المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: زعم الجمهوريين بأن السنة هي ما هم عليها اليوم: - موقف الجمهوريين من السنة النبوية

[شوقي بشير]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةٌ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: زَعْمُ الجُمْهُورِيِّينَ بِأَنَّ السُنَّةَ هِيَ مَا هُمْ عَلَيْهَا اليَوْمَ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: اِعْتِمَادُ الجُمْهُورِيِّينَ عَلَى الأَحَادِيثِ المَوْضُوعَةِ:

- ‌[المثال الأول: «رَجَعْنَا مِنَ الجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الجِهَادِ الأَكْبَرِ». قِيلَ وَمَا الجِهَادُ الأَكْبَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «جِهَادُ النَّفْسِ»]:

- ‌[المثال الثاني: «تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللهِ، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»]:

- ‌[المثال الثالث: «مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعْلَمْ وَرَّثَهُ اللهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»]:

- ‌[المثال الرابع: «كُنْتُ كَنْزًا لَا أَعْرِفُ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْرِفَ فَخَلَقْتُ خَلْقًا فَعَرَّفْتُهُمْ بِي، فَعَرَفُونِي»]:

- ‌[المثال الخامس: «مَا وَسِعَنِي أَرْضِي وَلَا سَمَائِي، وَلَكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ»]:

- ‌[المثال السادس: «القَلْبُ بَيْتُ الرَّبِّ»]:

- ‌[المثال السابع: «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ»]:

- ‌[المثال الثامن: «كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ المَاءِ وَالطِّينِ»]:

- ‌[المثال التاسع: «يَا دَاوُدُ إِنَّكَ تُرِيدُ وَأُرِيدُ وَيَكُونُ مَا أُرِيدُ، فَإِنْ سَلَّمْتَ لِمَا أُرِيدُ

- ‌[المثال العاشر: «الدِّينُ المُعَامَلَةُ»]:

- ‌[المثال الحادي عشر: «سُوءُ الخُلُقِ ذَنْبٌ لَا يُغْتَفَرُ وَسُوءُ الظَنِّ خَطِيئَةٌ تَفُوحُ»]:

- ‌[المثال الثاني عشر: «نِيَّةُ المَرْءِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»]:

- ‌[المثال الثالث عشر: «يَا عِيسَى عِظْ نَفْسَكَ فَإِنْ اِتَّعَظْتَ فَعِظْ النَّاسَ وَإِلَاّ فَاسْتِحِي مِنِّي»]:

- ‌[المثال الرابع عشر: «لَا يَعْرِفُ اللهَ إلَاّ اللهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي مُلْكِهِ إِلَاّ مَا يُرِيدُ»]:

- ‌[المثال الخامس عشر: «مَنْ آمَنَ فَقَدْ آمَنَ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ وَمَنْ كَفَرَ فَقَدْ كَفَرَ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ»]:

- ‌[المثال السادس عشر: «كُلُّ مَا يَخْطُرُ بِبَالِكَ فَاللهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ»]:

- ‌[المثال السابع عشر: «لَيْلَةَ عُرِجَ بِي اِنْتَسَخَ بَصَرِي فِي بَصِيرَتِي»]:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: ذِكْرُ بَعْضِ أَقْوَالِ الصُّوفِيَّةِ عَلَى أَسَاسِ أَنَّهَا أَحَادِيثٌ قَالَهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ»

- ‌المثال الثاني: [«مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا»]

- ‌المثال الثالث: «النَّاسُ نِيَامٌ فَإِذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا»

- ‌المثال الرابع: «حَسَنَاتُ الأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ»

- ‌المثال الخامس: «قَوْلِي شَرِِيعَةٌ وَعَمَلِي طَرِيقَةٌ وَحَالِي حَقِيقَةٌ»

- ‌المثال السادس: «عَلَامَةُ الإِذْنِ التَّيْسِيرُ»

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: رَدُّ الجُمْهُورِيِّينَ لِلأَحَادِيثِ التِي لَا تُوَافِقُ أَغْرَاضَهُمْ وَمَذْهَبَهُمْ:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: عَدَمُ الاِعْتِمَادِ عَلَى السُنَّةِ فِي فَهْمِ القُرْآنِ:

