الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادساً: مهارات التواصل الناجح مع الولد:
سوف أضع في مطلع هذا المحور حديثا عظيما، استطاع فيه الرسول المربي صلى الله عليه وسلم، أن يعالج في جلسة نفسية واحدة فقط ـ مشكلة جنسية عميقة لشاب مندفع؛ وصل به الأمر إلى أن يجاهر برغبته في الزنا أمام جمع من الصحابة على رأسهم رسول الأمة صلى الله عليه وسلم.
نص الحديث:
عن أبي أمامة قال: "إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه .. فقال: ادنه فدنا منه قريبا، قال: فجلس.
قال: أتحبه لأمك؟
قال: لا، والله، جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم.
قال: أفتحبه لابنتك؟
قال: لا، والله، يا رسول الله جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم.
قال: أفتحبه لأختك؟
قال: لا، والله، جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم.
قال: أفتحبه لعمتك؟
قال: لا، والله، جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم.
قال: أفتحبه لخالتك؟
قال: لا، والله، جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.
قال: فوضع يده عليه.
وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه.
فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء" (1).
وقفات مع مهارات التواصل التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف:
تحديد الهدف: نزع فتيل الشهوة المتضرمة من قلب الشاب، ودوام ذلك؛ بصرفه عن مجرد التفكير في تصريف شهوته بطريقة مخلة.
وقد استخدام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أكثر الوسائل أمانا، وقدرة على توصيل الرسالة:
1.
أجلسه، والجالس أهدأ من الواقف، وأكثر قدرة على التحاور الرزين، وفيه تحقيق ألفة بينه وبينه؛ لكون الرسول صلى الله عليه وسلم جالس أيضا.
2.
تقبله: حيث تلاحظ المسافة الفاصلة بين الموجه والشاب، حيث دنا منه قريبا بحيث يستطيع لمسه في اللحظة المناسبة؛ ليتم استيعاب شاب مندفع للغاية لعمل مشين مستهجن قوبل بالرفض والزجر من المجتمع؛ "فقال: ادنه .. فدنا منه قريبا". و"إن الطفل/المراهق الذي يتقبله أهله بصرف النظر عما فيه من نواقص وعيوب، ينشأ واثقا من نفسه، معتزا بذاته، سعيدا في حياته" (2).
3.
حاوره: حيث لفت نظره ـ من خلاله ـ إلى طبيعة الحياة في المجتمع الذي يعيش فيه، وكونه يحكم بشريعة وأعراف صارمة في هذه القضية الحساسة، التي حتى هو لا يرضاها لنفسه. وتوجيه بأنه لا يجوز التعدي على حرمات الآخرين، كما أنه هو يرفض ذلك منهم. قال أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم
…
إلخ .. "، ويلاحظ أنه لم يجمع أرحامه، بل فرقهم؛ ليترك لخياله فرصة استهجان كل محاولة اعتداء على واحدة منهن لوحدها؛ فتتعدد فرص
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني.
(2)
دليل التربية الأسرية للدكتور عبد الكريم بكار: 13.
النفور من الزنا لينتزع حبه من قلبه؛ بتصوير مدى بشاعته .. واختيار الكلمات وأسلوب الحديث ونبرة الصوت التي تتفق مع نفس الموقف، وثقافة الشاب كان لها أثر كبير في نجاح الحوار؛ فهو العربي الغيور على أمه وأخته وعمته وخالته
…
4.
تواصل معه جسديا؛ والذي كشفت الدراسات الحديثة أثره العظيم في فتح قلب المحاور والتأثير فيه: "فوضع يده عليه". لا سيما إذا كان محروما عاطفيا.
5.
دعا له: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه".
النتيجة:
كانت التعليمات الموجهة للشاب ضمنية؛ ولذلك تقبلها برضا وارتياح، وتشمل الآتي:
1.
أن الزنا حرام شرعا مرفوض عرفا.
2.
أن التوبة بوابة الخلاص من تيار الشهوة.
ولذلك:
1.
تقبل الشاب توجيهه إلى التوبة. والاستغفار، وجمال الطهارة القلبية وسكينتها في النفس، وقيمة تحصين الفرج بالطريقة الشرعية.
2.
اشترك المجتمع أولا بالزجر (أسلوب سالب) ثم بمتابعة الشاب والإقرار له بأنه لم يعد يلتفت إلى شيء من ذلك السلوك السيء، وأشاد بذلك (أسلوب إيجابي).
يا ليت البشرية كلها تنصت للحبيب المربي صلى الله عليه وسلم، وهو يؤصل لعلوم النفس والاجتماع والخدمة الاجتماعية، وهو يعالج ما يقضي فيه المختصون جلسات وجلسات في جلسة واحدة.
حين تحول هذا الشاب من عنف الشهوة وسلطتها، إلى رقة التقى والإيمان وبحبوحته الندية، بعد أن تلقى علاجا نبويا متأنيا، تداخل مع خواطره المائجة، واستل كل مشاعره العاصفة.