بِفَتَحَاتٍ مُشَدَّدُ الْوَاوِ، أَيْ لَهَا قِيمَةٌ فَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِمَنْفَعَةٍ تَافِهَةٍ حَقِيرَةٍ جِدًّا لَا قِيمَةَ لَهَا كَالْإِيقَادِ مِنْ نَارٍ. ابْنُ شَاسٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ، وَمِنْ شُرُوطِهَا كَوْنُهَا مُتَقَوِّمَةً فَمَا لَا تُقَوَّمُ مَنْفَعَتُهُ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ.
(قَاعِدَةٌ)
مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَلَهُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا وَأَخْذُ عِوَضِهَا وَمَنْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ فَلَيْسَ لَهُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا وَلَا أَخْذُ عِوَضِهَا كَسَاكِنِ الْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ وَالْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إيجَارُ مَكَانِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَدْرَسَةِ أَوْ الرِّبَاطِ أَوْ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ مَنْفَعَتَهُ، بَلْ مَلَكَ انْتِفَاعَهُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ. ابْنُ عَرَفَةَ فَسَّرُوا نَتَقَوَّمُ بِمَا لَهَا قِيمَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ لَا يَصِحُّ إيجَارُ تُفَّاحَةٍ لِشَمِّهَا وَطَعَامٍ لِتَزْيِينِ حَانُوتٍ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ. الْحَطّ اُخْتُلِفَ فِي فُرُوعٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهَا مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا، مِنْهَا إجَارَةُ مُصْحَفٍ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ وَإِجَارَةُ شَجَرٍ لِلتَّجْفِيفِ عَلَيْهِ (قُدِّرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُخَفَّفًا (عَلَى تَسْلِيمِهَا) أَيْ الْمَنْفَعَةِ الْقَرَافِيُّ.
بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا
وَلَا حَظْرَ، وَتَعَيَّنَ،
ــ
[منح الجليل]
احْتِرَازٌ مِنْ إيجَارِ أَخْرَسَ لِلْكَلَامِ وَأَعْمَى لِلْإِبْصَارِ وَأَرْضٍ لَا مَاءَ لَهَا لِزِرَاعَةٍ أَوْ غَمَرَهَا الْمَاءُ وَنَدَرَ انْكِشَافُهُ عَنْهَا، وَلَكِنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُهَا فِي الْأَخِيرَةِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ. ابْنُ شَاسٍ مِنْ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ كَوْنُهَا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا حِسًّا وَشَرْعًا فَيُمْنَعُ إيجَارُ أَخْرَسَ لِلتَّعْلِيمِ وَأَعْمَى لِلْحِرَاسَةِ وَالْإِيجَارِ عَلَى قَتْلِ مَعْصُومٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوِهِ أَوْ حَائِضٍ عَلَى كَنْسِ مَسْجِدٍ فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ وَحَلِّ الْمَرْبُوطِ. الْآبِي لَا يَحِلُّ مَا يَأْخُذُهُ كَاتِبُ الْبَرَاءَةِ لِرَدِّ التَّلِيفَةِ لِأَنَّهُ سِحْرٌ، وَمَا يُؤْخَذُ لِحَلِّ الْمَعْقُودِ، فَإِنْ كَانَ بِرُقْيَةٍ عَرَبِيَّةٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِعَجَمِيَّةٍ امْتَنَعَ وَفِيهِ خِلَافٌ. ابْنُ عَرَفَةَ إنْ اُعْتِيدَ نَفْعُهُ جَازَ (بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا) هَكَذَا عَبَّرَ ابْنُ شَاسٍ. ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ إمْكَانُ اسْتِيفَائِهَا دُونَ إذْهَابِ عَيْنٍ. ابْنُ شَاسٍ فَلَا يَصِحُّ إيجَارُ الْأَشْجَارِ لِثِمَارِهَا وَشَاةٍ لِنِتَاجِهَا وَلَبَنِهَا وَصُوفِهَا لِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ قَبْلَ وُجُودِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَعْرِفْ هَذَا الْفَرْعَ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ لِوُضُوحِ حُكْمِهِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ، وَتَبِعَ فِيهِ الْغَزَالِيَّ وَلَوْ رَسَمَ الْمَنْفَعَةَ بِمَا قُلْنَاهُ مَا احْتَاجَ إلَى ذِكْرِهِ.
(وَ) بِ (لَا حَظْرٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَنْعٍ مِنْ اسْتِيفَائِهَا فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى مَمْنُوعٍ شَرْعًا، كَقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ ضَرْبٍ عُدْوَانًا. ابْنُ عَرَفَةَ تَبِعَ ابْنَ شَاسٍ الْغَزَالِيَّ فِي قَوْلِهِ الْعَجْزُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ فِي الْإِبْطَالِ، فَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى قَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ صَحِيحَةٍ لَمْ تَجُزْ وَلَوْ كَانَتْ الْيَدُ مُتَأَكِّلَةً وَالسِّنُّ مُتَوَجِّعَةً جَازَتْ. ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ مَنْ ذَهَبَ بَعْضُ كَفِّهِ فَخَافَ عَلَى بَاقِي يَدِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ مِنْ الْمَفْصِلِ إنْ لَمْ يَخَفْ مَوْتَهُ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَ خَوْفُ مَوْتِهِ مِنْ بَقَاءِ يَدِهِ أَشَدَّ مِنْ خَوْفِ مَوْتِهِ لِقَطْعِهَا فَلَهُ قَطْعُهَا. عِيَاضٌ يَأْتِي عَلَى مَا أَدْخَلَهُ الطَّبَرِيُّ فِي النَّهْيِ مَنْ خُلِقَ لَهُ إصْبَعٌ أَوْ يَدٌ زَائِدَةٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا وَلَا نَزْعُهَا لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الزَّائِدُ يُؤْذِيهِ وَيُؤْلِمُهُ مِنْ إصْبَعٍ أَوْ ضِرْسٍ فَلَا بَأْسَ بِنَزْعِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
(وَ) بِلَا (تَعَيُّنٍ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً، أَيْ طَلَبُ الْمَنْفَعَةِ
وَلَوْ مُصْحَفًا، وَأَرْضًا غَمَرَ مَاؤُهَا، وَنَدَرَ انْكِشَافُهُ
ــ
[منح الجليل]
مِنْ مُكَلَّفٍ بِعَيْنِهِ وَلَوْ غَيْرَ فَرْضٍ كَرَغِيبَةٍ وَضُحًى وَصَوْمِ عَاشُورَاءَ وَحَجِّ تَطَوُّعٍ وَعُمْرَةٍ وَتَجْهِيزِ مَيِّتٍ مُتَعَيِّنٍ وَالْتِقَاطِ لُقَطَةٍ خِيفَ عَلَيْهَا الْخِيَانَةُ، فَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا لِتَعَيُّنِهِ عَلَى الْأَجِيرِ. ابْنُ يُونُسَ لَا جَعَلَ لِمَنْ وَجَدَ ضَالَّةً وَأَتَى بِهَا، إذْ لَا جَعَلَ فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ إلَى رَبِّهَا. ابْنُ رُشْدٍ الْجُعْلُ لَا تَجُوزُ فِيمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ فِعْلُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ. الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لَوْ قَالَ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا وَلَك كَذَا فَدَلَّهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ أَشِرْ عَلَيَّ وَانْصَحْ لِي فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لَوْ سَأَلَهُ دُونَ جُعْلٍ لَلَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلُهُ لِحَدِيثِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ. ابْنُ شَاسٍ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الِاسْتِنَابَةِ عَلَى الْحَجِّ وَالْإِجَارَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَمْلُ الْجِنَازَةِ وَحَفْرُ الْقَبْرِ وَغَسَلَ الْمَيِّت فَتُجْزِي فِيهِ النِّيَابَةُ وَالْأُجْرَةُ. وَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْإِمَامَةِ مَعَ الْأَذَانِ، وَلَا تَجُوزُ عَلَى الصَّلَاةِ بِانْفِرَادِهَا فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، وَلَا عَلَى الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا تُجْزِي النِّيَابَةُ فِيهَا كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهِمَا، وَتَصِحُّ إجَارَةُ مَالِهِ مَنْفَعَةٍ مُتَقَوِّمَةٍ مَقْدُورَةٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا غَيْرَ مَحْظُورَةٍ وَلَا مُتَعَيِّنَةٍ إنْ كَانَ غَيْرَ مُصْحَفٍ وَأَرْضٍ غَمَرَهَا الْمَاءُ وَنَدَرَ انْكِشَافُهَا وَشَجَرٍ لِتَجْفِيفِ ثِيَابٍ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (مُصْحَفًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ كِتَابًا مُشْتَمِلًا عَلَى الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَتَصِحُّ إجَارَتُهُ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِحَوْزِ إجَارَةِ الْمُصْحَفِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ. وَأَجَازَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " وَكَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ بَيْعَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " رضي الله عنه " مَا لَمْ تَجْعَلْهُ تَجْرًا، أَمَّا مَا عَمِلْته بِيَدِك فَجَائِزٌ. وَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى كِتَابَتِهِ. أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا لَمْ تَجْعَلْهُ تَجْرًا هَلْ مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ أَوْ فَيُكْرَهُ، وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِمَنْعِ ابْنِ حَبِيبٍ إجَارَتَهُ.
(وَأَرْضًا غَمَرَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ أَيْ كَثُرَ (مَاؤُهَا) الْجَارِي عَلَيْهَا (وَنَدَرَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ قَلَّ جِدًّا (انْكِشَافُهُ) أَيْ زَوَالُ الْمَاءِ عَنْ الْأَرْضِ فَيَصِحُّ كِرَاهَا وَالْمَاءُ الْكَثِيرُ غَامِرُهَا. وَأَمَّا مَا لَا تَنْكَشِفُ أَصْلًا فَلَا يَصِحُّ كِرَاؤُهَا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا. ابْنُ الْحَاجِبِ لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَمَاؤُهَا غَامِرٌ وَانْكِشَافُهُ
وَشَجَرًا لِتَجْفِيفٍ عَلَيْهَا عَلَى الْأَحْسَنِ، لَا لِأَخْذِ ثَمَرَتِهِ، أَوْ شَاةٍ لِلَبَنِهَا،
ــ
[منح الجليل]
نَادِرٌ. ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ جَوَازُهُ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ الْغَيْرُ وَنَصُّهَا مَنْ أَكْرَى أَرْضَهُ الْغَرِقَةَ بِكَذَا إنْ انْكَشَفَ مَاؤُهَا وَإِلَّا فَلَا كِرَاءَ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يَنْكَشِفَ عَنْهَا جَازَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ إلَّا أَنْ يُوقِنَ بِانْكِشَافِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ خِيفَ أَنْ لَا يَنْكَشِفَ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ. فِي الْمُقَدِّمَاتِ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ جَوَازُ الْعَقْدِ كَانَتْ الْأَرْضُ أَرْضَ مَطَرٍ أَوْ نِيلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مَأْمُونَةً أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ النَّقْدِ وَوُجُوبِهِ فَمَا كَانَ مِنْ الْأَرْضِ مَأْمُونًا كَأَرْضِ النِّيلِ وَالْمَطَرِ الْمَأْمُونَةِ وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ الثَّابِتَةِ وَالْآبَارِ الْمُعَيَّنَةِ فَالنَّقْدُ فِيهَا لِلْأَعْوَامِ الْكَثِيرَةِ جَائِزٌ. وَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُرْوَى وَيُتَمَكَّنَ مِنْ الْحَرْثِ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ أَوْ الْمَطَرِ أَوْ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ وَالْآبَارِ. وَأَمَّا وُجُوبُ النَّقْدِ فَيَجِبُ عِنْدَهُ فِي أَرْضِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ، إذْ لَا تَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَجِبُ فِيهَا النَّقْدُ حَتَّى يَتِمَّ الزَّرْعُ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ.
(وَشَجَرًا) أُكْرِيَتْ (لِتَجْفِيفِ) بِالْجِيمِ أَيْ تَنْشِيفِ ثِيَابٍ تُنْشَرُ (عَلَيْهَا) فَيَجُوزُ (عَلَى الْأَحْسَنِ) عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ فِي إجَارَةِ الشَّجَرِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ قَوْلَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ تَبِعَ ابْنَ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ، وَقَبِلَهُ شَارِحُوهُ، وَلَمْ أَعْرِفْ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ. وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ كَإِجَارَةِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ وَحَائِطٍ لِحَمْلِ خَشَبٍ (لَا) يَجُوزُ كِرَاءُ شَجَرٍ (لِأَخْذِ ثَمَرِهِ أَوْ شَاةٍ لِ) أَخْذِ (لَبَنِهَا) أَوْ نِتَاجِهَا أَوْ صُوفِهَا لِأَنَّ فِيهِ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا. ابْنُ شَاسٍ لَا يَصِحُّ إيجَارُ الْأَشْجَارِ لِثِمَارِهَا وَشَاةٍ لِنِتَاجِهَا وَلَبَنِهَا وَصُوفِهَا لِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ قَبْلَ وُجُودِهَا. " غ " بَحَثَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ اسْتِئْجَارَهَا لِلَّبَنِ لَا يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا، وَيُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنَّ بَيْعَ اللَّبَنِ جُزَافًا جَازَ بِشَرْطِ تَعَدُّدِ الشِّيَاهِ وَكَثْرَتِهَا، وَإِنْ كَانَ بِكَيْلٍ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الشَّرْطِ وَإِجَارَةُ الشَّاةِ لِلَبَنِهَا، قُصَارَاهُ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ لَبَنِهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ الْمَنْعُ
وَاغْتُفِرَ مَا فِي الْأَرْضِ، مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ بِالتَّقْوِيمِ
ــ
[منح الجليل]
مِنْهُ اهـ. وَاسْتَوْفَى فِي التَّوْضِيحِ شُرُوطَ الْجَوَازِ الْمَعْرُوفَةِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُهُ فِي الْإِبَّانِ، ثُمَّ حَمَلَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِبَّانِ كَمَا فِي الثَّمَرَةِ وَالصُّوفِ. اهـ. وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ تَعْلِيلِ ابْنِ شَاسٍ بِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ قَبْلَ وُجُودِهَا. الْحَطّ يَصِحُّ أَنْ يَقْرَأَ شَاةً بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرٍ فِي قَوْلِهِ لَا لِأَخْذِ ثَمَرَتِهِ، أَيْ لَا شَجَرَ لِأَخْذِ ثَمَرَتِهِ وَلَا شَاةً لَأَخَذَ لَبَنِهَا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَبِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى شَجَرَةٍ فَهُوَ مِنْ الْجَائِزِ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ عِنَايَةٍ فِيهِ، فَإِنْ جُعِلَ مِنْ الْمَمْنُوعِ قِيلَ إلَّا بِشُرُوطٍ يَأْتِي ذِكْرُهَا. وَإِنْ جُعِلَ مِنْ الْجَائِزِ قِيلَ بِشُرُوطٍ يَأْتِي ذِكْرُهَا، وَهِيَ كَوْنُ الْغَنَمِ كَثِيرَةً كَعَشَرَةٍ، وَكَوْنُهُ فِي إبَّانِ اللَّبَنِ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِ حِلَابِهَا وَكَوْنُهُ إلَى أَجَلٍ لَا يَنْقُصُ اللَّبَنَ قَبْلَهُ وَشُرُوعُهُ فِي الْأَخْذِ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، وَكَوْنُ السَّلَمِ إلَى رَبِّهَا هَذَا إنْ كَانَ جُزَافًا، فَإِنْ كَانَ بِكَيْلٍ أَسْقَطَ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَا يُقَالُ إفْرَادُ الشَّاةِ يُنَافِي الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَاغْتُفِرَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ (مَا فِي الْأَرْضِ) أَوْ الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ مِنْ ثَمَرَةٍ دَالِيَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ (مَا لَمْ يَزِدْ) مَا فِيهَا (عَلَى الثُّلُثِ) مُعْتَبَرًا (بِالتَّقْوِيمِ) لِكِرَاءِ الْأَرْضِ بِلَا ثَمَرَةٍ وَالثَّمَرَةُ الَّتِي اُعْتِيدَتْ لِلدَّالِيَةِ أَوْ النَّخْلَةِ وَيَسْقُطُ مِنْ قِيمَتِهَا مُؤْنَةُ سَقْيِهَا وَخِدْمَتِهَا وَنِسْبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِمَجْمُوعِهِمَا. فِيمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا فِيهَا سِدْرَةٌ أَوْ دَالِيَةٌ، أَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ نُبَذٌ مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ وَلَا ثَمَرَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ أَوْ فِيهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تَزْهُ فَهِيَ لِلْمُكْرِي إلَّا أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ الْمُكْتَرَى ثَمَرَةَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ تَبَعًا مِثْلَ الثُّلُثِ فَأَقَلُّ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ كِرَاءُ الْأَرْضِ أَوْ الدَّارِ بِغَيْرِ شَرْطِ الثَّمَرَةِ.
فَإِنْ قِيلَ عَشَرَةٌ قِيلَ مَا قِيمَةُ الثَّمَرَةِ فِيمَا عُرِفَ مِمَّا تُطْعِمُ كُلَّ عَامٍ بَعْدَ طَرْحِ قِيمَةِ الْمُؤْنَةِ وَالْعَمَلِ فَيُعْلَمُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ خَمْسَةٌ أَوْ أَقَلُّ جَازَ. أَصْبَغُ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ تَطِيبُ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَاهُ. ابْنُ يُونُسَ أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي دُخُولِ رَبِّ الدَّارِ لِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ وَجُذَاذِهَا، كَمَا إذَا أُجِيزَ شِرَاءُ الْعَرَبَةِ بِخَرْصِهَا ثَمَرًا.
