المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الآيات"، يقول: من العبر والحجج على من حاجَّك من وفد - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ٦

[ابن جرير الطبري]

الفصل: الآيات"، يقول: من العبر والحجج على من حاجَّك من وفد

الآيات"، يقول: من العبر والحجج على من حاجَّك من وفد نصارى نجران، (1) ويهود بني إسرائيل الذين كذَّبوك وكذبوا ما جئتهم به من الحق من عندي ="والذكر"، يعني: والقرآن (2) ="الحكيم"، يعني: ذي الحكمة الفاصلة بين الحقّ والباطل، (3) وبينك وبين ناسبي المسيح إلى غير نسبه، كما:-

7157 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:"ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم"، القاطع الفاصل الحقّ، الذي لم يخلطه الباطل من الخبر عن عيسى وعما اختلفوا فيه من أمره، فلا تقبلنّ خبرًا غيره. (4)

7158 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك:"ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم"، قال: القرآن.

71‌

‌59

- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله:"والذكر"، يقول: القرآن ="الحكيم" الذي قد كمَلَ في حكمته.

* * *

القول في تأويل قوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) }

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: إن شبه عيسى في خلقي إياه من غير فحل = فأخبرْ به، يا محمد، الوفدَ من نصارى نجران = عندي، كشبه آدمَ الذي

(1) انظر معنى"الآيات"، فيما سلف قريبًا، ومادة (أيي) من فهارس اللغة.

(2)

انظر تفسير"الذكر" فيما سلف 1: 94، 99.

(3)

انظر تفسير"الحكيم" فيما سلف، في مادة (حكم) من فهارس اللغة.

(4)

الأثر: 7157- سيرة ابن هشام 2: 231، وهو من تتمة الآثار التي آخرها رقم: 7147، وكان في المطبوعة:"فلا يقبلن" بالياء، وهو خطأ، والصواب ما أثبت.

ص: 467

خلقتُه من تراب ثم قلت له:"كن"، فكان من غير فحل ولا ذكر ولا أنثى. يقول: فليس خلقي عيسى من أمه من غير فحل، بأعجب من خلقي آدم من غير ذكر ولا أنثى، وأمري إذ أمرته أن يكون فكان لحمًا. يقول: فكذلك خلقى عيسى: أمرتُه أن يكون فكانَ. (1)

* * *

وذكر أهل التأويل أن الله عز وجل أنزل هذه الآية احتجاجًا لنبيه صلى الله عليه وسلم على الوفد من نصارى نجران الذين حاجُّوه في عيسى.

ذكر من قال ذلك:

7160 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن عامر قال: كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى في عيسى قولا فكانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل هذه الآية في سورة آل عمران:"إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون"، إلى قوله"فنجعل لعنةَ الله على الكاذبين".

7161 -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون"، وذلك أن رهطًا من أهل نجران قدموا على محمد صلى الله عليه وسلم = وكان فيهم السيّد والعاقب = فقالوا لمحمد: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ فقال: من هو؟ قالوا: عيسَى، تزعم أنه عبدُ الله! فقال محمد:

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "بأعجب من خلقى آدم من غير ذكر ولا أنثى (فكان لحمًا يقول) ، وأمري إذ أمرته أن يكون فكان. فكذلك خلقى عيسى

" وهي عبارة مضطربة اضطرابًا فاسدًا جدًا، وذلك أن الناسخ عجل نظره وهو ينسخ فكتب ما وضعته بين القوسين آنفًا في هذا المكان ثم استمر يكتب، ثم نسي أن يضرب على هذا الكلام ويعيده إلى مكانه فإن قوله: "وأمري إذ أمرته" معطوف على قوله"بأعجب من خلقى آدم"، وغير ممكن أن يفصل بينهما بمثل قوله: "فكان لحمًا يقول"، واستظهرت أن مكانها حيث أثبت في آخر الجملة، فرددتها إلى مكانها، فاستقام الكلام إن شاء الله.

ص: 468

أجل، إنه عبد الله. قالوا له: فهل رأيت مثلَ عيسى، أو أنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده، فجاءه جبريل صلى الله عليه وسلم بأمر ربِّنا السميع العليم فقال: قل لهم إذا أتوك:"إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم"، إلى آخر الآية.

7162 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون"، ذكر لنا أنّ سيِّديْ أهل نجران وأسقُفَّيْهم: السيد والعاقبُ، لقيا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن عيسى فقالا كل آدمي له أب، فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية:"إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون".