- ‌الفَصْلُ السَّادِسُ: بَتْرُ النُّصُوصِ:

- ‌بَتْرُ النُّصُوصِ:

- ‌المِثَالُ الأَوَّلُ: «خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»:

- ‌المثال الثاني: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ»:

- ‌الفَصْلُ السَّابِعُ: جَعْلُ الجُمْهُورِيِّينَ لِلأَحَادِيثِ مَعْنَيَيْنِ: مَعْنَى قَرِيبًا وَمَعْنَى بَعِيدًا:

- ‌المثال الأول: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»:

- ‌الفَصْلُ الثَّامِنُ: تَأْوِيلُ ظَاهِرِ الأَحَادِيثِ إِلِى تَأْوِيلَاتٍ لَا تُعْقَلُ:

- ‌الفَصْلُ التَّاسِعُ: القَوْلُ بِمَرْحَلِيَّةِ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ:

- ‌أَمْثِلَةٌ مِنَ الأَحَادِيثِ التِي يَقُولُ الجُمْهُورِيُّونَ بِمَرْحَلِيَّتِهَا:

- ‌[المثال الأول: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»]:

- ‌[المثال الثاني: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»]:

- ‌الفَصْلُ العَاشِرُ: رَفْضُ الجُمْهُورِيِّينَ العَمَلَ بِجُزْءٍ كَبِيرٍ مِنَ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ:

- ‌الفَصْلُ الحَادِي عَشَرَ: إِدْخَالُ الجُمْهُورِيِّينَ لِجُزْءٍ كَبِيرٍ مِنَ السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي البِدَعِ:

الفصل: ‌الفصل الأول: زعم الجمهوريين بأن السنة هي ما هم عليها اليوم:

‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: زَعْمُ الجُمْهُورِيِّينَ بِأَنَّ السُنَّةَ هِيَ مَا هُمْ عَلَيْهَا اليَوْمَ:

يرى الجمهوريون أنهم أتباع السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وأنصارها اليوم، وما يَتَّبِعُهُ غيرهم من المسلمين ليس بِسُنَّةٍ - وإن كانت سنة قبل ظهور فرقتهم - فالسنة في رأيهم هم ما داوم عليه الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم من عمل في خاصة نفسه، وإنها هي التي عليها هم اليوم في بداية طريقهم إلى الله - مرحلة التقليد - فهي - في رأيهم - الحق المنظور في طلب الحقيقة، والحقيقة عند الجمهوريين - هي سُنَّةُ الله - سبحانه وتعالى.

ويرى الجمهوريون أن علماء الحديث والأصول قد أخطأوا في جعلهم سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هي عمله وقوله وإقراره بينما هي ليست كذلك.

جاء في كتاب " الرسالة الثانية من الإسلام " ما يلي:

«إن مما ألف الناس أن سُنَّةَ النَّبِيِّ هي قوله وإقراره وعمله، والحق أن هذا خطأ، فإن قول النبي وإقراره ليسا سُنَّةً (1)، وإنما هو شريعة، وأما عمله في خاصة نفسه فهو سُنَّةٌ

».

(1) من أمثلة السنة التقريرية التي يرفضها الجمهوريون لأنها تقريرية المشي أمام الجنازة وخلفها، فهم يرون أن المشي أمام الجنازة ليس بِسُنَّةٍ كما هو واضح في حديثهم على تشييع الجنازة والبكاء على الميت. ص 11 كُتَيِّبْ " تعلموا كيف تجهزون موتاكم " ط 1 - رمضان 1401 هـ - فعند الجمهوريين تكون الجنازة أولاً ثم الرجال من خلفها في جماعات، ثم النساء مجتمعات خلف الرجال.

