المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القول في تأويل قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ٨

[ابن جرير الطبري]

الفصل: القول في تأويل قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ

القول في تأويل قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا ‌

(31) }

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى"الكبائر" التي وعد الله جل ثناؤه عبادَه باجتنابها تكفيرَ سائر سيئاتهم عنهم.

فقال بعضهم: الكبائر التي قال الله تبارك وتعالى:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم"، هي ما تقدَّم الله إلى عباده بالنهي عنه من أول"سورة النساء" إلى رأس الثلاثين منها.

*ذكر من قال ذلك:

9168 -

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله قال: الكبائر، من أول"سورة النساء" إلى ثلاثين منها.

9169 -

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله بمثله.

9170 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج، قال، حدثنا حماد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود مثله.

9171 -

حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم قال، حدثني علقمة، عن عبد الله قال: الكبائر، من أول"سورة النساء"

ص: 233

إلى قوله:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه".

9172 -

حدثنا الرفاعي قال، حدثنا أبو معاوية وأبو خالد، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: الكبائر، من أول"سورة النساء" إلى قوله:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه".

9173 -

حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: سئل عبد الله عن الكبائر، قال: ما بين فاتحة"سورة النساء" إلى رأس الثلاثين.

9174 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد عن إبراهيم، عن ابن مسعود قال: الكبائر، ما بين فاتحة"سورة النساء" إلى ثلاثين آية منها:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه".

9175 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله أنه قال: الكبائر، من أول"سورة النساء" إلى الثلاثين منها:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه".

9176 -

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن إبراهيم قال: كانوا يرون أن الكبائر فيما بين أول هذه السورة"سورة النساء"، إلى هذا الموضع:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه".

9177 -

حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا شعبة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، عن ابن مسعود قال: الكبائر، من أول"سورة النساء" إلى ثلاثين آية منها. ثم تلا"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مُدْخلا كريمًا".

9178 -

حدثني المثنى قال، حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مسعر، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش قال، قال عبد الله: الكبائر ما بين أول"سورة النساء" إلى رأس الثلاثين. (1)

* * *

(1) الآثار: 9168 -9178 - هذه الآثار أثر واحد بأسانيد كثيرة، أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 4، وقال:"رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح".

ص: 234

وقال آخرون:"الكبائر سبع".

*ذكر من قال ذلك:

9179 -

حدثني تميم بن المنتصر قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة، عن أبيه قال: إني لفي هذا المسجد، مسجد الكوفة، وعليٌّ يخطب الناسَ على المنبر، (1) فقال:"يا أيها الناس، إن الكبائر سبعٌ"، فأصاخ الناس، فأعادها ثلاث مرّات ثم قال: ألا تسألوني عنها؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، ما هي؟ قال:"الإشراك بالله، وقتلُ النفس التي حرّم الله، وقذفُ المحصَنة، وأكلُ مال اليتيم، وأكلُ الرّبا، والفرارُ يوم الزحف، والتعرُّب بعد الهجرة". فقلت لأبي: يا أبهْ، ما التعرّب بعد الهجرة؟ (2) كيف لحق ههنا؟ (3) فقال: يا بنيّ، وما أعظم من أن يهاجر الرجل، حتى إذا وقع سَهمه في الفيء ووَجب عليه الجهاد، خلع ذلك من عنقه، فرجع أعرابيًّا كما كان!!. (4)

9180 -

حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم، عن ابن إسحاق، عن عبيد بن عمير قال: الكبائر سبع، ليس منهن

(1) في المطبوعة وابن كثير: "علي رضي الله عنه" وأثبت ما في المخطوطة.

(2)

في المطبوعة وابن كثير: "يا أبت"، وهما سواء. و"التعرب": الرجوع إلى سكنى البادية كالأعراب، يقال:"تعرب بعد هجرته"، أي: صار أعرابيًا.

(3)

في المخطوطة: "كيف نحن ههنا"، وهي مضطربة الكتابة، فتركت ما في المطبوعة على حاله لموافقته ما في تفسير ابن كثير.

(4)

الأثر: 9179 -"محمد بن سهل بن أبي حثمة الأنصاري"، روى عن أبيه وعمه. مترجم في الكبير 1 / 1 / 107، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 277، وتعجيل المنفعة:365. لم يذكر فيه البخاري جرحًا، وذكره ابن حبان في الثقات.

وهذا الأثر أشار إليه البخاري في التاريخ الكبير في ترجمته، وخرجه ابن كثير في تفسيره 2: 422، فذكر ما رواه ابن مردويه من رواية ابن لهيعة، عن زياد بن أبي حبيب، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة، عن أبيه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول"، وساق الخبر مرفوعًا. ثم قال: "وفي إسناده نظر، ورفعه غلط فاحش، والصواب ما رواه ابن جرير"، وساق الخبر.

ص: 235

كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله: الإشراك بالله منهن: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ)[سورة الحج: 31] و (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا)[سورة النساء: 10]، و (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [سورة البقرة: 275] ، و (الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) [سورة النور: 23] ، والفرار من الزحف:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ)[سورة الأنفال: 15]، والتعرب بعد الهجرة:(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى)[سورة محمد: 25] ، وقتل النفس.

9181 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن ابن إسحاق، عن عبيد بن عمير الليثي قال: الكبائر سبع: الإشراك بالله: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)، وقتل النفس:(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) الآية، [سورة النساء: 93] ، وأكل الربا:(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) الآية، وأكل أموال اليتامى:(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) الآية، وقذف المحصنة:(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) الآية، والفرار من الزحف:(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ) الآية، [سورة الأنفال: 16] والمرتدُّ أعرابيًا بعد هجرته: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) الآية. (1)

(1) الأثر: 9180، 9181 - في الأثر الأول، "محمد بن عبيد بن محمد بن واقد المحاربي"، أبو جعفر النحاس الكوفي، شيخ الطبري، روى عنه أبو داود والنسائي والترمذي وأبو حاتم وغيرهم. قال النسائي:"لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات. وقد مضت روايته عنه في مواضع كثيرة: 1952، 3167، 3366، 4292، 8756.

و"أبو الأحوص، سلام بن سليم"، مضت ترجمته برقم: 2058، 3167، 6170، 7216.

و"ابن إسحاق" هو"محمد بن إسحاق"، مضت ترجمته مرارًا.

و"عبيد بن عمير بن قتادة بن سعيد الليثي"، روى عن أبيه، وله صحبة، وعمر، وعلي، وأبي بن كعب، وأبي موسى، وأبي هريرة. تابعي ثقة من كبار التابعين. مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة هنا:"عبيدة بن عمير"، وهو خطأ، والصواب ما في المخطوطة.

وانظر الأثر الآتي رقم: 9189، والتعليق عليه.

ص: 236

9182 -

حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد قال: سألت عبيدة عن الكبائر فقال: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله بغير حقها، وفرارٌ يومَ الزحف، وأكل مال اليتيم بغير حقه، وأكل الربا، والبهتان. قال: ويقولون: أعرابية بعد هجرة = قال ابن عون: فقلت لمحمد: فالسحر؟ قال: إن البهتان يجمع شرًّا كثيرًا.

9183-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا منصور وهشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة أنه قال: الكبائر: الإشراك، وقتل النفس الحرام، وأكل الربا، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرارُ من الزحف، والمرتدّ أعرابيًّا بعد هجرته.

9184 -

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة بنحوه.

* * *

وعلة من قال هذه المقالة ما:-

9185 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، أخبرني الليث قال، حدثني خالد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نعيم المُجْمِر قال: أخبرني صهيب مولى العُتْواريّ: أنه سمع من أبي هريرة وأبي سعيد الخدري يقولان: خطبنا رسول

ص: 237

الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: والذي نفسي بيده = ثلاث مرات = ثم أكبَّ، فأكبَّ كل رجل، منا يبكي، (1) لا يدري على ماذا حلف، ثم رفع رأسه وفي وجهه البِشر، فكان أحبَّ إلينا من حُمْر النَّعم، (2) فقال: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رَمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبعَ، إلا فتحت له أبواب الجنة، ثم قيل: ادخل بسلام". (3)

9186 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء قال: الكبائر سبع: قتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، ورمي المحصنة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والفرار يوم الزحف.

* * *

(1) أكب الرجل إكبابًا: نكس رأسه ونظر إلى الأرض.

(2)

"النعم": الإبل والشاء وأشاههما، وأراد به الإبل هاهنا. و"حمر النعم": خير الإبل وأصبرها على الهواجر، والعرب تقول:"خير الإبل حمرها وصهبها"، وهي التي لم يخالط حمرتها شيء.

(3)

الحديث: 9185 - هذا إسناد صحيح.

خالد: هو ابن يزيد المصري. مضى توثيقه: 5465. نعيم بن عبد الله المجمر - بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما جيم ساكنة - المدني، مولى آل عمر بن الخطاب: تابعي ثقة معروف. أخرج له الجماعة. صهيب مولى العتواري: تابعي مدني ثقة. ترجمه البخاري في الكبير 2 / 2 / 317. وابن أبي حاتم 2 / 1 / 444.

و"العتواري": بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة. نسبته إلى"عتوارة"، بطن من كنانة، كما قال ابن الأثير. ووقع في مطبوعة ابن كثير في هذا الحديث"الصواري"! وهو تصحيف مطبعي سخيف. والحديث رواه البخاري في الكبير - في ترجمة صهيب - موجزًا كعادته، من طريق الليث، وهو ابن سعد، بهذا الإسناد.

ورواه النسائي 1: 332، من طريق شعيب، عن الليث، به.

وذكره ابن كثير 2: 415، عن هذا الموضع. وقال:"وهكذا رواه النسائي، والحاكم في مستدركه، من حديث الليث بن سعد، به. ورواه الحاكم أيضًا، وابن حبان في صحيحه - من حديث عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، به. ثم قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

وذكره السيوطي 2: 145، وزاد نسبته لابن ماجه، وابن خزيمة، والبيهقي في سننه.

ص: 238

وقال آخرون هي تسع.

*ذكر من قال ذلك:

9187 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا زياد بن مخراق، عن طيسلة بن مياس قال: كنت مع النَّجَدات، فأصبت ذنوبًا لا أراها إلا من الكبائر! فلقيت ابن عمر فقلت: أصبتُ ذنوبًا لا أراها إلا من الكبائر! (1) قال: وما هي؟ قلت: أصبت كذا وكذا. (2) قال: ليس من الكبائر = قال: لشيء لم يسمِّه طيسلة (3) = قال: هي تسع، وسأعدُّهن عليك: الإشراك بالله، وقتل النَّسَمة بغير حِلِّها، والفرار من الزحف، وقذفُ المحصنة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم ظلمًا، وإلحادٌ في المسجد الحرام، والذي يستسحر، (4) وبكاء الوالدين

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "إني أصيب ذنوبا"، "أصيب" في المواضع الثلاثة في المخطوطة وفي الأول من المخطوطة:"أصبت"، وأنا أرجح أن هذه هي الصواب، فأجريت عليها المواضع الثلاثة، فجعلتها"أصبت"، فإنها أوفق لمعنى الخبر، وهي موافقة لما في ابن كثير.

(2)

أسقط في المطبوعة من هذا الموضع قوله: "أصبت"، فأثبتها في المخطوطة.

(3)

في المطبوعة: "أشيء لم يسمعه طيسلة"، والصواب المحض في المخطوطة. يعني أن هذا الذنب، أو هذه الذنوب، لم يسمها، ولم يذكرها طيسلة، وهي ليست من الكبائر.

(4)

في المطبوعة والأدب المفرد للبخاري وابن كثير: "والذي يستسخر" بالخاء، وإنما معنى"يستسخر"، أن يسخر ويستهزئ، وليس ذلك من الكبائر، ولم أجده مذكورًا في خبر من الأخبار.

وفي المخطوطة والدر المنثور 2: 146"يستسحر"، وهي غير منقوطة الحاء، وقراءتها بالحاء المهملة هو الصواب المحض فيما أرجح، وإن كان"استسحر، يستسحر" غير مذكور في شيء من كتب اللغة التي تحت أيدينا اليوم. وأنا أرجح أنه صواب، لأن المذكور في الآثار والأحاديث أنه من الكبائر هو"السحر"، وبناء"استسحر" من"السحر" صحيح في الاشتقاق، صحيح في معناه، وأرجح أن معناه: طلبك من الساحر أن يعمل لك بالسحر، أو أن تطلب منه علم السحر. وهذا موافق لما جاء في حديث طيسلة الذي يلي هذا الأثر وفيه:"والسحر". وهذا وقد جاء في بعض الآثار: "وتعلم السحر"(ابن كثير 2: 418) ، وجاء في خبر ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيمن يغفر له:"ولم يكن ساحرًا يتبع السحرة"(مجمع الزوائد 1: 104) ، وغيرها.

وصحته من جهة الاشتقاق، أنهم قالوا في"الطرق"، وهو الضرب بالحصا، وهو نوع من الكهانة:"استطرق": طلب من الكاهن أن يطرق له الحصى، وأن ينظر له فيه. وأشباه ذلك كثير لا معنى لاستقصائه ههنا.

ص: 239

من العقوق = قال زياد: وقال طيسلة: لما رأى ابن عمر فَرَقِي قال (1) أتخاف النار أن تدخلها؟ قلت: نعم! قال: وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: نعم! قال: أحيٌّ والداك؟ قلت: عندي أمي. قال: فوالله لئن أنت ألَنْت لها الكلام، وأطعمتها الطعامَ، لتدخلنّ الجنة ما اجتَنَبْتَ الموجِبات. (2)

9188 -

حدثنا سليمان بن ثابت الخراز الواسطي قال، أخبرنا سلم بن سلام قال، أخبرنا أيوب بن عتبة، عن طيسلة بن علي النهدي قال: أتيت ابن عمر وهو في ظلّ أراكٍ يوم عرفة، وهو يصب الماء على رأسه ووجهه، قال قلت: أخبرني عن الكبائر؟ قال: هي تسع. قلت: ما هن؟ قال: الإشراك بالله، وقذف المحصنة = قال قلت: قبل القتل؟ قال: نعم، ورَغْمًا = وقتل النفس المؤمنة، والفرار من الزحف، والسحر، وأكلُ الربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق

(1) الفرق: شدة الفزع والخوف.

(2)

الحديث: 9187 - هذا إسناد صحيح.

زياد بن مخراق المزني البصري: ثقة، وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما. مترجم في التهذيب. وترجمه البخاري في الكبير 2 / 2 / 339، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 545.

طيسلة بن مياس، وسيأتي في الإسناد التالي"طيسلة بن علي النهدي" - وهما واحد. أبوه اسمه"علي"، ولقبه"مياس". وقد جزم البخاري في الكبير 2 / 2 / 368 بأنهما واحد، وذكر أن صواب نسبته"البهدلي"، وقال:"وبهدلة من بني سعد - و"النهدي، لا يصح". وكذلك جزم ابن أبي حاتم 2 / 1 / 501 بأنهما واحد، وبأنه"البهدلي" ويقال: السلمي. وروى عن يحيى بن معين، قال: "طيسلة بن علي البهدلي اليمامي: ثقة".

والحديث رواه البخاري في الأدب المفرد، ص: 4، عن مسدد، عن إسماعيل بن إبراهيم - وهو ابن علية - بهذا الإسناد.

وذكره ابن كثير 2: 417، عن هذا الموضع.

وذكره السيوطي 2: 146 مختصرًا، وفي متنه تحريف. وزاد نسبته لابن راهويه، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والقاضي إسماعيل في أحكام القرآن.

وقوله: "مع النجدات": هم قوم من الخوارج، من الحرورية، ينسبون إلى"نجدة بن عامر الحروي الحنفي"، رجل منهم، يقال:"هؤلاء النجدات" قاله في اللسان. وكان في المطبوعة"الحدثان"! وهو تصحيف صرف. ورسمت في المخطوطة دون نقط بما يقارب لفظ"النجدات". وثبت على الصواب في الأدب المفرد والمخطوطة الأزهرية من تفسير ابن كثير.

ص: 240

الوالدين المسلمين، وإلحادٌ بالبيت الحرام، (1) قبلتِكم أحياء وأمواتًا. (2)

9189 -

حدثنا سليمان بن ثابت الخراز قال، أخبرنا سلم بن سلام قال، أخبرنا أيوب بن عتبة، عن يحيى، عن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله = إلا أنه قال: بدأ بالقتل قبل القذف. (3)

* * *

(1) في المطبوعة: "والإلحاد" بالتعريف، وفي المخطوطة:"والحلا". وظاهر أن الناسخ شبك الدال في الألف من عند مثنى الدال بقلم واحد في الخط. وانظر مثله في الأثر السالف.

(2)

الحديث: 9188 - وهذا إسناد آخر للحديث السابق، بنحوه.

سليمان بن ثابت الخراز الواسطي - شيخ الطبري: لم أعرف من هو؟ ولم أجد له ترجمة. وثبت في ابن كثير"الجحدري" بدل"الخراز"!

سلم بن سلام: هو أبو المسيب الواسطي. مترجم في التهذيب 4: 131، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 268، ولم يذكر فيه جرحًا.

أيوب بن عتبة، أبو يحيى قاضي اليمامة: ضعيف، ضعفه أحمد، والبخاري، وغيرهما.

وهذا الحديث ذكره ابن كثير 2: 417، عن هذا الموضع. ثم ذكر أنه رواه علي بن الجعد، عن أيوب بن عتبة - وساقه مطولا - وقال:"وهكذا رواه الحسن بن موسى الأشيب، عن أيوب بن عتبة اليمامي، وفيه ضعف".

وأشار الحافظ في التهذيب 5: 36-37، في ترجمة طيسلة، إلى أنه"أخرجه البغوي في الجعديات، عن علي بن الجعد، عن أيوب بن عتبة، عن طيسلة بن علي. وأخرجه الخطيب في الكفاية، والخرائطي في مساوئ الأخلاق، والبرديجي في الأسماء المفردة -: من طريق أخرى، عن أيوب بن عتبة، عن طيسلة بن مياس".

ولكن أيوب بن عتبة لم ينفرد به عن طيسلة. فقد رواه عنه أيضًا عكرمة بن عمار العجلي، وهو ثقة:

فأشار إليه البخاري - كعادته - إشارة موجزة، في ترجمة طيسلة 2 / 2 / 368، قال:"وقال النضر بن محمد: حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني طيسلة بن علي البهدلي، سمع ابن عمر. وقال وكيع، عن عكرمة: طيسلة بن علي النهدي، أن ابن عمر كان ينزل الأراك يوم عرفة". وهذه قطعة من هذا الحديث.

وهذه القطعة رواها أبو داود في (مسائل الإمام أحمد)، ص: 118، "حدثنا أحمد، قال حدثنا وكيع، عن عكرمة بن عمار، عن طيسلة بن علي: أن ابن عمر نزل الأراك يوم عرفة".

وقد قصر السيوطي جدًا، حيث ذكر هذا الحديث 2: 146، ولم ينسبه لغير"علي بن الجعد في الجعديات".

(3)

الحديث: 9189 - يحيى: هو ابن أبي كثير. ووقع هنا في المخطوطة والمطبوعة"يحيى بن عبيد بن عمير"! بتحريف"عن" إلى"بن". وهو تصحيف من الناسخين. ثم قد سقط من الإسناد هنا"عبد الحميد بن سنان" بين"يحيى بن أبي كثير" و"عبيد بن عمير". وليس هذا من الناسخين، بل هو خطأ من أيوب بن عتبة.

عبيد بن عمير الليثي: تابعي معروف من كبار التابعين. مضى مرارًا.

أبوه"عمير بن قتادة الليثي": صحابي، شهد الفتح وحجة الوداع.

والحديث رواه الحاكم في المستدرك 1: 59، مطولا، من طريق حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الحميد بن سنان، عن عبيد بن عمير، عن أبيه. وقال الحاكم:"قد احتجا [يعني الشيخين] برواة هذا الحديث، غير عبد الحميد بن سنان. فأما عمير بن قتادة فإنه صحابي. وابنه عبيد متفق على إخراجه والاحتجاج به". وتعقبه الذهبي في مختصره بأنهما لم يحتجا بعبد الحميد"لجهالته، ووثقه ابن حبان".

ثم رواه الحاكم مرة أخرى 4: 259-260، من طريق حرب بن شداد أيضًا - مطولا. ثم قال:"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". وهنا وافقه الذهبي على تصحيحه، ولم يتعقبه بشيء.

وقد رواه الحافظ المزي في تهذيب الكمال، ص: 769 (مخطوط مصور) مطولا، بإسنادين، من طريق حرب بن شداد، عن يحيى.

ورواه أبو داود: 2875، من طريق حرب بن شداد، ولم يذكر لفظه كله.

ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب، في ترجمة عمير بن قتادة، ص: 439 بإسناده من طريق أبي داود. وساق لفظه، ولكنه موجز من روايتي الحاكم. ورواه النسائي 2: 165، مختصرًا، من طريق حرب بن شداد. ولكن فيه"هن سبع" بدل"تسع". وذكره ابن كثير 2: 416، عن رواية الحاكم الأولى. ثم قال: "وقد أخرجه أبو داود، والنسائي، مختصرًا

وكذا رواه ابن أبي حاتم، من حديثه مبسوطًا. ثم قال الحاكم: رجاله كلهم محتج بهم في الصحيحين، إلا عبد الحميد بن سنان. قلت: وهو حجازي لا يعرف إلا بهذا الحديث، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. وقال البخاري: في حديثه نظر".

ثم أشار ابن كثير إلى رواية الطبري هذه. ثم قال: "ولم يذكر في الإسناد عبد الحميد بن سنان". وهذا يدل على أن حذف"عبد الحميد بن سنان" من الإسناد - ليس خطأ من الناسخين، إنما هو من تخليط أيوب بن عتبة.

وعبد الحميد بن سنان: ترجمه ابن أبي حاتم 3 / 1 / 13، ولم يذكر فيه جرحًا. فهذا توثيق منه له. والحديث ذكره السيوطي 2: 146، وزاد نسبته للطبراني، وابن مردويه.

ص: 241

وقال آخرون: هي أربع.

*ذكر من قال ذلك:

9190 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن مطرف، عن وبرة، عن ابن مسعود قال: الكبائر: الإشراك بالله، والقنوط

ص: 242

من رحمة الله، والإياس من رَوْح الله، والأمن من مكر الله.

9191 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مطرف، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن أبي الطفيل، قال، قال عبد الله بن مسعود: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والإياسُ من رَوْح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله.

9192 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن وبرة بن عبد الرحمن قال، قال عبد الله: إن الكبائر: الشرك بالله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، والإياس من رَوْح الله.

9193 -

حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال، سمعت مطرفًا، عن وبرة، عن أبي الطفيل قال، قال عبد الله: الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من رَوْح الله، والأمن من مكر الله.

9194 -

حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبد الله قال، أخبرنا شيبان، عن الأعمش، عن وبرة، عن أبي الطفيل قال: سمعت ابن مسعود يقول: أكبر الكبائر: الإشراك بالله.

9195 -

حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا عبد الله قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن وبرة، عن أبي الطفيل، عن عبد الله بنحوه:

9196 -

حدثني ابن المثنى قال، حدثني وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن عبد الملك، عن أبي الطفيل، عن عبد الله قال: الكبائر أربع: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والإياس من رَوْح الله، والقنوط من رحمة الله. (1)

(1) الأثر: 9196 -"عبد الملك" هو عبد الملك بن سعيد بن حبان بن أبجر، ويعرف بابن أبجر. كان ثقة ثبتًا في الحديث صاحب سنة. يروي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة. وكان في المطبوعة والمخطوطة:"عبد الملك بن أبي الطفيل" وهو خطأ ظاهر.

ص: 243

9197 -

وبه قال، حدثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل، عن عبد الله بمثله.

9198 -

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل، عن عبد الله بن مسعود بنحوه.

9199 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل، عن ابن مسعود قال: الكبائرُ أربع: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، والأمن لمكر الله، والإياسُ من رَوْح الله.

9200 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن المسعودي، عن فُرات القزاز، عن أبي الطفيل، عن عبد الله قال: الكبائر: القنوط من رحمة الله، والإياس من رَوح الله، والأمن لمكر الله، والشرك بالله. (1)

* * *

وقال آخرون: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة.

*ذكر من قال ذلك:

9201 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم، عن منصور، عن ابن سيرين، عن ابن عباس قال: ذكرت عنده الكبائر فقال: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة.

9202 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن محمد قال: أنبئت أن ابن عباس كان يقول: كل ما نهى الله عنه

(1) الآثار: 9190 - 9200 -"فرات القزاز" في الأثر الأخير، هو:"فرات بن أبي عبد الرحمن القزاز التميمي". روى عن أبي الطفيل وغيره، وروى عنه ابنه الحسن بن الفرات، وشعبة والمسعودي وغيرهم. ثقة. مترجم في التهذيب. وهذا الخبر عن ابن مسعود، قد ساقه الطبري من طرق كثيرة، ذكر واحدًا منها ابن كثير في تفسيره 2: 422، وقال:"ثم رواه من عدة طرق، عن أبي الطفيل، عن ابن مسعود، وهو صحيح إليه بلا شك". وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 147، ونسبه أيضًا لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والطبراني، وابن أبي الدنيا في التوبة.

وخرجه ابن كثير أيضًا في تفسيره 2: 421، 422، من حديث ابن عباس مرفوعًا وقال:"في إسناده نظر، والأشبه أن يكون موقوفًا".

ص: 244

كبيرة = وقد ذُكرت الطَّرْفة، قال: هي النظرة.

9203 -

حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر، عن أبيه، عن طاوس قال، قال رجل لعبد الله بن عباس: أخبرني بالكبائر السبع. قال، فقال ابن عباس: هي أكثر من سبع وسبع = (1) فما أدري كم قالها من مرة.

9204 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، (2) عن طاوس قال: ذكروا عند ابن عباس الكبائر فقالوا: هي سبع. قال: هي أكثر من سبع وَسبع! قال سليمان: فلا أدري كم قالها من مرّة.

9205 -

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي، عن عوف قال: قام أبو العالية الرّياحي على حَلْقةٍ أنا فيها فقال: إن ناسًا يقولون:"الكبائر سبع"، وقد خفت أن تكون الكبائر سبعين أو يزدن على ذلك.

9206 -

حدثنا علي قال، حدثنا الوليد قال، سمعت أبا عمرو يخبر، عن الزهري، عن ابن عباس: أنه سئل عن الكبائر: أسبع هي؟ قال: هي إلى السبعين أقرب.

9207 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن قيس بن سعد، عن سعيد بن جبير، أن رجلا قال لابن عباس: كم الكبائر؟ أسبع هي؟ قال: إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار.

9208 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن طاوس قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أرأيت الكبائرَ السبع التي ذكرهن الله؟ ما هن؟ قال: هن إلى السبعين أدنى منها إلى سبع.

(1) في المخطوطة وابن كثير 2: 425: "من سبع وسبع"، وفي المطبوعة:"من سبع وتسع"، وأثبت ما في المخطوطة. وانظر الأثر رقم:9204.

(2)

في المطبوعة: "سليمان التميمي"، خطأ، صوابه من المخطوطة.

ص: 245

9209 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: قيل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعين أقرب.

9210 -

حدثنا أحمد بن حازم قال، أخبرنا أبو نعيم قال، حدثنا عبد الله بن سعدان، عن أبي الوليد قال: سألت ابن عباس عن الكبائر، قال: كل شيء عُصيِ الله فيه فهو كبيرة. (1)

* * *

وقال آخرون: هي ثلاث.

*ذكر من قال ذلك:

9211 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن مسعود قال: الكبائر ثلاث: اليأسُ من رَوْح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله. (2)

* * *

وقال آخرون: كل موجِبة، وكل ما أوعد الله أهلَه عليه النار، فكبيرة.

*ذكر من قال ذلك:

9212 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه"، قال:"الكبائر"، كل ذنب ختمه الله بنار، أو غضب، أو لعْنة، أو عذاب.

9213 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا

(1) الأثر: 9210 -"عبد الله بن سعدان" لم أعرفه ولم أجده = و"أبو الوليد"، كذلك لم أجده. وأخشى أن يكون فيهما تحريف أو سقط. وأما في ابن كثير 2: 425، فقد كتب"عبد الله بن معدان"، ولم أجده أيضًا.

(2)

الأثر: 9211 - انظر الآثار السالفة عن ابن مسعود من 9190 - 9200.

