الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة باطلة منسوبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبرني شخص أن عمر أو أبو بكر رضي الله عنهما قد جاء إلى علي رضي الله عنه وقت توليه القضاء، وقال: إنه رأى فلانا قد ارتكب الزنا، فما كان من علي إلا أن قال: إن لم يكن لديك أربعة شهود فالتزم الصمت ولا تنطق بشيء. فهل هناك ما يثبت صحة هذه الرواية؟ وهل هذا حديث صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
من الأحكام المتفق عليها بين علماء المسلمين أن الزنا لا يثبت إلا بشهادة أربعة رجال؛ لقوله تعالى: (وَاللَاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) النساء/15، وقَوْله:(لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النور/13.
قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن الشهادة على الزنا أربعة لا يُقبل أقل منهم" انتهى.
"الإجماع " ص 42.
فإن نقص عدد الشهود عن أربعة، وجب عليهم السكوت، ولم يجز لهم اتهامه بالزنا، فإن تكلموا بذلك رُدت شهادتهم، وأُقيم عليهم حد القذف، لقوله تعالى:(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) النور/4.
ولما رواه النسائي (3469) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ بْنَ السَّحْمَاءِ بِامْرَأَتِهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ) . وصححه الألباني.
قال ابن قدامة: "وإذا لم تَكمل شهود الزنا، فعليهم الحدُّ في قول أكثر أهل العلم" انتهى.
"المغني "(10 /175) .
وذلك حتى لا تُتَّخذ صورةُ الشهادة ذريعةً إلى الوقيعة في أعراض الناس.
ثانياً:
أما القصة التي أشرت إليها، فقد ذكرها أبو حامد الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين"(2/200)، فقال:
"روى أن عمر رضي الله عنه كان يَعُسُّ [يطوف ليلاً] بالمدينة ذات ليلة، فرأى رجلاً وامرأةً على فاحشة.
فلما أصبح قال للناس: أرأيتم لو أن إماماً رأى رجلاً وامرأةً على فاحشة، فأقام عليهما الحد، ما كنتم فاعلين.
قالوا: إنما أنت إمام.
فقال علي رضي الله عنه: ليس ذلك لك، إذاً يقام عليك الحد، إن الله لم يأمن على هذا الأمر أقل من أربعة شهود.
ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم.
ثم سألهم، فقال القوم مقالتهم الأولى، فقال علي رضي الله عنه مثل مقالته الأولى" انتهى.
ثم قال أبو حامد الغزالي: "وهذا يشير إلى أن عمر رضي الله عنه كان متردداً في أن الوالي هل له أن يقضي بعلمه في حدود الله، فلذلك راجعهم
…
خيفة من أن لا يكون له ذلك فيكون قاذفاً بإخباره، ومالَ رأى علي إلى أنه ليس له ذلك" انتهى.
وهذه القصة التي ذكرها الغزالي لم نقف عليها ـ بعد البحث ـ مروية بسندها، حتى نستطيع الحكم بصحتها، ومن المعروف أنَّ الغزالي ممن يتساهل في إيراد الأحاديث والروايات الضعيفة والموضوعة، خاصة في كتابه:" إحياء علوم الدين".
وقد سبق الكلام عن هذا الكتاب وما فيه من أغاليط في جواب السؤال (27328) .
وقد ورد عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ما يخالف هذا الأثر الذي ذكره الغزالي، وذكره السائل بمعناه.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ: زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ، وَأَنْتَ أَمِيرٌ، فَقَالَ: شَهَادَتُكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: صَدَقْتَ.
رواه البخاري معلقاً، ووصله عبد الرزاق في المصنف (8 / 340) ، وأشار ابن القيم إلى ثبوته في " الطرق الحكمية" صـ 168.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وقد جاء عن أبي بكر الصديق نحو هذا" انتهى.
فهذا يدل على أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يريان أن الحاكم لا يحكم بما علمه ولم يشهد عليه شهود، وإنما يحكم بشهادة الشهود.
ولا نستبعد أن يكون أعداء الصحابة الذين يسمون بـ "الشيعة" أو "الرافضة" هم الذين يرجون لمثل هذه الروايات، حتى يثبتوا بها أن علياً أعلم من عمر رضي الله عنهما.
وعِلْمُ عليٍّ رضي الله عنه وفضله وحسن قضائه معلوم ظاهر، وأظهر منه: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا أفضل منه وأعلم، وهذا لا ينكره إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي.
قال ابن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية":
"وَتَرْتِيبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ فِي الْفَضْلِ، كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ. وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما مِنَ الْمَزِيَّةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلَمْ يَأْمُرْنَا بالاقْتِدَاءِ فِي الْأَفْعَالِ إِلَّا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ:(اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) ، وَفَرْقٌ بَيْنَ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِمُ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، فَحَالُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَوْقَ حَالِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ
…
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمُ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ. وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ.
وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:(كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ: أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ - أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ) " انتهى.
وعلق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله هنا بأن هذا الحديث الأخير رواه البخاري بلفظين آخرين، ولم يروه مسلم. وأن هذا اللفظ الذي ذكره ابن أبي العز رحمه الله هو لفظ أبي داود في سننه.
فرضي الله عن الصحابة أجمعين، وجعلنا ممن اتبعوهم بإحسان، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب