الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ العَاشِرُ: رَفْضُ الجُمْهُورِيِّينَ العَمَلَ بِجُزْءٍ كَبِيرٍ مِنَ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ:
يرفض الجمهوريون العمل بالكثير من الأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بمظاهر حياة الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كالأحاديث التي تتحدث عن كيفية أكله - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَلَاةِ وَالسَّلَامُ - والأحاديث التي تتحدث عن كيفية لباسه وشربه، بل سائر الأحاديث التي تتناول جوانب حياته صلى الله عليه وسلم وكذلك الأحاديث التي تتحدث عن لباس المؤمنين وحدوده الشرعية المُبَيِّنَةِ له، وجميع الأحاديث التي تتعلق بجوانب حياتهم ما عدا الجوانب التعبدية، بحجة أنها ما دامت تتحدث عن الأكل أو الشرب أو اللباس فهي على أحسن الفروض تتحدث عن سُنَّةِ العَادَةِ، أو السُنَّةِ التي فعلها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على سبيل الجبلة، أو تتحدث عن شريعة بَيَّنَهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمرهم باتباعها، أو بَيَّنَ لهم استحبابها، فإن كانت الثانية فهذه شريعة - عند الجمهوريين - وليست سُنَّةً، وهذه متغيرة بتغير الظروف - عند الجمهوريين - وترك السُنَّةِ المتغيرة - في المذهب الجمهوري - يعتبر قربة دينية أكثر من فعلها، وفي سبيل بيان عقيدتهم في مسألة الأحاديث التي دلت على أشياء فعلها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على وجه العادة والجبلة قسموا لاتباعهم السُنَّةَ إلى قسمين:
[أ] سُنَّةَ عَادَةٍ.
[ب] سُنَّةَ عِبَادَةٍ.
[أ] سُنَّةَ العَادَةِ:
---------------
سنة العادة عند الجمهوريين تتغير بتغير الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية، وهي تسقط - عندهم - في حق أمتهم، بل تركها يعتبر قربة دينية أكثر من فعلها.
ومن سنة العادة اللحية والعمامة والعصا والأضحية.
[ب] سُنَّةَ العِبَادَةِ:
-----------------
وأما سُنَّةُ العبادة التي يتمسكون بها في ليست تلك الأحاديث التي تتحدث عن الزكاة ذات المقادير المحدودة، أو صلاة التراويح أو سائر العبادات التي يتمسك بها المؤمنون، بل سُنَّة العبادة التي يقصدها الجمهوريون هي السُنَّةُ التي تتحدث عن قيام الليل وغيرها من العبادات التي كانت خاصة بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فهذه هي السُنَّةُ، وهي في تعريف الجمهوريين «معاملة النبي لربه، وهي تثمر معاملة النبي للخلق، وهي تقوم ابتداء على كف الأذى عن الناس، ثم تحمل الأذى منهم ثم توصيل الخير إليهم» (1).
أما الأحاديث التي تتحدث عن الزكاة ذات المقادير، وسائر العبادات التي تتبعها المؤمنون فهي في رأي الجمهوريين (شريعة) وبيان من الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم للشريعة التي يجب أن يتبعها المؤمنون حتى يرتفعوا إلى مستوى (الإسلام) وهي إن اتبعها الجمهوري في
(1) انظر: الإخوان الجمهوريون: " الضحية غير واجبة "، ط 2، 1981 من، ص 14.
مرحلة (التقليد) تسقط عنه في مرحلة (الأصالة) وتصبح في حقه أحاديث مرحلية قد انتهى زمن العمل بها بمجرد وصوله إلى سدرة منتهاه كما تسقط عنه أيضًا سُنَّةُ العبادة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم والتي يزعم الجمهوريون أنهم يحافظون عليها (1).
ولنا عدة ملاحظات على حديث الجمهوريين وتقسيمهم لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى سُنَّةِ عَادَةٍ وَسُنَّةِ عِبَادَةٍ، فحديثهم في هذه الناحية خلط أريد به باطل، وينحصر الباطل الذي حواه حديثهم في نقاط أساسية:
النقطة الأولى:
إدخالهم لجزء كبير من السُنَّةِ العامة التي يتأسى فيها المؤمنون بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي السُنَّةِ التي فعلها الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم على وجه العادة أو الجبلة تمهيدًا لرفضها ..
فنحن نعلم أن من أفعال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ما يصدر منه على وجه الجبلة أو العادة كالقيام أو القعود أو الاضطجاع أو الأكل أو الشرب أو اللبس ونعلم أن هذا الضرب ليس داخلاً فيما يطلب فيه التأسي وغاية ما يفيده فعله - عليه الصلاة والسلام لمثل هذه الأشياء الإباحة، فلا يقال لتارك شيء منها أنه تارك لِلْسُنَّةِ (2)، إلا أن الجمهوريين أخذوا هذه المسألة وتوسعوا فيها، وأدخلوا فيها أشياء ليست تابعة لها، ورفضوا بسببها كثيرًا من الأحاديث اعتمادًا عليها، فجعلوا مثلاً مسألة [اللباس] مسألة عامة، أي أنهم يرفضون
(1) انظر: الإخوان الجمهوريون: " الضحية غير واجبة ".
(2)
انظر: الشيخ محمد خضر: " رسائل الإصلاح ": 2/ 74.
