المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في بيان أحكام المساقاة] - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٧

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌[باب في بيان أحكام المساقاة]

بَابٌ) إنَّمَا تَصِحُّ مُسَاقَاةُ

ــ

[منح الجليل]

[بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الْمُسَاقَاةُ]

(إنَّمَا تَصِحُّ) أَيْ تُوَافِقُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ (مُسَاقَاةٌ) مُشْتَقَّةٌ مِنْ السَّقْيِ لِأَنَّهُ غَالِبُ عَمَلِهَا وَهُوَ مِنْ الْعَامِلِ فَقَطْ فَهِيَ عَنْ الْمُسْتَعْمَلِ فِي فِعْلِ فَاعِلٍ وَاحِدٍ كَسَافَرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ قَلِيلٌ، وَالْكَثِيرُ اسْتِعْمَالُهُ فِي فِعْلِ فَاعِلَيْنِ عَلَيْهِمَا كَالْمُشَارَكَةِ وَالْمُقَاصَّةِ وَهِيَ رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ بِمَجْهُولٍ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا إنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى بَيَاضٍ، أَيْ أَرْضٌ خَالِيَةٌ يَزْرَعُهَا الْعَامِلُ وَبَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، بَلْ قَبْلَ وُجُودِهَا وَبَيْعُ الْغَرَرِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْمُسَاقَاةُ، عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرِ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةَ الْبَعْلِ اهـ. الْحَطّ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِعَقْدِهَا بِلَفْظِ عَامَلْتُك لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُسَاقَاةٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. " غ فِي تَكْمِيلِهِ اُنْظُرْ هَلْ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِالْمُسَاقَاةِ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ لِانْدِرَاجِهِ فِي الْقَدْرِ. الْبُنَانِيُّ لَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ بِقَدْرٍ بِبَعْضِ غَلَّتِهِ أَوْ كُلِّهَا لَكَانَ أَحْسَنَ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيمَا تَلْزَمُ بِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. الْأَوَّلُ الْعَقْدُ. الثَّانِي الشُّرُوعُ. الثَّالِثُ حَوْزُ الْمُسَاقِي فِيهِ. الرَّابِعُ أَوَّلُهَا لَازِمٌ وَآخِرُهَا كَالْجُعْلِ، وَالْأَوَّلُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. اللَّخْمِيُّ هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَالْغَرَرِ لِأَنَّهُ إنْ أُصِيبَتْ الثَّمَرَةُ كَانَ عَمَلُهُ بَاطِلًا مَعَ انْتِفَاعِ رَبِّ الْحَائِطِ بِهِ وَالْجَهْلُ بِقَدْرِ الْحَظِّ وَرِبَا الطَّعَامِ نَسِيئَةٌ إنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ حَيَوَانٌ يُطْعِمُهُ الْعَامِلُ، وَيَأْخُذُ عِوَضَهُ طَعَامًا. ابْنُ عَرَفَةَ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي الذِّمَّةِ وَعِوَضُهُ مُتَأَخِّرٌ. ابْنُ شَاسٍ وَمِنْ الْمُخَابَرَةِ وَهُوَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا إنْ كَانَ فِيهَا بَيَاضٌ يَزْرَعُهُ الْعَامِلُ.

ص: 384

شَجَرٍ وَإِنْ بَعْلًا ذِي ثَمَرٍ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ

ــ

[منح الجليل]

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: نَظَرَ طفى فِي جُعْلِ الْمُسَاقَاةِ لَمَّا كَانَ مِنْ فَاعِلٍ وَاحِدٍ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي فَاعَلَ اقْتِسَامُ الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّةِ وَهِيَ الْمُشَارَكَةُ، وَوُرُودُهُ لِلْوَاحِدِ قَلِيلٌ مَحْصُورٌ عِنْدَ النُّحَاةِ، إمَّا لِمُوَافَقَةِ أَفْعَلَ ذِي التَّعَدِّي نَحْوَ عَالَيْت رَحْلِي عَلَى النَّاقَةِ وَأَعْلَيْته، أَوْ لِمُوَافَقَةِ فَعَلَ نَحْوَ جَاوَزْت الشَّيْءَ وَجُزْتُهُ، وَوَاعَدْتُ زَيْدًا وَوَعَدْتُهُ، أَوْ لِلْإِغْنَاءِ عَنْهُمَا كَقَامُوا وَبَارَكَ اللَّهُ، وَمِنْهُ سَافَرَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ سَفَرًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى السَّمَاعِ فَلَيْسَ لَنَا اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الْمُفَاعَلَةِ إلَّا بِسَمَاعٍ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ ضَارِبٌ بِمَعْنَى ضَرَبَ، وَمِنْهُ سَاقَى فَيَتَعَيَّنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.

الثَّانِي: مَصَبُّ الْحَصْرِ الشُّرُوطُ أَوْ الشَّجَرُ بِقَيْدٍ مَحْذُوفٍ أَيْ لَا تَصِحُّ صِحَّةً مُطْلَقَةً عَنْ شَرْطِ عَجْزِ رَبِّهِ إلَّا فِي الشَّجَرِ (شَجَرٍ) ذِي أَصْلٍ ثَابِتٍ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ وَتَبْقَى أُصُولُهُ، وَشَمِلَ الشَّجَرُ النَّخْلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ يَحْتَاجُ لِسَقْيٍ، بَلْ (وَإِنْ كَانَ بَعْلًا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا يَحْتَاجُ لِسَقْيٍ لِشُرْبِهِ بِعُرُوقِهِ مِنْ نَدَاوَةِ الْأَرْضِ كَشَجَرِ الشَّامِ وَإِفْرِيقِيَّةَ فِيهَا لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ النَّخْلِ وَفِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى سَقْيِهِ كَمُسَاقَاةِ شَجَرِ الْبَعْلِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ وَمُؤْنَةٍ. الْمُتَيْطِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ شَجَرِ الْبَعْلِ وَالسَّقْيِ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ كَانَ فِي خَيْبَرَ الْبَعْلُ وَالسَّقْيُ وَكَانَتْ عَلَى سِقَاءٍ وَاحِدٍ (ذِي ثَمَرٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ. عِيَاضٌ مِنْ شُرُوطِ الْمُسَاقَاةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي أَصْلٍ يُثْمِرُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْهَارِ وَالْأَوْرَاقِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْوِرْدِ وَالْآسِ فَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ فِيمَا لَا يُثْمِرُ أَصْلًا كَالصِّفَافِ وَالْأَثْلِ وَالصَّنَوْبَرِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ يُثْمِرُ فِي عَامِهِ فَلَا تَصِحُّ فِي الْوَدْيِ الَّذِي لَا يُثْمِرُ فِي عَامِهِ إلَّا إذَا كَانَ قَلِيلًا تَابِعًا لِمَا يُثْمِرُ فِي عَامِهِ، فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْحَائِطِ، وَفِيهِ مَا لَا يُثْمِرُ فِي عَامِهِ وَيَكُونُ مَا لَا يُثْمِرُ فِي عَامِهِ تَابِعًا لِمَا يُثْمِرُ فِيهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُنْتَقَى فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا تَبَعًا رَاجِعٌ لِهَذِهِ أَيْضًا، أَفَادَهُ الْحَطّ (لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ) أَيْ الثَّمَرُ فَإِنْ حَلَّ بَيْعُهُ فَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاتُهُ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ ذِي أَصْلٍ مِنْ الشَّجَرِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ

ص: 385

وَلَمْ يُخْلِفْ إلَّا تَبَعًا

ــ

[منح الجليل]

يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا عَلَى مَا يُشْتَرَطُ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَتَجُوزُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ كَالرِّبْحِ فِي الْقِرَاضِ.

وَفِي الْمُوَطَّإِ مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ كَالْإِجَارَةِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي مُسَاقَاةِ مَا حَلَّ بَيْعُهُ هِيَ إجَارَةٌ جَائِزَةٌ. ابْنُ يُونُسَ لِجَوَازِ بَيْعِ نِصْفِهِ وَلِأَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِهِ اهـ. " ق " الْحَطّ احْتَرَزَ مِمَّا حَلَّ بَيْعُهُ بِأَنْ أَزْهَى بَعْضُ الْحَائِطِ فَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاتُهُ، فَفِيهَا وَإِنْ أَزْهَى بَعْضُ الْحَائِطِ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ جَمِيعِهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ. ابْنُ نَاجِي تَسَامَحَ فِي قَوْلِهِ مُسَاقَاةُ جَمِيعِهِ، وَمُرَادُهُ مُسَاقَاةُ شَيْءٍ مِنْهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّهِ فِي عَدَمِهَا لِجَوَازِ بَيْعِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ اهـ. قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُسَاقَاةُ فِي الْحَائِطِ الَّذِي لَمْ يُزْهَ ثَمَرُهُ إذَا أَزْهَى مَا يُجَاوِرُهُ مِنْ الْحَوَائِطِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ بِإِزْهَاءِ مُجَاوِرِهِ، وَإِذَا عَمِلَ رَبُّ الْحَائِطِ فِي حَائِطِهِ مُدَّةً ثُمَّ سَاقَى عَلَيْهِ قَبْلَ إثْمَارِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ حِلِّ بَيْعِهِ جَازَ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الْعَامِلِ بِأُجْرَةِ سَقْيِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهَا قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ. ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ سَاقَاهُ بَعْدَ أَنْ سَقَى أَشْهُرًا عَلَى أَنْ يُتْبِعَهُ بِمَا سَبَقَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ.

(وَلَمْ يُخْلِفْ) الشَّجَرُ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، أَيْ لَا يُثْمِرُ ثَمَرَةً ثَانِيَةً قَبْلَ جَذِّ الثَّمَرَةِ الْأُولَى فِي عَامِهِ. الْحَطّ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا يُخْلِفُ كَالْبُقُولِ وَالْقَضْبِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَوْزِ وَالْقُرْطِ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. اللَّخْمِيُّ وَالْكُرَّاتِ وَكُلِّ مَا لَيْسَ بِشَجَرٍ، وَإِذَا جُزَّ أَخْلَفَ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ، وَإِنْ عَجَزَ رَبُّهُ عَنْ عَمَلِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ أَنَّ الْبَصَلَ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِقَلْعِهِ بِأُصُولِهِ، وَالْكُرَّاثُ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِجَزِّهِ وَإِبْقَاءِ أُصُولِهِ فِي الْأَرْضِ لِتُخَلِّفَ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ مَا لَا يُثْمِرُ، وَمَا حَلَّ بَيْعُ ثَمَرِهِ وَمَا يُخْلِفُ ثَمَرُهُ (تَبَعًا) لِمَا يُثْمِرُ وَلِمَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِهِ وَمَا لَا يُخْلِفُ فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْجَمِيعِ. " غ " يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُنْطَبِقًا عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ وَلَمْ يُخْلِفْ. أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِهِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْمَوْزِ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ، وَنَصُّهُ سَهَّلَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

ص: 386

بِجُزْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، شَاعَ وَعُلِمَ

ــ

[منح الجليل]

عَنْ الرَّجُلِ يُسَاقِي النَّخْلَ، وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَوْزِ الثُّلُثُ فَدُونَهُ فَقَالَ إنِّي أَرَاهُ خَفِيفًا. سَحْنُونٌ إنْ كَانَ الْمَوْزُ يُسَاقَى مَعَ النَّخْلِ جَازَ، وَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْعَامِلُ فَلَا يَجُوزُ. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ سَحْنُونٍ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وَفِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقِيَ الْحَائِطَ وَفِيهِ مِنْ الْمَوْزِ مَا هُوَ تَبَعٌ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى سِقَاءٍ وَاحِدٍ مِثْلَ الزَّرْعِ الَّذِي مَعَ النَّخْلِ، وَهُوَ تَبَعٌ لَهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ وَيُغْتَفَرُ طِيبُ نَوْعٍ يَسِيرٍ مِنْهُ، أَيْ إذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ حَلَّ بَيْعُ بَعْضِهَا وَكَانَ الَّذِي أَزْهَى مِنْهُ الْأَقَلَّ جَازَتْ الْمُسَاقَاةُ وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، حَكَاهُ الْبَاجِيَّ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْهَا الْمَنْعَ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَعَلَّ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِمَّا طَابَ وَمَا لَمْ يَطِبْ كَثِيرًا وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَزَادَ أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَائِطُ كُلُّهُ نَوْعًا وَاحِدًا وَطَابَ بَعْضُهُ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ لِأَنَّهُ يَطِيبُ بَعْضُهُ حَلَّ بَيْعُهُ، قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ احْتَرَزَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ نَوْعٌ، وَجَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ نَقْلَ الْبَاجِيَّ خِلَافُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ.

وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ كَوْنُهَا (بِجُزْءٍ) مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ (قَلَّ) الْجُزْءُ كَرُبْعِ عُشْرٍ أَوْ كَثُرَ كَتِسْعَةِ أَعْشَارٍ (شَاعَ) الْجُزْءُ فِي جَمِيعِ الثَّمَرَةِ. عِيَاضٌ شَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مُقَدَّرٍ (وَعُلِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْجُزْءُ، أَيْ عُلِمَتْ نِسْبَتُهُ لِجَمِيعِ الثَّمَرَةِ كَثُلُثِهَا. الْحَطّ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِجُزْءٍ وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِكَيْلٍ مُسَمًّى مِنْ الثَّمَرَةِ فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ بِجَمِيعِ الثَّمَرِ لِلْعَامِلِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. ابْنُ نَاجِي وَظَاهِرُ كَلَامِهَا أَنَّهَا مُسَاقَاةٌ حَقِيقَةً، وَيُجْبَرُ الْعَامِلُ عَلَى الْعَمَلِ أَوْ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَعْمَلُ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْهِبَةِ لِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَكَثْرَةِ الثَّمَرَةِ. اللَّخْمِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ. وَقَالَ التُّونُسِيُّ هِيَ الْهِبَةُ وَإِنْ انْتَفَعَ رَبُّهَا بِسَقْيِ أُصُولِهِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ بَطَلَتْ. اللَّخْمِيُّ وَمَتَى أَشْكَلَ الْأَمْرُ حُمِلَ عَلَى

ص: 387

بِسَاقَيْتُ،

لَا نَقْصَ مَنْ فِي الْحَائِطِ وَلَا تَجْدِيدَ

ــ

[منح الجليل]

الْمُعَاوَضَةِ لِقَوْلِهِ أُسَاقِيك وَرَبُّ الْحَائِطِ أَعْلَمُ بِمَنَافِعِهِ وَمَصْلَحَةِ مَالِهِ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ تَجُوزُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا لِلْعَامِلِ بِعَمَلِهِ. وَقِيلَ هِيَ مِنْحَةٌ فَتَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَهُ وَهَذَا بَعِيدٌ اهـ. قُلْت وَأَمَّا عَكْسُهُ فَظَاهِرُ جَوَازِهِ وَهُوَ كَوْنُ الثَّمَرَةِ كُلِّهَا لِرَبِّ الْحَائِطِ لِأَنَّ الْعَامِلَ تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْجُزْءِ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي أَصْنَافِ الثَّمَرَةِ بِأَنْ يَكُونَ بِنِصْفِ بَعْضِهَا وَثُلُثِ صِنْفٍ آخَرَ مَثَلًا. ابْنُ عَرَفَةَ وَالْحَائِطُ الْمُخْتَلِفُ أَنْوَاعُ شَجَرِهِ مُخْتَلِطًا كَمُتَّحِدٍ. اللَّخْمِيُّ وَاخْتِلَافُ ثَمَرَتِهِ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ كَتَسَاوِيهَا وَتَعَدُّدُ الْحَوَائِطِ وَثَمَرُهَا سَوَاءٌ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَالْعَمَلِ أَوْ تَقَارُبُهَا كَوَاحِدَةٍ اهـ.

وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ (بِ) مَادَّةٍ (سَاقَيْت) فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْمُسَاقَاةُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهَا فَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ اسْتَأْجَرْتُك عَلَى عَمَلِ حَائِطِي هَذَا بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ، فَلَا تَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِهِ كَمَا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عِنْدَهُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ إذَا سَاقَاهُ فِي ثَمَرِ حَائِطٍ قَدْ طَابَ بَعْضُهَا فَلَا يَجُوزُ، وَأَجَازَهَا سَحْنُونٌ، وَجَعَلَهَا إجَارَةً. وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلُهُ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ اهـ. الْحَطّ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ اقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ الصِّيغَةُ مِثْلُ سَاقَيْتُك أَوْ عَامَلْتُك عَلَى كَذَا، فَيَقُولُ قَبِلْت وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ اهـ. عِيَاضٌ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك عَلَى عَمَلِ حَائِطِي أَوْ سَقْيِهِ بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ أَوْ رُبْعِهَا فَلَا تَجُوزُ حَتَّى يُسَمِّيَاهَا مُسَاقَاةً. وَفِي الشَّامِلِ وَصَحَّتْ بِلَفْظِهَا لَا بِعَامَلْت خِلَافًا لِسَحْنُونٍ، وَنَحْوُهُ لِلْمُتَيْطِيِّ وضيح وَغَيْرِهِمَا، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ، وَفِيهِ تَصْحِيحُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(وَلَا) تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ بِشَرْطِ (نَقْصِ) أَيْ إخْرَاجِ (مَنْ فِي الْحَائِطِ) يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ مِنْ رَقِيقٍ وَدَوَابَّ رَبِّهِ وَإِتْيَانِ الْعَامِلِ بِخَلَفِهِمْ مِنْ مَالِهِ (وَلَا) تَصِحُّ بِاشْتِرَاطِ (تَجْدِيدٍ) لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ كَبِئْرٍ وَعَبِيدٍ وَدَوَابَّ مِنْ الْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا الْيَسِيرَ، كَغُلَامٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي حَائِطٍ كَبِيرٍ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَنْبَغِي لِرَبِّ

ص: 388

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الْحَائِطِ أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ غِلْمَانٍ أَوْ دَوَابَّ فَيَصِيرَ كَزِيَادَةِ شَرْطِهِمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَعَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا مَا قَلَّ، كَغُلَامٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي حَائِطٍ كَبِيرٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَائِطٍ صَغِيرٍ. الْحَطّ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ أَنْ لَا يُخْرِجَ رَبُّ الْحَائِطِ مَا فِيهِ مِنْ دَوَابَّ وَعَبِيدٍ وَأُجَرَاءَ وَآلَةٍ يَوْمَ عَقْدِهَا وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ رَقِيقٍ وَدَوَابَّ لِرَبِّهِ، فَلِلْعَامِلِ اشْتِرَاطُهُمْ فِيهَا، وَلَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَصِيرُ كَزِيَادَةِ شُرُوطِهَا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَعَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَكَشَرْطِ رَبِّ الْحَائِطِ إخْرَاجَ رَقِيقِهِ وَدَوَابِّهِ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَالثَّمَرَةُ لِرَبِّهَا أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى لَا يَنْبَغِي الْمَنْعُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَعَهُمْ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ اهـ. ابْنُ نَاجِي لَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ لِلتَّعْلِيلِ، وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ. الْحَطّ وَآخِرُ كَلَامِهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَى التَّحْرِيمِ لِجَعْلِهِ ذَلِكَ مِمَّا تَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ بِهِ. ابْنُ نَافِعٍ وَيَحْيَى إذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ رَقِيقٌ فَلَا يَدْخُلُونَ إلَّا بِشَرْطٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَاقَى أَهْلَ خَيْبَرَ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا مِمَّا فِي الْحَوَائِطِ» قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.

وَفِي الْأُمِّ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُمْ الْعَامِلُ وَأَرَادَ الْمَالِكُ إخْرَاجَهُمْ قَالَ قَالَ مَالِكٌ أَمَّا عِنْدَ مُعَامَلَتِهِ وَاشْتِرَاطِهِ فَلَا يَنْبَغِي إخْرَاجُهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ وَهَلْ هُوَ مُطْلَقٌ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ أَوْ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ قَصْدِ إخْرَاجِهِمْ مِنْ الْمُسَاقَاةِ كَمَنْ أَرَادَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَسْكَنِهَا لِتَعْتَدَّ خَارِجَهُ. أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُسَاقِيَ حَائِطَهُ فَأَخْرَجَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ يَسُومُ بِهِ فَلَا بَأْسَ، إنَّمَا الَّذِي لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُمْ عِنْدَ إرَادَةِ عَقْدِهَا مَعَ مَنْ تَكَلَّمَ مَعَهُ فِيهِ. الْحَطّ هَذَا الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ أَيْضًا أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُحَدِّدَ دَوَابَّ وَأُجَرَاءَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حِينَ الْعَقْدِ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، كَدَابَّةٍ أَوْ غُلَامٍ فِي حَائِطٍ كَبِيرٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَائِزَاتِ،

ص: 389

وَلَا زِيَادَةَ لِأَحَدِهِمَا

وَعَمَلُ الْعَامِلِ: جَمِيعَ مَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ عُرْفًا:

ــ

[منح الجليل]

فَإِطْلَاقُهُ هُنَا يُقَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِيهَا، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ الْعَقْدِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا مَا قَلَّ، كَغُلَامٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي حَائِطٍ كَبِيرٍ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُهُ فِي صَغِيرٍ وَرَبُّ حَائِطٍ تَكْفِيهِ دَابَّةٌ وَاحِدَةٌ لِصِغَرِهِ فَيَصِيرُ كَاشْتِرَاطِ جَمِيعِ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَا قَلَّ فِيمَا كَثُرَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقًا لَيْسُوا فِي الْحَائِطِ. أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى لَا يَنْبَغِي لَا يَجُوزُ. ابْنُ نَاجِي لَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. ابْنُ نَافِعٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْ الرَّقِيقِ مَا لَيْسَ فِيهِ. اللَّخْمِيُّ هَذَا أَقْيَسُ.

(وَلَا) يَصِحُّ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ بِشَرْطِ (زِيَادَةٍ) مِنْ غَيْرِ الثَّمَرَةِ كَعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ مِنْهَا مُعَيَّنًا كَوَسْقٍ (لِأَحَدِهِمَا) أَيْ رَبِّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلِ عَلَى الْآخَرِ. عِيَاضٌ وَلَا يُشْتَرَطُ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّمَرَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا خَاصًّا لِنَفْسِهِ. أَوْرَدَ الْبِسَاطِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّجْدِيدِ الزِّيَادَةُ، أَيْ فَاشْتِرَاطُ عَدَمِ شَرْطِهِ أَغْنَى عَنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ نَفْيَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَهَا فَيَنْتَفِي مَعَ ثُبُوتِهَا فِي شَرْطِ عَمَلِ الْعَامِلِ فِي حَائِطٍ آخَرَ لِرَبِّ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ.

(وَعَمِلَ) عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ (جَمِيعَ مَا) أَيْ الْعَمَلُ الَّذِي (يُفْتَقَرُ) أَيْ يَحْتَاجُ الْحَائِطُ (إلَيْهِ عُرْفًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، أَيْ فِي عُرْفِ وَعَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَفْصِيلُهُ لِقِيَامِ الْعُرْفِ مَقَامَ الْوَصْفِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِهِ مِنْ عَدَدِ حَرْثٍ وَسَقْيِ مَاءٍ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ قَالَهُ الْبَاجِيَّ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " جَمِيعُ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ وَجَمِيعُ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. عِيَاضٌ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ. الْحَطّ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ عَمِلَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مِنْ الْعَمَلِ وَالْعَامِلُ فَاعِلُهُ وَجَمِيعُ مَفْعُولِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَى الْعَامِلِ بِجَرِّ الْعَامِلِ بِعَلَى وَرَفْعِ جَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ عَلَى أَنَّ عَلَى أَبْيَنُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اللُّزُومِ فِيهَا وَجْهُ الْعَمَلِ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنَّ جَمِيعَ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ وَجَمِيعَ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. اهـ. يَعْنِي جَمِيعَ الْعَمَلِ

ص: 390

كَإِبَارٍ، وَتَنْقِيَةٍ،

ــ

[منح الجليل]

الَّذِي تَفْتَقِرُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ وَيَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا أَوْ يَبْقَى بَعْدَهَا مِنْهُ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ، فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ عَمَلُ الْحَائِطِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ إلَّا الْيَسِيرُ كَسَدِّ الْحَظِيرِ وَإِصْلَاحِ الضَّفِيرَةِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ وَكَانَ يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا وَيَبْقَى بَعْدَهَا مِنْهُ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ فَهَذَا الَّذِي يَلْزَمُ السَّاقِيَ كَالْحَظْرِ وَالسَّقْيِ وَزَبْرِ الْكُرُومِ وَتَقْلِيمِ الشَّجَرِ وَالتَّسْرِيبِ وَالتَّسْدِيدِ وَإِصْلَاحِ مَوَاضِعِ السَّقْيِ وَالتَّذْكِيرِ وَالْجَذَاذِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ يَتَأَبَّدُ وَيَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِ الثَّمَرَةِ كَإِنْشَاءِ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ إنْشَاءِ ضَفِيرَةٍ أَوْ إنْشَاءِ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءِ بَيْتٍ تُجْنَى فِيهِ الثَّمَرَةُ كَالْجَرِينِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْعَامِلَ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُسَاقَاةِ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُشْتَرَطُ تَفْصِيلُ الْعَمَلِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَعَلَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ مُنْضَبِطًا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ.

(كَإِبَارٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ تَأْبِيرُ النَّخْلِ بِتَعْلِيقِ ثَمَرِ الذَّكَرِ وَوَضْعِهِ عَلَى ثَمَرَةِ الْأُنْثَى. عِيَاضٌ الْإِبَّارُ وَالتَّلْقِيحُ وَالتَّذْكِيرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَفِي الصِّحَاحِ إبَارُ النَّخْلِ تَلْقِيحُهُ، يُقَالُ نَخْلَةٌ مُؤَبَّرَةٌ مِثْلُ مَأْبُورَةٍ، وَالِاسْمُ مِنْهُ الْإِبَارُ أَوْ عَلَى وَزْنِ الْإِزَارِ. اهـ. وَالْجَارِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ التَّشْدِيدُ وَهُوَ جَائِزٌ. الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} [النبأ: 28] فُعَالٌ فِي بَابِ فَعَلَ فَاشٍ فِي كَلَامِ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ لَا يَقُولُونَ غَيْرَهُ، وَسَمِعَنِي بَعْضُهُمْ أُفَسِّرُ آيَةً فَقَالَ لَقَدْ فَسَّرْتُهَا فِسَّارًا مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ التَّلْقِيحِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ فَعَلَى الْعَامِلِ. اللَّخْمِيُّ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِبَّارِ فَجَعَلَهُ مَرَّةً عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَمَرَّةً عَلَى الْعَامِلِ، فَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَلَى رَبَّ الْحَائِطِ الشَّيْءَ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ، وَعَلَى الْعَامِلِ الْعَمَلُ. اللَّخْمِيُّ وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْخِلَافِ.

(وَ) كَ (تَنْقِيَةٍ) لِعَيْنٍ وَمَنَافِعِ شَجَرٍ قَالَهُ تت. طفى الصَّوَابُ حَمْلُهُ عَلَى تَنْقِيَةِ الْحِيَاضِ الَّتِي حَوْلَ الشَّجَرِ لَا عَلَى تَنْقِيَةِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ كَنْسَ الْعَيْنِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا غَيْرَ الْكَنْسِ فَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ، إذْ لَمْ يُرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ.

ص: 391

وَدَوَابَّ وَأُجَرَاءَ، وَأَنْفَقَ، وَكَسَا

ــ

[منح الجليل]

فَإِنْ قُلْت كَنْسُ الْحِيَاضِ أَيْ تَنْقِيَتُهَا سَوَّى فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَنْسِ الْعَيْنِ فِي كَوْنِهِمَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا لِشَرْطٍ، فَفِيهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ مِثْلَ سَرْوِ الشَّرَبِ، وَهِيَ تَنْقِيَةُ مَا حَوْلَ النَّخْلِ مِنْ مَنَاقِعِ الْمَاءِ، وَخَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ كَنْسُهَا اهـ. قُلْت الْمُصَنِّفُ تَبِعَ ابْنَ الْحَاجِبِ التَّابِعَ لِابْنِ شَاسٍ الْقَائِلَ: وَعَلَى الْعَامِلِ السَّقْيُ وَالْإِبَّارُ وَالتَّقْلِيمُ وَسَرْوُ الشَّرَبِ وَهِيَ تَنْقِيَةُ الْحِيَاضِ الَّتِي حَوْلَ الشَّجَرِ، ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا سَدُّ الْحِظَارِ وَخَمُّ الْعَيْنِ وَهُوَ كَنْسُهَا وَرَمُّ الْقُفِّ وَهُوَ الْحَوْضُ الَّذِي يَسْقُطُ فِيهِ مَاءُ الدِّلَاءِ ثُمَّ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الضَّفِيرَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ جَازَ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّنْقِيَةِ تَنْقِيَةُ النَّبَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْعَمَلُ هُوَ الْقِيَامُ بِمَا تَفْتَقِرُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ مِنْ السَّقْيِ وَالْإِبَّارِ وَالتَّنْقِيَةِ وَالْجَذَاذِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَعْنَى السَّقْيِ وَالتَّنْقِيَةُ الدِّرَاسُ. ابْنُ فَرْحُونٍ يَدْخُلُ فِي التَّنْقِيَةِ تَنْقِيَةُ الْحَبِّ وَلَقْطُهُ فِي الْحَصَادِ وَتَنْقِيَةُ الثَّمَرِ يَوْمَ الْجَذَاذِ. اهـ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهَا بِمَا ذَكَرَهُ تت تَبَعًا لِلشَّارِحِ. عِيَاضٌ سَرْوُ الشَّرَبِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فِي الْكَلِمَةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ فِي الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ الشَّرْبَةُ الْحُفْرَةُ حَوْلَ النَّخْلَةِ يَجْتَمِعُ الْمَاءُ فِيهَا يَسْقِيهَا جَمْعُهَا شَرَبَاتٌ وَسَرْوُهَا كَنْسُهَا مِمَّا يَقَعُ فِيهَا.

