الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمثل ما أخبرتموهم به من ذلك. فقال جل ثناؤه: (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
(77) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) ، أو لا يعلم - هؤلاء اللائمون من اليهود إخوانهم من أهل ملتهم، على كونهم إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وعلى إخبارهم المؤمنين بما في كتبهم من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه، القائلون لهم: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم - أن الله عالم بما يسرون، فيخفونه عن المؤمنين في خلائهم = من كفرهم، وتلاومهم بينهم على إظهارهم ما أظهروا لرسول الله وللمؤمنين به من الإقرار بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى قيلهم لهم: آمنا، ونهي بعضهم بعضا أن يخبروا المؤمنين بما فتح الله للمؤمنين عليهم، وقضى لهم عليهم في كتبهم، من حقيقة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ومبعثه = وما يعلنون، فيظهرونه لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابه المؤمنين به إذا لقوهم، من قيلهم لهم: آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، نفاقا وخداعا لله ولرسوله وللمؤمنين؟ كما:-
1350 -
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:(أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون) ، من كفرهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم إذا خلا بعضهم إلى بعض، (وما يعلنون) إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا ليرضوهم بذلك.
1351 -
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن
الربيع، عن أبي العالية:(أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) ، يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتكذيبهم به، وهم يجدونه مكتوبا عندهم، (وما يعلنون)، يعني: ما أعلنوا حين قالوا للمؤمنين: آمنا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (ومنهم أميون) ، ومن هؤلاء -اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات، وأيأس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيمانهم فقال لهم: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه، وهم إذا لقوكم قالوا: آمنا، كما:-
1352 -
حدثنا المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:(ومنهم أميون)، يعني: من اليهود.
1353 -
وحُدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
1354 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد:(ومنهم أميون)، قال: أناس من يهود.
* * *
قال أبو جعفر: يعني بـ "الأميين"، الذين لا يكتبون ولا يقرءون.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"(1) يقال منه:"رجل أمي بين الأمية". (2) كما:-
1356 -
حدثني المثنى قال، حدثني سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن
(1) الحديث: 1355 - هو حديث صحيح. ورواه البخاري 4: 108 - 109 (من الفتح) ، ورواه أيضًا مسلم وأبو داود والنسائي، كما في الجامع الصغير للسيوطي، رقم:2521.
(2)
كان في المطبوعة: "أي بين الأمية"، فحذفت"أي"، فليس ذلك مما يقال.
المبارك، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم:(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب)، قال: منهم من لا يحسن أن يكتب. (1)
1357 -
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(ومنهم أميون) قال: أميون لا يقرءون الكتاب من اليهود.
* * *
وروي عن ابن عباس قول خلاف هذا القول، وهو ما:-
1358 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:(ومنهم أميون)، قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله، ولا كتابا أنزله الله، فكتبوا كتابا بأيديهم،
(1) قوله "لا يحسن أن يكتب" نفى لمعرفة الكتابة، لا لجودة معرفة الكتابة، كما يسبق إلى الوهم. وقديما قام بعض أساتذتنا يدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعرف الكتابة، ولكنة لا يحسنها، لخبر استدل به هو - أو اتبع فيه من استدل به من أعاجم المستشرقين - وهو ما جاء في تاريخ الطبري 3: 80 في شرح قصة الحديبية، حين جاء سهيل بن عمرو، لكتابة الصلح. روى الطبري عن البراء بن عازب قال:".. فلما كتب الكتاب، كتب:"هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله"، فقالوا لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك، ولكن أنت محمد بن عبد الله. قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله. قال لعلي: امح"رسول الله". قال: لا والله لا أمحاك أبدا. فأخذه رسول الله وليس يحسن يكتب: "فكتب مكان "رسول الله""محمد"، فكتب:" هذا ما قاضى عليه محمد".
فظن أولا أن ضمير الفاعل في قوله "فكتب مكان "رسول الله" - محمد"، هو رسول الله صلى الله عليه. وليس كذلك بل هو: علي بن أبي طالب الكاتب. وفي الكلام اختصار، فإنه لما أمر عليا أن يمحو الكتاب فأبى، أخذه رسول الله، وليس يحسن يكتب، فمحاه. وتفسير ذلك قد أتى في حديث البخاري عن البراء بن عازب أيضًا 3: 184:"فقال لعلى" امحه. فقال على: ما أنا بالذي أمحاه فمحاه رسول الله صلى عليه وسلم بيده".وأخرى أنه أخطأ في معنى"يحسن"، فإنها هنا بمعنى"يعلم"، وهو أدب حسن في العبارة، حتى لا ينفي عنه العلم، وقد جاء في تفسير الطبري 21: 6 في تفسير قوله تعالى:"أحسن كل شيء خلقه"، ما نصه:"معنى ذلك: أعلم كل شيء خلقه. كأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى أنه ألهم كل خلقه ما يحتاجون إليه. وأنه قوله:"أحسن"، إنما هو من قول القائل:"فلا يحسن كذا"، إذا كان يعلمه". هذا، والعرب تتأدب بمثل هذا، فتضع اللفظ مكان اللفظ؛ وتبطل بعض معناه، ليكون تنزيها للسان، أو تكرمه للذي تخبر عنه. فمعنى قوله:"ليس يحسن يكتب"، أي ليس يعرف يكتب. وقد أطال السهيلي في الروض الأنف 1: 230 بكلام ليس يغني في تفسير هذا الكلمة.
ثم قالوا لقوم سِفلة جهال: هذا من عند الله. وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين، لجحودهم كتب الله ورسله. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم، وذلك أن"الأمي" عند العرب: هو الذي لا يكتب.
* * *
قال أبو جعفر: وأرى أنه قيل للأمي"أمي"؛ نسبة له بأنه لا يكتب إلى"أمه"، لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال -إلى أمه- في جهله بالكتابة، دون أبيه، كما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله:"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"، وكما قال:(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)[الجمعة: 2] . (2) فإذا كان معنى"الأمي" في كلام العرب ما وصفنا، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النخعي، من أن معنى قوله:(ومنهم أميون) : ومنهم من لا يحسن أن يكتب.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ}
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (لا يعلمون الكتاب) ، لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله، ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه، كهيئة البهائم، كالذي:-
1359 -
حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا
(1) قال ابن كثير في تفسيره 1: 215، وساق الخبر وكلام الطبري، ثم قال:"قلت: في صحة هذا عن ابن عباس - بهذا الإسناد - نظر، والله أعلم".
(2)
اقتصر في المطبوعة على قوله: "رسولا منهم"، وأتممت الآية، لأنه يستدل بها على أنه جاء يعلم الأمين"الكتاب".
