الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرد على فرية زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة ولها 18 سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت بإحدى الصحف مقالاً بعنوان "صحفي شاب يصحح للأئمة الأعلام خطأ ألف عام" ويتلخص ما ورد بالمقال في النقاط الآتية: 1. قضية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج بأم المؤمنين عائشة في سن السادسة وبني بها في سن التاسعة بناءً علي ما جاء في البخاري هو خطأ والخطأ في تحديد عمر السيدة عائشة رضي الله عنها آنذاك. 2. أنه من خلال بحث المصادر التاريخية (بحسب قول كاتب المقال) تبين أن العمر الحقيقي للسيدة عائشة رضي الله عنها حين بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان 18 سنة وليس 9 سنين. 3. وأن هذا الخطأ قد فات على جميع علماء الأمة ولم يكتشفه إلا هذا الصحفي. أرجو من فضيلتكم توضيح هذا الأمر لعامة المسلمين وتقديم الرد الشرعي في هذا الشأن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت الأحاديث الصحيحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم عقد على عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي تسع سنين، ومن ذلك:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ [أي: أصابتها حمى]
…
فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ) رواه البخاري (3894) ومسلم (1422) .
وعنها رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ [أي: يتخفين] مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي) رواه البخاري (7130) ومسلم (2440) .
وروى أبو داود (4932) عَنْها رضي الله عنها قَالَتْ: (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ فَقَالَ:مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ: بَنَاتِي. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ فَقَالَ:
مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟ قَالَتْ: فَرَسٌ قَالَ: وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: جَنَاحَانِ. قَالَ: فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟! قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ) وصححه الألباني في "آداب الزفاف"(ص203) .
قال الحافظ:
"قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا أَرْخَصَ لِعَائِشَة فِيهَا [أي: اللعب] لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ كَانَتْ غَيْر بَالِغ. قُلْت: وَفِي الْجَزْم بِهِ نَظَرٌ لَكِنَّهُ مُحْتَمَل ; لِأَنَّ عَائِشَة كَانَتْ فِي غَزْوَة خَيْبَر بِنْت أَرْبَع عَشْرَة سَنَة إِمَّا أَكْمَلْتهَا أَوْ جَاوَزْتهَا أَوْ قَارَبْتهَا. وَأَمَّا فِي غَزْوَة تَبُوك فَكَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ قَطْعًا فَيَتَرَجَّح رِوَايَة مَنْ قَالَ فِي خَيْبَر" انتهى، وخيبر كانت سنة سبع.
وروى مسلم (1422) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ) .
قال النووي:
"الْمُرَاد هَذِهِ اللُّعَب الْمُسَمَّاة بِالْبَنَاتِ [العرائس] الَّتِي تَلْعَب بِهَا الْجَوَارِي الصِّغَار ، وَمَعْنَاهُ التَّنْبِيه عَلَى صِغَر سِنّهَا" انتهى.
وفي هذه لرواية قالت: (وأنا بنت سبع سنين) وفي أكثر الروايات: (بنت ست) والجمع بينهما: أنها كان لها ست وكسر، فمرة اقتصرت على السنين، ومرة عَدَّت السنة التي دخلت فيها. أفاده النووي في شرح مسلم.
وقد نقل ابن كثير رحمه الله أن هذا أمر متفق عليه بين العلماء، ولم يُذكر عن أحد منهم خلافه، فقال رحمه الله:
"قوله: (تزوجها وهي ابنة ست سنين، وبنى بها وهي ابنة تسع) مما لا خلاف فيه بين الناس - وقد ثبت في الصحاح وغيرها - وكان بناؤه بها عليه السلام في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة" انتهى من "البداية والنهاية"(3 / 161) .
ومن المعلوم أن الإجماع معصوم من الخطأ؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، فقد روى الترمذي (2167) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1848) .
ثانياً:
كاتب المقال المذكور أوقعه جهله وتعصبه لقوله الباطل في كثير من الكذب والتدليس، يريد بذلك أن ينصر باطله.
فمن ذلك مثلا: ما ذكره عن ابن كثير في البداية والنهاية أنه قال عن الذين سبقوا بإسلامهم: "ومن النساء: أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين"
ولم نقف على هذا الكلام في "البداية والنهاية"، وإنما قال ابن كثير (3/25) :"فكان أول من بادر إلى التصديق من الرجال الأحرار: أبو بكر الصديق. ومن الغلمان: علي بن أبي طالب. ومن النساء: خديجة بنت خويلد" انتهى. ولم يذكر أسماء ولا عائشة رضي الله عنهما.
وعائشة رضي الله عنها إنما ولدت بعد النبوة بنحو أربع سنين.
ومن ذلك أيضاً قوله:
" وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها - يعني أسماء - أكبر من عائشة بـ10 سنوات ".
والأمر ليس كذلك، فقد ذكر الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/522) :"أن أسماء كانت أسن من عائشة ببضع عشر سنة" انتهى.
والبضع في العدد ما بين ثلاثة والعشر.
ثالثا:
ليس في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي تسع سنوات شيء يستنكر، فمن المعلوم أن سن بلوغ المرأة يختلف حسب العرق وحسب المناخ، ففي المناطق الحارة تبلغ الجارية مبكرا، بينما في المناطق القطبية الباردة قد يتأخر البلوغ حتى سن 21 سنة.
قال الترمذي: قالت عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة.
"سنن الترمذي"(2/409) .
وقال الإمام الشافعي: " رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيرا ".
"سير أعلام النبلاء"(10 / 91) .
وروى البيهقي (1588) عَنِ الشَّافِعِىِّ قَالَ: " أَعْجَلُ مَنْ سَمِعْتُ بِهِ مِنَ النِّسَاءِ يَحِضْنَ نِسَاءٌ بِتِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ ".
وقَالَ الشَّافِعِىُّ أيضا: " رَأَيْتُ بِصَنْعَاءَ جَدَّةً بِنْتَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، حَاضَتْ ابْنَةَ تِسْعٍ وَوَلَدَتْ ابْنَةَ عَشْرٍ، وَحَاضَتِ الْبِنْتُ ابْنَةَ تِسْعٍ وَوَلَدَتْ ابْنَةَ عَشْرٍ ".
"السنن الكبرى للبيهقي"(1 / 319) .
فعلى هذا؛ فقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي بالغة أو قد قاربت البلوغ.
ولمزيد الفائدة راجع السؤال رقم (44990)
والواجب على من يتكلم في علم من العلوم أن يكون كلامه بعلم وإنصاف، بعيداً عن الجهل والتعصب واتباع الهوى.
وحسب امرئ من الشر أن يخترع قولا لم يقل به أحد من العلماء على مدار مئات السنين، وهذا دليل على خطأ هذا القول، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"فكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين ولم يسبقه إليه أحد منهم فإنه يكون خطأ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام" انتهى.
"مجموع الفتاوى"(21/291) .
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب