المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ٦

[ابن جرير الطبري]

الفصل: القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: الذين يُرْبون.

* * *

و"الإرباء" الزيادة على الشيء، يقال منه:"أربْى فلان على فلان"، إذا زاد عليه،"يربي إرباءً"، والزيادة هي"الربا"،"وربا الشيء"، إذا زاد على ما كان عليه فعظم،"فهو يَرْبو رَبْوًا". وإنما قيل للرابية [رابية] ، (1) لزيادتها في العظم والإشراف على ما استوى من الأرض مما حولها، من قولهم:"ربا يربو". ومن ذلك قيل:"فلان في رَباوَة قومه"، (2) يراد أنه في رفعة وشرف منهم، فأصل"الربا"، الإنافة والزيادة، ثم يقال:"أربى فلان" أي أناف [ماله، حين] صيَّره زائدًا. (3) وإنما قيل للمربي:"مُرْبٍ"، لتضعيفه المال، الذي كان له على غريمه حالا أو لزيادته عليه فيه لسبب الأجل الذي يؤخره إليه فيزيده إلى أجله الذي كان له قبلَ حَلّ دينه عليه. ولذلك قال جل ثناؤه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) . [آل عمران: 131] .

* * *

(1) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها لسياق الكلام.

(2)

في المطبوعة: "في ربا قومه" وفي المخطوطة: "في رباء قومه"، ولا أظنهما صوابًا، والصواب ما ذكر الزمخشري في الأساس:"وفلان في رباوة قومه: في أشرافهم. وهو: في الروابي من قريش"، فأثبت ما في الأساس.

(3)

في المخطوطة والمطبوعة: "أي أناف صيره زائدًا"، وهو كلام غير مستقيم ولا تام. والمخطوطة كما أسلفت مرارًا، قد عجل عليها ناسخها حتى أسقط منها كثيرًا كما رأيت آنفًا. فزدت ما بين القوسين استظهارًا من معنى كلام أبي جعفر، حتى يستقيم الكلام على وجه يرتضى.

ص: 7

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:

ذكر من قال ذلك:

6235 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال، في الربا الذي نهى الله عنه: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدّينُ فيقول: لك كذا وكذا وتؤخِّر عني! فيؤخَّر عنه.

* - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

6237 -

حدثني بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أن ربا أهل الجاهلية: يبيعُ الرجل البيع إلى أجل مسمًّى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء، زاده وأخَّر عنه.

* * *

قال أبو جعفر: فقال جل ثناؤه: الذين يُرْبون الربا الذي وصفنا صفته في الدنيا="لا يقومون" في الآخرة من قبورهم ="إلا كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطانُ من المس"، يعني بذلك: يتخبَّله الشيطان في الدنيا، (1) وهو الذي يخنقه فيصرعه (2) ="من المس"، يعني: من الجنون.

وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

6238 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى،

(1) تخبله: أفسد عقله وأعضاءه.

(2)

في المطبوعة: "وهو الذي يتخبطه فيصرعه"، وهو لا شيء، إنما استبهمت عليه حروف المخطوطة، فبدل اللفظ إلى لفظ الآية نفسها، وهو لا يعد تفسيرًا عندئذ!! وفي المخطوطة:"+يحفه" غير منقوطة إلا نقطة على"الفاء"، وآثرت قراءتها"يخنقه"، لما سيأتي في الأثر رقم: 6242 عن ابن عباس: "يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنونًا يخنق"، وما جاء في الأثر:6247. وهذا هو الصواب إن شاء الله، لذلك، ولأن من صفة الجنون وأعراضه أنه خناق يأخذ من يصيبه، أعاذنا الله وإياك.

ص: 8

عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:"الذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، يوم القيامة، في أكل الرِّبا في الدنيا.

6239 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

6240 -

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم قال، حدثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"الذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس"، قال: ذلك حين يُبعث من قبره. (1)

6241 -

حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا ربيعة بم كلثوم قال، حدثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: يُقال يوم القيامة لآكل الرّبا:"خذْ سلاحك للحرب"، وقرأ:"لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، قال: ذلك حين يبعث من قبره.