وَلَا تَعْلِيمِ غِنَاءٍ أَوْ دُخُولِ حَائِضٍ لِمَسْجِدٍ أَوْ دَارٍ: لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً كَبَيْعِهَا لِذَلِكَ، وَتَصَدَّقَ بِالْكِرَاءِ، وَبِفَضْلَةِ الثَّمَنِ عَلَى الْأَرْجَحِ
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ رُشْدٍ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ كُلَّ مَا يَفْتَرِقُ قَلِيلُهُ مِنْ كَثِيرِهِ فَثُلُثُهُ يَسِيرُ إلَّا الْجَوَائِحِ وَمُعَاقَلَةُ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الدِّيَةِ، وَجَمَعَهَا " غ " فِي قَوْلِهِ:
فَالثُّلْثُ نَزْرٌ فِي سِوَى الْمُعَاقَلَهْ
…
ثُمَّ الْجَوَائِحُ وَحَمْلُ الْعَاقِلَهْ
(وَ) لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى (تَعْلِيمِ غِنَاءٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودًا، أَيْ التَّغَنِّي وَالتَّطْرِيبُ بِالْأَهْوِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي عِلْمِ الْمُوسِيقَى. وَأَمَّا الْمَقْصُورُ فَهُوَ الْيَسَارُ، وَكَذَا عَلَى تَعْلِيمِ اسْتِعْمَالِ آلَاتِ الطَّرَبِ كَالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» ، وَهَذَا مِنْ مَفْهُومِ بِلَا حَظْرٍ. الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ أَجْرِ الْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةِ وَلَا فِي حُرْمَةِ مَا يَأْخُذُهُ الْكَاهِنُ وَلَا يَحِلُّ مَا يَأْخُذُهُ الَّذِي يَكْتُبُ الْبَرَاءَةَ لِرَدِّ التَّلِيفَةِ لِأَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ.
وَسُئِلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَمَّنْ ذَهَبَتْ لَهُ حَوَائِجُ فَقَرَأَ فِي دَقِيقٍ وَجَعَلَ يُطْعِمُهُ أُنَاسًا اتَّهَمَهُمْ، وَمِنْهُمْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ فَقَالَتْ إنْ أَطْعَمْتُمُونِي أَمُوتُ فَأَطْعَمُوهَا مِنْهُ فَمَاتَتْ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْأَدَبُ. وَأَمَّا مَا يُؤْخَذُ عَلَى حِلِّ الْمَعْقُودِ فَإِنْ كَانَ بِرُقْيَةٍ عَرَبِيَّةٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِرُقْيَةٍ عَجَمِيَّةٍ فَلَا يَجُوزُ، وَفِيهِ خِلَافٌ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ تَكَرَّرَ نَفْعُهُ جَازَ. (وَ) لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى (دُخُولِ حَائِضٍ لِمَسْجِدٍ) لِتَكْنُسَهُ لِحُرْمَةِ دُخُولِهَا فِيهِ وَمِثْلُهَا إجَارَةُ مُسْلِمٍ لِكَنْسِ كَنِيسَةٍ أَوْ رَعْيِ خِنْزِيرٍ أَوْ لِعَمَلِ خَمْرٍ فَيُفْسَخُ وَيُؤَدَّبُ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ، وَإِنْ نَزَلَ وَفَاتَ فَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ التَّصَدُّقَ بِالْأُجْرَةِ (أَوْ) كِرَاءِ (دَارٍ) أَوْ أَرْضٍ (لِتُتَّخَذَ) بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ (كَنِيسَةً) أَوْ بِيعَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ لِيُبَاعَ فِيهَا الْخَمْرُ وَلِاجْتِمَاعِ الْمُفْسِدِينَ (أَوْ بَيْعِهَا) أَيْ الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ (لِذَلِكَ) أَيْ اتِّخَاذِهَا كَنِيسَةً أَوْ نَحْوَهَا (وَإِنْ) نَزَلَ (تُصَدَّقُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَالصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً (بِالْكِرَاءِ) كُلِّهِ إنْ أُكْرِيَتْ (وَبِفَضْلِهِ) أَيْ زِيَادَةِ (الثَّمَنِ) الَّذِي بِيعَتْ بِهِ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي يُبَاعُ بِهِ بَيْعًا جَائِزًا (عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْخِلَافِ.
وَلَا مُتَعَيِّنٍ: كَرَكْعَتِي الْفَجْرِ،
ــ
[منح الجليل]
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَارِهِ أَوْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً. ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ نَزَلَ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ وَالْكِرَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَصَدَّقُ بِفَضْلَةِ الثَّمَنِ وَبِفَضْلَةِ الْكِرَاءِ تُقَوَّمُ الدَّارَانِ، لَوْ بِيعَتْ أَوْ كُرِيَتْ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَيُعْلَمُ الزَّائِدُ فَيُتَصَدَّقُ بِهِ، لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَا لَا يَحِلُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُتَصَدَّقُ بِالْفَضْلَةِ فِي الْبَيْعِ وَبِالْجَمِيعِ فِي الْكِرَاءِ. ابْنُ يُونُسَ وَبِهَذَا أَقُولُ.
(وَلَا) تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ (مُتَعَيِّنٍ) أَيْ مَطْلُوبٍ مِنْ عَيْنِ الْأَجِيرِ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ (كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) وَرَكْعَةِ الْوِتْرِ سَوَاءٌ اسْتَأْجَرَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ لِاجْتِمَاعِ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ لِوَاحِدٍ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ مَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. طفي فَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ مَنْدُوبٍ بَلْ مَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ. ابْنُ فَرْحُونٍ هَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَالْإِجَارَةُ عَلَيْهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِهَا لِلْمَيِّتِ. وَفِي فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] قَالَ إنْ قَرَأَ وَأَهْدَى ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ لِلْمَيِّتِ جَازَ ذَلِكَ وَحَصَلَ أَجْرُهُ لِلْمَيِّتِ وَوَصَلَ إلَيْهِ نَفْعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ دَخَلَ مَقْبَرَةً وَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً وَأَهْدَى ثَوَابَهَا لَهُمْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ بِعَدَدِ مِنْ دُفِنَ فِيهَا» الْقَرَافِيُّ الْأَعْمَالُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ لَا يَصِلُ اتِّفَاقًا كَالْإِيمَانِ، وَقِسْمٌ يَصِلُ اتِّفَاقًا كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِلُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ يَصِلُ، ثُمَّ قَالَ فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ فَلَعَلَّ الْحَقَّ هُوَ الْوُصُولُ، فَإِنَّهُ مُغَيَّبٌ، وَكَذَا التَّهْلِيلُ الَّذِي اعْتَادَ النَّاسُ يَنْبَغِي عَمَلُهُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى. ابْنُ الْعَرَبِيِّ أُوصِيك بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى شِرَاءِ نَفْسِك مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ تَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفًا، فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَعْتِقُك وَيَعْتِقُ مَنْ تَقُولُهَا عَنْهُ مِنْ النَّارِ وَرَدَ بِهِ
بِخِلَافِ الْكِفَايَةِ. وَعُيِّنَ: مُتَعَلِّمٌ، وَرَضِيعٌ، وَدَارٌ؛ وَحَانُوتٌ وَبِنَاءٌ عَلَى جِدَارٍ،
ــ
[منح الجليل]
خَبَرٌ نَبَوِيٌّ. طفي فَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يَدُلُّ عَلَى الْوُصُولِ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَيْهَا شَرْقًا وَغَرْبًا، وَلَوْلَا قَوْلُهُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَحُمِلَ قَوْلُهُ وَلَا مُتَعَيِّنٍ عَلَى خُصُوصِ الْوَاجِبِ، وَيَكُونُ إشَارَةً لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ فِيمَا يَلْزَمُ فِعْلُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ فِعْلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بِخِلَافِ) الْعَمَلِ الْمَطْلُوبِ عَلَى سَبِيلِ (الْكِفَايَةِ) مِنْ الْبَعْضِ عَنْ غَيْرِهِ كَتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ إلَّا الصَّلَاةَ فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا لِتَعَيُّنِهَا بِصُورَتِهَا لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ التَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ وَالْحَمْلِ وَالدَّفْنِ.
(وَعُيِّنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا وُجُوبًا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ لِقِرَاءَةٍ أَوْ صَنْعَةٍ شَخْصٌ (مُتَعَلِّمٌ) تَخْفِيفًا لِلْغَرَرِ، لِاخْتِلَافِ التَّعْلِيمِ صُعُوبَةً وَسُهُولَةً وَتَوَسُّطًا بَيْنَهُمَا بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُتَعَلِّمِ بِالْحِذْقِ وَالْبَلَادَةِ وَالتَّوَسُّطِ بَيْنَهُمَا (و) عُيِّنَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الْإِرْضَاعِ شَخْصٌ (رَضِيعٌ) لِاخْتِلَافِ إرْضَاعِهِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ بِاخْتِلَافِ قِلَّةِ رَضَاعِهِ وَكَثْرَتِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ يَلْزَمُ تَعْيِينُ الرَّضِيعِ وَالْمُتَعَلِّمِ بِخِلَافِ غَنَمٍ وَنَحْوِهَا. اللَّخْمِيُّ تَجُوزُ إجَارَةُ الظِّئْرِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ حَاضِرًا لِيَرَى، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُذْكَرَ سِنُّهُ، وَإِنْ جُرِّبَ رَضَاعَهُ لِيُعْلَمَ قُوَّةَ رَضَاعِهِ مِنْ ضَعْفِهِ كَانَ أَحْسَنَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا جَازَ لِتَقَارُبِ الرَّضَاعِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ رَضَاعِهِ، قَالَ فِي الظِّئْرِ تُسْتَأْجَرُ لِإِرْضَاعِ صَبِيَّيْنِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِآخَرَ مَكَانَ مَنْ مَاتَ لَمْ تَدْرِ هَلْ رَضَاعُهُ مِثْلُ مَنْ مَاتَ أَمْ لَا، لِاخْتِلَافِ الرَّضَاعِ.
(وَ) عُيِّنَ (دَارٌ وَحَانُوتٌ) وَحَمَّامٌ وَفُنْدُقٌ وَنَحْوُهَا فِي كِرَائِهَا لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا بِاخْتِلَافِهَا بِالسَّعَةِ وَالْعُلْوِ وَالسُّفْلِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالْمَوْضِعِ، وَقُرْبِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَالشَّارِعِ وَبُعْدِهَا عَنْهُمَا وَالتَّوَسُّطِ وَالتَّطَرُّفِ وَغَيْرِهَا. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ اكْتَرَى دَارًا بِإِفْرِيقِيَّةَ وَهُوَ بِمِصْرَ جَازَ كَشِرَائِهَا، وَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ فِيهَا لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ.
(وَ) عُيِّنَ أَيْ وُصِفَ (بِنَاءٌ) أُرِيدَ إنْشَاؤُهُ (عَلَى جِدَارٍ) مُكْتَرَى لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ
وَمَحْمَلٍ، إنْ لَمْ تُوصَفْ، وَدَابَّةٍ لِرُكُوبٍ، وَإِنْ ضُمِنَتْ فَجِنْسٌ، وَنَوْعٌ وَذُكُورَةٌ
ــ
[منح الجليل]
الْأَغْرَاضِ فِيهِ لِرَغْبَةِ رَبِّ الْجِدَارِ فِي خِفَّتِهِ وَالْمُكْتَرَى فِي مَتَانَتِهِ، وَمَفْهُومٌ عَلَى جِدَارٍ أَنَّهُ إنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِلْبِنَاءِ عَلَيْهَا فَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفُهُ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهِ لِعَدَمِ تَضَرُّرِ الْأَرْضِ بِالثِّقَلِ.
(وَ) عُيِّنَ (مَحْمِلٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ مَا يُرْكَبُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهِ بِسَعَتِهِ وَضِيقِهِ وَكِبَرِهِ وَصِغَرِهِ وَخِفَّتِهِ وَثِقَلِهِ (إنْ لَمْ يُوصَفْ) مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُتَعَلِّمِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وُصِفَ وَصْفًا شَافِيًا أَغْنَى عَنْ تَعْيِينِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْجِدَارِ إلَّا الْوَصْفُ لِعَدَمِهِ حَالَ الْعَقْدِ.
(وَ) عُيِّنَ (دَابَّةٌ) اُكْتُرِيَتْ لِلرُّكُوبِ (عَلَيْهَا) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا بِلِينِ ظَهْرِهَا وَيُبْسِهِ وَسُرْعَةِ سَيْرِهَا وَبُطْئِهِ وَسُهُولَةِ انْقِيَادِهَا وَصُعُوبَتِهِ (وَإِنْ ضُمِنَتْ) الدَّابَّةُ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فِي ذِمَّةِ مُكْرِيهَا فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهَا بِشَخْصِهَا (فَ) يُعَيَّنُ (جِنْسٌ) لَهَا لُغَوِيٌّ مِنْ إبِلٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا (وَ) يُعَيَّنُ (نَوْعٌ) أَيْ صِنْفٌ لَهَا مِنْ عِرَابٍ أَوْ بُخْتٍ وَعَرَبِيَّةٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ وَمَغْرِبِيَّةٍ أَوْ شَامِيَّةٍ وَحَضَرِيَّةٍ أَوْ بَدَوِيَّةٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ (وَ) تُعَيَّنُ (ذُكُورَةٌ) أَوْ أُنُوثَةٌ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِهِمَا. وَمَفْهُومٌ لِرُكُوبٍ أَنَّهَا إنْ أُكْرِيَتْ لِحَمْلٍ أَوْ سَقْيٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ دَرْسٍ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْغَرَضُ فِيهِ. فِيهَا كِرَاءُ الدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ دَابَّةٌ بِعَيْنِهَا أَوْ مَضْمُونَةٌ.
وَفِي الْمَعُونَةِ الْمَرْكُوبُ الْمُعَيَّنُ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ بِتَعْيِينٍ بِإِشَارَةٍ إلَيْهِ كَهَذِهِ الدَّابَّةِ وَالنَّاقَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ يُرِيدُ لِيُحِيطَ بِهَا الْمُكْتَرِي مَعْرِفَةً كَالْمُشْتَرِي. قَالَ وَالْمَضْمُونَةُ يُذْكَرُ جِنْسُهَا وَنَوْعُهَا وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَالْمُتَيْطِيُّ. ابْنُ رُشْدٍ كِرَاءُ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ مُعَيَّنًا وَمَضْمُونًا فَالْمُعَيَّنُ يَجُوزُ بِالنَّقْدِ. وَإِلَى أَجَلٍ إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ أَوْ كَانَ إلَى أَيَّامٍ قَلَائِلَ كَعَشَرَةٍ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، أَيْ إذَا نُقِدَ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ أَوْ الرَّاحِلَةُ حَاضِرَةً، فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً فَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِي شِرَاءِ
وَلَيْسَ لِرَاعٍ: رَعْيُ أُخْرَى، إنْ لَمْ يَقْوَ، إلَّا بِمُشَارِكٍ، أَوْ تَقِلَّ
ــ
[منح الجليل]
الْغَائِبِ وَإِنْ كَانَتْ الرَّاحِلَةُ مُعَيَّنَةً عَلَى أَنْ لَا يَرْكَبَهَا إلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا، فَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالنَّقْدِ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُعَيَّنُ يَنْفَسِخُ كِرَاؤُهُ بِمَوْتِهِ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُكْرِي أَنْ يُعْطِيَهُ دَابَّةً أُخْرَى بِعَيْنِهَا يَبْلُغُ عَلَيْهَا إلَى مُنْتَهَى سَفَرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ كِرَاءٌ مُبْتَدَأً وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ إلَى أَنْ يَكُونَ فِي مَفَازَةٍ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ، فَيَجُوزُ مُطْلَقًا لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ عِنْدَهُ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ. عِيَاضٌ الرَّاحِلَةُ هِيَ النَّاقَةُ الْمُعَدَّةُ لِلرُّكُوبِ الْمُذَلَّلَةُ لَهُ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي ذُكُورِ الْإِبِلِ وَإِنَاثِهَا وَأَصْلُهَا مِنْ الرَّحْلِ الْمَوْضُوعُ عَلَيْهَا. ابْنُ الْمَوَّازِ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلِهِ أَوْ حَمْلِهِ أَوْ رِعَايَتِهِ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطٌ أَنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا غَيْرِهِ، فَيَصِيرُ رَبُّ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، وَالْإِتْيَانُ بِغَيْرِهَا قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ.
وَإِنْ هَلَكَتْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَدَلِهَا وَلَوْ أَرَاهُ عَيْنَ الْعَقْدِ مَا يَعْمَلُهُ أَوْ يَحْمِلُهُ أَوْ يَرْعَاهُ فَذَلِكَ كَالصِّفَةِ لِمَا يُعْمَلُ أَوْ يُحْمَلُ أَوْ يُرْعَى، فَإِنْ شَرَطَهُ بِعَيْنِهِ لَا يَعْدُوهُ فَلَا يَجُوزُ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي الدَّوَابِّ الْمَرْكُوبَةِ بِتَعْيِينِهَا وَفِي الذِّمَّةِ بِتَبْيِينِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ لَا بِتَعْيِينِ الرَّاكِبِ وَإِنْ عُيِّنَ فَلَا يَلْزَمُ تَعْيِينُهُ. ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمَضْمُونَةِ وَالرَّاحِلَةِ الْمَضْمُونَةِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ اكْتَرَى مِنْك دَابَّةً أَوْ رَاحِلَةً فَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ، وَإِلَى أَجَلٍ إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ، فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ وَاكْتَرَى كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ كَالْمُكْتَرِي لِلْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ جَمِيعِ الْأَجْرِ كَالسَّلَمِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا خَفَّفَ أَنْ يُعَرْبِنَ الدِّينَارَ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ قَطَعُوا بِالنَّاسِ وَلَا يُفْسَخُ الْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ إلَّا أَنَّ الْمُكْرِيَ إذَا قَدَّمَ لِلْمُكْتَرِي دَابَّةً فَرَكِبَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْدِلَهَا تَحْتَهُ إلَّا بِرِضَاهُ.