ص: 8

نعم هناك من قوله قول يلحق بالسنة وذلك القول الذي يَنِمُّ عن حال قلبه

السُنَّةُ هي عمل النبي في خاصة نفسه والشريعة هي تنزل من مستوى عمله في خاصة نفسه إلى مستوى أمته، ليعلمهم فيما يطيقون وليكلفهم فيما يستطيعون، فالسنة هي نبوته والشريعة هي رسالته، وإنما في مضمار رسالته هذه قال:«نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُخَاطِبَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» (1) فقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليس بِسُنَّةٍ عند الجمهوريين إلا إذا كان يتحدث عن حال قلبه، فقوله هو شريعته المحمدية التي قال بها كَمُشَرِّعٍ لأمة الأصحاب، فالصحابي يُصَدِّقُهُ في هذه المسألة كما يُصَدِّقُ غيره من المُسْتَيْقِنِينَ، ويتبعه فيما يقول عن ربه وما يبلغ من أوامره ونواهيه (2). ويستدل الجمهوريون في هذه المسألة بقول نسبوه إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «حَالِي حَقِيقَةٌ وَعَمَلِي طَرِيقَةٌ وَقَوْلِي شَرِيعَةٌ» (3).

قال محمود محمد طه: «وأما قوله فمنه ما هو شريعة ومنه ما هو سُنَّةٌ

فالقول المراد به إلى تعليم الأُمَّةِ وتنظيمها والتشريع لها فهو شريعة، مثال ذلك

(1) محمود محمد طه: " الرسالة الثانية من الإسلام ": ط 4. ص 13. الإخوان الجمهوريون: الميزان بين محمود محمد طه والأمانة العامة للشؤون الدينية، ط. ديسمبر 1974 م، ص 17.

(2)

انظر: محمود محمد طه، " رسالة الصلاة ": ص 36. محمود محمد طه، " [سلسلة] رسائل ومقالات - الكتاب الثاني ": ص 36.

(3)

قال محمد نجيب المطيعي في مقاله (النبأ الأثيم أو الهوس اللاديني الذميم): «من وضع بعض الصوفية» .

ص: 9

حديث «كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» (1).

وأما القول العامي إلى تعليم الأُمَّةِ، والدال على حال قلب النبي من المعرفة بربه فهو السُنَّةُ ولا حق بها، مثال ذلك:

«إن الله قد احتجب عن الأبصار .. وإن الملأ الأعلى ليطلبونه كما تطلبونه» هذا الحديث لاحق بِالسُنَّةِ في الحقيقة ينم عنها القول وينم عنها العمل، ولذلك «قلنا إن السُنَّةَ هي عمل النبي في خاصة نفسه» (2).

فَسُنَّةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم - عند الجمهوريين - هي عمله في خاصة نفسه، وهي الفكر، وهي حال قلب النبي في الحقيقة، وهي المسؤولية الفردية - الخاصة بالنبي - وهي حريته الفردية المطلقة التي تمتع بها بعد أن أصبح أصيلاً في سُنَّتِهِ التي لم يقلد فيها أحدًا من الأنبياء قبله.

ويستدل الجمهوريون على قولهم بأن السُنَّةَ هي الفكر، وأنهم هم الذين يتبعونها في العبادة وَالسُنَّةِ التي يتبعونها هي التي تحارب أن تصبح العبادات عادات، فالعبادات وسائل كلفوا بها لتربية نفوسهم ومعرفتها بربها.

(1)" صحيح مسلم " - كتاب الجنائز - باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه: 2/ 672، حديث رقم 106. و " سنن الترمذي " - كتاب الجنائز - باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبول -: 3/ 370، حديث رقم 1054.

(2)

محمود محمد طه، " من دقائق حقائق الدين ": ط 4. ص 18.

ص: 10

وَ «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ» (1).

وَالسُنَّةُ النَّبَوِيَّةُ التي يتبعها الجمهوريون يتبعونها في مرحلة التقليد، وبعدها يتمتعون بحريتهم الفردية المطلقة فليس في مرحلة الأصالة تقليد وإنما هو تأس (2).

وقد أخطأ الجمهوريون في زعمهم أن السُنَّةَ هي ما يتبعونه، فما يتبعونه ليس هو السُنَّةُ وإنما يتبعون ما شرعه لهم زعيمهم محمود محمد طه، الذي أمرهم بالتأسي بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم واتخاذه قدوة فيما هو من خصائصه، بينما منعهم من اتباع السُنَّةِ الحقيقية بِحُجَّةِ أن السُنَّةَ الحقيقية ليست سُنَّةً، كما أخطأ الجمهوريون في فصلهم بين الشريعة وَالسُنَّةِ وزعمهم أن قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شريعة وأنه مُخَالِفٌ لِلْسُنَّةِ، وأن إقراره شريعة مُخَالِفٌ لِلْسُنَّةِ، فَالسُنَّةُ لغة هي الطريقة المتبعة.

