الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسا: وقفات مع النظام الديمقراطي
الوقفة الأولى: العلاقة بين الديمقراطية والعلمانيةالعلاقة بين الديمقراطية والعلمانية هي علاقة الفرع بأصله، أو علاقة الثمرة الخبيثة بالشجرة التي أثمرتها، فالعلمانية هي " مذهب من المذاهب الكفرية التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا، فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأخلاقية، والقانونية وغيرها، بعيدا عن أوامر الدين ونواهيه "(1).
والديمقراطية تقوم أساسا على إسناد السيادة أو السلطة العليا للأمة أو الشعب وهذا يعني أن الكلمة العليا في جميع النواحي السياسية إنما هي للأمة أو الشعب.
وعلى ذلك يمكننا القول: إن الديمقراطية مذهب من المذاهب الفكرية التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في جميع النواحي السياسية، فالديمقراطية إذن هي التعبير السياسي أو الوجه السياسي للعلمانية، كما أن الاشتراكية والرأسمالية تعبير اقتصادي عن العلمانية، وهذه العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية نستطيع أن ندركها بكل سهولة ويسر إذا علمنا أن نظرية العقد الاجتماعي التي تمثل الأساسي الفلسفي لنظرية السيادة التي تقوم عليها الديمقراطية، كانت في نفس الوقت تمثل الركن الأساسي في فكر زعماء الثورة الفرنسية التي أقامت دولة علمانية لأول مرة في تاريخ أوروبا المسيحية.
الوقفة الثانية: لا ديمقراطية في الإسلام:
وإذا قد تبينت لنا حقيقة الديمقراطية، وحقيقة الأصول والأسس الإلحادية التي تنطلق منها الديمقراطية، وتبين لنا ما اشتملت عليه من الكفر الغليظ والشرك بالله العلي الكبير، إذ تبين لنا حقيقة ذلك بكل وضوح وجلاء، يصبح من الأمور المنكرة جدا أن تسمع من يقول: إن " الديمقراطية من الإسلام " أو إن " الإسلام نظام ديمقراطي" أو " الديمقراطية الإسلامية " أو أشباه ذلك من الأسماء الملفقة من كلمة الحق وهي الإسلام، ومن كلمة الباطل وهي الديمقراطية.
الوقفة الثالثة: النظام الديمقراطي باطل شرعا:
والنظام الديمقراطي – بقيامه على أسس إلحادية كفرية – يصبح باطلا شرعا، وتصبح الديار أو البلاد التي تعلوها أحكامه ديارا أو بلادا خالية من الحاكم أو الوالي المعترف به شرعا، والذي له على الناس حق الطاعة وحق النصرة، وهذا يترتب عليه:
أنه لا ولاية شرعية للنظام الديمقراطي على المسلمين.
أن علاقة المسلم بهذا النظام هي علاقة البراء وليس الولاء.
أن على المسلمين الذين تعلو ديارهم أو بلادهم أحكام النظام الديمقراطي، عليهم العمل لإزالة هذه الأحكام حتى تعلوها أحكام النظام الإسلامي. وقد كتب إمام الحرمين الجويني في كتابه (غياث الأمم) فصلا عظيما في ما يجب على المسلمين فعله عندما تخلو بلادهم عن الحاكم الشرعي المعترف به، فانظره فإنه مهم (2).
الوقفة الرابعة: ليس في الديمقراطية خير تحتاج إليه خير أمة أخرجت للناس:
كثيرا ما يحدث أن يقول بعض الناس: إننا لا نشك بأنه لا توجد ديمقراطية في الإسلام بهذا المعنى المذكور، والموجود فعلا في الدول النصرانية وغيرها من ملل الكفر، ثم يضيفون إلى هذا القول قولهم: ولكننا وجدنا في الديمقراطية بعض العناصر الطيبة مثل: حق الشعوب في اختيار حكامهم، ومساءلتهم بما يمنع من استبدادهم، وحقهم في إبداء آرائهم، وأن يكون لهم نصيب في إدارة شئون بلادهم، وحق في خيراتها ومواردها، يقولون: إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يمنع من أن نأخذ من الديمقراطية ما فيها من خير وندع ما فيها من شر؟!
(1) جريدة الرياض، الجمعة 20 جمادى الأولى 1427هـ 16 يونيو 2006م، العدد 13871.