(وَلَيْسَ لِرَاعٍ) اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رَعْيِ مَاشِيَةٍ (رَعْيُ) مَاشِيَةٍ (أُخْرَى) مَعَهَا (إنْ لَمْ يَقْوَ) عَلَى رَعْيِ الْأُخْرَى مَعَ الْأُولَى بِحَيْثُ لَا يَأْتِي بِمَا يَلْزَمُهُ فِي رَعْيِ الْأُولَى (إلَّا بِ) شَخْصٍ (مُشَارِكٍ) لَهُ فِي الرَّعْيِ بِحَيْثُ يَقْوَى بِهِ عَلَى رَعْيِ الْأُولَى وَالْقِيَامِ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي رَعْيِهَا مَعَ الثَّانِيَةِ (أَوْ تَقِلُّ) الْمَاشِيَةُ الْأُولَى بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى رَعْيِ غَيْرِهَا مَعَهَا مِنْ غَيْرِ إخْلَالٍ بِشَيْءٍ
وَلَمْ يُشْتَرَطْ خِلَافُهُ، وَإِلَّا فَأَجْرُهُ لِمُسْتَأْجَرِهِ: كَأَجِيرٍ لِخِدْمَةٍ: آجَرَ نَفْسَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ رَعْيُ الْوَلَدِ، إلَّا لِعُرْفٍ،
ــ
[منح الجليل]
مِمَّا يَلْزَمُهُ فِي رَعْيِهِمَا، فَيَجُوزُ لَهُ رَعْيُ غَيْرِهَا مَعَهَا (إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَيْهِ فِي إجَارَتِهِ لِرَعْيِ الْأُولَى (خِلَافُهُ) أَيْ عَدَمُ رَعْيِ غَيْرِهَا مَعَهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ فِي إجَارَتِهِ لِرَعْيِ الْأُولَى أَنْ لَا يَرْعَى غَيْرَهَا مَعَهَا فَخَالَفَ وَرَعَى غَيْرَهَا مَعَهَا بِأُجْرَةٍ (فَأَجْرُهُ) لِرَعْيِ غَيْرِهَا مُسْتَحَقٌّ (لِمُسْتَأْجِرِهِ) عَلَى رَعْيِ الْأُولَى لِمِلْكِهِ جَمِيعَ رَعْيِهِ. وَشَبَّهَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ أُجْرَةَ الْأَجِيرِ عَلَى الْعَمَلِ الثَّانِي فَقَالَ (ك) أَجْرِ (أَجِيرٍ) اُسْتُؤْجِرَ (لِخِدْمَةٍ) فَأَجَّرَ نَفْسَهُ لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ فَأَجْرُهُ الثَّانِي مُسْتَحَقٌّ لِمُسْتَأْجِرِهِ الْأَوَّلِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ كَثِيرَةٍ لَا يَقْوَى عَلَى رَعْيِ أَكْثَرَ مِنْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْعَى مَعَهَا غَيْرَهَا إلَّا أَنْ يُدْخِلَ مَعَهُ رَاعِيًا يَقْوَى بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَنَمًا يَسِيرَةً فَذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ رَبُّهَا أَنْ لَا يَرْعَى مَعَهَا غَيْرَهَا، فَإِنْ رَعَى الرَّاعِي مَعَهَا غَيْرَهَا بَعْدَ هَذَا الشَّرْطِ فَالْأَجْرُ لِرَبِّ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ أَجِيرُك لِلْخِدْمَةِ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِك يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَكَ أَخْذُ الْأَجْرِ أَوْ تَرْكُهُ وَإِسْقَاطُ حِصَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْأَجْرِ عَنْك. ابْنُ يُونُسَ إنْ أَجَرَ نَفْسَهُ فَمَا يُشَابِهُ مَا آجَرْته فِيهِ أَوْ يُقَارِبُهُ. وَأَمَّا إنْ آجَرْته عَلَى الرِّعَايَةِ شَهْرًا بِدِينَارٍ فَأَجَرَ نَفْسَهُ فِي الْحَصَادِ أَوْ آجَرْته يَخْدُمُك فِي الْغَزْوِ فَقَاتَلَ وَأَسْهَمَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَهَذَا وَشِبْهُهُ لَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا إسْقَاطُ حِصَّةِ مَا عُطِّلَ مِنْ عَمَلِك مِنْ الْأَجْرِ.
(وَلَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ الرَّاعِي (رَعْيُ) جِنْسِ (الْوَلَدِ) الَّذِي وَلَدَتْهُ الْمَاشِيَةُ الَّتِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رَعْيِهَا (إلَّا لِعَرْفٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ بَيْنَهُمْ بِرَعْيِهِ الْوَلَدَ فَيَلْزَمُهُ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَشَرَطَ رَبُّهَا أَنَّ مَا مَاتَ مِنْهَا أَخْلَفَهُ فَتَوَلُّدُ الْغَنَمِ حَمْلًا فِي رِعَايَةِ الْوَلَدِ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سَنَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ رِعَايَتُهَا. ابْنُ اللَّبَّادِ وَعَلَى رَبِّهَا أَنْ يَأْتِيَ بِرَاعٍ يَرْعَى مَعَهُ لِلتَّفْرِقَةِ. أَبُو الْحَسَنِ رَاعَى التَّفْرِقَةَ فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى. ابْنُ عَرَفَةَ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّفْرِيقَ تَعْذِيبٌ لَهَا فَهُوَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ
وَعَمِلَ بِهِ فِي الْخَيْطِ وَنَقْشِ الرَّحَى، وَآلَةِ بِنَاءٍ، وَإِلَّا فَعَلَى رَبِّهِ: عَكْسُ إكَافٍ، وَشِبْهِهِ
ــ
[منح الجليل]
تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَلِتَضَرُّرِ الرَّاعِي بِنُدُودِ الْأُمَّهَاتِ إلَى أَوْلَادِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَعُمِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (بِهِ) أَيْ الْعُرْفِ (فِي الْخَيْطِ) الَّذِي يُخَاطُ بِهِ الثَّوْبُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى خِيَاطَتِهِ فِي كَوْنِهِ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ أَوْ الْخَيَّاطِ (وَنَقْشِ الرَّحَى) الْمُكْتَرَاةِ لِلطَّحْنِ بِهَا فِي كَوْنِهِ عَلَى مُكْرِيهَا أَوْ مُكْتَرِيهَا (وَ) فِي (آلَةِ بِنَاءٍ) فِي كَوْنِهَا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ أَوْ عَلَى الْعَامِلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ (فَعَلَى رَبِّهِ) أَيْ الْمَصْنُوعِ مِنْ ثَوْبٍ وَرَحَى وَبَيْتٍ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَجَّرْته عَلَى بِنَاءِ دَارٍ فَالْأَدَاةُ وَالْفُؤُوسُ وَالْقِفَافُ وَالدِّلَاءُ عَلَى مَنْ تَعَارَفْ النَّاسُ أَنَّهُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ حَثَيَانُ التُّرَابِ عَلَى الْقَبْرِ وَنَقْشُ الرَّحَى وَشِبْهُهُ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سَنَةٌ فَآلَةُ الْبِنَاءِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَنَقْشُ الرَّحَى عَلَى رَبِّهِ. ابْنُ شَاسٍ اسْتِئْجَارُ الْخَيَّاطِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْخَيْطَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ. ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ كَقَوْلِهَا فِي آلَةِ الْبِنَاءِ وَعُرْفُنَا فِي الْأَجِيرِ أَنْ لَا خَيْطَ عَلَيْهِ. وَفِي الصَّانِعِ الْخَيْطُ عَلَيْهِ. ابْنُ الْعَطَّارِ نَقْشُ الرَّحَى عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ عُرْفًا، فَإِنْ عُدِمَ الْعُرْفُ فَعَلَى رَبِّهَا. ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ عُرْفُنَا عَلَى الْمُكْتَرِي وَذَلِكَ (عَكْسُ) أَيْ خِلَافُ حُكْمِ (إكَافٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَخِفَّةِ الْكَافِ أَيْ رَحْلٌ (وَشِبْهُهُ) أَيْ الْإِكَافِ كَبَرْذَعَةٍ وَسَرْجٍ وَحِزَامٍ فَهُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ عَلَى الْمُكْتَرَى حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَقَرَّرَ بِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ، وَبِهِ قَرَّرَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَالَهُ تت. ابْنُ شَاسٍ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ تَسْلِيمُ مَا الْعَادَةُ تَسْلِيمُهُ مَعَهَا مِنْ إكَافٍ وَبَرْذَعَةٍ وَحِزَامٍ وَسَرْجٍ فِي الْفَرَسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُعْتَادٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرِكَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي إعَانَةِ الرَّاكِبِ فِي النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ فِي الْمُهِمَّاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ، وَكَذَا رَقْعُ الْحَمْلِ وَالْمَحْمِلِ " غ " قَوْلُهُ عَكْسُ إكَافٍ وَشِبْهُهُ، أَيْ فَإِنْ كَانَ فِيهِ عُرْفٌ عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ، فَالْعَكْسُ حَيْثُ لَا عُرْفَ وَلَوْ كَانَ حَيْثُ لَا عُرْفَ عَلَى الْمُكْتَرِي كَمَا فَهِمَ الشَّارِحُ لَكَانَ مُسَاوِيًا لِمَا قَبْلَهُ لَا مُخَالِفًا لَهُ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَلَ عَنْ طَرِيقَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَعَوَّلَ عَلَى مَا أُقِيمَ مِنْ قَوْلِهَا فِي كِتَابِ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ إبِلًا عَلَى أَنَّ عَلَيْك رُحْلَتَهَا. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ رُحْلَتُهَا مَعْنَاهُ حَلُّهَا وَرَبْطُهَا وَالْقِيَامُ بِهَا فَإِنَّ ظَاهِرَهُ لَوْلَا الشَّرْطُ لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْإِبِلِ، بَلْ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنْ بَحَثَ فِيهِ وَارْتَضَاهُ الْمُصَنِّفُ وَجَعَلَهُ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَعَلَى مُكْرِي الدَّابَّةِ الْبَرْذَعَةُ وَشِبْهُهَا وَالْإِعَانَةُ فِي الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَرَفْعِ الْأَحْمَالِ وَحَطُّهَا بِالْعُرْفِ، إذْ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِالْعُرْفِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمُكْتَرِي
وَانْظُرْ هَلْ يَتَنَاوَلُ اسْمُ الرِّحْلَةِ رَفْعَ الْأَحْمَالِ وَحَطَّهَا أَبْيَنَ مِنْ تَنَاوُلِهِ الْإِكَافَ وَشِبْهَهُ، أَمْ هُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ فَسَّرَ أَبُو الْحَسَنِ الرُّحْلَةَ بِحَلِّ الْإِبِلِ وَرَبْطِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا، وَزَادَ هُوَ وَابْنُ عَرَفَةَ إقَامَةً أُخْرَى مِنْ قَوْلِهَا وَإِذَا اكْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ إبِلُهُ ثُمَّ هَرَبَ الْجَمَّالُ وَتَرَكَهَا فِي يَدَيْك فَأَنْفَقْت عَلَيْهَا فَلَكَ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَيْت مَنْ يُرَحِّلُهَا رَجَعْت بِكِرَائِهِ، وَتَأَوَّلَهَا أَبُو إِسْحَاقَ بِكَوْنِ الْعَادَةِ أَنَّ رَبَّ الْإِبِلِ هُوَ الَّذِي يُرَحِّلُهَا. ابْنُ عَرَفَةَ وَالْأَظْهَرُ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنْ يَلْزَمَ الْمُكْرِيَ الْبَرْذَعَةُ وَالسَّرْجُ وَنَحْوُهُمَا لَا مُؤْنَةُ الْحَطِّ وَالْحَمْلِ، لِمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى. ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اكْتَرَى مَنْزِلًا فِيهِ عُلْوٌ بِلَا سُلَّمٍ فَقَالَ لِرَبِّهِ اجْعَلْ لِي سُلَّمًا فَتَوَانَى وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمُكْتَرِي حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ أَنَّهُ يَطْرَحُ عَنْهُ مَنَابَ الْعُلْوِ هُوَ بِجَعْلِ السُّلَّمِ لَهُ وَالْكِرَاءُ فِي هَذَا، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ فَسُلَّمُ الْعُلْوِ كَالْبَرْذَعَةِ وَالسَّرْجِ وَنَحْوِهِمَا. طفي نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَعَلَى مُكْرِي الدَّابَّةِ الْبَرْذَعَةُ وَشِبْهُهَا إلَخْ. فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عُرْفٌ فَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مُقْتَضَى اللَّفْظِ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْبَرْذَعَةَ وَالْأَحْبَالَ لَا يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ، وَكَذَلِكَ الْإِعَانَةُ فِي الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَرَفْعِ الْأَحْمَالِ وَحَطُّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ فَلَا تَلْزَمُ الْجَمَّالَ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ مَا فِيهَا خِلَافُ هَذَا إلَّا أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الشُّرُوطَ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا انْتِفَاءُ الْمَشْرُوطِ لِانْتِفَائِهَا غَالِبًا قَدْ يُؤْتَى بِهَا لِرَفْعِ التَّوَهُّمِ وَالنِّزَاعِ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ شُرُوطِ الْمُوَثِّقِينَ، فَلَا يَدُلُّ انْتِفَاؤُهَا عَلَى انْتِفَاءِ مَشْرُوطِهَا، وَتَأْتِي عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةُ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَالْإِعَانَةُ فِي الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَرَفْعِ الْأَحْمَالِ وَحَطِّهَا نَحْوُ قَوْلِهَا رُحْلَتُهَا، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ
وَفِي السَّيْرِ وَالْمَنَازِلِ، وَالْمَعَالِيقِ، وَالزَّامِلَةِ،
ــ
[منح الجليل]
عَلَى الْإِكَافِ وَشِبْهِهِ فَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْمُدَوَّنَةِ، إذْ لَمْ تَذْكُرْ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِهَا الرُّحْلَةَ أَنَّ الْبَرْذَعَةَ وَشِبْهَهَا كَذَلِكَ، لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْأَظْهَرُ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنْ يَلْزَمَ الْمُكْرِيَ الْبَرْذَعَةُ وَالسَّرْجُ وَنَحْوُهُمَا لَا مُؤْنَةَ، الْحَطُّ وَالْحَمْلُ. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَمْ يَزِدْ مَا زَادَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِهَذَا فَهُوَ سَالِمٌ مِنْهُ، فَنَقْلُ تت تَبَعًا لِلشَّارِحِ الْإِيرَادَ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَنَازَعَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَحْثِهِ الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا هَذَا اللَّفْظُ أَمْكَنَ رَدُّهُ بِمَا قَالَ إمَّا مَعَ قَوْلِهَا إنْ أَكْرَيْت إبِلًا فَهَرَبَ الْجَمَّالُ وَتَرَكَهَا فِي يَدِك فَأَنْفَقْت عَلَيْهَا فَلَكَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَكَذَا إنْ أَكْرَيْت مَنْ يُرَحِّلُهَا رَجَعْت بِكِرَائِهِ. اهـ. لَكِنْ قَيَّدَهَا التُّونُسِيُّ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْمُكْرِيَ يُرَحِّلُهَا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِابْنِ عَرَفَةَ. وَقَدْ قَيَّدَهُ التُّونُسِيُّ فَكَأَنَّهُ وَقَفَ مَعَ ظَاهِرِ لَفْظِهَا وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ تت. وَبِمَفْهُومِهِ قَرَّرَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، زَادَ فِي كَبِيرِهِ وَيَتِمُّ حِينَئِذٍ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ فِي كَبِيرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ يُرِيدُ بِالْعَكْسِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ فَعَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَ نَصَّهَا الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ مُخَالِفٌ لَهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا لَمْ تَتَكَلَّمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. فَفِي عَزْوِ الشَّارِحِ لَهَا ذَلِكَ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) عُمِلَ بِالْعُرْفِ (فِي) أَحْوَالِ (السَّيْرِ) مِنْ كَوْنِهِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا وَكَوْنِهِ سَرِيعًا أَوْ بَطِيئًا أَوْ بَيْنَهُمَا (وَ) فِي أَحْوَالِ (الْمَنَازِلِ) أَيْ مَوَاضِعِ النُّزُولِ لِلْقَيْلُولَةِ وَالْمَبِيتِ وَمِقْدَارِ الْإِقَامَةِ بِهَا. ابْنُ شَاسٍ كَيْفِيَّةُ السَّيْرِ وَتَفْصِيلُهُ وَقَدْرُ الْمَنَازِلِ وَمَحَلُّ النُّزُولِ فِي مَعْمُورٍ أَوْ صَحْرَاءَ مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ.
(وَ) فِي أَحْوَالِ (الْمَعَالِيقِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مُعْلُوقٍ بِضَمِّهَا، أَيْ الْأَدَوَاتُ الَّتِي تُعَلَّقُ عَلَى الدَّابَّةِ لِلسَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالْمَاءِ وَنَحْوِهَا. ابْنُ شَاسٍ يَصِفُ الْمَحْمِلَ بِالسَّعَةِ أَوْ الضِّيقِ وَيُعْرَفُ تَفَاصِيلُ الْمَعَالِيقِ، فَإِنْ أَطْلَقَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ مَعْلُومًا بِالْعَادَةِ صَحَّ الْعَقْدُ.
