الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليك ما دعوته إليه من الحق - بالخزي في الدنيا، والذل فيها، والعذاب المهين في الآخرة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ
(119) }
قال أبو جعفر: قرأت عامة الْقَرَأَة: (ولا تسئل عن أصحاب الجحيم) ، بضم"التاء" من"تسئل"، ورفع"اللام" منها على الخبر، بمعنى: يا محمد إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، فبلغت ما أرسلت به، وإنما عليك البلاغ والإنذار، ولست مسئولا عمن كفر بما أتيته به من الحق، وكان من أهل الجحيم.
وقرأ ذلك بعض أهل المدينة: (ولا تَسألْ) جزما. بمعنى النهي، مفتوح"التاء" من"تسأل"، وجزم"اللام" منها. ومعنى ذلك على قراءة هؤلاء: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا لتبلغ ما أرسلت به، لا لتسأل عن أصحاب الجحيم، فلا تسأل عن حالهم. وتأول الذين قرءوا هذه القراءة ما:-
1875-
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنزلت: (ولا تَسألْ عن أصحاب الجحيم) .
1876-
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليت شعري ما فعل أبواي؟ ليت شعري ما فعل أبواي؟ ليت شعري ما فعل أبواي؟ " ثلاثا، فنزلت:(إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تَسأل عن أصحاب الجحيم) ، فما ذكرهما حتى توفاه الله. (1)
(1) الحديثان: 1875، 1876 - هما حديثان مرسلان. فإن محمد بن كعب بن سليم القرظي: تابعي. والمرسل لا تقوم به حجة، ثم هما إسنادان ضعيفان أيضًا، بضعف راويهما: موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي: ضعيف جدا، مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 4 /1/ 291، والصغير: 172 - 173، وابن أبي حاتم 4 /1 /151، فقال البخاري:"منكر الحديث قاله أحمد بن حنبل. وقال علي بن المديني، عن القطان: كنا نتقيه تلك الأيام". وروى ابن أبي حاتم عن الجوجزاني قال: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تحل الرواية عندي عن موسى بن عبيدة، قلنا: يا أبا عبد الله، لا يحل؟ قال: عندي، قلت: فإن سفيان وشعبة قد رويا عنه؟ قال: لو بان لشعبة ما بان لغيره ما روى عنه". وقال ابن معين: "لا يحتج بحديثه". وقال أبو حاتم: "منكر الحديث". وأبوه"عبيدة"، بالتصغير، ووقع في المطبوعة في الإسنادين"عبدة". وهو خطأ.
1877-
حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني داود بن أبي عاصم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم:"ليت شعري أين أبواي؟ " فنزلت: (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) . (1)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب عندي من القراءة في ذلك قراءة من قرأ بالرفع، على الخبر. لأن الله جل ثناؤه قص قصص أقوام من اليهود والنصارى، وذكر ضلالتهم، وكفرهم بالله، وجراءتهم على أنبيائه، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:(إنا أرسلناك) يا محمد (بالحق بشيرا) ، من آمن بك واتبعك ممن قصصت عليك أنباءه ومن لم أقصص عليك أنباءه، (ونذيرا) من كفر بك وخالفك، فبلغ رسالتي، فليس عليك من أعمال من كفر بك - بعد إبلاغك إياه رسالتي تبعة، ولا أنت مسئول عما فعل بعد ذلك. ولم يجر - لمسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عن أصحاب الجحيم ذكر، فيكون لقوله: (ولا تسأل عن
(1) الحديث: 1877 - وهذا مرسل أيضًا، لا تقوم به حجة.
داود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي: تابعي ثقة، ويروى عن بعض التابعين أيضًا. مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/210. والجرح 1/2/421. ووقع في المطبوعة"داو عن أبي عاصم". وهو تحريف، صححناه من ابن كثير 1:297.
ونقل ابن كثير 1: 296 عن القرطبي أنه قال: "وقد ذكرنا في التذكرة أن الله أحيا أبويه حتى آمنا به، وأجبنا عن قوله: إن أبي وأباك في النار". ثم علق ابن كثير، فقال:"الحديث المروي في حياة أبويه عليه السلام ليس في شيء من الكتب الستة ولا غيرها، وإسناده ضعيف".