7163 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"إن مَثَلَ عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب"، لما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع به أهل نجران، أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم. منهم: العاقب، والسيد، وما سَرجس، ومار يحز. (1) فسألوه ما يقول

(1) هكذا جاء الاسمان في المخطوطة والمطبوعة، أما "ماسرجس" فالمشهور"مَارَسَرْجِسَ"، وهكذا رأيته في أشعارهم كقول جرير للأخطل: قال الأُخَيْطِلُ إِذْ رَأَى رَايَاتِهِمْ

يَامَارَ سَرْجِسَ لا نُرِيدُ قِتَالَا

ويقولن فيه أيضًا: "مارسرجيس" بالياء، كما قال الأخطل: لَمَّا رَأَوْنَا وَالصَّلِيبَ طَالِعَا

وَمَارَ سَرْجِيسَ وسمًّا ناقِعَا

وهذا الذي ذكره جرير والأخطل رجل مشهور من قديسيهم. وأما "ماريحز"، فلم أعرف ضبطه وأظنه غير صحيح، وكأنه مصحف، وقد جاء في الدر المنثور 2: 37"مار بحر"، وقد ذكر ابن هشام في سيرته 2: 224، أسماء الأربعة عشر الذين يؤول إليهم وفد نصارى نجران. فلم أجد فيها"ماسرجس" ولا"مار يحز"، وأخشى أن يكون"مار يحنس" فقد ذكر فيهم"يحنس"، ولكنه رجم لا أحققه.

ص: 469

في عيسى، فقال: هو عبد الله ورُوحُه وكلمته. قالوا هم: لا! ولكنه هو الله، نزل من ملكه فدَخل في جوف مريم، ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمرَه! فهل رأيتَ قَط إنسانًا خُلق من غير أب؟ فأنزل الله عز وجل:"إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون". 7164 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريح، عن عكرمة قوله:"إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون"، قال: نزلت في العاقب والسيد من أهل نجران، وهما نصرانيان. = قال ابن جريج: بلغنا أنّ نصارى أهل نجران قدم وفدُهم على النبي صلى الله عليه وسلم، فيهم السيد والعاقبُ، وهما يومئذ سيدا أهل نجران، فقالوا: يا محمد، فيما تشتمُ صاحبنا؟ قال: من صاحبكما! قالا عيسى ابن مريم، تزعم أنه عبد! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أجل، إنه عبدُ الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه. فغضبوا وقالوا: إن كنت صادقًا فأرنا عبدًا يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه، الآية، لكنه الله. فسكتَ حتى أتاه جبريلُ فقال: يا محمد: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[سورة المائدة: 17، 72] الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، إنهم سألوني أن أخبرَهم بمثَل عيسى. قال جبريل: مثلُ عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له: كُن فيكون. فلما أصبحوا عادُوا، فقرأ عليهم الآيات.

7165 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:"إن مثل عيسى عند الله"، فاسمع، (1)"كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين"، فإن قالوا:

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "فاسمع"، وفي سيرة ابن هشام:"فاستمع".

ص: 470

خُلق عيسى من غير ذكر، فقد خلقت آدمَ من تراب بتلك القدرة من غير أنثى ولا ذكر، فكان كما كانَ عيسى لحمًا ودمًا وشعرًا وبَشرًا، فليس خلقُ عيسى من غير ذكر بأعجبَ من هذا. (1)

7166 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله عز وجل:"إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب"، قال: أتى نجرانيَّان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا له: هل علمتَ أنّ أحدًا وُلد من غير ذكر، فيكون عيسى كذلك؟ قال: فأنزل الله عز وجل:"إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون"، أكان لآدم أب أو أم! ! كما خلقت هذا في بطن هذه؟

* * *

قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فكيف قال:"كمثل آدم خلقه"،"وآدم" معرفة، والمعارفُ لا تُوصَل؟

قيل: إن قوله:"خلقه من تراب" غير صلة لآدم، (2) وإنما هو بيان عن أمره على وجه التفسير عن المثل الذي ضربه، وكيف كان. (3)

* * *

وأما قوله:"ثم قال له كن فيكون"، فإنما قال:"فيكون" وقد ابتدأ الخبر عن خلق آدم، وذلك خبر عن أمر قد تقضَّى، وقد أخرجَ الخبر عنه مُخرَج الخبر عما قد مضَى فقال جل ثناؤه:"خلقه من تراب ثم قال له كن"، لأنه بمعنى الإعلام من الله نبيَّه أن تكوينه الأشياء بقوله:"كن"، ثم قال:"فيكون"،

(1) الأثر: 7165- سيرة ابن هشام 2: 231، 232، وهو تتمة الآثار التي آخرها رقم: 7157، ولكن أبا جعفر اختصر كلام ابن إسحاق هنا، ولكنه سيسوقه وما حذف منه، برقم:7169.

(2)

يعني بقوله"صلة" التابع، وهو النعت بالجملة. فإن شرط النعت بالجملة أن يكون المنعوت نكرة لفظًا أو معنى، وأن يكون في الجملة ضمير ملفوظ أو مقدر يربطها بالموصوف، وأن تكون الجملة خبرية. فهذه ثلاثة شروط، أحدها في المنعوت، وشرطان في جملة النعت.

(3)

انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء 1: 219.

ص: 471