المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: دحض أكاذيب المشركين على القرآن - منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام - جـ ٢

[حمود الرحيلي]

الفصل: ‌المبحث الأول: دحض أكاذيب المشركين على القرآن

‌الفصل الثاني: دحض شبهات المشركين حول الرسالة

.

‌المبحث الأول: دحض أكاذيب المشركين على القرآن

.

الفصل الثاني: دحض شبهات المشركين حول الرسالة: ويشتمل على ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: دحض أكاذيب المشركين على القرآن: ويشتمل على ما يلي:

1-

زعمهم بأن القرآن أساطير الأولين:

والأساطير: جمع أسطورة، كأحدوثة وأحاديث، وأرجوحة وأراجيح.

وفي اللسان: الأساطير: الأباطيل، والأساطير: أحاديث لا نظام لها

وسطّرها ألفها، وسطر علينا: أتانا بالأساطير.."1.

قال الراغب: "أساطير الأولين، أي شيء كتبوه كذباً وميناً فيما زعموا"2.

وقد زعم المشركون بأنّ القرآن الكريم إنّما هو أساطير من أساطير الأولين، جاء ذلك عنهم في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لَاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلَاّ

1 لسان العرب 4/363.

وانظر: القاموس المحيط للفيروزابادي 2/48.

2 المفردات في غريب القرآن ص: 132.

ص: 639

أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} 1.

ذكر ابن الجوزي في سبب نزولها: أن نفراً من المشركين منهم عتبة، وشيبة، والنضر بن الحارث، وأمية وأبي ابنا خلف، جلسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمعوا إليه، ثم قالوا للنضر بن الحارث: ما يقول محمد؟ فقال: والذي جعلها بَنِيَّةً ما أدري ما يقول. إلا أني أرى تحرك شفتيه، وما يقول إلا أساطير الأولين، مثلما كنت أحدثُكُم عن القرون الماضية2.

قال ابن هشام: "وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار3، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثاً مني؟

وأضاف ابن هشام يقول: وهو الذي قال فيما بلغني: {سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا

1 سورة الأنعام الآية: 25.

2 زاد المسير 3/18.

وانظر: روح المعاني للألوسي 7/124-125.

3 وقيل: اسبنديار، قيل: اسفنديار.

انظر: هامش السيرة النبوية لابن هشام 1/300، تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري.

ص: 640

أَنَزلَ اللهُ} 1"2.

قال ابن إسحاق: "وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول فيما بلغني، أنزل فيه ثمان آيات من القرآن: قول الله عز وجل: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} 3. وكل ما ذكر فيه من الأساطير من القرآن".

وهذه المقالة: "كانوا يطلقونها على الحكايات التي تتضمن الخوارق المتعلقة بالآلهة والأبطال في قصص الوثنيات، وأقربها إليهم كانت الوثنية الفارسية وأساطيرها"4.

ومعنى قولهم ذلك: "أي: ما هذا الذي جئت به إلا مأخوذ من كتب الأوائل، ومنقول عنهم"5.

يقول الفخر الرازي عن مقصود المشركين بهذه التهمة:" اعلم أنه كان مقصود القوم من ذكر قولهم: {إِن هَذَا إلَاّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} القدح في

1 سورة الأنعام الآية: 93.

2 سيرة ابن هشام 1/300، 358.

وانظر الروض الأنف للسهيلي 2/52.

3 سورة القلم الآية: 15، والمطففين الآية:13.

4 انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب 3/177.

5 تفسير ابن كثير 2/138.

ص: 641

كون القرآن معجزاً، فكأنهم قالوا: إنّ هذا الكلام من جنس سائر الحكايات المكتوبة، والقصص المذكورة للأولين، وإذا كان هذا من جنس تلك الكتب المشتملة على حكايات الأولين، وأقاصيص الأقدمين، لم يكن معجزاً خارقاً للعادة"1.

ومن الآيات التي قصها الله علينا من قولهم في هذا الصدد:

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} 2.

وقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَاّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} 3.

وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} 4.

كما ذكر القرآن الكريم هذا الافتراء على لسان المشركين في سورة المؤمنون والنمل، في معرض إنكارهم للبعث.

قال تعالى في سورة المؤمنين: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ

1 التفسير الكبير 12/188.

2 سورة الفرقان الآية: 5.

3 سورة الأنفال الآية: 31.