(وَ) كَ (دَوَابَّ وَأُجَرَاءَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مَمْدُودًا جَمْعُ أَجِيرٍ، مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاضِحَةِ السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنَّ عَلَى الْعَامِلِ جَمِيعَ الْمُؤْنَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْأُجَرَاءِ وَالدَّوَابِّ وَالدِّلَاءِ وَالْجِمَالِ وَالْأَدَاةِ مِنْ حَدِيدٍ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، فَلِلْعَامِلِ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ.

(وَأَنْفَقَ) الْعَامِلُ عَلَى دَوَابِّ الْحَائِطِ وَرَقِيقِهِ فِيمَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ دَوَابِّ الْحَائِطِ وَرَقِيقِهِ كَانُوا لَهُ أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ (وَكَسَا) الْعَامِلُ رَقِيقَ الْحَائِطِ الْمُحْتَاجِ لِكِسْوَةٍ. الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأُجَرَاءِ وَأَنْ يَكْسُوَهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا لَهُ أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ،

ص: 392

لَا أُجْرَةَ مَنْ كَانَ فِيهِ،

ــ

[منح الجليل]

هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، فَفِيهَا وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ وَنَفَقَةُ دَوَابِّ الْحَائِطِ وَرَقِيقُهُ كَانُوا لَهُ أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ نَفَقَتَهُمْ أَوْ نَفَقَةَ نَفْسِهِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ. رَبِيعَةُ وَلَا بَيْنَهُمَا، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ فِي ثَمَرَةِ الْحَائِطِ. اهـ. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُ رَبِيعَةَ تَفْسِيرُ اللَّخْمِيِّ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ نَفَقَةُ دَوَابِّ رَبِّ الْحَائِطِ عَلَيْهِ

(لَا) يَلْزَمُ الْعَامِلَ (أُجْرَةُ مَنْ) أَيْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ الَّذِي (كَانَ فِيهِ) أَيْ الْحَائِطِ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ. الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْأُجْرَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ أُجْرَةُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ هُوَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فَأُجْرَتُهُ عَلَى رَبِّهِ فِي التَّوْضِيحِ، كَذَا فِي الْوَاضِحَةِ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً، قَالَ وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ غَيْرَ وَجِيبَةٍ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَا أُجَرَاءَ فِيهِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبَاجِيَّ، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ وَجِيبَةٍ، قَالَ هَذَا إذَا كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِجَمِيعِ الْعَامِلِ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِبَعْضِهِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ نَصًّا، وَعِنْدِي أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَلَزِمَهُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَتِهِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْوَاضِحَةِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، فَفِيهَا وَمَا كَانَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ التَّعَاقُدِ مِنْ دَوَابَّ وَرَقِيقٍ فَخَلَفَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَامِلُ ذَلِكَ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ عَمَلَ الْعَامِلِ وَلَوْ شَرَطَ خَلَفَهُمْ عَلَى الْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ

وَأَمَّا كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فَخَالَفَ لِظَاهِرِهَا لِأَنَّهُ إذْ كَانَ عَلَيْهِ خَلَفَ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَجْرِ، فَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ وَجِيبَةً أَوْ غَيْرَهَا وَكَذَلِكَ إذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي بَعْضِ الْعَامِ فَظَاهِرُهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأُجْرَةِ فِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ أَوْ اسْتِئْجَارُ شَخْصٍ خَلْفَهُ. ابْنُ نَاجِي ذِكْرُ الْمَوْتِ فِيهَا طَرْدِيٌّ، لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ الْإِبَاقُ وَالتَّلَفُ فِي أَوَّلِ الْعَمَلِ وَالْمَوْتِ قُلْت وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا لَوْ أَرَادَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ فِيهِ وَيَأْتِيَ بِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ فَلَا يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِيهِ مَقَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 393

أَوْ خَلَفَ مَنْ مَاتَ أَوْ مَرِضَ كَمَا رَثَّ عَلَى الْأَصَحِّ:

ــ

[منح الجليل]

أَوْ خَلَفَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيْ تَعْوِيضُ (مَنْ مَاتَ) مِنْ رَقِيقٍ الْحَائِطِ وَدَوَابِّهِ (أَوْ) مَنْ مَرِضَ فَلَيْسَ عَلَى الْعَامِلِ، بَلْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ فِيهَا لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلْفَ مَا أَدْخَلَ الْعَامِلُ فِيهِ مِنْ رَقِيقٍ أَوْ دَوَابَّ إنْ هَلَكَ وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ التَّعَاقُدِ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ فَخَلَفَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَامِلُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِمْ عَمَلُ الْعَامِلِ، وَلَوْ شَرَطَ خَلَفَهُمْ عَلَى الْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ. ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلَفَ مَا أَدْخَلَ الْعَامِلُ فِيهِ أَوْ شَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ خَلَفَ مَا هَلَكَ مِمَّا كَانَ لِرَبِّ الْحَائِطِ فِيهِ رَدَّ الْعَامِلُ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ. الْبَاجِيَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الرَّقِيقِ وَالْأُجَرَاءِ وَالدَّوَابِّ أَوْ مَرِضَ أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ مِمَّنْ هُوَ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَعَلَيْهِ خَلْفُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ عَلَى عَمَلٍ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ، وَلَكِنْ تَعَيَّنَ بِهَؤُلَاءِ بِالتَّسْلِيمِ وَالْيَدِ.

وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الْعَامِلِ فَقَالَ (كَ) خَلْفِ (مَا رَثَّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُثَلَّثَةُ مُشَدَّدَةٌ أَيْ بَلَى وَتَقَطَّعَ مِنْ الدِّلَاءِ وَالْحِبَالِ إذَا فَنِيَتْ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَفْنَى فِيهِ مِثْلُهَا عَادَةً فَخَلَفُهَا عَلَى الْعَامِلِ لَا عَلَى رَبِّهَا لِأَنَّ لَهَا وَقْتًا مَعْلُومًا تَفْنَى فِيهِ، بِخِلَافِ ضَيَاعِهَا وَمَوْتِ الدَّوَابِّ فَخَلَفُهَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ (عَلَى الْأَصَحِّ) عِنْدَ الْبَاجِيَّ مِنْ الْخِلَافِ. قَالَ لَوْ اسْتَعْمَلَ مَا فِي الْحَائِطِ مِنْ الْحِبَالِ وَالْآلَةِ حَتَّى خَلِقَ فَعَلَى الْعَامِلِ خَلَفُهُ، وَلَوْ سُرِقَ فَعَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلَفُهُ قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا. وَقِيلَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلَفُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَالْمُنَاسِبُ تَقْدِيمُ هَذَا عَقِبَ قَوْلِهِ وَأَنْفَقَ وَكَسَا، وَقَبْلَ قَوْلِهِ لَا أُجْرَةَ مَنْ كَانَ فِيهِ لِإِيهَامِ تَأْخِيرِهِ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ لُزُومِ الْعَامِلِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَوْلًا إلَّا أَنَّ الْبَاجِيَّ لَمْ يُصَحِّحْهُ فَلَا يَصِحُّ تَمْشِيَةُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ.

" غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا مَا رَثَّ عَلَى الْأَصَحِّ بِالنَّفْيِ، أَيْ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ خَلَفُ مَا رَثَّ، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَفِي بَعْضِهَا بِالتَّشْبِيهِ وَعَلَى هَذَا فَمِنْ حَقِّهِ ذِكْرُهُ قَبْلِ قَوْلِهِ لَا أُجْرَةَ إلَخْ الْحَطّ يَعْنِي إنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ حِبَالٍ وَأَدْلِيَةٍ وَآلَاتٍ وَحَدِيدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ،

ص: 394

كَزَرْعٍ، أَوْ قَصَبٍ، وَبَصَلٍ، وَمَقْثَأَةٍ؛ إنْ عَجَزَ رَبُّهُ، وَخِيفَ مَوْتُهُ

ــ

[منح الجليل]

فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْعَامِلِ وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ إخْرَاجُهُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ فَعَلَى الْعَامِلِ الْإِتْيَانُ بِهِ، فَإِذَا رَثَّ مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ الْآلَاتِ أَيْ بَلِيَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى رَبِّهِ خَلَفُهُ أَوْ عَلَى الْعَامِلِ ذَكَرَ الْبَاجِيَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ وَكَوْنُهُ عَلَى الْعَامِلِ أَظْهَرَ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ حَتَّى تَهْلَكَ عَيْنُهُ وَأَمَدُ انْتِهَائِهَا مَعْلُومٌ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَمَدَ هَلَاكِهِمَا، وَجَزَمَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّ خَلَفَهَا عَلَى الْعَامِلِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ فَقَوْلُهُ كَمَا رَثَّ إنْ كَانَ بِكَافِ التَّشْبِيهِ كَمَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ حَقُّهُ ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ لَا أُجْرَةَ مَنْ كَانَ فِيهِ قَالَهُ " غ " لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِمَا هُوَ عَلَى الْعَامِلِ خَلَفٌ وَإِنْ كَانَ بِلَا النَّافِيَةِ فَهُوَ مِنْ الْمَنْفِيِّ قَبْلَهُ أَيْ لَيْسَ عَلَى الْعَامِلِ خَلَفُ مَنْ مَاتَ أَوْ مَرِضَ مِمَّنْ كَانَ فِيهِ، وَعَلَيْهِ خَلَفُ مَا رَثَّ، فَلَوْ سُرِقَ مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ الْآلَاتِ كَانَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إخْلَافُهَا اتِّفَاقًا، فَإِذَا أَخْلَفَهَا رَبُّهُ انْتَفَعَ الْعَامِلُ بِهَا قَدْرَ مَا كَانَ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْمَسْرُوقُ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَمَنْ قَالَ إذَا بَلِيَ يَلْزَمُ رَبَّهُ خَلَفُهُ. قَالَ يَسْتَمِرُّ الْعَامِلُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَمَنْ قَالَ الْخَلَفُ عَلَى الْعَامِلِ قَالَ لِرَبِّهِ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَشَبَّهَ فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ فَقَالَ (كَ) مُسَاقَاةِ (زَرْعٍ وَقَصَبِ) لِسُكْرِ (وَبَصَلٍ وَمَقْثَأَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ فَمُثَلَّثَةٍ (إنْ عَجَزَ رَبُّهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْكَافِ عَنْ عَمَلِهِ الْمُفْتَقِرِ إلَيْهِ. الْبَاجِيَّ أَيْ عَنْ عَمَلِهِ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ أَوْ يَنْمُو أَوْ يَبْقَى وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ. ابْنُ رُشْدٍ مَا غَيْرُ ثَابِتِ الْأَصْلِ كَالْمَقْثَأَةِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالزَّرْعِ وَالْكَمُّونِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ حَتَّى يَعْجِزَ عَنْهُ رَبُّهُ، هَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. ابْنُ يُونُسَ وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ رَأَى أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِالْمُسَاقَاةِ فِي الثِّمَارِ، فَجَعَلَ الزَّرْعَ وَمَا أَشْبَهَهُ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْهَا، فَلَمْ يُجِزْهَا فِيهِ إلَّا عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرُورَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ إجَازَةِ الْمُسَاقَاةِ، وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْأَرْضِ يَصِيرُ نَبَاتًا كَالشَّجَرِ.

(وَ) إنْ (خِيفَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ تَحَقَّقَ أَوْ ظُنَّ (مَوْتُهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ

ص: 395

وَبَرَزَ، وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَهَلْ كَذَلِكَ الْوَرْدُ وَنَحْوُهُ وَالْقُطْنُ؟ أَوْ كَالْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؟ تَأْوِيلَانِ.

ــ

[منح الجليل]

بَعْدَ الْكَافِ إنْ لَمْ يُسَقْ عَلَيْهِ (وَ) إنْ (بَرَزَ) مِنْ أَرْضِهِ وَاسْتَقَلَّ (وَ) إنْ (لَمْ يَبْدُ) بِفَتْحٍ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَظْهَرُ (صَلَاحُهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْكَافِ فِيهَا إنَّمَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الزَّرْعِ إذَا اسْتَقَلَّ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ أَسْبَلَ إذَا احْتَاجَ إلَى الْمَاءِ وَكَانَ إنْ تُرِكَ مَاتَ فَأَمَّا بَعْدَ جَوَازِ بَيْعِهِ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ.