(2)
انظر: ((الصارم المسلول)) (3/ 962).
والسؤال على هذا النحو يدل على تلك الأمية الشرعية المتفشية في الأمة، وخاصة فيما يتعلق بالفقه الشرعي السياسي.
والجواب يتلخص فيما يلي:
قد ذكرنا من قبل أن أصول الديمقراطية وجذورها إنما هي أصول وجذور إلحادية كفرية، فما معنى أن ندع ما فيها من الشر؟ معناه أن تترك هذه الأصول وبالتالي ما نتج عنها أو تفرع منها، وإذا كنا سوف نترك أصول الديمقراطية فهل يمكن أن نقول عن نظام ليس فيه أسس الديمقراطية أنه نظام ديمقراطي؟! وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن الإصرار على التمسك بلفظ لا حقيقة له؟!
وقد ذكرنا أيضا من قبل أنه في ظل النظام الديمقراطي لا يمكن الفصل بين ما يظن أنه حسن وبين ما هو خبيث، لأن الجميع يصدر عن أساس واحد.
ثم نقول: وهل في الديمقراطية - أو في غيرها من النظم – شيء من الخير ينقصنا حتى يقال: نأخذ ما فيها من خير وندع ما فيها من شر؟!
هل الأمة التي قال فيها الله عز وجل كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].
تحتاج في شيء من نظامها السياسي الذي هو جزء من دينها إلى ما عند أمم الكفر والضلال؟
إن من عقيدة الإسلام التي يعتقدها كل مسلم: أن ديننا لم يترك بابا من أبواب الخير إلا ودلنا عليه، ولم يترك بابا من أبواب الشر إلا وحذرنا منه. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه وينذرهم شر ما يعلمه لهم)) (1) فهل يسوغ في عقيدة المسلم – بعد ذلك – أن يقال: إن في النظام الديمقراطي عناصر طيبة أو نوعا من الخير تنقص النظام الإسلامي، ومن ثم فنحن في حاجة إلى استعارتها منه وتطعيم النظام الإسلامي بها؟!
لقد بلغ من عناية الدين بالمسلمين أن علمهم كل شيء حتى أدب قضاء الحاجة، فهل يمكن أن تكون الهداية في مجال النظام السياسي غير كاملة حتى نحتاج إلى غيرنا؟
إن من المقاصد الأساسية في شريعة الإسلام إقامة دولة على أساس الإيمان، وتنظيمها تنظيما دقيقا محكما وصحيحا، يكفل الخير كله والحق كله والعدل كله لكل من أظلتهم راية الدولة الإسلامية، فهل يمكن أن يقال: إن هناك عناصر من الخير لازمة لدولة الإيمان لم تأت في شريعة الإسلام، ونحن في حاجة إلى استيرادها من أمم الكفر والضلال؟!
إن ما يمكن أن يقال فيه: نأخذ ما فيه من خير، وندع ما فيه من شر، هو ما كان من قبيل المخترعات التي بنيت على الاكتشافات والتجارب المعملية، أو ما كان من قبيل الأمور المباحة التي تركها الله لنا لنجتهد فيها وفق ظروف العصر ومصالح الأمة، أما ما جاءنا فيه من الله ورسوله أمر أو نهي أو هداية أو إرشاد فلا خير إلا فيه، وليس في غيره خير نحتاج إليه.
الوقفة الخامسة: الديمقراطية قاطع طريق على النظام الإسلامي:
قد يبدو من الأمور الغريبة لدى كثير من الناس، والتي قد لا يدركون لها تفسيرا مقنعا، ما تظهره كثير من الدول الغربية الكافرة من نقمة أو مهاجمة لبعض الأنظمة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، بدعوى ما تمارسه هذه النظم من الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي، وكبت الحريات، وقتل واعتقال الآلاف من الناس، وترتفع فيها أصوات مطالبة بقطع المعونات، أو تقليل المساعدات، حتى تقوم في تلك البلاد أنظمة ديمقراطية تتعامل مع رعاياها بطريقة إنسانية تحفظ عليهم حريتهم وأمنهم واستقرارهم.
يسمع هذا الكلام سامع، أو يقرؤه قارئ، فيحتار: هل وصلت الرحمة والشفقة بدول الكفر على المسلمين إلى هذا الحد، لدرجة أنهم يناصرون الشعوب المسلمة على حكامها الجائرين؟! شيء عجيب حقا!
