الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن همام بن الحارث:"وآتيناهم ملكًا عظيمًا"، قال: أُيِّدوا بالملائكة والجنود.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية = وهي قوله:"وآتيناهم ملكًا عظيمًا" = القولُ الذي رُوي عن ابن عباس أنه قال:"يعني ملك سليمان". لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، دون الذي قال إنه ملك النبوّة، ودون قول من قال: إنه تحليلُ النساء والملك عليهن. (1) لأن كلام الله الذي خوطب به العرب، غيرُ جائز توجيهه إلا إلى المعروف المستعمل فيهم من معانيه، إلا أن تأتي دلالةٌ أو تقوم حُجة على أن ذلك بخلاف ذلك، يجبُ التسليم لها.
* * *
القول في تأويل قوله عز وجل: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا
(55) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فمن الذين أوتوا الكتاب = من يهود بني إسرائيل، الذين قال لهم جل ثناؤه:"آمنوا بما نزلنا مصدقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردها على أدبارها" ="مَنْ آمن به"، يقول: من صدَّق بما أنزلنا على محمد صلى الله عليه وسلم مصدّقًا لما معهم ="ومنهم من صدّ عنه"، ومنهم من أعرَض عن التصديق به، (2) كما:-
9831 -
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فمنهم من آمن به"، قال: بما أنزل على محمد من يهود ="ومنهم من صدّ عنه".
(1) انظر تفسير"الملك" فيما سلف 1: 148 - 150 / 2: 488 / 5: 312، 314، 371 / 6: 299، 300.
(2)
انظر تفسير"الصد" فيما سلف 4: 300 / 7: 53.
9832 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذه الآية دلالة على أن الذين صدّوا عما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، من يهود بني إسرائيل الذين كانوا حوالَيْ مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما رَفعَ عنهم وعيدَ الله الذي توعِّدهم به في قوله:(آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) في الدنيا، (1) وأخرت عقوبتهم إلى يوم القيامة، لإيمان من آمن منهم، وأن الوعيدَ لهم من الله بتعجيل العقوبة في الدنيا، إنما كان على مقام جميعهم على الكفر بما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فلما آمن بَعضُهم، خرجوا من الوعيد الذي توعَّده في عاجل الدنيا، وأخرت عقوبةُ المقيمين على التكذيب إلى الآخرة، فقال لهم: كفاكم بجهنم سعيرًا. (2)
* * *
ويعني بقوله:"وكفى بجهنم سعيرًا"، وحسبكم، أيها المكذبون بما أنزلت على محمد نبيي ورسولي ="بجهنم سعيرًا"، يعني: بنار جهنم، تُسعَر عليكم = أي: تُوقدُ عليكم.
* * *
= وقيل:"سعيرًا"، أصله"مسعورًا"، من"سُعِرت تُسعَر فهي مسعورة"، كما قال الله:(وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ)[سورة التكوير: 12] ، ولكنها صرفت إلى"فعيل"، كما قيل:"كف خضيب"، و"لحية دهين"، بمعنى: مخضوبة ومدهونة - و"السعير"، الوقود. (3)
* * *
(1) هي الآية السالفة من"سورة النساء" رقم: 47.
(2)
انظر ما سلف ص: 445س: 4 وما بعده.
(3)
انظر تفسير"السعير" فيما سلف: 30.
القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}
قال أبو جعفر: هذا وعيد من الله جل ثناؤه للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنزل الله على محمد من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفار، وبرسوله. يقول الله لهم: إن الذين جحدوا ما أنزلتُ على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم، من آياتي = يعني: من آيات تنزيله، ووَحي كتابه، وهي دلالاته وحججه على صدق محمد صلى الله عليه وسلم = فلم يصدقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به ="سوف نصليهم نارًا"، يقول: سوف ننضجهم في نارٍ يُصلون فيها = أي يشوون فيها (1) ="كلما نضجت جلودهم"، يقول: كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت ="بدلناهم جلودًا غيرها"، يعني: غير الجلود التي قد نضجت فانشوت، كما:-
9833 -
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن ثوير، عن ابن عمر:"كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها"، قال: إذا احترقت جلودهم بدّلناهم جلودًا بيضًا أمثالَ القراطيس. (2)
9834 -
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم
(1) انظر تفسير"الإصلاء" فيما سلف: 27 - 29، 231.
(2)
الأثر: 9833 -"ثوير"، هو: ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة الهاشمي. مضت ترجمته برقم: 3212، 5414. وفي المطبوعة:"نوير"، وفي المخطوطة غير منقوط.
في المطبوعة: "جلودًا بيضاء"، وهو خطأ، والصواب في المخطوطة.
و"القراطيس" جمع"قرطاس": وهو الصحيفة البيضاء التي يكتب فيها.
بدلناهم جلودًا غيرَها"، يقول: كلما احترقت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرَها.
9835 -
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"كلما نضجت جلودهم"، قال: سمعنا أنه مكتوب في الكتاب الأول: جلدُ أحدهم أربعون ذراعًا، (1) وسِنُّه سبعون ذراعًا، وبطنه لو وضع فيه جبل وَسِعه. (2) فإذا أكلت النار جلودهم بُدّلوا جلودًا غيرها.
9836 -
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك قال: بلغني عن الحسن:"كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها"، قال: ننضجهم في اليوم سبعين ألف مرة.