ص: 246

هشام بن حسان، عن محمد بن واسع قال، قال سعيد بن جبير: كل موجبة في القرآن كبيرة.

9214 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن محمد بن مِهْزَم الشعاب، عن محمد بن واسع الأزدي، عن سعيد بن جبير قال: كل ذنب نسبه الله إلى النار، فهو من الكبائر. (1)

9215 -

حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم، عن سالم: أنه سمع الحسن يقول: كل موجبة في القرآن كبيرة.

9216 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه"، قال: الموجبات.

9217 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

9218 -

حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك قال: الكبائر: كل موجبة أوجبَ الله لأهلها النار. وكل عمل يقام به الحدُّ، فهو من الكبائر.

* * *

قال أبو جعفر: والذي نقول به في ذلك، ما ثبتَ به الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ما:-

9219 -

حدثنا به أحمد بن الوليد القرشي قال، حدثنا محمد بن جعفر قال،

(1) الأثر: 9214 -"محمد بن مهزم الشعاب"، ويقال"الرمام" لأنه كان يرم القصاع ويشعبها. وثقه ابن معين وابن حبان، وقال أبو حاتم:"ليس به بأس". مترجم في الكبير 1 / 1 / 230، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 102، وتعجيل المنفعة:379. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "مهرم"

وأما "مهزم"(بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الزاي) فقال المعلق على التاريخ الكبير: "هكذا شكله في (قط) ، وهكذا ضبط عبد الغني في المؤتلف: 421، وغيره. وشكله في (كو) كمعلم".

وهذا الأثر أخرجه البخاري في ترجمته في التاريخ الكبير.

ص: 247

حدثنا شعبة قال، حدثني عبيد الله بن أبي بكر قال: سمعت أنس بن مالك قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر = أو: سئل عن الكبائر = فقال: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوقُ الوالدين. فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور = أو قال: شهادة الزور = قال شعبة: وأكبر ظني أنه قال: شهادة الزور. (1)

9220 -

حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا شعبة قال، أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر قال:"الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتلُ النفس، وقول الزور.

9221 -

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يحيى بن كثير قال، حدثنا شعبة، عن عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس قال: ذكروا الكبائرَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس. ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قولُ الزور.

9222 -

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة،

(1) الحديث: 9219 - عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك: تابعي ثقة. يروي عن جده، ويروي أيضًا عن أبيه عن جده. و"عبيد الله" - بالتصغير. ووقع في ابن كثير في نقل هذا الحديث"عبد الله"؛ وهو خطأ صرف.

والحديث رواه أحمد في المسند: 12363 (3: 131 حلبي) عن محمد بن جعفر، بهذا الإسناد.

ورواه البخاري 10: 345-346 (فتح) . ومسلم 1: 37- كلاهما من طريق محمد بن جعفر، به.

ورواه البخاري أيضًا 5: 192 (فتح) ، من طريق وهب بن جرير، وعبد الملك بن إبراهيم، كلاهما عن شعبة، به.

وذكره ابن كثير 2: 418، عن رواية المسند. ثم نسبه للصحيحين.

وذكره السيوطي 2: 146-147، وزاد نسبته لعبد بن حميد، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم.

وسيأتي عقبة، بإسنادين - بنحوه - من طريق شعبة.

ص: 248

عن فراس، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين = أو: قتلُ النفس، شعبة الشاكّ = واليمينُ الغَمُوس.

9223 -

حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا شيبان، عن فراس، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما الكبائر؟ قال: الشرك بالله. قال: ثم مَهْ؟ = قال: وعقوق الوالدين. قال: ثم مَهْ؟ قال: واليمين الغَموس = قلت للشعبي: ما اليمين الغَمُوس؟ قال: الذي يقتطع مالَ امرئ مسلم بيمينه وهو فيها كاذب. (1)

9224 -

حدثني المثنى قال، حدثنا ابن أبي السري محمد بن المتوكل العسقلاني قال، حدثنا يحيى بن سعد، عن خالد بن معدان، عن أبي رُهْم، عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أقام الصلاة،

(1) الحديثان: 9222، 9223 - هما إسنادان لحديث واحد، بمعناه.

و"فراس" - بكسر الفاء وتخفيف الراء: هو ابن يحيى الهمداني الخارفي. وهو ثقة، أخرج له الجماعة.

عبيد الله بن موسى، في الإسناد الثاني: هو العبسي الحافظ. مضت ترجمته: 2092. ووقع في المطبوعة"عبد الله" بالتكبير، وهو خطأ.

وشيخه"شيبان": هو النحوي أبو معاوية، وهو ابن عبد الرحمن. مضت ترجمته:2340.

والحديث رواه أحمد في المسند: 6884، عن محمد بن جعفر، عن شعبة - كالإسناد الأول هنا.

ورواه البخاري 12: 170 (فتح) ، عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، به.

ورواه أيضًا 11: 482-483، من طريق النضر بن شميل، عن شعبة.

والرواية الثانية هنا - رواية عبيد الله بن موسى - أشار إليها الحافظ في الفتح 11: 483 من رواية ابن حبان في صحيحه.

والحديث رواه أيضًا الترمذي 4: 87-88، والنسائي 2: 165، 254، وأبو نعيم في الحلية 7:202. وذكره ابن كثير 2: 419، من رواية المسند. ونسبه للبخاري، والترمذي، والنسائي.

وذكره السيوطي 1: 147، ونسبه لهؤلاء، ولأحمد، والطبري.

ص: 249

وأتى الزكاة، وصام رمضان، واجتنب الكبائر، فله الجنة. قيل: وما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار يوم الزحف. (1)

9225 -

حدثني عباس بن أبي طالب قال، حدثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر، عن ابن أبي جعفر، عن ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن سلمان الأغر، عن أبيه أبي عبد الله سلمان الأغر قال، قال أبو أيوب

(1) الحديث: 9224 - ابن أبي السرى، محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن، الحافظ العسقلاني: ثقة، وثقه ابن معين وغيره. مات سنة 238. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 105، وتذكرة الحفاظ 2: 53-54.

يحيى بن سعيد: هو العطار الأنصاري الحمصي، مضت ترجمته في:5753. وكان في المطبوعة بدله"محمد بن سعد"، وهو تحريف على اليقين. وما أثبتنا هو الذي في المخطوطة، على أن كلمة"يحيى" فيها غير واضحة تمامًا. وكان من المحتمل هنا أن يكون الاسم"بحير بن سعد"، لأنه روى هذا الحديث - كما سيأتي. ولكني لم أجد ذكرًا لبحير بن سعد في شيوخ ابن أبي السرى، الذين حصرهم الحفاظ المزي في تهذيب الكمال، كعادته. ولكنه ذكر في شيوخه"يحيى بن سعيد العطار".

خالد بن معدان الكلاعي: مضى في: 2070.

أبو رهم - بضم الراء وسكون الهاء - أحزاب بن أسيد السمعي: تابعي قديم ثقة. وذكره بعضهم في الصحابة. والراجح الأول.

والحديث رواه أحمد في المسند 5: 413 (حلبي) ، عن المقرئ، عن حيوة بن شريح: "حدثنا بقية، حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان

" - فذكره.

ثم رواه 5: 413-414، عن زكريا بن عدي، أخبرنا بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان

".

وبقية: هو ابن الوليد. وهو ثقة، وتكلم فيه من تكلم بأنه يدلس، ولكنه صرح بالتحديث في الإسناد الأول عند أحمد. فزالت شبهة التدليس.

و"بحير بن سعد الحمصي": ثقة. وثقه أحمد، وابن سعد، وغيرهما. و"بحير": بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة وآخره راء. وأبوه"سعد": بفتح السين وسكون العين. وقد ثبت على الصواب في تهذيب الكمال للمزي (مخطوط مصور) ، والكبير للبخاري 1 / 2 / 137-138، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 412، والمشتبه للذهبي، والمسند، وغير ذلك. ورسم في تهذيب التهذيب والتقريب والخلاصة"سعيد". وهو خطأ لا شك فيه.

والحديث نقله ابن كثير 2: 417-418، عن الرواية الثانية للمسند. ووقع فيه"يحيى بن سعيد" بدل"بحير بن سعد"! وهو خطأ ناسخ أو طابع، ثم نسبه أيضًا للنسائي.

وذكره السيوطي 2: 146، وزاد نسبته لابن المنذر، وابن حبان، والحاكم"وصححه".

وسيأتي عقب هذا بإسناد آخر، من وجه آخر.

ص: 250

خالد بن أيوب الأنصاري عقبيٌّ بدريٌّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يعبد الله لا يشرك به شيئًا، ويقيم الصلاةَ، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويجتنب الكبائر، إلا دخل الجنة. فسألوه: ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله، والفرار من الزحف، وقتل النفس. (1)

9226-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عباد بن عباد، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة: أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا الكبائر وهو متكئ، فقالوا: الشرك بالله، وأكل مال اليتيم، وفرارٌ من الزحف، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين، وقول الزور، والغُلول، والسحر، وأكل الربا: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين تجعلون: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا) ؟ إلى آخر الآية، [سورة آل عمران: 77] . (2)

(1) الحديث: 9225 - وهذا إسناد آخر من وجه آخر للحديث السابق.

عباس بن أبي طالب: مضت ترجمته في: 880. سعد بن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري: مضت ترجمته في: 3959. وقد رجحنا توثيقه هناك. ووقع في المطبوعة (والمخطوطة)"سعد بن عبد الحميد عن جعفر"! وهو خطأ. وضعت كلمة"عن" بدل"بن".

وقوله"عن ابن أبي جعفر": هكذا ثبت هنا، فإن يكن صوابًا يكن"عبد الله بن أبي جعفر الرازي"، الماضية ترجمته في:7030. ولكني أرجح أنه مزيد في الإسناد تخليطًا من الناسخين. فإن"سعد بن عبد الحميد" معروف بالرواية عن ابن أبي الزناد.

وابن أبي الزناد: هو"عبد الرحمن بن أبي الزناد". مضت ترجمته في: 1694.

"عبد الله بن سلمان الأغر": هكذا ثبت هنا"عبد الله" بالتكبير. وهو ثقة يروي عن أبيه. ولكني أرجح أن يكون صوابه"عبيد الله" بالتصغير. فإنهم لم يذكروا رواية لموسى بن عقبة عن"عبد الله". وإنما عرف بالرواية عن أخيه"عبيد الله".

و"عبيد الله بن سلمان الأغر": ثقة معروف، يروي عنه مالك، وموسى بن عقبة، وغيرهما.

أبوه"سلمان الأغر، أبو عبد الله المدني": تابعي ثقة معروف، أخرج له الجماعة.

والحديث سبق تخريجه. أما من هذا الوجه - من رواية سلمان الأغر عن أبي أيوب -: فلم أجده في غير هذا الموضع.

(2)

الحديث: 9226 - هذا إسناد ضعيف منهار.

جعفر بن الزبير الدمشقي: ضعيف جدًا. روى عن القاسم عن أبي أمامة نسخة موضوعة، كما بينا فيما مضى:1939.

والحديث نقله ابن كثير 2: 423 عن هذا الموضع. وذكره السيوطي 2: 147، ولم ينسبه لغير الطبري. وذكر أنه"بسند حسن"! وهو في هذا مخطئ. فما هو إلا إسناد ضعيف لا تقوم له قائمة.

ص: 251

9227 -

حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي قال، حدثنا سفيان، عن أبي معاوية، عن أبي عمرو الشيباني، عن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: ما الكبائر؟ قال: أن تدعو لله نِدًّا وهو خلقك، وأن تقتل ولدك من أجل أن مأكلٍ معك، أو تزني بحليلة جارك. وقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ)[سورة الفرقان: 68] . (1)

9228 -

حدثني هذا الحديث عبد الله بن محمد الزهري فقال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو معاوية النخعي = وكان على السجن = سمعه من أبي عمرو، عن عبد الله بن مسعود: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أيّ العمل شر؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، وأن تقتل ولدك من أن يأكل معك، أو تزني بجارتك. وقرأ علي:(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)(2)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى ما قيل في تأويل"الكبائر" بالصحة، ما صحَّ به الخبر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون ما قاله غيره، وإن كان كل

(1) الحديث: 9227 - عبيد الله بن محمد الفريابي - شيخ الطبري - مضت ترجمته في رقم: 17، وسيأتي، ص: 254، س: 3، أن الطبري يرى أنه غلط في هذا الحديث. يريد غلطًا في المعنى! ولكنا لا نوافقه على ذلك. فمعنى هذا الحديث والذي بعده واحد. وإنما هو اختلاف في اللفظ.

"سفيان": هو ابن عيينة.

وانظر الإسناد التالي لهذا.

(2)

الحديث: 9228 - عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري - شيخ الطبري: ثقة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 163.

أبو معاوية النخعي - في هذا الإسناد والذي قبله: هو عمرو بن عبد الله بن وهب. وهو ثقة، وثقه ابن معين وغيره. مترجم في التهذيب، وترجمه ابن أبي حاتم 3 / 1 / 243-244.

أبو عمر الشيباني: هو سعد بن إياس، التابعي الكبير. مضت ترجمته في:5524.

والحديث سيأتي في الطبري، عند تفسير الآية: 71 من سورة الفرقان (19: 26 بولاق) ، عن عبد الله بن محمد الفريابي، عن سفيان، بهذا الإسناد، ثم رواه هناك بأسانيد أخر.

ورواه أحمد في المسند، من رواية أبي وائل شقيق بن سلمة، عن عبد الله - وهو ابن مسعود - مرارًا بأسانيد: 3612، 4102، 4131 - 4134، 4411، 4423.

وكذلك رواه البخاري مرارًا، منها 8: 124، 12: 101-103، و 13: 413 (فتح) .

وكذلك رواه مسلم 1: 36-37.

وفي بعض الروايات عندهم زيادة"عمرو بن شرحبيل" في الإسناد، بين أبي وائل وابن مسعود والظاهر عندي أن أبا وائل سمعه من ابن مسعود، ومن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود، فحدث به على الوجهين. ويكون من المزيد في متصل الأسانيد. وفصل الحافظ القول في ذلك في 12: 101-103.

وذكره ابن كثير 6: 194-195، من إحدى روايات المسند، وإحدى روايات الطبري الآتية.

وذكره السيوطي 5: 77، وزاد نسبته للفريابي، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان.

ص: 252

قائل فيها قولا من الذين ذكرنا أقوالهم، قد اجتهد وبالغ في نفسه، ولقوله في الصحة مذهبٌ. فالكبائر إذن: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس المحرّم قتلها، وقول الزور = وقد يدخل في"قول الزور"، شهادة الزور = وقذف المحصنة، واليمين الغموسُ، والسحر = ويدخل في قتل النفس المحرَّم قتلها، قتل الرجل ولده من أجل أن يطعم معه = والفرارُ من الزحف، والزنا بحليلة الجار.

وإذْ كان ذلك كذلك، صحَّ كل خبر رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى الكبائر، وكان بعضه مصدِّقًا بعضًا. وذلك أن الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"هي سبع" يكون معنى قوله حينئذ:"هي سبع" على التفصيل = ويكون معنى قوله في الخبر الذي روي عنه أنه قال:"هي الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور" على الإجمال،

ص: 253

إذ كان قوله:"وقول الزور" يحتمل معاني شتى، وأن يجمعَ جميعَ ذلك"قول الزور".

وأما خبر ابن مسعود الذي حدثني به الفريابي على ما ذكرت، فإنه عندي غلط من عبيد الله بن محمد، لأن الأخبار المتظاهرة من الأوجه الصحاح عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، (1) بنحو الرواية التي رواها الزهري عن ابن عيينة. ولم يقل أحد منهم في حديثه عن ابن مسعود،"أن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل عن الكبائر"، فنقلهم ما نقلوا من ذلك عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، أولى بالصحة من نقل الفريابي.

* * *

قال أبو جعفر: فمن اجتنب الكبائر التي وعد الله مجتنبَها تكفيرَ ما عداها من سيئاته، وإدخاله مُدخلا كريمًا، وأدَّى فرائضه التي فرضها الله عليه، وجد الله لما وعده من وعدٍ منجزًا، وعلى الوفاء له ثابتًا. (2)

* * *

وأما قوله:"نكفر عنكم سيئاتكم"، فإنه يعني به: نكفر عنكم، أيها المؤمنون، باجتنابكم كبائر ما ينهاكم عنه ربكم، صغائر سيئاتكم (3) = يعني: صغائر ذنوبكم، كما:-

9229 -

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"نكفر عنكم سيئاتكم"، الصغائر. (4)

9230 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن الحسن: أن ناسًا لقوا عبد الله بن عمرو بمصر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب

(1) في المطبوعة: "من الأوجه الصحيحة"، ولا أدري لم غير ما كان في المخطوطة!!

(2)

في المطبوعة: "وعلى الوفاء به دائبا" حرف ما في المخطوطة وكان فيها"وعلى الوفاء له دائبا" غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها إن شاء الله.

(3)

انظر تفسير"التكفير" فيما سلف: 7: 482، 490 = وتفسير"السيئات" فيما سلف 2: 281-283 / 7: 482، 490.

(4)

الأثر: 9229 - في المطبوعة والمخطوطة"محمد بن الحسن"، والصواب ما أثبت، وهو إسناد دائر في التفسير، أقربه:9133.

ص: 254

الله، أمرَ أن يُعمل بها، لا يُعمل بها، (1) فأردنا أن نلقَى أمير المؤمنين في ذلك؟ فقدم وقدموا معه، فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا. قال: أبإذن قدمت؟ قال: فلا أدري كيف ردّ عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ ناسًا لقوني بمصر فقالوا:"إنا نرى أشياءَ من كتاب الله تبارك وتعالى، أمر أن يعمل بها ولا يعمل بها"، فأحبُّوا أن يلقوك في ذلك. فقال: اجمعهم لي. قال: فجمعتهم له = قال ابن عون: أظنه قال: في بَهْوٍ (2) = فأخذ أدناهم رجلا فقال: أنشدكم بالله وبحق الإسلام عليك، أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم. قال، فهل أحصيته في نفسك؟ (3) قال، اللهم لا! = قال: ولو قال:"نعم" لخصَمَه (4) = قال: فهل أحصيته في بصرك؟ هل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ (5) قال: ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم، فقال: ثكلتْ عمر أمُّه! أتكلِّفونه أن يقيمَ الناس على كتاب الله؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات. قال: وتلا"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريمًا". هل علم أهل المدينة = أو قال هل علم أحدٌ = بما قَدِمتم؟ قالوا، لا! قال: لو علموا لوعَظْت بكم. (6)

9231 -

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا زياد بن مخراق، عن معاوية بن قرة قال: أتينا أنس بن مالك، فكان فيما حدثنا قال: لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا، ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال! (7) ثم سكت هنيهة، ثم قال: والله لقد كلفنا ربنا أهون من ذلك! لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر! فما لنا ولها؟ ثم تلا"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" الآية. (8)

9232-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" الآية، إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنبَ الكبائر. وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:" اجتنبوا الكبائر، وسدّدوا، وأبشروا".

9233 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن رجل، عن ابن مسعود قال: في خمس آيات من"سورة النساء": لَهُنَّ أحب إليَّ من الدنيا جميعًا: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا)[سورة النساء: 40]، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ

(1) في المخطوطة: "أمر أن يعمل بها لا نعمل بها" بالنون في الثانية، وما في المطبوعة وابن كثير هو الصواب، لأنه جاءوا في شكاة عاملهم في مصر، كما هو ظاهر من آخر الأثر.

(2)

في المطبوعة والمخطوطة: "في نهر"، والصواب من تفسير ابن كثير. و"البهو": البيت المقدم أمام البيوت. وكل هواء أو فجوة، فهو عند العرب"بهو".

(3)

"أحصى الشيء": أحاط به وحفظه، يعني: هل استوفيتم القيام بكل أمر به في ذلك وحفظتموه وضبطتم العمل به، ومنه قوله تعالى:"عَلَم أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ"

أي: أن تطيقوا القيام به.

(4)

"خاصمت الرجل فخصمته": أي غلبته بالحجة.

(5)

"الأثر": ما تتركه في الأرض من ثقل خطاك عليها، وأراد به هنا: السعي في الأرض. كالذي في قوله تعالى: "ونكتب ما قدموا وآثارهم"، أي خطاهم حيث سعوا في الأرض.

(6)

الأثر: 9230- خرجه ابن كثير في تفسيره 2: 423، 424، والسيوطي في الدر المنثور 2: 145، وقال ابن كثير:"إسناد صحيح ومتن حسن، وإن كانت رواية الحسن عن عمر، وفيها انقطاع، إلا أن مثل هذا اشتهر، فتكفي شهرته". وقال السيوطي: "أخرج ابن جرير بسند حسن".

وقوله: "لوعظت بكم"، أي: لأنزلت بكم من العقوبة، ما يكون عظة لغيركم من الناس. وذلك أنهم جاءوا في شكاة عاملهم على مصر، وتشددوا ولم ييسروا، وأرادوا أن يسير في الناس بما لا يطيقون هم في أنفسهم من الإحاطة بكل أعمال الإسلام، وما أمرهم الله به. وذلك من الفتن الكبيرة. ولم يريدوا ظاهر الإسلام وأحكامه، وإنما أرادوا بعض ما أدب الله به خلقه. وعمر أجل من أن يتهاون في أحكام الإسلام. وإنما قلت هذا وشرحته، مخافة أن يحتج به محتج من ذوي السلطان والجبروت، في إباحة ترك أحكام الله غير معمول بها، كما هو أمر الطغاة والجبابرة من الحاكمين في زماننا هذا.

(7)

ليس في المخطوطة"ثم"، وتركتها لأنها في الدر المنثور، وتفسير ابن كثير.

(8)

الأثر: 9231- ابن كثير 2: 425، والدر المنثور، 2: 145، ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد.

ص: 255

لِمَنْ يَشَاءُ) [سورة النساء: 48، 116]، وقوله:(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)[سورة النساء: 110]، وقوله:(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[سورة النساء: 152] . (1)

9234 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو النضر، عن صالح المرّي، عن قتادة، عن ابن عباس قال: ثمانِ آيات نزلت في"سورة النساء"، هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت، أولاهن:(يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[سورة النساء: 26]، والثانية:(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا)[سورة النساء: 27]، والثالثة:(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا)[سورة النساء: 28] ، = ثم ذكر مثل قول ابن مسعود سواء، وزاد فيه: ثم أقبل يفسرها في آخر الآية: وكان الله للذين عملوا الذنوب غفورًا رحيمًا. (2)

وأما قوله:"وندخلكم مدخلا كريمًا"، فإن القرأة اختلفت في قراءته. فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين:(وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا)

(1) الأثر: 9233 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 145، ونسبه أيضًا لأبي عبيد القاسم بن سلام، وسعيد بن منصور في فضائله، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم، والبيهقي في الشعب.

(2)

الأثر: 9234 -"أبو النضر"، كأنه:"إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الدمشقي الفراديسي"، من شيوخ البخاري وأبي زرعة، أدركه ولم يكتب عنه، ولد سنة 141، وتوفي سنة 227، ثقة. مترجم في التهذيب، وقد مضى في رقم:8788.

"وصالح المري"، هو: صالح بن بشير بن وداع المري"، القاص. روى عن الحسن، وابن سيرين، وقتادة، وغيرهم. كان رجلا صالحًا، ولكنه يروي أحاديث مناكير تنكرها الأئمة عليه. وهو متروك الحديث. مات سنة 172، أو سنة 176، مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 2 / 2 / 274.

ص: 257

بفتح"الميم"، وكذلك الذي في"الحج":(لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ)[سورة الحج: 59]، فمعنى:"وندخلكم مَدخلا"، فيدخلون دُخُولا كريمًا. وقد يحتمل على مذهب من قرأ هذه القراءة، أن يكون المعنى في"المدخل": المكان والموضع. لأن العرب رُبما فتحت"الميم" من ذلك بهذا المعنى، كما قال الراجز:(1)

بِمَصْبَح الْحَمْدِ وَحَيْثُ نُمْسٍي (2)

وقد أنشدني بعضهم سماعًا من العرب: (3)

الْحَمْدُ لِلِه مَمْسَانَا ومَصْبَحَنَا

بِالْخَيْرِ صَبَّحَنَا رَبِّي وَمَسَّانَا (4)

وأنشدني آخر غيره:

الْحَمْدُ لِلِه مُمْسَانا وَمُصْبَحَنَا

لأنه من"أصبح""وأمسى". وكذلك تفعل العرب فيما كان من الفعل بناؤه على أربعة، تضم ميمه في مثل هذا فتقول:"دحرجته أدحرجه مُدحرجًا، فهو مُدحرَج". (5) ثم تحمل ما جاء على"أفعل يُفعل" على ذلك. (6) لأن"يُفعِل"، من"يُدْخِل"، وإن كان على أربعة، فإن أصله أن يكون على"يؤفعل"،"يؤدخل" و"يؤخرج"، فهو نظير"يدحرج". (7)

* * *

(1) لم أعرف قائله.

(2)

معاني القرآن للفراء 1: 264، اللسان (صبح) .

(3)

هو أمية بن أبي الصلت.

(4)

ديوانه: 62، معاني القرآن للفراء 1: 264، الخزانة 1: 120، اللسان (مسى) ، وهو فاتحة هذه القصيدة.

(5)

في المخطوطة: "دحرجته فهو مدحرج"، وبينهما بياض بقدر كلمات، فزاد في المطبوعة:"مدحرجًا"، وزدت"أدحرجه"، لأن السياق فيما يلي يقتضي ذكرها.

(6)

في المطبوعة: "فعل يفعل"، والصواب من المخطوطة.

(7)

انظر معاني القرآن للفراء 1: 293، 294.

ص: 258

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين والبصريين:"مُدْخَلا" بضم"الميم"، يعني: وندخلكم إدخالا كريمًا.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب، قراءة من قرأ ذلك:(وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا) بضم"الميم"، لما وصفنا، من أن ما كان من الفعل بناؤه على أربعة في"فَعَل"، (1) فالمصدر منه"مُفْعَل". وأن"أدخل" و"دحرج""فَعَل" منه على أربعة. (2) ف"المُدخل" مصدره أولى من"مَفعل"، مع أن ذلك أفصح في كلام العرب في مصادر ما جاء على"أفعل"، كما يقال:"أقام بمكان فطاب له المُقام"، إذ أريد به الإقامة = و"قام في موضعه فهو في مَقام واسع"، كما قال جل ثناؤه:(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ)[سورة الدخان: 51]، من"قام يقوم". ولو أريد به"الإقامة" لقرئ:"إن المتقين في مُقام أمين" كما قرئ: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ)[سورة الإسراء: 80]، بمعنى"الإدخال" و"الإخراج". ولم يبلغنا عن أحد أنه قرأ:"مَدخل صدق"، ولا"مَخْرج صدق" بفتح"الميم".

* * *

وأما"المدخل الكريم"، فهو: الطيب الحسن، المكرَّم بنفي الآفات والعاهات عنه، وبارتفاع الهموم والأحزان ودخول الكدر في عيش من دَخله، فلذلك سماه الله كريمًا، كما:-

9235 -

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال،

(1) يعني بقوله: "فعل" هنا في الموضعين، الفعل الماضي، ولا يعني الوزن الصرفي.

(2)

يعني بقوله: "فعل" هنا، الفعل الماضي، ولا يعني الوزن الصرفي.

ص: 259

حدثنا أسباط، عن السدي:"وندخلكم مدخلا كريمًا"، قال:"الكريم"، هو الحسن في الجنة. (1)

* * *

القول في تأويل قوله: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تشتهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض. (2)

* * *

وذكر أن ذلك نزل في نساءٍ تمنين منازلَ الرجال، وأن يكون لهم ما لهم، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة، وأمرهم أن يسألوه من فضله، إذ كانت الأمانيّ تورِث أهلها الحسد والبغي بغير الحق. (3)

* * *

(1) الأثر: 9235- في المطبوعة: "محمد بن الحسن"، وهو خطأ، وانظر التعليق على الأثر السالف رقم:9229.

(2)

انظر تفسير"التمني" فيما سلف 2: 366.