(وَ) فِي أَحْوَالِ (الزَّامِلَةِ) بِالزَّايِ أَيْ الْخُرْجِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَجْمَعُ فِيهِ الْمُسَافِرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ
وَوِطَائِهِ بِمَحْمَلٍ، وَبَدَلُ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ، وَتَوْقِيرُهُ: كَنَزْعِ الطَّيْلَسَانِ قَائِلَةٌ، وَهُوَ أَمِيرٌ، فَلَا ضَمَانَ
ــ
[منح الجليل]
فِي كَوْنِهَا عَلَى الْمُكْرِي أَوْ الْمُكْتَرِي وَكَوْنِهِ كَبِيرًا وَصَغِيرًا أَوْ مُتَوَسِّطًا (وَ) فِي أَحْوَالِ (وِطَائِهِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ أَوْ فُرُشِ الرَّاكِبِ (بِمَحْمِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ، أَوْ عَلَى حَوِيَّةٍ أَوْ قَتْبٍ، وَكَذَا غِطَاؤُهُ. فِيهَا إنْ اكْتَرَى مَحْمِلًا لِمَكَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ وِطَاءَهُ أَوْ زَامِلَةً وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُحْمَلُ فِيهَا مِنْ أَرْطَالٍ جَازَ، وَحَمْلًا عَلَى فِعْلِ النَّاسِ فِيهِمَا لِأَنَّ الزَّوَامِلَ عُرِفَتْ عِنْدَهُمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ لَهُ الْمَعَالِيقَ وَكُلَّ مَا عَرَفَهُ النَّاسُ مِنْ الْأَمْرِ اللَّازِمِ لِلْمُكْتَرِي. عِيَاضٌ الزَّامِلَةُ مَا يُحْمَلُ فِيهِ مِثْلُ الْإِخْرَاجِ وَشِبْهِهَا وَتُشَدُّ عَلَى الدَّوَابِّ وَالرَّوَاحِلِ.
(وَ) فِي (بَدَلِ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ) مَعَ الرَّاكِبِ إذَا نَقَصَ بِأَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ فَنِيَ فِيهَا إنْ نَقَصَتْ زَامِلَةُ الْحَاجِّ أَوْ نَفِدَتْ وَأَرَادَ إتْمَامَهَا وَأَبَاهُ الْجَمَّالُ حَمْلًا عَلَى عُرْفِ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ فَعَلَيْهِ حَمْلُ الْوَزْنِ الْأَوَّلِ (وَ) فِي (تَوْفِيرِهِ) أَيْ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ بِعَدَمِ الْأَكْلِ مِنْهُ سَحْنُونٌ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً عَلَى حَمْلٍ فِيهِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ فَأَصَابَهُ مَطَرٌ فِي الطَّرِيقِ فَزَادَ وَزْنُهُ فَامْتَنَعَ الْجَمَّالُ مِنْ حَمْلِ الزِّيَادَةِ. وَقَالَ الْمُكْتَرِي هُوَ الْمَتَاعُ بِعَيْنِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمَّالَ حَمْلُ الزِّيَادَةِ ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى قَوْلِهَا يُلْزِمُ حَمْلُ وَلَدِ الْمَرْأَةِ مَعَهَا حَمْلَ زِيَادَةِ الْبَلَلِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفٌ أَمْ لَا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهَا فِي زَامِلَةِ الْحَاجِّ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ.
وَشُبِّهَ فِي الْعَمَلِ بِالْعُرْفِ فَقَالَ (كَنَزْعِ) أَيْ خَلْعِ (الطَّيْلَسَانِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ وَكَسْرِهَا بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، أَيْ الشَّالُ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ لِاتِّقَاءِ الْبَرْدِ الْمُسْتَأْجَرُ لِذَلِكَ، وَصِلَةُ نَزَعَ (قَائِلَةٌ) بِالْهَمْزِ، أَيْ وَسَطَ النَّهَارِ وَشِدَّةِ الْحُرِّ وَأُولَى لَيْلًا. ابْنُ رُشْدٍ إنْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُبْسِهِ نَزَعَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي اُعْتِيدَ نَزْعُهُ فِيهَا كَلَيْلٍ، وَقَائِلُهُ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا صَوَابٌ، كَقَوْلِهَا مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِخِدْمَتِهِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ مِنْ خِدْمَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُرْفُ فِي اللُّبْسِ لَزِمَ بَيَانُ وَقْتِ نَزْعِهِ أَوْ دَوَامِ لُبْسِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُسْتَوْلِي عَلَى شَيْءٍ بِإِجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُؤَجِّرًا (أَمِينٌ) عَلَى مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ:(فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ لِمَا تَلِفَ أَوْ ضَاعَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ مِنْهُ. ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا.
وَلَوْ شَرَطَ إثْبَاتَهُ، إنْ لَمْ يَأْتِ بِسَمْتِ الْمَيِّتِ، أَوْ عَثَرَ بِدُهْنٍ، أَوْ طَعَامٍ بِآنِيَةٍ فَانْكَسَرَتْ، وَلَمْ يَتَعَدَّ. أَوْ انْقَطَعَ الْحَبْلُ. وَلَمْ يُغْرَ بِفِعْلٍ:
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ وَلَوْ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ الْقَضَاءُ أَنَّ الْأَكْرِيَاءَ وَالْأُجَرَاءَ فِيمَا أُسْلِمَ إلَيْهِمْ كَوْنُهُمْ أُمَنَاءَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُونَهُ إلَّا الصُّنَّاعَ وَالْأَكْرِيَاءَ عَلَى حَمْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْإِدَامِ خَاصَّةً لِتَسَارُعِ الْأَيْدِي لَهَا، فَضَمِنُوا فِي صَلَاحِ الْعَامَّةِ كَالصُّنَّاعِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِمْ، أَوْ يَكُونَ مَعَهُ أَرْبَابُهُ لَمْ يُسَلِّمُوهُ إلَيْهِمْ فَلَا يَضْمَنُونَ، سَوَاءٌ حَمَلُوهُ عَلَى سَفِينَةٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ رَجُلٍ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ضَمَانَهُ، بَلْ (وَلَوْ شُرِطَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (إثْبَاتُهُ) أَيْ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْلِي عَلَى شَيْءٍ بِإِجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ (إنْ لَمْ يَأْتِ) الْمُسْتَوْلِي (بِسِمَةٍ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ عَلَامَةِ الْحَيَوَانِ (الْمَيِّتِ) أَيْ الَّذِي يُدَّعَى مَوْتُهُ، فَشَرْطُهُ لَغْوٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا. فِي الْمَوَّازِيَّةِ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " إنْ شَرَطَ الْحَمَّالُونَ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي الطَّعَامِ أَنَّ عَلَيْهِمْ ضَمَانَ الْعُرُوضِ وَمَا لَا يُضْمَنُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ التَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ إنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضَمَانَ الْعُرُوضِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا أَنْ يُخَالِفُوا فِي شَرْطٍ يَجُوزُ وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ الْمُكْتَرِي مُصَدَّقٌ فِيمَا ادَّعَى إبَاقَهُ مِنْ الْعَبِيدِ وَتَلَفَهُ مِنْ الدَّوَابِّ. وَفِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " لَا ضَمَانَ عَلَى الرُّعَاةِ إلَّا فِيمَا تَعَدَّوْا فِيهِ أَوْ فَرَّطُوا فِي جَمِيعِ مَا رَعَوْا مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّوَابِّ لِنَاسٍ شَتَّى أَوْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا شَرَطَ عَلَى الرَّاعِي الضَّمَانَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا يَضْمَنُ مَا يَهْلِكُ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطُوا عَلَى الرَّاعِي إنْ لَمْ يَأْتِ بِسِمَةِ مَا يَمُوتُ مِنْهَا يَضْمَنُ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا.
(أَوْ عَثَرَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ الْحَمَّالُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ أَوْ دَابَّتِهِ (بِدُهْنٍ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ سَمْنٌ مَائِعٌ أَوْ زَيْتٌ (أَوْ) بِ (طَعَامٍ) مُسْتَأْجَرٍ عَلَى حَمْلِهِ فَتَلِفَ فَلَا يَضْمَنُهُ (أَوْ) عَثَرَ (بِآنِيَةٍ فَانْكَسَرَتْ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَبْتَعِدْ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا فِي سَيْرِهِ وَلَا فِي سَوْقِ دَابَّتِهِ (أَوْ انْقَطَعَ الْحَبْلُ) الْمَرْبُوطُ بِهِ الْحِمْلُ أَوْ الْحَامِلُ بِهِ عَلَى ظَهْرِهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَغُرَّ)
كَحَارِسٍ. وَلَوْ حَمَّامِيًّا.
ــ
[منح الجليل]
بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ (بِفِعْلٍ) فَإِنْ غَرَّ بِفِعْلٍ كَرَبْطٍ بِحَبْلٍ رَثٍّ وَمَشْيٍ بِزَلِقِ وَتَشْدِيدٍ فِي سَوْقِ دَابَّةٍ فَتَلِفَ فَيَضْمَنُهُ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا قَالَ الْمُكْرِي فِي كُلِّ عَرْضٍ إنَّهُ هَلَكَ أَوْ سُرِقَ أَوْ عَثَرَتْ الدَّابَّةُ فَانْكَسَرَتْ الْقَوَارِيرُ فَذَهَبَ الدُّهْنُ صُدِّقَ لَا أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ أَوْ يَذْكُرَ أَنَّ ذَهَابَهُ كَانَ عَلَى صِفَةٍ أَتَى فِيهَا بِمَا لَا يُشْبِهُ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ اسْتَأْجَرْته يَحْمِلُ لَك عَلَى دَابَّةٍ دُهْنًا أَوْ طَعَامًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَعَثَرَتْ الدَّابَّةُ فَانْكَسَرَتْ الْقَوَارِيرُ فَذَهَبَ الدُّهْنُ أَوْ هَلَكَ الطَّعَامُ وَانْقَطَعَتْ الْحِبَالُ، فَسَقَطَ الْمَتَاعُ فَفَسَدَ، فَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرِي قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَغُرَّ بِعِثَارٍ أَوْ ضَعْفِ الْأَحْبُلِ عَنْ حَمْلِ ذَلِكَ، فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ. ابْنُ عَرَفَةَ مَا تَلِفَ بِسَبَبِ عَيْبٍ دَلَّسَهُ الْمُكْرِي ضَمِنَهُ فِيهَا مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً أَوْ ثَوْرًا لِلطَّحْنِ فَرَبَطَهُ فِي الْمِطْحَنَةِ فَكَسَرَهَا أَوْ أَفْسَدَ آلَتَهَا فَلَا يَضْمَنُ ذَلِكَ مُكْرِيه إلَّا أَنْ يَغُرَّ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ، كَقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ أَكْرَى دَابَّتَهُ عَالِمًا أَنَّهَا عُثُورٌ وَلَمْ يُعْلِمْ الْمُكْتَرِيَ بِهِ فَعَثَرَتْ فَانْكَسَرَ مَا عَلَيْهَا فَهُوَ ضَامِنٌ. ابْنُ عَرَفَةَ أَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ مَسْأَلَةِ كَسْرِ الثَّوْرِ التَّضْمِينَ بِالْغُرُورِ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ إنَّمَا هُوَ بِاللَّفْظِ يُرَدُّ بِأَنَّ إيجَابَهُ لُزُومُ الْعَقْدِ يُصَيِّرُهُ كَالْفِعْلِ، فَالْقَوْلُ إنْ تَضَمَّنَ عَقْدًا كَانَ غُرُورًا بِالْفِعْلِ لَا بِالْقَوْلِ.
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فَقَالَ (كَحَارِسٍ) فَلَا يَضْمَنُ مَا سُرِقَ إنْ لَمْ يَكُنْ حَمَّامِيًّا، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (حَمَّامِيًّا) بِشَدِّ الْمِيمِ الْأُولَى فَلَا يَضْمَنُ مَا يُسْرَقُ مِنْ ثِيَابِ الدَّاخِلِينَ وَلَوْ أَخَذَ أُجْرَةً وَنَكَّرَ حَرَسًا لِيَشْمَلَ الْحُرَّاسَ لِكَرْمٍ أَوْ نَخْلٍ أَوْ دُورٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَوْ يُفَرِّطَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يَحْرُسُهُ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ تَظْهَرَ خِيَانَتُهُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. ابْنُ الْحَاجِبِ أَجِيرُ الْحِرَاسَةِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ جَلَسَ يَحْفَظُ ثِيَابَ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَضَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَضْمَنُهُ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ. ابْنُ الْمَوَّازِ مَالِكٌ مِنْ اُسْتُؤْجِرَ يَحْرُسُ بَيْتًا فَنَامَ فَسَرَقَ مَا فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ، وَإِنْ غَابَ عَلَيْهِ وَلَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ وَكَذَا حَارِسُ النَّخْلِ. ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَضْمَنُ جَمِيعُ الْحُرَّاسِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّوْا كَانَ مَا يَحْرُسُونَهُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُعْطَى مَتَاعًا لِيَبِيعَهُ
وَأَجِيرٍ لِصَانِعٍ: كَسِمْسَارٍ. إنْ ظَهَرَ خَيْرُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ.
ــ
[منح الجليل]
فَيَضِيعَ أَوْ يَضِيعَ ثَمَنُهُ إلَّا أَنَّ هَذَا لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
(وَ) لَا ضَمَانَ عَلَى (أَجِيرٍ لِصَانِعٍ) كَخَيَّاطٍ وَحَيَّاكٍ وَصَائِغٍ وَصَبَّاغٍ وَقَصَّارٍ. فِيهَا يَضْمَنُ الْقَصَّارُ مَا أَفْسَدَهُ أَجِيرُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَجِيرِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَوْ يُفَرِّطَ. الْبِسَاطِيُّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ أَشْهَبَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ كَثُرَتْ الثِّيَابُ عِنْدَ الْغَسَّالِ فَاسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَبْعَثُهُ بِهَا إلَى الْبَحْرِ فَيَدَّعِي تَلَفَهَا فَيَضْمَنُهَا (وَ) لَا ضَمَانَ عَلَى (سِمْسَارٍ) بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، أَيْ دَلَّالٍ طَوَّافٍ فِي الْأَسْوَاقِ بِالسِّلَعِ أَوْ يُنَادِي عَلَيْهَا لِلْمُزَايَدَةِ إنْ (ظَهَرَ خَيْرُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ خَيْرُهُ فَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَمُقَابِلُ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ ضَمَانُ السِّمْسَارِ وَلَوْ ظَهَرَ خَيْرُهُ وَالْقَوْلَانِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه ". فِي التَّوْضِيحِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي تَضْمِينِهِ. وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ بِتَضْمِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْخَيْرِ، وَنَصُّهُ وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ تَضْمِينُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْخَيْرِ اهـ. طفي وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت وَجَدْت ابْنَ رُشْدٍ لَمْ يَسْتَظْهِرْ قَوْلًا مِنْ قَوْلَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَنَّ فَتْوَاهُ مُخَالِفَةٌ لَهُمَا، فَفِي تَعْبِيرِهِ بِالْأَظْهَرِ نَظَرٌ. وَقَدْ جَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فَتْوَاهُ قَوْلًا ثَالِثًا فَقَالَ فَفِي ضَمَانِهِ مَا دُفِعَ إلَيْهِ لِيَبِيعَهُ أَوْ مَا طَلَبَهُ مِنْ رَبِّهِ لِمُشْتَرٍ أَمَرَهُ بِشِرَائِهِ. ثَالِثُهَا مَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا لِنَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ ابْنِ عَاتٍ عَنْ حَمْدِيسٍ عَنْ بَعْضِ أَقْوَالِهِ، وَلَهُ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ وَفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ فَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ ضَمَانِهِ مُطْلَقًا لَأَجَادَ. عِيَاضٌ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي السَّمَاسِرَةِ وَالْمَأْمُورِينَ وَالْوُكَلَاءِ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ، لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ وَلَيْسُوا بِصُنَّاعٍ سَوَاءٌ كَانُوا بِحَوَانِيتَ أَمْ لَا، كَذَا جَاءَ فِي أُمَّهَاتِنَا وَأَجْوِبَةِ شُيُوخِنَا. اهـ. وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ بِجَلْبِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَمِدَ الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَعْتَمِدَ فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ. ابْنُ عَرَفَةَ وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَهُ لِذَلِكَ وَإِنْ نَصَبَ نَفْسَهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالصَّانِعِ، وَأَظُنُّ أَنِّي وَقَفْت عَلَى هَذَا لِبَعْضِهِمْ
وَنُوتِيٍّ غَرِقَتْ سَفِينَتُهُ بِفِعْلٍ سَائِغٍ. لَا إنْ خَالَفَ مَرْعَى شَرْطٍ أَوْ أَنْزَى بِلَا إذْنٍ. أَوْ غُرَّ بِفِعْلٍ. فَقِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ.