6242 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير:"الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ". الآية، قال: يبعث آكل الربا يوم القيامة مَجْنونًا يُخنق. (2)

6243 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:

(1) الأثر: 6240-"ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري"، روى عن أبيه، وبكر ابن عبد الله المزني، والحسن البصري. وروى عنه القطان، وعبد الصمد بن عبد الوارث، ومسلم ابن إبراهيم، وحجاج بن منهال. قال النسائي:"ليس به بأس"، وقال في الضعفاء:"ليس بالقوي"، وقال أحمد وابن معين:"ثقة". وأبوه: "كلثوم بن جبر"، قال أحمد:"ثقة"، وقال النسائي:"ليس بالقوي". مات سنة: 130.

(2)

انظر ما سلف في ص: 8، تعليق:2.

ص: 9

"الذين يأكلون الربا لا يقومون"، الآية، وتلك علامةُ أهل الرّبا يوم القيامة، بُعثوا وبهم خَبَلٌ من الشيطان.

6244 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"لا يقومون إلا كما يقومُ الذي يتخبطه الشيطان من المس" قال: هو التخبُّل الذي يتخبَّله الشيطان من الجنون.

6245 -

حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، قال: يبعثون يوم القيامة وبهم خَبَل من الشيطان. وهي في بعض القراءة: (لا يَقُومُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .

6246 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس"، قال: من مات وهو يأكل الربا، بعث يوم القيامة متخبِّطًا، كالذي يتخبطه الشيطان من المسّ.

6247 -

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، يعني: من الجنون.

6248 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ". قال: هذا مثلهم يومَ القيامة، لا يقومون يوم القيامة مع الناس، إلا كما يقوم الذي يُخنق من الناس، كأنه خُنق، كأنه مجنون (1) .

* * *

(1) في المطبوعة: "إلا كما يقوم الذي يخنق مع الناس يوم القيامة"، وهو كلام فاسد. وكذلك هو في المخطوطة أيضًا مع ضرب الناسخ على كلام كتبه، فدل على خلطه وسهوه. فحذفت من هذه الجملة"يوم القيامة" وجعلت"مع الناس"، "من الناس"، فصارت أقرب إلى المعنى والسياق، وكأنه الصواب إن شاء الله.

ص: 10

قال أبو جعفر: ومعنى قوله:"يتخبطه الشيطانُ من المسّ"، يتخبله من مَسِّه إياه. يقال منه:"قد مُسّ الرجل وأُلقِ، فهو مَمسوس ومَألوق"، كل ذلك إذا ألمّ به اللَّمَمُ فجُنّ. ومنه قول الله عز وجل:(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا)[الأعراف: 201]، ومنه قول الأعشى:

وَتُصْبحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى، وكأَنَّمَا

أَلَمَّ بِهَا مِنْ طَائِفِ الجِنِّ أَوْلَقُ (1)

* * *

فإن قال لنا قائل: أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الرِّبا في تجارته ولم يأكله، أيستحقّ هذا الوعيدَ من الله؟

قيل: نعم، وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكلُ، إلا أنّ الذين نزلت فيهم هذه الآيات يوم نزلت، كانت طُعمتهم ومأكلُهم من الربا، فذكرهم بصفتهم، معظّمًا بذلك عليهم أمرَ الرّبا، ومقبِّحًا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم، وفي قوله جل ثناؤه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا

(1) ديوانه: 147، وروايته"من غب السرى"، ورواية اللسان (ألق) ، "ولق"، وهو من قصيدته البارعة في المحرق. ويصف ناقته فيقول قبل البيت، وفيها معنى جيد في صحبة الناقة: وَخَرْقٍ مَخُوفٍ قَدْ قَطَعْتُ بِجَسْرَةٍ