9837 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو عبيدة الحداد، عن هشام بن حسان، عن الحسن قوله:"كلما نضجت جلودهم بدلناهم غيرها"، قال: تنضج النار كل يوم سبعين ألف جلد. قال: وغلظ جلد الكافر أربعون ذراعًا، والله أعلم بأيِّ ذراع! (3) .
* * *
قال أبو جعفر: فإن سأل سائل فقال: وما معنى قوله جل ثناؤه:"كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها"؟ وهل يجوز أن يبدّلوا جلودًا غير جلودهم التي كانت لهم في الدنيا، فيعذَّبوا فيها؟ فإن جاز ذلك عندك، فأجز أن يُبدَّلوا أجسامًا وأرواحًا غير أجسامهم وأرواحهم التي كانت لهم في الدنيا فتعذّب! وإن أجزت ذلك، لزمك أن يكون المعذبون في الآخرة بالنار، غيرُ الذين أوعدهم الله العقابَ على كفرهم به ومعصيتهم إياه، وأن يكون الكفار قد ارتفعَ عنهم العذاب!!
* * *
(1) في المطبوعة: "أن جلده
…
"، وأثبت ما في المخطوطة. وعنى بذلك غلظ الجلد، كما سيأتي في رقم:9837.
(2)
في المطبوعة: "لوسعه"، وأثبت ما في المخطوطة.
(3)
الأثر: 9837 -"أبو عبيدة الحداد"، هو: عبد الواحد بن واصل السدوسي. مضت ترجمته برقم: 8284.
و"هشام بن حسان القردوسي" مضى برقم: 2827.
قيل: إن الناس اختلفوا في معنى ذلك.
فقال بعضهم: العذاب إنما يصل إلى الإنسان الذي هو غير الجلد واللحم، (1) وإنما يحرق الجلد ليصل إلى الإنسان ألم العذاب. وأما الجلد واللحم، فلا يألمان. قالوا: فسواء أعيد على الكافر جلدهُ الذي كان له في الدنيا أو جلدٌ غيره، إذ كانت الجلود غير آلمة ولا معذَّبة، وإنما الآلمةُ المعذبةُ: النفسُ التي تُحِس الألم، ويصل إليها الوجع. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، فغير مستحيل أن يُخْلق لكل كافر في النار في كل لحظة وساعة من الجلود ما لا يحصى عدده، ويحرق ذلك عليه، ليصل إلى نفسه ألم العذاب، إذ كانت الجلود لا تألَمُ.
* * *
وقال آخرون: بل الجلودُ تألم، واللحمُ وسائرُ أجزاء جِرْم بني آدم. وإذا أحرق جلدهُ أو غيره من أجزاء جسده، وصل ألم ذلك إلى جميعه. قالوا: ومعنى قوله:"كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها": بدلناهم جلودًا غير محترقة. وذلك أنها تعاد جديدة، والأولى كانت قد احترقتْ، فأعيدت غير محترقة، فلذلك قيل:"غيرها"، لأنها غير الجلود التي كانت لهم في الدنيا، التي عصوا الله وهى لهم. قالوا: وذلك نظيرُ قول العرب للصّائغ إذا استصاغته خاتمًا من خاتم مَصُوغ، (2) بتحويله عن صياغته التي هُو بها، إلى صياغة أخرى:"صُغْ لي من هذا الخاتم خاتمًا غيره"، فيكسره ويصوغ له منه خاتمًا غيره، والخاتم المصوغ بالصّياغة الثانية هو الأول، ولكنه لما أعيد بعد كسره خاتمًا قيل:"هو غيره". قالوا: فكذلك معنى قوله:"كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها"، لما
(1) في المخطوطة: "الذي هو الجلد واللحم"، وهو لا يستقيم، وأصاب ناشر المطبوعة الأولى في زيادة"غير".
(2)
"استصاغه خاتما": طلب إليه أن يصوغ له خاتمًا. وهذه صيغة لم تذكرها كتب اللغة، وهي عربية معرقة، وقياس صحيح.
احترقت الجلود ثم أعيدت جديدة بعد الاحتراق، (1) قيل:"هي غيرها"، على ذلك المعنى.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك:"كلما نضجت جلودهم"، (2) سرابيلهم، بدلناهم سرابيل من قَطِران غيرها. فجعلت السرابيل [من] القطران لهم جلودًا، (3) كما يقال للشيء الخاص بالإنسان:"هو جِلدة ما بين عينيه ووجهه"، لخصُوصه به. قالوا: فكذلك سرابيل القطران التي قال الله في كتابه: (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ)[سورة إبراهيم: 50] ، لما صارت لهم لباسًا لا تفارق أجسامهم، جعلت لهم جلودًا، فقيل: كلما اشتعل القَطِران في أجسامهم واحترق، بدلوا سرابيل من قطران آخر. قالوا: وأما جلود أهل الكفر من أهل النار، فإنها لا تحترق، (4) لأن في احتراقها = إلى حال إعادتها = فناءَها، (5) وفي فنائها رَاحتها. قالوا: وقد أخبر الله تعالى ذكره عنها: أنهم لا يموتون ولا يخفف عنهم من عذابها. قالوا: وجلود الكفار أحد أجسامهم، ولو جاز أن يحترق منها شيء فيفنى ثم يعاد بعد الفناء في النار، جاز ذلك في جميع أجزائها. وإذا جاز ذلك، وجب أن يكون جائزًا عليهم الفناء، ثم الإعادة والموت، ثم الإحياء، وقد أخبر الله عنهم أنهم لا يموتون. قالوا: وفي خبره عنهم أنهم لا يموتون، دليل واضح أنه لا يموت شيء من أجزاء أجسامهم، والجلود أحدُ تلك الأجزاء.