ــ
[منح الجليل]
فِي الْجَلِيسِ وَهُوَ مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ فِي حَانُوتٍ لِشِرَاءِ الْأَمْتِعَةِ مِنْهُ. عِيَاضٌ وَهُمْ كَثِيرٌ فِي الْبَلَدِ يَنْتَصِبُونَ لِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) لَا ضَمَانَ عَلَى (نُوتِيٍّ) بِضَمِّ النُّونِ، أَيْ خَادِمِ سَفِينَةٍ (غَرِقَتْ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (سَفِينَتُهُ بِفِعْلٍ سَائِغٍ) لَهُ فِيهَا وَأَوْلَى بِغَيْرِ فِعْلٍ، كَهَيَجَانِ رِيحٍ أَوْ اخْتِلَافِهِ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ صَرْفِهَا لِمَا تُرْجَى سَلَامَتُهَا مَعَهُ. فِيهَا إذَا غَرِقَتْ السَّفِينَةُ مِنْ مَدِّ النَّوَاتِيَّةِ الشِّرَاعَ فَقَالَ إنْ صَنَعُوا مَا يَجُوزُ لَهُمْ مِنْ الْمَدِّ وَالْعَمَلِ فِيهَا فَلَا يَضْمَنُونَ، وَإِنْ تَعَدَّوْا فَأَخْرَقُوا فِي مَدٍّ أَوْ عِلَاجٍ فَيَضْمَنُونَ مَا هَلَكَ فِيهَا مِنْ النَّاسِ وَالْحُمُولَةِ. ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَقِيلَ إنَّ الدِّيَاتِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ (لَا) يَنْتَفِي الضَّمَانُ عَنْ الرَّاعِي (إنْ خَالَفَ) الرَّاعِي (مَرْعًى شُرِطَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْعَى فِيهِ مَكَانًا أَوْ زَمَانًا كَلَا تَرْعَ فِي مَكَانِ كَذَا خَوْفَ وُحُوشِهِ أَوْ لُصُوصِهِ أَوْ ضَرَرِ عُشْبِهِ، كَرَعْيِ الْغَنَمِ فِي إثْرِ الْجَامُوسِ لِحُصُولِ الْغِشِّ، وَهُوَ فَسَادُ الْجَوْفِ لَهَا بِذَلِكَ، أَوْ لَا تَرْعَ أَيَّامَ الْخَرِيفِ أَوْ الْأَرْبَعَانِيَّة بِمِصْرَ قَبْلَ ارْتِفَاعِ النَّدَى عَنْ النَّبَاتِ. فِيهَا إنْ شُرِطَ رَعْيُهُ فِي مَوْضِعٍ فَرَعَى فِي غَيْرِهِ ضَمِنَ يَوْمَ تَعَدِّيهِ وَلَهُ أَجْرُ رَعْيِهِ إلَيْهِ.
(أَوْ أَنْزَى) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ وَإِعْجَامِ الزَّايِ أَيْ حَمَلَ الرَّاعِي الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى (بِغَيْرِ إذْنٍ) مِنْ الْمَالِكِ فَمَاتَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْوِلَادَةِ فَيَضْمَنُهَا. فِيهَا إنْ أَنْزَى الرَّاعِي عَلَى النَّعَمِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا ضَمِنَهَا (أَوْ غَرَّ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ أَيْ خَاطَرَ (بِفِعْلٍ) كَرَبْطٍ بِحَبْلٍ رَثٍّ وَمَشَى فِي زَلَقٍ فَتَلِفَ الشَّيْءُ بِسَبَبِ تَغْرِيرِهِ فَيَضْمَنُهُ. فِيهَا مَنْ أَكْرَى دَابَّتَهُ وَهِيَ عَثُورٌ أَوْ رَبُوضٌ وَلَمْ يُعْلِمْ الْمُكْتَرِيَ بِذَلِكَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا دُهْنًا مِنْ مِصْرَ إلَى فِلَسْطِينَ فَعَثَرَتْ بِالْعَرِيشِ ضَمِنَ قِيمَةَ الدُّهْنِ بِالْعَرِيشِ. وَقَالَ غَيْرُهُ بِمِصْرَ لِأَنَّهَا مِنْهَا تَعَدَّى (فَقِيمَتُهُ) أَيْ الشَّيْءِ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ بِإِرْعَائِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِذْنِ أَوْ الْإِنْزَاءِ عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ أَوْ الْمُغَرَّرِ فِيهِ بِفِعْلٍ مُعْتَبَرَةٌ (يَوْمَ التَّلَفِ) تَلْزَمُ الْأَجِيرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَلَهُ أُجْرَتُهُ إلَيْهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
تت أَعَادَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَلَمْ يَغُرَّ بِفِعْلٍ، إمَّا لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ لِكَوْنِهِ مَفْهُومَ غَيْرِ شَرْطٍ، أَوْ لِيَرْتَبْ عَلَيْهِ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ. طفي وَقَدْ تَرْجَمَ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ وَمَا تَلِفَ بِسَبَبِ عَيْبٍ دَلَّسَهُ الْمُكْرِي ضَمِنَهُ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَهَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّحْنِ وَالْعَرِيشِ، وَقَالَ عَقِبَهُ وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ مَسْأَلَةِ كَسْرِ الثَّوْرِ الْمِطْحَنَةَ التَّضْمِينَ بِالْغُرُورِ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ إنَّمَا هُوَ بِاللَّفْظِ.
يُرَدُّ بِأَنَّ إيجَابَ لُزُومِ الْعَقْدِ يُصَيِّرُهُ كَالْفِعْلِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْقَوْلُ إنْ تَضَمَّنَ عَقْدًا كَانَ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقَوْلِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فُلَانَةُ حُرَّةٌ ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْهُ غَيْرُهُ فَلَا رُجُوعَ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا أَمَةٌ وَأَنَّ وَلِيَّهُ عَالِمٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالصَّدَاقِ، وَبِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُ التُّونُسِيِّ فِي مُكْرِي الدَّابَّةِ الْعَثُورِ إنْ أَسْلَمَهَا مُكْرِيهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِعِثَارِهَا لِمُكْتِرَيْهَا فَحَمَلَ عَلَيْهَا فَهُوَ غُرُورٌ بِالْقَوْلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَتَاعَ رَبُّهُ لِرَبِّ الدَّابَّةِ فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا ضَمِنَهُ الْجَمَّالُ لِتَعَدِّيهِ اهـ. وَفِيمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ نَظَرٌ إذْ قَوْلُهُ إنَّ الْغُرُورَ إذَا تَضَمَّنَ عَقْدًا كَانَ غُرُورًا بِالْفِعْلِ وَاسْتِدْلَالِهِ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِرَجِلٍ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي التَّدْلِيسِ فِي الْكِرَاءِ لَا بُدَّ أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ الضَّمَانُ حَيْثُ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَكَتَمَهُ وَإِطْلَاقُهَا عَنْهُ الشُّيُوخُ كَالْعُمُومِ حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ آخِرَ الْغَصْبِ، وَلِذَا جَعَلَهُ التُّونُسِيُّ مِنْ الضَّمَانِ بِالْغُرُورِ بِالْقَوْلِ، وَمِثْلُهُ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجِ وَتَبِعَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ.
الْبُنَانِيُّ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ طفي كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَأَمَّلْهُ. طفي حَيْثُ حَكَمْنَا بِالضَّمَانِ عِنْدَ الْغُرُورِ بِكَتْمِ عَيْبٍ نَشَأَ عَنْهُ تَلَفٌ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْكِرَاءِ فَلَا ضَمَانَ بِهِ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَنْ بَاع
أَوْ صَانِعٍ فِي مَصْنُوعِهِ. لَا غَيْرُهُ وَلَوْ مُحْتَاجًا لَهُ عَمَلٌ.
ــ
[منح الجليل]
خَابِيَةً دَلَّسَ فِيهَا بِكَسْرٍ وَعَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجْعَلُ فِيهَا زَيْتًا فَجَعَلَهُ الْمُشْتَرِي فِيهَا فَسَالَ مِنْ كَسْرِهَا فَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ الزَّيْتَ، كَتَدْلِيسِهِ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ فَسَرَقَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُ بَائِعُهُ الْمَسْرُوقَ وَلَوْ أَكْرَاهُ الْخَابِيَةَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الزَّيْتَ اهـ. الْبُرْزُلِيُّ مِثْلُهُ مَنْ بَاعَ مُطَمَّرًا يُسِيسُ مُدَلَّسًا وَأَكْرَاهُ كَذَلِكَ. اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِكْرَاءِ أَنَّ الْمَنَافِعَ فِي ضَمَانِ الْمُكْرِي حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا الْمُكْتَرِي، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعُطِفَ عَلَى مَعْنَى خَلَفٍ مَرْعِيَّ شَرْطٍ، أَيْ لَا مُخَالِفَ إلَخْ فَقَالَ (أَوْ صَانِعٍ) فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ (فِي مَصْنُوعِهِ) الَّذِي تَتَعَلَّقُ صَنْعَتُهُ بِهِ كَثَوْبٍ يَخِيطُهُ وَغَزْلٍ يَنْسِجُهُ وَعَيْنٍ يَصْبُغُهَا وَنُحَاسٍ يَصْنَعُهُ إنَاءً وَحَبٍّ يَطْحَنُهُ وَزَيْتُونٍ يَعْصِرُهُ وَ (لَا) ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي (غَيْرِهِ) أَيْ مَصْنُوعِهِ إنْ لَمْ يَحْتَجْ لَهُ عَمَلُهُ كَبَخْشَةٍ لِلثَّوْبِ الْمَخِيطِ أَوْ الْمَنْسُوجِ وَكِيسٍ لِلْعَيْنِ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ غَيْرُ الْمَصْنُوعِ (مُحْتَاجًا لَهُ عَمَلُ) الصَّانِعِ كَخَابِيَةٍ لِلزَّيْتِ وَقُفَّةٍ لِلدَّقِيقِ.
ابْنُ رُشْدٍ الْأَصْلُ فِي الصُّنَّاعِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ، وَقَدْ أَسْقَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الضَّمَانَ عَنْ الْأُجَرَاءِ، وَخَصَّصَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ الصُّنَّاعَ وَضَمَّنُوهُمْ نَظَرًا وَاجْتِهَادًا لِضَرُورَةِ النَّاسِ لِغَلَبَةِ فَقْرِ الصُّنَّاعِ وَرِقَّةِ دِيَانَتِهِمْ وَاضْطِرَارِ النَّاسِ إلَى صَنْعَتِهِمْ فَتَضْمِينُهُمْ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الْغَالِبَةِ الَّتِي تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا. فِي التَّوْضِيحِ أَبُو الْمَعَالِي الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَثِيرًا مَا يَبْنِي مَذْهَبَهُ عَلَى الْمَصَالِحِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ قَتْلُ ثُلُثِ الْعَامَّةِ لِإِصْلَاحِ الثُّلُثَيْنِ. الْمَازِرِيُّ مَا حَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ مَالِكٍ صَحِيحٌ. زَادَ الْحَطّ بَعْدَهُ عَنْ شَرْحِ الْمَحْصُولِ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مَالِكٍ لَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ. الْبُنَانِيُّ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْمُحَقِّقُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ هَذَا الْكَلَامُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَطَّرَ فِي الْكُتُبِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ بَعْضُ ضَعَفَةِ الطُّلَبَاءِ، وَهَذَا لَا يُوَافِقُ شَيْئًا مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ. الشَّهَابُ الْقَرَافِيُّ مَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مَالِكٍ أَنْكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ إنْكَارًا شَدِيدًا وَلَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِهِمْ.
ابْنُ الشَّمَّاعِ مَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ رَوَاهُ نَقَلَتُهُ، إنَّمَا أَلْزَمَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ اضْطَرَبَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ذِكْرِهِ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا اتَّضَحَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْبُرْهَانِ. وَقَوْلُ الْمَازِرِيِّ مَا حَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي صَحِيحٌ رَاجِعٌ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَهُوَ أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يَبْنِي مَذْهَبَهُ عَلَى الْمَصَالِحِ لَا إلَى قَوْلِهِ نُقِلَ عَنْهُ قَتْلُ الثُّلُثِ إلَخْ، أَوْ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى تَتَرُّسِ الْكُفَّارِ بِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ مَالِكٌ يَبْنِي مَذْهَبَهُ عَلَى الْمَصَالِحِ كَثِيرًا فِيهِ نَظَرٌ لِإِنْكَارِ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ إلَّا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ حَسْبَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ حَتَّى يَجْرِيَ فِي الْفِتَنِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يُشْبِهُهَا. وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي هَذَا شَيْخُ شُيُوخِنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِي الْعَرَبِيُّ الْفَاسِيُّ فِي جَوَابٍ لَهُ طَوِيلٍ، وَقَدْ نَقَلْت مِنْهُ مَا قَيَّدْته أَعْلَاهُ وَهُوَ تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ تَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِمَا فِي التَّوْضِيحِ اهـ.
وَأَمَّا تَأْوِيلُ " ز " بِأَنَّ الْمُرَادَ قَتْلُ ثُلُثِ الْمُفْسِدِينَ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِإِصْلَاحِ بَقِيَّتِهِمْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا وَضَعَ لِإِصْلَاحِ الْمُفْسِدِينَ الْحُدُودَ عِنْدَ ثُبُوتِ مُوجِبَاتِهَا، وَمَنْ لَمْ تُصْلِحْهُ السُّنَّةُ فَلَا أَصْلَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِثْلُ هَذَا التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ هُوَ الَّذِي يُوقِعُ كَثِيرًا مِنْ الظَّلَمَةِ الْمُفْسِدِينَ فِي سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ الْفَسَادِ. وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ شَارِكَ فِي دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» . وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ الْمُرْكِبَ إذَا ثَقُلَ بِالنَّاسِ وَخِيفَ غَرَقُهُ فَإِنَّهُمْ يَقْتَرِعُونَ عَلَى مَنْ يُرْمَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِيهِ سَوَاءٌ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَقِبَهُ تَعَقَّبَ غَيْرُ وَاحِدٍ نَقْلَ اللَّخْمِيُّ طَرْحَ الذِّمِّيِّ لِنَجَاةِ غَيْرِهِ، وَرُبَّمَا نَسَبَهُ بَعْضُهُمْ لِخَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وَقَالُوا لَا يُرْمَى الْآدَمِيُّ لِنَجَاةِ الْبَاقِينَ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَضْمِينُهُمْ مَا يَغِيبُونَ عَلَيْهِ وَيَدَّعُونَ تَلَفَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا ثَبَتَ ضَيَاعُهُ بِبَيِّنَةٍ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إلَّا أَشْهَبَ فَإِنَّهُ ضَمَّنَهُمْ، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ وَلِقَوْلِهِ حَظٌّ مِنْ النَّظَرِ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ تَضْمِينُهُمْ
لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
وَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُمْ بِهِ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ، لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْمَصْلَحَةُ وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ لَا يُخَصَّصُ بِمَوْضِعٍ مِنْ قَبِيلِ هَذَا شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَلِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ بِلَا بَيِّنَةٍ ضَمِنَ، وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ. وَقَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَصَحُّ. ابْنُ شَاسٍ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا لَا صَنْعَةَ
وَإِنْ بِبَيِّنَةٍ. أَوْ بِلَا أَجْرٍ. إنْ نَصَبَ نَفْسَهُ وَغَابَ عَلَيْهَا.
ــ
[منح الجليل]
لَهُ فِيهِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ حُضُورِهِ عِنْدَ الصَّانِعِ كَالْكِتَابِ الْمُنْتَسَخِ مِنْهُ وَالْمِثَالِ الَّذِي يُعْمَلُ عَلَيْهِ وَجَفْنِ السَّيْفِ الَّذِي يُصَاغُ عَلَى نَصْلِهِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ سُلِّمَ لِلصَّانِعِ بِغَيْرِ جَفْنٍ فَسَدَ، وَمِثْلُهُ ظَرْفُ الْقَمْحِ وَالْعَجِينِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَضْمَنُ ذَلِكَ كُلَّهُ. اللَّخْمِيُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ. ابْنُ رُشْدٍ إذَا كَانَ الثَّوْبُ غَلِيظًا لَا يَحْتَاجُ إلَى وِقَايَةٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّانِعَ لَا يَضْمَنُ الْمِنْدِيلَ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ وَإِلَّا فَفِي ضَمَانِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ مَعَ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَيَضْمَنُ الصَّانِعُ مَصْنُوعَهُ إنْ عَمِلَهُ بِحَانُوتٍ بِأَجْرٍ، بَلْ (وَإِنْ) عَمِلَ (بِبَيْتٍ) اللَّخْمِيُّ سَوَاءٌ كَانَ بِسُوقِهَا أَوْ دَارِهِ (أَوْ) عَمِلَ (بِلَا أَجْرٍ) فِيهَا مَا قَبَضُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَوْ عَمِلُوهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ كَغَيْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ سَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُسْتَعْمَلُ الصَّانِعُ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَشَرْطُ ضَمَانِ الصَّانِعِ مَصْنُوعَهُ (إنْ نَصَبَ) أَيْ أَقَامَ الصَّانِعُ (نَفْسَهُ) لِلصَّنْعَةِ لِعُمُومِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَ يَصْنَعُ لِشَخْصٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يَضْمَنُ. ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ الْمُنْتَصِبُ مَنْ أَقَامَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الصَّنْعَةِ الَّتِي اُسْتُعْمِلَ فِيهَا كَانَ بِسُوقِهَا أَوْ دَارِهِ وَغَيْرُ الْمُنْتَصِبِ لَهَا مَنْ لَمْ يُقِمْ نَفْسَهُ لَهَا وَلَا مِنْهَا مَعَاشُهُ.
قُلْت ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ انْتِصَابُهُ لِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَنَصَّ عِيَاضٌ عَلَى أَنَّ الْخَاصَّ بِجَمَاعَةٍ دُونَ غَيْرِهِمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، ثُمَّ قَالَ فَفِي ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ نَصْبِ نَفْسِهِ أَوْ بِقَيْدِ عُمُومِهِ لِلنَّاسِ قَوْلَانِ لِظَاهِرِ سَمَاعِ عِيسَى مَعَ بَعْضِ شُيُوخِ الصِّقِلِّيِّ، وَطَرِيقُ عِيَاضٍ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا فِي الصَّانِعِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي نَصَبَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ لِلنَّاسِ. أَمَّا الصَّانِعُ الْخَاصُّ الَّذِي لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ لِلنَّاسِ، فَلَا يَضْمَنُ فِيمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ إلَيْهِ أَوْ عَمِلَهُ بِمَنْزِلِ رَبِّ الْمَتَاعِ.