4 سورة النحل الآية: 24.

ص: 642

هَذَا إِلَاّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} 1.

وقال في سورة النمل: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَاّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} 2.

وعن مغالطات المشركين ومجادلاتهم الباطلة، يقول سيد قطب:"وهم يعلمون جيداً أنّ هذا القرآن ليس بأساطير الأولين، ولكنهم إنّما كانوا يجادلون، ويبحثون عن أسباب الرد والتكذيب، ويتلمسون أوجه الشبهات البعيدة، وكانوا يجدون فيما يتلى عليهم من القرآن قصصاً عن الرسل وأقوامهم، وعن مصارع الغابرين من المكذبين، فمن باب التمحل والتماس أوهى الأسباب، قالوا عن القصص وعن القرآن كله: {إِنْ هَذَا إِلَاّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} "3.

قال صاحب تفسير المنار: "وهذا شأن من ينظر إلى الشيء نظراً سطحياً، لا يستنبط منه علماً ولا برهاناً.. وأنّ مثلهم في هذا كمثل الطفل الذي يشاهد ألعاب الصور المتحركة، يديرها قوم لا يعرف لغتهم،

1 سورة المؤمنون الآية: 83.

2 سورة النمل الآية: 68.

3 في ظلال القرآن 3/177.

ص: 643

وكل حظه مما يرى من المناظر، ومن المكتوبات المفسرة لها، لا يعدو التسلية"1.

2-

زعمهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم تلقاه عن بشر:

ومن مفتريات المشركين على القرآن وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً، زعمهم بأنّ القرآن الكريم إنّما هو من تعليم بشر.

قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} 2.

واختلفت الروايات في تعيين الشخص الذي زعموا أنه يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، قيل: كانوا يشيرون إلى رجل أعجمي كان بين أظهرهم، غلام لبعض بطون قريش، وكان بياعاً يبيع عند الصفا، وربما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليه ويعلمه بعض الشيء، وذلك كان أعجمي اللسان لا يعرف العربية، أو أنه كان يعرف الشيء اليسير، بقدر ما يرد جواب الخطاب فيما لا بد منه3.

قال محمد بن إسحاق: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم فيما

1 تفسير المنار 7/348.

2 سورة النحل الآية: 103.

3 تفسير ابن كثير 2/636.

ص: 644

بلغني كثيراً ما يجلس عند المروة إلى سبيعة، غلام نصراني يقال له: جبر، عبد لبعض بني الحضرمي، فأنزل الله {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ

} الآية"1.

وهناك روايات ضعيفة تذهب إلى أن اسمه " يعيش".

وقيل: "عايش"2.

وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قناً يعلم بمكة، وكان اسمه "بلعام"، وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنّما يعلمه بلعام، فأنزل الله هذه الآية3.

وقال آخرون: بل كانا غلامين اسم أحدهما: يسار، والآخر: جبر، وقيل:"خير"، بدل:"جبر"4.

وعن الزهري عن سعيد بن المسيب:" إنّ الذي قال ذلك رجل من المشركين، كان يكتب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم، فارتد بعد

1 سيرة ابن هشام 1/393.

2 تفسير ابن كثير 2/636، وزاد المسير لابن الجوزي 4/493، والسيرة النبوية الصحيحة د. أكرم العمري 1/165.

3 تفسير ابن جرير 14/177، وتفسير ابن كثير 2/636.

4 تفسير الطبري 14/178، وتفسير ابن كثير 2/636، والإصابة 4/419.

ص: 645

ذلك عن الإسلام، وافترى هذه المقالة قبحه الله"1.

وقيل: المقصود بذلك سلمان الفارسي، وهذا القول ضعيف؛ لأن هذه الآية مكية، وسلمان إنّما أسلم بالمدينة2.

وقد ردّ الله تعالى على هذه الفرية بقوله: {لِِِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} ، أي: فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن في فصاحته وبلاغته، ومعانيه التامة التي هي أكمل من معاني كل كتاب نزل على بني إسرائيل، كيف يتعلم من رجل أعجمي؟

إنّه لا يقول هذا من له أدنى مسكة عقل3.

نعم: كيف يتعلم محمد صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم في فصاحته وبلاغته وقوة معانيه من رجل أعجمي؟!

