المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: جدارة الطفل والمراهق أن يحاور: - مهارات التواصل مع الأولاد

[خالد الحليبي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أولاً: تعريفات خاصة:

- ‌ معاني الاتصال

- ‌أطراف الاتصال الفعال خمسة:

- ‌أولا: المرسل (المصدر):

- ‌ثانياً: المستقبل: (المستهدف):

- ‌ثالثاً: الرسالة: الموضوع:

- ‌رابعا: الوسيلة (القناة):

- ‌خامسا: الاستجابة (التغذية الراجعة):

- ‌ثانياً: مهارات التواصل والتربية الإيجابية:

- ‌خمس خطوات للاتصال الفعال مع الأولاد

- ‌ثالثاً: جدارة الطفل والمراهق أن يحاور:

- ‌رابعاً: فوائد الحوار مع الأولاد:

- ‌خامساً: الإعداد النفسي للحوار مع الأولاد

- ‌أولا: النداء الرقيق:

- ‌ثانيا: أسلوب الاسترخاء البدني والنفسي:

- ‌ثالثا: الأسلوب الإيماني:

- ‌رابعا: الأسلوب الإيجابي:

- ‌سادساً: مهارات التواصل الناجح مع الولد:

- ‌فوائد من إثارة الأسئلة في الحوار

- ‌المصارحة في الاتصال الوالدي:

- ‌الإصغاء الإيجابي إلى الولد:

- ‌الثناء على حسن الاستجابة:

- ‌الابتسامة والبشاشة:

- ‌الإصغاء إلى احتياجات الولد:

- ‌مناقشة الأفكار الغريبة أفضل أسلوب للتخلص منها:

- ‌تصيد الوالد جانبا إيجابيا لولده ودعمه:

- ‌التعبير عن الغضب بطريقة بناءة:

- ‌معوقات الاتصال الفعال مع الأولاد

- ‌الحوار مع المخطئ:

- ‌سابعاً: أساليب عملية في التواصل الناجح:

- ‌ابتعد عن الأوامر المباشرة:

- ‌تواصل الضدين:

- ‌حوار الحزم:

- ‌أسلوب التفاوض:

- ‌استخدم لغة التمثيل والقصص:

- ‌الحوار داخل السيارة:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ثالثا: جدارة الطفل والمراهق أن يحاور:

‌ثالثاً: جدارة الطفل والمراهق أن يحاور:

عقدت هذا المحور نظرا لما أراه من مظاهر مجتمعية غير جيدة؛ مثل:

1.

إخراج الطفل من مجالس الرجال.

2.

عدم إعطاء الطفل فرصة الحديث أمام الكبار، وإسكاته أحيانا.

3.

عدم استشارة المراهق؛ حتى فيما يعلم.

4.

إقصاء شخصيتهما تماما في بعض البيوت، والإنابة عنهما حتى فيما يخصهما.

بينما أجد أن السنة، والتربية الإيجابية الحديثة يحثان على عكس ذلك تماما؛ فمن الأمور التي ينبغي أن يحذقها الطفل والمراهق كذلك: الجرأة على طرح أفكاره، ويكون هذا بمجالسة العقلاء الكبار ليكبر عقله وينضج تفكيره؛ فمن الخطأ أن يمنع الصغير من حضور مجالس أهل الخبرة والتجربة، وقد مر عمرو بن العاص رضي الله عنه على حلقة من قريش فقال:"ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا! أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم"(1). وهو ما صبَّه عروة بن الزبير في آذان أولاده حين قال لهم: "يا بنيَّ، اطلبوا العلم، فإن تكونوا صغار قوم لا يُحتاج إليكم، فعسى أن تكونوا كبار قوم آخرين لا يستغنى عنكم"(2).

ويذكر لي أحد الدعاة المشهورين، أن طفلا كان يقف في الصف الأول للصلاة، فأرجعه المؤذن بعد أن نهره، وبعد سنين، تخلف إمام الجامع عن

(1) شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي، تحقيق د. محمد سعيد أوغلي:65.

(2)

العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ـ تحقيق محمد سعيد العريان ـ دار الفكر، مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض: 2/ 67.

(3)

هو الدكتور إبراهيم بن مبارك أبو بشيت، من دعاة الأحساء في المملكة العربية السعودية.

ص: 23

صلاة الجمعة، فالتفت المؤذن إلى المصلين، وقال: إن الإمام لن يأتي، هيا أيها الشاب صِّل بالناس، إن هذا المرشح من المؤذن نفسه، هو ذلك الطفل الذي نهره سابقا (3)!!

نعم صغار قوم سيصبحون كبار قوم بإذن الله تعالى.

لقد كان ابن شهاب الزهري رحمه الله يشجع الصغار ويقول: "لا تُحَقِّرُوا أنفسَكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم"(1).

عمر هو الذي تمنى أن يكون ابنه الحدث (عبد الله) قد أجاب لغزا تعليميا للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذي قال فيه: ((إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم حدثوني ما هي فوقع الناس في شجر البادية ووقع في نفسي أنها النخلة قال عبد الله فاستحييت فقالوا يا رسول الله أخبرنا بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة قال عبد الله فحدثت أبي بما وقع في نفسي فقال لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا)) (2).