(3)

ولكن هذا باب من القول والتشهي، قد لج فيه أهل هذا الزمان، وخلطوا في فهمه خلطًا لا خلاص منه إلا بصدق النية، وبالفهم الصحيح لطبيعة هذا البشر، وبالفصل بين ما هو أمان باطلة لا أصل لها من ضرورة، وبالخروج من ربقة التقليد للأمم الغالبة، وبالتحرر من أسر الاجتماع الفاسد الذي يضطرب بالأمم اليوم اضطرابًا شديدًا. ولكن أهل ملتنا، هداهم الله وأصلح شئونهم، قد انساقوا في طريق الضلالة، وخلطوا بين ما هو إصلاح لما فسد من أمورهم بالهمة والعقل والحكمة، وبين ما هو إفساد في صورة إصلاح. وقد غلا القوم وكثرت داعيتهم من ذوي الأحقاد، الذين قاموا على صحافة زمانهم، حتى تبلبلت الألسنة، ومرجت العقول، وانزلق كثير من الناس مع هؤلاء الدعاة، حتى صرنا نجد من أهل العلم، ممن ينتسب إلى الدين، من يقول في ذلك مقالة يبرأ منها كل ذي دين. وفرق بين أن تحيي أمة رجالا ونساء حياة صحيحة سليمة من الآفات والعاهات والجهالات، وبين أن تسقط الأمة كل حاجز بين الرجال والنساء، ويصبح الأمر كله أمر أمان باطلة، تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق، كما قال أبو جعفر لله دره، ولله بلاؤه. فاللهم اهدنا سواء السبيل، في زمان خانت الألسنة فيه عقولها! وليحذر الذين يخالفون عن أمر الله، وعن قضائه فيهم، أن تصيبهم قارعة تذهب بما بقي من آثارهم في هذه الأرض، كما ذهبت بالذين من قبلهم.

ص: 260

ذكر الأخبار بما ذكرنا:

9236 -

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل، قال حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، لا نعطَي الميراث، ولا نغزو في سبيل الله فنُقتل؟ فنزلت:"ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض". (1)

9237 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله: تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث! فنزلت:"ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيبٌ مما اكتَسَبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن"، ونزلت:(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ)[سورة الأحزاب: 35] .

9238 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"ولا تتمنَّوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، يقول: لا يتمنى الرجل يقول:"ليت أنّ لي مالَ فلان وأهلَه"! فنهى الله سبحانه عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله.

9239 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، قال: قول النساء:"ليتنا رجالا فنغزو ونبلُغ ما يبلغ الرجال"! (2)

(1) الحديث: 9236 - سفيان في هذا الإسناد: يجوز أن يكون الثوري، وأن يكون ابن عيينة. فمؤمل يروي عنهما، وكلاهما روى هذا الحديث: الثوري في الرواية عقب هذه: 9237، وابن عيينة في الرواية:9241.

وسيأتي تخريج الحديث في: 9241.

(2)

في المطبوعة: "ليتنا رجال" بالرفع، وهو الوجه السائر، أما المخطوطة، فقد كتب"رجالا"، وضبطها بالقلم ضبطًا، ولذلك أثبتها كما هي في المخطوطة، و"ليت" تنصب الاسم وترفع الخبر، وبعض النحويين ينصب الاسمين جميعًا، وأنشدوا: يا لَيْتَ أَيَامَ الصَّبَا رَوَاجِعَا

وحكى بعض النحويين: أن بعض العرب يستعمل"ليت"، بمنزلة"وجدت"، فيعديها إلى مفعولين، ويجريها مجرى الأفعال، فيقول:"ليت زيدًا شاخصًا". فرواية الخبر بالنصب، صواب كما ترى، لا معنى لتغييره. ولا يحمل هذا على الخطأ من الناسخ، فالظاهر أن أبا جعفر أتى بالخبر التالي وفيه:"ليتنا رجال"، لينبه على هذه الرواية بالنصب. وانظر ص 264، تعليق:1.

ص: 261

9240 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، قولُ النساء يتمنين:"ليتنا رجال فنغزو"! ثم ذكر مثل حديث محمد بن عمرو.

9241 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم سلمة: أيْ رسول الله، أتغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصفُ الميراث؟ فنزلت:"ولا تتمنوا ما فضل الله". (1)

(1) الحديث: 9241- هو في تفسير عبد الرزاق، ص: 41 (مخطوط مصور)، بهذا الإسناد. وقد سبق بإسنادين آخرين: 9236، 9237.

ورواه أحمد في المسند 6: 322 (حلبي) ، عن سفيان، وهو ابن عيينة، بهذا الإسناد.

ورواه الترمذي 4: 88، عن ابن أبي عمر، عن سفيان. وفيه: "عن مجاهد، عن أم سلمة: أنها قالت: يغزو الرجال

"، إلخ.

ورواه الحاكم 2: 305-306، من طريق قبيصة بن عقبة، عن سفيان - وهو الثوري - عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "عن أم سلمة: أنها قالت

". ورواه الواحدي في أسباب النزول، ص 110، من طريق قتيبة، عن ابن عيينة - كرواية عبد الرازق هنا، وأحمد في المسند.

فاختلفت صيغة الرواية عن مجاهد. ففي بعضها: "عن مجاهد، قال: قالت أم سلمة". وفي بعضها: "عن مجاهد عن أم سلمة: أنها قالت".

فالصيغة الأولى ظاهرها الإرسال، لأن معناها أن مجاهدًا يحكي من قبل نفسه ما قالته أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم، فيكون مرسلا، لأنه لم يدرك ذلك.

والصيغة الثانية ظاهرها الاتصال، لأن معناها أن مجاهدًا يذكر هذا رواية عن أم سلمة. ثم يختلفون أيضًا في وصله دون حجة.

فقد قال الترمذي - بعد روايته"عن مجاهد عن أم سلمة"-: "هذا حديث مرسل. ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، مرسلا: أن أم سلمة قالت كذا وكذا".

وقال الحالكم - بعد روايته"عن مجاهد عن أم سلمة"-: "هذا حديث على شرط الشيخين، إن كان سمع مجاهد من أم سلمة". ووافقه الذهبي على تصحيحه، وأعرض عن تعليله فلم يشر إليه.

وعندي - بما أرى من السياق والقرائن - أن الروايتين بمعنى واحد، وإنما هو اختلا، في اللفظ من تصرف الرواة. وكلها بمعنى"مجاهد عن أم سلمة". فقد ثبت اللفظان من رواية ابن عيينة. وكذا قد ثبتا في رواية الثوري، هنا في: 9237، وفي رواية الحاكم. وقد نقل ابن كثير 2: 428، عن ابن أبي حاتم أنه قال:"وروى يحيى القطان ووكيع بن الجراح، عن الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله".

وأما حكم الترمذي في روايته من طريق ابن عيينة -بأنه حديث مرسل، فإنه جزم بلا دليل.

ومجاهد أدرك أم سلمة يقينًا وعاصرها، فإنه ولد سنة 21، وأم سلمة ماتت بعد سنة 60 على اليقين.

والمعاصرة - من الراوي الثقة - تحمل على الاتصال، إلا أن يكون الراوي مدلسًا. ولم يزعم أحد أن مجاهدًا مدلس، إلا كلمة قالها القطب الحلبي في شرح البخاري، حكاها عنه الحافظ في التهذيب 10: 44، ثم عقب عليها بقوله:"ولم أر من نسبه إلى التدليس". وقال الحافظ أيضًا في الفتح 6: 194، ردًا على من زعم أن مجاهدًا لم يسمع من عبد الله بن عمرو -:"لكن سماع مجاهد بن عبد الله من عمرو ثابت، وليس بمدلس".

فثبت عندنا اتصال الحديث وصحته. والحمد لله. والحديث ذكره ابن كثير 2: 428، من رواية المسند، ثم أشار إلى روايات الترمذي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن جرير، والحاكم.

وذكره السيوطي 2: 149، وزاد نسبته لعبد بن حميد، وسعيد بن منصور، وابن المنذر.

ص: 262

9242 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن شيخ من أهل مكة قوله:"ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، قال: كان النساء يقلن:"ليتنا رجال فنجاهد كما يجاهد الرجال، ونغزو في سبيل الله"! فقال الله:"ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض".

9243 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: تتمنى مالَ فلان ومال فلان! وما يدريك؟ لعل هلاكَه في ذلك المال!

9244 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة ومجاهد: أنهما قالا نزلت في أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة. (1)

(1) الأثر: 9244 - ابن كثير 2: 429، والدر المنثور 2: 149، ولم ينسبه لغير ابن جرير.

ص: 263

9245 -

وبه قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء قال: هو الإنسان، يقول:"وددت أن لي مال فلان"! قال:"واسألوا الله من فضله"، وقول النساء:"ليت أنا رجالا فنغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال"! (1)

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يتمنَّ بعضكم ما خصّ الله بعضًا من منازل الفضل.

*ذكر من قال ذلك:

9246 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، فإن الرجال قالوا:"نريد أن يكون لنا من الأجر الضعفُ على أجر النساء، كما لنا في السهام سهمان، فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران". وقالت النساء:"نريد أن يكون لنا أجرٌ مثل أجر الرجال، فإنا لا نستطيع أن نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا"! فأنزل الله تعالى الآية، وقال لهم: سلوا الله من فضله، يرزقكم الأعمال، وهو خير لكم.

9247 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد قال: نُهيتم عن الأمانيّ، ودُللتم على ما هو خير منه:"واسألوا الله من فضله".

9248 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عارم قال، حدثنا حماد بن زيد،

(1) في المطبوعة: "ليتنا رجال فنغزو"، على الوجه السائر، ولكني أثبت ما في المخطوطة، ولم أغيره، وهو صواب عند النحاة، فإنهم يقولون: إن من بعض لغات العرب أن تنصب"أن" الاسم والخبر جميعًا، قال بذلك أبو عبيد القاسم بن سلام والفراء وابن السيد وابن الطراوة. واستشهدوا بقول الشاعر إذَا الْتَفَّ جِنْحُ اللَّيْلِ، فَلْتَأْتِ، وَلْتَكُنْ

خُطَاكَ خِفَافًا إنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدَا

وانظر التعليق السالف ص: 261، تعليق:2.

ص: 264

عن أيوب قال: كان محمد إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا قال: قد نهاكم الله عن هذا:"ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، ودلكم على خير منه:"واسألوا الله من فضله".

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على هذا التأويل: ولا تتمنوا، أيها الرجال والنساء، الذي فضل الله به بعضكم على بعض من منازل الفضل ودرجات الخير، وليرض أحدكم بما قسم الله له من نصيب، ولكن سَلُوا الله من فضله.

* * *

القول في تأويل قوله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معنى ذلك: للرجال نصيب مما اكتسبوا، من الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية ="وللنساء نصيب" من ذلك مثل ذلك.

*ذكر من قال ذلك:

9249 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيبٌ مما اكتسبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن"، كان أهل الجاهلية لا يورَّثون المرأة شيئًا ولا الصبيَّ شيئًا، وإنما يجعلون الميراث لمن يَحْترف وينفع ويدفع. (1) فلما نَجَزَ للمرأة نصيبها وللصبيّ نصيبه، (2) وجَعل للذكر مثل حظّ الأنثيين، قال النساء:"لو

(1) احترف لعياله، وحرف لعياله: سعى لهم في الكسب وطلب الرزق.

(2)

في المطبوعة والمخطوطة والدر المنثور 2: 149"لحق"، واللام في المخطوطة مائلة. فرأيت أن"لحق" هنا لا معنى لها، ولم أجدها من قبل في كلام معناه كمعنى هذا الكلام، واجتهدت قراءتها، ورجحت أنها"نجز". يقال:"نجز حاجته": إذا قضاها وعجلها، كأنه قال: فلما عجل للمرأة نصيبها وقضاه.

ص: 265

كان جعل أنصباءَنا في الميراث كأنصباء الرجال"! وقال الرجال:"إنا لنرجو أن نفضَّل على النساء بحسناتنا في الآخرة، كما فضلنا عليهن في الميراث"! فأنزل الله:"للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، يقول: المرأة تُجزى بحسنتها عشر أمثالها، كما يُجْزى الرجل، قال الله تعالى:"واسألوا الله من فضله".

9250 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال، حدثني أبو ليلى قال، سمعت أبا حريز يقول: لما نزل:"للذكر مثل حظ الأنثيين"، قالت النساء: كذلك عليهم نصيبان من الذنوب، كما لهم نصيبان من الميراث! فأنزل الله:"للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، يعني الذنوب ="واسألوا الله"، يا معشر النساء ="من فضله". (1)

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: للرجال نصيب مما اكتسبوا من ميراث موتاهم، وللنساء نصيب منهم.

*ذكر من قال ذلك:

9251 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"للرجال نصيب مما

(1) الأثر: 9250 -"عبد الرحمن بن أبي حماد" انظر ما سلف عنه برقم: 3109، 4077، 6691، 8431، ورواية المثنى عنه.

و"أبو ليلى" هو: "عبد الله بن ميسرة الكوفي"، ويكنى"أبا إسحاق"، وقد سلفت ترجمته برقم:6920.

و"أبو حريز" هو: "عبد الله بن الحسين الأزدي" قاضي سجستان. قال ابن حبان في الثقات: "صدوق"، وقال ابن أبي عدي:"عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد". وقال سعيد بن أبي مريم: "كان صاحب قياس، وليس في الحديث شيء". مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة: "أبو جرير"، وهو خطأ، والمخطوطة غير منقوطة.

ص: 266

اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، يعني: ما ترك الوالدان والأقربون: يقول: للذكر مثل حظّ الأنثيين.

9252 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أبي إسحاق، عن عكرمة أو غيره في قوله:"للرجال نصيب مما أكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، قال: في الميراث، كانوا لا يورِّثون النساء.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، قول من قال: معناه: للرجال نصيب من ثواب الله وعقابه مما اكتسبوا فعملوه من خير أو شر، وللنساء نصيب مما اكتسبن من ذلك كما للرجال.

وإنما قلنا إن ذلك أولى بتأويل الآية من قول من قال:"تأويله: للرجال نصيب من الميراث، وللنساء نصيب منه"، لأن الله جل ثناؤه أخبر أن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبًا مما اكتسب. وليس الميراث مما اكتسبه الوارث، وإنما هو مال أورثه الله عن ميّته بغير اكتساب، وإنما"الكسب" العمل، و"المكتسب": المحترف. (1) فغير جائز أن يكون معنى الآية = وقد قال الله:"للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن": للرجال نصيبٌ مما ورِثوا، وللنساء نصيب مما ورثن. لأن ذلك لو كان كذلك لقيل:"للرجال نصيب مما لم يكتسبوا، وللنساء نصيب مما لم يكتسبن"!!

* * *

(1) انظر تفسير"الكسب" و"الاكتساب" فيما سلف 2: 273، 274 / 3: 100، 101، 128، 129 / 4: 449 / 6: 131، 295 / 7: 327، 364.

ص: 267

القول في تأويل قوله: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واسألوا الله من عونه وتوفيقه للعمل بما يرضيه عنكم من طاعته. ففضله في هذا الموضع: توفيقه ومعونته كما:- (1)

9253 -

حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال، حدثنا أبو جعفر النفيلي قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن اشعث، عن سعيد:"واسألوا الله من فضله"، قال: العبادة، ليست من أمر الدنيا.

9254 -

حدثنا محمد بن مسلم قال، حدثني أبو جعفر قال، حدثنا موسى، عن ليث قال:"فضله"، العبادة، ليسَ من أمر الدنيا. (2)

9255 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هشام، عن ليث، عن مجاهد في قوله:"واسألوا الله من فضله"، قال: ليس بعرض الدنيا.

9256 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وأسألوا الله من فضله"، يرزقكم الأعمال، وهو خير لكم.

9257 -

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي قال، حدثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن رجل لم يسمه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله من فضله، فإنه يحب أن يسأل، وإنّ من أفضل العبادة انتظار الفَرَج. (3)

* * *

(1) انظر تفسير: "الفضل" فيما سلف 2: 344 / 5: 164، 571 / 6: 516 / 7: 299، 414.

(2)

الأثران: 9253، 9254-"محمد بن مسلم الرازي"، هو المعروف بابن واره، واسمه"محمد بن مسلم بن عثمان بن عبد الله"، الحافظ، كان أحد المتقنين الأمناء، قالوا: كان ابن مسلم شيئًا عجبًا. وكان أبو زرعة الرازي لا يقوم لأحد، ولا يجلس أحدًا في مكانه إلا ابن واره. وكان ابن واره فيه بأو شديد وعجب. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 79، وتاريخ بغداد 3:256.

و"أبو جعفر النفيلي"، هو:"عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل القضاعي"، روى له الأئمة. كان حافظًا، وكان الإمام أحمد إذا رآه يعظمه. مترجم في التهذيب.

(3)

الأثر: 9257 -"حكيم بن جبير الأسدي"، تكلموا فيه، قال أحمد:"ضعيف الحديث مضطرب"، وقال أبو حاتم:"ضعيف الحديث، منكر الحديث، له رأي غير محمود، نسأل الله السلامة، غال في التشيع".

وهذا الأثر رواه الترمذي في كتاب الدعوات: 514 من طريق: بشر بن معاذ العقدي، عن حماد بن واقد، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، ثم قال الترمذي:"هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث، وحماد بن واقد ليس بالحافظ. وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن رجل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح". وقال ابن كثير في تفسيره 2: 430، ونقل ما قاله الترمذي:"وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع عن إسرائيل. ثم رواه من حديث قيس بن الربيع، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وإن أحب عباد الله إلى الله الذي يحب الفرج".

ص: 268

القول في تأويل قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) }

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إنّ الله كان بما يصلح عباده - فيما قسم لهم من خير، ورفع بعضهم فوق بعض في الدين والدنيا، وبغير ذلك من قضائه وأحكامه فيهم ="عليما"، يقول: ذا علم. فلا تتمنوا (1) غير الذي قضى لكم، ولكن عليكم بطاعته، والتسليم لأمره، والرضى بقضائه، ومسألته من فضله.

* * *

القول في تأويل قوله: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ}

يعني جل ثناؤه بقوله:"ولكلّ جعلنا موالي"، ولكلكم، أيها الناس ="جعلنا موالي"، يقول: ورثة من بني عمه وإخوته وسائر عصبته غيرهم.

* * *

والعرب تسمي ابن العم"المولى"، ومنه قول الشاعر:(2)

(1) في المخطوطة والمطبوعة: "ولا تتمنوا"، والجيد ما أثبت.

(2)

لم أعرف قائله.

ص: 269

وَمَوْلًى رَمَيْنَا حَوْلَهُ وَهُوَ مُدْغِلٌ

بِأَعْرَاضِنَا وَالْمُنْدِيَاتِ سَرُوعُ (1)

يعني بذلك: وابن عم رمينا حوله، ومنه قول الفضل بن العباس:

مَهْلا بَنِي عَمِّنَا مَهْلا مَوَالِينَا

لا تُظْهِرُنَّ لَنَا مَا كانَ مَدْفُونَا (2)

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9258 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة قال، حدثنا إدريس قال، حدثنا طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله:"ولكل جعلنا موالي"، قال: ورثة.

9259 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان"، قال: الموالي، العصبة، يعني = الورثة.

9260 -

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله:"ولكل جعلنا موالي"، قال: الموالي، العصبة.

(1) لم أجد البيت في مكان، وهو في المخطوطة. بأعواضنا والممديات سروع

و"رجل مدغل": ذو خب مفسد بين الناس. و"المنديات"، المخزيات، وأنا بعد ذلك في شك شديد من"بأعراضنا" و"سروع"، فتركت البيت على حاله حتى أجده، أو ألتمس له وجهًا صحيحًا. وقوله:"رمينا حوله"، أي ناضلنا عنه، ودافعنا ورامينا من حوله من يراميه.

(2)

مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 125، والكامل 2: 279 والمؤتلف والمختلف، ومعجم الشعراء: 35، 310، والحماسة 1: 121، والصداقة والصديق: 139، واللسان (ولى) وغيرها. وراويتهم. لا تَنْبِشُوا بَيْنَنَا مَا كانَ مَدْفُونَا

وهي أجود الروايتين وأحقهما بمعنى الشعر، وفي اللسان رواية أخرى لا تقوم.

ص: 270

9261 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد قوله:"ولكل جعلنا موالي"، قال: هم الأولياء.

9262 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ولكل جعلنا موالي"، يقول: عصبة.

9263 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"ولكل جعلنا موالي"، قال: الموالي: أولياء الأب، أو الأخ، (1) أو ابن الأخ، أو غيرهما من العصبة.

9264 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ولكل جعلنا موالي"، أما"موالي"، فهم أهل الميراث.

9265 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولكل جعلنا موالي"، قال: الموالي: العصبة. هم كانوا في الجاهلية الموالي، فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم اسمًا، فقال الله تبارك وتعالى:(فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)[سورة الأحزاب: 5]، فسموا:"الموالي"، قال: و"المولى" اليوم موليان: مَوْلى يرث ويورث، فهؤلاء ذوو الأرحام - وموَّلى يورَث ولا يرِث، فهؤلاء العَتَاقة. (2) وقال: ألا ترون قول زكريا: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي)[سورة مريم: 5] ؟ فالموالي ههنا الورثة.

* * *

ويعني بقوله:"مما ترك الوالدان والأقربون"، مما تركه والده وأقرباؤه من الميراث.

* * *

(1) في المطبوعة: "الأب الأخ" بإسقاط "أو"، والصواب من المخطوطة.

(2)

يقال: "هو مولى عتاقة"، هو الذي أعتق من الرق، و"العتاقة" (بفتح العين) مصدر مثل"العتق" (بكسر فسكون) و"عتاق" (بفتح العين) . وقوله:"فهؤلاء العتاقة"، يعني: فهؤلاء موالي العتاقة، فإن لا يكن قد سقط من الناسخ"موالي"، فهو مصدر وصف به، بمعنى فهؤلاء المعتقون.

ص: 271

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: ولكلكم، أيها الناس، جعلنا عَصبة يرثون به مما ترك والده وأقرباؤه من ميراثهم.

* * *

القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}

(1)

قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأه بعضهم: (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ)، بمعنى: والذين عقدت أيمانكم الحلفَ بينكم وبينهم. وهي قراءة عامة قرأة الكوفيين.

* * *

وقرأ ذلك آخرون: (والذين عاقدت أيمانكم)، بمعنى: والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم الحلفَ بينكم وبينهم.

* * *

قال أبو جعفر: والذي نقول به في ذلك: إنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة أمصار المسلمين بمعنى واحد.

* * *

وفي دلالة قوله:"أيمانكم" على أنها أيمان العاقدين والمعقود عليهم الحلف، مستغنىَّ عن الدلالة على ذلك بقراءة قوله:"عقدت"،"عاقدت". وذلك أن الذين قرأوا ذلك:"عاقدت"، قالوا: لا يكون عَقْد الحلف إلا من فريقين، ولا بد لنا من دلالة في الكلام على أن ذلك كذلك. وأغفلوا موضعَ دلالة قوله:"أيمانكم"، على أن معنى ذلك أيمانكم وأيمانُ المعقود عليهم، وأن العقد إنما هو صفة للأيمان دون

(1) لم يذكر في المخطوطة والمطبوعة: "فآتوهم نصيبهم" في هذا الموضع، ولا فيما بعده، فأثبتها في مكانها، لأنه فسرها بعد في هذا الموضع.

ص: 272

العاقدين الحلف، حتى زعم بعضهم أن ذلك إذا قرئ:"عقدت أيمانكم"، فالكلام محتاج إلى ضمير صفة تقَى الكلام، (1) حتى يكون الكلام معناه: والذين عقدت لهم أيمانكم = ذهابًا منه عن الوجه الذي قلنا في ذلك، من أن الأيمان معنيٌّ بها أيمان الفريقين.

* * *

وأما"عاقدت أيمانكم"، فإنه في تأويل: عاقدت أيمانُ هؤلاء أيمانَ هؤلاء، الحلفَ.

فهما متقاربان في المعنى، وإن كانت قراءة من قرأ ذلك:"عقدت أيمانكم" بغير"ألف"، أصح معنى من قراءة من قرأه:"عاقدت"، للذي ذكرنا من الدلالة المُغنية في صفة الأيمان بالعقد، (2) على أنها أيمان الفريقين = من الدلالة على ذلك بغيره. (3)

* * *

وأما معنى قوله:"عقدت أيمانكم"، فإنه: وَصَلت وشَدّت وَوكَّدت =

(1) في المطبوعة: "إلى ضمير صلة في الكلام"، وهو خلط لا معنى له. وأثبت ما في المخطوطة، وقوله:"ضمير"، أي: إضمار، وقد سلف مثل ذلك 1: 427، تعليق: 1 / 2: 107، تعليق:1. وأما قوله: "صفة" فقد سلف مرارًا أن"الصفة" هي حرف الجر، و"حروف الصفات"، هي حروف الجر (انظر 6: 329، تعليق: 6، والمراجع هناك) ، والمعنى: إضمار حرف جر.

وأما قوله: "تقى الكلام" فهذا لفظ غم على معناه، وهو في المخطوطة كما أثبته، ولعله أراد أن حرف الجر المتعلق بقوله:"عقدت" يقي الجملة من فساد المعنى. ولعل ذلك من قديم عبارتهم، وإن كنت لا أحققه، وفوق كل ذي علم عليم.

(2)

في المطبوعة: "من الدلالة على المعنى - في صفة الأيمان بالعقد" وهو باطل المعنى، وفي المخطوطة:"من الدلالة على المعنية في صفة الأيمان بالعقد"، والذي لا شك فيه زيادة"على" في هذه العبارة، وأن قراءتها"المغنية". وانظر التعليق التالي.

(3)

تداخلت مراجع حروف الجر في هذه الجملة، وأحببت أن ألين سياقها، فهو يقول: "للذي ذكرنا من الدلالة المغنية في صفة الأيمان بالعقد

من الدلالة على ذلك بغيره"، فقوله: "من الدلالة" متعلق بقوله: "المغنية"، يعني أن صفة الأيمان بالعقد، دلالة على أنها أيمان الفريقين، وأن هذه الدلالة مغنية من الدلالة على ذلك المعنى بدلالة غيرها.

ص: 273

"أيمانكم"، يعني: مواثيقكم التي واثق بعضهم بعضًا (1) ="فآتوهم نصيبهم".

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في معنى"النصيب" الذي أمر الله أهل الحلف أن يؤتي بعضهم بعضًا في الإسلام. (2)

فقال بعضهم: هو نصيبه من الميراث، لأنهم في الجاهلية كانوا يتوارثون، فأوجب الله في الإسلام من بعضهم لبعض بذلك الحلف، وبمثله في الإسلام، من الموارثة مثل الذي كان لهم في الجاهلية. ثم نسخ ذلك بما فرض من الفرائض لذوي الأرحام والقرابات.

*ذكر من قال ذلك:

9266 -

حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسن بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري في قوله:"والذين عاقدتْ أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدًا"، (3) قال: كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسبٌ، فيرث أحدهما الآخر، فنسخ الله ذلك في"الأنفال" فقال:(وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[سورة الأنفال: 75] . (4)

9267 -

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قول الله:"والذين عاقدت أيمانكم"،

(1) في المخطوطة والمطبوعة: "واثق بعضهم بعضًا"، والسياق يقتضي أن تكون:"بعضكم"، كما أثبتها.

(2)

انظر تفسير"النصيب" فيما سلف 4: 206 / 6: 288.

(3)

ستأتي القراءة مرة"عاقدت" ومرة"عقدت" في الآثار التالية، فتركتها كما هي في المخطوطة والمطبوعة، فإن اختلفتا، أثبت ما في المخطوطة، دون إشارة إلى ذلك من فعلي.

(4)

أثبت تمام الآية في المخطوطة.

ص: 274

قال: كان الرجل يعاقد الرجل فيرثه، وعاقد أبو بكر رضي الله عنه مولىً فورثه.

9268 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، فكان الرجل يعاقد الرجل: أيُّهما مات ورثه الآخر. فأنزل الله: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا)[سورة الأحزاب: 6]، يقول: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصيةً، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت. وذلك هو المعروف.

9269 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدًا"، كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول:"دمي دمُك، وهَدَمي هَدَمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك". (1) فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام، ثم يقسم أهل الميرات ميراثهم. فنسخ ذلك بعد في"سورة الأنفال" فقال الله:(وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)[سورة الأنفال: 6] .

