المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

1633 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ٢

[ابن جرير الطبري]

الفصل: 1633 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال،

1633 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:(هدى وبشرى للمؤمنين) ، لأن المؤمن إذا سمع القرآن حفظه ووعاه، وانتفع به واطمأن إليه، وصدق بموعود الله الذي وعد فيه، وكان على يقين من ذلك.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ‌

(98) }

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه من كان عدوا لله، من عاداه، وعادى جميع ملائكته ورسله؛ (1) وإعلام منه أن من عادى جبريل فقد عاداه وعادى ميكائيل، وعادى جميع ملائكته ورسله. لأن الذين سماهم الله في هذه الآية هم أولياء الله وأهل طاعته، ومن عادى لله وليا فقد عادى الله وبارزه بالمحاربة، ومن عادى الله فقد عادى جميع أهل طاعته وولايته. لأن العدو لله عدو لأوليائه، والعدو لأولياء الله عدو له. فكذلك قال لليهود - الذين قالوا: إن جبريل عدونا من الملائكة، وميكائيل ولينا منهم-:(من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) ، من أجل أن عدو جبريل عدو كل ولي لله. فأخبرهم جل ثناؤه أن من كان عدوا لجبريل، فهو لكل من ذكره - من ملائكته ورسله وميكال - عدو، وكذلك عدو بعض رسل الله، عدو لله ولكل ولي. وقد:-

1634 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد الله - يعني العتكي -، عن رجل من قريش قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود

(1) هكذا في المطبوعة: "من كان عدوا لله"، وهو لايستقيم، وكأن الصواب"أن من كان عدوا لله، عاداه وعادى جميع ملائكته ورسله" بإسقاط"من" من"من عاداه".

ص: 394

فقال: أسالكم بكتابكم الذي تقرءون، هل تجدون به قد بشر بي عيسى ابن مريم أن يأتيكم رسول اسمه أحمد؟ فقالوا: اللهم وجدناك في كتابنا، ولكنا كرهناك لأنك تستحل الأموال وتهَرِيق الدماء. فأنزل الله:(من كان عدوا لله وملائكته) الآية. (1)

1635 -

حدثت عن عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إن يهوديا لقي عمر فقال له: إن جبريل الذي يذكره صاحبك، هو عدو لنا. فقال له عمر:(من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) . قال: فنزلت على لسان عمر.

* * *

وهذا الخبر يدل على أن الله أنزل هذه الآية توبيخا لليهود في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإخبارا منه لهم أن من كان عدوا لمحمد فالله له عدو، وأن عدو محمد من الناس كلهم، لمن الكافرين بالله، الجاحدين آياته.

* * *

فإن قال قائل: أو ليس جبريل وميكائيل من الملائكة؟

قيل: بلى.

فإن قال: فما معنى تكرير ذكرهما بأسمائهما، وقد مضى ذكرهما في الآية في جملة أسماء الملائكة؟

قيل: معنى إفراد ذكرهما بأسمائهما، أن اليهود لما قالت:"جبريل عدونا، وميكائيل ولينا" - وزعمت أنها كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم، من أجل أن

(1) الحديث: 1634 - عبيد الله العتكي: هو عبيد الله بن عبد الله، أبو المنيب العتكي، وهو ثقة، وثقه ابن معين وغيره. وذكره البخاري في كتاب الضعفاء، ص: 22، وقال:"عنده مناكير". وقال ابن أبي حاتم 2 /2 /322 في ترجمته: "سمعت أبي يقول: هو صالح الحديث. وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب الضعفاء. وقال: "يحول". ولكن هذا الحديث منقطع ضعيف الإسناد، لأن أبا المنيب إنما يروى عن التابعين.

والخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 265، من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن جرير، به. وصحه الذهبي في مختصره. ونقله ابن كثير 1: 248 - 249، عن الطبري، ثم أشار إلى رواية الحاكم.

ص: 395

جبريل صاحب محمد صلى الله عليه وسلم أعلمهم الله أن من كان لجبريل عدوا، فإن الله له عدو، وأنه من الكافرين. فنص عليه باسمه وعلى ميكائيل باسمه، لئلا يقول منهم قائل: إنما قال الله: من كان عدوا لله وملائكته ورسله، ولسنا لله ولا لملائكته ورسله أعداء. لأن الملائكة اسم عام محتمل خاصا، وجبريل وميكائيل غير داخلين فيه. وكذلك قوله:(ورسله) ، فلست يا محمد داخلا فيهم. فنص الله تعالى على أسماء من زعموا أنهم أعداؤه بأعيانهم، ليقطع بذلك تلبيسهم على أهل الضعف منهم، ويحسم تمويههم أمورهم على المنافقين.