وأنا أرى أن الإفاضة في مثل هذا غير مجدية، وما أمرنا أن نتكلف القول فيه.
أصحاب الجحيم) ، وجه يوجه إليه. وإنما الكلام موجه معناه إلى ما دل عليه ظاهره المفهوم، حتى تأتي دلالة بينة تقوم بها الحجة، على أن المراد به غير ما دل عليه ظاهره، فيكون حينئذ مسلما للحجة الثابتة بذلك. ولا خبر تقوم به الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن أن يسأل -في هذه الآية عن أصحاب الجحيم، ولا دلالة تدل على أن ذلك كذلك في ظاهر التنزيل. والواجب أن يكون تأويل ذلك الخبر على ما مضى ذكره قبل هذه الآية، وعمن ذكر بعدها من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر، دون النهي عن المسألة عنهم. (1)
* * *
فإن ظن ظان أن الخبر الذي روي عن محمد بن كعب صحيح، فإن في استحالة الشك من الرسول عليه السلام في أن أهل الشرك من أهل الجحيم، وأن أبويه كانا منهم، ما يدفع صحة ما قاله محمد بن كعب، إن كان الخبر عنه صحيحا. مع أن ابتداء الله الخبر بعد قوله:(إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا)، بـ "الواو" - بقوله:(ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) ، وتركه وصل ذلك بأوله بـ "الفاء"، وأن يكون:"إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا فلا تسأل عن أصحاب الجحيم" - (2) أوضح الدلالة على أن الخبر بقوله: (3)"ولا تسئل"، أولى من النهي، والرفع به أولى من الجزم. وقد ذكر أنها في قراءة أبي:(وما تسأل)، وفي قراءة ابن مسعود:(ولن تسأل) ، وكلتا هاتين القراءتين تشهد بالرفع والخبر فيه، دون النهي. (4)
* * *
(1) حجة قوية لا ترد، وبصر بسياق معاني القرآن وتتابعها. ولكن كثيرا من الناس يغفلون عن مواطن الحق في موضع بعينه، لاختلاط الأمر عليهم لمشابهته لموطن آخر في موضع غيره، كما سترى في التعليق التالي رقم:40.
(2)
كان في المطبوعة: "بالواو يقول: فلا تسئل عن أصحاب الجحيم. . . بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم" وهو خطأ كما استدركه مصحح المطبوعة في تعليقه.
(3)
في المطبوعة: "أوضح الدلائل" بالجمع، والإفراد هو الصواب، وكأنه سبق قلم من ناسخ.
(4)
قال ابن كثير في تفسيره 1: 297" وقد رد ابن جرير هذا القول المروي عن محمد بن كعب وغيره في ذلك؛ لاستحالة الشك من الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر أبويه، واختار القراءة الأولى. وهذا الذي سلكه هاهنا فيه نظر، لاحتمال أن هذا كان في حال استغفاره لأبويه، قبل أن يعلم أمرهما، فلما علم ذلك تبرأ منهما، وأخبر عنهما أنهما من أهل النار، كما ثبت هذا في الصحيح. ولهذا أشباه كثيرة ونظائر، ولا يلزم ما ذكره ابن جرير والله أعلم".
ينسى ابن كثير غفر الله له، ما أعاد الطبري وأبدأ من ذكر سياق الآيات المتتابعة، والسياق كما قال هو في ذكر اليهود والنصارى وقصصهم، وتشابه قلوبهم في الكفر بالله، وقلة معرفتهم بعظمة ربهم، وجرأتهم على رسل الله وأنبيائه، وكل ذلك موجب عذاب الجحيم، فما الذي أدخل كفار العرب في هذا السياق؟ نعم إنهم يدخلون في معنى أنهم من أصحاب الجحيم، كما يدخل فيه كل مشرك من العرب وغيرهم. وقد بينا آنفًا ص: 521 تعليق: 1 أن هذه الآيات السالفة والتي تليها، دالة أوضح الدلالة على أن قصتها كلها في اليهود والنصارى، ولا شأن لمشركي العرب بها. وإن دخل هؤلاء المشركون في معنى أنهم من أصحاب الجحيم، وإذن فسياق الآيات يوجب أن تكون في اليهود والنصارى، فتخصيص شطر من آية بأنه نزل في أمر بعض مشركي الجاهلية. تحكم بلا خبر ولا بينة. (وانظر ص: 565) .