* * *
وأما معنى قوله:"ليذوقوا العذاب"، فإنه يقول: فعلنا ذلك بهم، ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدته، بما كانوا في الدنيا يكذّبون آيات الله ويجحدونها.
* * *
(1) في المطبوعة: "الاحتراق"، وأثبت ما في المخطوطة.
(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "وقال آخرون: معنى ذلك"، والسياق يقتضي ما أثبت.
(3)
الزيادة التي بين القوسين، لا غنى عنها.
(4)
في المطبوعة: "لا تحرق" والجيد ما في المخطوطة كما أثبته.
(5)
يعني: أنها عندئذ تفنى حتى تعاد مرة أخرى، وفناؤه يوجب فترة يخف فيها عنهم العذاب. وهذا باطل كما سترى في الحجج التالية.
القول في تأويل قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) }
قال أبو جعفر: يقول: إن الله لم يزل (1) ="عزيزًا" في انتقامه ممن انتقم منه من خلقه، لا يقدر على الامتناع منه أحد أرادَه بضرّ، ولا الانتصار منه أحدٌ أحلّ به عقوبة ="حكيمًا" في تدبيره وقضائه. (2)
* * *
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"والذين آمنوا وعملوا الصالحات"، والذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وصدّقوا بما أنزل الله على محمد مصدّقًا لما معهم من يهود بني إسرائيل وسائر الأمم غيرهم ="وعملوا الصالحات"، يقول: وأدّوا ما أمرهم الله به من فرائضه، واجتنبوا ما حرّم الله عليهم من معاصيه، وذلك هو"الصالح" من أعمالهم ="سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار"، يقول: سوف يدخلهم الله يوم القيامة ="جنات"، يعني: بساتين (3) ="تجري من تحتها الأنهار"، يقول: تجري من تحت تلك الجنات الأنهار ="خالدين فيها أبدًا"، يقول: باقين فيها أبدًا بغير نهاية ولا انقطاع، دائمًا ذلك لهم فيها أبدًا ="لهم فيها أزواج"، يقول: لهم في تلك الجنات التي وصف صفتها ="أزواج
(1) انظر تفسير"كان" بمعنى: لم يزل فيما سلف: 426، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2)
انظر تفسير"عزيز" و"حكيم" في فهارس اللغة.
(3)
انظر تفسير"جنة" فيما سلف: 7: 494، تعليق: 4، والمراجع هناك.
مطهرة"، يعني: بريئات من الأدناس والرَّيْب والحيض والغائط والبول والحَبَل والبُصاق، وسائر ما يكون في نساء أهل الدنيا. وقد ذكرنا ما في ذلك من الآثار فيما مضى قبل، وأغنى ذلك عن إعادتها. (1)
* * *
وأما قوله:"وندخلهم ظِلا ظليلا"، فإنه يقول: وندخلهم ظلا كَنينًا، كما قال جل ثناؤه:(وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)[سورة الواقعة: 30]، وكما:-
9838 -
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن = وحدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر = قالا جميعًا، حدثنا شعبة قال، سمعت أبا الضحاك يحدّث، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنّ في الجنة لشجرةً يسيرُ الراكب في ظلّها مئة عام لا يقطعها، شجرةُ الخلد. (2)
* * *
(1) انظر ما سلف 1: 395 - 397 / 6: 261، 262.
(2)
الحديث: 9838 - عبد الرحمن: هو ابن مهدي.
أبو الضحاك البصري: تابعي، لم يعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه أحد غير شعبة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 395.
والحديث رواه أحمد في المسند: 9870، عن محمد بن جعفر وحجاج، و: 9951، عن عبد الرحمن، وهو ابن مهدي - ثلاثتهم عن شعبة. (المسند 2: 455، 462 حلبي) .
وذكر الحافظ في المزي في تهذيب الكمال (مخطوط مصور) أنه رواه ابن ماجه في التفسير.
ونقله ابن كثير 2: 490، عن هذا الموضع من الطبري.
وأصل الحديث ثابت عن أبي هريرة، من أوجه كثيرة، في المسند والصحيحين وغيرهما، دون زيادة"شجرة الخلد". انظر المسند:7490. وقد أشرنا لكثير من طرقه هناك.
القول في تأويل قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}
* * *
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الآية.
فقال بعضهم: عني بها ولاة أمور المسلمين.
*ذكر من قال ذلك:
9839 -
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي مكين، عن زيد بن أسلم قال: نزلت هذه الآية:"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"، في ولاة الأمر. (1)
9840 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا ليث، عن شهر قال: نزلت في الأمراء خاصة"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".
9841 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا إسماعيل، عن مصعب بن سعد قال، قال علي رضي الله عنه كلماتٍ أصاب فيهن:"حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدِّيَ الأمانة، وإذا فعل ذلك، فحقّ على الناس أن يسمعوا، وأن يُطيعوا، وأن يجيبوا إذا دُعوا". (2)
9842 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح قال، حدثنا إسماعيل عن مصعب بن سعد، عن علي بنحوه.
(1) الأثر: 9839 -"أبو أسامة" هو: حماد بن أسامة بن زيد القرشي، مضى برقم:5265. و"أبو مكين" هو: نوح بن ربيعة، مضى برقم: 9742.