(1) نقل الإجماع على ذلك كثيرون منهم البغوي في ((شرح السنة)) (1/ 103)، وابن سحمان في ((الضياء الشارق)) (ص 349).
ولكن العجب يزول إذا علمنا أن ذلك ليس من أجل الرحمة والشفقة، وإنما من أجل قطع الطريق على النظام الإسلامي حتى لا يعود إلى بلاد المسلمين.
الوقفة السادسة: طبقات المتكلمين بلفظ الديمقراطية أو الدعاة إليها في بلاد المسلمين:
لقد تكلم بلفظ الديمقراطية ودعا إليه كثير من الناس على اختلاف مشاربهم وأفكارهم.
فمنهم بعض العلماء وبعض المنتسبين إلى العلم ومن غريب الأمر لدينا نحن الآن أن نجد في كتابات هؤلاء كلمات مثل: ديمقراطية الإسلام، السيادة للأمة، الأمة مصدر السلطات، واشتراكية الإسلام، وأشباه ذلك من المصطلحات الدخيلة ذات الجذور الإلحادية التي وفدت إلى بلادنا مع الكفار المتغلبين على ديار الإسلام.
وقد يزول هذا الاستغراب – ولو جزئيا – إذ أدركنا أن كل ما قاله هؤلاء في هذا الصدد لا وزن له من الناحية الشرعية، ولا قيمة له من الناحية العلمية، ذلك أن كثيرا منهم وقد دهمتهم الحضارة الوافدة بكثير من نظمها واصطلاحاتها لم يأخذوا الوقت الكافي للتفكير المتأني المتزن لمعرفة حقيقة هذه الألفاظ، بل وجدوا أنفسهم مدفوعين للكلام في هذه الأمور، التي لم يتمكنوا – لحداثة عهدهم بها – أن يدركوا ما فيها من الكفر والضلال، فاقتربوا منها وقالوا بها، وتأولوا في سبيل ذلك النصوص والأحداث التاريخية لتوافق هذه المصطلحات ونحن لا نتهم أحدا بسوء نية، ولكن أردنا التنبيه على ذلك حتى لا يفتر أحد بما قد يجده في هذه الكتابات من استخدام لهذه المصطلحات ومحاولة إلباسها ثوبا إسلاميا.
ومن هؤلاء العلماء والمنتسبين للعلم من قد تبين له ما في هذه الدعوات والمصطلحات، من الزيغ والضلال، لكنهم في نفس الوقت رأوا الكثيرين من المسلمين المثقفين ثقافة غير شرعية، وقد أخذ بلبهم البريق الزائف لهذه المصطلحات حيث كان المجتمع المسلم – بعد سيطرة الكافرين عليه – يمر بمرحلة من الانهزام على كافة المستويات، وكان هم هؤلاء العلماء أن يحفظوا على العامة دينهم واعتقادهم، فأرادوا التوفيق بين ما جاء به الدين ودل عليه وبين ما جاء به هؤلاء فقالوا: إن السيادة للأمة وإن الأمة هي مصدر السلطات، ولكن قيدوها بقيود أفرغتها من مضمونها، فهم لم يقولوا بسيادة مطلقة أو سلطة مطلقة – كما هو المعروف في هذا المصطلح – وإنما قالوا بسيادة وسلطة مقيدة بقيد الشرع، وفي إطاره، ومع ذلك فإن هذا الكلام أيضا غير صحيح لأنه كلام متناقض ينقض آخره أوله، لأن السيادة – كما سبق تعريفها – هي السلطة العليا المطلقة التي لا تعلوها أو تدانيها سلطة أخرى، فكيف يقال: إنها سلطة وسيادة مقيدة، وإذا أمكن تقييد هذه السيادة أو السلطة كان المقيد هو صاحب السيادة وليس المقيد، وهذا يبين بطلان قول كل من يقول: إن الأمة أو الشعب - في النظام الإسلامي – هي صاحبة السيادة أو مصدر السلطات بشرط تقييدها بالشريعة؛ لأن هذا كلام ينقض بعضه بعضها، والسيادة في النظام الإسلامي هي للشرع، والأمة أو الشعب في مقام العبودية لله الواحد القهار لا في مقام السيادة.