إن ابن كثير غفل عن معنى الطبري، فإن الطبري أراد أن يدل على شيئين: أن خبر محمد بن كعب لا يصح، وأنه إن صح عنه من وجه، فإن نزول الآية لم يكن لهذا الذي روي عنه. وبيان ذلك: أن الخبر لا يصح، لأنه جاء على صيغة التشكك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أمر بعض أهل الجاهلية: ما فعل به، في جنة أو نار! وهذا مما يتنزه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفرق كبير بين أن يستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبويه اللذين كانا من أهل الجاهلية، وعلى مثل أمرها من الشرك، وبين أن يتشكك في أمرهما فيقول:"ليت شعري ما فعل أبواي؟ ". وإنما يصح كلام ابن كثير، إذا كان بين هذا التشكك، وبين الاستغفار رابط يوجب أن يكون أحدهما ملازما للآخر، أو بسبب منه. ثم يرد الخبر أيضًا، لأن سياق الآيات يدل ظاهرها البين على أنها في اليهود والنصارى نزلت، فلا يمكن تخصيص شطر من آية من هذه الآيات المتتابعة، على خبر لا يصح، لعلة موهنة له. فلست أدري لم أقحم ابن كثير الاستغفار والتبرؤ في هذا الموضع، مع وضوح حجة الطبري في الفقرة السالفة. من جهة السياق، وفي هذه الفقرة من جهة العربية؟
إن بعض المشكلات التي يدور عليها جدال الناس، ربما أغفلت مثل ابن كثير عن مواطن الدقة والصواب والتحري، وهم يفسرون كتاب الله الذي لا يخالف بعضه بعضا، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. اللهم إنا نسألك العصمة من الزلل، ونستهديك في البيان عن معاني كتابك.
وقد كان بعض نحويي البصرة يوجه قوله: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) إلى الحال، كأنه كان يرى أن معناه: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا غير مسئول عن أصحاب الجحيم. وذلك إذا ضم"التاء"، وقرأه على معنى الخبر، وكان يجيز على ذلك قراءته:"ولا تسأل"، بفتح"التاء" وضم"اللام" على وجه الخبر بمعنى: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، غير سائل عن أصحاب الجحيم. وقد بينا الصواب عندنا في ذلك.
وهذان القولان اللذان ذكرتهما عن البصري في ذلك، يدفعهما ما روي عن ابن
مسعود وأبي من القراءة، (1) لأن إدخالهما ما أدخلا من ذلك من"ما" و"لن" يدل على انقطاع الكلام عن أوله وابتداء قوله:(ولا تسأل) . وإذا كان ابتداء لم يكن حالا.
* * *
وأما (أصحاب الجحيم) ، ف"الجحيم"، هي النار بعينها إذا شبت وقودها، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
إذا شبت جهنم ثم دارت
…
وأَعْرَض عن قوابسها الجحيم (2)
* * *
(1) في المطبوعة: يرفعهما ما روي. . . " والصواب ما أثبت.
(2)
ديوانه: 53، وروايته:"ثم فارت"، وكأنها هي الصواب، وأخشى أن يكون البيت محرفا. لم أعرف معنى"قوابسها" هناك، وأظنه"قدامسها" جمع قدموس، وهي الحجارة الضخمة الصلبة، كقوله تعالى:"وقودها الناس والحجارة"، وأعرض الشيء اتسع وعرض، وقوله"عن" أي بسبب قذف هذه الحجارة فيها. هذا أقرب ما اهتديت إليه من معناه، ويرجح ذلك البيت الذي يليه، وفيه جواب"إذا": تحش بصندل صم صلاب
…
كأن الضاحيات لها قضيم
وكأنه يعني بالضاحيات: النخيل. وشعر أمية مشكل على كل حال.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) ، وليست اليهود، يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبدا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم. ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم، لأن اليهودية ضد النصرانية، والنصرانية ضد اليهودية، ولا تجتمع النصرانية واليهودية
في شخص واحد في حال واحدة، واليهود والنصارى لا تجتمع على الرضا بك، إلا أن تكون يهوديا نصرانيا، وذلك مما لا يكون منك أبدا، لأنك شخص واحد، ولن يجتمع فيك دينان متضادان في حال واحدة. وإذا لم يكن إلى اجتماعهما فيك في وقت واحد سبيل، لم يكن لك إلى إرضاء الفريقين سبيل. وإذا لم يكن لك إلى ذلك سبيل، فالزم هدى الله الذي لجمع الخلق إلى الألفة عليه سبيل.