(2)
الأثر: 9841 -"مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري". روى عن أبيه، وعلي، وطلحة، وعكرمة ابن أبي جهل، وغيرهم، تابعي ثقة، قال ابن سعد:"كان ثقة كثير الحديث". مترجم في التهذيب.
9843 -
حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا موسى بن عمير، عن مكحول في قول الله:"وأولي الأمر منكم"، قال: هم أهلُ الآية التي قبلها:"إن الله يأمرُكم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها"، إلى آخر الآية.
9844 -
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرنا ابن زيد قال، قال أبي: هم الوُلاة، أمرهم أن يؤدّوا الأمانات إلى أهلها.
وقال آخرون: أمر السلطان بذلك: أن يعِظوا النساء. (1)
*ذكر من قال ذلك:
9845 -
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"إن الله يأمرُكم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"، قال: يعني السلطان، يعظون النساء. (2)
* * *
وقال آخرون: الذي خوطب بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم في مفتاح الكعبة، أمر برَدّها على عثمان بن طلحة.
*ذكر من قال ذلك:
9846 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله:"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"، قال: نزلت في عُثمان بن طلحة بن أبي طلحة، قَبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة، ودخل به البيت يوم الفتح، (3) فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان
(1) في المطبوعة: "أن يعطوا الناس"، غير ما في المخطوطة، وهو الذي أثبته، ولكنه كان في المخطوطة غير منقوط، فلم يحسن قراءته، فكتب ما لا معنى له. والمقصود بذلك أن على الأمراء أن يعظوا النساء في النشوز وغيره، حتى يردوهن إلى أزواجهن. وهو القول المنسوب إلى ابن عباس في كتب التفسير.
(2)
في المطبوعة: "يعظون الناس"، وهو خطأ، وانظر التعليق السالف.
(3)
في المطبوعة: "مفاتيح الكعبة، ودخل بها البيت"، وكان في المخطوطة:"مفاتيح الكعبة ودخل به البيت"، ورد اللفظ مفردًا"المفتاح" في هذا الأثر والذي يليه، وكذلك نقله ابن كثير في تفسيره 2: 492"مفتاح الكعبة" بالإفراد، فصححت نص المخطوطة، كما في ابن كثير.
فدفع إليه المفتاح. قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو هذه الآية: فداهُ أبي وأمي! (1) ما سمعته يَتلوها قبل ذلك!
9847 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا الزنجي بن خالد، عن الزهري قال: دفعه إليه وقال: أعينوه. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي، قولُ من قال: هو خطاب من الله ولاةَ أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من وَلُوا أمره في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم، بالعدل بينهم في القضية، والقَسْم بينهم بالسوية. يدل على ذلك ما وَعظ به الرعية (3) في:(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) ، فأمرهم بطاعتهم، وأوصى الرّاعي بالرعية، وأوصى الرعية بالطاعة، كما:-
9848 -
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) قال: قال أبي: هم السلاطين. وقرأ ابن زيد: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ)[سورة آل عمران: 26]، وإنما نقول: هم العلماء الذي يُطيفون على
(1) في المطبوعة: "فداؤه أبي وأمي"، وأثبت ما في المخطوطة وابن كثير.
(2)
الأثر: 9847 -"الزنجي بن خالد" هو: مسلم بن خالد بن فروة، أبو خالد الزنجي، الفقيه المكي. وإنما سموه"الزنجي" قالوا: لأنه كان شديد السواد. وقالوا: لأنه كان أشقر كالبصلة. وقالوا: كان أبيض مشربًا بحمرة، وإنما سمى"الزنجي" لمحبته التمر. قالت له جاريته:"ما أنت إلا زنجي"، لأكل التمر، فبقي عليه هذا اللقب.
ومن الزنجي تعلم الشافعي الفقه قبل أن يلقى مالكًا. ولكنهم تكلموا في حديثه، فقال البخاري:"منكر الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به". وذكروا عللا في ضعف حديثه وهو صدوق. مترجم في التهذيب.
(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "فدل على ذلك ما وعظ به الرعية"، وهو كلام فاسد جدًا، أخل بحجة الطبري، والصواب ما أثبت.
السلطان، (1) ألا ترى أنه أمرهم فبدأ بهم، بالولاة فقال (2)"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"؟ و"الأمانات"، هي الفيء الذي استأمنهم على جمعه وقَسْمه، والصدقات التي استأمنهم على جمعها وقسمها ="وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" الآية كلها. فأمر بهذا الولاة. ثم أقبل علينا نحن فقال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) .
* * *
وأما الذي قال ابن جريج من أنّ هذه الآية نزلت في عثمان بن طلحة، فإنه جائز أن تكون نزلت فيه، وأريد به كل مؤتمن على أمانة، فدخلَ فيه ولاة أمور المسلمين، وكلّ مؤتمن على أمانة في دين أو دنيا. ولذلك قال من قال: عُني به قضاءُ الدين، وردّ حقوق الناس، كالذي:-
9849 -
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"، فإنه لم يرخص لموسِر ولا معسر أن يُمسكها.
9850 -
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"، عن الحسن: أن
(1) حذف ناشر المطبوعة هذه الجملة إذ لم يفهمها، وجعل سياق الكلام هكذا: "
…
ممن تشاء، ألا ترى أنه أمر فقال: إن الله يأمركم"، وهذا فساد شديد، وهجر للأمانة، وعبث بكلام أهل التاويل. وقائل هذا الكلام هو ابن زيد، بعد أن ذكر تأويل أبيه زيد بن أسلم.