إذَا خَبَّ آلٌ فَوْقَهُ يَتَرَقْرقُ

هِيَ الصَّاحِبُ الأدْنَى، وَبَيْنى وَبَيْنَها

مَجُوفٌ عِلَافِيُّ وقِطْعٌ ونُمْرُقُ

وَتُصْبِحُ عَنْ غبّ السُّرَى. . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

"الخرق": المفازة الواسعة تتخرق فيها الرياح. "وناقة جسرة": طويلة شديدة جريئة على السير. و"خب": جرى. و"الآل": سراب أول النهار. "يترقرق": يذهب ويجيء. وقوله: "هي الصاحب الأدنى"، أي هي صاحبه الذي يألفه ولا يكاد يفارقه، وينصره في الملمات. و"المجوف": الضخم الجوف. و"العلافى": هو أعظم الرجال أخرة ووسطًا، منسوبة إلى رجل من الأزد يقال له"علاف". و"القطع": طنفسة تكون تحت الرحل على كتفي البعير. و"النمرق والنمرقة": وسادة تكون فوق الرحل، يفترشها الراكب، مؤخرها أعظم من مقدمها، ولها أربعة سيور تشد بآخرة الرحل وواسطته. و"غب السرى": أي بعد سير الليل الطويل. و"الأولق": الجنون. ووصفها بالجنون عند ذلك، من نشاطها واجتماع قوتها، لم يضعفها طول السرى.

ص: 11

اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [سورة البقرة: 278-279] الآية، ما ينبئ عن صحة ما قلنا في ذلك، وأنّ التحريم من الله في ذلك كان لكل معاني الرّبا، وأنّ سواءً العملُ به وأكلُه وأخذُه وإعطاؤُه، (1) كالذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:

6249-

"لعن الله آكلَ الرّبا، وُمؤْكِلَه، وكاتبَه، وشاهدَيْه إذا علموا به". (2)

* * *

القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}

قال أبو جعفر: يعني بـ"ذلك" جل ثناؤه: ذلك الذي وصفهم به من قيامهم يوم القيامة من قبورهم، كقيام الذي يتخبطه الشيطان من المسّ من الجنون، فقال تعالى ذكره: هذا الذي ذكرنا أنه يصيبهم يوم القيامة من قُبْح حالهم، ووَحشة قيامهم من قبورهم، وسوء ما حلّ بهم، من أجل أنهم كانوا في الدنيا يكذبون ويفترون ويقولون:"إنما البيع" الذي أحله الله لعباده ="مثلُ الرّبا". وذلك أن الذين كانوا يأكلون من الرّبا من أهل الجاهلية، كان إذا حلّ مالُ أحدهم

(1) ولكن أهل الفتنة في زماننا، يحاولون أن يهونوا على الناس أمر الربا، وقد عظمه الله وقبحه، وآذن العامل به بحرب من الله ورسوله، في الدنيا والآخرة، ومن أضل ممن يهون على الناس حرب ربه يوم يقوم الناس لرب العالمين. فاللهم اهدنا ولا تفتنا كما فتنت رجالا قبلنا، وثبتنا على دينك الحق، وأعذنا من شر أنفسنا في هذه الأيام التي بقيت لنا، وهي الفانية وإن طالت، وصدق رسول الله بأبي هو وأمي إذ قال:"يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا. قيل له: الناس كلهم؟! قال: من لم يأكله ناله من غباره". (سنن البيهقي 5: 275) ، فاللهم انفض عنا وعن قومنا غبار هذا العذاب الموبق.

(2)

الأثر: 6249- رواه الطبري بغير إسناد مختصرًا، وقد استوفى تخريجه ابن كثير في تفسيره 1: 550-551 وساق طرقه مطولا. والسيوطي في الدر المنثور 1: 367، من حديث عبد الله بن مسعود ونسبه لأحمد، وأبي يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان. وانظر سنن البيهقي 5:275.

ص: 12

على غريمه، يقول الغَريم لغريم الحق:"زدني في الأجل وأزيدك في مالك". فكان يقال لهما إذا فعلا ذلك:"هذا ربًا لا يحل". فإذا قيل لهما ذلك قالا"سواء علينا زدنا في أول البيع، أو عند مَحِلّ المال"! فكذَّبهم الله في قيلهم فقال:"وأحلّ الله البيع".