* * *
وأما"الملة" فإنها الدين، وجمعها الملل.
* * *
ثم قال جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد - لهؤلاء النصارى واليهود الذين قالوا: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) - (إن هدى الله هو الهدى) ، يعني إن بيان الله هو البيان المقنع، والقضاء الفاصل بيننا، فهلموا إلى كتاب الله وبيانه- الذي بين فيه لعباده ما اختلفوا فيه، وهو التوراة التي تقرون جميعا بأنها من عند الله، يتضح لكم فيها المحق منا من المبطل، وأينا أهل الجنة، وأينا أهل النار، وأينا على الصواب، وأينا على الخطأ.
وإنما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى هدى الله وبيانه، لأن فيه تكذيب اليهود والنصارى فيما قالوا من أن الجنة لن يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى، وبيان أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأن المكذب به من أهل النار دون المصدق به.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ولئن اتبعت) ، يا محمد، هوى هؤلاء اليهود والنصارى - فيما يرضيهم عنك - من تهود وتنصر، فصرت من ذلك
إلى إرضائهم، ووافقت فيه محبتهم - من بعد الذي جاءك من العلم بضلالتهم وكفرهم بربهم، ومن بعد الذي اقتصصت عليك من نبئهم في هذه السورة - ما لك من الله من ولي = يعني بذلك: ليس لك يا محمد من ولي يلي أمرك، وقيم يقوم به = ولا نصير، ينصرك من الله، فيدفع عنك ما ينزل بك من عقوبته، ويمنعك من ذلك، إن أحل بك ذلك ربك. وقد بينا معنى"الولي" و"النصير" فيما مضى قبل. (1)
وقد قيل: إن الله تعالى ذكره أنزل هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لأن اليهود والنصارى دعته إلى أديانها، وقال كل حزب منهم: إن الهدى هو ما نحن عليه دون ما عليه، غيرنا من سائر الملل. فوعظه الله أن يفعل ذلك، وعلمه الحجة الفاصلة بينهم فيما ادعى كل فريق منهم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذين عناهم الله جل ثناؤه بقوله: (الذين آتيناهم الكتاب) فقال بعضهم: هم المؤمنون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من أصحابه.
*ذكر من قال ذلك:
1878-
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله:(الذين آتيناهم الكتاب) ، هؤلاء أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم، آمنوا بكتاب الله وصدقوا به.
* * *
وقال آخرون: بل عنى الله بذلك علماء بني إسرائيل، الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله، فأقروا بحكم التوراة. فعملوا بما أمر الله فيها من اتباع محمد صلى
(1) انظر ما سلف في هذا الجزء 2: 488، 489.
الله عليه وسلم، والإيمان به، والتصديق بما جاء به من عند الله.
*ذكر من قال ذلك:
1879-
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، قال: من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم من يهود فأولئك هم الخاسرون.
* * *
وهذا القول أولى بالصواب من القول الذي قاله قتادة. لأن الآيات قبلها مضت بأخبار أهل الكتابين، وتبديل من بدل منهم كتاب الله، وتأولهم إياه على غير تأويله، وادعائهم على الله الأباطيل. ولم يجر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الآية التي قبلها ذكر، فيكون قوله:(الذين آتيناهم الكتاب) ، موجها إلى الخبر عنهم، ولا لهم بعدها ذكر في الآية التي تتلوها، فيكون موجها ذلك إلى أنه خبر مبتدأ عن قصص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد انقضاء قصص غيرهم، ولا جاء بأن ذلك خبر عنهم أثر يجب التسليم له. (1)
فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بمعنى الآية أن يكون موجها إلى أنه خبر عمن قص الله جل ثناؤه [قصصهم] في الآية قبلها والآية بعدها، (2) وهم أهل الكتابين: التوراة والإنجيل. وإذْ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: الذين آتيناهم الكتاب الذي قد عرفته يا محمد -وهو التوراة- فقرءوه واتبعوا ما فيه، فصدقوك وآمنوا بك، وبما جئت به من عندي، أولئك يتلونه حق تلاوته.