1 انظر هذه الروايات في: تفسير الطبري 14/177-178، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي ص: 134، وتفسير ابن كثير 2/636، والحاكم في المستدرك 2/357 بإسناد ضعيف.

وانظر: سيرة ابن هشام 1/393، وزاد المسير لابن الجوزي 4/493.

2 تفسير ابن كثير 2/636.

3 انظر هذه الروايات في: تفسير الطبري 14/177-178، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي ص: 134، وتفسير ابن كثير 2/636، والحاكم في المستدرك 2/357 بإسناد ضعيف.

وانظر: سيرة ابن هشام 1/393، وزاد المسير لابن الجوزي 4/493.

ص: 646

ومن أين للأعجمي أنْ يأتي بهذا الكتاب الذي تحدى الله به الإنس والجن على حد سواء؟!

وقال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} 1.

يقول سيد قطب رحمه الله: "وهذه المقالة منهم يصعب حملها على الجد، وأغلب الظن أنها كيد من كيدهم الذي كانوا يريدونه ويعلمون كذبه وافتراءه، وإلاّ فكيف يقولون - وهم أخبر بقيمة هذا الكتاب وإعجازه – أنّ أعجمياً يملك أنْ يعلم محمداً هذا الكتاب؟ ولئن كان قادراً على مثله، لظهر به لنفسه"2.

ويضيف سيد قطب قائلاً: "واليوم بعدما تقدمت البشرية كثيراً، وتفتقت مواهب البشر عن كتب ومؤلفات، وعن نظم وتشريعات، يملك كل من يتذوق القول، وكل من يفقه أصول النظم الاجتماعية، والتشريعات القانونية أنّ مثل هذا الكتاب لا يمكن أنْ يكون من عمل بشر".

ومن الآيات التي تذكر افتراءات المشركين في هذا الصدد:

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

1 سورة الإسراء الآية: 88.

2 في ظلال القرآن 5/282.

ص: 647

* اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} 1.

والمعنى وكما فصلنا الآيات من بيان التوحيد، وأنه لا إله إلاّ الله وحده، كذلك نوضح الآيات ونبينها، وليقول المشركون والكافرون المكذبون: دارست يا محمد من قبلك من أهل الكتاب وقارأتهم، وتعلمت منهم.

ذكر ذلك ابن جرير وابن كثير عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم2.

والحق أنه لا يوجد أحد من أهل الكتاب على هذا المستوى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه كتب أهل الكتاب التي كانت بين أيديهم يومذاك، ما تزال بين أيدينا، والمسافة شاسعة بين هذا الذي في أيديهم وبين القرآن الكريم.

إنَّ ما بين أيديهم إنْ هو إلا روايات لا ضابط لها عن تاريخ الأنبياء والملوك، مشوبة بأساطير وخرافات من صنع أشخاص مجهولين -هذا فيما يختص بالعهد القديم-.

أما العهد الجديد -وهو الأناجيل- فما يزيد كذلك على أن يكون روايات رواها تلاميذ المسيح عليه السلام بعد عشرات السنين، وتداولتها

1 سورة الأنعام الآيتان: 105-106.

2 تفسير ابن جرير الطبري 7/305، وما بعدها، وتفسير ابن كثير 2/176.

ص: 648

المجامع بالتحريف والتبديل والتعديل على مر السنين، وحتى المواعظ الخلقية والتوجيهات الروحية لم تسلم من التحريف والإضافة والنسيان.

وهذا هو الذي كان بين أيدي أهل الكتاب حينذاك، وما يزال

فأين هذا كله من القرآن الكريم؟ 1

ثم أتبع الله سبحانه وتعالى الآية السابقة بقوله: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * وَلَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} 2.

والمعنى اتبع يا محمد ما أُوحِيَ إليك من القرآن العظيم، الذي أوحاه الله إليك، ولا تشغل بالك وقلبك بإعراض المشركين عن دعوتك، وإصرارهم على الشرك، ولا تبالي بأقوالهم فيك، كقولهم:"درست"، لأن الحق يعلو متى ظهر بالقول والعمل، واقترن بالإخلاص..

ثم يخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لو شاء الله تعالى ألا يشرك الناس لما أشركوا، بأنْ يخلقوا مؤمنين طائعين بالفطرة كالملائكة،

1 انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب 3/334-335.

هذا وقد أوردت عدة شواهد على التحريف والتناقض اللذين أصابا العهدين في رسالتي الماجستير: "منهج القرآن في دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام".