معمر، عن قتادة في قوله، (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) : إنما هم أمثال البهائم، لا يعلمون شيئا.
1360 -
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:(لا يعلمون الكتاب)، يقول: لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه.
1361 -
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:(لا يعلمون الكتاب) لا يدرون ما فيه.
1362 -
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:(لا يعلمون الكتاب) قال: لا يدرون بما فيه.
1363 -
حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:(لا يعلمون الكتاب) ، لا يعلمون شيئا، لا يقرءون التوراة. ليست تستظهر، إنما تقرأ هكذا. فإذا لم يكتب أحدهم، لم يستطع أن يقرأ. (1)
1364 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله، (لا يعلمون الكتاب)، قال: لا يعرفون الكتاب الذي أنزله الله.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما عني بـ "الكتاب": التوراة، ولذلك أدخلت فيه "الألف واللام" لأنه قصد به كتاب معروف بعينه.
* * *
ومعناه: ومنهم فريق لا يكتبون، ولا يدرون ما في الكتاب الذي عرفتموه الذي هو عندهم - وهم ينتحلونه ويدعون الإقرار به - من أحكام الله وفرائضه، وما فيه من حدوده التي بينها فيه.
[واختلف أهل التأويل في تأويل قوله](2)(إلا أماني) فقال بعضهم بما:-
(1) الأثر: 1363 - كان في المطبوعة: "حدثنا بشر قال أخبرنا ابن وهب. . "، وهو سهو من الناسخ، والإسناد كثير الدوران في التفسير، أقربه رقم 1357.
(2)
ما بين القوسين زيادة يقتضيها الكلام. وكأن الناسخ سها فأغفلها.
1365 -
حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:(إلا أماني)، يقول: إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا.
1366 -
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(لا يعلمون الكتاب إلا أماني) : إلا كذبا.
1367 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
وقال آخرون بما:-
1368 -
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:(إلا أماني)، يقول: يتمنون على الله ما ليس لهم.
1369 -
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة:(إلا أماني)، يقول: يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم.
1370 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح، [عن معاوية بن صالح] ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:(لا يعلمون الكتاب إلا أماني)، يقول: إلا أحاديث.
1371 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد:(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني)، قال: أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله، ويقولون: هو من الكتاب. أماني يتمنونها.
1372 -
حدثنا المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:(إلا أماني) ، يتمنون على الله ما ليس لهم.
1373 -
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(إلا أماني)، قال: تمنوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب. وليسوا منهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى ما روينا في تأويل قوله: (إلا أماني) ، بالحق، وأشبهه بالصواب، الذي قاله ابن عباس - الذي رواه عنه الضحاك - وقول مجاهد: إن"الأميين" الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآية، أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله على موسى شيئا، ولكنهم يتخرصون الكذب ويتقولون الأباطيل كذبا وزورا. (1)
* * *
و"التمني" في هذا الموضع، هو تخلق الكذب وتخرصه وافتعاله. يقال منه:"تمنيت كذا"، إذا افتعلته وتخرصته. ومنه الخبر الذي روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه:"ما تغنيت ولا تمنيت"، (2) يعني بقوله:"ما تمنيت"، ما تخرصت الباطل، ولا اختلقت الكذب والإفك.
* * *
والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك - وأنه أولى بتأويل قوله: (إلا أماني) من غيره من الأقوال - قول الله جل ثناؤه: (وإن هم إلا يظنون) . فأخبر عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون ما يتمنون من الأكاذيب، ظنا منهم لا يقينا. ولو كان معني ذلك أنهم"يتلونه"، لم يكونوا ظانين، وكذلك لو كان معناه:"يشتهونه". لأن الذي يتلوه، إذا تدبره علمه. ولا يستحق - الذي يتلو كتابا قرأه، وإن لم يتدبره بتركه التدبر أن يقال: هو ظان لما يتلو، إلا أن يكون شاكا في نفس ما يتلوه، لا يدري أحق هو أم باطل. ولم يكن القوم - الذين كانوا يتلون التوراة على عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود -فيما بلغنا-
(1) في المطبوعة: "وأنهم لا يفقهون" بزيادة الواو، وهو خطأ لا يستقيم، والصواب ما أثبته من ابن كثير 1:216.
(2)
في الفائق 1: 163 عن عثمان رضي الله عنه: "قد اختبأت عند الله خصالا: إني لرابع الإسلام، وزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته ثم ابنته، وبايعته بيدي هذه اليمنى فما مسست بها ذكرى، وما تغنيت ولا تمنيت، ولا شربت خمرا في جاهلية ولا إسلام". وروى الطبري في تاريخه في خبر مقتله رضي الله عنه 5: 130، أن الرجل الذي انتدب لقتله دخل عليه فقال له:"اخلعها وندعك. فقال: ويحك! ما كشفت امرأة في جاهلية ولا إسلام، ولا تغنيت ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولست خالعا قميصا كسانيه الله عز وجل".
شاكين في التوراة أنها من عند الله. وكذلك"المتمني" الذي هو في معنى"المشتهي" غير جائز أن يقال: هو ظان في تمنيه. لأن التمني من المتمني، إذا تمنى ما قد وجد عينه. فغير جائز أن يقال: هو شاك، فيما هو به عالم. لأن العلم والشك معنيان ينفي كل واحد منهما صاحبه، لا يجوز اجتماعهما في حيز واحد. والمتمني في حال تمنيه، موجود تمنيه، فغير جائز أن يقال: هو يظن تمنيه. (1)
* * *
وإنما قيل: (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) ، والأماني من غير نوع"الكتاب"، كما قال ربنا جل ثناؤه:(مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ)[النساء: 157] و"الظن" من"العلم" بمعزل. وكما قال: (وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى)[الليل: 19-20]، وكما قال الشاعر:(2)
ليس بيني وبين قيس عتاب
…
غير طعن الكُلَى وضرب الرقاب (3)
وكما قال نابغة بني ذبيان:
حلفت يمينا غير ذي مَثْنَوية،
…
ولا علم إلا حسنَ ظن بصاحب (4)
(1) في المطبوعة: "غير جائز"، والصواب إثبات الفاء.
(2)
هو عمرو بن الأيهم التغلبي النصراني، وقيل اسمه: عمير، وقيل هو أعشى تغلب. روي عن الأخطل أنه قيل له وهو يموت: على من تخلف قومك؟ قال: على العميرين. يعني القطامي عمير ابن أشيم، وعمير بن الأهتم.