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) }

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: وأحلّ الله الأرباح في التجارة والشراء والبيع (1) ="وحرّم الربا"، يعني الزيادةَ التي يزاد رب المال بسبب زيادته غريمه في الأجل، وتأخيره دَيْنه عليه. يقول عز وجل: فليست الزيادتان اللتان إحداهما من وَجه البيع، (2) والأخرى من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل، سواء. وذلك أنِّي حرّمت إحدى الزيادتين = وهي التي من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل = وأحللتُ الأخرى منهما، وهي التي من وجه الزيادة على رأس المال الذي ابتاع به البائع سلعته التي يبيعها، فيستفضلُ فَضْلها. فقال الله عز وجل: ليست الزيادة من وجه البيع نظيرَ الزيادة من وجه الربا، لأنّي أحللت البيع، وحرَّمت الرّبا، والأمر أمري والخلق خلقي، أقضي فيهم ما أشاء، وأستعبدهم بما أريد، ليس لأحد منهم أن يعترض في حكمي، ولا أن يخالف أمري، وإنما عليهم طاعتي والتسليمُ لحكمي.

* * *

(1) انظر معنى: "البيع" فيما سلف 2: 342، 343.

(2)

في المطبوعة: "وليست الزيادتان"، والصواب ما في المخطوطة.

ص: 13

ثم قال جل ثناؤه:"فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى"، يعني بـ"الموعظة": التذكير، والتخويفَ الذي ذكَّرهم وخوّفهم به في آي القرآن، (1) وأوعدهم على أكلهم الربا من العقاب، يقول جل ثناؤه: فمن جاءه ذلك،"فانتهى" عن أكل الربا وارتدع عن العمل به وانزجر عنه (2) ="فله ما سلف"، يعني: ما أكل، وأخذ فمَضَى، قبل مجيء الموعظة والتحريم من ربه في ذلك ="وأمرُه إلى الله"، يعني: وأمر آكله بعد مجيئه الموعظة من ربه والتحريم، وبعد انتهاء آكله عن أكله، إلى الله في عصمته وتوفيقه، إن شاء عصمه عن أكله وثبَّته في انتهائه عنه، وإن شاء خَذَله عن ذلك ="ومن عاد"، يقول: ومن عاد لأكل الربا بعد التحريم، وقال ما كان يقوله قبل مجيء الموعظة من الله بالتحريم، من قوله:"إنما البيع مثل الربا" ="فأولئك أصْحاب النار هم فيها خالدون"، يعني: ففاعلو ذلك وقائلوه هم أهل النار، يعني نار جهنم، فيها خالدون. (3)

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

6250 -

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السديّ:"فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله"، أما"الموعظة" فالقرآن، وأما"ما سلف"، فله ما أكل من الربا.

* * *

(1) انظر تفسير: "موعظة" فيما سلف 2: 180، 181.

(2)

انظر تفسير: "انتهى" فيما سلف 3: 569.

(3)

انظر تفسير: "أصحاب النار" و"خالدون" فيما سلف 2: 286، 287/4: 316، 317/5:429.

ص: 14

القول في تأويل قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ‌

(276) }

قال أبو جعفر: يعني عز وجل بقوله:"يمحق الله الربا"، ينقُصُ الله الرّبا فيذْهبه، كما:-

6251 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس:"يمحق الله الربا"، قال: يَنقص.

* * *

وهذا نظير الخبر الذي روي عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

6252-

"الرّبا وَإن كثُر فإلى قُلّ". (1) .