إن عمر بذلك فتح المجال الفسيح أمام ابنه ـ مستقبلا ـ أن يكون ذا حضور فاعل في مجالس الكبار، وألا يمنعه الحياء عن المشاركة، فخرج عبد الله بن عمر أحد أكبر كبار علماء الصحابة رضي الله عنهم.

ومثل ابن عباس رضي الله عنه؛ في الحديث العظيم الذي قدمه فيه النبي صلى الله عليه وسلم على كبار الصحابة؛ عن سهل بن سعد الساعدي رضى الله تعالى عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء، فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر

(1) جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، للإمام يوسف بن عبد البر النمري القرطبي، ط3، 1402هـ (1982م)، دار الكتب الإسلامية، القاهرة:139.

(2)

صحيح البخاري كتاب العلم باب الحياء.

ص: 24

بنصيبي منك أحدا قال فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده)) (1).

فأي مكانة أعظم من هذه المكانة للطفل في الإسلام، وأي حقوق يبحث عنها الطفل في المجتمع المسلم، بعد أن قدم على الأشياخ؟!

ولذلك خرج عبد الله بن عباس؛ حبر الأمة وترجمان القرآن، إنها الطاقات التي تلقتها أيد مباركة، تأخذ بها إلى الأعلى، لا الأيدي التي تقمعها، وتصفعها.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله فقال إنه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال وما أريته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال ما تقولون في {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئا فقال لي يا بن عباس أكذاك تقول قلت لا قال فما تقول قلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له {إذا جاء نصر الله والفتح} فتح مكة فذاك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} قال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم)) (2).

بل إن عمرو بن سلمة يتقدم القوم في الصلاة وهو طفل في سن التمييز؛ يقول: "كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وكنت غلاما حافظا؛ فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا، فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، فقال: "يؤمكم أقرؤكم" وكنت أقرأهم؛ لما كنت أحفظ. فقدموني، فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم،

(1) صحيح البخاري كتاب المظالم باب إذا أذن له أو أحله ولم يبين كم هو.

(2)

رواه البخاري.

ص: 25

فاشتروا لي قميصا عمانيا، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثماني سنين" (1).

إن الإسلام حين يفسح للطفل بأن يؤم من هو أسن منه؛ لأنه تأهل لذلك علما وتقوى، إنما يكسر الحواجز العمرية في التعامل مع الإنسان، وأنه جدير بالاحترام والتقدير، والتواصل معه مهما كان عمره، ما دام قادرا على الحوار.

لنا أن نقارن بين هذا الاحتفاء الذي وصل إلى هذا الحد، في مقابل صورة أخرى متكررة في عدد من المساجد: تقول لي إحدى الأمهات: أولادي أعمارهم 10،7 سنوات يذهبون إلى المسجد مع الأذان للصلاة في الصف الأول، لكن بعض كبار السن يرجعونهم للخلف دائما، فيرجعون إلى البيت وهم يبكون، حتى إن أحدهم قال لي يا ليت هذا الرجل الكبير الذي يرجعنا للخلف يموت!! مع أنهم يقفون باحترام، ولا يشوشون على المصلين.

لما وليّ الخلافة عمر بن عبد العزيز، وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجتها وللتهنئة، فوفد عليه الحجازيون فتقدم غلام هاشمي للكلام وكان حديث السن.

فقال عمر: لينطق من هو أسنّ منك.

فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبدا لسانا لافظا وقلبا حافظا استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك من هذا منك.

فقال عمر: صدقت، قل ما بدا لك.

فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين: نحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة، وقد أتيناك لمنّ الله الذي منّ علينا بك، ولم يقدمنا إليك إلا رغبة ورهبة؛ أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا، وأما الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك.

(1) صحيح أبي داود للألباني، وأخرج البخاري نحوه.

ص: 26

فقال عمر: عظني يا غلام.

فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن ناسا من الناس غرّهم حلم الله عنهم وطول أملهم وكثرة ثناء الناس عليهم، فزلّت بهم الأقدام فهووا في النار، فلا يغرّنك حلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك، فتزل قدمك فتلحق بالقوم، فلا جعلك الله منهم، وألحقك بصالحي هذه الأمة.

ثم سكت.

فقال عمر: كم عمر الغلام؟ فقيل له ابن إحدى عشرة سنة، ثم سأل عنه فإذا هو من ولد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهم، فأثنى عليه خيرا ودعا له (1).

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى (2):

تعلم فليس المرءُ يولد عالما

وليس أخو علم كمن هو جاهلُ

وإن كبيرَ القوم لا علم عنده

صغيرٌ إذا التفَّت عليه الجحافل

وإن صغير القوم إن كان عالما

كبير إذا رُدَّت إليه المحافل

ولا ترض من عيش بدونٍ ولا يكن

نصيبك إرثا قدّمتْه الأوائلُ

(1) المحاسن والمساوئ: 459 - 460، عيون الأخبار: 1/ 333، زهر الآداب: 1/ 7، المختار من نوادر الأخبار:248.

(2)

ديوان الإمام الشافعي، اعتنى به عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت لبنان؛ ط:5، 1429هـ (2008م):95.

ص: 27