9270 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا

(1) قولهم: "دمي دمك"، أي: إن قتلني إنسان طلبت بدمي كما تطلب دم وليك وأخيك. و"الهدم"(بسكون الدال وتحريكها) ، فإذا سكنت الدال، فمعناه: من هدم لي عزًا وشرفًا فقد هدمه منك، أو: من أهدر دمي فقد أهدر دمك = أو: ما عفوت أنا عنه من الدم، فعليك أن تعفو عنه. وأما "الهدم" (بفتح الدال) : فأصله: الشيء الذي انهدم، وهو قريب المعنى من الأول، ويقال: هو القبر، أي: أقبر حيث تقبر. يريدون: لا تفارقني ولا أفارقك في الحياة والممات.

وقولهم: "تطلب بي وأطلب بك"، أي: تطلب الثأر بي، إذا أصابني مكروه، وأفعل ذلك بك. و"الباء" هنا بمعنى: السبب، أي بسببي ومن جراء ما أصابني. وهذه الكلمات كلها توثيق في العهد، وعقد لازم يوجب على الرجلين أن يتعاونا في الخير والشر، لا يفارق أحدهما صاحبه في المحنة والبلاء.

ص: 275

معمر، عن قتادة:"والذين عاقدت أيمانكم"، قال: كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول:"دمي دمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك". (1) فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس، فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث، وهو السدس، ثم نسخ ذلك بالميراث، فقال:(وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) .

9271 -

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا همام بن يحيى قال، سمعت قتادة يقول، في قوله:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجلَ في الجاهلية فيقول:"هدمي هدمك ودمي دمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك"، (2) فجعل له السدس من جميع المال، ثم يقتسم أهل الميراث ميراثهم. فنسخ ذلك بعد في"الأنفال" فقال:(وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) ، فصارت المواريث لذوي الأرحام.

9272 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة قال: هذا حِلْفٌ كان في الجاهلية، كان الرجل يقول للرجل:"ترثني وأرثك، وتنصرني وأنصرك، وتَعْقِل عني وأعقل عنك". (3)

9273 -

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، (4) سمعت الضحاك يقول في قوله:"والذين عاقدت أيمانكم"، كان الرجل يتبع الرجل فيعاقده:"إن مِتُّ، فلك مثل ما يرث بعض ولدي"! وهذا منسوخ.

(1) انظر التعليق السالف.

(2)

انظر التعليق السالف.

(3)

"العقل"(بفتح فسكون) : الدية."عقل القتيل عقلا": أدى ديته. و"عقل عنه": أدى جنايته، وذلك إذا لزمته دية فأعطاها عنه.

(4)

في المطبوعة: "عبيد بن سلمان"، وهو خطأ كثر في هذه المطبوعة، نبهت عليه مرارًا، والصواب من المخطوطة، وهو إسناد دائر في التفسير، وسأصححه منذ اليوم ثم لا أشير إليه ثانية.

ص: 276

9274 -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، فإن الرجل في الجاهلية قد كان يلحق به الرجل فيكون تابعه، فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث، وبقي تابعه ليس له شيء، فأنزل الله:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، فكان يعطى من ميراثه، فأنزل الله بعد ذلك:(وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) .

* * *

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، فكان بعضهم يرث بعضًا بتلك المؤاخاة، ثم نسخ الله ذلك بالفرائض، وبقوله:"ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون".

*ذكر من قال ذلك:

9275 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة قال، حدثنا إدريس بن يزيد قال، حدثنا طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، قال: كان المهاجرون حين قَدِموا المدينة، يرث المهاجريٌّ الأنصاريَّ دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم. فلما نزلت هذه الآية:"ولكل جعلنا موالي"، نسخت. (1)

(1) الأثر: 9275 - أخرجه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 186) مطولا، وفرقه الطبري، فروى بعضه هنا، وروى سائره برقم: 9277، قال الحافظ ابن حجر:"إدريس، هو ابن يزيد الأودي (بفتح الألف وسكون الواو) والد عبد الله بن إدريس الفقيه الكوفي، ثقة عندهم، وما له في البخاري سوى هذا الحديث. ووقع في رواية الطبري عن أبي كريب، عن أبي أسامة: حدثنا إدريس بن يزيد"، وقد وقع في رواية البخاري نقص، سقط منه"فآتوهم نصيبهم" مع أن قوله:"من النصر" متعلق بقوله: "فآتوهم نصيبهم" لا بقوله: "عاقدت"، وهو وجه الكلام، واستدركه الحافظ في الفتح من رواية الطبري هذه.

ص: 277

9276 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"والذين عاقدت أيمانكم"، الذين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ="فآتوهم نصيبهم"، إذا لم يأت رحمٌ تحول بينهم. قال: وهو لا يكون اليوم، إنما كان في نفر آخىَ بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانقطع ذلك. ولا يكون هذا لأحدٍ إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، كان آخى بين المهاجرين والأنصار، واليوم لا يؤاخَى بين أحد.

* * *

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في أهل العقد بالحلف، ولكنهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضًا أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك، دون الميراث.

*ذكر من قال ذلك:

9277 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة قال، حدثنا إدريس الأودي قال، حدثنا طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" من النصر والنصيحة والرِّفادة، ويوصي لهم، وقد ذهبَ الميراث. (1)

9278 -

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد:"والذين عقدت أيمانكم". قال: كان حلفٌ في الجاهلية، (2) فأمرُوا في الإسلام أن يعطوهم نصيبهم من العقل والمشورة

(1) الأثر: 9277 - هو تمام الأثر السالف رقم: 9275، وقد سلف التعليق عليه. وقد كان في المخطوطة:"وقد الميراث" بينهما بياض، أتمته المطبوعة على الصواب من رواية البخاري. وفي البخاري زيادة:"وقد ذهب الميراث، ويوصى له".

و"الرفادة"(بكسر الراء) : الإعانة بالعطية والصلة، ومنه"الرفادة" التي كانت قريش تترافد بها في الجاهلية، يخرج كل إنسان مالا بقدر طاقته، فيجمعون من ذلك مالا عظيما أيام الموسم، فيشترون به للحاج الجزر والطعام والزبيب، فلا يزالون يطعمون الناس حتى تنقضي أيام الحج. وكانت الرفادة والسقاية لبني هاشم.

(2)

"كان" هنا تامة، لا اسم لها ولا خبر.

ص: 278

والنصرة، (1) ولا ميراث.

9279 -

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" من العوْن والنصر والحِلف.

9280 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد في قوله الله:"والذين عاقدت أيمانكم"، قال: كان هذا حلفًا في الجاهلية، فلما كان الإسلام، أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من النصر والولاء والمشورة، ولا ميراث.

9281 -

حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا حجاج، قال ابن جريج:"والذين عاقدت أيمانكم"، أخبرني عبد الله بن كثير: أنه سمع مجاهدا يقول: هو الحلف:"عقدت أيمانكم". قال:"فآتوهم نصيبهم"، قال: النصر.

9282 -

حدثني زكريا بن يحيى قال، حدثنا حجاج، قال، ابن جريج، أخبرني عطاء قال: هو الحلف. قال:"فآتوهم نصيبهم"، قال: العقل والنصر.

9283 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"والذين عاقدت أيمانكم"، قال: لهم نصيبهم من النصر والرِّفادة والعقل. (2)

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "من العقل والنصرة والمشورة"، ولكن المخطوطة وضعت حرف"م" على كل من"النصرة والمشورة" بمعنى تقديم الثاني على الأول. ففعلت ذلك.

و"العقل": الدية، كما سلف شرحها قريبًا ص: 276، تعليق:2.

(2)

الأثر: 9283 - في المطبوعة: "محمد بن محمد بن عمرو"، وهو خطأ محض، صوابه من المخطوطة، ومع ذلك فهو إسناد كثير الدوران في التفسير، أقربه:9239.

وانظر تفسير"العقل"، و"الرفادة" فيما سلف قريبًا من التعليقات.

ص: 279

9284 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.

9285 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد:"والذين عاقدت أيمانكم"، قال: هم الحلفاء.

9286-

حدثنا المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا عباد بن العوام، عن خصيف، عن عكرمة مثله.

9287 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، أما"عقدت أيمانكم"، فالحلفُ، كالرجل في الجاهلية ينزل في القوم فيحالفونه على أنه منهم، يواسونه بأنفسهم، (1) فإذا كان لهم حق أو قتال كان مثلهم، وإذا كان له حق أو نصرة خذلوه. فلما جاء الإسلام سألوا عنه، وأبى اللهُ إلا أن يشدّده. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لم يزد الإسلام الحُلفاء إلا شدة".

* * *

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون أبناءَ غيرهم في الجاهلية، فأمروا في الإسلام أنْ يوصوا لهم عند الموت وصيةً. (2)

*ذكر من قال ذلك:

9288 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال، حدثني سعيد بن المسيَّب: أن الله قال:"ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، قال سعيد بن المسيب: إنما نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنَّون

(1)"آساه بنفسه وواساه بنفسه"، جعله"أسوة له". أي: مثلا له. ومنها"المواساة"، وهي المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق.

(2)

في المطبوعة: "فأمروا بالإسلام" وهي سقيمة، صوابها من المخطوطة.

ص: 280

رجالا غير أبنائهم ويورِّثونهم، فأنزل الله فيهم، فجعل لهم نصيبًا في الوصية، وردّ الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة، (1) وأبى الله للمدَّعَيْن ميراثًا ممن ادّعاهم وتبنّاهم، ولكنّ الله جعل لهم نصيبًا في الوصية.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل قوله:"والذين عقدت أيمانكم"، قولُ من قال:"والذين عقدت أيمانكم على المحالفة، وهم الحلفاء". وذلك أنه معلوم عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها، أنّ عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق، على نحو ما قد ذكرنا من الرواية في ذلك.

فإذ كان الله جل ثناؤه إنما وصف الذين عقدت أيمانهم ما عقدوه بها بينهم، دون من لم تعقد عقدًا بينهم أيمانهم (2) = وكانت مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين من آخى بينه وبينه من المهاجرين والأنصار، لم تكن بينهم بأيمانهم، وكذلك التبني = (3) كان معلومًا أن الصواب من القول في ذلك قولُ من قال:"هو الحلف"، دون غيره، لما وصفناه من العلة.

* * *

وأما قوله:"فآتوهم نصيبهم"، فإن أولى التأويلين به، ما عليه الجميع مجمعون من حكمه الثابت، وذلك إيتاءُ أهل الحلف الذي كان في الجاهلية دون الإسلام، بعضِهم بعضًا أنصباءَهم من النصرة والنصيحة والرأي، دون الميراث. وذلك لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية، فلم يزدْهُ الإسلام إلا شدة".

9289 -

حدثنا بذلك أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن شريك، عن

(1) في المطبوعة: "في ذوي الرحم"، وهي صواب، والذي أثبته من المخطوطة صواب أيضًا.

(2)

في المخطوطة والمطبوعة: "دون من لم يعقد عقد ما بينهم أيمانهم"، وصواب قراءتها ما أثبت. ثم قوله بعد: "وكانت مؤاخاة النبي

" معطوف على قوله: "فإذ كان الله

".

(3)

قوله: "كان معلومًا"، جواب قوله: "فإذ كان الله

" وما عطف عليه.

ص: 281

سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)

9290 -

وحدثنا أبو كريب قال، حدثنا مصعب بن المقدام، عن إسرائيل بن يونس، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام، وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة. وما يسرني أنّ لي حُمَر النعم، وأنى نقضتُ الحلف الذي كان في دار الندوة. (2)

9291 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبيه، عن شعبة بن التوأم الضبيّ: أن قيس بن عاصم سألَ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف فقال: لا حلف في الإسلام، ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية.

(1) الحديث: 9289 - إسناده صحيح.

ورواه أحمد في المسند: 2911، 3046، من طريق شريك، بهذا الإسناد مختصرًا، ليس فيه قوله"لا حلف في الإسلام". وهذه الزيادة ثابتة فيه في رواية أبي يعلى. فقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 8:173. كاملا وقال: "رواه أبو يعلى، وأحمد باختصار. ورجالهما رجال الصحيح".

وذكره ابن كثير 2: 431-432، عن هذا الموضع من الطبري.

وذكره السيوطي 2: 151، مختصرًا كرواية المسند. وقصر في تخريجه جدًا، إذ لم ينسبه لغير عبد بن حميد.

(2)

الحديث: 9290 - وهذا إسناد آخر، من وجه آخر - لحديث ابن عباس، بلفظ أطول من الذي قبله.

وهو إسناد صحيح.

محمد بن عبد الرحمن بن عبيد، مولى آل طلحة: ثقة، وثقه ابن معين وغيره. مترجم في التهذيب. والكبير للبخاري 1 / 1 / 146، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 318.

والزيادة التي هنا -"وما يسرني أن لي حمر النعم"- ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد، حديثًا مستقلا، 8: 172، وقال:"رواه الطبراني. وفيه مرزوق بن المرزبان، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وليس إسناد الطبراني أمامي، حتى أستطيع أن أقول فيه. ولكن إسناد الطبري هنا خلا من ذاك الرجل، فصح الحديث من هذا الوجه.

وذكره ابن كثير 2: 432، عن هذا الموضع، ولم يزد.

"حمر النعم" انظر تفسيرها فيما سلف رقم: 9185.

ص: 282

9292 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن أبيه، عن شعبة بن التوأم، عن قيس بن عاصم: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف، قال فقال: ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام. (1)

9293 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن داود بن أبي عبد الله، عن ابن جُدْعان، عن جدّته، عن أمّ سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدّة". (2)

(1) الحديثان: 9291، 9292 - مغيرة: هو ابن مقسم الضبي، مضى في:3349. أبوه: "مقسم الضبي": مترجم في التعجيل، ص: 409 ترجمة موجزة، وأنه ذكره ابن حبان في الثقات. وهو تابعي، روى عن النعمان بن بشير. وترجمه البخاري في الكبير 4 / 2 / 33. وابن أبي حاتم 4 / 1 / 414-415. ولم يذاكرا فيه جرحًا.

شعبة بن التوأم الضبي، ويقال"التميمي": تابعي ثقة. مترجم في التعجيل، ص: 177-178، والإصابة 3: 230، والكبير 2 / 2 / 244، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 368.

والحديث رواه الطيالسي: 1084، عن جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، أي بأول الإسنادين هنا.

ورواه أحمد في المسند 5: 61 (حلبي) عن هشيم، عن مغيرة. أي بثانيهما.

ونقله ابن كثير 2: 432، عن ثانيهما. ثم أشار إلى رواية أحمد. ثم نقله ثانيًا، ص 433، من رواية المسند.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8: 172. وقال: "رواه أحمد". ثم لم يزد!

وأشار إليه ابن أبي حاتم في ترجمة"شعبة بن التوأم"، فقال:"روى عن قيس بن عاصم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لا حلف في الإسلام".

(2)

الحديث: 9293 - داود بن أبي عبد الله، مولى بني هاشم: ثقة، ذكره ابن حبان في الثقات، كما في التهذيب. وترجمه ابن أبي حاتم 1 / 2 / 417، فلم يذكر فيه جرحًا.

ابن جدعان: المشهور بذلك عند أهل هذا الشأن، هو"علي بن زيد بن جدعان". وقد روى الترمذي 4: 25، بهذا الإسناد: "أبو كريب

" - حديث"المستشار مؤتمن".

فظن الحافظ ابن عساكر - في كتاب الأطراف - أنه هو"علي بن زيد". وتعقبه الحافظ المزي في تهذيب الكمال، ص: 817-818 (مخطوط مصور)، فقال:"وذلك وهم منه. والصواب: جده عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان" - يعني لقوله في الإسناد: "عن ابن جدعان، عن جدته".

وفي تهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، في ترجمة داود، وفي ترجمة"عبد الرحمن" (3: 191، و6: 267 من تهذيب التهذيب) أن البخاري روى في الأدب المفرد حديث"المستشار مؤتمن" - من طريق داود"عن عبد الرحمن بن محمد" هذا. وأن ذاك هو الدليل على أن المراد ب"ابن جدعان" هو"عبد الرحمن بن محمد". والذي رأيته في الأدب المفرد (ص: 29) بهذا الإسناد حديث مطول، ولكن ليس فيه كلمة"المستشار مؤتمن". فالظاهر أنهما يريدان أصل الحديث. ولكن رواية البخاري هي التي كشفت عن الصواب في اسم"ابن جدعان".

وجدة ابن جدعان - هذه - مجهولة، لم يعرف اسمها. وعندي أن جهالتها لا تضر. فالغالب - فيما أرى - أنها صحابية. لأن عبد الرحمن بن محمد تابعي، روى عن عائشة، وعن ابن عمر. فجدته يكلد العارف أن يوقن أنها صحابية، أو مخضرمة على الأقل. والنساء في تلك العصور لم يعرفن باصطناع الروايات. ولذلك قال الذهبي في الميزان (3: 395) : "فصل في النسوة المجهولات. وما علمت في النساء من اتهمت، ولا من تركوها". وقوله هنا"عن جدته" - في المطبوعة"عمن حدثه"! وهو تحريف. وفي مطبوعة ابن كثير 2: 432- حين نقل هذا الحديث عن الطبري -"عن ابن جدعان، حدثه"! وهو تحريف أيضًا. وصوابه، كما أثبتنا"عن جدته". وقد ثبت على الصواب في مخطوطة الأزهر من تفسير ابن كثير (2: 273 نسخة مصورة عندي) .

والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8: 173. وقال: "رواه أبو يعلى، والطبراني. وفيه جدة ابن أبي مليكة، ولم أعرفها. وبقية رجاله ثقات".

و"جدة ابن أبي مليكة": هي"جدة ابن جدعان"، لأن ابن جدعان - هنا -: هو"عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان". فهو ابن أخي"علي بن زيد بن جدعان"، وقد نسبوا إلى جدهم الأعلى. إذ"علي بن زيد": هو"علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان". وإنما الذي اشتهر عند المحدثين باسم"ابن أبي مليكة" - فهو"عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة زهير

". وهو ابن عم"علي بن زيد".

ص: 283

9294 -

حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا حسين المعلم = وحدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، حدثنا حسين المعلم = وحدثنا حاتم بن بكر الضبيّ قال، حدثنا عبد الأعلى، عن حسين المعلم = قال، حدثنا أبي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم فتح مكة: فُوا بحلفٍ، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا تُحدثوا حلفًا في الإسلام". (1)

(1) الحديث: 9294 - حاتم بن بكر الضبي - شيخ الطبري: هكذا ثبت هنا اسم أبيه"بكر". وقد مضى في: 3222 بالتصغير"بكير". وبينا هناك أنه ثبت في التقريب والتهذيب"بكر"، وفي الخلاصة"بكير". وها هو ذا الاختلاف وقع في موضعين من الطبري. ثم رجعت إلى النسخة المخطوطة المصورة من تهذيب الكمال، ص: 214، فظهر أن ناسخها أسقط كلمة"بكر" فأثبته"حاتم بن غيلان"، ممنسوبًا إلى جده. وهو سهو من الناسخ يقينًا، لأنه أثبته قبل ترجمة"حاتم بن حريث". ولو كان أصله"حاتم بن غيلان" لأخره إلى موضعه في حرف الغين في آباء من اسمه"حاتم"، فيكون موضعه بعد"حاتم بن العلاء". فبقي الإشكال في اسم أبيه كما هو؟

وهذا الحديث رواه الطبري هنا، مختصرًا، بثلاثة أسانيد: عن"حميد بن مسعدة، عن حسين المعلم". ثم عن"مجاهد بن موسى، عن يزيد بن هارون، عن حسين المعلم". ثم عن"حاتم بن بكر الضبي، عن عبد الأعلى، عن حسين المعلم". ثم يقول حسين المعلم"حدثنا أبي، عن عمرو بن شعيب".

وفي هذه الأسانيد إشكالان:

أولهما: أن"حميد بن مسعدة" مات سنة 244، فمن المحال أن يروى عن"حسين المعلم"، ويقول -كما هنا -"حدثنا حسين المعلم". لأن حسينًا مات سنة 145، فبين وفاتيهما 99 سنة!! والراجح عندي أن يكون الناسخون أسقطوا شيخًا بين حميد وحسين.

وثانيهما: أن"حسينًا المعلم": هو"حسين بن ذكوان". وهو يروي عن عمرو بن شعيب مباشرة. ولو كان هذا وحده لكان هناك احتمال أن يروي عنه أيضًا بواسطة أبيه. ولكن الإشكال في أن"ذكوان" والد"حسين المعلم" ليس له ذكر في دوواين الرجال بشيء من الرواية، ولا ذكر أحد أن ابنه يروي عنه. فأنا أرجح أيضًا أن يكون قوله هنا"حدثنا أبي" زيادة خطأ من الناسخين.

ويؤيد أن زيادة"حدثنا أبي" تخليط من الناسخين - أن ابن كثير حين أشار إلى هذا الإسناد 2: 432، قال:"ثم رواه - يعني الطبري - من حديث حسين المعلم، وعبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، به". فذكر أن حسينًا رواه عن عمرو بن شعيب. ولم يذكر أنه"عن حسين عن أبيه".

وأما الحديث نفسه، فإنه سيأتي معناه، من رواية محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب: 9297، 9298، ومن رواية عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو:9299. ويأتي تخريجه هناك، إن شاء الله.

ص: 284

9295 -

حدثنا أبو كريب وعبدة بن عبد الله الصفار قالا حدثنا محمد بن بشر قال، حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال، حدثني سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جبير بن مطعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: لا حلف في الإسلام، وأيُّما حِلف كان في الجاهلية، فلم يزده الإسلام إلا شدة. (1)

(1) الحديث: 9295 - زكريا بن أبي زائدة الهمداني الوادعي: ثقة معروف، من شيوخ شعبة والثوري. أخرج له الجماعة.

سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، قاضي المدينة: ثقة كثير الحديث، وهو ثبت لا شك فيه. أخرج له الجماعة.

أبوه"إبراهيم بن عبد الرحمن": تابعي ثقة، من كبار التابعين. مترجم في التهذيب. والكبير 1 / 1 / 295، وابن سعد 5: 39-40، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 111.

"جبير بن مطعم": صحابي معروف، من قريش، من بني نوفل. قدم المدينة في فداء أسارى بدر. ثم أسلم بعد ذلك.

والحديث رواه أحمد في المسند: 16832ج4 ص83 حلبي، من طريق زكريا، وهو ابن أبي زائدة - بهذا الإسناد.

وكذلك رواه مسلم 2: 270، والبيهقي 6: 262- كلاهما من طريق زكريا.

وذكره ابن كثير 2: 432-433، من رواية المسند. ثم أشار إلى أنه رواه مسلم، وأبو داود، وابن جرير، والنسائي.

ص: 285

9296 -

حدثنا حميد بن مسعدة ومحمد بن عبد الأعلى قالا حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق = وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق = عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: شهدت حلف المطيِّبين. وأنا غلام مع عُمومتي، فما أحبّ أن لي حٌمرَ النعم وأني أنْكُثُه = زاد يعقوب في حديثه عن ابن علية. قال: وقال الزهري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يُصب الإسلام حلفًا إلا زاده شدة. قال: ولا حلفَ في الإسلام. قال: وقد ألَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قُريش والأنصار. (1)

(1) الحديث: 9296 - بشر بن المفضل بن لاحق البصري: ثقة من شيوخ أحمد وإسحاق وابن المديني. أخرج له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 1 / 2 / 84، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 366.

وهذا الحديث رواه الطبري بإسنادين من طريق عبد الرحمن بن إسحاق.

وهو: "عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله العامري". وهو ثقة، وثقه ابن معين وغيره، وأخرج له مسلم. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 1 / 1 / 52، وابن سعد 5: 151-152، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 218.

والحديث رواه أحمد: 1655، عن بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق - بهذا الإسناد.

ثم روى له أوله: 1676، عن إسماعيل، وهو ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق.

وكذلك روى البخاري أوله، في الأدب المفرد، ص: 83، من طريق ابن علية. ووقع فيه هناك خطأ مطبعي، يصحح من هذا الموضع.

وهذا الحديث في حقيقته حديثان:

أولهما: حديث متصل، من حديث عبد الرحمن بن عوف.

وثانيهما: حديث مرسل. وهو قول الزهري: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

" - إلى آخره.

وقد فصلنا القول في ذلك في المسند: 1655.

ص: 286

9297 -

حدثنا تميم بن المنتصر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عامَ الفتح، قام خطيبًا في الناس فقال:"يا أيها الناس، ما كان من حِلف في الجاهلية فإنّ الإسلام لم يزده إلا شدة، ولا حلف في الإسلام".

9298 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

9299 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد قال، حدثنا سليمان بن بلال قال، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. (1)

* * *

(1) الأحاديث: 9297-9299، هي ثلاثة أسانيد لحديث واحد. وقد مضى بنحوه:9294.

يزيد - في الإسناد الأول: هو يزيد بن هارون.

عبد الرحمن - في الإسناد الثالث: هو عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة.

والحديث رواه أحمد في المسند - ضمن حديث مطول: 6692، عن يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق. وأشرنا إلى كثير من أسانيده هناك، وفي الاستدراك:2832.

ورواه البخاري في الأدب المفرد، ص: 83-84، مختصرًا كما هنا، عن خالد بن مخلد، بالإسناد الأخير هنا.

وذكره ابن كثير 2: 432، عن الرواية: 9298 هنا. ثم أشار إلى الروايتين: 9294، 9299.

ص: 287

قال أبو جعفر: فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحًا = وكانت الآية إذا اختُلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ، (1) غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ - مع اختلاف المختلفين فيه، ولوجُوب حكمها وَنفي النسخ عنه وجه صحيحٌ - (2) إلا بحجة يجب التسليم لها، لما قد بينَّا في غير موضع من كتبنا الدلالةَ على صحةِ القول بذلك (3) = (4) فالواجب أن يكون الصحيح من القول في تأويل قوله:"والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، هو ما ذكرنا من التأويل، وهو أن قوله:"عقدت أيمانكم" من الحلف، وقوله:"فآتوهم نصيبهم" من النصرة والمعونة والنصيحة والرأي، على ما أمرَ به من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخبار التي ذكرناها عنه = (5) دون قول من قال:"معنى قوله: فآتوهم نصيبهم، من الميراث"، وان ذلك كان حكما ثم نُسخ بقوله:"وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله"، ودونَ ما سِوَى القول الذي قلناه في تأويل ذلك. (6)

وإذْ صَحّ ما قلنا في ذلك، وجب أن تكون الآية محكمة لا منسوخةً. (7)

* * *

(1) في المخطوطة والمطبوعة: "منسوخ هي"، خطأ، صوابه ما أثبت.

(2)

سياق العبارة: "غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ

إلا بحجة يجب التسليم لها"، والذي بينهما قيد اعترض به بين طرفي الكلام.

(3)

انظر مقالته في: "الناسخ والمنسوخ" فيما سلف: 131، والتعليق 1، والمراجع هناك.

(4)

قوله: "فالواجب

"، جواب قوله آنفًا: "فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحًصا".

(5)

السياق: "فالواجب أن يكون الصحيح من القول

هو ما ذكرنا من التأويل

دون قول من قال".

(6)

في المطبوعة والمخطوطة: "دون ما سوى القول" بلا واو عاطفة، والصواب إثبات"واو العطف"، عطفًا على قوله آنفًا:"دون قول من قال".

(7)

أشكل على ابن كثير هذا الموضع من كلام الطبري فرواه عنه ثم قال: "وفيه نظر، فإن من الحلف ما كان على المناصرة والمعاونة، ومنه ما كان على الإرث، كما حكاه غير واحد من السلف وكما قال ابن عباس: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه، حتى نسخ ذلك. فكيف يقول: إن هذه الآية محكمة غير منسوخة، والله أعلم".

وهذا الذي تعجب منه ابن كثير، قد بينه الطبري، وأقام عليه كل مذهبه، في كل ناسخ ومنسوخ، وقد كرره مرات كثيرة في تفسيره، وقد أعاده هنا عند ذكر الناسخ والمنسوخ فقال: إن الآية إذا اختلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ، واختلف المختلفون في حكمها، وكان لنفي النسخ عنها وإثبات أنها محكمة وجه صحيح، لم يجز لأحد أن يقضي بأن حكمها منسوخ، إلا بحجة يجب التسليم لها. وقد بين أبو جعفر مرارًا أن الحجة التي يجب التسليم لها هي: ظاهر القرآن، والخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما تأويل ابن عباس أو غيره من الأئمة، فليس حجة في إثبات النسخ في آية، لتأويلها على أنها محكمة وجه صحيح.