وقوله: "يطيفون على السلطان" هم الذين يقاربونه ويدنيهم في مجالسه ويستشيرهم. من قوله: "طاف بالشيء وطاف عليه= وأطاف به وأطاف عليه": دار حوله.
(2)
في المطبوعة: "أنه أمر فقال
…
" كما ذكرت في التعليق السالف. وسياق عبارته أنه أمر العلماء بالولاة - فبدأ بهم، أي: بالعلماء. والعلماء هم الذين يفتون الولاة في قسمة الفيء والصدقات، لأنهم هم أهل العلم بها. فهذا خطاب للعلماء الذين ائتمنوا على الدين. ثم قال للولاة: "وإذا حكمتم بين الناس"، كما ترى في سياق الأثر.
نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك. (1)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذًا = إذ كان الأمر على ما وصفنا =: إن الله يأمركم، يا معشر ولاة أمور المسلمين، أن تؤدوا ما ائتمنتكم عليه رعيّتكم من فَيْئهم وحقوقهم وأموالهم وصدقاتهم إليهم، على ما أمركم الله بأداء كل شيء من ذلك إلى من هو له، بعد أن تصير في أيديكم، لا تظلموها أهلها، ولا تستأثروا بشيء منها، ولا تضعوا شيئًا منها في غير موضعه، ولا تأخذوها إلا ممن أذن الله لكم بأخذها منه قبل أن تصيرَ في أيديكم = ويأمركم إذا حكمتم بين رعيتكم أن تحكموا بينهم بالعدل والإنصاف، وذلك حكمُ الله الذي أنزله في كتابه، وبيّنه على لسان رسوله، لا تعدُوا ذلك فتجورُوا عليهم.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا معشر ولاة أمور المسلمين، إن الله نعم الشيء يَعظكم به، ونعمت العظة يعظكم بها في أمره إياكم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وأن تحكموا بين الناس بالعدل (2)
* * *
="إن الله كان سميعًا"، يقول: إن الله لم يزل سميعًا بما تقولون وتنطقون، وهو سميع لذلك منكم إذا حكمتم
(1) الأثر: 9850 - قال ابن كثير في تفسيره 2: 490"وفي حديث الحسن، عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". رواه الإمام أحمد، وأهل السنن".
(2)
انظر تفسير"نعما" فيما سلف 5: 582.
بين الناس ولما تُحاورونهم به (1)"بصيرًا" بما تفعلون فيما ائتمنتم عليه من حقوق رعيتكم وأموالهم، (2) وما تقضون به بينهم من أحكامكم: بعدل تحكمون أو جَوْر، لا يخفى عليه شيء من ذلك، حافظٌ ذلك كلَّه، حتى يجازي محسنكم بإحسانه، ومسيئكم بإساءته، أو يعفو بفضله.
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، وأطيعوا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن في طاعتكم إياه لربكم طاعة، وذلك أنكم تطيعونه لأمر الله إياكم بطاعته، كما:-
9851 -
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني. (3)
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى قوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول".
(1) في المطبوعة: "ولم تجاوزوهم به"، ولا معنى لها البتة، والصواب ما في المخطوطة، ولكنه لم يفهم ما أراد، فحرفه وغيره.
(2)
في المطبوعة: "فيما ائتمنتكم عليه"، غير ما في المخطوطة لغير شيء.
(3)
الحديث: 9851 - ورواه أحمد في المسند مرارًا، من طرق مختلفة، منها: 7330، 7428، 7643. ورواه الشيخان وغيرهما، كما فصلنا هناك.
وذكره ابن كثير 2: 497، بقوله:"وفي الحديث المتفق على صحته". وهو كما قال.
فقال بعضهم: ذلك أمرٌ من الله باتباع سنته.
*ذكر من قال ذلك:
9852 -
حدثنا المثنى قال: حدثنا عمرو قال، حدثنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء في قوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، قال: طاعة الرسول، اتباع سُنته.
9853 -
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعلى بن عبيد، عن عبد الملك، عن عطاء:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، قال: طاعة الرسول، اتباع الكتاب والسنة.
9854 -
وحدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك، عن عطاء مثله.
* * *
وقال آخرون: ذلك أمرٌ من الله بطاعة الرّسول في حياته.
*ذكر من قال ذلك:
9855 -
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، إن كان حيًّا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: هو أمرٌ من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمرَ ونهى، وبعد وفاته باتباع سنته. (1) وذلك أن الله عمّ بالأمر بطاعته، ولم يخصص بذلك في حال دون حال، (2) فهو على العموم حتى يخصّ ذلك ما يجبُ التسليم له.
* * *
واختلف أهل التأويل في"أولي الأمر" الذين أمر الله عبادَه بطاعتهم في هذه الآية.
(1) في المطبوعة: "في اتباع سنته"، وكان في المخطوطة"في باتباع سنتنا"، وضرب على"في".
(2)
في المطبوعة: "لم يخصص ذلك"، وأثبت ما في المخطوطة.
فقال بعضهم: هم الأمراء.
*ذكر من قال ذلك:
9856 -
حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة في قوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال: هم الأمراء. (1)
9857 -
حدثنا الحسن بن الصباح البزار قال، حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج قال، أخبرني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال:"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، نزلت في رجل بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على سرية. (2)
9858 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبيد الله بن مسلم بن هرمز، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن حُذافة بن قيس السهمي، إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في السرية. (3)
(1) الحديث: 9856 - هذا موقوف على أبي هريرة. وإسناده صحيح. ومعناه صحيح.