2 سورة الأنعام الآيتان: 106-107.

ص: 649

لكنه سبحانه وتعالى له الحكمة فيما يشاؤه ويختاره {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} 1.

وفي قوله: {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} 2، أي: وما جعلناك يا محمد رقيباً تحفظ أقوالهم وأعمالهم لتحاسبهم بها، وتجازيهم عليها، وما أنت موكل على أمورهم وأرزاقهم، وإنّما عليك البلاغ، والله هو الذي يتولى حسابهم.

ومن هنا نفهم أنه ينبغي للداعية أنْ يوجه اهتمامه للذين استجابوا للدعوة، لأنهم في حاجة إلى بناء كيانهم كله على قاعدة العقيدة الصحيحة، أما الذين يقفون في الجانب الآخر، فإنّ الداعية إلى الله يكتفي بمجادلتهم بالتي هي أحسن، بعد إبلاغهم الدعوة وبيان الحق لهم.

ثم فإنّ الله تعالى سيجري سننه في خلقه، حيث يقذفُ بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.

هذا وقد وردت آيات بينات، تؤكد أنّ الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي وما فيه من قصص وأخبار عن السابقين، إنّما هو تنزيل من رب العالمين، علىّ الرسول صلى الله عليه وسلم

1 سورة الأنبياء الآية: 23.

2 سورة الأنعام الآية: 107.

ص: 650

الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، ولا يعلم شيئاً من ذلك، لا هو ولا قومه.

قال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} 1.

وقال سبحانه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} 2.

وقال عز وجل: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} 3.

3-

زعمهم بأن القرآن سحر أو كهانة:

ومن الشبه التي اعترض بها المشركون قولهم بأنّ القرآن سحر، أو كهانة.

والسحر في اللغة هو عبارة عما خفي ولطف سببه، وعمله كفر، كما قال تعالى: {

وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ

1 سورة هود الآية: 49.

2 سورة يوسف الآية: 3.

3 سورة يوسف الآية: 102.

ص: 651

السِّحْرَ} 1.

وقد تقدم تعريف السحر عند الحديث عن ألوان من الشرك في العبادات.

أما الكهانة: فقد عرّفها ابن حجر في الفتح: بأنها ادعاء علم الغيب، كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب، والكاهن لفظ يطلق على العراف، والذي يضرب بالحصى والمنجم، ويطلق على من يقوم بأمر آخر، ويسعى في قضاء حوائجه2.

وذكر ابن حجر قول الخطابي: "الكهنة قوم لهم أذهان حادة، ونفوس شريرة، وطباع نارية، فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور، ومساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه".

ثم قال: "وكانت الكهانة في الجاهلية فاشيةً، خصوصاً في العرب، لانقطاع النبوة فيهم، وهي على أصناف: منها ما يتلقونه من الجن.. ولما جاء الإسلام، ونزل القرآن، حرست السماء من الشياطين، وأرسلت عليهم الشهب، فبقي من استراقهم ما يتخطفه الأعلى، فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {إِلَاّ مَنْ خَطِفَ

1 سورة البقرة الآية: 102.

2 فتح الباري 10/222.

ص: 652

الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} 1.

ومنها ما يخبر الجني به من يواليه بما غاب عن غيره، مما لا يطلع عليه الإنسان غالباً

ومنها ما يستند إلى ظن وتخمين وحُدس

ومنها ما يستند إلى التجربة والعادة.

ومن هذا القسم الأخير ما يضاهي السحر، وقد يعتضد بعضهم في ذلك بالزجر والطرق والنجوم، وكل ذلك مذموم شرعاً "2ا.?

ومن هذا يظهر لنا أن الكهانة تقوم على التخرص والتنبؤ ببعض الأمور الغيبية والسحر –كما عرفنا- يقوم على خفة اليد والحركة، ومهارة الساحر بإظهار أمور للناس على غير حقيقتها.

والمقارن بين طبيعة هذه الأعمال القائمة على الخداع والتمويه، والشعوذة وإدعاء علم الغيب، وبين شخصية محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين، يجد الفرق الواسع والبون الشاسع.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالشياطين تنزل على من يحصل مقصودها بنزولها عليه، وهو المناسب لها في الكذب والإثم، فأما الصادق البار فلا يحصل به مقصود الشياطين، فإن الشيطان لا يتطلب الصدق والبر، إنما يتطلب الكذب والفجور، ومحمد صلى الله عليه وسلم

1 سورة الصافات الآية: 10.