(3)
سيبويه 1: 365، والوحشيات رقم: 55، ومعجم الشعراء: 242، وحماسة البحتري: 32، وانظر تحقيق الراجكوتي في سمط اللآلئ:184. والشعر يقوله في هجاء قيس عيلان يقول فيها: قاتل الله قيس عيلان طرا
…
ما لهم دون غدرة من حجاب
ثم إن سيبويه أنشد البيت برفع"غير"، على البدل من"عتاب"، اتساعا ومجازا.
(4)
ديوانه: 42، وسيبويه 1: 365، وغيرهما، وروايتهم جميعا:"بصاحب"، وكان في الأصل المطبوع"بغائب"، وأظن أن ما كان في الطبري خطأ من النساخ، لأنه لا يتفق مع الشعر. فالنابغة يمدح بهذه الأبيات عمرو بن الحارث الأعرج الغساني، فيقول قبله: على لعمرو نعمة بعد نعمة
…
لوالده، ليست، بذات عقارب
حلفت يمينا. . . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لئن كان للقبرين: قبر بجلق
…
وقبر بصيداء الذي عند حارب
وللحارث الجفني سيد قومه
…
ليلتمسن بالجيش دار المحارب
وقوله: "مثنوية" أي استثناء. فهو يقول لعمرو: حلفت يمينا لئن كان من هو - من ولد هؤلاء الملوك من آبائه، الذين عدد قبورهم ومآثرهم - ليغزون من حاربه في عقر داره وليهزمنه، ولم أقل هذا عن علم إلا ما عندي في صاحبي من حسن الظن. فرواية الطبري لا تستقيم، إن صحت عنه.
في نظائر لما ذكرنا يطول بإحصائها الكتاب. (1)
ويخرجُ بـ "إلا" ما بعدها من معنى ما قبلها ومن صفته، وإن كان كل واحد منهما من غير شكل الآخر ومن غير نوعه. ويسمي ذلك بعض أهل العربية"استثناء منقطعا"، لانقطاع الكلام الذي يأتي بعد"إلا" عن معنى ما قبلها. وإنما يكون ذلك كذلك، في كل موضع حسن أن يوضع فيه مكان"إلا""لكن"؛ فيعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول، ألا ترى أنك إذا قلت:(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) ثم أردت وضع "لكن" مكان "إلا" وحذف "إلا"، وجدت الكلام صحيحا معناه، صحته وفيه"إلا"؟ وذلك إذا قلت: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب لكن أماني. يعني: لكنهم يتمنون. وكذلك قوله: (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) ، لكن اتباع الظن، بمعنى: لكنهم يتبعون الظن. وكذلك جميع هذا النوع من الكلام على ما وصفنا.
* * *
وقد ذكر عن بعض القَرَأَة أنه قرأ: (2)(إلا أماني) مخففة. ومن خفف ذلك وجهه إلى نحو جمعهم"المفتاح""مفاتح"، و"القرقور"،"قراقر"، (3) وأن
(1) انظر سيبويه 1: 363 - 366"هذا باب يختار فيه النصب، لأن الآخر ليس من نوع الأول". ثم الباب الذي يليه: "هذا باب ما لا يكون إلا على معنى: ولكن".
(2)
في المطبوعة: "بعض القراء" و"لإجماع القراء"، ورددته إلى ما جرى عليه الطبري آنفًا.
(3)
انظر معاني القرآن للفراء: 1: 49.
ياء الجمع لما حذفت خففت الياء الأصلية - أعني من"الأماني" - كما جمعوا"الأثفية""أثافي" مخففة، كما قال زهير بن أبي سلمى:
أثافيَ سُفْعا في مُعَرَّسِ مِرْجَل
…
ونُؤْيا كجِذم الحوض لم يَتَثَلَّم (1)
وأما من ثقل: (أماني) فشدد ياءها، فإنه وجه ذلك إلى نحو جمعهم"المفتاح مفاتيح، والقرقور قراقير، والزنبور زنابير"، فاجتمعت ياء"فعاليل" ولامها، وهما جميعا ياآن، فأدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا ياء واحدة مشددة.
* * *
فأما القراءة التي لا يجوز غيرها عندي لقارئ في ذلك، فتشديد ياء"الأماني"، لإجماع القَرَأَة على أنها القراءة التي مضى على القراءة بها السلف - مستفيض ذلك بينهم، غير مدفوعة صحته - وشذوذ القارئ بتخفيفها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك. (2) وكفى دليلا على خطأ قارئ ذلك بتخفيفها، (3) إجماعها على تخطئته.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ (78) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وإن هم إلا يظنون) ، وما هم، كما قال جل ثناؤه:(قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)[إبراهيم: 11]، يعني بذلك: ما نحن إلا بشر مثلكم.
* * *
ومعنى قوله: (إلا يظنون) : إلا يشكون، ولا يعلمون حقيقته وصحته. و"الظن" - في هذا الموضع- الشك.
(1) ديوانه: 7 المرجل: قدر يطبخ فيها، ومعرس المرجل: حيث يقام فيه، من التعريس: وهو النزول والإقامة، وسفع جمع أسفع: والسفعة: سواد تخالطه حمرة، من أثر النار ودخانها. والنؤي: ما يقام من الحجارة حول الخباء حتى لا يدخله ماء المطر. وجذم الحوض: حرفه وأصله. يعني: النؤي قد ذهب أعلاه وبقى أصله لم يتحطم، كبقايا الحوض. يقول: عرفت الدار بهذه الآثار، قبله:"فلأيا عرفت الدار بعد توهم"، "ونصب"أثافي" بقوله:"توهم".
(2)
سياق العبارة: لإجماع القَرَأَة على أنها القراءة. . وعلى شذوذ القارئ بتخفيفها" على العطف.
(3)
في المطبوعة: "وكفى خطأ على قارئ ذلك"، وهو ليس بكلام صحيح، والصواب ما أثبته، استظهار من عبارة الطبري، فيما سلف من أشباه ذلك.
فمعنى الآية: ومنهم من لا يكتب ولا يخط ولا يعلم كتاب الله ولا يدري ما فيه، إلا تخرصا وتقولا على الله الباطل، ظنا منه أنه محق في تخرصه وتقوله الباطل.