* * *
(1) رحم الله أبا جعفر، فهو لا يدع الاحتجاج الصحيح عند كل آية، ولكن بعض أهل التفسير يتجاوزون ويتساهلون، فليتهم نهجوا نهجه في الضبط والحفظ والاستدلال.
(2)
ما بين القوسين زيادة لا بد منها.
وإنما أدخلت الألف واللام في"الكتاب" لأنه معرفة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عرفوا أي الكتب عنى به.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله عز وجل: (يتلونه حق تلاوته)، فقال بعضهم: معنى ذلك يتبعونه حق اتباعه.
*ذكر من قال ذلك:
1880-
حدثني محمد بن المثنى قال، حدثني ابن أبي عدي، وعبد الأعلى، وحدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا ابن أبي عدي جميعا، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس:(يتلونه حق تلاوته) ، يتبعونه حق اتباعه.
1881-
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة بمثله.
1880-
وحدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة بمثله.
1883-
حدثني الحسن بن عمرو العنقزي قال، حدثني أبي، عن أسباط، عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس في قوله الله عز وجل:(يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ)، قال: يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه. (1)
1884-
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، قال أبو مالك: إن ابن عباس قال في: (يتلونه حق تلاوته) ، فذكر مثله، إلا أنه قال: ولا يحرفونه عن مواضعه.
1885-
حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا المؤمل قال، حدثنا سفيان قال:
(1) الأثر: 1883 - في المطبوعة: "الحسن بن عمرو العبقري"، وانظر التعليق على الأثر رقم: 1625 وكذلك مضى في الأثر: 1655"الحسن"، وهو خطأ، نصححه.
حدثنا يزيد، عن مرة، عن عبد الله في قول الله عز وجل:(يتلونه حق تلاوته) : قال: يتبعونه حق اتباعه.
1886-
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية قال، قال عبد الله بن مسعود: والذي نفسي بيده، إن حق تلاوته: أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله.
1887-
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة ومنصور بن المعتمر، عن ابن مسعود في قوله:(يتلونه حق تلاوته) ، أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ولا يحرفه عن مواضعه.
1888-
حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا [أبو أحمد] الزبيري قال، حدثنا عباد بن العوام عمن ذكره، عن عكرمة، عن ابن عباس:(يتلونه حق تلاوته) يتبعونه حق اتباعه.
1889-
حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن عطاء، بمثله.
1890-
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رزين في قوله:(يتلونه حق تلاوته)، قال: يتبعونه حق اتباعه.
1891-
حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان -وحدثني المثنى قال، حدثني أبو نعيم قال، حدثنا سفيان-
وحدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال، حدثنا يحيى بن إبراهيم، عن سفيان - قالوا جميعا: عن منصور، عن أبي رزين، مثله.
1892-
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن مجاهد:(يتلونه حق تلاوته)، قال: عملا به. (1)
(1) الأثر: 1892 - في المطبوعة: "أبو حميد"، والصواب ما اثبت، وهو محمد بن حميد، وهو كثير ذكره فيما سلف.
1893-
حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عن قيس بن سعد:(يتلونه حق تلاوته)، قال: يتبعونه حق اتباعه، ألم تر إلى قوله:(وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا)[سورة الشمس: 2] ، يعني الشمس إذا تَبعها القمر.
1894-
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء وقيس بن سعد، عن مجاهد في قوله:(يتلونه حق تلاوته)، قال: يعملون به حق عمله.
1895-
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس بن سعد، عن مجاهد قال، يتبعونه حق اتباعه.
1896-
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
1897-
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(يتلونه حق تلاوته) ، يعملون به حق عمله.
1898-
حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن مجاهد في قوله:(يتلونه حق تلاوته)، قال: يتبعونه حق اتباعه.
1899-
حدثني عمرو قال، حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا الحسن بن أبي جعفر، عن أبي أيوب، عن أبي الخليل، عن مجاهد:(يتلونه حق تلاوته)، قال: يتبعونه حق اتباعه. (1)
(1) الخبر: 1899 - أبو قتيبة: هو سلم بن قتيبة الشعيري - بفتح الشين المعجمة - الخراساني، وهو ثقة مأمون، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. مترجم في التهذيب، والكبير 2/2/160، وابن أبي حاتم 2/1/1226.