* * *

وأما قوله:"ويُرْبي الصّدَقات"، فإنه جل ثناؤه يعني أنه يُضاعف أجرَها، يَرُبُّها وينمِّيها له. (2)

* * *

وقد بينا معنى"الرّبا" قبلُ"والإرباء"، وما أصله، بما فيه الكفاية من إعادته. (3)

* * *

(1) 6252- أخرجه الحاكم في المستدرك 2: 37 من طريق إسرائيل، عن الركين بن الربيع، عن أبيه الربيع بن عميلة، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الربا إن كثر، فإن عاقبته تصير إلى قل"، وكذلك ذكره ابن كثير من المسند من طريق شريك عن الركين بن الربيع، بلفظه. ثم ساق ما رواه ابن ماجه. غير أن ابن كثير (2: 61) نقل لفظ الطبري، وساق الخبر كنصه في الحديث، لا كما جاء في المطبوعة والمخطوطة. وانظر الدر المنثور 1:365.

(2)

في المخطوطة والمطبوعة: "يضاعف أجرها لربها"، كأنه يريد لصاحبها، وكأن صواب قراءتها ما أثبت، رب المعروف والصنيعة والنعمة وغيرها - يريها ربًا +ورببها (كلها بالتشديد) : نماها وزادها وأتمها، وجملة"يربها وينميها له" تفسير لقوله:"يضاعف أجرها". وانظر الأثر الآتي رقم: 6253.

(3)

انظر ما سلف قريبا ص: 7.

ص: 15

القول في تأويل قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزِّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‌

(93) }

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أنه لم يكن حرَّم على بني إسرائيل = وهم ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن = شيئًا من الأطعمة من قبل أن تنزل التوراة، بل كان ذلك كله لهم حلالا إلا ما كان يعقوب حرّمه على نفسه، فإن وَلده حرّموه استنانًا بأبيهم يعقوب، من غير تحريم الله ذلك عليهم في وحي ولا تنزيل، ولا على لسان رسولٍ له إليهم، من قبل نزول التوراة.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في تحريم ذلك عليهم، هل نزل في التوراة أم لا؟ فقال بعضهم: لما أنزل الله عز وجل التوراةَ، حرّم عليهم من ذلك ما كانوا يحرِّمونه قبل نزولها.

*ذكر من قال ذلك:

7399-

حدثني محمد بن الحسين، قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين" قالت اليهود: إنما نحرِّم ما حرّم إسرائيل على نفسه، وإنما حرّم

ص: 7

إسرائيل العرُوق، (1) كان يأخذه عِرق النَّسا، كان يأخذه بالليل ويتركه بالنهار، فحلف لئْن الله عافاه منه لا يأكل عِرْقًا أبدًا، فحرّمه الله عليهم ثم قال:"قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، ما حرَّم هذا عليكم غيري ببغيكم، فذلك قوله:(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ)[سورة النساء: 160]

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الآية على هذا القول: كل الطعام كان حِلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل تنزل التوراة، فإن اللهَ حرّم عليهم من ذلك ما كان إسرائيل حرَّمه على نفسه في التوراة، ببغيهم على أنفسهم وظلمهم لها. قل يا محمد: فأتوا، أيها اليهود، إن أنكرتم ذلك بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين أن الله لم يحرم ذلك عليكم في التوراة، وأنكم إنما تحرّمونه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه.

* * *

وقال آخرون: ما كان شيءٌ من ذلك عليهم حرامًا، لا حرّمه الله عليهم في التوراة، وإنما هو شيء حرّموه على أنفسهم اتباعًا لأبيهم، ثم أضافوا تحريمه إلى الله. فكذبهم الله عز وجل في إضافتهم ذلك إليه، فقال الله عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد: إن كنتم صادقين، فأتوا بالتوراة فاتلوها، حتى ننظر هل ذلك فيها، أم لا؟ فيتبين كذبهم لمن يجهلُ أمرهم. (2)

ذكر من قال ذلك:

(1) العروق هي عروق اللحم، وهو الأجوف الذي يكون فيه الدم، وأما غير الأجوف فهو العصب.

(2)

في المطبوعة: "ليتبين"، وأثبت ما في المخطوطة.