* * *
وإنما وصفهم الله تعالى ذكره بأنهم في تخرصهم على ظن أنهم محقون وهم مبطلون، لأنهم كانوا قد سمعوا من رؤسائهم وأحبارهم أمورا حسبوها من كتاب الله، ولم تكن من كتاب الله، فوصفهم جل ثناؤه بأنهم يتركون التصديق بالذي يوقنون به أنه من عند الله مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ويتبعون ما هم فيه شاكون، وفي حقيقته مرتابون، مما أخبرهم به كبراؤهم ورؤساؤهم وأحبارهم عنادا منهم لله ولرسوله، ومخالفة منهم لأمر الله، واغترارا منهم بإمهال الله إياهم. وبنحو ما قلنا في تأويل قوله:(وإن هم إلا يظنون)، قال فيه المتأولون من السلف:
1374 -
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(وإن هم إلا يظنون) إلا يكذبون.
1375 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
1376 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.
1377 -
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:(لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) ، أي لا يعلمون ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوتك بالظن.
1378 -
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:(وإن هم إلا يظنون)، قال: يظنون الظنون بغير الحق.
1379 -
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن
الربيع، عن أبي العالية قال: يظنون الظنون بغير الحق.
1380 -
حُدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَوَيْلٌ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (فويل) . فقال بعضهم بما:-
1381 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق عن الضحاك، عن ابن عباس (فويل)، يقول: فالعذاب عليهم. (1)
* * *
وقال آخرون بما:-
1382 -
حدثنا به ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن زياد بن فياض قال: سمعت أبا عياض يقول: الويل: ما يسيل من صديد في أصل جهنم. (2)
1383 -
حدثنا بشر بن أبان الحطاب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن زياد بن فياض، عن أبي عياض في قوله:(فويل)، قال: صهريج في أصل جهنم، يسيل فيه صديدهم. (3)
(1) في المطبوعة: "فويل لهم". والصواب حذف"لهم"، ليست من الآية هنا.
(2)
الخبر: 1382 - سفيان: هو الثوري. زياد بن فياض الخزاعي: ثقة، مات سنة 129. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 2 / 1 /334، وابن أبي حاتم 1 / 2 /542. أبو عياض: هو عمرو بن الأسود العنسي، تابعي ثقة، كان من عباد أهل الشأم وزهادهم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 220 - 221.
(3)
الخبر: 1383 - بشر بن أبان الحطاب، شيخ الطبري: لم أجد له ترجمة ولا ذكرا فيما بين يدى من المراجع.
1384 -
حدثنا علي بن سهل الرملي قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء قال، حدثنا سفيان عن زياد بن فياض، عن أبي عياض قال: الويل، واد من صديد في جهنم. (1)
1385 -
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران، عن شقيق قال:(ويل) ، ما يسيل من صديد في أصل جهنم.
* * *
وقال آخرون بما:-
1386 -
حدثنا به المثنى قال، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح التستري. قال، حدثنا علي بن جرير، عن حماد بن سلمة بن عبد الحميد بن جعفر، عن كنانة العدوي، عن عثمان بن عفان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الويل جبل في النار". (2)
(1) الخبر: 1384 - علي بن سهل الرملي، شيخ الطبري: ثقة، مات سنة 261. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 /189. وزيد بن أبي الزرقاء الموصلي، نزيل الرملة: ثقة، مات سنة 194. مترجم في التهذيب، والكبير 2 /1 /361، وابن أبي حاتم 1 / 2/ 575. سفيان هو الثوري. "عن زياد بن فياض"، كالإسنادين اللذين قبله. وفي المطبوعة:"سفيان بن زياد بن فياض"، وهو تحريف.
(2)
الحديث: 1386 - هذا الإسناد مشكل. ووقع فيه هنا خطأ. من الناسخ أو الطابع، صححناه من الرواية الآتية: 1395 فقد كان فيه"حماد بن سلمة بن عبد الحميد بن جعفر"؛ وصوابه"عن عبد الحميد بن جعفر"، كما هو بديهي.
أما ما أشكل علينا فيه: فراويان لم نجد لهما ذكرا ولا ترجمة.
أحدهما:"إبراهيم بن عبد السلام بن صالح التستري". وسيأتي في الإسناد الآخر"إبراهيم بن عبد السلام" فقط. ولم أستطع أن أعرف من هو؟ وقد نقل ابن كثير 1: 217 الحديث الآتي: 1395، وأكمل نسب هذا الشيخ، ولكنه وقع فيه هكذا "إبراهيم بن عبد السلام، حدثنا صالح القشيري"! وأنا لست على ثقة من دقة التصحيح في طبعة تفسير ابن كثير، وأرى أن ما نسخة الطبري أقرب إلى الصحة.
الراوي الآخر:"على بن جرير". وقد أتعبنى أن أعرف من هو؟ مع البحث في كل المراجع، وتقليبه على كل الاحتمالات.
أما عبد الحميد بن جعفر: فإنه الأنصاري الأوسى المدني، وهو ثقة، وثقه أحمد وابن سعد وغيرهما، مات سنة 153، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 /10. و"كنانة العدوي":هو كنافة ابن نعيم، وهو تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 4 / 1 /236، وابن أبي حاتم 3 / 2 /169. ولكني أخشى أن لا يكون أدرك عثمان بن عفان، فإنهم لم يذكروا له رواية إلا عن أبي برزة الأسلمي وقصيبة بن المخارق، وهما متأخران كثيرا عن عثمان.
وأيا ما كان، فهذا الحديث لا أظنه مما يقوم إسناده. وهو مختصر من الحديث الآتي:1395. والحافظ ابن كثير حين ذكره عن الطبري، وصفه بأنه"غريب جدا". وقد ذكره السيوطي أيضًا 1: 82، ولم ينسباه لغير الطبري. فالله أعلم.
1387 -
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ويل" واد في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ إلى قعره". (1)
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى الآية - على ما روي عمن ذكرت قوله في تأويل (ويل) -: فالعذاب = الذي هو شرب صديد أهل جهنم في أسفل الجحيم = لليهود الذين يكتبون الباطل بأيديهم، ثم يقولون: هذا من عند الله.
* * *
(1) الحديث: 1387 - إسناده صحيح. عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري: ثقة حافظ متقن، مترجم في التهذيب، وابن سعد 7 / 2 / 203 وابن أبي حاتم 3 / 1 / 225. دراج، بفتح الدال وتشديد الراء: هو ابن سمعان، أبو السمح، المصري القاص، وهو ثقة، فيه خلاف كثير. والراجح عندنا أنه ثقة، كما بينا ذلك في شرح المسند: 6634، وفي تعليقنا على تهذيب السنن:2388. أبو الهيثم: هو سليمان بن عمرو العتواري المصري، كان يتيما لأبي سعيد الخدري، وكان في حجره. وهو تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 2 / 2 / 28 - 29، وابن أبي حاتم 2 /1 / 131 - 132.