* * *

وأما إظهار اسم الله في قوله: (فإن الله عدو للكافرين)، وتكريره فيه - وقد ابتدأ أول الخبر بذكره فقال:(من كان عدوا لله وملائكته) - فلئلا يلتبس لو ظهر ذلك بكناية، فقيل:"فإنه عدو للكافرين"، على سامعه، من المَعْنِيّ بـ "الهاء" التي في"فإنه": أألله، أم رسل الله جل ثناؤه، أم جبريل، أم ميكائيل؟ إذ لو جاء ذلك بكناية على ما وصفت، فإنه يلتبس معنى ذلك على من لم يوقف على المعني بذلك، لاحتمال الكلام ما وصفت، وقد كان بعض أهل العربية يوجه ذلك إلى نحو قول الشاعر:(1)

ليت الغراب غداة ينعَب دائما

كان الغراب مقطع الأوداج (2)

وأنه إظهار الاسم الذي حظه الكناية عنه. والأمر في ذلك بخلاف ما قال. وذلك أن"الغراب" الثاني لو كان مكنى عنه، لما التبس على أحد يعقل كلام العرب أنه كناية اسم "الغراب" الأول، إذ كان لا شيء قبله يحتمل الكلام أن يوجه إليه

(1) هو جرير.

(2)

ديوانه 89، وأمالي ابن الشجرى 1: 243، وغيرهما. ورواية ديوانه"ينعت بالنوى" وهو الجيد، فإن قبله: إن الغراب، بما كرهت، لمولع

بنوى الأحبة دائم التشحاج

والأوداج جمع ودج: وهو عرق من عروق تكتنف الحلقوم.

ص: 396

غير كناية اسم "الغراب" الأول - وأن قبل قوله: (فإن الله عدو للكافرين) أسماء، لو جاء اسم الله تعالى ذكره مكنيا عنه، (1) لم يعلم من المقصود إليه بكناية الاسم، إلا بتوقيف من حجة. فلذلك اختلف أمراهما.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ولقد أنزلنا إليك آيات)، أي أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات دالات على نبوتك: وتلك الآيات هي ما حواه كتاب الله الذي أنزله إلى محمد صلى الله عليه وسلم من خفايا علوم اليهود ومكنون سرائر أخبارهم وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم - وما حرفه أوائلهم وأواخرهم وبدلوه، من أحكامهم التي كانت في التوراة. فأطلعها الله في كتابه الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. (2) فكان، في ذلك من أمره، الآيات البينات لمن أنصف نفسه، ولم يدعه إلى إهلاكها الحسد والبغي. إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة، تصديق من أتى بمثل الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات التي وصفت من غير تعلم تعلمه من بشر، ولا أخذ شيء منه عن آدمي. وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس.

1636 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: (ولقد أنزلنا إليك

(1) في المطبوعة: "وإن قيل قوله فإن الله عدو للكافرين" اسما لو جاء. . " والصواب ما أثبت. وقد رجم مصححو المطبوعة رجما لا خير فيه في تصحيح كلام الطبري.

(2)

في المطبوعة: "فأطلع الله في كتابه. . " وهو كلام لا يستقيم، والصواب ما أثبت. يعني فأظهر الله هذه الخفايا، وتلك الأخبار، وما حرفوه من الأحكام في توراتهم.

ص: 397

آيات بينات) يقول: فأنت تتلوه عليهم، وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك، وأنت عندهم أمي لم تقرأ كتابا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه. يقول الله: ففي ذلك لهم عبرة وبيان، وعليهم حجة لو كانوا يعلمون.