فالعجب لابن كثير، حين عجب من أبي جعفر في تأويله وبيانه. ولو أنصف لنقض حجة الطبري في مقالته من الناسخ والمنسوخ، لا أن يحتج عليه ويتعجب منه، لحجة هي منقوضة عند الطبري، قد أفاض في نقضها مرارًا في كتابه هذا، وفي غيرها من كتبه كما قال، رحم الله أبا جعفر، وغفر الله لابن كثير.

ص: 288

القول في تأويل قوله: {إٍنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فآتوا الذين عقدت أيمانكم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرأي، فإن الله شاهد على ما تفعلون من ذلك، وعلى غيره من أفعالكم، مُرَاعٍ لكل ذلك، حافظٌ، حتى يجازي جميعَكم على جميع ذلك جزاءه، أما المحسنَ منكم المتبع أمري وطاعتي فبالحسنى، وأما المسيءَ منكم المخالفَ أمري ونهيي فبالسوأى. ومعنى قوله:"شَهيدا"، ذو شهادة على ذلك. (1)

* * *

(1) انظر تفسير"الشهيد" فيما سلف 1: 376-378 / 3: 97. 145 / 6: 60، 75 / 7: 243

ص: 289

القول في تأويل قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (1)"الرجال قوّامون على النساء"، الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم ="بما فضّل الله بعضهم على بعض"، يعني: بما فضّل الله به الرجال على أزواجهم: من سَوْقهم إليهنّ مهورهن، وإنفاقهم عليهنّ أموالهم، وكفايتهم إياهن مُؤَنهنّ. وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهنّ، ولذلك صارُوا قوّامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن.

* * *

وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9300 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"الرجال قوّامون على النساء"، يعني: أمرَاء، عليها أن تطيعه فيما أمرَها الله به من طاعته، وطاعته: أن تكون محسنةً إلى أهله، حافظةً لماله. وفضَّله عليها بنفقته وسعيه.

9301 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض"، يقول: الرجل قائمٌ على المرأة، يأمرها بطاعة الله، فَإن أبت فله أن يضربها ضربًا غير مبرِّح، وله عليها الفضل بنفقته وسعيه.

9302 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "يعني بذلك جل ثناؤه"، والسياق يقتضي ما أثبت.

ص: 290

أسباط، عن السدي:"الرجال قوامون على النساء"، قال: يأخذون على أيديهن ويُؤدّبونهن. (1)

9303 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، سمعت سفيان يقول:"بما فضل الله بعضهم على بعض"، قال: بتفضيل الله الرجال على النساء.

* * *

وذُكر أنّ هذه الآية نزلت في رجل لطم امرأته، فخوصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقضَى لها بالقصاص.

ذكر الخبر بذلك:

9304 -

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا الحسن: أنّ رجلا لطمَ امرأته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يُقِصّها منه، فأنزل الله:"الرجالُ قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، فدعاه النبيّ صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه، وقال: أردتُ أمرًا وأراد الله غيرَه.

9305 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، ذكر لنا أن رجلا لطم امرأته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر نحوه.

9306 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"الرّجال قوّامون على النساء"، قال: صك رجل امرأته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يُقِيدَها منه، فأنزل الله:"الرجال قوامون على النساء".

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "ويؤدبوهن"، وهو سهو من الناسخ، وفي هامش المخطوطة حرف"ط" دلالة على الخطأ، أو كأنه كان هكذا في الأصل الذي نقله عنه، خطأ أيضًا.

ص: 291

9307 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن جرير بن حازم، عن الحسن: أنّ رجلا من الأنصار لطم امرأته، فجاءت تلتمس القصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص، فنزلت:(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)[سورة طه: 114]، ونزلت:"الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضَهم على بعض". (1)

9308 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: لطم رجلٌ امرأته، فأراد النبيّ صلى الله عليه وسلم القصاص. فبيناهم كذلك، نزلت الآية.

9309 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما"الرجال قوامون على النساء"، فإن رجلا من الأنصار كان بينه وبين امرأته كلامٌ فلطمها، فانطلق أهلها، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم:"الرجال قوامون على النساء" الآية.

* * *

وكان الزهري يقول: ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس.

9310 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، سمعت الزهري يقول: لو أن رجلا شَجَّ امرأته أو جَرحها، لم يكن عليه في ذلك قَوَدٌ، وكان عليه العَقل، إلا أن يعدُوَ عليها فيقتلها، فيقتل بها. (2)

* * *

وأما قوله:"وبما أنفقوا من أموالهم"، فإنه يعني: وبما ساقوا إليهن من

(1)"سورة طه" سورة مكية باتفاق، فيقول الحسن إنها نزلت في شأن المرأة الأنصارية وذلك بالمدينة ولا ريب، قول فيه نظر.

(2)

"القود": القصاص. و"العقل" الدية وما أشبهها.

هذا، وبحسب امرئ مسلم أن يحفظ من صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رواه البخاري ومسلم:"أيضرب أحدكم امرأته، ثم يجامعها في آخر اليوم"، وما رواه ابن ماجه:"خياركم خياركم لنسائهم".

ص: 292

صداق، وأنفقوا عليهن من نفقة، كما:-

9311 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: فضله عليها بنفقته وسعيه.

9312 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك مثله.

9313 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، سمعت سفيان يقول:"وبما أنفقوا من أموالهم"، بما ساقوا من المهر.

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: الرجال قوامون على نسائهم، بتفضيل الله إياهم عليهن، وبإنفاقهم عليهنّ من أموالهم.

* * *

و"ما" التي في قوله:"بما فضل الله"، والتي في قوله:"وبما أنفقوا"، في معنى المصدر.

* * *

القول في تأويل قوله: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"فالصالحات"، المستقيمات الدين، العاملات بالخير، (1) كما:-

9314 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، حدثنا عبد الله بن المبارك قال، سمعت سفيان يقول:"فالصالحات"، يعملن بالخير.

* * *

(1) انظر تفسير"الصالح" فيما سلف 3: 91 / 6: 380 / 7: 130.

ص: 293

وقوله:"قانتات"، يعني: مطيعات لله ولأزواجهن، كما:-

9315 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"قانتات"، قال: مطيعات.

9316 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"قانتات"، قال: مطيعات.

9317 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. (1)

9318 -

حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"قانتات"، مطيعات.

9319 -

حدثنا الحسن بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"قانتات"، أي: مطيعات لله ولأزواجهن.

9320 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال:"مطيعات".

9321 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"القانتات"، المطيعات.

9322 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت سفيان يقول في قوله:"قانتات"، قال: مطيعات لأزواجهن.

وقد بينا معنى"القنوت" فيما مضى، وأنه الطاعة، ودللنا على صحة ذلك من الشواهد بما أغنى عن إعادته. (2)

* * *

(1) الأثر: 9317 - هذا الأثر زدته من المخطوطة وقد حذفته المطبوعة، وقد أحسن في حذفه لأنه تكرار لا معنى له للذي قبله، ولكني أثبته هنا مخافة أن يكون الناسخ قد تجاوز بصره، فوضع الإسناد مرة أخرى كما هو، ويكون في الإسناد خلاف أخطأه نظره.

(2)

انظر ما سلف 2: 538، 539 / 5: 228--237 / 6: 264، 401.

ص: 294

وأما قوله:"حافظات للغيب"، فإنه يعني: حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن، في فروجهن وأموالهم، وللواجب عليهن من حق الله في ذلك وغيره، كما:-

9323 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"حافظات للغيب"، يقول: حافظات لما استودعهن الله من حقه، وحافظات لغيب أزواجهن.

9324 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"حافظات للغيب بما حفظ الله"، يقول: تحفظ على زوجها مالَه وفرجَها حتى يرجع، كما أمرَها الله.

9325 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء ما قوله:"حافظات للغيب"، قال: حافظات للزوج.

9326 -

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج: سألت عطاء عن"حافظات للغيب"، قال: حافظات للأزواج.

9327 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، سمعت سفيان يقول:"حافظات للغيب"، حافظات لأزواجهن، لما غاب من شأنهن.

9328 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا أبو معشر قال، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرُ النساء امرأةٌ إذا نظرتَ إليها سرَّتك، وإذا أمرَتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك. قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الرجال قوامون على النساء" الآية. (1)

* * *

(1) الأثر: 9328 - في المطبوعة والمخطوطة: "سعيد عن أبي سعيد المقبري"، وهو خطأ ظاهر، كما سيتبين لك من تخريجه؛ أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده: 306 من حديث أبي معشر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وذكر ابن كثير في تفسيره 2: 436، أن ابن أبي حاتم"رواه عن يونس بن حبيب، عن أبي داود الطيالسي، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، به سواء". فإن يكن ذلك كذلك، فقد أخطأ ابن أبي حاتم في روايته عن أبي داود، فالثابت في مسنده أنه من حديثه عن أبي معشر، ولعله وهم، فإن الآثار التي قبله مباشرة، رواها أبو داود من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري.

وهذا الأثر نسبه السيوطي في الدر المنثور 2: 151، لابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، والبيهقي في سننه. والذي وجدته في المستدرك للحاكم 2: 161، من طريق ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، بمعناه بغير هذا اللفظ، مختصرًا، وقال:"صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه". ولم أعرف مكانه في سنن البيهقي.

ص: 295

قال أبو جعفر: وهذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدُلّ على صحة ما قلنا في تأويل ذلك، وأن معناه: صالحاتٌ في أديانهن، مطيعاتٌ لأزواجهن، حافظات لهم في أنفسهنّ وأموالهم.

* * *

وأما قوله:"بما حفظ الله"، فإن القرأة اختلفت في قراءته.

فقرأته عامة القرأة في جميع أمصار الإسلام: (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) ، برفع اسم"الله"، على معنى: بحفظ الله إياهن إذ صيَّرهن كذلك، كما:-

9329 -

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج سألت عطاء عن قوله:"بما حفظ الله"، قال يقول: حفظهن الله.

9330 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت سفيان يقول في قوله:"بما حفظ الله"، قال: بحفظ الله إياها، أنه جعلها كذلك.

* * *

وقرأ ذلك أبو جعفر يَزيد بن القَعْقاع المدني (1)(بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) يعني:

(1)"أبو جعفر: يزيد بن القعقاع المدني المخزومي" مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، أحد القراء العشرة، تابعي مشهور كبير القدر، أتوا به إلى أم سلمة أم المؤمنين، وهو صغير، فمسحت على رأسه ودعت له بالبركة، وصلى بابن عمر. كان إمام أهل المدينة في القراءة فسمي"القارئ" قال ابن معين:"كان ثقة قليل الحديث". طبقات القراء 2: 382-384.

ص: 296

بحفظهنّ الله في طاعته وأداء حقه بما أمرهن من حفظ غَيب أزواجهن، كقول الرجل للرجل:"ما حَفِظتَ اللهَ في كذا وكذا"، بمعنى: ما راقبته ولا حِفْتَهُ. (1)

* * *

قال أبو جعفر: والصوابُ من القراءة في ذلك ما جاءت به قرأة المسلمين من القراءة مجيئًا يقطع عذرَ من بَلغه ويُثبّتُ عليهُ حجته، دون ما انفرد به أبو جعفر فشذّ عنهم. وتلك القراءة ترفع اسم"الله" تبارك وتعالى:(بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) ، مع صحة ذلك في العربية وكلام العرب، وقُبح نصبه في العربية، لخروجه عن المعروف من منطق العرب.

وذلك أن العربَ لا تحذف الفاعلَ مع المصادر، من أجل أنّ الفاعل إذا حذف معها لم يكن للفعل صاحبٌ معروف.

* * *

وفي الكلام متروك استغني بدلالة الظاهر من الكلام عليه من ذكره، ومعناه: فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، فاحسِنوا إليهن وأصلحوا.

* * *

وكذلك هو فيما ذكر في قراءة ابن مسعود.

9331 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال، حدثنا عيسى الأعمى، عن طلحة بن مصرف قال: في قراءة عبد الله: (فالصالحات قانتات للغيب بما حفظ الله فأصلحوا إليهن واللاتي تخافون نشوزهن) .

9332 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل. قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) ، فأحسنوا إليهنّ.

(1) في المخطوطة: "راقبته ولا خفته"، وفي المطبوعة:"راقبته ولاحظته" وصواب قراءة المخطوطة ما أثبت، بزيادة"ما" قبل"راقبته"، وقوله:"ولا خفته" من الخوف.

ص: 297

9333 -

حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله"، فأصلِحوا إليهن.

9334 -

حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله"، يعني: إذا كن هكذا، فأصلحوا إليهنّ.

* * *

القول في تأويل قوله: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} (1)

اختلف أهلُ التأويل في معنى قوله:"واللاتي تخافونُ نشوزهن".

فقال بعضهم: معناه: واللاتي تعلمون نشوزهن. ووجه صرف"الخوف"، في هذا الموضع، إلى"العلم"، في قول هؤلاء، نظيرُ صرف"الظن" إلى"العلم"، لتقارب معنييهما، إذ كان"الظن"، شكًّا، وكان"الخوفُ" مقرونًا برَجاء، وكانا جميعًا من فعل المرء بقلبه (2) كما قال الشاعر:(3)

وَلا تَدْفِنَنَّي فِي الْفَلاةِ فَإِنَّني

أَخَافُ إذَا مَا مِتُّّ أَنْ لا أَذُوقُهَا (4)

معناه: فإنني أعلم، وكما قال الآخر:(5)

(1) لم يذكر في المخطوطة والمطبوعة: "فعظوهن"، مع أنه فسرها بعد، ولم يفردها عن هذا الموضع.

(2)

انظر تفسير"الخوف" فيما سلف 3: 550، 551.

(3)

هو أبو محجن الثقفي.

(4)

سلف البيت وتخريجه في 3: 551، وأزيد هنا، معاني القرآن للفراء 1: 146، 265، مع اختلاف يسير في الرواية، ونسيت هناك أن أرده إلى هذا الموضع، فألحق ذلك بمكانه هناك.

(5)

هو أبو الغول الطهوي.

ص: 298

أَتَانِي كَلامٌ عَنْ نُصَيْبٍ يَقُوُلُهُ

وَمَا خِفْتُ، يَا سَلامُ أَنَّكَ عَائِبي (1)

بمعنى: وما ظننتُ.

* * *

وقال جماعة من أهل التأويل: معنى"الخوف" في هذا الموضع: الخوف الذي هو خلاف"الرجاء". قالوا: معنى ذلك: إذا رأيتم منهن ما تخافون أن ينشزن عليكم، من نظر إلى ما لا ينبغي لهن أن ينظرن إليه، ويَدخُلن ويخرجن، واسترْبتم بأمرهن، فعِظُوهن واهجروهنّ. وممن قال ذلك محمد بن كعب. (2)

* * *

وأما قوله:"نشوزهن"، فإنه يعني: استعلاءَهن على أزواجهن، وارتفاعهن عن فُرُشهم بالمعصية منهن، والخلاف عليهم فيما لزمهنّ طاعتهم فيه، بغضًا منهن وإعراضًا عنهم.

* * *

وأصل"النشوز" الارتفاع. ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض:"نَشْز" و"نَشَاز". (3)

="فعظوهن"، يقول: ذكّروهن الله، وخوِّفوهن وعيدَه، في ركوبها ما حرّم الله عليها من معصية زوجها فيما أوجب عليها طاعته فيه. (4)

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال:"النشوز"، البغضُ ومعصيةُ الزوج.

9335 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا

(1) سلف تخريجه وشرحه فيما مضى 3: 550، وأزيد هنا معاني القرآن للفراء 1: 146، 265. وكان في المطبوعة هنا"أنك عاتبي"، وهو خطأ فاسد، وهو في المخطوطة غير منقوط.

(2)

سيأتي خبر محمد بن كعب القرظي، برقم:9342.

(3)

انظر تفسير"النشوز"، و"النشز" فيما سلف 5: 475، 476.

(4)

انظر تفسير"الوعظ" فيما سلف 2: 180، 181 / 6: 14 / 7: 233.

ص: 299

أسباط، عن السدي:"واللاتي تخافون نشوزهن"، قال: بغضهن.

9336 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"واللاتي تخافون نشوزهن"، قال: التي تخاف معصيتها. قال:"النشوز"، معصيته وخِلافه.

9337 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"واللاتي تخافون نشوزهن"، تلك المرأة تنشز، (1) وتستخفّ بحق زوجها ولا تطيع أمره. (2)

9338 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا روح قال، حدثنا ابن جريج قال، قال عطاء:"النشوز"، أن تحبَّ فراقَه، والرجلُ كذلك.

* * *

ذكر الرواية عمن قال ما قلنا في قوله:"فعظوهن".

9339 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"فعظوهن"، يعني: عظوهن بكتاب الله. قال: أمره الله إذا نشزت أن يعظَها ويذكّرها الله، ويعظِّم حقّه عليها. (3)

9340 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن"، قال: إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها يقول لها:"اتقي الله وارجعي إلى فراشك"! فإن أطاعته، فلا سبيلَ له عليها.

9341 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم،

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "قيل المرأة تنشز"، وهو كلام فاسد جدًا، والصواب من الدر المنثور 2: 154، 155، والسنن الكبرى 7:303.

(2)

الأثر: 9337 - رواه البيهقي في السنن 7: 303، من طريق عثمان بن سعيد، عن عبد الله بن صالح، بمثله مطولا، وسيروي الطبري جزءًا منه برقم: 9339 ثم رقم: 9356.

(3)

الأثر: 9339 - سنن البيهقي 3: 303، وانظر التعليق على الأثر:9337.

ص: 300

عن يونس، عن الحسن قال: إذا نشزت المرأة على زوجها فليعظْها بلسانه. يقول: يأمرها بتقوى الله وطاعته.

9342 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قال: إذا رأى الرجل خِفّةً في بَصرها، (1) ومدخلَها ومخرجَها. قال يقول لها بلسانه:"قد رأيت منك كذا وكذا، فانتَهِي"! فإن أعْتَبت، فلا سبيل له عليها. وإن أبت، هَجر مَضجعها. (2)

9343 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"فعظوهن"، قال: إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها، فإنه يقول لها:"اتقي الله وارجعي".

9344 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عطاء:"فعظوهن"، قال: بالكلام.

9345 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قوله:"فعظوهن"، قال: بالألسنة.

9346 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير:"فعظوهن" قال: عظُوهن باللسان. (3)

* * *

(1) في المطبوعة: "إذا رأى الرجل تقصيرها في حقه"، وعلق عليه بقوله:"في بعض النسخ: إذا رأى الرجل خفة في بصرها، وفي مدخلها ومخرجها"، والذي في بعض النسخ، هو الذي في مخطوطتنا، مع حذف"في" قبل"وفي مدخلها"، وهذا هو الصواب المحض، والذي في المطبوعة لا شك في أنه تصرف قبيح من ناسخ. وذلك أن أبا جعفر ذكر هذا آنفًا ص: 299س: 5: "إذا رأيتم منهن ما تخافون أن ينشزن، من نظر إلى ما لا ينبغي لهن أن ينظرن إليه"، ونسبه إلى محمد بن كعب القرظي، وهذا هو معنى"وخفة في بصرها"، أي: أنها تطمح ببصرها إلى غيره من الرجال.

(2)

الأثر: 9342 - سيأتي آخره برقم: 9364. وقوله: "ومدخلها ومخرجها" بالنصب فيهما عطفًا على قوله: "خفة"، وهي مفعول"رأى". وقوله: "أعتبت"، من قولك:"أعتبني فلان"، إذا ترك ما كنت تجد عليه من أجله، ورجع إلى ما أرضاك عنه، بعد إسخاطه إياك عليه.

(3)

الأثر: 9346 -"عمرو بن أبي قيس الرازي"، مضت ترجمته برقم:8611.

ص: 301

القول في تأويل قوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معنى ذلك: فعظوهن في نشوزهن عليكم، أيها الأزواج، فإن أبينَ مراجعة الحقّ في ذلك والواجب عليهن لكم، فاهجروهن بترك جماعهنَ في مضاجعتكم إياهن.

*ذكر من قال ذلك:

9347 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"فعظوهن واهجروهن في المضاجع"، يعني: عظوهن، فإن أطعنكم، وإلا فاهجروهنّ.

9348 -

حدثني محمد بن مسعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"واهجروهن في المضاجع"، يعني بالهجران: أن يكون الرجل وامرأته على فراش واحد لا يجامعها.

9349 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: الهجر هجرُ الجماع.

9350 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما"تخافون نشوزهن"، فإن على زوجها أن يعظها، فإن لم تقبل فليهجرها في المضجع. يقول: يرقدُ عندها ويولِّيها ظهره ويطؤُها ولا يكلمها = هكذا في كتابي:"ويطؤها ولا يكلِّمها". (1)

(1) قوله: "هكذا في كتابي" من كلام أبي جعفر الطبري، وهذه دقة متناهية، وأمانة بالغة، مع مخافة فساد المعنى من وجوه، ولكنه أثبته كما وجده في كتابه، مخافة أن يكون عنى أن الهجر هجر الكلام وحده، لا هجر الوطء وإن كان الراجح خلاف ذلك، وإلا لضمه إلى القول التالي، وذكره مع الآثار التي في معناه هناك.

ص: 302

9351 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"واهجروهن في المضاجع"، قال: يضاجعها، ويهجر كلامها، ويولِّيها ظهره.

9352 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"واهجروهن في المضاجع"، قال: لا يجامعها.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: واهجروا كلامَهن في تركهن مضاجعتكم، (1) حتى يرجعن إلى مضاجعتكم.

*ذكر من قال ذلك:

9353 -

حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن ابن عباس في قوله:"واهجروهن في المضاجع"، أنها لا تترك في الكلام، ولكن الهِجران في أمر المضجع.

9354-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا أبو حمزة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير:"واهجروهن في المضاجع"، يقول: حتى يأتين مضاجعكم. (2)

9355 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير:"واهجروهن في المضاجع"، في الجماع.

9356 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"واهجروهن في المضاجع"، قال: يعظها فإن هي قبلت، وإلا هجرها في المضجع، ولا يكلمها

(1) في المطبوعة: "واهجروهن واهجروا"، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)

الأثر: 9354 - هذا الأثر مكرر في المخطوطة بنصه مرة أخرى.

ص: 303

من غير أن يَذَر نكاحها، وذلك عليها شديدٌ. (1)

9357 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة:"واهجروهن في المضاجع"، الكلامَ والحديثَ.

* * *

[وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تقربوهن في فرشهن، حتى يرجعن إلى ما تحبّون] . (2)

*ذكر من قال ذلك:

9358 -

حدثني الحسن بن زُرَيق الطهوي قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن منصور، عن مجاهد في قوله:"واهجروهن في المضاجع"، قال: لا تضاجعوهن. (3)

9359 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي قال: الهجران أن لا يضاجعها.

9360 -

وبه قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن عامر وإبراهيم قالا الهجران في المضجع، أن لا يضاجعها على فراش.

9361 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم والشعبي أنهما قالا في قوله:"واهجروهن في المضاجع"، قالا يهجر مضاجعتها حتى ترجع إلى ما يحبّ.

9362 -

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا

(1) الأثر: 9357 - هذا تتمة الأثر السالف رقم: 9337، فانظر التعليق عليه هناك.

(2)

ما بين القوسين، ساقط من المخطوطة والمطبوعة، واستظهرته من معاني الآثار التالية، وهو القول الثالث من الأقوال الأربعة في تفسير الآية.

(3)

الأثر: 9358 -"الحسن بن زريق الطهوي الكوفي". روى عن سفيان بن عيينة، وأبي بكر بن عياش، وجماعة. قال العقيلي:"يحدث عن ابن عيينة بحديث ليس له أصل من حديث ابن عيينة" يعني حديث أنس: "يا أبا عمير، ما فعل النغير". فاعتدل له ابن عدي فقال: "لم أر له أنكر منه، فما أدري: وهم فيه، أو أخطأ، أو تعمد، وبقية أحاديثه مستقيمة". مترجم في لسان الميزان 2: 207، 208، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 15.

ص: 304

شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي أنهما كانا يقولان:"واهجروهن في المضاجع"، قالا يهجرُها في المضجع.

9363 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان قال، حدثنا ابن المبارك قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مقسم:"واهجروهن في المضاجع"، قال: هجرها في مضجعها: أن لا يقرب فراشَها.

9364 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قال:"واهجروهن في المضاجع"، قال: يعظها بلسانه، فإن أعتبت فلا سبيل له عليها، وإن أبتْ هجر مضجعها. (1)

9365 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن وقتادة في قوله:"فعظوهن واهجروهن"، قالا إذا خاف نشوزَها وعظها. فإن قبلتْ، وإلا هجر مضجعها.

9366 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"واهجروهن في المضاجع"، قال: تبدأ يا ابن آدم، فتعظها، فإن أبت عليك فاهجرها = يعني به: فراشَها.

* * *

وقال آخرون: معنى قوله:"واهجروهن في المضاجع"، قولوا لهن من القول هُجْرًا في تركهنّ مضاجعتكم.

*ذكر من قال ذلك:

9367 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله:"واهجروهن في المضاجع"، قال: يهجرها بلسانه، ويُغْلظ لها بالقول، ولا يدع جماعها.

9368 -

وبه قال، أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن عكرمة قال: إنما

(1) الأثر: 9364 - هو بعض الأثر السالف رقم: 9342.

ص: 305

الهجران بالمنطق: أنْ يغلظ لها، وليس بالجماع.

9369 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن أبي الضحى في قوله:"واهجروهن في المضاجع"، قال: يهجر بالقول، ولا يهجر مضاجعتها حتى ترجع إلى ما يريد.

9370 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن رجل عن الحسن قال: لا يهجرها إلا في المبيت، في المضجع. ليس له أن يهجر في كلام ولا شيء إلا في الفراش.

9371 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني يعلى، عن سفيان في قوله:"واهجروهن في المضاجع"، قال: في مجامعتها، ولكن يقول لها:"تعالَىْ، وافعلي"، كلامًا فيه غلظة. فإذا فعلتْ ذلك، فلا يكلِّفْها أن تحبه، فإن قلبها ليس في يديها.

* * *

قال أبو جعفر: ولا معنى ل"الهجر" في كلام العرب إلا على أحد ثلاثة أوجه.

أحدها:"هجر الرجل كلام الرجل وحديثه"، وذلك رفضه وتركه، يقال منه:"هَجر فلان أهله يهجرُها هجرًا وهجرانًا".

والآخر: الإكثار من الكلام بترديد كهيئة كلام الهازئ، يقال منه:"هجر فلانٌ في كلامه يَهْجُر هَجْرًا"، إذا هذَى ومدّد الكلمة (1) ="وما زالت تلك هِجِّيراه، وإهْجِيرَاه"، ومنه قول ذي الرمة:

رَمَى فَأَخْطَأَ، وَالأقْدَارُ غَالِبَةٌ

فَانْصَعْنَ وَالْوَيْلُ هِجِّيرَاهُ وَالْحَرَبُ (2)

(1) هذا التفسير لمعنى"الهجر"، وهذه الصفة قلما تصيبها في كتب اللغة، فأثبتها هناك.

(2)

ديوانه: 16، والبيت من قصيدته الناصعة، وهو من الأبيات التي وصف فيها حمر الوحش، وصائدها من قبيلة جلان، جاءت الحمر ظماء إلى الماء، وتخفى لها الصائد قد أعد سهامه، فلما وردت الحمر حين دعاها خرير الماء المنسكب، ولم تكد تشرب منه نغبًا تكسر ما تلقى من حرارة العطش، حتى رماها الصائد فأخطأها، على مهارته وحذقه، فإن قدر الله غالب كل مقتدر ="فانصعن" أي: تفرقن هاربات، وبقي الصائد دائبًا يدعو على نفسه بالويل والحرب. و"هجيراه" دأبه، ألح إلحاحًا على ذلك لما أخفق. و"الحرب" نهب مال الإنسان وتركه لا شيء له، يدعو على نفسه بذلك من الغيظ.

ص: 306

والثالث:"هَجَر البعير"، إذا ربطه صاحبه بـ "الهِجَار"، وهو حبل يُربط في حَقْويها ورُسغها، (1) ومنه قول امرئ القيس:

رَأَتْ هَلَكًا بِنِجَافِ الْغَبِيطِ

فَكَادَتْ تَجُدُّ لِذَاكَ الْهِجَارَا (2)

فأما القول الذي فيه الغلظة والأذى، فإنما هو"الإهجار"، ويقال منه:"أهجر فلان في منطقه" = إذا قال"الهُجْر"، (3) وهو الفحش من الكلام ="يُهْجر إهجارًا وهُجرًا".