وقد ذكره الحافظ في الفتح 8: 191، وقال:"أخرجه الطبري بإسناد صحيح".
(2)
الحديث: 9857 - يعلى بن مسلم بن هرمز البصري المكي: ثقة، أخرج له الشيخان. ووثقه ابن معين وأبو زرعة. مترجم في التهذيب. والكبير للبخاري 4 / 2 / 417، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 302. وهو أخو"عبد الله بن مسلم" الآتي في الإسناد بعده - كما رجحه البخاري وغيره.
والحديث رواه أحمد في المسند: 3124، عن حجاج، وهو ابن محمد، بهذا الإسناد. وفيه تسمية الرجل، أنه"عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي".
وكذلك رواه البخاري 8: 190 - 191، عن صدقة بن الفضل، عن حجاج بن محمد، به.
وذكره ابن كثير 2: 494، عن رواية البخاري، ثم قال:"وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه، من حديث حجاج بن محمد الأعور، به. وقال الترمذي: حديث حسن غريب، ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج".
وقصة عبد الله بن حذافة رواها أحمد في المسند: 11662 (ج3 ص67 حلبي)، من حديث أبي سعيد الخدري. روى معناها أيضًا من حديث علي بن أبي طالب:622.
(3)
الحديث: 9858 - عبد الله بن مسلم بن هرمز: هو أخو يعلى الذي في الحديث السابق - على الراجح. وعبد الله هذا: فيه ضعف، مع أن الثوري يروي عنه، والثوري لا يروي إلا عن ثقة. فالظاهر أن ضعفه من قبل حفظه. وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 164 - 165.
ووقع في المخطوطة والمطبوعة هنا"عبيد الله"، بدل"عبد الله" وهو خطأ واضح.
والحديث بمعنى الذي قبله.
9859 -
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث قال: سأل مسلمةُ ميمونَ بن مهران عن قوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال: أصحاب السرايا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
9860 -
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال. قال أبي: هم السلاطين. قال وقال ابن زيد في قوله:"وأولي الأمر منكم"، قال أبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعةَ الطاعة، وفي الطاعة بلاء. وقال: ولو شاء الله لجعل الأمر في الأنبياء (1) = يعني: لقد جعلت [الأمر] إليهم والأنبياء معهم، (2) ألا ترى حين حكموا في قتل يحيى بن ز كريا؟
9861 -
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريَّة عليها خالد بن الوليد، وفيها عمار بن ياسر، فساروا قِبَل القوم الذين يريدون، فلما بلغوا قريبًا منهم عرَّسوا، (3) وأتاهم ذو العُيَيْنَتين فأخبرهم، (4) فأصبحوا قد هربوا، (5) غير رجل أمر أهله فجمعوا
(1) في المطبوعة: "ولو شاء الله لجعل"، وأثبت ما في المخطوطة.
(2)
في المطبوعة: "يعني: لقد جعل إليهم الأنبياء معهم"، وهو مستقيم، ولكنه كان في المخطوطة:"لقد جعلت إليهم الأنبياء معهم"، فاستظهرت سقوط"الأمر"، فوضعته بين قوسين.
(3)
"عرس القوم تعريسًا": إذا نزلوا في السفر من آخر الليل، يقعون وقعة للاستراحة، ثم ينيخون وينامون نومة خفيفة، ثم يثورون مع انفجار الصبح سائرين.
(4)
"ذو العيينتين" و"ذو العوينتين"، و"ذو العينين": الجاسوس.
(5)
في المطبوعة وابن كثير 2: 496"وقد هربوا"، وأثبت ما في المخطوطة.
متاعهم، (1) ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد، فسأل عن عمار بن ياسر، فأتاه فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإنّ قومي لما سمعوا بكم هربوا، وإني بقيت، فهل إسلامي نافعي غدًا، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك، فأقم. فأقام، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدًا غير الرجل، فأخذه وأخذ ماله. فبلغ عمارًا الخبر، فأتى خالدًا، فقال: خلِّ عن الرجل، فإنه قد أسلم، وهو في أمان مني. فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبَّا وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير. فاستبَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: يا رسول الله، أتترك هذا العبد الأجدع يسبني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد، لا تسبَّ عمارًا، فإنه من سب عمارًا سبه الله، ومن أبغض عمارًا أبغضه الله، ومن لعن عمارًا لعنه الله. فغضب عمار فقام، فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي عنه، فأنزل الله تعالى قوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم". (2)
* * *
وقال آخرون: هم أهل العلم والفقه.
*ذكر من قال ذلك:
9862 -
حدثني سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن علي بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله..... (3)
(1) في المخطوطة: "غير رجال من أهله"، وهو فاسد، وأثبت ما في المطبوعة وتفسير ابن كثير.
(2)
الأثر: 9861 - أخرجه ابن كثير في تفسيره 2: 497، ثم قال:"وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق، عن السدي مرسلا. ورواه ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهير، عن السدي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فذكر بنحوه. والله أعلم".
(3)
الأثر: 9862 - كان هذا الأثر والذي يليه متصلين، "
…
عن جابر بن عبد الله قال حدثنا جابر بن نوح" وهو خطأ وفساد لا شك فيه. وكأن هذا الأثر كان: "حدثني بذلك سفيان بن وكيع
…
" = أو: "عن جابر بن عبد الله قال: هم أهل العلم والفقه". أو ما شابه ذلك. ولكني وضعت النقط دلالة على الخزم.