(وَ) اُخْتُلِفَ فِي جَوَابِ (هَلْ كَذَلِكَ) الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْكَافِ فِي تَوَقُّفِ صِحَّةِ مُسَاقَاتِهِ عَلَى عَجْزِ رَبِّهِ وَخَوْفِ مَوْتِهِ وَبُرُوزِهِ وَعَدَمِ بُدُوِّ صَلَاحِهِ (الْوَرْدُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَذَلِكَ (وَنَحْوُهُ) أَيْ الْوَرْدُ مِمَّا تُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ فِي الْأَرْضِ كَالْيَاسَمِينِ وَالْآسِ بِمَدِّ الْهَمْزِ (وَالْقُطْنُ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ عُطِفَ عَلَى الْوَرْدِ الَّذِي يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِجَنْيِ ثَمَرَتِهِ مِرَارًا مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَجَنْيِهَا مَرَّةً فَقَطْ فِي بَعْضٍ آخَرَ (أَوْ) الْوَرْدُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (كَالْأَوَّلِ) فِي صِحَّةِ مُسَاقَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ رَبُّهُ وَلَمْ يَخَفْ مَوْتَهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ كَوْنُهُ كَالْأَوَّلِ (الْأَكْثَرُ) مِنْ شَارِحِيهَا فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) أَيْ يُفْهِمَانِ لِشَارِحَيْهَا. ابْنُ رُشْدٍ كَانَ ابْنُ الْقَطَّانِ يَحْمِلُ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْقُطْنِ وَالزَّرْعِ والمقاثئ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَجْزُ، وَفِيهَا مَنْعُهَا فِي الْقُرْطِ وَالْقَضْبِ وَالْمَوْزِ ابْنُ يُونُسَ وَمِثْلُ الْقَضْبِ الْبَقْلُ وَالْكُرَّاثُ، وَاخْتُلِفَ فِي الرَّيْحَانِ وَالْقَصَبِ الْحُلْوِ. فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَصَبُ السُّكَّرِ مِثْلُ الزَّرْعِ وَالْكَمُّونِ أَفَادَهُ " ق " الْحَطّ كَلَامُهَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ كَالشَّجَرِ، وَنَصُّهُ وَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْقُطْنِ، وَأَمَّا المقاثئ وَالْبَصَلُ وَقَصَبُ السُّكَّرِ فَكَالزَّرْعِ يُسَاقَى إنْ عَجَزَ رَبُّهُ اهـ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ حَمْلُ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا أَظْهَرُ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ فِي الْيَاسَمِينِ وَالْوَرْدِ جَائِزَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ صَاحِبُهُمَا عَنْ عَمَلِهِمَا. وَأَمَّا الْقُطْنُ فَاسْتَبْعَدَ ابْنُ رُشْدٍ الْجَوَازَ فِيهِ، وَأَشَارَ

ص: 396

وَأُقِّتَتْ بِالْجَذَاذِ، وَحُمِلَتْ عَلَى الْأَوَّلِ، إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ثَانٍ،

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ يُونُسَ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقُطْنِ يَنْبَغِي أَنَّهُ خِلَافٌ فِي حَالٍ فَيَكُونُ شَجَرُهُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ سِنِينَ، وَفِي بَعْضِهَا يَكُونُ كَالزَّرْعِ لَا أَصْلَ لَهُ ثَابِتٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْبُنَانِيُّ اُنْظُرْ مَنْ ذَكَرَ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ فِي الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي الْقُطْنِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ضَيْح وَ " ح " و " ق " إلَّا فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْوَرْدَ وَنَحْوَهُ كَالشَّجَرِ بِلَا خِلَافٍ.

(وَأُقِّتَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةً، أَيْ أُجِّلَ كَذَلِكَ عَمَلُ الْمُسَاقَاةِ (بِالْجَذَاذِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِعْجَامِ الذَّالَيْنِ أَوْ إهْمَالُهُمَا، أَيْ بِقَطْعِ الثَّمَرَةِ فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الشَّأْنُ فِي الْمُسَاقَاةِ إلَى الْجَذَاذِ لَا يَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً، وَهِيَ إلَى الْجَذَاذِ إذَا لَمْ يُؤَجِّلَا. ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ تُطْعِمُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ إلَى الْجَذَاذِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَشْتَرِطَ الثَّانِي. الْحَطّ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ التَّوْقِيتُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا أَمْ لَا، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا. ابْنُ الْحَاجِبِ يُشْتَرَطُ تَأْقِيتُهَا وَأَقَلُّهُ إلَى الْجَذَاذِ وَإِنْ أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَيْهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اشْتِرَاطُ التَّأْقِيتِ مَعَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْمُطَلَّقَةِ بَعِيدٌ. فَإِنْ قُلْت لَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ تُفْسِدُهَا وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى إطْلَاقِهَا. قُلْت فَتَكُونُ الْجَهَالَةُ مَانِعَةً مِنْ الصِّحَّةِ لَا أَنَّ التَّأْقِيتَ شَرْطُ صِحَّةٍ اهـ. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهَا لَا تَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً، ظَاهِرُهُ كَانَ الْأَجَلُ يَنْقَضِي قَبْلَ أَجَلِ الْجَذَاذِ أَوْ بَعْدَهُ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ الْجَذَاذِ فَهِيَ زِيَادَةٌ اشْتَرَطَهَا رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ يَنْقَضِي قَبْلَهُ فَهِيَ زِيَادَةٌ اشْتَرَطَهَا الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ إلَى الْجَذَاذِ، فَلِذَا قَالَ لَا تَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً.

(وَ) إنْ أُقِّتَتْ بِالْجَذَاذِ وَكَانَ الشَّجَرُ يُطْعِمُ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ (حُمِلَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمُسَاقَاةُ (عَلَى) جَذَاذِ بَطْنِ (أَوَّلَ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَقَاؤُهَا إلَى أَنْ يَجُذَّ بَطْنَ (ثَانٍ) فَإِنْ اُشْتُرِطَ اسْتَمَرَّتْ إلَيْهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ تُطْعِمُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ

ص: 397

وَكَبَيَاضِ نَخْلٍ أَوْ زَرْعٍ؛ إنْ وَافَقَ الْجُزْءَ وَبَذَرَهُ الْعَامِلُ، وَكَانَ ثُلُثًا بِإِسْقَاطِ كُلْفَةِ الثَّمَرَةِ: وَإِلَّا فَسَدَ:

ــ

[منح الجليل]

فَهِيَ إلَى الْجَذَاذِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُشْتَرَطَ الثَّانِي، وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ نَخْلٍ يُطْعِمُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ كَمَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ عَامَيْنِ، وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ هُنَا كَمُسَاقَاةِ الْقَضْبِ يَحِلُّ بَيْعُهُ وَبَيْعُ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ وَالشَّجَرُ لَا تُبَاعُ ثِمَارُهَا قَبْلَ أَنْ تُزْهَى اهـ.

وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ كَزَرْعٍ الْمُشَبَّهَ بِالشَّجَرِ فِي صِحَّةِ مُسَاقَاتِهِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهَا فَقَالَ (وَكَبَيَاضٍ) أَيْ أَرْضٍ خَالِيَةٍ مِنْ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ سُمِّيَتْ بَيَاضًا لِإِشْرَاقِهَا فِي النَّهَارِ بِشُعَاعِ الشَّمْسِ. وَفِي اللَّيْلِ بِنُورِ الْكَوَاكِبِ، فَإِنْ اسْتَتَرَتْ عَنْ ذَلِكَ بِوَرَقِ الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ سُمِّيَتْ سَوَادًا لَا سَوَادُهَا بِالظِّلِّ بَيْنَ (نَخْلٍ أَوْ زَرْعٍ) أَوْ مُجَاوِرٍ لَهُ فَيَصِحُّ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِمَّا يُزْرَعُ فِيهِ (إنْ وَافَقَ الْجُزْءَ) الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ أَوْ الزَّرْعِ كَالثُّلُثِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا كَثُلُثِ أَحَدِهِمَا وَنِصْفِ الْآخَرِ فَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاتُهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَصْبَغُ مُوَافَقَةَ الْجُزْءِ، وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ عِنْدَنَا بِفَاسَ بِأَنَّ الْبَيَاضَ لَا يُعْطَى إلَّا بِجُزْءٍ أَكْثَرَ فَلَهُ مُسْتَنَدٌ فَلَا يُشَوِّشُ عَلَى النَّاسِ، إذْ ذَاكَ يُذْكَرُ الْمَشْهُورُ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ. اهـ. بُنَانِيٌّ.

(وَ) إنْ (بَذَرَهُ) أَيْ الْبَيَاضَ (الْعَامِلُ) مِنْ مَالِهِ فَإِنْ كَانَ بَذْرُهُ مِنْ مَالِ رَبِّهِ أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَلَا تَصِحُّ، وَإِنْ نَزَلَ فَيُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فِي النَّخْلِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ فِي الْبَيَاضِ (وَ) إنْ (كَانَ) كِرَاءُ الْبَيَاضِ (ثُلُثًا) مِنْ مَجْمُوعِهِ مَعَ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ أَوْ الْحَبِّ (بِإِسْقَاطِ كُلْفَةٍ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ مَا كُلِّفَتْ بِهِ وَأُنْفِقَ عَلَى (الثَّمَرَةِ) أَوْ الزَّرْعِ بِأَنْ كَانَ كِرَاءُ الْبَيَاضِ عَشَرَةً وَقِيمَةُ الثَّمَرَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ كُلْفَتِهَا عِشْرِينَ مَثَلًا. الْحَطّ وَبَقِيَ شَرْطٌ رَابِعٌ وَهُوَ كَوْنُ حَرْثِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى الْعَامِلِ فَفِيهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ نِصْفُ الْبَذْرِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ حَرْثِ الْبَيَاضِ فَقَطْ وَإِنْ جَعَلَا الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهُ الْعَامِلُ مِنْ عِنْدِهِ وَيَعْمَلَهُ وَمَا أَنْبَتَ فَبَيْنَهُمَا فَجَائِزٌ اهـ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَجْتَمِعْ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ بِأَنْ انْتَفَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا (فَسَدَ) عَقْدُ مُسَاقَاةِ الْبَيَاضِ.

ص: 398

كَاشْتِرَاطِهِ رَبُّهُ، وَأُلْغِيَ لِلْعَامِلِ، إنْ سَكَنَا عَنْهُ، أَوْ اشْتَرَطَهُ

ــ

[منح الجليل]

فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْبَيَاضُ الْمُتَّبَعُ مِثْلُ الثُّلُثِ فَأَدْنَى لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى مِثْلِ مَا أَخَذَ الْأُصُولُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُلْغَى لِلْعَامِلِ وَهُوَ أَهْلُهُ، فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا فَجَائِزٌ إنْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْمُؤْنَةُ مِنْ عِنْدِ الْعَامِلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ يَسْقِيهِ. ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ كَانَ بَعْلًا أَوْ كَانَ لَا يُسْقَى بِمَاءِ الْحَائِطِ فَجَائِزٌ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا بَيَاضُ الزَّرْعِ كَبَيَاضِ النَّخْلِ، وَعَزَاهُ الْبَاجِيَّ لِلْمَوَّازِيَّةِ. ابْنُ عَبْدُوسٍ صِفَةُ اعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ خَمْسَةٌ، وَإِلَى غَلَّةِ النَّخْلِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْهَا بَعْدَ إسْقَاطِ قَدْرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، فَإِنْ بَقِيَ عَشَرَةٌ فَكِرَاءُ الْأَرْضِ الثُّلُثُ فَيَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ ثَمَانِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ لِزِيَادَةِ الْخَمْسَةِ عَلَى ثُلُثِ الْجُمْلَةِ. الْبَاجِيَّ إنْ كَانَ الْبَيَاضُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ مَعَ النَّخْلِ قَوْلًا وَاحِدًا. فِي ضَيْح الْبَيَاضُ الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ مِنْ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ السَّوَادِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَبَيَاضِ شَجَرٍ لِكُلٍّ أَشْمَلَ.

وَشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ فَقَالَ (كَاشْتِرَاطِهِ) أَيْ الْبَيَاضَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ وَفَاعِلِهِ (رَبُّهُ) أَيْ الْبَيَاضُ لِيَزْرَعَهُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً فِي الْمُوَطَّإِ لَا يَصْلُحُ لِنَيْلِهِ سَقْيُ الْعَامِلِ، فَهِيَ زِيَادَةٌ اشْتَرَطَهَا رَبُّهُ عَلَى الْعَامِلِ، وَفِيهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ يَسْقِيهِ (وَأُلْغِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُرِكَ الْبَيَاضُ (لِلْعَامِلِ) يَبْذُرُهُ مِنْ مَالِهِ وَيَعْمَلُ فِيهِ وَيَخْتَصُّ بِمَا يُنْبِتُهُ (إنْ سَكَتَا) أَيْ رَبُّ الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ وَالْعَامِلُ (عَنْهُ) أَيْ الْبَيَاضِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَيْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا (أَوْ) إنْ (اشْتَرَطَهُ) أَيْ الْبَيَاضَ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ سَكَتَا عَنْ الْبَيَاضِ فِي الْعَقْدِ فَمَا زَرَعَ فِيهِ الْعَامِلُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَتَا عَنْهُ ثُمَّ تَشَاحَّا فِيهِ عِنْدَ الزِّرَاعَةِ فَهُوَ لِلْعَامِلِ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. ابْنُ عَبْدُوسٍ وَإِذَا أُلْغِيَ لِلْعَامِلِ فَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِحِصَّةِ الْعَامِلِ خَاصَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ خِلَافَ هَذَا. وَقَالَ الْبَاجِيَّ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَنَّهُ

ص: 399

وَدَخَلَ شَجَرٌ تَبِعَ زَرْعًا

وَجَازَ زَرْعٌ وَشَجَرٌ وَإِنْ غَيْرَ تَبَعٍ وَحَوَائِطَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِجُزْءٍ، إلَّا فِي صَفَقَاتٍ

ــ

[منح الجليل]

يُرَاعَى فِي الْبَيَاضِ كَوْنُهُ تَبَعًا لِثَمَرَةِ جَمِيعِ الْحَائِطِ فَمَا يُلْغَى لِلْعَامِلِ، وَفِيمَا يُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ. ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ أَقْوَالِ أَصْحَابِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَبَعِيَّتُهُ لِجَمِيعِ ثَمَرِ الْحَائِطِ فِي لَغْوِهِ وَفِي إدْخَالِهِ فِي الْمُسَاقَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ إنَّمَا ذَلِكَ فِي إدْخَالِهِ فِيهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي لَغْوِهِ لِلْعَامِلِ تَبَعِيَّتُهُ لِحَظِّهِ فَقَطْ اهـ.

(وَ) إنْ عَقَدَ الْمُسَاقَاةَ لِزَرْعٍ فِيهِ شَجَرٌ تَابِعٌ لَهُ (دَخَلَ) فِيهَا لُزُومًا (شَجَرٌ تَبِعَ زَرْعًا) بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ ثَمَرَتِهِ عَلَى مَا تَكُونُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ثُلُثَ مَجْمُوعِهَا مَعَ قِيمَةِ الزَّرْعِ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ بِحَسَبِهَا، فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ لِأَحَدِهِمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِإِلْغَاءِ الْبَيَاضِ وَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ مُسَاقَاةِ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ الْمَتْبُوعُ، وَحُكْمُ عَكْسِ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ كَذَلِكَ فَيَدْخُلُ الزَّرْعُ التَّابِعُ لِلشَّجَرِ فِي مُسَاقَاتِهِ لُزُومًا، فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ لِأَحَدِهِمَا وَالْمُعْتَبَرُ شُرُوطُ مُسَاقَاةِ الشَّجَرِ لِأَنَّهُ الْمَتْبُوعُ.