* * *

فإذ كان لا وجه لـ "الهَجْر" في الكلام إلا أحد المعاني الثلاثة (4) = وكانت المرأة المخوف نشوزُها، إنما أمر زوجها بوعظها لتنيب إلى طاعته فيما يجب عليها له من موافاته عند دعائه إياها إلى فراشه = فغير جائز أن تكون عظته لذلك حتى تفيء المرأة إلى أمر الله وطاعة زوجها في ذلك، (5) ثم يكون الزوج مأمورًا

(1) الحقوان، واحدهما حقو (بفتح فسكون) : الخاصرتان.

(2)

ديوانه: 93، معجم ما استعجم: 991، واللسان (هلك) ثاني بيتين، قالهما في ناقته، والأول: أَرَى نَاقَةَ الْقَيْسِ قَدْ أَصْبَحَتْ

عَلَى الأيْنِ ذَاتَ هِبَابٍ نَوَارَا

"القيس" يعني نفسه. و"الأين" شدة التعب. و"الهباب": النشاط: و"النوار"، النفور من شدة بأسها وقوتها. و"الهلك" (بفتحتين) : ما بين أعلى الجبل وأسفله، أو المهواة بين الجبلين، أو الشق الذاهب في الأرض. و"الغبيط" صحراء متسعة لبني يربوع، وسطها منخفض وطرفها مرتفع، كهيئة الغبيط = وهو الرحل اللطيف = وذكره امرؤ القيس في كثير من شعره. و"النجاف" جمع"نجف" جمع"نجفة": وهي أرض مستطيلة مرتفعة لا يعلوها الماء، تكون في بطن الوادي شبه جدار ليس بالعريض. وقوله"تجد" أي: تقطع حبل الهجار = وهو حبل يشد في رسغها = وذلك نفورًا من المهواة التي أفزعتها.

(3)

"الهجر" هنا بضم الهاء وسكون الجيم.

(4)

يعني"الهجر" بفتح الهاء وسكون الجيم.

(5)

في المطبوعة: "ثم تصير"، وفي المخطوطة مثله، إلا أنه كتب"تصير" بقلم مضطرب، والظاهر أن الناسخ لم يستطع قراءة الكلمة على وجهها فاضطرب قلمه. والصواب المحض"تفيء" أي ترجع، وأما "ثم" فهو سهو منه، بل هي"حتى" كما أثبتها، وهي حق السياق.

ص: 307

بهجرها في الأمر الذي كانت عظته إياها عليه.

وإذ كان ذلك كذلك، بطلَ قولُ من قال:"معنى قوله:"واهجروهن في المضاجع، واهجروا جماعهن".

= أو يكون - إذ بطل هذا المعنى - بمعنى (1) واهجروا كلامهن بسبب هجرهنّ مضاجعكم. وذلك أيضًا لا وجه له مفهومٌ. لأن الله تعالى ذكره قد أخبر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: أنه لا يَحِل لمسلم أن يهجر أخاه فَوْقَ ثلاث. (2) على أن ذلك لو كان حلالا لم يكن لهجرها في الكلام معنًى مفهوم. لأنها إذا كانت عنه منصرفةً وعليه ناشزًا، فمن سُرورها أن لا يكلمها ولا يَرَاها ولا تراه، فكيف يُؤْمر الرجل = في حال بُغض امرأته إياه، وانصرافها عنه = بترك ما في تركه سُرُورها، من ترك جماعها ومحادثتها وتكليمها؟ (3) وهو يؤمر بضربها لترتدع عما هي عليه من ترك طاعته، إذا دعاها إلى فراشه، وغير ذلك مما يلزمها طاعته فيه. (4) =

(1) في المطبوعة: "فمعنى: واهجروا

" والفاء هنا خطأ لا شك فيه، ولكن ناسخ المخطوطة كتب"لمعنى" باء، ثم وضع نقطة النون على الباء، فأساء الناشر قراءتها.

(2)

هو من حديث أنس بن مالك، رواه البخاري (الفتح 10: 413) : "عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَبَاغَضُوا، ولا تَحاسدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكونوا عِبَاد اللهِ إخوانًا، ولا يحلُّ لامرئ مُسْلِمٍ أنْ يهجُرَ أَخاهُ فوق ثلاثٍ".

وحديث أبي أيوب الأنصاري: "لا يحِلُّ لرجُل أن يهجُرَ أخاهُ فَوقَ ثلاثٍ، يلتقيانِ، فيُعْرض هذا ويُعرِض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسَّلام"، (الفتح 10: 413) .

(3)

في المطبوعة: "مجاذبتها"، واخترت قراءتها كما أثبتها، وهي في المخطوطة غير منقوطة.

(4)

هذه الحجة جيدة جدًا، إذا اقتصر المرء على صورة واحدة من صور النشوز، وعلة واحدة هي التي ذكرها أبو جعفر. ولكن للنشوز صور عديدة، وعلله مختلفات، وهذه الآية أدب عام يعمل به المرء المسلم عند حاجته إليه عند مخافة النشوز أو معرفته ومعرفة أسبابه. وسترى أن أبا جعفر قد أسقط جميع الأقوال، ليفضي إلى تأويله الذي ذهب إليه، وسنذكر رد أبي بكر بن العربي عليه في تعليق يأتي في آخر مقالة أبي جعفر.

ص: 308

أو يكون - إذ فسد هذان الوجهان - يكون معناه (1) واهجروا في قولكم لهنّ، بمعنى: ردّدوا عليهن كلامكم إذا كلمتموهن، بالتغليظ لهن. فإن كان ذلك معناه، فلا وجه لإعمال"الهجر" في كناية أسماء النساء الناشزات = أعني في"الهاء والنون" من قوله:"واهجروهن". لأنه إذا أريد به ذلك المعنى، كان الفعل غير واقع، (2) إنما يقال:"هَجَر فلان في كلامه" ولا يقال:"هجر فلان فلانًا".

فإذ كان في كلّ هذه المعاني ما ذكرنا من الخلل اللاحق، فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يكون قوله:"واهجروهن"، موجَّهًا معناه إلى معنى الرّبط بالهجار، على ما ذكرنا من قيل العرب للبعير إذا ربطه صاحبه بحبل على ما وصفنا:"هَجَره فهو يهجره هجْرًا".

* * *

وإذا كان ذلك معناه كان تأويل الكلام: واللاتي تخافون نشوزَهن فعظوهن في نشوزهن عليكم. فإن اتعظن فلا سبيل لكم عليهنّ، وإن أبين الأوْبة من نشوزهن فاستوثقوا منهنّ رباطًا في مضاجعهن = يعني: في منازلهن وبُيوتهن التي يضطجعن فيها ويُضاجعن فيها أزواجهنّ، كما:-

9372 -

حدثني عباس بن أبي طالب قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير، عن شبل قال، سمعت أبا قزعة يحدث، عن عمرو بن دينار، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: يطعمها، ويكسوها، ولا يضرب الوجه، ولا يقبِّح، ولا يهجر إلا في البيت. (3)

(1) تكرار"يكون" هنا في هذا السياق عربي جيد.

(2)

"الفعل الواقع" هو الفعل المتعدي، وانظر فهرس المصطلحات فيما سلف.

(3)

الحديث: 9372 - عباس بن أبي طالب: هو"عباس بن جعفر بن عبد الله". مضت ترجمته في: 880. شبل: هو ابن عباد المكي القارئ. مضى في: 280.

أبو قزعة - بفتح القاف والزاي والعين: هو سويد بن جحير بن بيان. مضت ترجمته في: 8281، 8283.

وقوله هنا: "يحدث عن عمرو بن دينار" - الراجح عندي أنه خطأ ناسخ في زيادة حرف"عن". وأن يكون صوابه"يحدث عمرو بن دينار". أي: أن شبل بن عباد سمع الحديث من أبي قزعة وهو يحدث به عمرو بن دينار. لأن الحديث معروف من حديث أبي قزعة عن حكيم بن معاوية، ليس بينهما واسطة. وأبو قزعة وعمرو بن دينار من طبقة واحدة، فقد يحدث أحدهما عن الآخر. ولكن الواقع هنا - فيما أرى - أن الحديث عن أبي قزعة عن حكيم مباشرة.

ثم استيقنت أن ما استظهرت هو الصواب. فإن هذا الحديث قطعة من حديث مطول، رواه أحمد في المسند 4: 446-447 (حلبي) ، عن عبد الله بن الحارث، وعن يحيى بن أبي بكير - كلاهما عن شبل بن عباد، قال: "سمعت أبا قزعة يحدث عمرو بن دينار، يحدث عن حكيم بن معاوية البهزي

"- إلى آخره. فوقع في مطبوعة المسند"يحدث عن عمرو بن دينار"، بزيادة"عن"، كما في نسخة الطبري هنا. ولكن ثبت في مخطوطة الرياض - من المسند - (ج3 ص1074) ، على الصواب الذي ذكرنا، بحذف كلمة"عن". وهو الصواب إن شاء الله.

حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري: مضت ترجمته وترجمة أبيه في: 873.

والحديث يأتي تمام تخريجه في الرواية الثالثة: 9374.

ص: 309

9373 -

حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن شعبة بن الحجاج، عن أبي قزعة، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم نَحوه. (1)

9374 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا بهز بن حكيم، عن جده قال، قلت: يا رسول الله، نساؤنا، ما نأتي منها وما نذر؟ قال: حرثُك، فأت حرثك أنَّى شئت، غير أن لا تضرب الوجهَ، ولا تقبِّح، ولا تَهجر إلا في البيت، وأطعم إذا طَعِمت، واكْس إذا اكتسيتَ، كيفَ وقد أفضى بعضكم إلا بعض؟ إلا بما حَلّ عليها. (2)

* * *

(1) الحديث: 9373 - الحسن بن عرفة العبدي البغدادي، شيخ الطبري ثقة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 31-32، وتاريخ بغداد 7: 394-396. مات سنة 257 وقد جاوز 110 سنين.

والحديث رواه أحمد 4: 447 (حلبي) ، عن يزيد بن هارون، عن شعبة، بهذا الإسناد.

(2)

الحديث: 9374 - حبان - بكسر الحاء - بن موسى بن سوار السلمي: ثقة من شيوخ البخاري ومسلم. مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 1 / 84، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 271.

وهذا الحديث هو تكرار للحديثين قبله، مطولا. وقد جاء بالأسانيد الصحاح بأطول من هذا أيضًا. ورواه عن حكيم بن معاوية ابناه: بهز وسعيد، وغيرهما. فرواه أحمد في المسند، مطولا ومختصرًا، 4: 446، 447، مرارًا، و5: 3، 5 (حلبي) .

ورواه أبو داود: 2142-2144.

ورواه ابن ماجه: 1850، من طريق يزيد بن هارون، كالرواية التي قبل هذه.

ورواه البيهقي 7: 295، 305، مطولا ومختصرًا. وقال المنذري: 2057، من تهذيب السنن:"اختلف الأئمة في الاحتجاج بهذه النسخة، فمنهم من احتج بها، ومنهم من أبى ذلك. وخرج الترمذي منها شيئًا وصححه". يريد نسخة"بهز بن حكيم عن أبيه عن جده". والحق أنها صحيحة إذا صح الإسناد إلى بهز. وذكره ابن كثير 2: 437 - مختصرًا - دون إسناد، ونسبه للسنن والمسند.

وقوله: "إلا بما حل عليها" - وفي رواية المسند (ج5 ص5) : "إلا بما حل عليهن" - يعني: إلا بما حل لكم عليهن من الضرب الذي أذن الله به لكم إذا خفتم نشوزهن. وهو الذي نص الله عليه في هذه الآية الكريمة: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) . ولا يتجاوز في ذلك الحد الذي أذن الله به: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) .

ص: 310

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال عدّة من أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9375 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن الحسن قال: إذا نشزت المرأة على زوجها فليعظها بلسانه، فإن قبلت فذاك، وإلا ضَربها ضربًا غير مبرّح. فإن رجعت، فذاك، وإلا فقد حَلّ له أن يأخذ منها ويُخَلِّيها.

9376 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن ابن عباس في قوله:"واهجروهن في المضاجع واضربوهن"، قال: يفعل بها ذاك، ويضربها حتى تطيعه في المضاجع، فإذا أطاعته في المضجع، فليس له عليها سبيل إذا ضاجعته.

9377 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا يحيى بن بشر: أنه سمع عكرمة يقول في قوله:"واهجروهن في المضاجع واضربوهن" ضربًا غير مبرح، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اضربوهن

ص: 311

إذا عصينكم في المعروف ضربًا غير مبرّح. (1)

* * *

قال أبو جعفر: فكلّ هؤلاء الذين ذكرنا قولهم: لم يوجبوا للهجر معنى غير الضرب. ولم يوجبوا هجرًا = إذا كان هيئة من الهيئات التي تكون بها المضروبة عند الضرب، (2) مع دلالة الخبر الذي رواه عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بضربهن إذا عصين أزواجهن في المعروف، من غير أمر منه أزواجهن بهجرهن = (3) لما وصفنا من العلة.

قال أبو جعفر: فإن ظنّ ظانٌّ أن الذي قلنا في تأويل الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عكرمة، ليس كما قلنا، وصحّ أن تركَ النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ الرجل بهجر زوجته إذا عصته في المعروف وأمره بضربها قبل الهجر، لو كان دليلا على صحة ما قلنا من أنّ معنى"الهجر" هو ما بيناه = لوجب أن يكون لا معنى لأمر الله زوجَها أن يَعِظها إذا هي نشزت، إذ كان لا ذِكر للعظة في خبر عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم =

= (4) فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا عصينكم في المعروف"، دلالة بينة أنه لم يٌبح للرجل ضرب زوجته، إلا بعد عظتها من نشوزها. وذلك أنه لا تكون لهُ عاصية، إلا وقد تقدّم منه لها أمرٌ أو عِظَة بالمعروف على ما أمرَ الله به. (5)

* * *

(1) الأثر: 9377 - الخبر الذي رواه عكرمة، واحتج به الطبري بعد، خبر مرسل. خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 155، ولم ينسبه لغير ابن جرير.

(2)

يعني بقوله: "إذ كان هيئة من الهيئات

"، أن المرأة المضروبة لا تضرب إلا لأنها هجرت فراش زوجها، فالهجر حالة من حالاتها التي تكون عليها حين تضرب.

(3)

السياق: "ولم يوجبوا هجرًا

لما وصفنا من العلة"، وفصل بينهما بالسبب الذي من أجله لم يوجبوا الهجر.

(4)

قوله: "فإن الأمر في ذلك

" جواب قوله في أول الفقرة السالفة: "فإن ظن ظان"، وفصلت هذه الثانية فقرة مستقلة، لأنها كالجواب، ولئلا تختلط معاني الكلام.

(5)

تأويل الطبري في هذا الموضع لمعنى"الهجر"، وأنه الشد بالهجار، والاستثياق منهن رباطًا في منازلهن وبيوتهن التي يضطجعن فيها ويضاجعن فيها أزواجهن = تأويل مستغرب جدًا، شذ به عن كل تأويل تأوله المتقدمون. وقد استدرك عليه العلماء بعده، فمن أجود من قال في ذلك أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن 1: 175 قال: "يا لها هفوة من عالم بالقرآن والسنة!! وإني لأعجبكم من ذلك: أن الذي جرأه على هذا التأويل، ولم يرد أن يصرح بأنه أخذه منه، وهو حديث غريب، رواه ابن وهب عن مالك: أن أسماء بنت أبي بكر الصديق امرأة الزبير بن العوام

" ثم ذكر قصة ضرب الزبير أسماء وضرتها، وأنه عقد شعر واحدة بالأخرى، وارتفاع أسماء إلى أبي بكر، ونصيحة أبي بكر لها أن تصبر، لأن الزبير رجل صالح، وعسى أن يكون زوجها في الجنة = ثم قال ابن العربي: "فرأى الربط والعقد مع احتمال اللفظ، مع فعل الزبير، فأقدم على هذا التفسير لذلك. وعجبًا له، مع تبحره في العلوم وفي لغة العرب، كيف بعد عليه صواب القول، وحاد عن سداد النظر"!!

واستخراج أبي بكر ضمير الطبري، إذ ذكر الخبر الذي جرأه على هذا التفسير، ليس يعجبني، ولو كان الطبري أراده لذكره كعادته. ولكني أظن أبا جعفر قد تورط في هذا التأويل، للعلل التي قدم ذكرها بعد كلامه في تفسير"الهجر"، وأنه لو كان الكلام"فاهجروهن في المضاجع"، ولم يقل سبحانه قبله"فعظوهن"، لما احتاج أبو جعفر إلى هذا التأويل. وإذن فالذي دعاه إلى هذا التأويل هو تتابع الكلامين"فعظوهن" و"اهجروهن في المضاجع"، ثم إنه أيضًا لم يجد مساغًا للجمع بين معنى"النشوز"، ومعنى"الهجر"، كما قلت في ص: 308 تعليق: 4. ولاستيفاء القول في ذلك مكان غير هذا المكان.

ص: 312

القول في تأويل قوله: {وَاضْرِبُوهُنَّ}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فعظوهن، أيها الرجال، في نشوزهن، فإن أبينَ الإياب إلى ما يلزمهن لكم، فشدّوهن وثاقًا في منازلهن، واضربوهن ليؤبن إلى الواجب عليهن من طاعته الله في اللازم لهنّ من حقوقكم.

* * *

وقال أهل التأويل: صفة الضرب التي أباح الله لزوج الناشز أن يضربها: الضربُ غيرُ المبرِّح.

*ذكر من قال ذلك:

9378 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء،

ص: 313

عن سعيد بن جبير:"واضربوهن"، قال: ضربًا غير مبرح.

9379 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، أخبرنا أبو حمزة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير مثله.

9380 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي قال: الضرب غير مبرّح. (1)

9381 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"واضربوهن"، قال: ضربًا غير مبرح.

9382 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"واهجروهن في المضاجع واضربوهن"، قال: تهجرها في المضجع، فإن أقبلت، وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربًا غير مبرح، ولا تكسر لها عظمًا. فإن أقبلت، وإلا فقد حَلّ لك منها الفدية.

9383 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن وقتادة في قوله:"واضربوهن"، قال: ضربًا غير مبرح.

9384 -

وبه قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال: قلت لعطاء:"واضربوهن"؟ قال: ضربًا غير مبرح.

9385 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"واهجروهن في المضاجع واضربوهن"، قال: تهجرها في المضجع. فإن أبت عليك، فاضربها ضربًا غير مبرح = أي: غير شائن.

9386 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء قال: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرّح؟ قال: السواك وشبهه، يضربها به.

(1) في المطبوعة: "غير المبرح" وأثبت ما في المخطوطة.

ص: 314

9387 -

حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء قال، قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه.

9388 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته:"ضربًا غير مبرح"، قال: السواك ونحوه. (1)

9389 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تهجروا النساء إلا في المضاجع، واضربوهن ضربًا غير مبرح = يقول: غير مؤثّر.

9390 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عطاء:"واضربوهن"، قال: ضربًا غير مبرح.

9391 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا يحيى بن بشر، عن عكرمة مثله.

9392 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"واضربوهن"، قال: إن أقبلت في الهجران، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح.

9393 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب قال: تهجر مضجعها ما رأيتَ أن تنزع. (2) فإن لم تنزع، ضربها ضربًا غير مبرح.

9394 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن:"واضربوهن"، قال: ضربًا غير مبرح.

(1) يعني خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وقد مضى ذلك برقم: 8905، فراجع التخريج هناك.

(2)

"تنزع" أي: تقلع عن نشوزها وتتركه.

ص: 315

9395 -

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا عبد الوارث بن سعيد، عن رجل، عن الحسن قال: ضربًا غير مبرح، غير مؤثر.

* * *

القول في تأويل قوله: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أطعنكم، أيها الناس، نساؤكم اللاتي تخافون نشوزهن عند وعظكم إياهن، فلا تهجروهن في المضاجع. فإن لم يطعنكم، فاهجروهن في المضاجع واضربوهن. فإن راجعنَ طاعتكم عند ذلك وفِئْنَ إلى الواجب عليهن، فلا تطلبوا طريقًا إلى أذاهن ومكروههن، ولا تلتمسوا سبيلا إلى ما لا يحل لكم من أبدانهن وأموالهن بالعلل. وذلك أن يقول أحدكم لإحداهن وهي له مطيعة:"إنك لست تحبّيني، وأنت لي مبغضة"، فيضربها على ذلك أو يُؤذيها. فقال الله تعالى للرجال:"فإن أطعنكم" أي: على بغضهنّ لكم فلا تجنَّوا عليهن، ولا تكلفوهن محبتكم، فإنّ ذلك ليس بأيديهن، فتضربوهن أو تؤذوهن عليه.

* * *

ومعنى قوله:"فلا تبغوا"، لا تلتمسوا ولا تطلبوا، من قول القائل:"بغَيتُ الضالة"، إذا التمستها، (1) ومنه قول الشاعر في صفة الموت:(2)

بَغَاكَ وَمَا تَبْغِيِهِ، حَتَّى وَجَدْتَهُ

كَأَنَّكَ قَدْ وَاعَدْتَهُ أَمْسِ مَوْعِدَا (3)

(1) انظر تفسير: "بغي" فيما سلف 3: 508 / 4: 163 / 6: 196، 564، 570 / 7:53.

(2)

هو سحيم عبد بني الحسحاس.

(3)

مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 4: 163 / 7: 53.

ص: 316

بمعنى: طلبك وما تطلبه.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9396 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله:"فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا"، قال: إذا أطاعتك فلا تتجنَّ عليها العلل.

9397 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال، إذا أطاعته، فليس له عليها سبيل إذا ضاجعته.

9398 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قوله:"فلا تبغوا عليهن سبيلا"، قال: العلل.

9399 -

وقال أخبرنا عبد الرزاق قال: قال الثوري في قوله:"فإن أطعنكم" قال: إن أتت الفراش وهي تبغضه.

9400 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعلى، عن سفيان قال: إذا فعلت ذلك لا يكلفها أن تحبه، لأن قلبها ليس في يديها.

9401 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: إن أطاعته فضاجعته، فإن الله يقول:"فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا".

9402 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا"، يقول: فإن أطاعتك، فلا تبغ عليها العلل.

* * *

ص: 317

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) }

قال أبو جعفر يقول: إن الله ذو علوّ على كل شيء، فلا تبغوا، أيها الناس، على أزواجكم = إذا أطعنكم فيما ألزمهن الله لكم من حق = سبيلا لعلوِّ أيديكم على أيديهن، فإنّ الله أعلى منكم ومن كل شيء عليكم، منكم عليهن (1) = وأكبر منكم ومن كل شيء، وأنتم في يده وقبضته، فاتقوا الله أن تظلموهن وتبغوا عليهن سبيلا. وهن لكم مطيعات، فينتصر لهن منكم ربُّكم الذي هو أعلى منكم ومن كل شيء، وأكبر منكم ومن كل شيء. (2)

* * *

القول في تأويل قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه"وإن خفتم شقاق بينهما"، وإن علمتم أيها الناس (3) ="شقاق بينهما"، وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيانه ما يشق عليه من الأمور. فأما من المرأة، فالنشوز وتركها أداء حق الله

(1) في المطبوعة: "فإن الله أعلى منكم ومن كل شيء، وأعلى منكم عليهن"، وفي المخطوطة: "

، عليهم منكم عليهن"، فأراد الناشر تصحيحه فأفسده، والصواب"عليكم، منكم عليهن" وقوله:"عليكم" من سياق فإن الله أعلى منكم ومن كل شيء عليكم".

(2)

انظر تفسير: "العلي" فيما سلف 5: 405.

(3)

انظر تفسير"الخوف" بمعنى العلم فيما سلف قريبًا ص: 298، تعليق: 2، والمراجع هناك.

ص: 318

عليها الذي ألزمها الله لزوجها. وأما من الزوج، فتركُه إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان.

* * *

و"الشقاق" مصدر من قول القائل:"شاقَّ فلان فلانًا" = إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشق عليه من الأمور ="فهو يُشاقُّه مشاقَّة وشقاقًا"، وذلك قد يكون عداوة، (1) كما:-

9403 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:"وإن خفتم شقاق بينهما"، قال: إن ضربها فأبت أن ترجع وشاقَّته = يقول: عادته.

* * *

وإنما أضيف"الشقاق" إلى"البين"، لأن"البين" قد يكون اسمًا، كما قال جل ثناؤه:(لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ)[سورة الأنعام: 94] ، في قراءة من قرأ ذلك. (2)

* * *

وأما قوله:"فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها"، فإن أهل التأويل اختلفوا في المخاطبين بهذه الآية: مَنِ المأمور ببعثة الحكمين؟ (3)

فقال بعضهم: المأمور بذلك: السلطانُ الذي يرفع ذلك إليه.

*ذكر من قال ذلك:

9404 -

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير: أنه قال في المختلعة: يعظها، فإن انتهت وإلا هجرها. فإن انتهت، وإلا ضربها. فإن انتهت، وإلا رفع أمرَها إلى السلطان، فيبعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، فيقول الحكم الذي من أهلها:"يفعل بها

(1) انظر تفسير"الشقاق" فيما سلف 3: 115، 116، 336.

(2)

هذه القراءة برفع"بينكم"، بمعنى: وصلكم الذي يصل بينكم.

(3)

في المطبوعة: "ببعثه الحكمين"، وهو خطأ في قراءة المخطوطة، وهي غير منقوطة.

ص: 319

كذا"، ويقول الحكم الذي من أهله:"تفعل به كذا". فأيهما كان الظالم ردَّه السلطان وأخذ فوق يديه، وإن كانت ناشزًا أمره أن يَخْلع.

9405 -

حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها"، قال: بل ذلك إلى السلطان.

* * *

وقال آخرون: بل المأمور بذلك: الرجل والمرأة.

*ذكر من قال ذلك:

9406 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها"، إن ضربها. فإن رجعت، فإنه ليس له عليها سبيل. فإن أبت أن ترجع وشاقّته، فليبعث حكمًا من أهله، وتبعث حكمًا من أهلها.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل فيما يُبعث له الحكمان، وما الذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما، وكيف وَجْهُ بَعْثهِما بينهما؟

فقال بعضهم: يبعثهما الزوجان بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما. وليس لهما أن يعملا شيئًا في أمرهما إلا ما وكَّلاهما به، أو وكله كل واحد منهما بما إليه، فيعملان بما وكلهما به مَن وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه، أو توكيل من وُكل منهما في ذلك.

*ذكر من قال ذلك:

9407 -

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، عن عبيدة قال: جاء رجل وامرأته بينهما شقاقٌ إلى علي رضي الله عنه، مع كل واحد منهما فِئام من الناس، (1) فقال علي رضي الله عنه: ابعثوا حكمًا

(1)"الفئام": الجماعة الكثيرة.

ص: 320

من أهله وحكمًا من أهلها. ثم قال للحكمين: تدرِيان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرِّقا أن تفرقا، (1) قالت المرأة: رضيت بكتاب الله، بما عليَّ فيه ولي. قال الرجل: أما الفرقة فلا. فقال علي رضي الله عنه: كذبتَ والله، لا تنقلب حتى تقرَّ بمثل الذي أقرَّت به. (2)

9408 -

حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا هشام بن حسان وعبد الله بن عون، عن محمد: أن عليَّا رضي الله عنه أتاه رجل وامرأته، ومع كل واحد منهما فئام من الناس. فأمرهما علي رضي الله عنه أن يبعثا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، لينظرا. فلما دنا منه الحكمان، قال لهما علي رضي الله عنه: أتدريان ما لكما؟ لكما إن رأيتما أن تفرّقا فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما = قال هشام في حديثه: فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعليّ، فقال الرجل: أما الفرقة فلا! فقال عليّ: كذبتَ والله، حتى ترضى مثل ما رضيت به = وقال ابن عون في حديثه: كذبتَ والله، لا تبرَحُ حتى ترضى بمثل ما رضيت به. (3)

9409 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا منصور وهشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: شهدت عليًّا رضي الله عنه، فذكر مثله. (4)

9410 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط،

(1) في المخطوطة: "فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، إن رأيتما أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا"، سقط من الكلام ما ثبت في المخطوطة، وهو نص ما في المراجع التي سأذكرها بعد.

(2)

الأثر: 9407 - رواه الشافعي في الأم 5: 177 من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن أيوب بن أبي تميمة، بمثله سواء. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 305، 306. وقال الشافعي:"حديث علي ثابت عندنا".