9863 -
.... قال، حدثنا جابر بن نوح، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال: أولي الفقه منكم. (1)
9864 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا ليث، عن مجاهد في قوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال: أولي الفقه والعلم.
9865 -
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح:"وأولي الأمر منكم"، قال: أولي الفقه في الدين والعقل.
9866 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
9867 -
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، يعني: أهل الفقه والدين.
9868 -
حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن حصين، عن مجاهد:"وأولي الأمر منكم"، قال: أهل العلم.
9869 -
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عن عطاء بن السائب في قوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال: أولي العلم والفقه.
(1) الأثر: 9863 - كأن صواب هذا الإسناد: "حدثني أبو كريب، قال حدثنا جابر بن نوح"، فإن أبا كريب هو يروي عن جابر بن نوح، كما سلف مرارًا، أقربها رقم: 9842، ولكني تركته على حاله، ووضعت مكان ذلك نقطًا.
9870 -
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء:"وأولي الأمر منكم"، قال: الفقهاء والعلماء.
9871 -
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله:"وأولي الأمر منكم"، قال: هم العلماء.
9872 -
قال، وأخبرنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:"وأولي الأمر منكم"، قال: هم أهل الفقه والعلم.
9873 -
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله:"وأولي الأمر منكم"، قال: هم أهل العلم، ألا ترى أنه يقول:(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[سورة النساء: 83] ؟
* * *
وقال آخرون: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
*ذكر من قال ذلك:
9874 -
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال: كان مجاهد يقول: أصحاب محمد = قال: وربما قال: أولي العقل والفقه ودين الله. (1)
* * *
وقال آخرون: هم أبو بكر وعمر رحمهما الله. (2)
*ذكر من قال ذلك:
(1) في المطبوعة: "أولي الفضل"، وأثبت ما في المخطوطة.
(2)
في المطبوعة: "رضي الله عنهما".
9875 -
حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا حفص بن عمر العدني قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال: أبو بكر وعمر. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هم الأمراء والولاة = لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان [لله] طاعةً، وللمسلمين مصلحة، (2) كالذي:-
9876 -
حدثني علي بن مسلم الطوسي قال، حدثنا ابن أبي فديك قال، حدثني عبد الله بن محمد بن عروة، عن هشام بن عروة، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيليكم بعدي ولاة، فيليكم البَرُّ ببِرِّه، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، وصلُّوا وراءهم. فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم. (3)
(1) الأثر: 9875 -"أحمد بن عمرو البصري"، لم أجده في كتب التراجم، وظننت أنه"أحمد بن عمرو بن عبد الخالق" البزار، أبو بكر العتكي البصري، من أهل البصرة، قال الخطيب:"كان ثقة حافظًا، صنف المسند، وتكلم على الأحاديث، وبنى عللها، وقدم بغداد وحدث بها" ومات بالرملة سنة 291، فهو خليق أن يكون رآه أبو جعفر وروى عنه في بغداد أو في الرملة. مترجم في تاريخ بغداد 4:334.
و"حفص بن عمر العدني" مضت ترجمته برقم: 6796.
(2)
الزيادة بين القوسين، أراها زيادة لا غنى عنها.
(3)
الحديث: 9876 - ابن أبي فديك: هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك المدني. وهو ثقة معروف، من شيوخ الشافعي وأحمد. أخرج له الجماعة.
عبد الله بن محمد بن عروة: هو عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير المدني. قال أبو حاتم: "هو متروك الحديث، ضعيف الحديث جدًا". وقال ابن حبان: "يروى الموضوعات عن الثقات". مترجم في لسان الميزان 3: 331 - 332، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 158.
فهذا حديث ضعيف جدًا، لم نجده إلا في هذا الموضع.
وقد نقله ابن كثير 2: 495، والسيوطي 2: 177- ولم ينسباه لغير الطبري.
9877 -
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال، أخبرني نافع، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على المرء المسلم، الطاعةُ فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية؛ فمن أمر بمعصية فلا طاعة. (1)
9878 -
حدثنا ابن المثنى قال، حدثني خالد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. (2)
= فإذ كان معلومًا أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله أو رسوله أو إمام عادل، وكان الله قد أمر بقوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" بطاعة ذَوِي أمرنا = كان معلومًا أن الذين أمرَ بطاعتهم تعالى ذكره من ذوي أمرنا، هم الأئمة ومن ولَّوْه المسلمين، (3) دون غيرهم من الناس، وإن كان فرضًا القبول من كل من أمر بترك معصية الله ودعا إلى طاعة الله، وأنه لا طاعة تجب لأحد فيما أمر ونهى فيما لم تقم حجة وجوبه، إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم مما هو مصلحة لعامة الرعيّة، فإن على من أمروه بذلك طاعتهم، وكذلك في كل ما لم يكن لله معصية.
(1) الحديثان: 9877، 9878 - يحيى في الإسناد الأول: هو ابن سعيد القطان.
وخالد - في الإسناد الثاني: هو ابن الحارث الهجيمي البصري. مضت ترجمته في: 7818.
عبيد الله - في الإسنادين: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، العمري.
ووقع في المطبوعة، في الإسنادين:"يحيى بن عبيد الله"، "خالد بن عبيد الله"! وهو خطأ واضح، صوابه من المخطوطة.
والحديث رواه أحمد في المسند: 4668، عن يحيى، وهو القطان، بمثل الإسناد الأول هنا.