(وَ) إنْ (غَابَ) الصَّانِعُ (عَلَيْهَا) أَيْ الذَّاتِ الْمَصْنُوعَةِ، فَإِنْ عَمِلَهَا بِحَضْرَةِ رَبِّهَا وَمُلَازَمَتِهِ فَلَا يَضْمَنُ. ابْنُ رُشْدٍ يَضْمَنُ الصُّنَّاعُ كُلَّ مَا أَتَى عَلَى أَيْدِيهمْ مِنْ خَرْقٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ قَطْعٍ إذَا عَمِلَهُ فِي حَانُوتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَاعِدًا مَعَهُ إلَّا فِيمَا فِيهِ تَغْرِيرٌ مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلِ ثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ وَنَقْشِ الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَّانِ أَوْ الثَّوْبِ فِي قِدْرِ
فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ دَفْعِهِ. وَلَوْ شَرَطَ نَفْيَهُ،
ــ
[منح الجليل]
الصَّبَّاغِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتَى عَلَى أَيْدِيهمْ فِيهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهَا أَوْ أَخَذَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ مَأْخَذِهَا فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْبَيْطَارُ يَطْرَحُ الدَّابَّةَ فَتَمُوتُ مِنْهُ وَالْخَاتِنِ يَخْتِنُ الصَّبِيَّ فَيَمُوتُ مِنْ خِتَانِهِ وَالطَّبِيبِ يَسْقِي الْمَرِيضَ فَيَمُوتُ مِنْ سَقْيِهِ، أَوْ يَكْوِيهِ فَيَمُوتُ مِنْ كيه أَوْ يَقْطَعُ مِنْهُ شَيْئًا فَيَمُوتُ مِنْ قَطْعِهِ، وَالْحَجَّامِ يَقْلَعُ ضِرْسَهُ فَيَمُوتُ مِنْ قَلْعِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا فِي مَالِهِ وَلَا عَاقِلَتِهِ فِي جَمِيعِ هَذَا لِأَنَّ مَا فِيهِ التَّغْرِيرُ كَانَ صَاحِبُهُ هُوَ الَّذِي عَرَّضَهُ لِمَا أَصَابَهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُخْطِئْ فِي فِعْلِهِ، فَإِنْ أَخْطَأَ مِثْلَ سَقْيِ الطَّبِيبِ الْمَرِيضَ مَا لَا يُوَافِقُ مَرَضَهُ أَوْ تَزِلُّ يَدُ الْخَاتِنِ أَوْ الْقَاطِعِ فَيَتَجَاوَزُ فِي الْقَطْعِ، أَوْ يَدُ الْكَاوِي فَيَتَجَاوَزُ فِي الْكَيِّ، أَوْ يَدُ الْحَجَّامِ فَيَقْلَعُ غَيْرَ الضِّرْسِ الَّتِي أَمَرَ بِقَلْعِهَا.
فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَلَمْ يَغُرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَذَلِكَ خَطَأٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، فَفِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أَوْ غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَيُعَاقَبُ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الدِّيَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِذَا ضَمِنَ الصَّانِعُ (فَ) يَضْمَنُ الْمَصْنُوعَ (بِقِيمَتِهِ) مُعْتَبَرَةً (يَوْمَ دَفْعِهِ) ، أَيْ الْمَصْنُوعِ لِلصَّانِعِ خَالِيًا عَنْ الصَّنْعَةِ، وَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَدْفَعُ الْأُجْرَةَ وَآخُذُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ الصَّانِعَ يَوْمَ الدَّفْعِ. ابْنُ رُشْدٍ إذَا ادَّعَى الصَّانِعُ ضَيَاعَ الْمَتَاعِ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ دَفْعِهِ إلَيْهِ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ صِفَتِهِ حِينَئِذٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ ضَاعَ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِمُدَّةٍ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ ظَهَرَ عِنْدَهُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَئِذٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَفْعِهِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْعَارِيَّةُ.
(وَ) يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَصْنُوعَهُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَلَوْ شَرَطَ) الصَّانِعُ (نَفْيَهُ) أَيْ الضَّمَانِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَرَوَى أَشْهَبُ لَا يَضْمَنُ إنْ شَرَطَ نَفْيَهُ وَهُمَا رِوَايَتَانِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ اشْتَرَطَ الصَّانِعُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْفَعُهُ شَرْطُهُ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنَّ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْأَجْرِ الْمُسَمَّى لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْهُ، وَيَضْمَنُ الصَّانِعُ إنْ لَمْ يَدْعُ رَبَّهُ لِأَخْذِهِ.
أَوْ دَعَا لِأَخْذِهِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ: فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ، وَإِلَّا أَنْ يَحْضُرَهُ بِشَرْطِهِ
ــ
[منح الجليل]
(أَوْ دَعَا) الصَّانِعُ رَبَّهُ (لِأَخْذِهِ) أَيْ الْمَصْنُوعِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ وَضَاعَ فَيَضْمَنُهُ الصَّانِعُ فِي كُلِّ حَالٍ فِيهَا إذَا دَعَاك الصَّانِعُ لِأَخْذِ الثَّوْبِ وَقَدْ فَرَغَ مِنْهُ فَلَمْ تَأْخُذْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ حَتَّى يَصِيرَ إلَى يَدِك. ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا إنْ لَمْ يَقْبِضْ الْأُجْرَةَ (إلَّا أَنْ تَقُومَ) أَيْ تَشْهَدَ (بَيِّنَةٌ) بِتَلَفِهِ بِلَا تَفْرِيطِهِ وَلَا تَعَدِّيهِ (فَ) لَا يَضْمَنُهُ وَ (تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ) الَّتِي اُسْتُؤْجِرَ بِهَا عَنْ مُسْتَأْجَرِهِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ لِكُلِّ صَانِعٍ أَوْ حَمَّالٍ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ سَفِينَةٍ مَنْعُ مَا حُمِلَ أَوْ عُمِلَ حَتَّى يَأْخُذَ أَجْرَهُ، وَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمْ فِي مَنْعِهِمْ فَالصُّنَّاعُ ضَامِنُونَ وَلَا أَجْرَ لَهُمْ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى الضَّيَاعِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا أَجْرَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُسَلِّمُوا مَا عَمِلُوا إلَى أَرْبَابِهِ، وَفِيهَا إنْ احْتَرَقَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ ضَاعَ عِنْدَهُ بَعْدَ الْقِصَارَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ أَبْيَضَ، وَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَنْ يُغَرِّمَهُ قِيمَتَهُ مَصْنُوعًا عَلَى صِفَةٍ وَيُعْطِيَهُ أُجْرَتَهُ.
(وَإِلَّا أَنْ يَحْضُرَهُ) أَيْ الصَّانِعُ الْمَصْنُوعَ (لِرَبِّهِ) مَصْنُوعًا (بِشَرْطِهِ) أَيْ بِالصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَهَا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ عِنْدَهُ فَادَّعَى ضَيَاعَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ. اللَّخْمِيُّ لَوْ أَحْضَرَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ وَرَآهُ صَاحِبُهُ مَصْنُوعًا بِصِفَةِ مَا شَارَطَهُ عَلَيْهِ وَكَانَ قَدْ دَفَعَ لَهُ الْأُجْرَةَ ثُمَّ تَرَكَهُ عِنْدَهُ فَادَّعَى ضَيَاعَهُ فَيُصَدَّقُ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الِاسْتِصْنَاعِ وَصَارَ إلَى حُكْمِ الْإِيدَاعِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ تَلَفِ الْمَصْنُوعِ بِالصَّنْعَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا. ابْنُ الْحَاجِبِ تَلِفَ بِصَنْعَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ صَنْعَتِهِ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا ادَّعَى أَنَّ سَارِقًا سَرَقَهُ.
الثَّانِي: ابْنُ رُشْدٍ الضَّمَانُ بِسَبَبِ الصَّنْعَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغْرِيرٌ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا تَغْرِيرٌ كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ وَنَقْشِ الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَّانِ وَالثَّوْبِ فِي قِدْرِ الصَّبَّاغِ، فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهَا أَوْ أَخَذَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ مَأْخَذِهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ.
الثَّالِثُ: إذَا ضَاعَ الْمَصْنُوعُ وَغَرِمَ الصَّانِعُ قِيمَتَهُ ثُمَّ يُوجَدُ فَهُوَ لِلصَّانِعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى سَيِّدُ عَبْدٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ عَبْدَهُ فَأَنْكَرَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ وُجِدَ الْعَبْدُ. ابْنُ رُشْدٍ هُوَ
وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ: فَنَحَرَ أَوْ سَرِقَةَ مَنْحُورِهِ، أَوْ قَلْعَ ضِرْسٍ أَوْ صِبْغًا: فَنُوزِعَ
وَفُسِخَتْ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ، لَا بِهِ
ــ
[منح الجليل]
لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ الصُّلْحُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَعِيبًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ عِنْده قَدْ أَخْفَاهُ فَهُوَ لِرَبِّهِ. وَفِي التَّهْذِيبِ فِي الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ فَتَضِلُّ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا ثُمَّ تُوجَدُ فَهِيَ لِلْمُكْتَرِي.
(وَصُدِّقَ) بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُثَقَّلَةً الرَّاعِي (إنْ ادَّعَى) الرَّاعِي (خَوْفَ مَوْتٍ) عَلَى بَعِيرٍ أَوْ شَاةٍ مَثَلًا (فَنَحَرَ) أَوْ ذَبَحَ مَا خَافَ مَوْتَهُ وَكَذَّبَهُ رَبُّهُ، وَقَالَ لَهُ تَعَدَّيْت لِأَنَّهُ أَمِينٌ (أَوْ) ادَّعَى الرَّاعِي (سَرِقَةَ مَنْحُورِهِ) أَوْ مَذْبُوحِهِ الَّذِي خَافَ مَوْتَهُ وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ بِعْته مَثَلًا فَيُصَدَّقُ الرَّاعِي لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالرَّاعِي مُصَدَّقٌ فِيمَا هَلَكَ أَوْ سُرِقَ، وَلَوْ قَالَ ذَبَحْتهَا ثُمَّ سُرِقَتْ صُدِّقَ وَلَوْ خَافَ مَوْتَ الشَّاةِ فَأَتَى بِهِمَا مَذْبُوحَةً أَوْ بِثَمَنِهَا صُدِّقَ وَلَا يَضْمَنُ، فَإِنْ أَكَلَهَا فَلَا يُصَدَّقُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
(أَوْ) أَدَّى الْحَجَّامُ (قَلْعَ ضِرْسٍ) مَأْمُورٍ بِقَلْعِهِ وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ بِغَيْرِهِ فَيُصَدَّقُ الْحَجَّامُ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا قَلَعَ الْحَجَّامُ ضِرْسَ رَجُلٍ بِأَجْرٍ فَقَالَ لَهُ لَمْ آمُرْك إلَّا بِقَلْعِ الَّذِي يَلِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ بِهِ حِينَ قَلَعَهُ فَتَرَكَهُ وَلَهُ أَجْرُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْحَجَّامُ فَلَا أَجْرَ لَهُ، أَرَادَ وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ فِي الْخَطَأِ وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ.
(أَوْ) ادَّعَى الصَّبَّاغُ صِبْغَ ثَوْبٍ بِ (صِبْغٍ) بِكَسْرِ الصَّادِ، أَيْ مَصْبُوغٍ بِهِ كَزَعْفَرَانٍ أُمِرَ بِهِ (فَنُوزِعَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ، أَيْ نَازَعَهُ رَبُّ الثَّوْبِ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَمْ آمُرْك بِصَبْغِهِ بِهَذَا بَلْ بِوَرْسٍ فَيُصَدَّقُ الصَّابِغُ، وَكَذَا إذَا تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ أَوْ قَدْرِ مَا يُصْبَغُ بِهِ كَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةٍ مِنْ زَعْفَرَانٍ. فِيهَا إنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ وَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنِي رَبُّهُ، وَقَالَ رَبُّهُ بِأَخْضَرَ صُدِّقَ الصَّابِغُ إلَّا أَنْ يَصْبُغَهُ صِبْغًا لَا يُشْبِهُ مِثْلَهُ.
(وَفُسِخَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْإِجَارَةُ (بِ) سَبَبِ (تَلَفِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَاللَّامِ (مَا) أَيْ كُلِّ شَيْءٍ (يُسْتَوْفَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ مَا قَبْلَ آخِرِهِ (مِنْهُ) الْمَنْفَعَةُ كَمَوْتِ حَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ وَانْهِدَامِ عَقَارٍ مُعَيَّنٍ (لَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ مَا يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ (بِهِ) كَالرَّاكِبِ وَالسَّاكِنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
طفي أَطْلَقَ فِي عَدَمِ الْفَسْخِ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَ التَّلَفُ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْحَامِلِ. ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي هَلَاكِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْتَقِضُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَالثَّانِي تَنْتَقِضُ بِتَلَفِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَهُ مِنْ كِرَائِهِ بِقَدْرِ مَا سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ.
الثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ تَلَفُهُ مِنْ قِبَلِ مَا عَلَيْهِ اُسْتُعْمِلَ أَوْ مِنْ السَّمَاءِ، فَإِنْ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ مَا عَلَيْهِ اُسْتُعْمِلَ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ فِيمَا بَقِيَ، وَلَهُ مِنْ كِرَائِهِ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ تَلَفُهُ مِنْ السَّمَاءِ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَنْتَقِضُ الْكِرَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
الرَّابِعُ: إنْ أَتَاهُ تَلَفُهُ مِنْ قِبَلِ مَا عَلَيْهِ اُسْتُعْمِلَ الْكِرَاءُ وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِي الْمَاضِي، وَإِنْ كَانَ مِنْ السَّمَاءِ أَتَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ اهـ. وَفِي الْبَيَانِ مَنْ عَثَرَ بِجَرَّةٍ حَمَلَهَا بِأُجْرَةٍ فَانْكَسَرَتْ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى حَمْلِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا وَرِوَايَتُهُ لِأَنَّهُ عَلَى الْبَلَاغِ، ثُمَّ قَالَ طفي فَإِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ لَا بِهِ عَلَى إطْلَاقِهِ كَانَ جَارِيًا عَلَى مَا شَهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمُخَالِفًا مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتَهُ فِيمَا تَلِفَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ لَا أَجْرَ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُكْتَرِي الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، إذْ لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لَا تَنْتَقِضُ لَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ وَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ، وَلِتَصْرِيحِ ابْنِ رُشْدٍ بِأَنَّ مَذْهَبَهَا الْفَسْخُ ثُمَّ قَالَ طفي وَعَلَى هَذَا لَا يُفَسَّرُ قَوْلُهُ أَوْ عَثَرَ بِدُهْنٍ أَوْ طَعَامٍ إلَخْ، بِقَوْلِهَا لَا ضَمَانَ وَلَا كِرَاءَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَارٍ عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِهَا خِلَافًا لِجَدِّ عج فِي تَفْسِيرِهِ بِهِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِكَلَامِهَا الْمُتَقَدِّمِ، وَتَبِعَهُ عج وَأَطَالَ بِنَقْلِ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَلَمْ يَتَنَبَّهَا لِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَإِنْ قُيِّدَ كَلَامُهُ هُنَا بِغَيْرِ مَا كَانَ مِنْ سَبَبِ حَامِلِهِ كَانَ جَارِيًا عَلَى مَذْهَبِهَا، وَبِهِ يُفَسَّرُ قَوْلُهُ أَوْ عَثَرَ بِدُهْنٍ أَوْ طَعَامٍ إلَخْ، كَمَا فَعَلَ جَدّ عج وَمَنْ تَبِعَهُ، لَكِنْ يُبْعِدُهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْأَرْبَعَةَ وَالْعَجَبُ مِنْ شُرَّاحِهِ حَيْثُ لَمْ يُنَبِّهُوا عَلَى هَذَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الْبُنَانِيُّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْبَيَانِ أَنَّ الْقَوْلَ الْمَشْهُورَ هُوَ الَّذِي عَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي
إلَّا صَبِيَّ تَعَلُّمٍ وَرَضْعٍ، وَفَرَسِ نَزْوٍ، وَرَوْضٍ، وَسِنٍّ لِقَلْعٍ
ــ
[منح الجليل]
الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَتُهُ، وَذَكَرَ نَصَّهُ ثُمَّ قَالَ تَتَحَصَّلُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْفَسْخُ بِتَلَفِهِ بِلَا تَفْصِيلٍ وَعَدَمُهُ بِلَا تَفْصِيلٍ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ تَلَفِهِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا تَنْفَسِخُ، وَتَلَفُهُ مِنْ قِبَلِ مَا عَلَيْهِ اُسْتُعْمِلَ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ فِيمَا بَقِيَ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا مَضَى. وَقِيلَ لَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ.
(إلَّا) تَلَفَ (صَبِيِّ تَعَلُّمٍ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْعَيْنِ وَضَمِّ اللَّامِ مُثَقَّلَةً الْقِرَاءَةُ أَوْ صَنْعَةِ (وَ) صَبِيِّ (رَضْعٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، أَيْ رَضَاعٍ (وَفَرَسِ نَزْوٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (وَ) فَرَسِ (رَوْضٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَعُجَامِ الضَّادِ، أَيْ تَأْدِيبٍ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَمَلٍ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَا غَايَةَ إلَّا بِضَرْبِ الْأَجَلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِأَعْيَانِهَا أَوْ يَتَّجِرَ لَهُ فِي مَالٍ شَهْرًا أَوْ سَنَةً، فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ فِيهَا بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ مَوْتُ الصَّبِيِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى تَعْلِيمِهِ، وَمَوْتُ الصَّبِيِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى إرْضَاعِهِ وَمَوْتُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى رِيَاضَتِهَا وَعُقُوقِ الرَّمَكَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْأَكْوَامِ الْمُشْتَرَطَةِ. ابْنُ الْحَاجِبِ تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ كَمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَانْهِدَامِ الدَّارِ، وَأَمَّا مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْزَمُ تَعْيِينُهُ كَالرَّضِيعِ وَالْمُتَعَلِّمِ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا تَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ كَثَوْبِ الْخِيَاطَةِ.