والحديث رواه ابن أبي حاتم - كما نقل عنه ابن كثير 1: 217 - عن يونس بن عبد الأعلى، شيخ الطبري هنا، بهذا الإسناد.
ورواه الحاكم في المستدرك 4: 596، من طريق بحر بن نصر. عن ابن وهب، بهذا الإسناد، بزيادة في آخره. وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
ورواه أحمد في المسند: 11735 (ج 3 ص 75 حلبي) ، عن حسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن دراج، به، بزيادة في آخره. وقال ابن كثير - عقب رواية ابن أبي حاتم:"ورواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن الحسن بن موسى. . وقال هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة. قلت [القائل ابن كثير] : لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى. ولكن الآفة ممن بعده! وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوعا - منكر"!
أقول: وابن كثير يريد بذلك جرح دراج أبي السمح، وجعله علة الحديث. والصحيح ما ذهبنا إليه. وقد رواه ابن حبان في صحيحه أيضًا. كما في الدر المنثور 1:82.
القول في تأويل قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا}
قال أبو جعفر: يعني بذلك الذين حرفوا كتاب الله من يهود بني إسرائيل، وكتبوا كتابا على ما تأولوه من تأويلاتهم، مخالفا لما أنزل الله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم، ثم باعوه من قوم لا علم لهم بها، ولا بما في التوراة، جهال بما في كتب الله - لطلب عرض من الدنيا خسيس، فقال الله لهم:(فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)، كما:-
1388 -
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا)، قال: كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم، يبيعونه من العرب، ويحدثونهم أنه من عند الله، ليأخذوا به ثمنا قليلا.
1389 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله، ولا كتابا أنزله الله، فكتبوا كتابا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سِفلة جهال: هذا من عند الله"ليشتروا به ثمنا قليلا". قال: عرضا من عرض الدنيا.
1390 -
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:(للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله)، قال: هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله، يحرفونه.
1391 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله، إلا أنه قال: ثم يحرفونه.
1392 -
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن قتادة:(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) الآية، وهم اليهود.
1393 -
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله)، قال: كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتابا بأيديهم، ليتأكلوا الناس، فقالوا: هذا من عند الله، وما هو من عند الله. (1)
1394 -
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قوله:(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا)، قال: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه، يبتغون بذلك عرضا من عرض الدنيا، فقال:(فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) .
1395 -
حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام قال، حدثنا علي بن جرير، عن حماد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن كنانة العدوي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)، الويل: جبل في النار، وهو الذي أنزل في اليهود، لأنهم حرفوا التوراة، وزادوا فيها ما يحبون، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة. فلذلك غضب الله عليهم، فرفع بعض التوراة، فقال:(فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) . (2)
1396 -
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي
(1) يقال فلان يستأكل الضعفاء: يأخذ أموالهم ويأكلها. أما قوله: "ليتأكلوا"، فلم أجد في المعاجم"يتأكل"، فإن صح نص الطبري، وإلا فهي عربية معرقة، صح أو لم يصح.
(2)
الحديث: 1395 - مضى الكلام فيه مفصلا: 1386.
أيوب، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار. قال: ويل، واد في جهنم، لو سيرت فيه الجبال لانماعت من شدة حره. (1)
* * *
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: ما وجه قوله: (2)(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) ؟ وهل تكون الكتابة بغير اليد، حتى احتاج المخاطبون بهذه المخاطبة، إلى أن يخبروا عن هؤلاء - القوم الذين قص الله قصتهم - أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم؟
قيل له: إن الكتاب من بني آدم، وإن كان منهم باليد، فإنه قد يضاف الكتاب إلى غير كاتبه وغير المتولي رسم خطه فيقال: كتب فلان إلى فلان بكذا"، وإن كان المتولي كتابته بيده، غير المضاف إليه الكتاب، إذا كان الكاتب كتبه بأمر المضاف إليه الكتاب. فأعلم ربنا بقوله: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) عباده المؤمنين، أن أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على الله بأيديهم، على علم منهم وعمد للكذب على الله، ثم تنحله إلى أنه من عند الله وفي كتاب الله، (3) تَكَذُّبا على الله وافتراء عليه. فنفى جل ثناؤه بقوله: (يكتبون الكتاب بأيديهم) ، أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهالهم بأمر علمائهم وأحبارهم. وذلك نظير قول القائل:"باعني فلان عينُه كذا وكذا، فاشترى فلان نفسه كذا"، يراد بإدخال"النفس والعين" في ذلك، نفي اللبس عن سامعه، أن يكون المتولي بيع ذلك أو شراءه، غير الموصوف له أمره، (4)
ويوجب حقيقة الفعل للمخبر
(1) سيرت: أدخلت ودفعت لتسير. وانماع الملح في الماء: ذاب. وفي اللسان روى تفسير عطاء، وفيه:"لماعت"، أي ذابت وسالت.
(2)
في المطبوعة: "فما وجه فويل للذين. . "، كأنه سقط حرف من ناسخ أو طابع.
(3)
يقال: نحل فلان فلانا شعرا: نسبه إليه باطلا. وكره الطبري أن يقول ما لا يجوز لأحد في ذكر ربه سبحانه وتعالى، فانتهج طريقا في أساليب العربية، فقال:"فنحله إلى أنه من عند الله" أي نسبه باطلا إلى أنه من عند الله. ولم يعد الفعل إلى مفعوليه.
(4)
كان في المطبوعة: "أن يكون المتولى بيع ذلك وشراءه، غير الموصوف به بأمره" وهو كلام غير واضح ولا مفهوم، فآثرت أن أصححه ما استطعت.
عنه، فكذلك قوله:(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فويل لهم مما كتبت أيديهم) ، أي فالعذاب - في الوادي السائل من صديد أهل النار في أسفل جهنم - لهم، يعني: للذين يكتبون الكتاب، الذي وصفنا أمره، من يهود بني إسرائيل محرفا، ثم قالوا: هذا من عند الله، ابتغاء عرض من الدنيا به قليل ممن يبتاعه منهم.
* * *
وقوله: (مما كتبت أيديهم)، يقول: من الذي كتبت أيديهم من ذلك، وويل لهم أيضا (مما يكسبون)، يعني: مما يعملون من الخطايا، ويجترحون من الآثام، ويكسبون من الحرام، بكتابهم الذي يكتبونه بأيديهم، بخلاف ما أنزل الله، ثم يأكلون ثمنه، وقد باعوه ممن باعوه منهم على أنه من كتاب الله، كما:-
1397 -
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:(وويل لهم مما يكسبون)، يعني: من الخطيئة.