ومن المتكلمين بالديمقراطية أو الداعين إليها، قوم جمعوا بين حسن النية وسطحية التفكير، وقد ظنوا – وهم مخطئون قطعا – أن النظام الديمقراطي يحقق الخير والعدل، فأرادوا أن يبينوا للناس – بدافع حسن النية أو الغيرة على الدين – أن الإسلام قد سبق الديمقراطية بأربعة عشر قرنا من الزمان، وأن الديمقراطية قد جاء بها الإسلام وطبقها الخلفاء الراشدون!
ومنهم من خدع في الشعارات البراقة المعلنة مثل حق الناس في اختيار حكامهم، وحقهم في مساءلتهم، وحريتهم في التعبير عن آرائهم، وغير ذلك، وانطلت عليهم الخدع القاتلة بأن معارضة الديمقراطية تعني الموافقة على تضييع الحقوق وإهدار كرامة الإنسان، وتأييد الجور والطغيان. ومنهم دعاة ظنوا أن الديمقراطية قد توفر لهم قدرا من الحرية يستطيعون من خلاله أن يقوموا بواجب الدعوة، فنادوا بالديمقراطية (1).
ومنهم دعاة أيضا رأوا في العمل على إرجاع الأمة إلى النظام الإسلامي احتياجا إلى جهود كبيرة وتضحيات جسام، فآثروا السلامة ونادوا بالديمقراطية لعلهم من خلال الحرية المتاحة أن يتمكنوا من إقامة النظام الإسلامي، ولكن هيهات.
والحقيقة أن هذا التصور الذي يبدو أن فئات كثيرة ومجتمعات كبيرة عاملة في حقل الدعوة الإسلامية باتت في ظل البحث عن طريق سلمي آمن. يجنبهم كثيرا من تكاليف الجهاد وتضحياته، باتت تركن إليه وترفع لواءه، إنما يدل على غفلة كبيرة، وسذاجة في الفهم، وسطحية في التفكير.
فهل هؤلاء نسوا أو تناسوا أن ما يدعونا إليه من إقامة النظام الإسلامي هو مناقض مناقضة كاملة وشاملة للنظام الديمقراطي؟!
إذا كان هؤلاء لا يدركون فإن الديمقراطيين يدركون ذلك إدراكا حقيقيا، ولذا فإنك تراهم يخوضون - في مواجهة النظام الإسلامي – معارك شرسة على كافة المستويات وبشتى الوسائل والأساليب.
وإذا كان التناقض تاما بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي، أفلا يكون من الغفلة والسذاجة والسطحية بمكان أن يتصور متصور أن الديمقراطيين يسعهم أن يتركوا المسلمين يستخدمون وسائل النظام الديمقراطي لتقويض النظام الديمقراطي نفسه والقضاء عليه! وإقامة النظام الإسلامي بدلا منه؟!
إن بعض الجماعات في حقل العمل الإسلامي لجأت فعلا إلى الخيار الديمقراطي، واستطاعت أن تثبت أقدامها في الشارع السياسي، لكن لكم أن تعلموا ماذا حدث لها.
إنه في الوقت الذي ظهر فيه سيطرة الحركة الإسلامية على الشارع السياسي تم الانقضاض عليها والفتك بها، فحورب بها أتباعها وطردوا وسجنوا وعذبوا بل وقتلوا.
وكل ذلك يتم باسم من؟! باسم الديمقراطية التي نادوا بها.
فهل أغنى عنه الخيار الديمقراطي من ذالكم من شيء؟!
والأمثلة على ذلك في الواقع العملي كثيرة يدركها كل متابع للأحداث.
ومنهم طائفة كبيرة – وهي تمثل السواد الأعظم من المتكلمين بالديمقراطية – لا تدرك حقائق الأمور، بل هي طائفة مقلدة لا تملك غير ترديد ما تبثه وسائل الأعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
وكل هذه الفئات فئات غالطة مخطئة فيما ذهبت إليه، فإنه لا يوجد شيء يبرر الدعوة إلى الكفر أو الثناء عليه أو حتى مجرد قبوله، وهذه نصوص الكتاب والسنة وأقوال جميع علماء الأمة بين أيدينا لا نجد فيها بإزاء الكفر غير القدح فيه والدعوة إلى هجره وجهاده وجهاد متبعيه، ولسنا نجد في هذه النصوص والأقوال أن الكفر يمكن أن يكون طريقا مؤديا إلى الإسلام.