ورواه أيضًا: 6278، عن ابن نمير، عن عبيد الله، به.
وقد شرحناه شرحًا وافيًا، وخرجناه - في الموضع الأول.
وذكره ابن كثير 2: 494، من رواية أبي داود - من طريق يحيى القطان. ثم نسبه للشيخين من طريق يحيى.
وقصر السيوطي جدًا، إذ ذكره 2: 177، ونسبه لابن أبي شيبة، وابن جرير - فقط! وهو في المسند والصحيحين وغيرهما.
(2)
الحديثان: 9877، 9878 - يحيى في الإسناد الأول: هو ابن سعيد القطان.
وخالد - في الإسناد الثاني: هو ابن الحارث الهجيمي البصري. مضت ترجمته في: 7818.
عبيد الله - في الإسنادين: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، العمري.
ووقع في المطبوعة، في الإسنادين:"يحيى بن عبيد الله"، "خالد بن عبيد الله"! وهو خطأ واضح، صوابه من المخطوطة.
والحديث رواه أحمد في المسند: 4668، عن يحيى، وهو القطان، بمثل الإسناد الأول هنا.
ورواه أيضًا: 6278، عن ابن نمير، عن عبيد الله، به.
وقد شرحناه شرحًا وافيًا، وخرجناه - في الموضع الأول.
وذكره ابن كثير 2: 494، من رواية أبي داود - من طريق يحيى القطان. ثم نسبه للشيخين من طريق يحيى.
وقصر السيوطي جدًا، إذ ذكره 2: 177، ونسبه لابن أبي شيبة، وابن جرير - فقط! وهو في المسند والصحيحين وغيرهما.
(3)
في المطبوعة: "ومن ولاه المسلمون"، وأثبت ما في المخطوطة، ولم يرد أبو جعفر معنى ما كان في المطبوعة، بل أراد: ومن ولاه الأئمة أمور المسلمين.
وإذ كان ذلك كذلك، كان معلومًا بذلك صحة ما اخترنا من التأويل دون غيره.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن اختلفتم، أيها المؤمنون، في شيء من أمر دينكم: أنتم فيما بينكم، أو أنتم وولاة أمركم، فاشتجرتم فيه (1) ="فردوه إلى الله"، يعني بذلك: فارتادوا معرفة حكم ذلك الذي اشتجرتم = أنتم بينكم، أو أنتم وأولو أمركم = فيه من عند الله، يعني بذلك: من كتاب الله، فاتبعوا ما وجدتم = وأما قوله:"والرسول"، فإنه يقول: فإن لم تجدوا إلى علم ذلك في كتاب الله سبيلا فارتادوا معرفة ذلك أيضًا من عند الرسول إن كان حيًا، وإن كان ميتًا فمن سنته ="إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر"، يقول: افعلوا ذلك إن كنتم تصدقون بالله ="واليوم الآخر"، يعني: بالمعاد الذي فيه الثواب والعقاب، فإنكم إن فعلتم ما أمرتم به من ذلك. فلكم من الله الجزيل من الثواب، وإن لم تفعلوا ذلك فلكم الأليم من العقاب.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
9879 -
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا ليث، عن مجاهد في قوله:"فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"، قال: فإن تنازع العلماء ردّوه إلى الله والرسول. قال يقول: فردّوه إلى كتاب الله وسنة رسوله.
(1) انظر تفسير"تنازع" فيما سلف 7: 289.
ثم قرأ مجاهد هذه الآية: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[سورة النساء: 83] .
9880 -
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد في قوله:"فردوه إلى الله والرسول"، قال: كتاب، الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
9881 -
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن ليث، عن مجاهد في قوله:"فردوه إلى الله والرسول"، قال: إلى الله"، إلى كتابه = وإلى"الرسول"، إلى سنة نبيه.
9882 -
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، قال: سأل مسلمةُ ميمونَ بن مهران عن قوله:"فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"، قال:"الله"، كتابه، و"رسوله" سنته، فكأنما ألقمه حجرًا.
9883 -
حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، أخبرنا جعفر بن مروان، عن ميمون بن مهران:"فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"، قال: الرد إلى الله، الردّ إلى كتابه = والرد إلى رسوله إن كان حيًا، فإن قبضه الله إليه فالردّ إلى السنة.
9884 -
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"، يقول: ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله ="إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر".
9885 -
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"، إن كان الرسول حيًا = و"إلى الله" قال: إلى كتابه.
* * *
القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا (59) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"ذلك"، فردُّ ما تنازعتم فيه من شيء إلى الله والرسول، ="خير" لكم عند الله في معادكم، وأصلح لكم في دنياكم، لأن ذلك يدعوكم إلى الألفة، وترك التنازع والفرقة ="وأحسن تأويلا"، يعني: وأحمد مَوْئلا ومغبّة، وأجمل عاقبة.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن"التأويل""التفعيل" من"تأوّل"، وأنّ قول القائل:"تأوّل"،"تفعّل"، من قولهم:"آل هذا الأمر إلى كذا"، أي: رجع = بما أغنى عن إعادته. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
9886 -
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وأحسن تأويلا"، قال: حسن جزاء.
9887 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
9888 -
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ذلك خير وأحسن تأويلا"، يقول: ذلك أحسنُ ثوابًا، وخير عاقبةً.
9889 -
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وأحسن تأويلا" قال: عاقبة.
(1) انظر ما سلف 6: 204 - 206.