1398 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:(فويل لهم)، يقول: فالعذاب عليهم. قال: يقول: من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب، (وويل لهم مما يكسبون)، يقول: مما يأكلون به من السفلة وغيرهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأصل"الكسب": العمل. فكل عامل عملا بمباشرة منه لما عمل ومعاناة باحتراف، فهو كاسب لما عمل، كما قال لبيد بن ربيعة:
لمعفر قهد تنازع شلوه
…
غبس كواسب لا يُمَنُّ طعامُها (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً}
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (وقالوا) ، اليهود، يقول: وقالت اليهود: (لن تمسنا النار) ، يعني لن تلاقي أجسامنا النار ولن ندخلها،"إلا أياما معدودة". وإنما قيل"معدودة" وإن لم يكن مبينا عددها في التنزيل، لأن الله جل ثناؤه أخبر عنهم بذلك وهم عارفون عدد الأيام، التي يوقتونها لمكثهم في النار. فلذلك ترك ذكر تسمية عدد تلك الأيام، وسماها"معدودة" لما وصفنا.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ الأيام المعدودة التي عينها اليهود، القائلون ما أخبر الله عنهم من ذلك * فقال بعضهم بما:-
1399 -
حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:(وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) ، قال ذلك أعداء الله اليهود، قالوا: لن يدخلنا الله النار إلا
(1) من معلقته النبيلة. واللام في قوله"لمعفر"، ترده إلى البيت قبله: خنساء ضيعت الفَرِيرَ، فلم يَرِم
…
عُرض الشقائق طوفها وبُغَامها
والخنساء: البقرة الوحشية، والفرير: ولدها. والشقائق: أرض غليظة بين رملتين، أودعت هناك فيه ولدها. وطوفها طوافها حائرة. بغامها: صوتها صائحة باكية. ظلت تطوف وتنادي ولدها.وقوله:"لمعفر"، أي طوفها وبغامها من أجل"معفر". والمعفر: الذي ألقي في العفر، وهو التراب، صادت ولدها الذئاب. قهد: هو ولد البقر، لطيف الجسم أبيض اللون. والشلو: العضو من اللحم، أو الجسد كله. وغبس: غبر، وهي الذئاب. لا يمن طعامها: تكسب طعامها بنفسها، فلا يمن عليها أحد.
تحلة القسم، الأيام التي أصبنا فيها العجل: أربعين يوما، فإذا انقضت عنا تلك الأيام، انقطع عنا العذاب والقسم.
1400 -
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:(لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)، قالوا: أياما معدودة بما أصبنا في العجل.
1401 -
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)، قال: قالت اليهود: إن الله يدخلنا النار فنمكث فيها أربعين ليلة، حتى إذا أكلت النار خطايانا واستنقتنا، (1) نادى مناد: أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل. فلذلك أمرنا أن نختتن. قالوا: فلا يدعون منا في النار أحدا إلا أخرجوه.
1402 -
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمرنا، فأقسم ليعذبنا أربعين ليلة، ثم يخرجنا. فأكذبهم الله.
1403 -
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن قتادة قال: قالت اليهود: لن ندخل النار إلا تحلة القسم، عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل.
1404 -
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:(لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) الآية، قال ابن عباس: ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوبا، أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم نابتة في أصل الجحيم - وكان ابن عباس يقول: إن الجحيم سقر، وفيه شجرة الزقوم - فزعم أعداء الله،
(1) نقيت الثوب (بتشديد القاف) وأنقيته نقاء فهو نقي: نظيف. و"استنقيته" ليست في المعاجم، ولكنها صحيحة البناء والمعنى.
أنه إذا خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياما معدودة - وإنما يعني بذلك المسير الذي ينتهي إلى أصل الجحيم - فقالوا: إذا خلا العدد انتهى الأجل. فلا عذاب، وتذهب جهنم وتهلك. (1) فذلك قوله:(لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)، يعنون بذلك الأجل. فقال ابن عباس: لما اقتحموا من باب جهنم، ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة، قال لهم خزان سقر: زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياما معدودة! فقد خلا العدد وأنتم في الأبد! فأخذ بهم في الصَّعود في جهنم يرهقون. (2)
1405 -
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:(وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) ، إلا أربعين ليلة.
1406 -
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا حفص بن عمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن ندخل النار إلا أربعين ليلة، وسيخلفنا فيها قوم آخرون - يعنون محمدا وأصحابه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم (3) "بل أنتم فيها خالدون، لا يخلفكم فيها أحد. فأنزل الله جل ثناؤه:(وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) .
1407 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة، قال: اجتمعت يهود يوما تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم. فقالوا: (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) ،
(1) خلا يخلو: مضى وذهب وانقضى.
(2)
الصعود: مشقة العذاب، ولكنه أراد هنا ما قالوا: جبل في جهنم من جمرة واحدة، يكلف الكافر ارتقاءه، ويضرب بالمقامع، فكلما وضع عليه رجله ذابت إلى أسفل دركة، ثم تعود مكانها صحيحة، والله أعلم.
(3)
قال بيده: أشار. وقد مضى مثل ذلك مرارا.
- وسموا أربعين يوما - ثم يخلفنا، أو يلحقنا، فيها أناس. فأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كذبتم، بل أنتم فيها خالدون مخلدون، لا نلحقكم ولا نخلفكم فيها إن شاء الله أبدا". (1)
1408 -
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا علي بن معبد، عن أبي معاوية، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:(لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)، قال: قالت اليهود: لا نعذب في النار يوم القيامة إلا أربعين يوما مقدار ما عبدنا العجل.
1409 -
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم:"أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزلها الله على موسى يوم طور سيناء، مَن أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة؟ وقالوا: إن ربهم غضب عليهم غضبة، فنمكث في النار أربعين ليلة، ثم نخرج فتخلفوننا فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم والله، لا نخلفكم فيها أبدا". فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم: (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا) إلى قوله: (هم فيها خالدون) . (2)
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
1410 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت يهود يقولون: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الله الناس يوم القيامة بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا من أيام الآخرة، وإنها سبعة أيام. فأنزل الله في ذلك من
(1) الحديثان: 1406، 1407 - هما حديث واحد بإسنادين. ونسبه السيوطي أيضًا 1: 84، لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وهو حديث مرسل، لا تقوم به حجة.
(2)
الحديث: 1409 - هو حديث مرسل أيضًا.
قولهم: (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) الآية.
1411 -
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ويهود تقول: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا، يوما واحدا في النار من أيام الآخرة، فإنما هي سبعة أيام، ثم ينقطع العذاب. فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم:(لن تمسنا النار) الآية.
