الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منها؟
ومن المعلوم قطعًا أنه لا يستطيع فرد من أفراد العباد أن يُحصي
ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه، أو حاسّة من حواسّه، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه في بدنه، وكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوّعها واختلاف أجناسها؟ (1).
ولا يسع العاقل بعد ذلك إلا أن يعبد الله الذي أسدى لعباده هذه النعم ولا يشرك به شيئًا؛ لأنه المستحق للعبادة وحده سبحانه.
المطلب الخامس: أسباب ووسائل الشرك
حذّر النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما يوصل إلى الشرك ويسبب وقوعه، وبيّن ذلك بيانًا واضحًا، ومن ذلك على سبيل الإيجاز ما يأتي:
أولاً: الغلو في الصالحين هو سبب الشرك بالله تعالى
، فقد كان الناس منذ أُهبِطَ آدم صلى الله عليه وسلم إلى الأرض على الإسلام، قال ابن عباس رضي الله عنهما:((كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام)) (2).
وبعد ذلك تعلّق الناس بالصالحين، ودبّ الشرك في الأرض، فبعث الله نوحًا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى عبادة الله وحده، وينهى عن عبادة ما سواه (3)، وردّ
(1)) انظر: فتح القدير، 3/ 154، 3/ 110، وأضواء البيان، 3/ 253.
(2)
) أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التاريخ، 2/ 546، وقال:((هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه))، ووافقه الذهبي، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية، 1/ 101، وعزاه إلى البخاري، وانظر: فتح الباري، 6/ 372.
(3)
) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 1/ 106.
عليه قومه: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (1).
وهذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وَسَمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسِيَ العلم عُبِدت (2).
وهذا سببه الغلوّ في الصالحين؛ فإن الشيطان يدعو إلى الغلوّ في الصالحين، وإلى عبادة القبور.
ثم يُلقي في قلوب الناس أن البناء والعكوف عليها من محبة أهلها من الأنبياء والصالحين، وأن الدعاء عندها مستجاب.
ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء بها، والإقسام على الله بها، وشأن الله أعظم من أن يُسأل بأحد من خلقه.
فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم إلى دعاء صاحب القبر وعبادته وسؤاله الشفاعة من دون الله، واتخاذ قبره وثنًا تُعلَّق عليه الستور، ويُطاف به، ويُستلم ويُقبّل، ويُذبح عنده.
ثم ينقلهم من ذلك إلى مرتبة رابعة: وهي دعاء الناس إلى عبادته واتخاذه عيدًا.
(1)) سورة نوح، الآية:23.
(2)
) البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة نوح، 8/ 667، برقم 4920.