1637-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة مولى ابن عباس، وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال ابن صوريا الفِطيوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (1) يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك بها! (2) فأنزل الله عز وجل:(ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون) ! (3)

1638 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال ابن صوريا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله. (4)

* * *

(1) في المطبوعة"القطيوني" بالقاف، وهو خطأ، وهو من بني ثعلبة بن الفطيون (بكسر الفاء وسكون الطاء، وضم الياء) . قال السهيلي: "الفطيون: كلمة عبرانية تطلق على كل من ولي أمر اليهود وملكهم". ورواية ابن جرير: "ابن صوريا"، والذي في سيرة ابن هشام 2: 196"ابن صلوبا الفطيوني". وقد ذكر ابن هشام فيما روى من سيرة ابن إسحاق 1: 160 - 161"الأعداء من يهود"، فعد في بني ثعلبة: ابن الفطيون: "عبد الله بن صوريا الأعور، ولم يكن في زمانه أحد أعلم بالتوارة منه، وابن صلوبا، ومخيريق. وكان حبرهم، أسلم"، ولم أستطع أن أرجح أهو: ابن صوريا، أو - ابن صلوبا - الذي كان من أمره ما كان. ولعلهما روايتان مختلفتان عن ابن إسحاق. وانظر أيضًا الأثر:1638.

(2)

في ابن هشام: "من آية فنتبعك لها، فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله: "ولقد أنزلنا إليك. . "

(3)

الأثران: 1637 - 1638 - في سيرة ابن هشام 2: 196.

(4)

الأثران: 1637 - 1638 - في سيرة ابن هشام 2: 196.

ص: 398

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ (99) }

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وما يكفر بها إلا الفاسقون) ، وما يجحد بها. وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن معنى"الكفر" الجحود، بما أغنى عن إعادته هنا. (1) وكذلك بينا معنى"الفسق"، وأنه الخروج عن الشيء إلى غيره. (2)

* * *

فتأويل الآية: ولقد أنزلنا إليك، فيما أوحينا إليك من الكتاب علامات واضحات تبين لعلماء بني إسرائيل وأحبارهم - الجاحدين نبوتك، والمكذبين رسالتك - أنك لي رسول إليهم، ونبي مبعوث، وما يجحد تلك الآيات = الدالات على صدقك ونبوتك، التي أنزلتها إليك في كتابي فيكذب بها منهم = إلا الخارج منهم من دينه، التارك منهم فرائضي عليه في الكتاب الذي يدين بتصديقه. فأما المتمسك منهم بدينه، والمتبع منهم حكم كتابه، فإنه بالذي أنزلت إليك من آياتي مصدق وهم الذين كانوا آمنوا بالله وصدقوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100) }

قال أبوجعفر: اختلف أهل العربية في حكم"الواو" التي في قوله: (أو كلما عاهدوا عهدا) . فقال بعض نحويي البصريين: هي"واو" تجعل مع حروف الاستفهام، وهي مثل"الفاء" في قوله:(أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ)[البقرة: 87]، قال: وهما زائدتان في هذا الوجه،

(1) انظر ما سلف 1: 255، 382، 552، وهذا الجزء 2: 140، 337.

(2)

انظر ما سلف 1: 409 - 410، وهذا الجزء 2:118.

ص: 399

وهي مثل"الفاء" التي في قوله: فالله لتصنعن كذا وكذا، (1) وكقولك للرجل:"أفلا تقوم"؟ وإن شئت جعلت"الفاء" و"الواو" هاهنا حرف عطف.

وقال بعض نحويي الكوفيين: هي حرف عطف أدخل عليها حرف الاستفهام.

* * *

والصواب في ذلك عندي من القولة أنها"واو" عطف، أدخلت عليها"ألف" الاستفهام، كأنه قال جل ثناؤه:(وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور، خذوا ما أتيناكم بقوة واسمعوا قالوا: سمعنا وعصينا)، وكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم. ثم أدخل"ألف" الاستفهام على"وكلما" فقال: (قالوا سمعنا وعصينا، أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم.

وقد بينا فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله حرف لا معنى له، (2) فأغنى ذلك عن إعادة البيان على فساد قول من زعم أن"الواو" و"الفاء" من قوله:(أو كلما) و (أفكلما) زائدتان لا معنى لهما.

* * *

وأما"العهد"، فإنه الميثاق الذي أعطته بنو إسرائيل ربهم ليعملن بما في التوراة مرة بعد أخرى، ثم نقض بعضهم ذلك مرة بعد أخرى. فوبخهم جل ذكره بما كان منهم من ذلك، وعير به أبناءهم إذ سلكوا منهاجهم في بعض ما كان جل ذكره أخذ عليهم بالإيمان به من أمر محمد صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق، فكفروا وجحدوا ما في التوراة من نعته وصفته، فقال تعالى ذكره: أو كلما عاهد اليهود من بني إسرائيل ربهم عهدا وأوثقوه ميثاقا، نبذه فريق منهم، فتركه ونقضه؟ كما:-

1639 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال مالك بن الصيف - حين بعث

(1) لم أعلم ماذا أراد الطبري بهذا.