ص: 8

7400-

حدثت عن الحسين بن الفرج، قال، سمعت أبا معاذ، قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه" إسرائيل هو يعقوب، أخذه عرق النسا فكان لا يَبيتُ الليل من وجعه، (1) وكان لا يؤذيه بالنهار. فحلف لئن شفاهُ الله لا يأكل عِرْقًا أبدًا، وذلك قبل نزول التوراة على موسى. فسأل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم اليهود: ما هذا الذي حرم إسرائيل على نفسه؟ فقالوا: نزلت التوراة بتحريم الذي حرَّم إسرائيل. فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم:"قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين" إلى قوله:"فأولئك هم الظالمون"، وكذبوا وافتروا، لم تنزل التوراة بذلك.

* * *

وتأويل الآية على هذا القول: كل الطعام كان حِلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة وبعد نزولها، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة = بمعنى: لكن إسرائيل حرم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة بعض ذلك. (2) وكأن الضحاك وجّه قوله:"إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" إلى الاستثناء الذي يسميه النحويون"الاستثناء المنقطع".

* * *

وقال آخرون: تأويل ذلك: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، فإنّ ذلك حرامٌ على ولده بتحريم إسرائيل إياه على ولده، من غير أن يكون الله حرّمه على إسرائيل ولا على ولده.

(1) في المطبوعة: "لا يثبت الليل"، وليست بشيء، وسبب ذلك أن ناسخ المخطوطة قد استكثر من النقط على حروف هذه الكلمة، فاختلط الأمر على الناشر. وليس معنى"يبيت": ينام، فإن أهل اللغة قالوا:"بات: دخل في الليل، ومن قال: بات فلان، إذا نام، فقد أخطأ. ألا ترى أنك تقول: بت أرعى النجوم؟ معناه: بت أنظر إليها، فكيف ينام وهو ينظر إليها؟ " ومعنى"لا يبيت الليل"، أي يسكن الليل ولا يستريح، لأن البتوتة هي دخول الليل، والليل سكن للناس، فمن ضافه هم، أو أقلقه ألم، لم يسكن، فكأن الليل لم يشمله بهدأته. وفي ألفاظ أخرى لهذا الخبر:"لا ينام الليل من الوجع". ثم انظر الأثر رقم: 7402: "لا يبيت بالليل".

(2)

انظر"إلا" بمعنى"لكن" فيما سلف 3: 206.

ص: 9

*ذكر من قال ذلك:

7401-

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" فإنه حرّم على نفسه العروقَ، وذلك أنه كان يشتكي عرق النسا، فكان لا ينام الليل، فقال: والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد = وليس مكتوبًا في التوراة! وسأل محمد صلى الله عليه وسلم نفرًا من أهل الكتاب فقال: ما شأن هذا حرامًا؟ فقالوا: هو حرام علينا من قِبَل الكتاب. فقال الله عز وجل:"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل" إلى"إنْ كنتم صادقين".

7402-

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس: أخذه -يعني إسرائيل- عرقُ النسا، فكان لا يبيتُ بالليل من شدّة الوجع (1) ، وكان لا يؤذيه بالنهار، فحلف لئن شفاه الله لا يأكل عِرقًا أبدًا، وذلك قبل أن تنزل التوراة. فقال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل على نفسه. قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم:"قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، وكذبوا، ليس في التوراة.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، قول من قال:"معنى ذلك: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من غير تحريم الله ذلك عليه، فإنه كان حرامًا عليهم بتحريم أبيهم إسرائيل ذلك عليهم، من غير أن يحرمه الله عليهم في تنزيل ولا وحي قبل التوراة، حتى نزلت التوراةُ، فحرّم الله عليهم فيها ما شاءَ، وأحلّ لهم فيها ما أحبّ".

وهذا قول قالته جماعة من أهل التأويل، وهو معنى قول ابن عباس الذي ذكرناه قبل.

ذكر بعض من قال ذلك:

(1) في المطبوعة: "لا يثبت"، وفي المخطوطة:"لا يبيت"، واضحة. وانظر التعليق السالف رقم: 1 ص: 9.