(وَجَازَ) أَيْ يَجُوزُ (زَرْعٌ وَشَجَرٌ) أَيْ مُسَاقَاتِهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا (غَيْرَ تَبَعٍ) لِلْآخَرِ فِيهَا مَنْ سَاقَى رَجُلًا زَرْعًا عَلَى الثُّلُثِ وَنَخْلًا عَلَى النِّصْفِ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَا عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ جَمِيعًا وَيَعْجِزُ عَنْ الزَّرْعِ رَبُّهُ وَإِنْ كَانَا فِي نَاحِيَتَيْنِ (وَ) يَجُوزُ (حَوَائِطُ) أَيْ مُسَاقَاتِهَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ) أَصْنَافُهَا وَكَانَتْ (بِجُزْءٍ) وَاحِدٍ كَثُلُثِ كُلٍّ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ، لِمُسَاقَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ، وَفِيهِ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجُزْءَانِ كَثُلُثٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَرُبْعٍ مِنْ الْآخَرِ فَلَا تَصِحُّ فِي كُلِّ حَالَةٍ (إلَّا فِي صَفَقَاتٍ) بِأَنْ تُعْقَدَ الْمُسَاقَاةُ عَلَى كُلِّ حَائِطٍ وَحْدَهُ، فِيهَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ إلَى رَجُلٍ حَائِطَيْنِ مُسَاقَاةُ أَحَدِهِمَا عَلَى النِّصْفِ وَالْآخَرُ عَلَى الثُّلُثِ فِي صَفْقَةٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ مِمَّا لَوْ أَقَرَّ فِي السُّوقِ كَانَ هَذَا عَلَى الثُّلُثِ. وَهَذَا عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَقَدْ كَانَ فِي خَيْبَرَ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ حِينَ سَاقَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الشَّطْرِ كُلِّهَا. ابْنُ الْحَاجِبِ

ص: 400

وَغَائِبٍ إنْ وُصِفَ، وَوَصَلَهُ قَبْلَ طِيبِهِ

وَاشْتِرَاطِ جُزْءِ الزَّكَاةِ

ــ

[منح الجليل]

تَجُوزُ حَوَائِطُ مُخْتَلِفَةٌ أَوْ مُتَّفِقَةٌ فِي صَفْقَةٍ بِشَرْطِ جُزْءٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا فِي صَفَقَاتٍ فَلَا شَرْطَ فِيهَا.

(وَ) يَجُوزُ أَنْ يُسَاقِيَ حَائِطَ (غَائِبٍ) بَعِيدٍ عَنْ بَلَدِ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ (إنْ وُصِفَ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْحَائِطُ وَمَا فِيهِ مِنْ الشَّجَرِ (وَ) إنْ (وَصَلَهُ) أَيْ الْحَائِطُ الْغَائِبُ الْعَامِلَ إنْ سَافَرَ إلَيْهِ عَقِبَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ (قَبْلَ طِيبِ) ثَمَرِ (هـ) فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طِيبِهِ فَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاتُهُ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ حَائِطٍ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ إذَا وُصِفَ كَالْبَيْعِ، يُرِيدُ إذَا كَانَ يَصِلُ إلَيْهِ قَبْلَ طِيبِهِ، الْمُرَادُ بِوَصْفِهِ ذِكْرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ، فَيَذْكُرُ مَا فِيهِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ إنْ كَانَ أَوَانُهُ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْهُمَا، وَهَلْ هُوَ بَعْلٌ أَوْ يُسْقَى بِعَيْنٍ أَوْ غَرْبٍ، وَوَصَفَ أَرْضَهُ مِنْ صَلَابَةٍ أَوْ ضِدِّهَا وَمَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ وَعَدَدِهَا وَالْقَدْرِ الَّذِي اُعْتِيدَ إثْمَارُهُ، أَشَارَ لَهُ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي وَصْفُ رَبِّ الْحَائِطِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا قَالَهُ الْحَطّ. قُلْت وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا وُصِفَ كَالْبَيْعِ.

الثَّانِي: الْحَطّ الظَّاهِرُ أَنَّ رُؤْيَةَ الْعَامِلِ الْحَائِطَ السَّابِقَةَ الَّتِي لَا يَتَغَيَّرُ الْحَائِطُ بَعْدَهَا كَافِيَةٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ.

الثَّالِثُ: الْحَطّ هَلْ تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الْغَائِبِ بِلَا وَصْفٍ وَبِلَا رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ، بِشَرْطِ خِيَارِ الْعَامِلِ بِالرُّؤْيَةِ كَالْبَيْعِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَشْبِيهِهَا فِيهَا بِالْبَيْعِ.

الرَّابِعُ: فَإِنْ عَقَدَا فِي زَمَنٍ يَصِلُ الْعَامِلُ الْحَائِطَ فِيهِ قَبْلَ طِيبِهِ فَتَوَانَى الْعَامِلُ فَلَمْ يُصَلِّ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طِيبِهِ فَلَا تَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ.

الْخَامِسُ: نَفَقَةُ الْعَامِلِ فِي حَالِ سَفَرِهِ لِلْحَائِطِ فِي مَالِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

(وَ) يَجُوزُ (اشْتِرَاطُ جُزْءِ الزَّكَاةِ) عَلَى أَحَدِهِمَا، فِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ تُشْتَرَطَ الزَّكَاةُ فِي

ص: 401

عَلَى أَحَدِهِمَا

وَسِنِينَ مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا بِلَا حَدٍّ

ــ

[منح الجليل]

حَظِّ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ سَاقَى عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا فَشَأْنُ الزَّكَاةِ أَنْ يَبْدَأَ بِهَا ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ. اللَّخْمِيُّ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُسَاقَاةَ مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْحَائِطِ بِحَسَبِ ضَمِّهَا لِمَا لَهُ مِنْ غَيْرِهَا وَيُزَكَّى جَمِيعُهَا وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَرَبُّهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِذَا شَرَطَ أَحَدُهُمَا الزَّكَاةَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْحَائِطِ نِصَابٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ بِلَا عَزْوٍ وَلَا تَشْهِيرٍ. ابْنُ رُشْدٍ الْوَاجِبُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ كَانَ لِرَبِّ الْحَائِطِ مَا إنْ ضَمَّهُ إلَيْهِ بَلَغَتْهُ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ أَفَادَهُ " ق " الْحَطّ إنَّمَا يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ إذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا وَفِي الْحَائِطِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلُّ وَلَهُ ثَمَرٌ آخَرُ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ حُرًّا مُسْلِمًا أَمْ لَا، حَصَلَ لَهُ نِصَابٌ أَمْ لَا، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حِصَّتِهِ، وَلَا فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ، وَلَوْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا حَصَلَ لَهُ نِصَابٌ وَلَوْ حَصَلَ لِلْعَامِلِ مِنْ حَائِطٍ لَهُ غَيْرِ حَائِطِ الْمُسَاقَاةِ بَعْضُ نِصَابٍ فَلَا يَضُمُّهُ إلَى مَا حَصَلَ لَهُ فِي الْحَائِطِ، سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَمْ تَجِبْ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، قَائِلًا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَفِي التَّوْضِيحِ لَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ الزَّكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ وَنَقَصَ ثَمَرُ الْحَائِطِ عَنْ النِّصَابِ، فَقِيلَ يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ نِصْفَيْنِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لِرَبِّ الْحَائِطِ سِتَّةُ أَعْشَارِهَا وَلِلْعَامِلِ أَرْبَعَةُ أَعْشَارِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ أَتْسَاعًا لِرَبِّ الْحَائِطِ خَمْسَةٌ وَلِلْعَامِلِ أَرْبَعَةٌ. وَقِيلَ يَقْتَسِمَانِهَا مِنْ عِشْرِينَ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا وَلِلْعَامِلِ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ، وَهَذَا حَيْثُ دَخَلَا عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ النِّصْفَ وَإِلَّا فَلَهُ بِحِسَابِ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ.

(وَ) تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ لِشَجَرٍ (سِنِينَ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (مَا لَمْ تَكْثُرْ) السُّنُونَ الْمُسَاقَى فِيهَا (جِدًّا) بِحَيْثُ تَتَغَيَّرُ الْأُصُولُ (بِلَا حَدٍّ) بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ فِي كُلِّ صُورَةٍ فِي الْمُعَيَّنِ مِنْ سِتَّةٍ لِأَرْبَعٍ، فَإِنْ كَثُرَتْ جِدًّا فُسِخَ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " يَجُوزُ أَنْ يُسَاقِيَهُ سِنِينَ

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا، قِيلَ فَعَشَرَةٌ قَالَ لَا أَدْرِي تَحْدِيدَ عَشْرِ سِنِينَ وَلَا ثَلَاثِينَ وَلَا خَمْسِينَ. فِي التَّوْضِيحِ هَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ السَّنَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَوَائِطِ إذْ الْجَدِيدُ لَيْسَ كَالْقَدِيمِ، فَلَوْ حُدِّدَ لَفُهِمَ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِّ فِي كُلِّ حَائِطٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمُعِينِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا مِنْ سَنَةٍ إلَى أَرْبَعٍ وَذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ أَيْضًا ابْنُ الْحَاجِبِ تَجُوزُ سَنَتَيْنِ وَالْأَخِيرَةُ بِالْجَذَاذِ. الْمُوَضِّحُ فِي الْبَيَانِ لَا خِلَافَ فِي هَذَا، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْجَذَاذُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا. وَفِي الْمُعِينِ الصَّوَابُ فِيهَا أَنْ تُؤَرَّخَ بِالشُّهُورِ الْعَجَمِيَّةِ الَّتِي فِيهَا الْجَذَاذُ، فَإِنْ أُرِّخَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ فَانْقَضَتْ قَبْلَ الْجَذَاذِ فَعَلَى الْعَامِلِ التَّمَادِي إلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا فِي السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ لِأَنَّ السِّنِينَ الْعَرَبِيَّةَ تَنْتَقِلُ. الْحَطّ فَإِنْ قَصَدَ تَحْدِيدَهَا بِالْعَرَبِيِّ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ عَلَى الْجَذَاذِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فَسَدَتْ، وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ سَأَلْته عَنْ الَّذِي سَاقَى ثَلَاثَ سِنِينَ أَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ جَذَاذٍ إلَى جَذَاذٍ قَالَ بَلَى. ابْنُ رُشْدٍ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَعْلَمُهُ أَنَّ السِّنِينَ فِي الْمُسَاقَاةِ إنَّمَا هِيَ بِالْأَهِلَّةِ لَا بِالْجَذَاذِ فَإِنْ سَاقَاهُ السِّنِينَ وَاشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ الْخُرُوجَ قَبْلَ الْجَذَاذِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ. اللَّخْمِيُّ الْمُسَاقَاةُ إلَى السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أُرِيدَ انْقِضَاءُ السَّقْيِ بِانْقِضَاءِ الثَّمَرَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي السَّنَتَيْنِ جَازَتْ، وَإِنْ قَصَدَ التَّمَادِي بِالْعَمَلِ إلَى انْقِضَاءِ شُهُورِ السَّنَةِ، وَإِنْ جُذَّتْ الثَّمَرَةُ قَبْلَهَا فَلَا تَجُوزُ، وَلِلْعَامِلِ فِي السِّنِينَ الْأُولَى مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ، وَفِي الْأَخِيرَةِ حِينَ جَذِّ الثَّمَرَةِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ أَجْرُ مِثْلِهِ. الْحَطّ فَتَحْصُلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهَا تَحْدِيدُهَا بِالْجَذَاذِ؛ سَوَاءٌ عَقَدَاهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ أَوْ لِسِنِينَ فَإِنْ أَطْلَقَاهَا حُمِلَتْ عَلَى الْجَذَاذِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّحْدِيدَ بِانْقِضَاءِ السَّنَةِ أَوْ السِّنِينَ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْجَذَاذِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ فَسَدَتْ.

طفى فَالْمُعْتَبَرُ الْجَذَاذُ لَا الزَّمَانُ، فَلَا حَاجَةَ لِلتَّوْرِيخِ بِالْعَجَمِيِّ وَلَا بِالْعَرَبِيِّ، فَمَعْنَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْجَذَاذُ، فَإِذَا أَرَّخَ فَيَكُونُ بِالْعَجَمِيِّ الَّذِي يَكُونُ الْجَذَاذُ عِنْدَهُ لَا مُطْلَقُهُ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْجَذَاذِ وَكَذَلِكَ بِالْعَرَبِيِّ الَّذِي يَكُونُ الْجَذَاذُ عِنْدَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِلِانْضِبَاطِ بِالْجَذَاذِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْعَجَمِيُّ

ص: 403

وَعَامِلٍ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا فِي الْكَبِيرِ

وَقَسْمُ الزَّيْتُونِ حَبًّا كَعَصْرِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا

ــ

[منح الجليل]

مِنْ الْعَرَبِيِّ إذَا كَثُرَ السُّنُونَ، فَإِذَا أَرَّخَ بِالْعَجَمِيِّ الَّذِي يَكُونُ الْجَذَاذُ عِنْدَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِكَثْرَةِ السِّنِينَ، بِخِلَافِ التَّوْرِيخِ بِالْعَرَبِيِّ الَّذِي يَكُونُ الْجَذَاذُ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ عِنْدَ كَثْرَةِ السِّنِينَ لِلِانْتِقَالِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْجَذَاذُ قَوْلُهَا لَا تَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً، وَقَوْلُ الْمُعِينِ الصَّوَابُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنْ تُؤَرِّخَ بِالشُّهُورِ الْعَجَمِيَّةِ الَّتِي فِيهَا الْجَذَاذُ، فَقَيَّدَ الْعَجَمِيَّةَ بِاَلَّتِي فِيهَا الْجَذَاذُ وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي فِيهَا الْجَذَاذُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) يَجُوزُ اشْتِرَاطُ (عَامِلٍ) عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ (دَابَّةً أَوْ غُلَامًا) أَيْ رَقِيقًا لِرَبِّ الْحَائِطِ يَعْمَلُ مَعَهُ (فِي) الْحَائِطِ (الْكَبِيرِ) وَأَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ، فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهُمَا مَعًا. وَمَفْهُومُ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ أَحَدِهِمَا فِي الْحَائِطِ الصَّغِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ قَدْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ فَيَصِيرُ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ. الْحَطّ وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَجْمُوعِهِمَا، بَلْ يُقَالُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا وَأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الدَّابَّتَيْنِ وَالْغُلَامَيْنِ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا. ابْنُ يُونُسَ إذَا اشْتَرَطَ الدَّابَّةَ أَوْ الْغُلَامَ فَخَلَفَ مَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، إذْ عَلَيْهِمْ عَمَلُ الْعَامِلِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانُوا فِيهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ شَرَطَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَانَ عَلَى رَبِّهِ خَلَفُهُ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِأَنْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ. وَفِي التَّوْضِيحِ إذَا شَرَطَ غُلَامًا أَوْ دَابَّةً فَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ، وَقِيلَ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَلَفَ، وَالْحُكْمُ يُوجِبُهُ. فِي الْبَيَانِ هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْوَاضِحَةِ، وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مُحْتَمِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ. وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ وَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ الْغُلَامَ أَوْ الدَّابَّةَ بِإِشَارَةٍ أَوْ تَسْمِيَةٍ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ يُوجِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ اهـ.