ومنهم – وهم الأشد خطرا – من يدعو إلى الديمقراطية وهو على علم بها وبأصولها إيثارا لها على النظام السياسي في الإسلام، وهذه الطبقة فيها كثير من الكتاب والأدباء والصحفيين، ومن يسمونهم المفكرين، وفيه اأساتذة في الجامعات وخاصة ممن درسوا القوانين الوضعية والنظم الغربية وتأثروا بها، وهؤلاء يمثلون فريقا من العلمانيين.
(1)((الشفا)) (2/ 1073).
ومنهم طائفة من أهل الملل الأخرى كاليهود والنصارى الموجودين في بعض بلاد المسلمين، والذين يرون في الديمقراطية نجاة لهم من الخضوع للنظام الإسلامي، في نفس الوقت الذي يتمكنون فيه من احتلال مراكز قيادية في ديار المسلمين في ظل هذا النظام، ما كان لهم أن يحتلوها في ظل النظام الإسلامي.
الوقفة السابعة: وسائل الديمقراطيين والعلمانيين وغيرهم في محاربة النظام الإسلامي:
للديمقراطيين والعلمانيين وغيرهم من أعداء الإسلام وسائل متعددة في محاربة النظام السياسي الإسلامي نظام " الخلافة "، وهذه الوسائل " تختلف " من بلد إلى بلد ومن زمان إلى زمان آخر بحسب وعي الشعوب المسلمة وفهمها لدينها ولنظامه السياسي، وبحسب قوة أو ضعف الصحوة الإسلامية فيه، فعلى حين تكون الحرب سافرة في البلاد التي يقل فيها وعي شعوبها بدينهم، أو تكون الصحوة فيها صحوة ضعيفة أو جزئية غير شاملة، تكون الحرب خفية أو غير صريحة في البلاد ذات الوعي القوي أو التي فيها صحوة قوية شاملة غير جزئية، ونحن هنا نرصد بعض الوسائل – لا كلها – التي من خلالها يقومون بمحاربة النظام الإسلامي للحيلولة دون رجوعه مرة أخرى.
1) فمن هذه الوسائل زعمهم أن الإسلام ليس فيه نظام سياسي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من عمله إقامة دولة وإدارتها، وأن عمله لم يتجاوز حدود البلاغ والإنذار المجرد من كل معاني السلطان، وأن الخلافة ليس لها سند من الدين، وأن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت بيعة سياسية ملكية قامت على أساس القوة والسيف، وأن الإسلام بريء من تلك الخلافة التي يعرفها المسلمون، وأنه لا شيء في الدين يمنع المسلمين من أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا نظام الخلافة ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم.
كانت تلك إحدى وسائلهم وهي إنكار النظام السياسي في الإسلام جملة، وكانت هذه الكلمات السابقة هي مجمل ما افتراه على النظام السياسي الإسلامي الشيخ علي عبد الرازق القاضي الشرعي في كتابه:(الإسلام وأصول الحكم)، وممن قفا قفوه في إنكار النظام السياسي الإسلامي الكاتب خالد محمد خالد في كتابه:(من هنا نبدأ). لكنه بفضل الله وحده وقف لهم العلماء بالمرصاد وبينوا كذبهم وافتراءهم ومخالفتهم للنصوص القاطعة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة (1)، ولهذا لم يكن عجبا أن تعقد جلسة محاكمة للشيخ علي عبد الرازق من قبل شيخ الأزهر وباجتماع هيئة كبار العلماء ويتم فيها إخراجه من زمرة العلماء، لكن في الحقيقة إن الذي أتاه علي عبد الرازق إنما يخرجه من زمرة المسلمين لا من زمرة العلماء فقط. وقد خفت بحمد الله هذا الصوت بل محق، فلم نعد نسمع به، ولم يعد أحد يجرؤ على ترديده بعدما تبين عواره وبعدما افتضح أمر الداعين إليه، وأنهم إنما كانوا يرددون كلاما نقلوه من كلام أعداء الإسلام (2).