(وَ) فُسِخَتْ إجَارَةٌ إلَى (سِنٍّ لِقَلْعٍ فَسَكَنَتْ) السِّنُّ، أَيْ بَرِئَتْ وَذَهَبَ أَلَمُهَا قَبْلَ
فَسَكَنَتْ، كَعَفْوِ الْقِصَاصِ، وَبِغَصْبِ الدَّارِ، وَغَصْبِ مَنْفَعَتِهَا
وَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِإِغْلَاقِ الْحَوَانِيتِ؛ وَحَمْلِ ظِئْرٍ،
ــ
[منح الجليل]
قَلْعِهَا، وَشَبَّهَ فِي الِانْفِسَاخِ فَقَالَ (كَ) إجَارَةٍ عَلَى قِصَاصٍ مِنْ جَانٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ فَتُفْسَخُ بِ (عَفْوِ) مُسْتَحِقِّ (الْقِصَاصِ) عَنْ الْجَانِي. ابْنُ شَاسٍ تَنْفَسِخُ بِمَنْعِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا كَسُكُونِ أَلَمِ السِّنِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى قَلْعِهَا وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا إذَا كَانَ الْعَفْوُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَانْظُرْ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي ذَهَابِ أَلَمِهَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ (وَ) فَسْخُ الْكِرَاءِ لِدَارٍ مُعَيَّنَةٍ شَهْرًا أَوْ سَنَةً مَثَلًا (بِ) سَبَبِ (غَصْبِ) ذَاتِ (الدَّارِ) غَاصِبٌ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ (وَ)(غَصْبِ مَنْفَعَتِهَا) أَيْ الدَّارِ كَذَلِكَ فِي الْوَاضِحَةِ مَنْ اكْتَرَى دَارًا شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَقَبَضَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا السُّلْطَانُ فَمُصِيبَتُهُ عَلَى رَبِّهَا، وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَقَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطَةِ فِي غُصَّابٍ أَخْرَجُوا الْمُتَكَارِينَ وَسَكَنُوا، وَكَذَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ابْنُ حَبِيبٍ سَوَاءٌ غَصَبُوا الدَّارَ مِنْ أَصْلِهَا أَوْ أَخْرَجُوا أَهْلَهَا وَسَكَنُوهَا لَا يُرِيدُونَ إلَّا السُّكْنَى حَتَّى يَرْتَحِلُوا.
(وَ) فَسْخُ كِرَاءِ الْحَوَانِيتِ (بِ) سَبَبِ (أَمْرِ السُّلْطَانِ بِإِغْلَاقِ الْحَوَانِيتِ) لِعَدَمِ إمْكَانِ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ الْحَوَانِيتُ يَأْمُرُ السُّلْطَانُ بِغَلْقِهَا. ابْنُ يُونُسَ الْجَائِحَةُ فِي الْمُكْتَرِي لِلسُّكْنَى مِنْ أَمْرٍ غَالِبٍ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَاصِبٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَنَعَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، كَانْهِدَامِ الدَّارِ وَامْتِنَاعِ مَاءِ السَّمَاءِ حَتَّى مَنَعَهُ حَرْثُ الْأَرْضِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا اكْتَرَى. وَقَالَ أَصْبَغُ مَنْ اكْتَرَى رَحًى سَنَةً فَأَصَابَ أَهْلَ ذَلِكَ الْمَكَانِ فِتْنَةٌ جَلَوْا بِهَا مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَجَلَا مَعَهُمْ الْمُكْتَرِي، أَوْ بَقِيَ آمِنًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْتِيهِ الطَّعَامُ لِجَلَاءِ النَّاسِ فَهُوَ كَبُطْلَانِ الرَّحَى مِنْ نَقْصِ الْمَاءِ أَوْ كَثْرَتِهِ، وَيُوضَعُ عَنْهُ قَدْرُ الْمُدَّةِ الَّتِي جَلَوْا فِيهَا، بِخِلَافِ الدَّارِ تُكْتَرَى ثُمَّ يَجْلُو النَّاسُ لِفِتْنَةٍ وَأَقَامَ الْمُكْتَرِي آمِنًا أَوْ رَحَلَ لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ آمِنٌ فَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ وَلَوْ انْجَلَى لِلْخَوْفِ سَقَطَ عَنْهُ كِرَاءُ مُدَّةِ الْجَلَاءِ.
(و) فُسِخَتْ إجَارَةُ الظِّئْرِ بِسَبَبِ ظُهُورِ (حَمْلِ ظِئْرٍ) بِأَنْ كَانَتْ وَقْتَ الْعَقْدِ غَيْرَ ظَاهِرَتِهِ ثُمَّ ظَهَرَ فِيهَا إنْ حَمَلَتْ الْمُرْضِعُ فَخَافُوا عَلَى الصَّبِيِّ أَلَهُمْ فَسْخَ الْإِجَارَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ،
أَوْ مَرَضٌ لَا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَضَاعٍ وَمَرَضُ عَبْدٍ وَهَرَبُهُ لِكَعَدُوٍّ، إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فِي بَقِيَّتِهِ
ــ
[منح الجليل]
وَلَمْ أَحْفَظْهُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه ". ابْنُ عَرَفَةَ نَقَلَ اللَّخْمِيِّ فَسْخَهُ بِمُجَرَّدِ حَمْلِهَا لَا بِقَيْدِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ قَائِلًا لِأَنَّ إرْضَاعَ الْحَامِلِ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ. ابْنُ نَاجِي لَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا إمَّا لِكَوْنِهِ تَعَدَّى وَإِمَّا لِكَوْنِ هَذَا الْحَمْلِ مِنْ وَطْءٍ سَابِقٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ وَقْتَ الْعَقْدِ فِيهَا، وَإِذَا حَمَلَتْ الظِّئْرُ وَخِيفَ عَلَى الصَّبِيِّ فَلَهُمْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَأْتِيَ بِغَيْرِهَا. ابْنُ نَاجِي فِي قَوْلِهَا لَهُمْ تَسَامُحٌ وَهُوَ بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ، سَوَاءٌ خَافُوا عَلَيْهِ الْمَوْتَ أَوْ دُونَهُ. وَقَوْلُ الْمَغْرِبِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَوَّلِ، وَيُنْدَبُ فِي الثَّانِي بَعِيدٌ. اهـ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ التَّخْيِيرَ فِيمَا تَقَدَّمَ تَبَعًا لِظَاهِرِ لَفْظِهَا، وَلِقَوْلِ الْمَغْرِبِيِّ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا خِيفَ مَوْتُهُ، فَأَمَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى التَّخْيِيرِ أَيْضًا وَإِنْ أَوْجَبَ التَّكْرَارَ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ جَدّ عج، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ صَنِيعِ الْحَطّ، أَوْ عَلَى تَحَتُّمِ الْفَسْخِ لِخَوْفِهِمْ مَوْتَهُ عَلَى حَمْلِ الْمَغْرِبِيِّ، وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ نَاجِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ طفي.
(أَوْ) بِحُصُولِ (مَرَضٍ) لِلظِّئْرِ (لَا تَقْدِرُ) الظِّئْرُ (مَعَهُ) أَيْ الْمَرَضِ (عَلَى رَضَاعٍ) مِنْهَا فَتَنْفَسِخُ إجَارَتُهَا عَلَيْهِ. فِيهَا إنْ مَرِضَتْ الظِّئْرُ بِحَيْثُ لَا تَقْدِرُ عَلَى رَضَاعِ الصَّبِيِّ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ صَحَّتْ فِي بَقِيَّةٍ مِنْهَا جُبِرَتْ عَلَى إرْضَاعِهِ بَقِيَّتَهَا، وَلَهَا مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا أَرْضَعَتْ وَلَا عَلَيْهَا إرْضَاعُ مَا مَرِضَتْ قَالَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا تَفَاسَخَا فَلَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ بَقِيَّتَهَا.
(و) فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ بِسَبَبِ (مَرَضِ عَبْدٍ) مُسْتَأْجَرٍ لِخِدْمَةٍ أَوْ صَنْعَةٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى فِعْلٍ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ (وَ) بِسَبَبِ (هَرَبِهِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ، أَيْ هُرُوبُ الْعَبْدِ (لِ) بَلَدٍ بَعِيدٍ (كَ) بَلَدِ (الْعَدُوِّ) أَيْ الْكَافِرِ الْمُحَارِبِ لِلْمُسْلِمِينَ فَتُفْسَخُ إجَارَتُهُ (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ) الْعَبْدُ لِصِحَّتِهِ أَوْ لِبَلَدِ مُسْتَأْجِرِهِ (فِي بَقِيَّتِهِ) أَيْ زَمَنَ إجَارَتِهِ فَيَلْزَمُهُ بَقِيَّةُ عَمَلِهِ تَوْفِيَةً لِلْعَقْدِ، وَيَسْقُطُ مِنْ أُجْرَتِهِ حِصَّةَ أَيَّامِ مَرَضِهِ أَوْ هَرَبِهِ، فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ أَجَرَ عَبْدَهُ ثُمَّ هَرَبَ السَّيِّدُ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ فَالْأُجْرَةُ بِحَالِهَا لَا تَنْتَقِضُ، وَأَمَّا إنْ هَرَبَ
بِخِلَافِ مَرَضِ دَابَّةٍ بِسَفَرٍ ثُمَّ تَصِحُّ،
ــ
[منح الجليل]
الْعَبْدُ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ أَوْ أَبَقَ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَرْجِعَ الْعَبْدُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُهَا. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرُ مَرَضًا بَيِّنًا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُهَا. قَالَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا تَفَاسَخَا أَوْ فُسِخَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ تَمَامُهَا. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ ظَاهِرُهُ بِحُكْمٍ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْغَيْرِ خِلَافٌ، وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ وَيَحْتَمِلُ الْوِفَاقَ وَأَنَّهُ لَمْ يَنْفَسِخْ أَوَّلًا بِحُكْمِ ابْنُ يُونُسَ، وَكَذَلِكَ الدَّارُ يَنْهَدِمُ بَعْضُهَا، ثُمَّ يُصْلِحُهَا رَبُّهَا قَبْلَ الْفَسْخِ، وَقَدْ بَقِيَ بَعْضَ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُهَا. وَأَمَّا لَوْ انْهَدَمَ جَمِيعًا ثُمَّ بَنَاهَا فَلَا يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ سُكْنَى بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ. وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ لَوْ تَرَوَّغَ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرُ حَتَّى تَمَّتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ كَانَ عَمِلَ شَيْئًا فَلَهُ بِحِسَابِهِ، وَهَذَا فِي شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اطْحَنْ فِي هَذَا الشَّهْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيْبَةً، فَهَذَا لَا يَضُرُّ ذِكْرُ الْوَقْتِ فِيهِ، وَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بَعْدَهُ وَلَيْسَ بِوَاقِعٍ عَلَى وَقْتٍ، وَلَكِنْ عَلَى عَمَلٍ مُسَمًّى، وَكَمَنْ قَالَ لِلسَّقَّاءِ اُسْكُبْ لِي فِي هَذَا الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ قُلَّةً فَتَرَوَّغَ فِيهِ، فَذَلِكَ بَاقٍ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِشَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَهُ كُلَّهُ أَوْ مَرِضَ بَعْضَهَا أَوْ وَرَغَ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ فِي يَوْمٍ آخَرَ، بَلْ لَا يَجُوزُ رِضَاهُمَا بِهِ إذَا كَانَ قَدْ نَقَدَ إلَّا فِيمَا قَلَّ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ.
(بِخِلَافِ) حُدُوثِ (مَرَضِ دَابَّةٍ) مُكْتَرَاةٍ (فِي سَفَرٍ) مَنَعَهَا مِمَّا اُكْتُرِيَتْ لَهُ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ (ثُمَّ تَصِحُّ) الدَّابَّةُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ فَلَا تَرْجِعُ لِلْعَمَلِ الَّذِي اُكْتُرِيَتْ لَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اعْتَلَّتْ الدَّابَّةُ الْمُكْتَرَاةُ فِي الطَّرِيقِ، أَيْ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فِي عَقْدِ كِرَائِهَا فُسِخَ الْكِرَاءُ وَإِنْ صَحَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ كِرَاؤُهَا بَقِيَّةَ الطَّرِيقِ. بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِلضَّرُورَةِ فِي صَبْرِ الْمُسَافِرِ عَلَيْهَا، وَهِيَ وَإِنْ صَحَّتْ بَعْدَهُ لَمْ تَلْحَقْهُ، وَإِنْ لَحِقَتْهُ فَلَعَلَّهُ قَدْ اكْتَرَى غَيْرَهَا. ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ إيجَارُهُ الْعَبْدَ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا يَلْحَقُهُ فِي الدَّابَّةِ. وَافْتَرَقَ جَوَابُهُ فِي الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ لِاخْتِلَافِ السُّؤَالِ عَنْ الْعَبْدِ فِي الْحَضَرِ وَالدَّابَّةِ فِي السَّفَرِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الْحَضَرِ وَالْعَبْدُ فِي السَّفَرِ فَاسْتَوَى الْجَوَابُ.
وَخُيِّرَ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سَارِقٌ، وَبِرُشْدِ صَغِيرٍ عَقَدَ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى سِلْعَةِ وَلِيٍّ، إلَّا لِظَنِّ عَدَمِ بُلُوغِهِ، وَبَقِيَ كَالشَّهْرِ:
ــ
[منح الجليل]
(وَخُيِّرَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مُشَدَّدَةً الْمُسْتَأْجِرُ فِي فَسْخِ إجَارَتِهِ وَعَدَمِهِ (إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ) أَيْ الْأَجِيرَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا لِخِدْمَةٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ رَعْيٍ (سَارِقٌ) أَيْ شَأْنُهُ السَّرِقَةُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ مُضِرٌّ فِيهَا مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَأَلْفَاهُ سَارِقًا فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ التَّحَفُّظَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَقِيت الْمُسَاقِيَ بِالْفَتْحِ سَارِقًا. ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ أَجِيرَ الْخِدْمَةِ قَدْ مُلِكَتْ جَمِيعُ مَنَافِعِهِ فَهُوَ كَالشِّرَاءِ وَالْمُسَاقِي إنَّمَا أُوجِرَ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، فَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْهُ.
(وَ) إنْ أَجَرَ وَلِيٌّ صَغِيرًا أَوْ سِلَعَهُ مُدَّةً فَرَشَدَ فِيهَا خُيِّرَ الرَّشِيدُ فِي فَسْخِ إجَارَتِهِ وَعَدَمِهِ (بِ) سَبَبِ (رُشْدِ صَغِيرٍ عَقَدَ) الْإِجَارَةَ (عَلَيْهِ) أَيْ الصَّغِيرِ نَفْسِهِ (أَوْ) عَقَدَهَا (عَلَى سِلَعِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ، وَفَاعِلُ عَقَدَ (وَلِيٌّ) أَيْ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ لَهُ أَوْ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا لِظَنِّ) الْوَلِيِّ لِ (عَدَمِ بُلُوغِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَتَخَلَّفَ ظَنُّهُ بِرُشْدِهِ (وَ) قَدْ (بَقِيَ) مِنْهَا يَسِيرٌ (كَأَشْهُرٍ) فَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا كَثِيرٌ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَهَذَا فِي الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا فِي الْعَقْدِ عَلَى سِلَعِهِ فَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا وَلَوْ بَقِيَ مِنْهَا كَثِيرٌ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ أَجَرَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ فَاحْتَلَمَ بَعْدَ سَنَةٍ وَلَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ بَاقِيَ الْمُدَّةِ إلَّا أَنْ يَبْقَى كَالشَّهْرِ وَيَسِيرَ الْأَيَّامِ، وَلَا يُؤَاجِرُ وَصِيٌّ يَتِيمَهُ وَلَا أَبٌ وَلَدَهُ بَعْدَ احْتِلَامِهِ بِحَيٍّ وَرُشْدِهِ وَإِنْ أَكْرَى الْوَصِيُّ رُبْعَ يَتِيمِهِ وَدَوَابِّهِ وَرَقِيقِهِ سِنِينَ فَاحْتَلَمَ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ فَإِنْ كَانَ يُظَنُّ بِمِثْلِهِ أَنْ لَا يَحْتَلِمَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَعَجِلَ عَلَيْهِ الِاحْتِلَامُ وَأَيِسَ مِنْهُ فَلَا فَسْخَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ بَاقِيهَا لِأَنَّ الْوَصِيَّ صَنَعَ مَا جَازَ لَهُ وَأَمَّا إنْ عَقَدَ عَلَيْهِ أَمَدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِهِ وَلَا فِيمَا يَمْلِكُ مِنْ رُبْعٍ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْأَبُ. طفي وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت ظَهَرَ لَك أَنَّ، هَذَا أَيْ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِالْفَسْخِ كَابْنِ الْحَاجِبِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحَانِ، وَلِذَا أَتَى الْمُصَنِّفُ بِبَاءِ الْجَرِّ
كَسَفِيهٍ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَبِمَوْتِ مُسْتَحِقٍّ وَقْفُ آجِرٍ، وَمَاتَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا عَلَى الْأَصَحِّ
ــ
[منح الجليل]
عَطْفًا عَلَى مَا يُفْسَخُ بِهِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ تَحَتُّمُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلرَّشِيدِ لَا عَلَيْهِ كَيْفٌ.