الحسن بن أبي جعفر الجفري: حسن الحديث، تكلموا فيه، ورجحنا تحسين أحاديثه مفصلا في شرح المسند:5818. مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/286 وابن أبي حاتم 1/2/29. و"الجفري": بضم الجيم وسكون الفاء، نسبة إلى"جفرة خالد" بالبصرة. كما في الأنساب واللباب والمشتبه. أيوب: هو السختياني، وفي المطبوعة"عن أبي أيوب". وهو خطأ. استقينا تصويبه من التراجم. أبو الخليل: هو صالح بن أبي مريم الضبعي، وهو ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 2/2/290 وابن أبي حاتم 2/1/415 - 416.
1900-
حدثنا عمرو قال، حدثنا يحيى القطان، عن عبد الملك، عن عطاء قوله:(يتلونه حق تلاوته) قال: يتبعونه حق اتباعه، يعملون به حق عمله.
1901-
حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثني أبي، عن المبارك، عن الحسن:(يتلونه حق تلاوته) قال: يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه. (1)
1902-
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:(يتلونه حق تلاوته)، قال: أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وعملوا بما فيه، ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول: إن حق تلاوته: أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، وأن يقرأه كما أنزله الله عز وجل، ولا يحرفه عن مواضعه.
1903-
حدثنا عمرو قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا الحكم بن عطية، سمعت قتادة يقول:(يتلونه حق تلاوته) قال: يتبعونه حق اتباعه. قال: اتباعه: يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ويقرءونه كما أنزل.
1904-
حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم عن داود، عن عكرمة في قوله:(يتلونه حق تلاوته)، قال: يتبعونه حق اتباعه، أما سمعت قول الله عز وجل:(وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا)[سورة الشمس: 2]، قال: إذا تبعها.
* * *
وقال آخرون: (يتلونه حق تلاوته) ، يقرءونه حق قراءته. (2)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك أنه بمعنى: يتبعونه حق اتباعه، من قول القائل: ما زلت أتلو أثره، إذا اتبع أثره، (3) لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله.
(1) الخبر: 1901 - مبارك: هو ابن فضالة. وهو من أخص الناس بالحسن البصري. كما قلنا في: 611.
(2)
انظر ما سلف في هذا الجزء 2: 411.
(3)
انظر ما سلف في هذا الجزء 2: 411.
وإذ كان ذلك تأويله، فمعنى الكلام: الذين آتيناهم الكتاب، يا محمد من أهل التوراة الذين آمنوا بك وبما جئتهم به من الحق من عندي، يتبعون كتابي الذي أنزلته على رسولي موسى صلوات الله عليه، فيؤمنون به ويقرون بما فيه من نعتك وصفتك، وأنك رسولي، فرضٌ عليهم طاعتي في الإيمان بك والتصديق بما جئتهم به من عندي، ويعملون بما أحللت لهم، ويجتنبون ما حرمت عليهم فيه، ولا يحرفونه عن مواضعه ولا يبدلونه ولا يغيرونه - كما أنزلته عليهم - بتأويل ولا غيره.
* * *
أما قوله: (حق تلاوته) ، فمبالغة في صفة اتباعهم الكتاب ولزومهم العمل به، كما يقال:"إن فلانا لعالم حق عالم"، وكما يقال:"إن فلانا لفاضل كل فاضل"(1)
* * *
وقد اختلف أهل العربية في إضافة"حق" إلى المعرفة، فقال بعض نحويي الكوفة: غير جائزة إضافته إلى معرفة لأنه بمعنى"أي"، وبمعنى قولك:"أفضل رجل فلان"، و"أفعل" لا يضاف إلى واحد معرفة، لأنه مبعض، ولا يكون الواحد المبعض معرفة. فأحالوا أن يقال:"مررت بالرجل حق الرجل"، و"مررت بالرجل جِدِّ الرجل"، كما أحالوا"مررت بالرجل أي الرجل"، وأجازوا ذلك في"كل الرجل" و"عين الرجل" و"نفس الرجل". (2) وقالوا: إنما أجزنا ذلك لأن هذه الحروف كانت في الأصل توكيدا، فلما صرن مدوحا، تركن مدوحا على أصولهن في المعرفة.