وإذا كانت هذه الصورة من إنكار النظام الإسلامي صورة فجة ومستقبحة، فإن هناك صورة أخرى لإنكار النظام الإسلامي ولكن بطريقة أكبر ذكاء وأشد خبثا من الطريقة الأولى، وهذه الطريقة تعتمد على الهجوم على مصادر التشريع في الإسلام، وإخراجها عن أن تكون مصدرا للأحكام السياسية، وتوضيح ذلك فيما يلي:
(1) انظر: ((نواقض الإيمان الاعتقادية)) (2/ 66 - 68).
(2)
انظر: ((حول الكلام في الفرق بين التكذيب والاستحلال)): ((نواقض الإيمان الاعتقادية)).
2) تقوم هذه الوسيلة على التسليم بأن الإسلام له نظام سياسي وأن الإسلام دين ودولة، وهذا أمر لا غبار عليه، ثم ينطلقون من هذا إلى القول بأن مصادر الأحكام السياسية (الدستورية) إنما هي الكتاب والسنة فقط، ويرفضون بقية أدلة الأحكام الأخرى حتى الإجماع عندهم مرفوض في مجال الأحكام السياسية ولو كان إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
ثم يخطون خطوة ثانية في مجال تفريغ اعترافهم السابق – بأن الإسلام له نظام سياسي – من مضمونه فيقولون: إن ذكر القرآن الكريم للأحكام السياسية: إنما كان على سبيل القواعد العامة لا الأحكام التفصيلية؛ ومعنى ذلك أنه ليس هناك أحكام محددة يجب التقيد بها في مجال النظام السياسي، وإنما هناك قواعد عامة فقط هي التي يجب التقيد بها وما يترتب على ذلك من إدخال نظام أو طرق غربية إلى النظام الإسلامي بدعوى أنها لا تتعارض مع القواعد العامة.
ثم يخطون خطوة ثالثة لإفراغ المصدر الثاني عندهم وهو السنة من أن يكون مصدرا للأحكام السياسية – الدستورية – فيقولون: إن الأحكام التي جاءت بها السنة منها ما هو تشريع دائم ومنها ما هو تشريع وقتي مرتبط بزمن النبوة، ويقولون – وهم في ذلك كاذبون – أن السنة المتعلقة بالأحكام السياسية – الدستورية – كقاعدة عامة هي من ذلك النوع الثاني الذي يعد تشريعا وقتيا أو زمنيا، ثم لا يكتفون بهذا القدر حتى يضيفوا إليه قولهم: ولا يوجد أحيانا حد فاصل دقيق بين ما يعد من السنة تشريعا دائما، وما لا يعد كذلك وبهذا الطريق يكون هؤلاء قد أفرغوا الكتاب والسنة من أي مضمون يتعلق بالاحتجاج بنصوصهما في مجال مسائل الفقه السياسي – الدستوري -.
3) ومن وسائلهم في محاربة النظام السياسي الإسلامي: استغلال خطأ بعض الخلفاء أو الأمراء أو الحكام المسلمين، وإلصاق هذه الأخطاء بالنظام الإسلامي نفسه، وتشويهه به.
أو استغلال استكانة كثير من أفراد الأمة – انطلاقا من فهم قاصر لبعض النصوص الشرعية – للظلم الواقع عليها من قبل الحكام، ومحاولة إظهار أن طبيعة النظام الإسلامي هي التي تملي على الشعوب الاستكانة والمذلة لحاكمها، وأن النظام الإسلامي نظام يكرس الاستبداد ويدعو إليه تحت شعار طاعة الأمير.
4) ومن وسائلهم أيضا القول بأن النظام الإسلامي نظام مثالي – ومثل هذه المقولة قد يفرح بها الذين لا يفهمون اصطلاحاتهم – ومرادهم بهذه المقولة أنه نظام غير للتطبيق، وإذا طبق فهو غير صالح لقيادة الحياة، وذلك لأن النظام المثالي - في عرفهم – لا يصلح إلا لأناس مثاليين، ولما كان الناس غير مثاليين بل فيهم الطيب وفيهم الخبيث، وحتى الطيب فهو عرضة للزلل، يكون النظام الإسلامي - على قولهم – غير قابل للتطبيق، أو غير صالح لقيادة الحياة.