وشرعًا هي ما شرعه الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بإذن الله تعالى لأُمَّتِهِ من طرق وسبل الخير، وما انتدبها من الآداب والفضائل لتكمل وتسعد.

«فإذا كان ما سَنَّهُ النَّبِيُّ قد أمر بالقيام به والتزامه فذلك من السُّنَنِ الواجبة التي لا يسع المسلم تركها، وإلا فهي من السُّنَنِ

(1) قال عبد الرحمن الوكيل في تحقيقه لكتاب " تنبيه الغبي في تكفير ابن عربي " في هامش ص 43 أن «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ» ليس بحديث فقد قال النووي ليس بثابت ويرى ابن تيمية أنه موضوع، ويريد من يستدل به من القائلين بوحدة الوجود أن من عرف نفسه أنه هو الله.

(2)

انظر: الإخوان الجمهوريون: " الصوم ضياء والصلاة نور "، ط 3. رمضان 1399 هـ. انظر:" اليوم الهجرة من النفس السفلى إلى النفس العليا ": ص 6.

" الإسلام رسالته الأولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين ": ص 36.

ص: 11

المستحبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها» (1).

فَالسُنَّةُ هي قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره فهو كما يسن بفعله يسن بقوله وتقريره.

وقد أخطأ الجمهوريون في قولهم بأن إقرار النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليس بِسُنَّةٍ، فإقرار النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُنَّةٌ.

فمن «مقتضى ما تقرر من عصمته صلى الله عليه وسلم وأمانته في التبليغ أن لا يقر أحدًا على أمر غير مأذون فيه شرعًا، فيكون إقراره للأمر دليلاً على أنه لا حرج في فعله سواء شاهده بنفسه فسكت أو بلغه فلم ينكره وما لا حرج فيه يشمل الواجب والمندوب والمباح، فيحمل على أقل مراتبه وهو الجواز حتى يقول الدليل على الندب أو الوجوب» (2).

«ولا يدل الإقرار على جواز الفعل في حق من أَقَرَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من أُمَّةِ أصحابه ومن معه حتى قيام فرقتهم، وأن عمومه لا يشمل من عاش في القرن العشرين وما بعده، وإنما يشمل فقد أُمَّة الأصحاب، فإقرار النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم على جواز الفعل لا يدل على جوازه في حق من أقره النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، " بل يكون الجواز حُكْمًا شاملاً لجميع المكلفين، أخذًا بالأصل الذي هو استواء الناس في أحكام الشريعة "» (3).

(1) أبو بكر الجزائري، " الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف ": ص 15، 16.

(2)

الشيخ محمد خضر، " رسائل الإصلاح ": 2/ 167.

(3)

انظر: أحمد أمين، " فجر الإسلام " ط 10. بيروت.

ص: 12

كما أخطأ الجمهوريون في زعمهم أن قول الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ليس بِسُنَّةٍ، كما أن الحُجَّةَ التي اعتمدوا عليها في هذه المسألة ليست بِحُجَّةٍ فلا يعني القول بأن قول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شريعة أنه ليس بِسُنَّةٍ أو أن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لا يعمل بقوله إلا على سبيل التعليم لأمته، وأما أصحابه فيعملون به طَمَعًا في الارتفاع من مستوى رسالتهم المحمدية إلى الأحمدية، أو الارتفاع من سُنَّتِهِمْ التي يتبعونها إلى سُنَّةِ النَّبِيُّ في خاصة نفسه ثم إلى سُنَّةِ الله.

فالحق أن قول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الذي هو من سُنَّتِهِ المتعبد بها والتي شرعها الرَّسُُولُ صلى الله عليه وسلم بإذن الله تعالى لأمته، واتبعته في ذلك، فقد شَرَّعَ الرَّسُُولُ صلى الله عليه وسلم للمسلمين بأقواله وأفعاله وتقريره فقد حدثت حوادث وخصومات قضى فيها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بالحديث لا بالقرآن (فكان قضاؤه تشريعًا) كما أن الرَّسُُولَ صلى الله عليه وسلم قد بَيَّنَ كثيرًا من آيات القرآن الكريم بأقواله كبيانه للصلاة والزكاة وسائر العبادات.