(2)

انظر ما سلف 1: 439 - 441.

ص: 400

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق، وما عهد الله إليهم فيه-: والله ما عهد إلينا في محمد صلى الله عليه وسلم، وما أخذ له علينا ميثاقا! فأنزل الله جل ثناؤه:(أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) . (1)

1640 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن عكرمة مولى ابن عباس، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله.

* * *

قال أبو جعفر: وأما"النبذ" فإن أصله -في كلام العرب- الطرح، ولذلك قيل للملقوط:"المنبوذ"، (2) لأنه مطروح مرمي به. ومنه سمي النبيذ"نبيذا"، لأنه زبيب أو تمر يطرح في وعاء، ثم يعالج بالماء. وأصله"مفعول" صرف إلى"فعيل"، أعني أن"النبيذ" أصله"منبوذ" ثم صرف إلى"فعيل" فقيل:"نبيذ"، كما قيل:"كف خضيب، ولحية دهين" - يعني: مخضوبة ومدهونة. (3) يقال منه:"نبذته أنبذه نبذا"، كما قال أبو الأسود الدؤلي:

نظرت إلى عنوانه فنبذته

كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا (4)

* * *

فمعنى قوله جل ذكره: (نبذه فريق منهم) ، طرحه فريق منهم، فتركه ورفضه ونقضه. كما:-

(1) الأثر: 1639 - في سيرة ابن هشام 2: 196، مع اختلاف يسير في اللفظ. وقد ذكر ابن هشام في 2: 161"مالك بن الصيف" وقال: "ويقال: ابن ضيف".

(2)

في تفسير ابن كثير 1: 247: "وسمى اللقيط. . " واللقيط أجود من الملقوط.

(3)

انظر ما سلف 1: 112.

(4)

ديوانه: 21 (في نفائس المخطوطات: 2)، وسيأتي في 20: 49 - 50 (بولاق)، ومجاز القرآن: 48، من أبيات كتب بها إلى صديقه الحصين بن الحر، وهو وال على ميسان، وكان كتب إليه في أمر يهمه، فشغل عنه؛ وقبل البيت: وخبرني من كنت أرسلت أنما

أخذت كتابي معرضا بشمالكا

ص: 401

1641 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:(نبذه فريق منهم) يقول: نقضه فريق منهم.

1642 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله:(نبذه فريق منهم)، قال: لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه، ويعاهدون اليوم وينقضون غدا. قال: وفي قراءة عبد الله: (نقضه فريق منهم) .

* * *

و"الهاء" التي في قوله: (نبذه) ، من ذكر العهد. فمعناه أو كلما عاهدوا عهدا نبذ ذلك العهد فريق منهم.

* * *

و"الفريق" الجماعة، لا واحد له من لفظه، بمنزلة"الجيش" و"الرهط" الذي لا واحد له من لفظه. (1)

* * *

و"الهاء والميم" اللتان في قوله: (فريق منهم) ، من ذكر اليهود من بني إسرائيل.

* * *

وأما قوله: (بل أكثرهم لا يؤمنون) فإنه يعني جل ثناؤه: بل أكثر هؤلاء - الذين كلما عاهدوا الله عهدا وواثقوه موثقا، نقضه فريق منهم - لا يؤمنون.

* * *

ولذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون الكلام دلالة على الزيادة والتكثير في عدد المكذبين الناقضين عهد الله، على عدد الفريق. فيكون الكلام حينئذ معناه: أو كلما عاهدت اليهود من بني إسرائيل ربها عهدا نقض فريق منهم ذلك العهد؟ لا - ما ينقض ذلك فريق منهم، ولكن الذي ينقض ذلك فيكفر بالله، أكثرهم، لا القليل منهم. فهذا أحد وجهيه.

والوجه الآخر: أن يكون معناه: أو كلما عاهدت اليهود ربها عهدا، نبذ ذلك

(1) انظر ما سلف في هذا الجزء 2: 244، 245.

ص: 402