ص: 10

7403 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة"، وإسرائيل، هو يعقوب ="قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين" يقول: كلّ الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة. إلا ما حرم إسرائيل على نفسه، فلما أنزل الله التوراة حرّم عليهم فيها ما شاء وأحلّ لهم ما شاء.

7404-

حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة بنحوه.

* * *

واختلف أهل التأويل في الذي كان إسرائيل حرَّمه على نفسه.

فقال بعضهم: كان الذي حرّمه إسرائيل على نفسه العُرُوق.

*ذكر من قال ذلك:

7405-

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر، عن يوسف بن مَاهَك قال: جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال إنه جعل امرأته عليه حرامًا، قال: ليست عليك بحرام. قال: فقال الأعرابي: ولم؟ والله يقول في كتابه:"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرَّم إسرائيل على نفسه"؟ قال: فضحك ابن عباس وقال: وما يدريك ما كان إسرائيل حَرّم على نفسه؟ قال: ثم أقبل على القوم يحدثهم فقال: إسرائيل عرَضتْ له الأنساءُ فأضنته، (1) فجعل لله عليه إنَ شفاه الله منها لا يطعم عِرْقًا. قال: فلذلك اليهود تنزع العروق من اللحم.

7406-

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة،

(1) الأنساء جمع نسا: وهو هذا العرق الذي يخرج من الورك فيستبطن الفخذين، ثم يمر حتى يبلغ الكعب. وهو الذي يأخذه المرض المعروف.

ص: 11

عن أبي بشر. قال: سمعت يوسف بن ماهك يحدثُ: أنّ أعرابيًّا أتى ابن عباس، فذكر رجلا حرّم امرأته فقال: إنها ليست بحرام. فقال الأعرابي: أرأيت قول الله عز وجل:"كل الطعام كان حِلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"؟ فقال: إن إسرائيل كان به عِرْق النسا، فحلف لئن عافاه الله أن لا يأكل العرُوق من اللحم، وإنها ليست عليك بحرام.

7407-

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز في قوله:"كل الطعام كان حِلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" قال، إن يعقوب أخذه وجع عرق النسا، فجعل لله عليه = أو: أقسم، أو: آلى =: لا يأكله من الدواب. (1) قال: والعروق كلها تبعٌ لذلك العرق.

7408-

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ الذي حرّم إسرائيل على نفسه: أنّ الأنساء أخذته ذات ليلة، فأسهرته، فتألَّى إنِ الله شفاه لا يطعم نَسًا أبدًا، فتتبعت بنوهُ العروق بعد ذلك يخرجونها من اللحم. (2)

7409-

حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة بنحوه = وزاد فيه. قال: فتألَّى لئن شفاه الله لا يأكل عرقًا أبدًا، فجعل بنوه بعد ذلك يتتبعون العروق، فيخرجونها من اللحم. وكان"الذي حرّم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة"، العُروق.

7410-

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" قال، اشتكى

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "أو أقسم أو قال لا يأكله من الدواب"، وهو غير مستقيم، وأشبه بالصواب ما أثبت. وانظر الأثر التالي وفيه"تألى"، أي أقسم، ومنه استظهرت هذا التصويب.

(2)

في المخطوطة: "يخرجونه"، فلعل ما قبلها"العرق" مفردًا، ولكني تركت ما في المطبوعة فهو أجود، لما في الأثر الذي يليه.

ص: 12

إسرائيل عرق النسا فقال: إنِ الله شفاني لأحرِّمنّ العروق! فحرَّمها.

7411-

حدثنا الحسن بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان إسرائيل أخذه عرق النسا، فكان يبيتُ لهُ زُقاء، (1) فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل العروق. فأنزل الله عز وجل:"كلّ الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه" = قال سفيان:"له زقاء"، يعني صياح.

7412-

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه" قال، كان يشتكي عرق النسا، فحرَّم العروق.

7413-

حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال،: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

7414-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس في قوله:"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة" قال، كان إسرائيل يأخذه عرق النسا، فكان يبيت وله زقاء، فحرَّم على نفسه أن يأكل عرقًا.