(3)

الأثران: 9408، 9409 - أخرجه البيهقي في السنن 7: 306، مختصرًا.

(4)

الأثران: 9408، 9409 - أخرجه البيهقي في السنن 7: 306، مختصرًا.

ص: 321

عن السدي قال: إذا هجرها في المضجع وضربها، فأبت أن ترجع وشاقّته، فليبعث حكمًا من أهله وتبعث حكمًا من أهلها. تقول المرأة لحكمها:"قد وليتك أمري، فإن أمرتني أن أرجعَ رجعت، وإن فرَّقت تفرقنا"، وتخبره بأمرها إن كانت تريد نفقة أو كرهت شيئًا من الأشياء، وتأمره أن يرفع ذلك عنها وترجع، أو تخبره أنها لا تريد الطلاق، ويبعث الرجل حكمًا من أهله يوليه أمره، ويخبره يقول له حاجته: إن كان يريدها أو لا يريد أن يطلقها، أعطاها ما سألت وزادها في النفقة، وإلا قال له:"خذ لي منها ما لها علي، وطلقها"، فيوليه أمره، فإن شاء طلق، وإن شاء أمسك. ثم يجتمع الحكمان، فيخبر كل واحد منهما ما يريد لصاحبه، ويجهد كل واحد منهما ما يريد لصاحبه. فإن اتفق الحكمان على شيء فهو جائز، إن طلَّقا وإن أمسكا. فهو قول الله:"فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما". فإن بعثت المرأة حكمًا وأبى الرجل أن يبعث، فإنه لا يقربها حتى يبعث حكمًا.

* * *

وقال آخرون: إن الذي يبعث الحكمين هو السلطان، غير أنه إنما يبعثهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما، ليحملهما على الواجب لكل واحد منهما قِبَل صاحبه، لا التفريق بينهما.

*ذكر من قال ذلك:

9411 -

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن = وهو قول قتادة = أنهما قالا إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه. وأما الفرقة، فليست في أيديهما ولم يملَّكا ذلك = يعني:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها".

9412 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا

ص: 322

من أهلها"، الآية، إنما يبعث الحكمان ليصلحا. فإن أعياهما أن يصلحا، شهدا على الظالم بظلمه، وليس بأيديهما فرقة، ولا يملَّكان ذلك.

9413 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن قيس بن سعد قال: وسألت عن الحكمين، (1) قال: ابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، فما حكم الحكمان من شيء فهو جائزٌ، يقول الله تبارك وتعالى:"إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما". قال: يخلو حكم الرجل بالزوج، وحكم المرأة بالمرأة، فيقول كل واحد منهما لصاحبه:"اصدقني ما في نفسك". فإذا صَدق كل واحد منهما صاحبه، اجتمع الحكمان، وأخذ كل واحد منهما على صاحبه ميثاقًا:"لتصدقني الذي قال لك صاحبك، ولأصدقنك الذي قال لي صاحبي"، فذاك حين أرادا الإصلاح، يوفق الله بينهما. فإذا فعلا ذلك، اطَّلع كل واحد منهما على ما أفضى به صاحبه إليه، فيعرفان عند ذلك من الظالم والناشز منهما، فأتيا عليه فحكما عليه. فإن كانت المرأة قالا"أنت الظالمة العاصية، لا ينفق عليك حتى ترجعي إلى الحق وتطيعي الله فيه". وإن كان الرجل هو الظالم قالا"أنت الظالم المضارّ، لا تدخل لها بيتًا حتى تنفق عليها وترجع إلى الحق والعدل". فإن أبت ذلك كانت هي الظالمةَ العاصيةَ، (2) وأخذ منها ما لها، وهو له حلال طيب. وإن كان هو الظالمَ المسيءَ إليها المضارَّ لها طلقها، ولم يحلّ له من مالها شيء. فإن أمسكها، أمسكها بما أمر الله، وأنفق عليها وأحسن إليها. (3)

(1) في المطبوعة: "سألت عن الحكمين"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب، فالظاهر أنه بعض خبر، لا بدء خبر، وانظر التعليق رقم:3.

(2)

في المطبوعة: "وترجع إلى الحق والعدل، فإن كانت هي الظالمة العاصية أخذ

"، وفسد الكلام: وفي المخطوطة: "وترجع إلى الحق والعدل ما دامت ذلك كانت هي الظالمة العاصية وأخذ

"، وهو تحريف من الناسخ، وصواب قراءتها"فإن أبت ذلك" كما أثبتها. والصواب أيضًا إثبات الواو في"وأخذ"، لا حذفها، كما في المطبوعة.

(3)

الأثر: 9413 -"قيس بن سعد المكي" مولى نافع بن علقمة، روى عن طاوس، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير. ثقة. مترجم في التهذيب.

وكان هذا الإسناد في المطبوعة: "قال حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن قيس بن سعد"، وكان في المخطوطة مثله، إلا أن وضع بعد"شبل" إلى أعلى:"لا" وبعد"مجاهد" إلى أعلى"إلى"، وذلك من إشاراتهم إلى حذف ما بينهما، استغنوا بذلك عن الضرب عليه بالقلم. فلم يعرف الناشر قاعدتهم في الكتابة والحذوف، فأثبت ما حقه الحذف. و"قيس بن سعد" كما ترى يروي عن مجاهد، وليس مجاهد ممن يروي عنه. وهذا الخبر، كأنه مما سأل عنه قيس بن سعد مجاهدًا أو عطاء، كما مر في بعض أسانيده السالفة، التي غاب عني مكانها اليوم.

ص: 323

9414 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يبعث الحكمين، حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها. فيقول الحكم من أهلها:"يا فلان، ما تنقِم من زوجتك"؟ فيقول:"أنقِم منها كذا وكذا". قال فيقول:"أفرأيت إن نزعَت عما تكره إلى ما تحب، هل أنت مُتقي الله فيها، ومعاشرها بالذي يحق عليك في نفقتها وكسوتها"؟ فإذا قال:"نعم"، قال الحكم من أهله:"يا فلانة ما تنقمين من زوجك فلان"؟ فيقول مثل ذلك، فإن قالت:"نعم"، جمع بينهما. قال: وقال علي رضي الله عنه: الحكمان، بهما يجمع الله وبهما يفرِّق.

9415 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال الحسن: الحكمان يحكمان في الاجتماع، ولا يحكمان في الفُرقة.

9416 -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن"، وهي المرأة التي تنشز على زوجها، فلزوجها أن يخلعها حين يأمر الحكمان بذلك، وهو بعد ما تقول لزوحها:"والله لا أُبرُّ لك قسمًا ولآذنَنَّ في بيتك بغير أمرك"! ويقول السلطان:"لا نجيز لك خلعًا" = حتى تقول المرأة لزوجها:"والله لا أغتسل لك من جنابة، ولا أقيم لك صلاة"! فعند ذلك يقول السلطان:"اخلع المرأة"!

ص: 324

9417 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن"، قال: تعظها، فإن أبت وغَلبت، فاهجرها في مضجعها. فإن غلبت هذا أيضًا، فاضربها. فإن غلبت هذا أيضًا، بُعث حكم من أهله وحكم من أهلها. فإن غلبت هذا أيضًا وأرادت غيره، فإنَّ أبِي قال = أو: كان أبي يقول (1) = ليس بيد الحكمين من الفرقة شيء، إن رأيا الظلم من ناحية الزوج قالا"أنت يا فلان ظالم، انزع"! فإن أبى، رفعا ذلك إلى السلطان. ليس إلى الحكمين من الفراق شيء.

* * *

وقال آخرون: بل إنما يبعث الحكمين السلطانُ، على أن حكمهما ماضٍ على الزوجين في الجمع والتفريق.

*ذكر من قال ذلك:

9418 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها"، فهذا الرجل والمرأة، إذا تفاسد الذي بينهما، فأمر الله سبحانه أن يبعثوا رجلا صالحًا من أهل الرجل، ومثله من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء. فإن كان الرجل هو المسيء، حَجَبوا عنه امرأته وقَصَروه على النفقة، (2) وإن كانت المرأة هي المسيئة، قصروها على زوجها، ومنعوها النفقة. فإن اجتمع رأيهما على أن يفرّقا أو يجمعا، فأمرهما جائز. فإن رأيا

(1) في المطبوعة: "فإن أبي كان يقول"، وفي المخطوطة:"فإن أبي قال وكان أبي يقول" والصواب ما في المخطوطة، إلا قوله"وكان أبي يقول"، فصوابه"أو: كان أبي يقول"، وقائل هذه الجملة هو: عبد الله بن زيد أسلم = وأبوه هو: زيد بن أسلم.

(2)

"قصره على الشيء" حبسه عليه، وألزمه إياه، إجبارًا وقهرًا، وفي الحديث:"لتقصرنه على الحق قصرًا"، أي: قهرًا وغلبة، وهو من"القسر"، وأبدلت السين صادًا، وهما يتبادلان في كثير من الكلام.

ص: 325

أن يجمعا، فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الآخر، ثم ماتَ أحدهما، فإنّ الذي رضي يَرِث الذي كره، ولا يرث الكارهُ الراضيَ، وذلك قوله:"إن يريدا إصلاحًا"، قال: هما الحكمان ="يوفق الله بينهما".

9419 -

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا روح قال، حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين: أن الحكم من أهلها والحكم من أهله، يفرِّقان ويجمعان إذا رأيا ذلك ="فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها".

9420 -

حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سألت سعيد بن جبير عن الحكمين فقال: لم أولد إذ ذاك! (1) فقلت: إنما أعني حَكم الشقاق. قال: يقبلان على الذي جاء التداري من عنده. (2) فإن فعل، وإلا أقبلا على الآخر. فإن فعل، وإلا حكما. فما حكما من شيء فهو جائز.

9421 -

حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر في قوله:"فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها"، قال: ما قضى الحكمان من شيء فهو جائز.

9422 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن داود،

(1) ذهب سعيد بن جبير حين سأله عمرو بن مرة عن"الحكمين"، إلى أنه عنى الحكمين في أمر علي ومعاوية رضي الله عنهما، واجتماعهما بدومة الجندل سنة 37 من الهجرة. فلذلك قال:"لم أولد إذ ذاك"، لأن سعيد بن جبير رحمه الله قتله الحجاج سنة 95، وهو ابن تسع وأربعين سنة، كأنه ولد سنة 46 من الهجرة، بعد التحكيم. وروي أن سعيد بن جبير دعا ابنه حين دعي ليقتل، فجعل ابنه يبكي، فقال: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟ = فكأنه ولد - على هذه الرواية سنة 38 من الهجرة، وذلك أيضًا بعد تحكيم الحكمين.

(2)

في المطبوعة: "الذي جاء الأذى من عنده" لم يحسن قراءة المخطوطة، لأنها غير منقوطة. وهو من"التدارؤ"، ترك همزه، "تدارأ الرجلان"، أي تشاغبا وخالف أحدهما صاحبه. وفي قول بعض الحكماء:"لا تتعلموا العلم لثلاث، ولا تتركوه لثلاث: لا تتعلموه للتداري، ولا للتماري، ولا للتباهي = ولا تدعوه رغبة عنه، ولا رضًا بالجهل، ولا استحياء من الفعل له". وعنى بقوله: "التداري" هنا الخصومة والتداعي. وانظر الأثر التالي رقم: 9428.

ص: 326

عن إبراهيم قال: ما حكما من شيء فهو جائز. إن فرّقا بينهما بثلاث تطليقات أو تطليقتين، فهو جائز. وإن فرقا بتطليقة فهو جائز. وإن حكما عليه بجزاء بهذا من ماله، (1) فهو جائز: فإن أصلحا فهو جائز. وإن وضَعا من شيء فهو جائز.

9423 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا أبو جعفر، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها"، قال: ما صنع الحكمان من شيء فهو جائز عليهما. إن طلقا ثلاثا فهو جائز عليهما. وإن طلقا واحدة وطلقاها على جُعْل، فهو جائز، (2) وما صنعا من شيء فهو جائز.

9424 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: إن شاء الحكمان أن يفرقا فرّقا. وإن شاءا أن يجمعا جمعَا.

9425 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني هشيم، عن حصين، عن الشعبي: أن امرأة نشزت على زوجها، فاختصموا إلى شريح، فقال شريح: ابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها. فنظر الحكمان في أمرهما، فرأيا أن يفرِّقا بينهما، فكره ذلك الرجل، فقال شريح: ففيم كانا اليوم؟ وأجاز قولهما. (3)

9426 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس قال: بعثت

(1) في المطبوعة: "بهذا من ماله"، وهي في المخطوطة غير منقوطة، وليس لها معنى هنا. ورجحت أن صوابها"بجزاء"، لأنه سيأتي في الأثر التالي:"أو طلقاها على جعل" و"الجعل"(بضم فسكون) ، وهو المال المعطى على شيء، أجرًا كان أو غيره. و"الجزاء" البدل، فكأنه يعطي لها بدلا مما لقيت من إساءته، وعقوبة للمسيء.

(2)

انظر التعليق السالف.

(3)

الأثر: 9425 - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 306.

ص: 327

أنا ومعاوية حكمين = قال معمر: بلغني أن عثمان رضي الله عنه بعثهما، وقال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرِّقا فرقتما. (1)

9427 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا ابن جريج قال، حدثني ابن أبي مليكة: أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة ابنة عتبة، فكان بينهما كلام. فجاءت عثمان فذكرت ذلك له، فأرسل ابن عباس ومعاوية، فقال ابن عباس: لأفرقنَّ بينهما! وقال معاوية: ما كنت لأفرّق بين شيخين من بني عبد مناف! فأتياهما وقد اصطلحا. (2) .

9428 -

حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها"، يكونان عَدْلين عليهما وشاهدين. وذلك إذا تدارأ الرجل والمرأة وتنازعا إلى السلطان، (3) جعل عليهما حكمين: حكمًا من أهل الرجل، وحكمًا من أهل المرأة، يكونان أمينين عليهما جميعًا، وينظران مِن أيهما يكون الفساد. فإن كان من قبل المرأة، أجبرت على طاعة زوجها، وأمِرَ أن يتقي الله ويحسن صحبتها، وينفق عليها بقدر ما آتاه الله، إمساكٌ بمعروف أو تسريح بإحسان. وإن كانت الإساءة من قبل الرجل، أُمر بالإحسان إليها، فإن لم يفعل قيل له:"أعطها حقها وخَلِّ سبيلها". وإنما يلي ذلك منهما السلطان.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في قوله:"فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها"، أن الله خاطب المسلمين بذلك، وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشِّقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما، ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض.

(1) الأثر: 9426 - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 306

(2)

الأثر: 9427 - رواه الشافعي في الأم 5: 177، 178 من طريق مسلم بن خالد، عن ابن جريج، وخرجه البيهقي في السنن 7:306.

(3)

انظر تفسير"تدارأ" فيما سلف ص: 326، تعليق:2.

ص: 328

وقد أجمع الجميع على أن بعثة الحكمين في ذلك ليست لغير الزوجين، وغير السلطان الذي هو سائس أمر المسلمين، أو من أقامه في ذلك مقام نفسه.

واختلفوا في الزوجين والسلطان، ومن المأمورُ بالبعثة في ذلك: الزوجان، أو السلطان؟ (1) ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين، ولا أثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمة فيه مختلفة.

وإذْ كان الأمر على ما وصفنا، فأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يكون مخصوصًا من الآية ما أجمع الجميع على أنه مخصوص منها. (2) وإذْ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الآية، والأمر بقوله:"فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها"، إذْ كان مختلفًا بينهما: هل هما معنيِّان بالأمر بذلك أم لا؟ = وكان ظاهر الآية قد عمهما = فالواجبُ من القول، إذ كان صحيحًا ما وصفنا، صحيحًا أن يقال (3) إن بعث الزوجان كل واحد منهما حكمًا من قبله لينظر في أمرهما، وكان كل واحد منهما قد بعثه من قبله في ذلك، لما لَه على صاحبه ولصاحبه عليه، (4) فتوكيله بذلك من وكِّل جائز له وعليه.

وإن وكَّله ببعض ولم يوكله بالجميع، كان ما فعله الحكم مما وكله به صاحبه ماضيًا جائزًا على ما وكله به. وذلك أن يوكله أحدهما بما له دون ما عليه.

وإن لم يوكل كل واحد من الزوجين بما له وعليه، (5) أو بما له، أو بما عليه،

(1) في المخطوطة: "الزوجين أو السلطان"، وهو خطأ ظاهر.

(2)

في المخطوطة والمطبوعة: "من أجمع الجميع"، وهو خطأ ظاهر، وفساد، والصواب ما أثبت.

(3)

في المطبوعة حذف"صحيحًا" هذه الثانية، مع أنها مستقيمة لا ضير منها.

(4)

في المطبوعة: "وكان لكل واحد منهما ممن بعثه من قبله في ذلك طاقة على صاحبه ولصاحبه عليه"، وهو كلام لا يستقيم البتة. وفي المخطوطة:"وكان كل واحد منهما من بعثه من قبله في ذلك لماقه على صاحبه، ولصاحبه عليه"، وظاهر أن قوله"من بعثه" هي:"قد بعثه" وأما قوله: "في ذلك لماقه" فإني رجحت أن صوابها"في ذلك لما له"، وكأنه عنى أنه قد أرسله مملكًا في جميع أمره، في جميع ماله على صاحبه، ولصاحبه عليه. واستأنست في ذلك بالجزء التالي من هذا الكلام.

(5)

في المطبوعة: "أو لم يوكل واحد من الزوجين" مكان ما في المخطوطة: "وإن لم يوكل" وهو تصرف معيب، فإنه أفسد الكلام، وزادها خلطًا على خلط.

ص: 329

إلا الحكمين كليهما، (1)[لم يجز] إلا ما اجتمعا عليه، دون ما انفرد به أحدهما. (2)

وإن لم يوكلهما واحد منهما بشيء، وإنما بعثاهما للنظر بينهما، ليعرفا الظالم من المظلوم منهما، (3) ليشهدا عليهما عند السلطان إن احتاجا إلى شهادتهما = لم يكن لهما أن يُحدثا بينهما شيئًا غير ذلك من طلاق، أو أخذ مال، أو غير ذلك، ولم يلزم الزوجين ولا واحدًا منهما شيء من ذلك. (4)

* * *

فإن قال قائل: وما معنى الحكمين، إذ كان الأمر على ما وصفت؟

قيل: قد اختلف في ذلك.

فقال بعضهم: معنى"الحكم"، النظرُ العدلُ، كما قال الضحاك بن مزاحم في الخبر الذي ذكرناه، الذي:-

9429 -

حدثنا به يحيى بن أبي طالب، عن يزيد، عن جويبر عنه: لا أنتما قاضيان تقضيان بينهما=

* * *

=على السبيل التي بيَّنَّا من قوله. (5)

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: أنهما القاضيان، يقضيان بينهما ما فوَّض إليهما الزوجان.

* * *

(1) في المطبوعة: "فليس للحكمين

" مكان ما في المطبوعة: "إلا الحكمين"، وزاد الكلام اضطرابًا.

(2)

الذي بين القوسين، ظاهر جدًا أنه سقط من الناسخ، هو أو ما في معناه. وبهذا استقامت هذه العبارة التي اقتضت من الجهد ما كنا في غنى عنه، لو صحح الناسخ كتابته.

(3)

في المطبوعة، حذف قوله:"بينهما".

(4)

في المخطوطة: "لم يلزم" بحذف الواو، والصواب ما في المطبوعة.

(5)

قوله: "على السبيل التي بينا من قوله"، هذا من كلام الطبري، تعليقًا على سائر كلامه السالف. وعنى بذلك قول الضحاك الذي ذكره آنفًا برقم:9428. ولو ترك هذا السياق بغير فواصل، لما استطاع أن يفهمه إلا المصابر على المشقات.

ص: 330

قال أبو جعفر: وأي الأمرين كان، فليس لهما، ولا لواحد منهما، الحكم بينهما بالفرقة، ولا بأخذ مال إلا برضى المحكوم عليه بذلك، وإلا ما لزم من حق لأحد الزوجين على الآخر في حكم الله، وذلك ما لزم الرجلَ لزوجته من النفقة والإمساك بمعروف، إن كان هو الظالم لها.

فأما غير ذلك، فليس ذلك لهما، ولا لأحد من الناس غيرهما، لا السلطان ولا غيره. وذلك أن الزوج إن كان هو الظالمَ للمرأة، فللإمام السبيلُ إلى أخذه بما يجب لها عليه من حق. وإن كانت المرأة هي الظالمةَ زوجها الناشزةَ عليه، فقد أباح الله له أخذَ الفدية منها، وجعل إليه طلاقها، على ما قد بيناه في"سورة البقرة". (1)

وإذْ كان الأمرُ كذلك، لم يكن لأحدٍ الفرقةُ بين رجل وامرأة بغير رضى الزوج، ولا أخذُ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه، إلا بحجة يجب التسليم لها من أصل أو قياس.

وإن بعث الحكمين السلطانُ، فلا يجوز لهما أن يحكما بين الزوجين بفرقة إلا بتوكيل الزوج إياهما بذلك، (2) ولا لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إلا برضى المرأة. يدل على ذلك ما قد بيناه قبلُ من فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك، والقائلين بقوله. (3) ولكن لهما أن يصلحا بين الزوجين، ويتعرفا الظالم منهما من المظلوم، ليشهدا عليه إن احتاج المظلوم منهما إلى شهادتهما.

وإنما قلنا:"ليس لهما التفريق"، للعلة التي ذكرناها آنفًا. وإنما يبعث السلطانُ الحكمين إذا بعثهما، إذا ارتفع إليه الزوجان، فشكا كل واحد منهما صاحبه، وأشكلَ عليه المحقّ منهما من المبطل. لأنه إذا لم يشكل المحق من المبطل، فلا وجه لبعثه الحكمين في أمر قد عرف الحكم فيه.

* * *

(1) انظر ما سلف 4: 549-583.

(2)

في المطبوعة والمخطوطة: "ولا يجوز لهما" بالواو، والصواب بالفاء.

(3)

انظر الآثار السالفة من 9407-9409.

ص: 331

القول في تأويل قوله: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"إن يريدا إصلاحًا"، إن يرد الحكمان إصلاحًا بين الرجل والمرأة = أعني: بين الزوجين المخوف شقاقُ بينهما = يقول:"يوفق الله" بين الحكمين فيتفقا على الإصلاح بينهما. وذلك إذا صدق كل واحد منهما فيما أفضى إليه: مَنْ بُعِثَ للنظر في أمر الزوجين.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9430 -

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد في قوله:"إن يريدا إصلاحًا"، قال: أمَا إنه ليس بالرجل والمرأة، ولكنه الحكمان.

9431 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير:"إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما"، قال: هما الحكمان، إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما.

9432 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما"، وذلك الحكمان، وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحق والصواب.

9433 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما"، يعني بذلك الحكمين.

9434 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن

ص: 332

سعيد بن جبير:"إن يريدا إصلاحًا"، قال: إن يرد الحكمان إصلاحًا أصلحا.

9435 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي هاشم، عن مجاهد:"إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما"، يوفق الله بين الحكمين.

9436 -

حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك قوله:"إن يريدا إصلاحًا"، قال: هما الحكمان إذا نصحا المرأةَ والرجلَ جميعًا.

* * *

القول في تأويل قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) }

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه:"إنّ الله كان عليمًا"، بما أراد الحكمان من إصلاح بين الزوجين وغيره ="خبيرًا"، بذلك وبغيره من أمورهما وأمور غيرهما، (1) لا يخفى عليه شيء منه، حافظ عليهم، حتى يجازي كلا منهم جزاءه، بالإحسان إحسانًا، وبالإساءة غفرانًا أو عقابًا.

* * *

القول في تأويل قوله جل ذكره: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وذِلُّوا لله بالطاعة، واخضعوا له بها، وأفردوه بالربوبية، وأخلصوا له الخضوع والذلة، بالانتهاء إلى أمره، والانزجار

(1) انظر تفسير"الخبير" فيما سلف 1: 496 / 5: 94، 586.

ص: 333

عن نهيه، ولا تجعلوا له في الربوبية والعبادة شريكًا تعظمونه تعظيمكم إياه. (1)

="وبالوالدين إحسانًا"، يقول: وأمركم بالوالدين إحسانًا = يعني برًّا بهما = ولذلك نصب"الإحسان"، لأنه أمر منه جل ثناؤه بلزوم الإحسان إلى الوالدين، على وجه الإغراء. (2)

* * *

وقد قال بعضهم: معناه:"واستوصوا بالوالدين إحسانًا"، وهو قريب المعنى مما قلناه.

* * *

وأما قوله:"وبذي القربى"، فإنه يعني: وأمرَ أيضًا بذي القربى = وهم ذوو قرابة أحدنا من قبل أبيه أو أمه، ممن قربت منه قرابته برحمه من أحد الطرفين (3) إحسانًا بصلة رحمه.

* * *

وأما قوله:"واليتامى"، فإنهم جمع"يتيم"، وهو الطفل الذي قد مات والده وهلك. (4)

* * *

="والمساكين" وهو جمع"مسكين"، وهو الذي قد ركبه ذل الفاقة والحاجة، فتمسكن لذلك. (5)

* * *

يقول تعالى ذكره: استوصوا بهؤلاء إحسانًا إليهم، وتعطفوا عليهم، والزموا وصيتي في الإحسان إليهم.

* * *

(1) انظر تفسير"عبد" فيما سلف 1: 160، 161، 362 / 3: 120، 317 / 6:488.

(2)

انظر تفسير"وبالوالدين إحسانًا" فيما سلف 2: 290-292.

(3)

انظر تفسير"ذي القربى" فيما سلف 2: 292 / 3: 344.

(4)

انظر تفسير"اليتامى" فيما سلف 2: 292 / 3: 345 / 4: 295 / 7: 524، 541.

(5)

انظر تفسير"المساكين" فيما سلف 2: 137، 293 / 3: 345 / 4: 295 / 7: 116.

ص: 334

القول في تأويل قوله: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى}

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: والجار ذي القرابة والرحم منك.

*ذكر من قال ذلك:

9437 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"والجار ذي القربى"، يعني: الذي بينك وبينه قرابة.

9438 -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"والجار ذي القربى"، يعني: ذا الرَّحم.

9439 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:"والجار ذي القربى"، قال: جارك، هو ذو قرابتك.

9440 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد في قوله:"والجار ذي القربى"، قالا القرابة.

9441 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"والجار ذي القربى"، قال: جارك الذي بينك وبينه قرابة.

9442 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"والجار ذي القربى"، جارك ذو القرابة.

9443 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"والجار ذي القربى"، إذا كان له جار له رحم، فله حقَّان اثنان: حق القرابة، وحق الجار.

ص: 335

9444 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"والجار ذي القربى"، قال: الجار ذو القربى، ذو قرابتك.

* * *

وقال آخرون: بل هو جارُ ذي قرابتك.

*ذكر من قال ذلك:

9445 -

حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن ميمون بن مهران في قوله:"والجار ذي القربى" قال: الرجل يتوسل إليك بجوار ذي قرابتك.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا القول قولٌ مخالفٌ المعروفَ من كلام العرب. وذلك أن الموصوف بأنه"ذو القرابة" في قوله:"والجار ذي القربى"،"الجار" دون غيره. فجعله قائل هذه المقالة جار ذي القرابة. ولو كان معنى الكلام كما قال ميمون بن مهران لقيل:"وجار ذي القربى"، ولم يُقَل:"والجار ذي القربى". فكان يكون حينئذ = إذا أضيف"الجار" إلى"ذي القرابة" = الوصية ببرّ جار ذي القرابة، (1) دون الجار ذي القربى. وأما و"الجار" بالألف واللام، فغير جائز أن يكوى"ذي القربى" إلا من صفة"الجار". وإذا كان ذلك كذلك، كانت الوصية من الله في قوله:"والجار ذي القربى" ببرّ الجار ذي القربى، (2) دون جار ذي القرابة. وكان بينًا خطأ ما قال ميمون بن مهران في ذلك.

* * *

(1) في المخطوطة والمطبوعة: "الوصية بين جار ذي القرابة"، وهو كلام لا معنى له، وهو تصحيف وتحريف، صوابه ما أثبت.

(2)

في المخطوطة والمطبوعة هنا أيضًا: "بين الجار ذي القربى"، وهو خطأ وتصحيف كما أسلفت.