2 فتح الباري 10/216-217.

ص: 653

ما زال قومه يعرفونه بينهم بالصادق الأمين، لم تجرب عليه كذبة واحدة"1.

وقد فنّد القرآن الكريم هذه الشبهة، فقال تعالى:{فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} 2.

وقال تعالى: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} 3.

وقد وصف الله تعالى القائلين بأنّ القرآن سحر بالكفر، قال تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} 4.

وبين القرآن الكريم بأنّ الرسول ما هو إلا بشر، يتلقى الوحي من الله تعالى، أما علم الغيب، فعلمه إلى الله تعالى وحده، جاء ذلك على لسان نوح عليه السلام: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي

1 الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 4/40.

2 سورة الطور الآية: 29.

3 سورة الحاقة الآية: 42.

4 سورة الأحقاف الآية: 7.

ص: 654

أَنفُسِهِمْ} 1.

وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُل لَاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} 2.

ويقول تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلَاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 3.

وقال تعالى: {قُل لَاّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ} 4.

وقد نفى القرآن الكريم نفياً قاطعاً أنْ يكون للشياطين أي اتصال بقلب النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} 5.

1 سورة هود الآية: 31.

2 سورة الأنعام الآية: 50.

3 سورة الأعراف الآية: 188.

4 سورة النمل الآية: 65.

5 سورة الشعراء الآيات: 210-212.

ص: 655

وأخبر تعالى بأنّ الشياطين إنّما تتنزل على كل كذاب فاجر، مبالغ في الكذب والعدوان، لا على أتقى خلق الله، وسيد ولد عدنان، قال تعالى:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} 1.

والمطالع للسنة النبوية يجد نهياً قاطعاً، وتحذيراً شديداً من السحر والكهانة، والتنجيم والشعوذة، وبيان الخطر الكبير من تصديق السحرة والكهنة والمنجمين.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر" 2 الحديث.

وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"3.

1 سورة الشعراء الآيات: 221-223.

2 صحيح البخاري بشرح الفتح 10/232 كتاب الطب، باب الشرك والسحر من الموبقات.

وصحيح مسلم 1/92 كتاب الإيمان، حديث رقم:145.

3 صحيح مسلم 4/1751 كتاب السلام، حديث رقم:125.

ص: 656

وفي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد"1.

وقال البخاري في صحيحه عن قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث، زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به"2.

وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي3، وحلوان الكاهن4"5.

1 سنن أبي داود 4/15 باب في الكاهن، حديث رقم:3904.

ومسند الإمام أحمد 2/429. والحاكم 1/8، وصححه على شرطهما. والبيهقي 8/135 مرفوعاً بسند صحيح.

2 صحيح البخاري بشرح الفتح 6/295 كتاب بدء الخلق، باب في النجوم.

3 مهر البغي: هو ما تأخذه الزانية على الزنا، وسماه مهراً لكونه على صورته، وهو حرام بإجماع المسليمن. انظر: شرح النووي على مسلم: 10/231.

4 حلوان الكاهن: هو ما يعطاه على كهانته، يقال منه حلوته حلواناً إذا أعطيته، قال الهروي وغيره: أصله الحلاوة شبه بالشيء الحلو، حيث أنه يأخذه سهلاً بلا كلفة، ولا مقابلة مشقة، يقال حلوته إذا أطعمته الحلو، كما يقال عسلته إذا أطعمته العسل. انظر: شرح النووي على مسلم 10/231.

5 صحيح البخاري بشرح الفتح 4/426 كتاب البيوع، باب ثمن الكلب.

ومسلم 3/1198 كتاب المساقاة، باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي.

وسنن أبي داود 3/753 كتاب البيوع والإجارات، باب في أثمان الكلاب.

والترمذي 3/575 كتاب البيوع، باب ما جاء في ثمن الكلب.

والنسائي 7/309 في البيوع، باب بيع الكلب.

وابن ماجه 2/730 كتاب التجارات، باب النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي..

والموطأ 2/656 كتاب البيوع، باب ما جاء في ثمن الكلب.