(وَ) يَجُوزُ اشْتِرَاطُ (قَسْمُ الزَّيْتُونِ حَبًّا) وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ (كَ) شَرْطِ (عَصْرِهِ) أَيْ الزَّيْتُونِ (عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ الْعَامِلِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى

ص: 404

وَإِصْلَاحِ جِدَارٍ، وَكَنْسِ عَيْنٍ، وَسَدُّ حَظِيرَةٍ، وَإِصْلَاحِ ضَفِيرَةٍ

ــ

[منح الجليل]

أَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِمَا وَالْعُرْفُ كَالشَّرْطِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجَذَاذُ وَالْحَصَادُ وَالدِّرَاسُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ شَرَطَا قَسْمَ الزَّيْتُونِ حَبًّا جَازَ، وَلَوْ شَرَطَ عَصْرَهُ عَلَى الْعَامِلِ جَازَ لِيَسَارَتِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ فَعَصْرُهُ بَيْنَهُمَا. اللَّخْمِيُّ عَصْرُ الزَّيْتُونِ عَلَى مَنْ شَرْطَاهُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. " ق " الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ قَسْمِ الزَّيْتُونِ حَبًّا وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ عَصْرِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لَزِمَهُمَا أَنْ يَعْصِرَاهُ وَلَا يَقْتَسِمَاهُ إلَّا بَعْدَ عَصْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ مُنْتَهَى الْمُسَاقَاةِ فِي الزَّيْتُونِ جَنْيُهُ. فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الزَّيْتُونِ إنْ شَرَطَا قَسْمَهُ حَبًّا جَازَ، وَإِنْ اشْتَرَطَا عَصْرَهُ عَلَى الْعَامِلِ جَازَ. أَبُو الْحَسَنِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ لِيَسَارَتِهِ. أَبُو إِسْحَاقَ إنْ شَرَطَ عَصْرَهُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ جَازَ. ابْنُ يُونُسَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ فَعَصْرُهُ بَيْنَهُمَا، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٍ. سَحْنُونٌ مُنْتَهَى مُسَاقَاتِهِ جَنَاهُ. اهـ. الْحَطّ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ كَلَامَ سَحْنُونٍ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) يَجُوزُ اشْتِرَاطُ (إصْلَاحِ جِدَارٍ وَكَنْسِ عَيْنٍ وَشَدٍّ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ رَبْطٌ وَإِهْمَالُهَا أَيْ تَرْقِيعُ (حَظِيرَةٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ أَعْوَادٌ تُجْعَلُ عَلَى أَعْلَى الْحَائِطِ لِمَنْعِ تَخَطِّيهِ فَفَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ (وَإِصْلَاحُ ضَفِيرَةٍ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ أَعْوَادٌ مَضْفُورَةٌ مُلْبِسَةٌ بِطِينٍ مُحِيطَةٌ بِالْمَاءِ الْمَجْمُوعِ لِسَقْيِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ لِمَنْعِهِ مِنْ السَّيَلَانِ كَالْحَوْضِ عَلَى الْعَامِلِ لِيَسَارَتِهَا فِيهَا تَنْقِيَةُ مَنَافِعِ الْمَاءِ وَخَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ كَنْسُهَا وَقَطْعُ الْجَرِيدِ وَإِبَارُ النَّخْلِ وَسَدُّ الْحِظَارِ، وَالْيَسِيرُ مِنْ إصْلَاحِ الضَّفِيرَةِ وَنَحْوِهَا. مِمَّا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ. ابْنُ حَبِيبٍ سَدُّ الْحِظَارِ هُوَ تَحْصِينُ الْجُدُرِ وَتَزْرِيبُهَا، وَالضَّفِيرَةُ هِيَ مَحْبِسُ الْمَاءِ وَمُجْتَمَعُهُ كَالصِّهْرِيجِ، فَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَلَى الْعَامِلِ فَهِيَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا الْجَذَاذُ وَالتَّذْكِيرُ

ص: 405

أَوْ مَا قَلَّ

ــ

[منح الجليل]

وَسَرْوِ الشَّرَبِ، فَإِنَّهُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ عِيَاضٌ الشَّرَبَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ: الْحُفْرَةُ حَوْلَ النَّخْلِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ لِسَقْيِهَا وَتَشْرَبُ عُرُوقُ النَّخْلَةِ مِنْهَا وَسَرْوُهَا بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ كَنْسُهَا وَتَنْقِيَتُهَا مِمَّا يَقَعُ فِيهَا وَتَوْسِعَتُهَا لِيَكْثُرَ فِيهَا الْمَاءُ. وَخَمٌّ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَنْسُ الْعَيْنِ مِمَّا لَعَلَّهُ يَسْقُطُ فِيهَا أَوْ يَنْهَارُ مِنْ التُّرَابِ. وَسَدُّ الْحِظَارِ بِالسِّينِ وَالشِّينِ، وَقِيلَ مَا حُظِرَ بِزَرْبٍ فَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَمَا كَانَ بِجِدَارٍ فَبِالْمُهْمَلَةِ. وَالضَّفِيرَةُ عِيدَانٌ تُنْسَجُ وَتُضَفَّرُ وَتُطَيَّنُ فَيَجْتَمِعُ الْمَاءُ فِيهَا كَالصِّهْرِيجِ. وَقِيلَ هِيَ مِثْلُ الْمُسَاقَاةِ الطَّوِيلَةِ فِي الْأَرْضِ تُجْعَلُ يَجْرِي الْمَاءُ فِيهَا بِخَشَبٍ وَحِجَارَةٍ يُضَفَّرُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ تَمْنَعُ مِنْ انْتِشَارِ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْحَائِطِ، وَفِيهَا لِمَنْ أَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً فَغَارَ مَاؤُهَا بَعْدَ سَقْيِهِ أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا بِقَدْرِ حَظِّ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ ثَمَرَةِ تِلْكَ السَّنَةِ لَا أَكْثَرَ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى حَظِّ رَبِّ الْحَائِطِ لَا يَلْزَمُهُ وَمِثْلُهُ فِي رُهُونِهَا خِلَافُ سَمَاعِ سَحْنُونٍ لُزُومُ الرَّاهِنِ إصْلَاحُهَا، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْحَائِطِ غَيْرُهُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهَا لِئَلَّا يَذْهَبَ عَمَلُ الْعَامِلِ هَدَرًا.

(أَوْ) اشْتِرَاطُ (مَا) أَيْ عَمَلٌ (قَلَّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامُ مُثَقَّلَةٌ عَلَى الْعَامِلِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ لِيَسَارَتِهِ وَعَدَمِ بَقَائِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ غَالِبًا. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْكَثِيرِ عَلَى الْعَامِلِ كَحَفْرِ بِئْرٍ وَفَتْقِ عَيْنٍ وَبِنَاءِ حَائِطٍ وَإِنْشَاءُ ضَفِيرَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. الْحَطّ لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِصْلَاحُ جِدَارٍ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ كَافًا فَقَالَ كَإِصْلَاحِ جِدَارٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ عِلَّةَ جَوَازِ اشْتِرَاطِهَا عَلَى الْعَامِلِ يَسَارَتُهَا، قَالَ فِيهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إنْ كَانَ يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا أَوْ يَبْقَى بَعْدَهَا مِنْهُ الشَّيْءُ فَهُوَ جَائِزٌ مِثْلُ التَّذْكِيرِ وَالتَّلْقِيحِ وَالسَّقْيِ وَإِصْلَاحِ مَوَاضِعِهِ وَجَلْبِ الْمَاءِ وَالْجَذَاذِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ، فَهَذَا وَشِبْهُهُ لَازِمٌ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أَخْذُ الْعِوَضِ، وَإِنْ كَانَ يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِهَا

ص: 406

وَتَقَايُلُهُمَا هَدَرًا

وَمُسَاقَاةُ الْعَامِلِ آخَرَ وَلَوْ أَقَلَّ أَمَانَةً،

ــ

[منح الجليل]

أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ رَبُّهَا مِثْلَ حَفْرِ بِئْرٍ بِهَا أَوْ بِنَاءِ بَيْتٍ يَجْنِي فِيهِ كَالْجَرِينِ أَوْ إنْشَاءِ غَرْسٍ فَهَذَا لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ يَنْفَرِدُ بِهَا رَبُّ الْحَائِطِ فَهِيَ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ.

(وَ) يَجُوزُ (تَقَايُلُهُمَا) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلِ مِنْ الْمُسَاقَاةِ تَقَايُلًا (هَدَرًا) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَنْ سَاقَى رَجُلًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّرْكُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُسَاقَاةُ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ إلَّا أَنْ يَتَتَارَكَا بِغَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْ الْآخَرِ فَيَجُوزُ، وَلَيْسَ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إذْ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ، فَرَبُّهُ إذًا تَارِكُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَمَنْ سَاقَيْتُهُ حَائِطَكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيلَكَ عَلَى شَيْءٍ تُعْطِيهِ إيَّاهُ كَانَ قَدْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ غَرَّرَ إنْ كَانَ أَثْمَرَ النَّخْلُ، فَإِنَّهُ بَيْعٌ لِلثَّمَرِ قَبْلَ زَهْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ فَهُوَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ إذْ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ مُتَارَكَةِ رَبِّ الْحَائِطِ بِجَوَازِ مُسَاقَاةِ الْغَيْرِ، فَجَعَلَ الْمُتَارَكَةَ مُسَاقَاةً انْعَقَدَتْ بِغَيْرِ لَفْظِهَا لِأَنَّهَا إقَالَةٌ وَهِيَ مَعْرُوفٌ، فَإِنْ تَقَايَلَا عَلَى شَيْءٍ يُعْطِيهِ إيَّاهَا وَلَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فَاتَ بِالْعَمَلِ رُدَّ فِيمَا عَمِلَ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى جُزْءٍ مُسَمًّى فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ خَوْفَ أَنْ تَكُونَ الْمُسَاقَاةُ أَظْهَرَتْ أَوَّلًا وَآخِرًا ذَرِيعَةً لِإِجَارَةٍ فِي مُدَّةِ عَمَلٍ بِجُزْءِ الثَّمَرَةِ، فَيُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ تَقَايَلَا عَلَى الْجُزْءِ لِأَمْرٍ بَدَا لَهُمَا دُونَ دُلْسَةٍ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا مُسَاقَاةٌ صَحِيحَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقِبَلَهُ الْمُوَضِّحُ.

(وَ) تَجُوزُ (مُسَاقَاةُ الْعَامِلِ) عَامِلًا (آخَرَ) إنْ كَانَ مِثْلَ الْأَوَّلِ فِي الْأَمَانَةِ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (أَقَلَّ أَمَانَةً) مِنْهُ. فِيهَا لِمَنْ سُوقِي فِي أُصُولٍ أَوْ زَرْعِ مُسَاقَاةَ غَيْرِهِ فِي مِثْلِ أَمَانَتِهِ، فَإِنْ سَاقَى غَيْرَ أَمِينٍ ضَمِنَ. اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ دَفْعُهُ لِأَمِينٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فِي

ص: 407

وَحُمِلَ عَلَى ضِدِّهَا، وَضَمِنَ. فَإِنْ عَجَزَ وَلَمْ يَجِدْ: أَسْلَمَهُ هَدَرًا

وَلَمْ تَنْفَسِخْ بِفَلَسِ رَبِّهِ، وَبِيعَ: مُسَاقًى

ــ

[منح الجليل]

الْأَمَانَةِ، وَحَمَلَ عَلَى ضِدِّهَا وَضَمِنَ الْحَطّ تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ عَامِلًا آخَرَ عَلَى مِثْلِ الْجُزْءِ بَعْدَ الْعَمَلِ وَقَبْلَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهَا لَازِمَةٌ، وَعَلَى أَنَّهَا جَائِزَةٌ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ إلَّا بِرِضَا رَبِّهِ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي سَاقَى عَلَيْهِ رَبُّ الْحَائِطِ كَأَنْ سَاقَاهُ بِالنِّصْفِ وَقَدْ سُوقِيَ بِالرُّبْعِ فَإِنَّ الْعَامِلَ الثَّانِيَ يَأْخُذُ مَا سَاقَى عَلَيْهِ رَبَّ الْحَائِطِ، وَيُتْبِعُ الْأَوَّلَ بِتَمَامِ مَا سَاقَاهُ بِهِ، وَإِنْ سَاقَاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَاقَاهُ بِهِ رَبُّ الْحَائِطِ بِأَنْ سَاقَاهُ بِالرُّبْعِ وَقَدْ سَاقَاهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِالنِّصْفِ فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْعَمَلِ كَانَ لَهُ الْفَضْلُ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَازِمَةٌ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ.

(وَحُمِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْعَامِلُ الثَّانِي عِنْدَ جَهْلِ حَالِهِ (عَلَى ضِدِّهَا) أَيْ الْأَمَانَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمِينٌ (وَضَمِنَ) الْعَامِلُ الْأَوَّلُ مُوجِبَ فِعْلِ الثَّانِي غَيْرَ الْأَمِينِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ فِي شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ (فَإِنْ عَجَزَ) الْعَامِلُ عَمَّا يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ فِي الْحَائِطِ أَوْ الزَّرْعِ (وَلَمْ يَجِدْ) أَمِينًا يُسَاقِيهِ (أَسْلَمَهُ) أَيْ الْعَامِلُ الْحَائِطَ أَوْ الزَّرْعَ لِرَبِّهِ (هَدَرًا) أَيْ بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْ رَبِّهِ لِأَنَّهَا كَالْجُعْلِ فِي تَوَقُّفِ اسْتِحْقَاقِ عِوَضِهَا عَلَى تَمَامِ الْعَمَلِ. فِيهَا إنْ عَجَزَ عَنْ السَّقْيِ قِيلَ لَهُ سَاقِ مَنْ شِئْت أَمِينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَسْلَمَ الْحَائِطَ لِرَبِّهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ.

(وَلَمْ تَنْفَسِخْ) الْمُسَاقَاةُ (بِفَلَسِ رَبِّهِ) أَيْ الْحَائِطِ سَوَاءٌ فَلَسَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ (وَ) بِيعَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْحَائِطُ لِتَوْفِيَةِ دَيْنِ رَبِّهِ عَلَى أَنَّهُ (مُسَاقًى) فِيهَا إنْ فَلَسَ رَبُّ الْحَائِطِ فَلَا تَنْفَسِخُ الْمُسَاقَاةُ كَانَ قَدْ عَمِلَ أَمْ لَا، وَيُقَالُ لِلْغُرَمَاءِ بِيعُوا الْحَائِطَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ فِي مُسَاقًى كَمَا هُوَ. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ أَجَزْته وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ حَائِطَهُ قَبْلَ الْإِبَارِ وَاسْتَثْنَى ثَمَرَتَهُ فَلَا تُجِيزُهُ. قَالَ هَذَا وُجِدَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي اسْتِثْنَاءَ ثَمَرَةٍ. الْحَطّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ بِيعَ سَوَاءٌ كَانَ سَاقَاهُ سَنَةً أَوْ سِنِينَ وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ فِي السِّنِينَ، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ.