1412 -
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:(قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)، قال: كانت تقول: إنما الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما.
1413 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله - إلا أنه قال: كانت اليهود تقول: إنما الدنيا، وسائر الحديث مثله.
1414 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال مجاهد: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة من الدهر. وسموا عدة سبعة آلاف سنة، من كل ألف سنة يوما. يهود تقوله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80) }
قال أبو جعفر: لما قالت اليهود ما قالت من قولها: (لن تمسنا النار إلا أياما
معدودة) - على ما قد بينا من تأويل ذلك - قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد، لمعشر اليهود:(أتخذتم عند الله عهدا) : أأخذتم بما تقولون من ذلك من الله ميثاقا، فالله لا ينقض ميثاقه، ولا يبدل وعده وعقده، أم تقولون على الله الباطل جهلا وجراءة عليه؟ كما:-
1415 -
حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(قل أتخذتم عند الله عهدا) أي: موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون.
1416 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
1417 -
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن قتادة قال: قالت اليهود: لن ندخل النار إلا تحلة القسم، عدة الأيام التي عبدنا فيها العجل، فقال الله:(أتخذتم عند الله عهدا) ، بهذا الذي تقولونه؟ ألكم بهذا حجة وبرهان؟ فلن يخلف الله عهده، فهاتوا حجتكم وبرهانكم، أم تقولون على الله ما لا تعلمون؟
1418 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: لما قالت اليهود ما قالت، قال الله جل ثناؤه لمحم، قل"أتخذتم عند الله عهدا"، يقول: أدخرتم عند الله عهدا؟ يقول: أقلتم لا إله إلا الله لم تشركوا ولم تكفروا به؟ فإن كنتم قلتموها فارجوا بها، وإن كنتم لم تقولوها، فلم تقولون على الله ما لا تعلمون؟ يقول: لو كنتم قلتم لا إله إلا الله ولم تشركوا به شيئا، ثم متم على ذلك، لكان لكم ذخرا عندي، ولم أخلف وعدي لكم: أني أجازيكم بها.
1419 -
حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط عن السدي قال: لما قالت اليهود ما قالت، قال الله عز وجل: (قل أتخذتم
عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده) - وقال في مكان آخر: (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) . [آل عمران: 24]، ثم أخبر الخبر فقال:(بلى من كسب سيئة) .
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال التي رويناها عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، بنحو ما قلنا في تأويل قوله:(قل أتخذتم عند الله عهدا) . لأن مما أعطاه الله عباده من ميثاقه: أن من آمن به وأطاع أمره، نجاه من ناره يوم القيامة. ومن الإيمان به، الإقرار بأن لا إله إلا الله. وكذلك من ميثاقه الذي واثقهم به: أن من أتى الله يوم القيامة بحجة تكون له نجاة من النار، فينجيه منها. وكل ذلك، وإن اختلفت ألفاظ قائليه، فمتفق المعاني، على ما قلنا فيه. والله تعالى أعلم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً}
قال أبو جعفر: وقوله: (بلى من كسب سيئة) تكذيب من الله القائلين من اليهود: (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) وإخبار منه لهم أنه معذب من أشرك ومن كفر به وبرسله، وأحاطت به ذنوبه، فمخلده في النار، (1) فإن الجنة لا يسكنها إلا أهل الإيمان به وبرسوله، وأهل الطاعة له، والقائمون بحدوده * كما:-
1420 -
حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس:(بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) أي: من عمل مثل أعمالكم، وكفر بمثل ما كفرتم به، حتى يحيط كفره بما له من حسنة، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
* * *
قال أبو جعفر: وأما (بلى) ، فإنها إقرار في كل كلام في أوله جحد، كما
(1) في المطبوعة: "أنه يعذب. . فمخلد في النار"، والصواب ما أثبته.
"نعم" إقرار في الاستفهام الذي لا جحد فيه. وأصلها"بل" التي هي رجوع عن الجحد المحض في قولك:"ما قام عمرو بل زيد". فزيد فيها"الياء" ليصلح عليها الوقوف، إذ كانت"بل" لا يصلح عليها الوقوف، إذ كانت عطفا ورجوعا عن الجحد. ولتكون - أعني"بلى" - رجوعا عن الجحد فقط، وإقرارا بالفعل الذي بعد الجحد، فدلت"الياء" منها على معنى الإقرار والإنعام. (1) ودل لفظ"بل" عن الرجوع عن الجحد. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأما"السيئة" التي ذكر الله في هذا المكان، فإنها الشرك بالله * كما:-
1421 -
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان قال، حدثني عاصم، عن أبي وائل:(بلى من كسب سيئة)، قال: الشرك بالله.
1422 -
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(بلى من كسب سيئة) شركا.
1423 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
1424 -
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(بلى من كسب سيئة)، قال: أما السيئة فالشرك.
1425 -
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.
1426 -
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن
(1) الإنعام: التصديق. يقال: أنعم: أجاب بقوله: نعم. وهو تصديق.
(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 52 - 53، وقد عد الطبري الحرف الآخر من"بلى""ياء"، وعدها الفراء"ألفا".
السدي: (بلى من كسب سيئة) ، أما السيئة، فهي الذنوب التي وعد عليها النار.
1427 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قلت لعطاء:(بلى من كسب سيئة)، قال: الشرك - قال ابن جريج قال، قال مجاهد:(سيئة) شركا.
1428 -
حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:(بلى من كسب سيئة)، يعني: الشرك.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما قلنا إن"السيئة" - التي ذكر الله جل ثناؤه أن من كسبها وأحاطت به خطيئته، فهو من أهل النار المخلدين فيها - في هذا الموضع، إنما عنى الله بها بعض السيئات دون بعض، وإن كان ظاهرها في التلاوة عاما، (1) لأن الله قضى على أهلها بالخلود في النار. والخلود في النار لأهل الكفر بالله دون أهل الإيمان به، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل الإيمان لا يخلدون فيها، وأن الخلود في النار لأهل الكفر بالله دون أهل الإيمان. فإن الله جل ثناؤه قد قرن بقوله:(بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) - قوله - (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) . فكان معلوما بذلك أن الذين لهم الخلود في النار من أهل السيئات، غير الذين لهم الخلود في الجنة من أهل الإيمان.
* * *
فإن ظن ظان أن الذين لهم الخلود في الجنة من الذين آمنوا، هم الذين عملوا الصالحات، دون الذين عملوا السيئات، فإن في إخبار الله = أنه مكفر - باجتنابنا كبائر ما ننهى عنه سيئاتنا، ومدخلُنا المُدخلَ الكريم = ما ينبئ عن صحة ما قلنا في تأويل قوله:(بلى من كسب سيئة) ، بأن ذلك على خاص من السيئات دون عامها.