وَقَدْ نَقَلَ الشَّارِحُ لَفْظَ التَّهْذِيبِ وَعِبَارَةَ ابْنِ شَاسٍ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا يَلْزَمُهُ بَاقِيَ الْمُدَّةِ. اهـ. فَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِالْفَسْخِ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ نَسَجَ عَلَى مِنْوَالِ ابْنِ شَاسٍ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَتَقْرِيرُهُ بِالْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولِ خَيْرٍ يُشْكَلُ بِدُخُولِ الْبَاءِ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى التَّوَهُّمِ أَيْ خَبَرٌ بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سَارِقٌ وَيُرْشِدُ إلَخْ فَيُشْكَلُ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَبِمَوْتِ مُسْتَحِقِّ وَقْفٍ لِتَحَتُّمِ الْفَسْخِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَرُشْدِ صَغِيرٍ بِكَافِ التَّشْبِيهِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلتَّخْيِيرِ ابْنُ عَاشِرٍ قَدْ قَطَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْفَسْخِ فَيَطْلُبُ نَقْلٌ يُسَاعِدُ مَحْمِلَ " غ " وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ الْبُنَانِيُّ وَالْعَجَبُ مِنْهُ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ صَرِيحٌ فِي التَّخْيِيرِ، إذْ قَوْلُهَا فَلَا يَلْزَمُهُ صَرِيحٌ فِيهِ، وَإِذَا تَأَمَّلْت ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذَا مُرَادٌ مِنْ مُجْبَرٍ بِالْفَسْخِ كَابْنِ الْحَاجِبِ، ثُمَّ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا دَرَكَ عَلَى الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي قَوْلِهِ وَبَقِيَ كَالشَّهْرِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَشَبَّهَ فِي اللُّزُومِ فَقَالَ (كَ) عَقْدِ وَلِيِّ (سَفِيهٍ) أَيْ بَالِغٍ لَا يُحْسِنُ حِفْظَ مَالِهِ وَلَا تَصَرُّفَهُ فِيهِ عَلَى مَنَافِعِ رَبْعِهِ أَوْ رَقِيقِهِ أَوْ دَابَّتِهِ (ثَلَاثَ سِنِينَ) فَرَشَدَ فِيهَا فَيَلْزَمُهُ الْبَقَاءُ عَلَى حُكْمِ الْكِرَاءِ وَالْإِجَارَةِ إلَى تَمَامِهَا لِفِعْلِ وَلِيِّهِ مَا جَازَ لَهُ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا سَفِيهٌ بَالِغٌ أَجَرَ عَلَيْهِ وَلِيٌّ أَوْ سُلْطَانٌ رَبْعَهُ وَرَقِيقَهُ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى حَالِ الرُّشْدِ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْوَلِيَّ عَقَدَ يَوْمَئِذٍ مَا جَازَ لَهُ (و) فُسِخَتْ (بِ) سَبَبِ (مَوْتِ) شَخْصٍ (مُسْتَحِقٍّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ رُبْعًا (وَقْفًا آجَرَ) بِمَدِّ الْهَمْزِ أَيْ أَكْرَى الْمُسْتَحِقَّ لِوَقْفِ سِنِينَ (وَمَاتَ) الْمُسْتَحِقُّ الْمُؤَجَّرُ (قَبْلَ تَقَضِّيهَا) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْقَافِ، أَيْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي أَجَرَ الْوَقْفَ فِيهَا فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِانْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنْ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ وَانْتِقَالِ الْحَقِّ لِمَنْ يَلِيهِ فِي تَرْتِيبِ الْوَقْفِ (عَلَى الْأَصَحِّ) مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ، وَمُقَابِلُهُ إذَا
لَا بِإِقْرَارِ الْمَالِكِ، أَوْ خَلْفَ رَبَّ دَابَّةٍ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَوْ حَجٍّ وَإِنْ فَاتَ مَقْصِدُهُ
ــ
[منح الجليل]
أَكْرَى الْمُسْتَحِقُّ الْوَقْفَ مُدَّةً يَجُوزُ لَهُ كِرَاؤُهُ فِيهَا وَمَاتَ فِيهَا فَإِنَّ كِرَاءَهُ لَا يَنْفَسِخُ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ أَجَرَهُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ كَوَاقِفٍ وَنَاظِرٍ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا فَلَا يُفْسَخُ وَهُوَ كَذَلِكَ. ابْنُ شَاسٍ إنْ مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَوِي الْوَقْفِ بَعْدَ إجَارَتِهِ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّتِهَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ لِتَنَاوُلِهَا مَا لَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُؤَجِّرِ. وَقِيلَ إنْ أَكْرَى مُدَّةً يَجُوزُ الْكِرَاءُ لَهَا لَزِمَ بَاقِيهَا، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ. ابْنُ عَرَفَةَ لَا أَعْرِفُ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِغَيْرِ ابْنِ شَاسٍ، وَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ هَارُونَ وَلَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَظَاهِرُ أَقْوَالِ الشُّيُوخِ نَفْيُهُ. وَفِيهَا إنْ أَعْمَرَك رَجُلٌ حَيَاتَك خِدْمَةَ عَبْدٍ فَلَا تُؤَاجِرْهُ إلَّا لِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ كَسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَمَدًا مَأْمُونًا، وَلَوْ أَوْصَى لَك بِخِدْمَتِهِ عَشْرَ سِنِينَ فَأَكْرَيْتَهُ فِيهَا جَازَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُخْدِمِ حَيَاتَهُ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمُخْدِمُ حَيَاتَهُ سَقَطَتْ الْخِدْمَةُ، أَوْ الْمُؤَجَّلُ يَلْزَمُ فِيهَا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ فَتُّوحٍ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَوْتِ الْمُخْدِمِ فِيهَا.
(لَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَالْكِرَاءُ (بِإِقْرَارِ الْمَالِكِ) لِمُؤَجِّرٍ أَوْ الْمُكْرِي بِأَنَّ مَا آجَرَهُ أَوْ أَكْرَاهُ لِغَيْرِهِ بَاعَهُ لَهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ إيجَارِهِ أَوْ إكْرَائِهِ تَعَدِّيًا مِنْهُ عَلَى مَالِكِهِ لِاتِّهَامِهِ بِالْكَذِبِ فِي إقْرَارٍ تَحَيُّلًا عَلَى فَسْخِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْكِرَاءِ اللَّازِمِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا تَفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِإِقْرَارِ الْمُكْرِي بِغَصْبِهِ الْمُكْرِيَ وَاضِحٌ كَقَوْلِهَا فِي لَغْوِ إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ الرَّهْنِ بَعْدَ رَهْنِهِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ.
(أَوْ) أَيْ لَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِ (خُلْفٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ فَفَاءٍ أَيْ تَخَلُّفٍ وَمُخَالَفَةٍ (رَبِّ دَابَّةٍ) اكْتَرَاهَا مِنْهُ شَخْصٌ لِيَرْكَبَهَا (فِي) زَمَنٍ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحَتَيْنِ مُثَقَّلًا كَمُلَاقَاةِ قَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ وَتَشْيِيعِ مُسَافِرٍ وَوَاعَدَهُ عَلَى إتْيَانِهِ لَهُ بِهَا غَدًا وَأَخْلَفَ الْوَعْدَ وَأَتَاهُ بِهَا بَعْدَ غَدٍ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَلَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ كَشِرَاءِ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَدْفَعُهَا لَهُ غَدًا فَمُطِلُّهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ.
(وَ) فِي غَيْرِ (حَجٍّ) إنْ لَمْ يَفُتْ مَقْصِدًا لِمُكْتَرِي، بَلْ (وَإِنْ فَاتَ مَقْصِدُهُ) أَيْ
أَوْ فِسْقِ مُسْتَأْجِرٍ، وَآجَرَ الْحَاكِمُ، إنْ لَمْ يَكْفِ،
ــ
[منح الجليل]
الْمُكْتَرِي بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ مِنْ مُلَاقَاةٍ أَوْ تَشْيِيعٍ وَمَفْهُومٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَحَجٍّ انْفِسَاخُهُ يَخْلُفُهُ فِي مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ كَذَا أَوْ شَهْرِ كَذَا، أَوْ فِي حَجٍّ وَهُوَ كَذَلِكَ. " ق " فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنْ اكْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ إبِلَهُ إلَى بَلَدٍ فَهَرَبَ بِهَا وَالْكِرَاءُ إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا تَكَارَى لَك الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ، وَرَجَعْت عَلَيْهِ بِمَا اكْتَرَيْت بِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا يُكْرَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ مَعْرُوفٌ. وَفِيهَا إذَا تَغَيَّبَ الْجَمَّالُ يَوْمَ خُرُوجِك فَلَيْسَ لَك عَلَيْهِ إنْ لَقِيته بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الرُّكُوبُ أَوْ الْحَمْلُ، وَلَهُ كِرَاؤُهُ، وَهَذَا فِي كُلِّ سَفَرٍ فِي كِرَاءٍ مَضْمُونٍ إلَّا الْحَاجَّ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَإِنْ كَانَ قَبْضُ الْكِرَاءِ رَدَّهُ لِزَوَالِ إبَّانِهِ لِأَنَّ أَيَّامَ الْحَجِّ حَمِينَةٌ، فَإِنْ فَاتَتْ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَكَذَا كُلُّ مُكْتَرٍ أَيَّامًا بِأَعْيَانِهَا وَلَا يَتَمَادَى وَإِنْ رَضِيَا. ابْنُ يُونُسَ هَذَا إنْ كَانَ نَقْدُهُ الْكِرَاءَ لِأَنَّ بِذَهَابِ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ يَجِبُ فَسْخُ الْكِرَاءِ، وَرَدُّ مَا انْتَقَدَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ فِي ذَلِكَ رُكُوبًا لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَفِيهَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الدَّابَّةِ بِعَيْنِهَا يَكْتَرِيهَا لِيَرْكَبَهَا إلَى غَدٍ فَيَغِيبُ رَبُّهَا، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رُكُوبُهَا. ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَعْيِينَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا قَصْدَ الرُّكُوبِ، قَالَ غَيْرُهُ لَوْ رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ نَظَرَ وَفَسَخَ مَا آلَ إلَى الضَّرَرِ. ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَكْرَاهَا أَيَّامًا مُعَيَّنَةً انْتَقَضَ الْكِرَاءُ فِيمَا غَابَ مِنْهَا كَالْعَبْدِ يَسْتَأْجِرُهُ شَهْرًا بِعَيْنِهِ يُمَرِّضُهُ أَوْ يَأْبِقُهُ، فَإِنَّهُ تَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ، وَكَذَلِكَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ فِي الرَّاحِلَةِ بِعَيْنِهَا لِرُكُوبٍ أَوْ طَحْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَضْمُونِ. ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ اكْتَرَى عَلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَأْتِ الْكَرِيُّ حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ، فَإِنَّ الْمُكْتَرِيَ يُخَيَّرُ، فَإِنْ شَاءَ بَقِيَ لِقَابِلٍ، بِخِلَافِ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا فَاتَتْ لَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ.
(أَوْ) أَيْ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِظُهُورِ (فِسْقِ مُسْتَأْجِرِ) دَارٍ مَثَلًا فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَيَنْهَى عَنْ فِسْقِهِ، فَإِنْ انْتَهَى عَنْهُ أَقَرَّ فِيهَا (وَ) إلَّا (آجَرَ الْحَاكِمُ) الدَّارَ مَثَلًا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْهَا (إنْ لَمْ يَكُفَّ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ مُثَقَّلًا عَنْ فِسْقِهِ. فِيهَا إذَا ظَهَرَتْ مِنْ مُكْتَرِي الدَّارِ خَلَاعَةٌ وَفِسْقٌ وَشُرْبُ خَمْرٍ فَلَا يَنْتَقِضُ الْكِرَاءُ وَلَكِنْ يَمْنَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ ذَلِكَ وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنْ الْجِيرَانِ وَعَنْ رَبِّ الدَّارِ، وَإِنْ رَأَى إخْرَاجَهُ أَخْرَجَهُ وَأَكْرَاهَا عَلَيْهِ،
أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ وَحُكْمُهُ عَلَى الرِّقِّ،
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ إذَا أَظْهَرَ فِيهَا الزِّعَارَةُ وَالطَّنَابِرُ وَالزَّمْرُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَبَيْعُهَا فَلْيَمْنَعْهُ الْإِمَامُ وَيُعَاقِبُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَخْرَجَهُ عَنْ جِيرَتِهِ وَأَكْرَاهَا عَلَيْهِ وَلَا يُفْسَخُ الْكِرَاءُ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْفَاسِقِ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي دَارِ نَفْسِهِ أَنَّهُ يُعَاقِبهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ بَاعَ الدَّارَ عَلَيْهِ. اللَّخْمِيُّ أَرَى أَنْ يَبْدَأَ بِعُقُوبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَكْرَيْت عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ إذَايَتِهِ لِإِتْيَانِهِ إلَيْهَا بِيعَتْ عَلَيْهِ، وَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي فَاسِقٍ يَأْوِي إلَيْهِ أَهْلُ الْفِسْقِ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ وَتُخَارَجُ عَلَيْهِ الدَّارُ وَالْبُيُوتُ، وَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَتُوبُ. ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَخْرَجَ وَأَكْرَى عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ رِوَايَةً ابْنِ حَبِيبٍ يُبَاعُ عَلَيْهِ خِلَافُ هَذَا السَّمَاعِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ أَصَحُّ لِمَا ذَكَره مِنْ رَجَاءِ تَوْبَتِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ لَهُ إلَّا بِكِرَاءٍ أُكْرِيَتْ عَلَيْهِ، وَلَا يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ ابْن عَرَفَة لِأَنَّ فَسْخَهُ مَضَرَّةٌ عَلَى مُكْرِيهِ، وَيَحْتَمِلُ حَمْلُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى مَنْ لَا تَرْتَفِعُ مَضَرَّةُ فِسْقِهِ إلَّا بِرَفْعِ مِلْكِهِ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَنْ تَرْتَفِعُ مَضَرَّتُهُ بِمُجَرَّدِ كِرَائِهَا عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ أَرَى أَنْ يُحَرَّقَ بَيْتُ الْخَمَّارِ. قَالَ وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا " رضي الله عنه " كَانَ يَسْتَحِبُّ حَرْقَ بَيْتِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَبِيعُ الْخَمْرَ، قِيلَ لَهُ فَالنَّصْرَانِيُّ يَبِيعُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَهِ أُحْرِقَ بَيْتُهُ، قَالَ وَحَدَّثَنِي اللَّيْثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ " رضي الله عنه " أَحْرَقَ بَيْتَ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ لِبَيْعِهِ الْخَمْرَ بِهِ، وَقَالَ لَهُ أَنْتَ فُوَيْسِقٌ لَا رُوَيْشِدٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(أَوْ) أَيْ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ (بِعِتْقِ عَبْدٍ) مُؤَجَّرٍ أَوْ أَمَةٍ مُؤَجَّرَةٍ فَلَا تَنْفَسِخُ إجَارَتُهُ (وَيَبْقَى حُكْمُهُ) أَيْ الْمُعْتَقُ وَهُوَ مُؤَجَّرٌ (عَلَى) حُكْمِ (الرِّقُّ) فِي شَهَادَتِهِ وَقِصَاصِهِ حَتَّى تَتِمَّ مُدَّةُ إجَارَتِهِ فِيهَا مَنْ أَجَرَ عَبْدَهُ أَوْ أَخَدَمَهُ سَنَةً ثُمَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَا يَعْتِقُ حَتَّى تَتِمَّ، وَلَوْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَا تَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ وَلَا الْخِدْمَةُ، وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ لِتَمَامِ
وَأُجْرَتُهُ لِسَيِّدِهِ، إنْ أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بَعْدَهَا.
ــ
[منح الجليل]
السَّنَةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ الْمُسْتَأْجَرَ أَوْ الْمُخْدِمُ (وَأُجْرَتَهُ) أَيْ الرَّقِيقِ الَّذِي أُعْتِقَ وَهُوَ مُؤَجَّرٌ بَعْدَ عِتْقِهِ فِي بَقِيَّةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (لِسَيِّدِهِ إنْ أَرَادَ) سَيِّدُهُ بِإِعْتَاقِهِ وَهُوَ مُؤَجَّرٌ (أَنَّهُ) أَيْ الرَّقِيقَ (حُرٌّ بَعْدَ) تَمَامِ مُدَّتْ (هَا) أَيْ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ أَوْ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهُمَا فَأُجْرَتُهُ لَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَكِرَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ أَمَةً فَلَا يَطَؤُهَا. ابْنُ حَبِيبٍ الْإِجَارَةُ أَمْلَكُ بِهِ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ عَبْدٍ، وَاخْتُلِفَ فِي أُجْرَتِهِ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " يُسْأَلُ سَيِّدُهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بِتَمَامِ الْإِجَارَةِ فَيُصَدَّقُ وَالْأُجْرَةُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا أَوْ إنْ أَرَادَ تَعْجِيلَ عِتْقِهِ فَهِيَ لِلْعَبْدِ قَبَضَهَا أَمْ لَا.
(تَتْمِيمٌ) ابْنُ يُونُسَ مَنْ اكْتَرَى دَارًا فَوَجَدَ لَهَا جِيرَانَ سُوءٍ فَلَهُ رَدُّهَا لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَإِذَا لَهَا جِيرَانُ سُوءٍ إنَّهُ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَقُولُونَ لِي بِعْت الدِّيَارَ رَخِيصَةً
…
وَلَا أَنْتَ مَدْيُونٌ وَلَا أَنْتَ مُفْلِسُ
فَقُلْت لَهُمْ كُفُّوا الْمَلَامَةَ وَاقْصُرُوا
…
بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ
وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.