ص: 408

وَمُسَاقَاةُ وَصِيٍّ وَمَدِينٍ بِلَا حَجْرٍ.

وَدَفْعُهُ لِذِمِّيٍّ لَمْ يَعْصِرْ حِصَّتَهُ خَمْرًا.

لَا مُشَارَكَةُ رَبِّهِ

ــ

[منح الجليل]

وَ) تَجُوزُ (مُسَاقَاةُ وَصِيٍّ) حَائِطَ مَحْجُورِهِ لِأَنَّهَا مِنْ تَصَرُّفِهِ لَهُ (وَ) تَجُوزُ مُسَاقَاةُ (مَدِينٍ بِلَا حَجْرٍ) مِنْ غُرَمَائِهِ عَلَيْهِ حَائِطُهُ لِأَنَّهَا كَكِرَائِهِ لِأَرْضِهِ وَدَارِهِ وَلَيْسَ لِغُرَمَائِهِ فَسْخُهَا، فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ، وَإِنْ نَزَلَتْ فَلَهُمْ فَسْخُهَا فِيهَا لِلْوَصِيِّ دَفْعُ حَائِطِ الْأَيْتَامِ مُسَاقَاةً، لِأَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ لَهُمْ جَائِزٌ، وَلِلْمَأْذُونِ دَفْعُ الْمُسَاقَاةِ وَأَخْذُهَا، وَلِلْمِدْيَانِ دَفْعُ الْمُسَاقَاةِ كَكِرَائِهِ أَرْضَهُ وَدَارَهُ ثُمَّ لَيْسَ لِغُرَمَائِهِ فَسْخُ ذَلِكَ وَلَوْ سَاقَى أَوْ أَكْرَى بَعْدَ قِيَامِهِمْ فَلَهُمْ فَسْخُهُ.

(وَ) يَجُوزُ (دَفْعُهُ) أَيْ الْحَائِطِ (لِذِمِّيٍّ) يَعْمَلُ فِيهِ مُسَاقَاةً إنْ (لَمْ يَعْصِرْ) الذِّمِّيُّ (حِصَّتَهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ الَّتِي يَأْخُذُهَا فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ مِنْ الْعِنَبِ وَنَحْوِهِ (خَمْرًا) أَيْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ رَبُّ الْحَائِطِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ يَعْصِرُهَا خَمْرًا فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ لَهُ عَلَى عِصْيَانِهِ. فِيهَا كَرِهَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَخْذُك مِنْ نَصْرَانِيٍّ مُسَاقَاةً أَوْ قِرَاضًا وَلَسْتُ أَرَاهُ حَرَامًا، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْفَعَ نَخْلَك إلَى نَصْرَانِيٍّ مُسَاقَاةً إنْ أَمِنْت أَنْ يَعْصِرَ حِصَّتَهُ خَمْرًا. ابْنُ الْعَرَبِيِّ كَيْفَ قَالَ مَالِكٌ هَذَا وَقَدْ «سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَمْنَ مِنْ عَصْرِ الْخَمْرِ» إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَمْنُوعُ إذَا كَانُوا يَسْقُونَهَا مُسْلِمًا وَلَا يُقَالُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِأَنَّ فَتْحَ خَيْبَرَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ حَمْلُهُ عَلَى عَدَمِ الْأَمْنِ حَتَّى يُعْلَمَ الْأَمْنُ

(لَا) تَجُوزُ (مُشَارَكَةُ رَبِّهِ) أَيْ الْحَائِطِ الْعَامِلَ فِي عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ، سَمِعَ الْقَرِينَانِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اسْقِ أَنْتَ وَأَنَا حَائِطِي وَلَك نِصْفُ ثَمَرِهِ فَلَا يَصْلُحُ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ أَنْ يُسَلِّمَ الْحَائِطَ إلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ وَقَعَ وَفَاتَ فَالْعَامِلُ أَجِيرٌ، لِأَنَّ رَبَّهُ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ إنَّمَا أَعْطَاهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ نَزَلَ فَلَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ تَجُوزُ وَلَا يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ كَاشْتِرَاطِهِ غُلَامًا أَوْ دَابَّةً يَعْمَلُ مَعَهُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا.

ص: 409

أَوْ إعْطَاءُ أَرْضٍ لِتُغْرَسَ، فَإِذَا بَلَغَتْ، كَانَتْ مُسَاقَاةً، أَوْ شَجَرٍ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَ سِنِينَ، وَهِيَ تَبْلُغُ أَثْنَاءَهَا.

وَفُسِخَتْ فَاسِدَةٌ بِلَا عَمَلٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ: إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ،

ــ

[منح الجليل]

أَوْ) أَيْ لَا يَجُوزُ (إعْطَاءُ أَرْضٍ) شَخْصًا (لِيَغْرِسَ) الشَّخْصُ فِيهَا شَجَرَ كَذَا وَكَذَا وَيَخْدُمَهَا (فَإِذَا بَلَغَتْ) الْأَشْجَارُ الْإِثْمَارَ (كَانَتْ مُسَاقَاةً) سِنِينَ سَمَّاهَا فَلَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ. ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ نَزَلَتْ فُسِخَتْ مَا لَمْ يُثْمِرْ الشَّجَرُ، فَإِنْ أَثْمَرَ وَعَمِلَ فَلَا تُفْسَخُ الْمُسَاقَاة، وَلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَنَفَقَتُهُ، وَفِي سِنِينَ الْمُسَاقَاةِ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ فَضْلٌ، وَلَهُ قِيمَةُ الْأَشْجَارِ يَوْمَ غَرْسِهَا، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَانَتْ مُسَاقَاةً بِأَنْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَرْضَ وَاغْرِسْهَا نَوْعًا مُعَيَّنًا فَإِنْ بَلَغَتْ قَدْرًا مَخْصُوصًا كَانَ الشَّجَرُ وَالْأَرْضُ بَيْنَنَا صَحَّتْ، وَكَانَتْ مُغَارَسَةً، فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْهَا فَسَدَتْ، فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَمَلِ فُسِخَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى الْغَارِسِ نِصْفُ قِيمَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ غَرْسِهَا بَرَاحًا وَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ نِصْفُ قِيمَةِ الْغَرْسِ يَوْمَ بَلَغَ وَهُمَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا.

(أَوْ) أَيْ لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ (شَجَرٍ لَمْ تَبْلُغْ) الْإِثْمَارَ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهَا (خَمْسَ سِنِينَ وَهِيَ) أَيْ الشَّجَرُ (تَبْلُغُ) الْإِثْمَارَ (أَثْنَاءَهَا) أَيْ الْخَمْسِ سِنِينَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مَثَلًا عَبْدُ الْحَقِّ فَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِهَا الْإِطْعَامُ فُسِخَ وَلَهُ نَفَقَتُهُ وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَإِذَا عَثَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِطْعَامِ وَالْعَمَلِ فَلَا تُفْسَخُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ وَلَهُ فِيهَا مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ، قَوْلُهُ نَفَقَتُهُ أَيْ مَا أَنْفَقَهُ فِي الشَّجَرِ

(وَفُسِخَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُسَاقَاةٌ (فَاسِدَةً) بِعَدَمِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ (بِلَا عَمَلٍ) أَيْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَبْلَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ فِيهَا مُسَاقَاةَ الْمِثْلِ، أَوْ أُجْرَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُضَيِّعُ شَيْئًا عَلَى الْعَامِلِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ وَقَعَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي جَوَّزَهُ الشَّارِعُ فَإِنَّهَا تُفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْعَمَلِ وَيُرَدُّ الْحَائِطُ إلَى رَبِّهِ.

(أَوْ) ظَهَرَ فَسَادُهَا (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْعَمَلِ (أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ) مُسَاقًى عَلَيْهِ فَتُفْسَخُ (إنْ وَجَبَتْ) فِيهَا (أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِلْعَامِلِ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي عَمَلِهِ السَّابِقِ عَلَى

ص: 410

وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ: إنْ خَرَجَا عَنْهَا كَإِنْ ازْدَادَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، وَإِلَّا فَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ:

ــ

[منح الجليل]

فَسْخِهَا. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ تَجِبُ فِيهَا مُسَاقَاةٌ فَلَا تُفْسَخُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِئَلَّا يَضِيعَ عَمَلُ الْعَامِلِ فَيُتَمِّمَ الْعَمَلَ، وَلَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْعِوَضَ إلَّا مِنْ الثَّمَرَةِ، فَلَوْ فُسِخَتْ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهَا كَالْجُعْلِ لَا يَسْتَحِقُّ عِوَضَهَا إلَّا بِالْإِتْمَامِ. ابْنُ رُشْدٍ مَا يُرَدُّ فِيهِ الْعَامِلُ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ يُفْسَخُ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ. عِيَاضٌ وَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ عَمَلِهِ، وَأَمَّا مَا يُرَدُّ فِيهِ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فَيُفْسَخُ مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِنْ فَاتَ بِابْتِدَائِهِ الْعَمَلُ بِمَا لَهُ بَالٌ فَلَا تُفْسَخُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِهَا، وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأَعْوَامِ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ.

(وَ) إنْ ظَهَرَ فَسَادُهَا (بَعْدَ) تَتْمِيمِ الْعَامِلِ لَ (هـ) أَيْ الْعَمَلِ فَلَهُ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ) كَانَا (خَرَجَا) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلُ فِي عَقْدِهِمَا (عَنْ) حَقِيقَتِهَا (هَا) أَيْ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (كَأَنْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّمْثِيلِ صِلَتُهُ (ازْدَادَ) أَيْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ زِيَادَةً عَنْ حَظِّهِ عَنْ الثَّمَرِ، وَمَفْعُولُ ازْدَادَ (عَيْنًا أَوْ عَرْضًا) فَإِنْ كَانَ آخِذُ الْعَيْنِ أَوْ الْعَرْضِ الْعَامِلَ فَقَدْ خَرَجَ إلَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ إذْ آلَ أَمْرُهُمَا إلَى اسْتِئْجَارِ رَبِّ الْحَائِطِ الْعَامِلَ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ، وَبِجُزْءِ الثَّمَرَةِ الْمَجْهُولِ، وَإِنْ كَانَ آخِذُهُ رَبَّ الْحَائِطِ فَقَدْ خَرَجَا إلَى بَيْعِ جُزْءِ الثَّمَرِ قَبْلَ زَهْوِهِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْعَرْضِ وَعَمَلِ الْعَامِلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا فِي عَقْدِهِمَا عَنْ حَقِيقَةِ الْمُسَاقَاةِ (فَ) لَهُ (مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ) أَيْ الْجُزْءُ الَّذِي يُسَاقَى بِهِ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَائِطِ فِي الثَّمَرَةِ فَإِنْ أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَفِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ أُجِيحَتْ. عِيَاضٌ الْخِلَافُ الْجَارِي فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ كُلُّهُ جَارٍ فِي الْمُسَاقَاةِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ فَاتَتْ بِالْعَمَلِ فَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا إذَا خَرَجَا فِيهَا عَنْ حُكْمِهَا إلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِمَا اشْتَرَطَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ زِيَادَةٍ يَزِيدُهَا إيَّاهَا خَارِجَةٍ عَنْهَا، فَإِنَّهُ يُرَدُّ فِيهَا إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ إذَا لَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهَا حَتَّى فَاتَتْ بِالْعَمَلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ

ص: 411

كَمُسَاقَاتِهِ مَعَ ثَمَرٍ أَطْعَمَ، أَوْ مَعَ بَيْعٍ، أَوْ اشْتَرَطَ عَمَلَ رَبِّهِ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ غُلَامٍ، وَهُوَ صَغِيرٌ، أَوْ حَمْلَهُ لِمَنْزِلِهِ، أَوْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةً أُخْرَى، أَوْ اخْتَلَفَ الْجُزْءُ بِسِنِينَ أَوْ حَوَائِطَ:

ــ

[منح الجليل]

يُسَاقِيَهُ فِي حَائِطِهِ عَلَى أَنْ يُزِيدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ سَاقَاهُ عَلَى أَنْ يُزِيدَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضًا فَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَمَلِ حَائِطِهِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْعُرُوضِ وَبِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ، فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا سَاقَاهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَ الْعَامِلَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضًا فَقَدْ اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْعُرُوضِ وَبِعَمَلِهِ فِي الْحَائِطِ، فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجَا عَنْ حُكْمِهَا فَإِنَّهُ يُرَدُّ فِيهَا إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ.

وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِمَا يُرَدُّ فِيهِ لِمُسَاقَاةِ الْمِثْلِ فَقَالَ (كَمُسَاقَاتِهِ) لِحَائِطَيْنِ (مَعَ شَجَرٍ أَطْعَمَ) أَيْ بَلَغَ الْإِثْمَارَ فِي أَحَدِهِمَا، وَشَجَرٍ لَمْ يُطْعِمْ، أَيْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ فِي عَامِهِ فِي الْحَائِطِ الْآخَرِ أَوْ لِحَائِطٍ وَاحِدٍ فِيهِ شَجَرٌ مُطْعِمٌ وَشَجَرُ غَيْرِهِ مُطْعِمٌ، وَلَيْسَ الثَّانِي تَبَعًا لِلْأَوَّلِ (أَوْ) مُسَاقَاةِ شَجَرًا أَوْ زَرْعًا (مَعَ بَيْعٍ) فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ (أَوْ) مُسَاقَاةٍ (اشْتَرَطَ) الْعَامِلُ فِيهَا (عَمَلَ رَبِّهِ) أَيْ الْحَائِطِ مَعَهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَائِطُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا (أَوْ) مُسَاقَاةٍ اشْتَرَطَ الْعَامِلُ فِيهَا عَمَلَ (دَابَّةٍ أَوْ غُلَامٍ) لِرَبِّ الْحَائِطِ مَعَهُ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَائِطُ (صَغِيرًا أَوْ) مُسَاقَاةٍ اشْتَرَطَ فِيهَا رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ مَا يَخُصُّ رَبَّ الْحَائِطِ مِنْ الثَّمَرَةِ مِنْ الْحَائِطِ (حَمْلَهُ لِمَنْزِلِهِ) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ. (أَوْ) مُسَاقَاةٍ اشْتَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ فِيهَا عَلَى الْعَامِلِ أَنْ (يَكْفِيَهُ) أَيْ الْعَامِلُ رَبَّ الْحَائِطِ (مُؤْنَةَ) حَائِطٍ (آخَرَ) بِأَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِيهِ بِلَا جُزْءٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ (أَوْ) مُسَاقَاةِ الْحَائِطِ سِنِينَ وَ (اخْتَلَفَ الْجُزْءُ) الْمَشْرُوطُ لِلْعَامِلِ (بِ) اخْتِلَافِ (سِنِينَ) كَثُلُثٍ فِي سَنَةٍ وَنِصْفٍ فِي أُخْرَى وَرُبْعٍ فِي أُخْرَى (أَوْ) مُسَاقَاةِ حَوَائِطَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَ الْجُزْءُ بِاخْتِلَافِ (حَوَائِطَ) كَنِصْفٍ فِي حَائِطٍ وَثُلُثٍ فِي حَائِطٍ.