ويكفي في الرد على هذا الزعم الباطل أن يقال: إن النظام السياسي الإسلامي ظل يحكم دولة الإسلام منذ قيامها في المدينة المنورة بقيادة الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ولعدة قرون بعده، وفتح المسلمون في ظله مشارق الأرض ومغاربها، ورفعوا على ربوعها رايات الإسلام، ونشروا الحق والعدل بين الناس، وغيروا وجه التاريخ الإنساني، كل ذلك حدث باسم الإسلام، وفي ظل دولة الإسلام، فهل حدث ذلك في ظل نظام غير قابل للتطبيق، أو غير صالح لقيادة الحياة؟!
5) ومن وسائلهم أيضا: استخدام الكتابات التاريخية في محاولة تزييف تاريخ الدولة الإسلامية عبر قرونها المتطاولة، ومن خلال هذه الكتابات يصورون تاريخ الدولة الإسلامية المشرق على أنه سلسلة من المؤامرات والخيانات التي يقوم بها حاكم لكي يستولي على السلطة من الحاكم الذي يسبقه، معتمدين في ذلك على:
أ) كثير من الروايات التاريخية الباطلة أو المكذوبة، أو التي لا ترقى إلى المرتبة التي يحتج بها في إثبات القضايا التاريخية.
ب) تأويل بل تحريف كثير من الروايات الصحيحة لإبطال ما دلت عليه من الحق والصواب.
ج) استغلال جهل أكثر المسلمين بتاريخ دولتهم العظيمة، ومن خلال هذا الجهل تروج عليهم الأكاذيب.
الوقفة الثامنة: وسائل الديمقراطية في إقناع المسلمين بالنظام الديمقراطي:
للديمقراطيين وسائل كثيرة لمحاولة التمكين للنظام الديمقراطي في الدول الإسلامية وذلك للحيلولة دون رجوع النظام الإسلامي مرة أخرى إلى بلاد المسلمين.
من هذه الوسائل:
1) محاربة النظام الإسلامي:
وقد مر ذكر الكثير من وسائلهم في ذلك – لأن النظام الإسلامي هو الأقرب إلى قلوب المسلمين من كل ما عداه من الأنظمة، فلا يمكن أن يتم التمكين إذن لأي نظام يخالفه إلا بالهجوم على النظام الإسلامي وتشويهه، حتى يفقد المسلمون ثقتهم فيه، وبالتالي يسهل إقناعهم بما يخالفه من الأنظمة ومن هنا كانت حربهم للنظام الإسلامي حربا شرسة، استخدموا فيها كل أساليب الغش والخداع والتمويه والكذب، ولكن الله غالب على أمره: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8].
2) الدعاية المكثفة للنظام الديمقراطي وتصويره على أنه النظام الوحيد الذي يكفل للشعوب ممارسة حريتها بدون قيود، وهو النظام الذي يمكن الشعوب من اختيار حكامها الذين نثق فيهم، ويمكنها أيضا من تغييرهم متى أساءوا استخدام السلطة الممنوحة لهم وخرجوا على مقتضى الدستور الذي ينظم حياتهم، وهو النظام الذي يعلي من إرادة الشعوب ويوفر لهم الحياة الآمنة المطمئنة.
ونحن في هذا الصدد لا نستطيع أن ننكر ما تتمتع به الشعوب الغربية الديمقراطية ولو ظاهريا – من حرية، وأمن ومشاركة في إدارة شؤون بلادهم، وأن حاكمهم – مثلا – لا يستطيع بقرار أن يعتقل الآلاف أو يشكل لهم المحاكم لتعلقهم على أعواد المشانق، نحن لا نستطيع أن ننكر هذا، ولا أن ننكر أنهم يتمتعون ببعض من كرامة الإنسان، ولكن!!
أولا: هل هو فعلا النظام الوحيد الذي يوفر مثل هذا؟! نحن لا نريد أن نعقد موازنة أو مقارنة بين الديمقراطية نظام الباطل، وبين الخلافة نظام الحق، ولكن نقول فقط: إن كل ما يظهر أنه أمر حسن في هذه النظم، فالموجود في نظامنا أفضل منه وأطيب، غير أنه موجود على نحو خالص من الاختلاط أو الامتزاج بالمعايب والسيئات التي رأينا نماذج منها في النظام الديمقراطي.
والذي يستطيع أن يجزم به كل منصف – وهو آمن أن يقع في الكذب – أن النظام الإسلامي هو النظام الوحيد الذي يوفر الخير كله في جميع نواحي الحياة، غير ممتزج بشيء من الشر أو المعايب.