العمل بجميع الأحاديث التي تتحدث عن لبس الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ولبس المؤمنين وإن كانت أحاديث تنهى عن لبس نوع معين من الثياب أو المعادن كالذهب (1)، وهكذا في سائر المسائل.
وأدخلوا هذه الأحاديث في سُنَّةِ العَادَةِ وجعلوها سُنَّةً متغيرة بتغير الزمان، وقالوا: إنها الآن ليست سُنَّةً لأن هذه بداية دورة جديدة من دورات الحياة ستنتقل فيها البشرية إلى مرحلة الإنسانية الكاملة.
النقطة الثانية:
بيان خطأ زعمهم أن تارك السُنَّةِ التي صدرت من الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم على وجه الجبلة يثاب على ذلك ..
زعم الجمهوريون أن ترك السُنَّةِ التي فعلها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قربة دينية يثاب فاعلها، ولا شك أن هذه دعوة صريحة للابتعاد عن السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، ومخالفة واضحة للمسلمين، وزعم باطل أريد به بيان أن الغاية من فعله صلى الله عليه وسلم للأشياء التي صدرت منه على سبيل العادة ليست هي الإباحة، وأريد به بيان أن مخالفة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مستحبة، وهم بذلك يمثلون صنفًا ثالثًا يمكن إضافته إلى أهل
(1) انظر أمثلة للأحاديث الواردة في هذه المسائل - والتي رضفها الجمهوريون تمشيًا مع مذهبهم - في " صحيح مسلم بشرح النووي "، ط 1، 1347 هـ، ج 14، المجلد السابع، ص 31 - 52، نشر دار إحياء التراث العربي، 61 - 103.
- أحاديث النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر.
- جر الثوب خيلاء.
- تحريم خاتم الذهب على الرجال.
- تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة، ص 103.
الهوى وإخراجه من النوعين المتبعين لِسُنَّة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
فالنوع الأول المتبع لِسُنَّة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نوع اتبع الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم في الأشياء التي صدرت عنه على وجه العادة والجبلة تأسيًا واتباعًا ورجاء لثواب الله سبحانه وتعالى فهذا يثاب على اتباعه، ومثاله فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنه فقد كان يتحرى متابعة الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى قيل أنه كان يتحرى أن يتبرز في المكان الذي تبرز فيه الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وقيل عنه أنه كان يستدير بناقته في الخلاء فيسأل عن ذلك، فيقول:«لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اِسْتَدَارَ بِنَاقَتِهِ فِي هَذَا المَكَانِ فَفَعَلْتُهُ اِتِّبَاعًا» (1).
أما النوع الثاني من المسلمين فهو نوع اتبع الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم في كل أمره ما عدا بعض الأشياء التي فعلها على سبيل العادة والجبلة، ولم يترك هؤلاء - حتى هذا القليل - لعدم إيمانهم به، بل يؤمنون بأنه سُنَّةٌ، ويؤمنون بصدق الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم في كل أمره، وإنما تركوا الاتباع في سُنَّةٍ فعلها الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم على وجه الجبلة لضعف نفوسهم، كما قال الشافعي رضي الله عنه عن نتف الإبط، ولكن نفسه لا تقوى على ذلك، فهذا النوع لا شيء عليه ولا يسمى تاركًا لِلْسُنَّةِ.
أما الثالث فهو من صنف أهل الهوى، يحاولون استخدام السُنَّةِ لنشر باطلهم، ومن هذا النوع الجمهوريون، فقد دعوا إلى ترك السُنَّةِ التي صدرت من الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم على وجه الجبلة، وقالوا إن
(1) انظر: " رسائل الإصلاح ": 2/ 74 وما بعدها.
تركها قربة دينية أكثر من فعلها، ثم جعلوها مطية لنشر مذهبهم، فأدخلوا فيها كل ما يمس حياة المؤمنين.
وقد أخطأ الجمهوريون في هذه المسألة وسعوا بها في الحقيقة إلى تحليل ما حَرَّمَهُ اللهُ سبحانه وتعالى، فإن كان القول بأن تارك سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التي صدرت منه على وجه العادة يثاب قد بينا فساده، مع أن الغاية من فعله لهذه الأشياء الإباحة، فكيف بالقول الداعي إلى مخالفة الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يفعل ما نهى عنه وترك ما أمر بفعله بحجة أن الذي يتحدث عنه هو اللباس والأكل أو الشرب.
والذي نخلص إليه في هذه المسألة أن على الإنسان المسلم أن يعرف حدود السُنَّةِ التي وردت عن الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة أو الجبلة، ولا يدخل ما يدخله الجمهوريون، ثم عليه أن يعرف بعد ذلك أنه عليه ألا يعتمد ترك السُنَّةِ التي وردت من الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة بل عليه - على الأقل - إن تركها أن يعترف بعجزه عن الاتباع في هذه المسألة وأن يعترف بالتقصير ولا يعتبر تركها قربة دينية، لأن غاية ما يفيده فعله صلى الله عليه وسلم لمثل هذه الأشياء الإباحة، ولا تعني الإباحة أن يثاب تاركها ويعاقب فاعلها لأن ترك المباح لا يعتبر قربة دينية فالله سبحانه وتعالى لا يعبد إلا بما شرع.