وَشَبَّهَ فِي مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ فَقَالَ

ص: 412

كَاخْتِلَافِهِمَا، وَلَمْ يُشْبِهَا.

وَإِنْ سَاقَيْته أَوْ أَكْرَيْتَهُ، فَأَلْفَيْته سَارِقًا: لَمْ تَنْفَسِخْ، وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ

: كَبَيْعِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَلَسِهِ

ــ

[منح الجليل]

(كَاخْتِلَافِهِمَا) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلُ بَعْدَ الْعَمَلِ فِي قَدْرِ الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ لِلْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرَةِ (وَلَمْ يُشْبِهَا) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلُ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّ الْحَائِطِ جُزْءًا أَقَلَّ مِنْ الْمُعْتَادِ جِدًّا وَالْعَامِلُ أَكْثَرَ مِنْهُ جِدًّا فَيُرَدَّانِ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا. ابْنُ رُشْدٍ وَاَلَّذِي وُجِدَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُرَدُّ فِيهِ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ، اثْنَانِ مِنْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُمَا إذَا سَاقَاهُ فِي حَائِطٍ وَفِيهِ ثَمَرٌ قَدْ أَطْعَمَ، وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُسَاقِي عَلَى الْمُسَاقَى لَهُ يَعْمَلُ مَعَهُ فِي الْحَائِطِ، وَاثْنَانِ مِنْهَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَهُمَا الْبَيْعُ وَالْمُسَاقَاةُ فِي صَفْقَةٍ وَالْمُسَاقَاةُ سَنَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالْأُخْرَى عَلَى النِّصْفِ، فَفِي هَذِهِ كُلِّهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ. عِيَاضٌ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ وَهِيَ مُسَاقَاةُ حَائِطٍ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ أُخْرَى، وَكَذَلِكَ تَلْزَمُ فِي حَائِطَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَجْزَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا لَيْسَ فِي الْحَائِطِ وَهُوَ صَغِيرٌ تَكْفِيهِ الدَّابَّةُ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ حَظَّ رَبِّ الْمَالِ إلَى مَنْزِلِهِ فَفِي هَذِهِ يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ.

(وَإِنْ سَاقَيْته) حَائِطَك (أَوْ أَكْرَيْتَهُ) دَارَك (فَأَلْفَيْتُهُ) بِالْفَاءِ أَيْ وَجَدْته (سَارِقًا) يُخْشَى مِنْهُ سَرِقَةُ الثَّمَرَةِ وَمَا يَسْقُطُ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْأَبْوَابِ وَنَحْوِهَا (لَمْ تَنْفَسِخْ) مُسَاقَاتُهُ وَلَا كِرَاؤُهُ (وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ) رَبُّ الْحَائِطِ أَوْ الدَّارِ. وَأَمَّا إنْ اكْتَرَيْتُهُ لِلْخِدْمَةِ فَوَجَدْته سَارِقًا فَلَكَ الْفَسْخُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَفُّظِ مِنْهُ. فِيهَا وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَأَلْفَاهُ سَارِقًا فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ، فَقِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَجِيرَ فِي الْخِدْمَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُسَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كِرَاءَ الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ وَقَعَ فِي مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى دَابَّةً فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً بِخِلَافِ الْمُكْتَرِي وَالْمُفْلِسِ وَالْمُسَاقِي فَإِنَّمَا وَقَعَ الْكِرَاءُ فِيهَا عَلَى الذِّمَّةِ.

وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْفَسْخِ فَقَالَ (كَبَيْعِهِ) أَيْ الْمُفْلِسِ سِلْعَةً يَقْبِضُ مِنْهُ ثَمَنَهَا (وَلَمْ يَعْلَمْ) الْبَائِعُ لَهُ (بِفَلَسِهِ) فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ لِتَفْرِيطِهِ فِي عَدَمِ السُّؤَالِ عَنْ حَالِهِ قَبْلَ بَيْعِهِ لَهُ.

ص: 413

وَسَاقِطُ النَّخْلِ: كَلِيفٍ: كَالثَّمَرَةِ

وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ

ــ

[منح الجليل]

فِيهَا وَمَنْ سَاقَيْته حَائِطَك أَوْ أَكْرَيْتَهُ دَارَك ثُمَّ أَلْفَيْته سَارِقًا فَلَا يُفْسَخُ سِقَاءٌ وَلَا كِرَاءٌ وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ فَإِذَا هُوَ مُفْلِسٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِفَلَسِهِ أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ لَزِمَهُ. ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ حَقَّكَ فِي السِّقَاءِ وَالْكِرَاءِ وَقَعَ عَلَى مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ وَالْمُكْتَرِي وَالْمُفْلِسُ، إنَّمَا وَقَعَ شِرَاؤُك عَلَى الذِّمَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْهُ أَكْرَى عَلَيْهِ وَسُوقِيَ عَلَيْهِ وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ.

(وَسَاقِطُ النَّخْلِ) أَيْ مَا يَسْقُطُ مِنْهُ (كَلِيفٍ) وَجَرِيدٍ وَثَمَرَةٍ تُلْقِيهَا الرِّيحُ أَوْ غَيْرُهَا (كَالثَّمَرَةِ) فِي الْقَسْمِ بَيْنَ رَبِّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَا كَانَ مِنْ سَوَاقِطِ النَّخْلِ مِنْ بَلَحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْجَرِيدِ وَاللِّيفِ وَتِبْنِ الزَّرْعِ فَبَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا مِنْ الْأَجْزَاءِ

(وَ) إنْ تَنَازَعَا فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ وَفَسَادِهَا فَ (الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ غَلَبَ فَسَادُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى الصَّوَابِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَسَاقِيَيْنِ فَسَادًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ. اللَّخْمِيُّ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَلَالِ، سَوَاءٌ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيَحْلِفُ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَمَلِ وَفَصَّلَ فِي تَوْجِيهِ الْيَمِينِ فِي اخْتِلَافِهِمَا قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ. الْحَطّ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ الشَّامِلِ وَصُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بَعْدَ الْعَمَلِ وَإِلَّا تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ. أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ مَا فِي الشَّامِلِ هُوَ الَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ، فِي الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ يُونُسَ وَالتَّلْقِينِ وَالتُّونُسِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا بَعْدَ الْعَمَلِ. ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا تَعَاقَدَا فَقَالَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنَا سَاقَيْتُك الْحَائِطَ وَحْدَهُ دُونَ دَوَابَّ وَلَا رَقِيقٍ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ بِدَوَابِّهِ وَرَقِيقِهِ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ. التُّونُسِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ مُدَّعِي الْفَسَادَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْعَمَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ مَعَ يَمِينِهِ. ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ الْعُرْفَ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُدَّعٍ لَهُ فَوَجَبَ كَوْنُ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ، لَكِنْ قَالَ (غ) حَمَلَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ يُونُسَ رِوَايَةَ الْعُتْبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، وَحَمَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ عَلَى جَوَازِ

ص: 414

وَإِنْ قَصَّرَ عَامِلٌ عَمَّا شُرِطَ: حُطَّ بِنِسْبَتِهِ.

ــ

[منح الجليل]

الْمُسَاقَاةِ عَلَى إخْرَاجِ مَا فِي الْحَائِطِ مِنْ الدَّوَابِّ فَكِلَاهُمَا مُدَّعٍ لِلصِّحَّةِ، فَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِيهَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَأَمَّا عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فَتَحْصُلُ أَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ مُطْلَقًا، وَطَرِيقَةُ غَيْرِهِمَا التَّفْصِيلُ، وَعَلَيْهَا مَا فِي الشَّامِلِ. وَمَحَلُّ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ مَا لَمْ يَغْلِبْ فَسَادُهَا، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، بِدَلِيلِ تَعْلِيلِ ابْنِ يُونُسَ تَرْجِيحَ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِالْعُرْفِ، أَيْ فَإِنْ عُكِسَ الْعُرْفُ عُلِّلَ بِهِ تَرْجِيحُ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ مُدَّعِي الْفَسَادِ لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ لَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ.

(وَإِنْ قَصَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا (عَامِلٌ عَمَّا) أَيْ بَعْضُ الْعَمَلِ الَّذِي (شُرِطَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ شَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَيْهِ عَمَلَهُ (حُطَّ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مُثَقَّلَةً، أَيْ أَسْقَطَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ فِي عَقْدِهَا جُزْءٌ مِنْ حَظِّهِ نِسْبَتُهُ لَهُ (بِ) مِثْلِ (نِسْبَتِهِ) أَيْ الْعَمَلِ الَّذِي تَرَكَهُ لِجَمِيعِ الْعَمَلِ الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ، فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْحَرْثَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَحَرَثَ مَرَّتَيْنِ حَطَّ مِنْ جُزْئِهِ ثُلُثَهُ. سَحْنُونٌ مَنْ أَعْطَيْتُهُ كَرْمَةً أَوْ زَيْتُونَةً مُسَاقَاةً عَلَى أَنْ يَسْقِيَ وَيَقْطَعَ وَيَجْنِيَ، وَعَلَى أَنَّهُ يَحْرُثُهُ ثَلَاثَ حَرْثَاتٍ فَعَمِلَ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْرُثْهُ إلَّا حَرْثَتَيْنِ قَالَ يُنْظَرُ عَمَلُ جَمِيعِ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ مِنْ سِقَاءِ حَرْثٍ وَقَطْعٍ وَجَنْيٍ فَيَنْظُرُ مَا عَمِلَ مَعَ مَا تَرَكَ مَا هُوَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مَا تَرَكَ يَكُونُ مِنْهُ الثُّلُثُ حَطَّ مِنْ النِّصْفِ ثُلُثَهُ إنْ كَانَ سَاقَاهُ عَلَى النِّصْفِ، وَإِنْ كَانَ سَاقَاهُ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ حَطَّ مِنْهُ ثُلُثَهُ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ قَصَّرَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَصِّرْ بِأَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ السَّقْيَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَسَقَى اثْنَيْنِ وَأَغْنَى الْمَطَرُ عَنْ الثَّالِثَةِ فَلَا يَحُطُّ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْءٌ. ابْنُ رُشْدٍ بِلَا خِلَافٍ، قَالَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ عَلَى سِقَايَةِ حَائِطِهِ زَمَنَ السَّقْيِ وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَجَاءَ مَاءُ السَّمَاءِ فَأَقَامَ بِهِ حِينًا فَيَحُطُّ مِنْ إجَارَتِهِ بِقَدْرِ إقَامَةِ الْمَاءِ فِيهِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ كَالْبَيْعِ، وَالْمُسَاقَاةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

1 -

قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ بَابُ

ص: 415

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الْمُغَارَسَةِ مِمَّا يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِينَ الْمُخْتَصِرِينَ التَّعَرُّضَ لَهُ، وَذِكْرَ أَحْكَامِ الْمُغَارَسَةِ وَمَسَائِلِهَا فِيهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا، وَلَمَّا ذُكِرَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا، وَلَا أَدْرِي مَا قَصْدُهُمْ بِذَلِكَ، وَلَا مَا أَرَادُوهُ هُنَا لَك، وَعَنَيْت بِمَنْ أَشَرْت إلَيْهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْقُدْوَةُ الْكَامِلُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ الْفَاضِلُ وَالْأُسْوَةُ الْكَامِلُ خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَنَفَعَنَا بِهِمَا وَبِأَمْثَالِهِمَا وَلَا حَادَ بِنَا عَنْ طَرِيقِهِمَا وَنَهْجِهِمَا وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَعْلَى اللَّهُ تَعَالَى مَقَامَهُ وَرَفَعَ فِي الدَّارَيْنِ ذِرْوَتَهُ وَسَنَامَهُ، كَتَبَ إلَيَّ أَنْ أَكْتُبَ بَعْضَ مَسَائِلِهَا، وَمَا يَصِحُّ مِنْهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فَاسِدِهَا، فَكَتَبْت إلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَعْضَ مَا حَضَرَنِي، ثُمَّ طَلَبَ مِنِّي بَعْضُ إخْوَانِي مِنْ الطَّلَبَةِ، وَرَغَّبَ إلَيَّ بَعْضُ أَحْبَابِي مِنْ أَهْل النِّسْبَةِ، أَنْ أَجْمَعَ فِي الْبَابِ مَسَائِلَ جَمَّةً، وَأَنْ أَذْكُرَ فِيهِ أَحْكَامًا مُهِمَّةً، هَذَا مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ جَهْلِي وَقُصُورِي وَبُعْدِي عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَقْصِيرِي، لَكِنْ لَمَّا رَأَيْت مِنْ تَأْكِيدِ طُلْبَتِهِمْ، وَحَثِيثِ رَغْبَتِهِمْ أَسْعَفْتهمْ لِمَا طَلَبُوا، وَأَجَبْتهمْ لِمَا فِيهِ رَغِبُوا؛ رَجَاءً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ، وَاتِّقَاءً لِمَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَذَابِ الْجَلِيلِ، نَسْأَلُهُ سبحانه وتعالى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مَعَهَا إلَى الْمُخَالَفَةِ مَيْلٌ وَلَا جُنُوحٌ، وَأَنْ يَصْحَبَنَا بِعَوْنِهِ، وَيَكُونَ مَعَنَا دَائِمًا بِلُطْفِهِ إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.

ثُمَّ إنِّي رَأَيْت أَنْ أَذْكُرَ مَا حَضَرَ لِي فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي اخْتَطَفْتهَا مِنْ غَيْرِ مَا كِتَابٍ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي اصْطِلَاحِهِ وَمُحَاذَاةِ عِبَارَاتِهِ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِ مَا حَضَرَ كَالشَّرْحِ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَالْبَيَانِ، لِمَا فِيهَا مِنْ مَقَاصِدَ وَأَغْرَاضَ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ، وَأَنْ يَسْلُكَ بِنَا الزُّلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ، بِجَاهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَالْأَصْحَابِ.

ص: 416