والنصوص في ذلك كثيرة جدا سواء من الكتاب أو السنة، لا يتسع المقام لذكرها، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقني إلى كتابة مفصلة وميسرة عن النظام السياسي الإسلامي لتوضيح كل هذه الأمور والقضايا، بحيث يتمكن معها القارئ – ولو كان ذا ثقافة محدودة – من إدراك هذا الموضوع على حقيقته إدراكا كاملا.
ثانيا: إن الحرية في النظام الديمقراطي ليست حرية حقيقية، لأنها قائمة أساسا على اتخاذ طائفة من الناس – قلت أو كثرت – أربابا وآلهة، يشرعون لهم، فهي في حقيقتها عبودية طائفة من البشر لطائفة أخرى من البشر، وإن اتخذت في ظاهرها شكل الحرية.
ثالثا: هل هذه الحريات المطلقة من جميع القيود والتي توفرها الديمقراطية هل تحقق الكرامة الكاملة للإنسان؟! والجواب: قطعا لا، لأنه إذا كان من كرامة الإنسانية التعامل معه على أنه إنسان وليس حيوانا، فليس من الكرامة في شيء أن يجتمع - في ظل النظام الديمقراطي – مجلس النواب، وتدور المناقشات، وتؤخذ الاقتراحات والآراء، ثم ينقض المجلس، وقد أقر قانونا يبيح للرجل أن يعقد عقدة النكاح على رجل مثله! وقد تقدم ذكر ذلك والأمثلة على هذا الفساد العريض والإباحية الجنسية التي توفرها الديمقراطية تملأ الأسفار، فأين كرامة الإنسان في هذا؟! من أجل ذلك نقول: إن الكرامة التي توفرها الديمقراطية للإنسان هي كرامة ملوثة بقاذورات تفقدها كل قيمة لها، إذ ما قيمة النظر إلى الإنسان في جانب على أنه إنسان بينما يعامل في كثير من الجوانب الأخرى على أنه أدنى منزلة من الحيوان؟ والبديل ليس هو تلك النظم الجائرة المستبدة الموجودة في كثير من بلاد المسلمين، فما إلى هذا ندعو، ولكن البديل الذي ندعو إليه هو النظام الإسلامي الذي يوفر الحرية الحقيقية مبرأة من كل سوء ودنس، القائمة أساسا على ربوبية الله وإلاهيته لجميع الخلق.
رابعا: الحرية المتاحة على أوسع أبوابها - في النظام الديمقراطي – هي حرية الفساد والرذيلة، وكل ما يناقض الأخلاق والدين، أما الحرية السياسية التي هي من الناحية النظرية لب الديمقراطية – كما يقولون – فإنها حرية ظاهرية أو صورية، وانظر إلى ما يشهد به أحد الباحثين حيث يقول:(إن الحرية في الديمقراطية الغربية، هي بحق حرية القادرين، ذلك أن حرية الرأي والصحافة والأحزاب، بل والرأي العام نفسه أصبحت صناعة يمكن أن تصنع وفق ما تضع لها الحكومة من مواصفات، وككل صناعة عمادها التخطيط والتمويل، وهذان العنصران متوفران لدى القلة المحتكرة من الرأسماليين، وهم بحق المسيطرون على أنظمة الحكم بغير جدال).
3) ومن وسائلهم أيضا محاولة إلباس الديمقراطية ثوبا إسلاميا: أو القول: إن الديمقراطية هي التطبيق العصري أو الحديث لنظام الشورى في الإسلام، ولا بأس – عندهم - في ترويج هذه الفرية من الاستعانة ببعض القواعد الشرعية المنضبطة بقواعد وضوابط الشريعة مثل المصالح المرسلة، وصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، واختلاف الفتوى باختلاف الأحوال أو الزمان، الاستعانة بهذه القواعد من غير مراعاة لضوابطها لترويج باطلهم المذكور بين الناس.
وهذه الوسيلة يكثر استخدامها في الأماكن التي فيها صحوة إسلامية، فلكي يمرروا الديمقراطية فيها، فلا بد لهم من إلباسها زيا إسلاميا.
المصدر:
حقيقة الديمقراطية لمحمد شاكر الشريف