«فكل ما قاله النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أو فعله أو حدث أمامه واستحسنه كان تشريعًا» (1). ولا يعني كونه تشريعًا أنه ليس بِسُنَّةٍ كما ذهب إلى ذلك الجمهوريون.

كما أخطأ الجمهوريون في زعمهم أن فعل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليس بِسُنَّةٍ إلا ما كان خالصًا به وأخطأوا في جعلهم هذه هي السُنَّةَ كما أخطأوا في حصرهم لِلْسُنَّةِ في عمل الرَّسُُولِ صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه، فالأفعال التي يعلم المسلم أنها من اختصاص النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كالوصال في

(1) انظر: أحمد أمين، " فجر الإسلام، ط 10. بيروت.

ص: 13

الصوم أو الزيادة في النكاح على أربع ليست محلاً للتأسي ولا يجب على أحد أن يقتدي به فيما هو من خصائصه فقط (1). فكيف ينادي محمود محمد طه بجعل ما اختص به الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم شريعة عامة لأتباعه في مرحلة التقليد ويسميها (شريعة النبوة) ومما لا شك فيه أن هذه مخالفة صريحة للإسلام والمسلمين، وإن حاول الجمهوريون في سبيل إرضاء عدد كبير من الناس التنازل عن اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في بعض المسائل الواضحة جِدًّا أنها من خصائصه، والتي تفيدهم التنازل عنها، فقد حرموا التعدد والزيادة في النكاح على أربع لإرضاء المرأة وكسبها لجانبهم، كما هربوا من صيام المواصلة بحجة أن الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قد فداهم كل التفدية، والحقيقة أن نفوسهم لا تطيق الصيام الذي يصومه المسلمون فكيف تطيق صيام المواصلة، وما ذهابهم إلى القول بأن الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فداهم كل التفدية إلا محاولة لفتح الباب للقول بسقوط الصيام.

ولا ندري ماذا يقصد الجمهوريون بقوله إن السُنَّةَ هي الفكر، فكلمة فكر كلمة عامة عندما تطلق يُرَادُ بها الفكر الإغريقي والهندي والفارسي والعلماني الأوروبي، وغير ذلك من أنواع الفكر، أم أنهم يقصدون الفكر الإسلامي، وعلى العموم قد أخطأ الجمهوريون في هذه المسألة أيضًا لان الفكر فيما يبدو مرادف عندهم لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه، بينما الفكر هو محاولات علماء المسلمين العقلية لشرح الإسلام في مصادره الأصلية: القرآن

(1)" رسائل الإصلاح ": 2/ 162.

ص: 14

والسُنَّةُ الصحيحة ويشمل:

(أ) استنباط الأحكام الدينية في صلة الإنسان بخالقه في العبادة.

(ب) الدفاع عن العقيدة والرد العقائدي (1).

فكيف يجعل محمود محمد طه الفكر الإسلامي الغني هو فكرهم الجمهوري بحجة أنهم هم الذي يَتَّبِعُونَ السُنَّةَ وأن السُنَّةَ هي الفكر، والذي نعرفه في هذا المجال أن سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هي الحكمة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على رسوله مع الكتاب والتي كانت أزواج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يذكرنها في بيوتهن مع آيات الله (2).

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» (3).

(1) انظر للتوسع في هذه المسألة: محمد البهي: " الفكر الإسلامي في تطوره ": ط 1 1971 م. دار الفكر.

(2)

انظر ابن تيمية: " القاعدة المراكشية ": ص 35.

(3)

انظر " سنن الترمذي "، تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطوة، دار إحياء التراث العربي بيروت (بلا تاريخ)، كتاب العلم - باب ما نهى أن يقال عند حديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، 5/ 38، حديث رقم 2664. و " سنن أبي داود ": كتاب السنة - باب لزوم السنة، 4/ 200 حديث رقم 4604.

ص: 15