وزعموا أن قوله: (يتلونه حق تلاوته) ، إنما جازت إضافته إلى التلاوة، وهي مضافة إلى معرفة، لأن العرب تعتد ب"الهاء" -إذا عادت إلى نكرة - بالنكرة، فيقولون:"مررت برجل واحد أمه، ونسيج وحده، وسيد قومه"، قالوا: فكذلك قوله: (حق تلاوته) ، إنما جازت إضافة"حق" إلى"التلاوة" وهي مضافة إلى
(1) انظر سيبويه 1: 223 - 224.
(2)
في المطبوعة"غير الرجل".
"الهاء"، لاعتداد العرب ب"الهاء" التي في نظائرها في عداد النكرات. قالوا: ولو كان ذلك"حق التلاوة"، لوجب أن يكون جائزا:"مررت بالرجل حق الرجل".
فعلى هذا القول تأويل الكلام: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوة.
* * *
وقال بعض نحويي البصرة: جائزة إضافة"حق" إلى النكرات مع النكرات، ومع المعارف إلى المعارف، وإنما ذلك نظير قول القائل:"مررت بالرجل غلام الرجل"، و"برجل غلام رجل".
فتأويل الآية على قول هؤلاء: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته (1)
* * *
وأولى ذلك بالصواب عندنا القول الأول، لأن معنى قوله:(حق تلاوته) ، أي تلاوة، بمعنى مدح التلاوة التي تلوها وتفضيلها."وأي" غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة عند جميعهم. وكذلك"حق" غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة.
وإنما أضيف في (حق تلاوته) إلى ما فيه"الهاء" لما وصفت من العلة التي تقدم بيانها.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (أولئك) ، هؤلاء الذين أخبر عنهم أنهم يتلون ما آتاهم من الكتاب حق تلاوته، وأما قوله:(يؤمنون)، فإنه يعني: يصدقون به. و"الهاء" التي في قوله:"به" عائدة على"الهاء" التي في"تلاوته"، وهما جميعا من ذكر الكتاب الذي قاله الله:(الذين آتيناهم الكتاب) .
فأخبر الله جل ثناؤه أن المؤمن بالتوراة، هو المتبع ما فيها من حلالها وحرامها، والعامل بما فيها من فرائض الله التي فرضها فيها على أهلها، وأن أهلها الذين هم أهلها من كان ذلك صفته، دون من كان محرفا لها مبدلا تأويلها، مغيرا
(1) الصواب أن يقول: "حق تلاوة الكتاب"، ولعل الناسخ أخطأ.
سننها تاركا ما فرض الله فيها عليه.
* * *
وإنما وصف جل ثناؤه من وُصف بما وصف به من متبعي التوراة، وأثنى عليهم بما أثنى به عليهم، لأن في اتباعها اتباع محمد نبي الله صلى الله عليه وسلم وتصديقه، لأن التوراة تأمر أهلها بذلك، وتخبرهم عن الله تعالى ذكره بنبوته، وفرض طاعته على جميع خلق الله من بني آدم، وأن في التكذيب بمحمد التكذيب لها. فأخبر جل ثناؤه أن متبعي التوراة هم المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهم العاملون بما فيها، كما:-
1905-
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(أولئك يؤمنون به)، قال: من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل، وبالتوراة، وإن الكافر بمحمد صلى الله عليه وسلم هو الكافر بها الخاسر، كما قال جل ثناؤه:(ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) . (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ومن يكفر به)، ومن يكفر بالكتاب الذي أخبر أنه يتلوه - من آتاه من المؤمنين - حق تلاوته. ويعني بقوله جل ثناؤه:(يكفر) ، يجحد ما فيه من فرائض الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتصديقه، ويبدله فيحرف تأويله، أولئك هم الذين خسروا علمهم وعملهم، فبخسوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله، واستبدلوا بها سخط الله وغضبه. وقال ابن زيد في قوله، بما:-
1906-
حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:
(1) انظر ما سلف في معنى"الخاسر" 1: 417 ثم هذا الجزء 2: 166.