ص: 657

4-

زعمهم بأنّ القرآن شعر:

ومن الشبهات التي آثارها المشركون في وجه الرسالة اتهامهم للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر، وقد ذكر الله تعالى هذه الشبهة في كتابه الكريم، وردّ عليها.

قال تعالى: {بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} 1.

والحق إن المقارن بين موضوعات القرآن الكريم، وموضوعات الشعر، ليجد الفرق الكبير، والبون الشاسع، وذلك أنّ القرآن الكريم قد خلا من أغراض الشعر من مدح وهجاء، ونسيب ورثاء وغزل وغيرها من الأغراض التي يسبح فيها خيال الشاعر وتصوراته.

1 سورة الأنبياء الآية: 5.

ص: 658

وفي المقابل نجد أن القرآن الكريم يحتوي على عقائد وشرائع وحكم وأخلاق، وحقائق تسمو بالإنسان عن الأغراض الجاهلية.

وقد صور القرآن الكريم الشعر والشعراء في تلك الأغراض التافهة، التي لا تحمل عقيدة ولا ترشد إلى هدى، بالأحوال التي تخالف حال النبوة، وأن أتباع الشعراء هم الغاوون لا الراشدون، قال الله تعالى:{وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} 1.

قال الطبري: "وهذا مثل ضربه الله لهم في افتتانهم في الوجوه التي يفتنون فيها بغير حق، فيمدحون بالباطل قوماً ويهجون آخرين"2.

وقال صاحب الكشاف: "إنه لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وفضول قولهم، وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب، والنسيب بالحرم والغزل والابتهار3، ومدح من لا يستحق المدح، ولا يستحسن ذلك منهم، ولا يطرب على قولهم إلا الغاوون والسفهاء"4.

1 سورة الشعراء الآيات: 224-226.

2 تفسير الطبري 19/78.

3 الابتهار: قول الكذب والحلف عليه. اللسان 4/83.

4 الكشاف للزمخشري 3/133.

ص: 659

وقد ردّ القرآن الكريم على هذه الشبهة، ونفى هذه التهمة بآيات صريحة، قال تعالى:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} 1.

وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ * إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} 2.

وقال تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَاّ يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ} 3.

وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ *

1 سورة يس الآيتان: 69-70.

2 سورة الصافات الآية: 35-39.

3 سورة الطور الآيات: 29-34.

ص: 660

وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} 1.

وفي الصحيح عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: "خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا.. إلى أن قال: فانطلق أنيس حتى أتى مكة، ثم جاء فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشعراء.

قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.."2.

فهذه الأدلة ترد على المشركين قوله إنه شاعر، أو أنّ ما أتى به من قبيل الشعر، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر، والقرآن الكريم ليس بشعر، لأنّ الشعر كلام موزون، مزخرف، مبني على خيالات وأوهام واهية، لا تدنوا من منزلة القرآن العظيم، الذي تنزه عن مماثلة كلام البشر.

1 سورة الحاقة الآيات: 40-43.

2 صحيح مسلم 4/1919-1920 فضائل الصحابة، حديث رقم:2473.

ص: 661

أما ما ورد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض كلام العرب الموزون، كقوله:

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب1

أو ما ورد في القرآن الكريم من بعض المقاطع التي تشبه وزناً شعرياً مثل قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} 2، وقوله:{نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} 3، وقوله:{وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} 4، ونحو ذلك.

فلا اعتبار لها في هذا المقام، لأنّ الشاعر لا ينال هذا الوصف بكلمة عابرة تجري على لسانه، والكتاب لا يأخذ وصف الشعر لورود بعض عبارات فيه تشبه الشعر، فقد يجري على لسان متحدث كلمات موزونة، وهو لا يقصد بها شعراً، فإنها لا تعتبر شعراً، ولا يعد قائلها من الشعراء5.

1 صحيح البخاري مع الفتح 8/28 كتاب المغازي، رقم:4315.

وصحيح مسلم 3/1400 كتاب الجهاد والسير، رقم:1776.

2 سورة آل عمران الآية: 92.

3 سورة الصف الآية: 13.

4 سورة سبأ الآية: 13.

5 انظر: إعجاز القرآن للباقلاني ص: 51 وما بعدها، والكشاف للزمخشري 3/329، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 15/52 وما بعدها، وإعجاز القرآن لمصطفى صادق الرافعي ص: 307 وما بعدها.

ص: 662