* * *
فإن قال لنا قائل: فإن الله جل ثناؤه إنما ضمن لنا تكفير سيئاتنا باجتنابنا
(1) انظر تفسير"الظاهر" فيما سلف: 2: 15 والمراجع.
كبائر ما ننهى عنه، فما الدلالة على أن الكبائر غير داخلة في قوله:(بلى من كسب سيئة) ؟
قيل: لما صح من أن الصغائر غير داخلة فيه، وأن المعنيَّ بالآية خاص دون عام، ثبت وصح أن القضاء والحكم بها غير جائز لأحد على أحد، إلا على من وقفه الله عليه بدلالة من خبر قاطع عذرَ من بلغه. وقد ثبت وصح أن الله تعالى ذكره قد عنى بذلك أهل الشرك والكفر به، بشهادة جميع الأمة. فوجب بذلك القضاء على أن أهل الشرك والكفر ممن عناه الله بالآية. فأما أهل الكبائر، فإن الأخبار القاطعة عذر من بلغته، قد تظاهرت عندنا بأنهم غير معنيين بها. فمن أنكر ذلك - ممن دافع حجة الأخبار المستفيضة والأنباء المتظاهرة - فاللازم له ترك قطع الشهادة على أهل الكبائر بالخلود في النار، بهذه الآية ونظائرها التي جاءت بعمومهم في الوعيد. إذ كان تأويل القرآن غير مدرك إلا ببيان من جعل الله إليه بيان القرآن، وكانت الآية يأتي عاما في صنف ظاهرها، وهي خاص في ذلك الصنف باطنها. (1)
ويسأل مدافعو الخبر بأن أهل الكبائر من أهل الاستثناء، سؤالَنا منكر رجم الزاني المحصن، وزوال فرض الصلاة عن الحائض في حال الحيض. فإن السؤال عليهم، نظير السؤال على هؤلاء، سواء. (2)
* * *
(1) انظر تفسير"الظاهر والباطن" آنفًا: 2: 15 والمراجع.
(2)
هذا رد على المعتزلة، في إيجابهم خلود أهل الإيمان في النار. ورجم الزاني المحصن، وزوال فرض الصلاة عن الحائض في حال الحيض، مما جاء في الأخبار، ولم يأت به نص قرآن.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وأحاطت به خطيئته) ، اجتمعت عليه فمات عليها، قبل الإنابة والتوبة منها.
* * *
وأصل"الإحاطة بالشيء"، الإحداق به، بمنزلة"الحائط" الذي تحاط به الدار فتحدق به. ومنه قول الله جل ثناؤه:(نارا أحاط بهم سرادقها)[الكهف: 29] .
* * *
فتأويل الآية إذًا: من أشرك بالله، واقترف ذنوبا جمة فمات عليها قبل الإنابة والتوبة، فأولئك أصحاب النار هم فيها مخلدون أبدا. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال المتأولون.
* ذكر من قال ذلك:
1429 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي روق، عن الضحاك:(وأحاطت به خطيئته)، قال: مات بذنبه.
1430 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جرير بن نوح قال، حدثنا الأعمش، عن أبي رزين، عن الربيع بن خُثَيم:(وأحاطت به خطيئته)، قال: مات عليها. (1)
1431 -
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، أخبرني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس:(وأحاطت به خطيئته)، قال: يحيط كفره بما له من حسنة.
1432 -
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني عيسى،
(1) الخبر: 1430 - الربيع بن خثيم الثوري الكوفي: من كبار التابعين وخيارهم، ثقة لا يسأل عن مثله. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 2 / 1 /246 وابن أبي حاتم 1/ 2 /459. وأبوه "خثيم" بضم الخاء المعجمة مصغر، كما ضبطه ابن دريد في الاشتقاق: 112 - 113، والحافظ في التقريب، ووقع في المطبوعة"خيثم" بتقديم الياء على الثاء، وبذلك ضبطه صاحب الخلاصة. وهو خطأ صرف.
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(وأحاطت به خطيئته)، قال: ما أوجب الله فيه النار.
1433 -
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:(وأحاطت به خطيئته)، قال: أما الخطيئة فالكبيرة الموجبة.
1434 -
حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق [قال، أخبرنا معمر]، عن قتاده:(وأحاطت به خطيئته)، قال: الخطيئة: الكبائر.
1435 -
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا وكيع ويحيى بن آدم، عن سلام بن مسكين قال: سأل رجل الحسن عن قوله: (وأحاطت به خطيئته)، فقال: ما ندري ما الخطيئة، يا بني اتل القرآن، فكل آية وعد الله عليها النار، فهي الخطيئة.
1436 -
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله:(بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته)، قال: كل ذنب محيط، فهو ما وعد الله عليه النار.
1437 -
حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي رزين:(وأحاطت به خطيئته)، قال: مات بخطيئته.
1438 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا الأعمش قال، حدثنا مسعود أبو رزين، عن الربيع بن خثيم في قوله:(وأحاطت به خطيئته)، قال: هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب.
1439 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، قال وكيع: سمعت الأعمش يقول في قوله: (وأحاطت به خطيئته) ، مات بذنوبه.
1440 -
حُدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:(وأحاطت به خطيئته) ، الكبيرة الموجبة.
1441 -
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(أحاطت به خطيئته) ، فمات ولم يتب.
1442 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حسان، عن ابن جريج قال، قلت لعطاء:(وأحاطت به خطيئته)، قال: الشرك، ثم تلا (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [النمل: 90] . (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" فأولئك الذين كسبوا السيئات وأحاطت بهم خطيئاتهم، أصحاب النار هم فيها خالدون.
* * *
ويعني بقوله جل ثناؤه: (أصحاب النار) ، أهل النار، وإنما جعلهم لها أصحابا لإيثارهم - في حياتهم الدنيا ما يوردهموها ويوردهم سعيرها - على الأعمال التي توردهم الجنة فجعلهم جل ذكره = بإيثارهم أسبابها على أسباب الجنة = لها أصحابا، كصاحب الرجل الذي يصاحبه مؤثرا صحبته على صحبة غيره، حتى يعرف به.
* * *
(هم فيها)، يعني: هم في النار خالدون. ويعني بقوله: (خالدون) مقيمون * كما:
1443 -
حدثني محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس:(هم فيها خالدون) ، أي خالدون أبدا.
1444 -
حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط،
(1) انظر ما مضى في كلامه عن"الخطيئة" في هذا الجزء 2: 110.