الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلطة العليا عند أكثرية اليهود، وفي نفس القرن أصبحت أوروبا الشرقية خصوصًا بولندا، مركز دراسة التلمود.
والتوراة نفسها أصبح مكانها ثانويًّا، وكرَّست المدارس اليهودية جهودها كليًّا لدراسة التلمود، حتى أنّ كلمة "الدراسة" أصبحت مترادفة لكلمة "دراسة التلمود".
ويستطرد المحرر قائلًا: "إن مركز التلمود تأثر مرة أخرى بسبب علاقة اليهود بحضارة أوروبا "الأجنبية" 1 GENTILE، وطرأت على الفلسفة اليهودية تغيرات كثيرة" ولكن المحرر لم يحدد هذه التغيرات، وأنا أميل إلى أن هذه التغيرات الكثيرة التي لم يحددها المحرر هي نشوء حركة سياسية يهودية -سميت الصهيونية- تحاول استعادة مجد اليهود بغبن الآخرين وإلحاق الدمار والخراب بمن يقف في طريقها إن استطاعت.
1 من الواضح أن الحضارة المقصودة هي حضارة المسيحيين، ويدل ذلك، بشهادة دائرة المعارف اليهودية، على أن المسيحيين هم الأجانب، رغم أن اليهود ينفون ذلك بشدة قائلين: إن كلمة "الأجانب" ترمز إلى "الوثنيين الذين وجدوا في العهود الغابرة".
تشبث اليهود بالتلمود:
ثم يعترف المحرر بأن أكثرية اليهود تشبثوا بالتعاليم التي يحتويها التلمود، وأنَّ ما جاء فيه بمثابة ملحق أو ذيل SUPPLEMENT للتوراة، وأنَّ التلمود احتفظ بسلطته ككتاب يشمل روايات عصر ما بعد التوراة حين تمت صياغة جديدة للديانة اليهودية....
ثم قال: "إن التلمود رغم كل ما طرأ عليه من تغيرات يحتل مكانته المرموقة في دراسة تأهيل الحاخامات، وأن العلم اليهودي أنصف التلمود كل إنصاف".
ويمكن استنتاج أهمية التلمود لدى اليهود من عقيدة لهم تقول: "يجب على كل شخص يهودي أن يقسم دراسته إلى ثلاثة حصص، يكرّس الثلث الأول لدراسة القانون المكتوب "التوراة"، والثلث الثاني لدراسة المشناه، والثلث الأخير لدراسة الجمارا1".
وأمَّا فهم التلمود فلا يتأتَّى إلّا بدراسته بواسطة القوانين الثلاثة عشر للشروح التي وضعها الحاخامات2. والوقت الذي تستغرقه دراسة التلمود على هذا النحو هو سبع ساعات يوميًّا لسبعة أعوام 3.
وحتى يتمكَّن الحاخامات من السيطرة الكاملة على رقاق الضمائر والمتشككين من اليهود، وضعوا قانونًا يقضي بأن المرء مذنب بمجرد النية Intention، ويصبح الرجل نجسًا -شرعًا- بمجرد نيته بإتيان عمل نهى عنه الحاخامات. ولذلك سمي التلمود أساس هذه العقائد "بأبي النجاسة"
1 الأدب العبري ص14.
2 سيأتي ذكر هذه القوانين.
3 الأدب العبري ص14.
Fathert of uncleanness" 1، وهذا كله لا يمكن غفرانه إلّا إذا وصل المرء في التماساته إلى الحاخامات.
والتلمود يعلِّم أتباعه كلتا العقيدتين: "القضاء والقدر الجبري" Perdestination، والإرادة الحرة للإنسان Free-will" ويقول:"كل شيء في يد السماء إلا خوف السماء! " ويقول أيضًا: "كل شيء بأمر الله، ولكن الأعمال للناس وحدهم".
"وإذا أراد الرجل أن يقترف ذنبًا فعليه أن يذهب إلى مكان هو مجهول فيه، وليلبس لباسًا أسود لئلَّا يهين الله علانية".
وكان الكباليون ينفون الذنب الوراثي Hereditary sin، ولكن المتأخرين أجازوه "أي إذا اقترف الأب ذنبًا تحمّل أولاده مسئوليته"، وهم يعتقدون بأن كل الأرواح خلقت في آدم، ولذلك تشارك في تحمل مسئولية خطيئته.
وكل نوع من الفلسفات الموجودة في تلك العصور الغابرة توجد في التلمود، وهو مستودع أيضًا لكثير من أحداث التاريخ واكتشافات العلم.
"وكلما كان من الخطر التحدث عن شيء بصراحة.
1 المصدر السابق ص17.
يتكلمون عنه تحت ستار علامة معروفة لدى المخاطبين وحدهم 1.
وتاريخ التلمود مماثل لتاريخ اليهودية نفسها، فكلاهما يعمل سرًّا ووراء حجاب.
والتاريخ يقول: إن الإمبراطور "جستينيان" Justinian the great 2 أصدر مرسومًا يحرّم على اليهود استخدام تفسيرهم الخاص لشرح التوراة "التلمود"، وأمرهم باستخدام الترجمة اليونانية للتوراة في كنائسهم، وكان هذا بعد عدة سنوات من انتهاء حاخامات اليهود من إعداد التلمود، وقد مرَّ بنا أن الإمبراطور هونوريوس سمّى الحاخامات "بالمخربين" كما أن ملوك الفرس "وعلى الأخص يزدجرد وفيروز" أغلقوا المدارس اليهودية.
1 الأدب العبري ص17.
2 جستينيان الأول "العظيم"، الإمبراطور البيزنطي "483-565م"، خلف عمَّه الإمبراطور جستين الأول، في حكم الإمبراطورية الرومانية الشرقية، سنة 527م. أصدر مرسومًا حرَّم على اليهود والوثنيين الخدمة العسكرية والمدنية ومزاولة المحاماة.