الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ السَّابِعُ: جَعْلُ الجُمْهُورِيِّينَ لِلأَحَادِيثِ مَعْنَيَيْنِ: مَعْنَى قَرِيبًا وَمَعْنَى بَعِيدًا:
جعل الجمهوريون للأحاديث معنيين معنى قريبًا ومعنى بعيدًا، المعنى البعيد هو المقصود لذاته، والمعنى القريب في معظم الأحيان وسيلة للمعنى البعيد، وذكروا أن الذي يفهم المعنى القريب دون البعيد فما فهم الأحاديث.
المثال الأول: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «" صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .
قال محمود في كتابه " رسالة الصلاة ": «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» !! هكذا أمر النبي في تبليغه رسالة ربه، فالصلاة معراج النبي بالأصالة ومعراج الأُمَّةِ بعده بالتبعية والتقليد .. وكلمة «رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» لها معنى بعيد، ومعنى قريب .. فأما المعنى البعيد فهو أن ترى بعين البصيرة حال قلب النبي من صدق التوجه حين يقوم لصلاته، وأما المعنى القريب فهو أن نرى بعين البصر حركات النبي الظاهرة في صلاته فنتفنها أيضًا .. فنحن بدون أن نراه بعين البصيرة وبعين البصر، وبعبارة أخرى بدون أن نعرف حال قلبه وحركات جسده لا نكون قد رأيناه .. وإذا صلينا بمحاكاة حركات الجسد، بدون محاكاة صدق توجه القلب لا نكون أطعنا
عبارته «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، وآفة صلاتنا الحاضرة أننا ذهلنا عن هذه الرؤية المزدوجة فأصبحنا نتقن حركات الصلاة ولكن قلوبنا شاردة، فنحن حين نقوم بأجسادنا في مساجدنا نكون بقلوبنا في السوق أو في الشارع .. ونحن حين نقول:«اللهُ أَكْبَرُ» في إحرامنا، يقول مناد من قبل الحق كذبتم لستم بها صادقين وإنما المال أكبر أو الجاه أكبر .. وبذلك لا تكون صلاتنا صلاة ويحق فينا قوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (1)، سماهم المصلين، لأن حركاتهم حركات مُصَلٍّ، ثم قال فيهم إنهم عن صلاتهم {سَاهُونَ} يعني غافلون عن حقيقة صلاتهم وهي التي تقوم فيها الصلة بين الله وبينهم، وذلك بحضور قلوبهم فيها، ولذلك قال:{الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} أي يهتمون بالظاهر ويهملون الباطن {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} ، والماعون يعني القلب بمنعونه من الله أن يكون فيه، ويملأونه بأصنام حب الجاه وحب السلطة) (2).
فحديث: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فيه أمران: أمر بالتقليد وأمر بالأصالة - في رأي الجمهوريين -.
جاء في كتاب " رسالة الصلاة ":
فمعنى الحديث - عند الجمهوريين -: أن النبي قد قال بلسان
(1)[سورة الماعون، الآيات: 4 - 7].
(2)
محمود محمد طه: " رسالة الصلاة " ط. رمضان: 1389 هـ، ص 42، 43.
وقد أخطأ الجمهوريون في هذه المسألة التي حاولوا أن تكون سَنَدًا لهم في الدعوة إلى الأصالة - ترك التقليد - أو ترك الصلاة الشرعية.
وهذا الحديث الذي تحدث عنه الجمهوريون له معنى واحدًا، وفيه تنصيص على أن فعل الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مُبَيِّنٌ لأصحابه، فالبيان هو عبارة عن إظهار المراد، والمراد من هذا الحديث واضح وبين، وهو أن نصلي بالكيفية التي وضحها لنا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم.
وإظهار المراد قد يكون بالفعل أبلغ منه بالقول (2)، ولهذا السبب نرى أن محمودًا قد أخطأ في جعله للمتقن للصلاة الحركية وغير المدرك للمعنيين الذين تحدث عنهما من الذين هم عن صلاتهم ساهون، ومن الذين لا صلاة لهم، فالآيات التي استدل بها محمود لتأكيد مذهبه في هذه المسألة لها معنى يختلف عن المعنى الذي يتحدث عنه.
(1) محمود محمد طه: " رسالة الصلاة " ط. رمضان: 1389 هـ، ص 42، 43.
(2)
لمعرفة المزيد عن أن إظهار المراد قد يكون بالفعل أبلغ منه بالقول، وإن لهذا الحديث معنى يختلف عن فهم محمود له، انظر:" أصول " السرخسي: 2/ 27.