* * *

وقال آخرون: بل"الذي كان إسرائيل حرَّم على نفسه"، لحوم الإبل وألبانُها.

*ذكر من قال ذلك:

7415-

حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن

(1) في المطبوعة: "يبيت وله زقاء"، بالواو، وأثبت ما في المخطوطة وهو جيد أيضًا. الزقاء: صوت الباكي وصياحه. زقا الصبي يزقو: اشتد بكاؤه وصاح. وسيأتي مشروحًا في الأثر.

ص: 13

جريج، عن عبد الله بن كثير قال: سمعنا أنه اشتكى شكوى، فقالوا: إنه عرق النسا، فقال: رَبّ، إن أحب الطعام إليّ لحومُ الإبل وألبانُها، فإن شفيتني فإني أحرمها عليّ = قال ابن جريج، وقال عطاء بن أبي رباح: لحومَ الإبل وألبانَها حرّم إسرائيل.

7416-

حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله:"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل" قال، كان إسرائيل حرّم على نفسه لحومَ الإبل، وكانوا يزعمون أنهم يجدون في التوراة تحريم إسرائيل على نفسه لحومَ الإبل وإنما كان حرّم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل قبل أن تنزل التوراة، فقال الله:"فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، فقال: لا تجدون في التوراة تحريم إسرائيل على نفسه، أي لحم الإبل. (1)

7417-

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال، حدثنا سعيد، عن ابن عباس: أن إسرائيل أخذَه عرق النسا، فكانَ يبيت بالليل له زُقاء = يعني: صياح = قال: فجعل على نفسه لئن شفاه الله منه لا يأكله = يعني: لحوم الإبل = قال: فحرمه اليهود، وتلا هذه الآية:"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، أي: إن هذا قبل التوراة.

7418-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في:"إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" قال، حرّم العروقَ ولحوم الإبل. قال: كان به عرق النسا، فأكل من لحومها فباتَ بليلةٍ يَزْقُو، فحلف أن لا يأكله أبدا.

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "إلا لحم الإبل" وهو لا يستقيم، وظننتها تحريف "أي"، فأثبتها كذلك، ولو حذفت كان الكلام مستقيما.

ص: 14

7419-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد في قوله:"إلا ما حرم إسرائيل على نفسه". قال: حرم لحم الأنعام. (1)

* * *

قال أبو جعفر: (2) وأولى هذه الأقوال بالصواب، قولُ ابن عباس الذي رواه الأعمش، عن حبيب، عن سعيد عنه: أنّ ذلك، العروقُ ولحوم الإبل، لأنّ اليهود مجمعة إلى اليوم على ذلك من تحريمها، كما كان عليه من ذلك أوائلُها. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك خبر، وهو: ما:-

7420-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس: أن عصابة من اليهود حضرت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، أخبرنا أيّ الطعام حرَّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرضَ مرضًا شديدًا، فطال سقمه منه، فنذر لله نذرًا لئن عافاه الله من سقْمه ليحرّمنّ أحبّ الطعام والشراب إليه، وكان أحبّ الطعام إليه لُحمان الإبل، وأحبّ الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا: اللهم نعم. (3)

* * *

وأما قوله:"قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، فإن معناه: قل، يا محمد، للزاعمين من اليهود أن الله حرم عليهم في التوراة العروقَ ولحومَ الإبل وألبانها =:"ائتوا بالتوراة فاتلوها"، يقول: قل لهم: جيئوا بالتوراة فاتلوها، حتى يتبين لمن خفى عليه كذبهم وقيلهم الباطلَ على الله من أمرهم: أن ذلك ليس مما

(1) في المطبوعة: "لحوم الأنعام"، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)

في المخطوطة: "قال أبو جعفر رضي الله عنه".

(3)

الأثر: 7420- هذا مختصر الأثر السالف رقم: 1605، وإسناده صحيح، وقد مضى تخريجه هناك.

ص: 15