ص: 336

وقال آخرون: معنى ذلك: والجار ذي القربى منكم بالإسلام.

*ذكر من قال ذلك:

9446 -

حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا سفيان عن أبي إسحاق، عن نَوْف الشامي:"والجار ذي القربى"، المسلم. (1)

* * *

قال أبو جعفر: وهذا أيضًا مما لا معنى له. وذلك أن تأويل كتاب الله تبارك وتعالى، غير جائز صرفه إلا إلى الأغلب من كلام العرب الذين نزل بلسانهم القرآن، المعروفِ فيهم، (2) دون الأنكر الذي لا تتعارفه، إلا أن يقوم بخلاف ذلك حجة يجب التسليم لها. وإذا كان ذلك كذلك = وكان معلومًا أن المتعارف من كلام العرب إذا قيل:"فلان ذو قرابة"، إنما يعني به: إنه قريب الرحم منه، دون القرب بالدين = كان صرفه إلى القرابة بالرحم، أولى من صرفه إلى القرب بالدين.

* * *

القول في تأويل قوله: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ}

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: والجار البعيد الذي لا قرابة بينك وبينه.

*ذكر من قال ذلك:

(1) الأثر: 9446 -"نوف الشامي"، هو: نوف بن فضالة الحميري البكالي، مضت ترجمته برقم: 3965، وسيأتي في رقم:9456.

(2)

"المعروف" بالكسر، صفة لقوله:"إلى الأغلب". وفي المطبوعة: "المعروف وفيهم"، وهو خطأ في الطباعة ولا شك.

ص: 337

9447 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"والجار الجنب"، الذي ليس بينك وبينه قرابة.

9448 -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"والجار الجنب"، يعني: الجار من قوم جنب.

9449 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"والجار الجنب"، الذي ليس بينهما قرابة، وهو جار، فله حق الجوار.

9450 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"والجار الجنب"، الجار الغريب يكون من القوم.

9451 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد:"والجار الجنب"، جارك من قوم آخرين.

9452 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"والجار الجنب"، جارك لا قرابة بينك وبينه، البعيد في النسب وهو جار.

9453 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد في قوله:"والجار الجنب"، قال: المجانب.

9454 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"والجار الجنب"، الذي ليس بينك وبينه رَحمٌ ولا قرابة. (1)

(1) في المطبوعة: "

وجه ولا قرابة"، وهو لا معنى له، والصواب من المخطوطة.

ص: 338

9455 -

حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك:"والجار الجنب"، قال: من قوم آخرين.

* * *

وقال آخرون: هو الجار المشرك.

*ذكر من قال ذلك:

9456 -

حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشامي:"والجار الجنب"، قال: اليهوديّ والنصرانيّ. (1)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال:"معنى، الجنب، في هذا الموضع: الغريبُ البعيد، مسلمًا كان أو مشركًا، يهوديًا كان أو نصرانيًا"، لما بينا قبل من أن"الجار ذي القربى"، هو الجار ذو القرابة والرحم. والواجب أن يكون"الجار ذو الجنابة"، الجار البعيد، ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران قريبهم وبعيدهم.

* * *

وبعد، فإن"الجُنب"، في كلام العرب: البعيد، كما قال أعشى بني قيس:

أَتَيْتُ حُرَيْثًا زَائِرًا عَنْ جَنَابَةٍ

فَكانَ حُرَيْثٌ فِي عَطَائِي جَامِدَا (2)

(1) الأثر: 9456 -"عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي"، مضت ترجمته برقم: 5796، وهو يروي عن سفيان الثوري، وعن شيبان بن عبد الرحمن التميمي. وقد جاء في هذا الإسناد في المطبوعة"شيبان، عن أبي إسحاق"، وكذلك هو في المخطوطة، ولكنه كتب"شيبان" كتابة سيئة، كتابة شاك في قراءتها. وقد سلف في الإسناد رقم: 9446 قريبًا"سفيان، عن أبي إسحاق" واضحة جدًا في المخطوطة، فرجحتها لذلك، وأثبتها هنا. وانظر التعليق على الأثر:9446.

(2)

ديوانه: 49، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 126، الكامل 2: 26، وسيأتي في التفسير 20: 26 (بولاق) من قصيدة هجا فيها الحارث بن وعلة بن مجالد بن زبان الرقاشي، وكان جاء يسأله فقال له: "ولا كرامة!! ألست القائل: أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي حُرَيْثًا

مُغَلْغَلَةً? أَحَانَ أَمِ ادَّرَانَا?

تهجوني وتصغرني، ثم تسألني!! = فكان مما قال له بعد البيت السالف، فأوجعه: لَعَمْرُكَ مَا أَشْبَهْتَ وَعْلَةَ فَي النَّدَى

شَمَائِلَهُ، وَلا أَباهُ المُجَالِدَا

إذَا زَارَهُ يَوْمًا صَدِيقٌ، كأنَّما

يَرَى أُسُدًا فِي بَيْتِهِ وَأَسَاوِدَا

في شعر كثير، و"حريث" تصغير"الحارث"، تصغير ترخيم، وقياسه"حويرث". ورجل"جامد الكف، وجماد الكف": بخيل لا تلين صفاته. وكان في المطبوعة هنا: "جاهدا" وهو خطأ، وفي الموضع الآخر من التفسير:"جاحدا" وهو خطأ أيضًا. وروى هنا: في عطائي"، وروايته في التفسير 20: 26"عن عطائي" وهي المطابقة لرواية المراجع السالفة جميعًا، ولا بأس بها.

ص: 339

يعني بقوله:"عن جنابة"، عن بعد وغُربة. ومنه، قيل:"اجتنب فلان فلانًا"، إذا بعد منه ="وتجنّبه"، و"جنَّبه خيره"، إذا منعه إياه. (1) ومنه قيل للجنب:"جُنُب"، لاعتزاله الصلاة حتى يغتسل.

فمعنى ذلك: والجار المجانب للقرابة.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك.

فقال بعضهم: هو رفيق الرجل في سَفره.

*ذكر من قال ذلك:

9457 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني

(1) في المطبوعة: "وتجنبه خيره"، أسقط:"وجنبه" بين الكلامين، ففسد السياق، والصواب من المخطوطة.

ص: 340

معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"والصاحب بالجنب"، الرفيق.

9458 -

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان، عن أبي بكير قال: سمعت سعيد بن جبير يقول:"والصاحب بالجنب"، الرفيق في السفر. (1)

9459 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"والصاحب بالجنب"، صاحبك في السفر.

9460 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"والصاحب بالجنب"، وهو الرفيق في السفر.

9461 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"والصاحب بالجنب"، الرفيق في السفر، منزله منزلك، وطعامه طعامك، ومسيره مسيرك.

9462 -

حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد:"والصاحب بالجنب"، قالا الرفيق في السفر.

9463 -

حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن جابر، عن عامر، عن علي وعبد الله قالا"الصاحب بالجنب"، الرفيق الصالح.

(1) الأثر: 9458 -"أبو بكير التيمي"، مؤذن لتيم، واسمه"مرزوق". روى عن سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد. وروى عنه ليث بن أبي سليم، وإسرائيل، وسفيان الثوري، وشريك. مترجم في التهذيب.

وكان في المطبوعة: "أبو بكر" وهو خطأ، صوابه ما أثبت من المخطوطة. وسيأتي على الصواب في رقم: 9467، 9468.

ص: 341

9464 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني سليم، عن مجاهد قال:"الصاحب بالجنب"، رفيقك في السفر، الذي يأتيك ويده مع يدك.

9465 -

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، قراءة على ابن جريج قال، أخبرنا سليم: أنه سمع مجاهدًا يقول:"والصاحب بالجنب"، فذكر مثله.

9466 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"والصاحب بالجنب"، الصاحب في السفر.

9467 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو دكين قال، حدثنا سفيان، عن أبي بكير، عن سعيد بن جبير،"والصاحب بالجنب"، الرفيق الصالح.

9468 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي بكير، عن سعيد بن جبير مثله.

9469 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"والصاحب بالجنب"، قال: الرفيق في السفر.

9470 -

حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك مثله.

* * *

وقال آخرون: بل هو امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه.

*ذكر من قال ذلك:

9471-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن عامر = أو القاسم = عن علي وعبد الله رضوان الله عليهما:"والصاحب بالجنب"، قالا هي المرأة. (1)

(1) قوله: "رضوان الله عليهما"، زيادة من المخطوطة.

ص: 342

9472 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن جابر، عن علي وعبد الله مثله.

9473 -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"والصاحب بالجنب"، يعني: الذي معك في منزلك.

9474 -

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن هلال، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنه قال في هذه الآية:"والصاحب بالجنب"، قال: هي المرأة.

9475 -

حدثنا ابن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم:"والصاحب بالجنب"، قال: المرأة.

9476 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال الثوري، قال أبو الهيثم، عن إبراهيم: هي المرأة.

9477 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم مثله.

9478 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو معاوية، عن محمد بن سوقة، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم مثله.

9479 -

حدثني عمرو بن بَيْذَق قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن محمد بن سوقة، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم مثله. (1)

* * *

وقال آخرون: هو الذي يلزمك ويصحبك رَجاء نفعك.

*ذكر من قال ذلك:

(1) الأثر: 9479 -"عمرو بن بيذق"(بالذال المعجمة) هكذا في المخطوطة، شيخ الطبري، لم أعرف له ترجمة، وقد روى عنه في كتاب تاريخ الصحابة والتابعين، الملحق بالتاريخ ص: 86، وكتبه هناك"عمرو بين بيدق" بالدال المهملة، وكأن الأول أصح.

ص: 343

9480 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس:"الصاحب بالجنب"، الملازم = وقال أيضًا: رفيقك الذي يرافقك.

9481 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد:"والصاحب بالجنب"، الذي يلصق بك، وهو إلى جنبك، ويكون معك إلى جنبك رجاءَ خيرك ونفعك.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي: أن معنى:"الصاحب بالجنب"، الصاحب إلى الجنب، كما يقال:"فلان بجَنب فلان، وإلى جنبه"، وهو من قولهم:"جَنَب فلانٌ فلانًا فهو يجنُبُه جَنْبًا"، إذا كان لجنبه. (1) ومن ذلك:"جَنَب الخيل"، إذا قاد بعضها إلى جنب بعض. وقد يدخل في هذا: الرفيقُ في السفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاءَ نفعه، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريبٌ منه. وقد أوصى الله تعالى بجميعهم، لوجوب حق الصاحب على المصحوب، وقد:-

9482 -

حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا ابن أبي فديك، عن فلان بن عبد الله، عن الثقة عنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وسلم في غَيْضِة طرفاء، (2) فقطع قَصِيلين، أحدهما معوجٌّ، والآخر معتدل، (3) فخرج بهما،

(1) هذا النص من تفسير اللغة، قلما تجده في كتاب من كتب اللغة.

(2)

"الغيضة"، مكان يجتمع فيه الماء ويفيض، فينبت فيه الشجر ويلتف، والجمع"غياض". و"الطرفاء" من شجر العضاء، وهدبه مثل هدب الأثل، وليس له خشب، إنما يخرج عصيًا سمحة في السماء، وقد تتحمض به الإبل، إذا لم تجد حمضًا غيره.

(3)

في المطبوعة: "فصيلين" بالفاء، ولا معنى لها، وفي المخطوطة:"فصيلين" غير منقوطة، وفي الدر المنثور:"فصلين" وليس لها معنى. و"القصيل" بالقاف: ما اقتصل (أي: اقتطع) من الزرع أخضر، ومنه:"القصيل" وهو الذي تعلف به الدواب. يقال: "قصل الدابة"، أي: علفها القصيل.

ص: 344

فأعطى صاحبه المعتدل، وأخذ لنفسه المعوج، فقال الرجل: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أنت أحق بالمعتدل مني! فقال:"كلا يا فلان، إن كل صاحب يصحب صاحبًا، مسئول عن صحابته ولو ساعة من نهار. (1)

9483 -

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة قال، حدثني شرحبيل بن شريك، عن أبي عبد الرحمن الحُبُليّ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن خير الأصحاب عند الله تبارك وتعالى، خيرهم لصاحبه. وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره. (2)

* * *

قال أبو جعفر: فإذ كان"الصاحب بالجنب"، محتملا معناه ما ذكرناه:(3) من أن يكون داخلا فيه كل من جَنَب رجلا بصحبةٍ في سفر، (4) أو نكاح، أو انقطاع إليه واتصال به = (5) ولم يكن الله جل ثناؤه خصّ بعضَهم مما احتمله ظاهر التنزيل

(1) الأثر: 9482 -"سهل بن موسى الرازي" انظر ما كتبت عنه برقم: 4319، وقبله رقم:180. وأما "ابن أبي فديك" فهو: محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك، مضت ترجمته برقم: 4319. وهذا الأثر على إرساله ضعيف، لجهالة من روى عنهم ابن أبي فديك. ولم أجده إلا في الدر المنثور 2: 159، ولم ينسبه لغير ابن جرير.

(2)

الأثر: 9483 - رواه أحمد في مسنده رقم: 6566 من طريق عبد الله بن يزيد، عن حيوة وابن لهيعة، بمثله، والحاكم في المستدرك 4: 164، والترمذي: 3: 129، من طريق عبد الله بن المبارك، كرواية الطبري. قال أخي السيد أحمد:"إسناده صحيح".

و"أبو عبد الرحمن الحبلي"، هو: عبد الله بن يزيد المعافري، مضت ترجمته برقم:6657.

(3)

في المطبوعة: "وإن كان الصاحب بالجنب معناه ما ذكرناه"، أسقط"محتملا"، لأنها كتبت في المخطوطة"متصلا" مختلطة الكتابة، فلم يحسن قراءتها فحذفها، مع أن الكلام لا يستقيم إلا بها. أما ما كان في المطبوعة والمخطوطة من قوله:"وإن كان"، فهو خطأ محض لا تستقيم به الجملة، صوابه ما أثبت:"فإذ كان".

(4)

في المطبوعة: "يصحبه في سفر"، وهو خطأ معرق يختل به سياق الكلام. وهو في المخطوطة غير منقوط، وصواب قراءته ما أثبت.

(5)

قوله: "ولم يكن الله" معطوف على قوله: "فإذ كان الصاحب".

ص: 345

= (1) فالصواب أن يقال: جميعهم معنيّون بذلك، وكلهم قد أوصى الله بالإحسان إليه. (2)

* * *

القول في تأويل قوله: {وَابْنِ السَّبِيلِ}

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم:"ابن السبيل"، هو المسافر الذي يجتاز مارًا.

*ذكر من قال ذلك:

9484 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة = وابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وابن السبيل"، هو الذي يمر عليك وهو مسافر.

9484م - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وقتادة مثله.

9485 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"وابن السبيل"، قال: هو المارُّ عليك، وإن كان في الأصل غنيًّا.

* * *

وقال آخرون: هو الضيف.

*ذكر من قال ذلك:

9486 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن

(1) قوله"فالصواب"، جواب قوله: "فإذ كان الصاحب

فالصواب أن يقال".

(2)

في المطبوعة: "وبكلهم قد أوصى

"، لم يحسن قراءة المخطوطة، والصواب ما أثبت.

ص: 346

ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وابن السبيل"، قال: الضيف، له حق في السفر والحضر.

9487 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وابن السبيل"، وهو الضيف.

9488 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك:"وابن السبيل"، قال: الضيف.

9489 -

حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك مثله.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: أن"ابن السبيل"، هو صاحب الطريق = و"السبيل": هو الطريق، وابنه: صاحبه الضاربُ فيه (1) = فله الحق على من مرّ به محتاجًا منقطَعًا به، إذا كان سفره في غير معصية الله، أن يعينه إن احتاج إلى معونة، ويضيفه إن احتاج إلى ضيافة، وأن يحمله إن احتاج إلى حُمْلان. (2)

* * *

القول في تأويل قوله: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: والذين ملكتموهم من أرقائكم = فأضاف"الملك" إلى"اليمين"، كما يقال:"تكلم فوك"، و"مشَتْ رجلك"، و"بطشت يدك"، بمعنى: تكلمتَ، ومشيتَ، وبطشتَ. غير أن ما وصف به كل

(1) انظر تفسير"ابن السبيل" فيما سلف 3: 345-347 / 4: 295 = وتفسير"السبيل" في 2: 497، وسائر فهارس اللغة.

(2)

"الحملان"(بضم الحاء وسكون الميم) : ما يحمل عليه من الدواب.

ص: 347

عضو من ذلك، فإنما أضيف إليه ما وُصف به (1) لأنه بذلك يكون، في المتعارف في الناس، دون سائر جوارح الجسد. فكان معلومًا = بوصف ذلك العضو بما وصف به من ذلك = المعنى المراد من الكلام. فكذلك قوله:"وما ملكت أيمانكم"، لأن مماليك أحدنا تحت يديه، (2) إنما يَطعم ما تُناوله أيماننا، ويكتسي ما تكسوه، (3) وتصرِّفه فيما أحبَّ صرفه فيه بها. فأضيف ملكهم إلى"الأيمان" لذلك.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9490 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وما ملكت أيمانكم"، ممّا خوّلك الله. كل هذا أوصى الله به.

* * *

قال أبو جعفر: وإنما يعني مجاهد بقوله:"كل هذا أوصى الله به"، الوالدين، وذا القربى، واليتامى، والمساكين، والجار ذا القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل. فأوصى ربنا جل جلاله بجميع هؤلاء عبادَه إحسانًا إليهم، وأمر خلقه بالمحافظة على وصيته فيهم. فحقٌّ على عباده حفظ وصية الله فيهم، ثم حفظ وصية رسوله صلى الله عليه.

* * *

(1) في المطبوعة: "ما وصفت به" في الموضعين، والصواب من المخطوطة.

(2)

في المطبوعة: "يده"، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)

في المطبوعة: "ونكسي ما يكسوه"، وهو خطأ صوابه من المخطوطة، وأفعال هذه الجملة إلى آخرها غير منقوطة في المخطوطة، فأساء ناشر المطبوعة وضع النقط عليها، فاختل معناها، فقد كان فيها: "

نطعم

ونكسي

ونصرفه"، والصواب ما أثبت.

ص: 348

القول في تأويل قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا (36) }

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"إن الله لا يحبّ من كان مختالا"، إن الله لا يحب من كان ذا خُيَلاء.

و"المختال:"المفتعل"، من قولك:"خال الرجل فهو يخول خَوْلا وخَالا"، (1) ومنه قول الشاعر:(2)

فَإنْ كُنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا

وإنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فَاذْهَبْ فَخُلْ (3)

ومنه قول العجاج:

وَالْخَالُ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِ الْجُهَّالْ (4)

(1) هذا أحد وجهي الكلام، والآخر:"خال يخال خيلا وخالا"، بالياء، ورجحه بعضهم لأنه من"الخيلاء".

(2)

هو أنس بن مساحق العبدي، رجل من عبد القيس.

(3)

حماسة أبي تمام 1: 133، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 127، واللسان (خيل) . وقبل البيت: أَلا أبْلِغَا خُلَّتِي رَاشِدًا

قَدِيمًا، وصِنْوِي إذَا ما تَصِلْ

بِأَنَّ الدَّقِيقَ يَهِيجُ الْجَلِيلَ

وَأَنَّ الْعَزِيزَ لإذا سَاءَ ذَلْ

وَأَنَّ الْحَزَامَةَ أَنْ تَصْرِفُوا

لِحَيٍّ سِوَانَا صُدُورَ الأسَلْ

وتقول في البيت"فخل" بضم الخاء وبفتحها، أي: اذهب فاختل ما شاءت لك الخيلاء.

(4)

وَالدَّهْرُ فِيهِ غَفْلَةٌ لِلْغُفَّالْ

وَالْمَرْءُ يُبْلِيهِ بَلاء السِّرْبالْ

كَرُّ الَّليَالِي وَاخْتِلافُ الأحْوَالْ

وكان في المطبوعة: "ثياب الجمال"، وهو تصحيف، صوابه في المخطوطة.

ص: 349

وأما"الفخور"، فهو المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه، وبسط له من فضله، ولا يحمده على ما أتاه من طَوْله، ولكنه به مختال مستكبر، وعلى غيره به مُسْتطيل مفتخر. كما:-

9491 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إن الله لا يحب من كان مختالا"، قال: متكبرًا، ="فخورا"، قال: يعدّ ما أُعطي، وهو لا يشكر الله.

9492 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهرويّ قال: لا تجد سيِّئ الملِكة إلا وجدته مختالا فخورًا. (1) وتلا"وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورًا" = ولا عاقًّا إلا وجدته جبارًا شقيًا. وتلا (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)[سورة مريم: 32]

* * *

القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله لا يحب المختال الفخور، الذي يبخل ويأمر الناسَ بالبخل.

= فـ"الذين" يحتمل أن يكون في موضع رفع، ردًّا على ما في قوله:"فخورًا"، من ذِكرٍ = (2) ويحتمل أن يكون نصبًا على النعت ل"مَنْ".

(1)"الملكة"(بفتح الميم واللام) و (بكسر الميم وسكون اللام) ، وهو الذي يسيء إذا ملك شيئًا، فتجبر وتغطرس، وفي الحديث:"لا يدخل الجنة سيئ الملكة"، وهو الذي يسيء إلى مماليكه أو إلى ما يقع تحت سلطانه.

(2)

في المطبوعة: "من ذم"، ولا معنى له البتة. والصواب من المخطوطة، والمراد بقوله:"ذكر"، الضمير، وقد رد هذا الوجه أبو حيان في تفسيره 3: 247، ولم ينسبه للطبري.

ص: 350

و"البخل" في كلام العرب: منع الرجل سائله ما لديه وعنده ما فضل عنه، (1) كما:-

9493 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه ="والشح": أن يشٍح على ما في أيدي الناس. قال: يحبّ أن يكون له ما في أيدي الناس بالحِلِّ والحرام، لا يقنع.

واختلفت القرأة في قراءة قوله:"ويأمرون الناس بالبخل".

* * *

فقرأته عامة قرأة أهل الكوفة:"بِالْبَخَلِ" بفتح"الباء" و"الخاء".

وقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض البصريين بضم"الباء":"بِالْبُخْلِ".

قال أبو جعفر: وهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد، وقراءتان معروفتان غير مختلفتي المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب في قراءته.

* * *

وقد قيل إن الله جل ثناؤه عنى بقوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، الذين كتموا اسمَ محمد صلى الله عليه وسلم وصفته من اليهود ولم يبينوه للناس، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.

*ذكر من قال ذلك:

9494 -

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرمي:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "من فضل عنه"، وكأن الصواب المحض ما أثبت. وتفسير"البخل" هذا قلما تصيبه في كتب اللغة.

ص: 351

الله من فضله"، قال: هم اليهود، بخلوا بما عندهم من العلم وكَتَموا ذلك.

9495 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل" إلى قوله:"وكان الله بهم عليما"، ما بين ذلك في يهود.

9496 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

9497 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، وهم أعداءُ الله أهلُ الكتاب، بخلوا بحقّ الله عليهم، وكتموا الإسلام ومحمدًا صلى الله عليه وسلم، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.

9498 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، فهم اليهود ="ويكتمون ما آتاهم الله من فضله"، اسمَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم = (1) وأما:"يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، يبخلون باسم محمد صلى الله عليه وسلم، ويأمرُ بعضهم بعضًا بكتمانه.

9499 -

حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال، حدثني أبو جعفر الرازي قال، حدثنا يحيى، عن عارم، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: هذا للعلم، ليس للدنيا منه شيء.

9500 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: هؤلاء يهود. وقرأ:"ويكتمون ما آتاهم الله من فضله"، قال: يبخلون بما آتاهم الله من الرزق،

(1) في المطبوعة: "أو: يبخلون

"، وأثبت ما في المخطوطة.

ص: 352

ويكتمون ما آتاهم الله من الكتب. إذا سئلوا عن الشيء وما أنزل الله كتموه. وقرأ: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا)[سورة النساء: 53] من بخلهم.

9501 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان كَرْدَم بن زيد، حليفُ كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبَحْريّ بن عمرو، وحُيَيّ بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت، يأتون رجالا من الأنصار، = وكانوا يخالطونهم، ينتصحون لهم = من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة، فإنكم لا تدرون ما يكون! فأنزل الله فيهم:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله"، أي: من النبوة، (1) التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ="وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا"، إلى قوله:"وكان الله بهم عليمًا". (2)

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الآية على التأويل الأول: والله لا يحبّ ذوي الخُيلاء

(1) في ابن هشام: "أي: من التوراة"، وهي أجود الروايتين، إن لم تكن هذه التي هنا من سهو الناسخ. ولكني خشيت أن يكون لها وجه، فتركتها.

(2)

الأثر: 9501 - رواه ابن هشام عن ابن إسحاق في سيرته 2: 208، 209، وهو تابع الآثار التي آخرها: 8338 فيما مضى قديمًا.

أما "كردم بن زيد" فإنه في سيرة ابن هشام: "كردم بن قيس"، وهو المذكور في سيرة ابن هشام 2: 160، أيضًا أنه حليف كعب بن الأشرف، من بني النضير. أما "كردم بن زيد" في رواية الطبري عن ابن إسحاق، فقد ذكره ابن هشام في سيرته 2: 162، وعده من بني قريظة. هذا، والذين ذكرهم في هذا الأثر من اليهود منسوبون في سيرة ابن هشام، وهذه نسبتهم:"كردم بن قيس" و"حيي بن أخطب" من بني النضير = و"كردم بن زيد"، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، من بني قريظة = وبحري بن عمرو، ورفاعة بن زيد بن التابوت، من بني قينقاع.

ص: 353

والفخر، الذين يبخلون بتبيين ما أمرهم الله بتبيينه للناس، من اسم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته التي أنزلها في كتبه على أنبيائه، وهم به عالمون = ويأمرون الناس الذين يعلمون ذلك مثل علمهم، بكتمان ما أمرهم الله بتبيينه له، ويكتمون ما آتاهم الله من علم ذلك ومعرفته مَنْ حرّم الله عليه كتمانه إيّاه.

* * *

وأما على تأويل ابن عباس وابن زيد:"إن الله لا يحب من كان مختالا فخورًا"، الذين يبخلون على الناس بفضل ما رزقهم الله من أموالهم، ثم سائر تأويلهما وتأويل غيرهما سواء.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، ما قاله الذين قالوا: إن الله وصف هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآية، بالبخل بتعريف من جهل أمرَ محمد صلى الله عليه وسلم أنه حقّ، وأنّ محمدًا لله نبيّ مبعوث، وغير ذلك من الحق الذي كان الله تعالى ذكره قد بيّنه فيما أوحى إلى أنبيائه من كتبه. فبخل بتبيينه للناس هؤلاء، وأمروا من كانت حاَله حالَهم في معرفتهم به: أن يكتموه من جَهِل ذلك، ولا يبيِّنوه للناس.

وإنما قلنا: هذا القول أولى بتأويل الآية، لأن الله جل ثناؤه وصفهم بأنهم يأمرون الناس بالبخل، ولم يبلغنا عن أمة من الأمم أنها كانت تأمرُ الناس بالبخل ديانةً ولا تخلُّقًا، بل ترى ذلك قبيحًا وتذمَّ فاعله؛ (1) وَتمتدح - وإن هي تخلَّقَت بالبخل واستعملته في أنفسها - بالسخاء والجود، (2) وتعدُّه من مكارم

(1) في المطبوعة: "ويذم فاعله" بالياء، وهو خطأ في قراءة المخطوطة، لأنها غير منقوطة، واستتبع هذا الخطأ من ناشر المطبوعة أن يغير ما كان في المخطوطة، إذا اختلطت معاني الكلام عليه، كما سترى.

(2)

في المطبوعة: "ولا يمتدح

فالسخاء، تعده

"، لما أخطأ في قراءة الكلمة السالفة، غير ما في المخطوطة كل التغيير زاد"لا" في"ويمتدح"، وجعل"بالسخاء""فالسخاء"، وجعل"وتعده"، "تعده" بحذف الواو = أراد أن تستقيم العبارة ففسدت فسادًا مطلقًا بلا قيد ولا شرط!!

هذا، وسياق الجملة: "بل ترى ذلك قبيحًا وتذم فاعله، وتمتدح

بالسخاء والجود، وتعده من مكارم الأخلاق"، وأتى بقوله: "وإن هي تخلقت بالبخل، واستعملته في أنفسها"، اعتراضًا.

ص: 354

الأفعال وتحثُّ عليه. ولذلك قلنا: إنّ بخلهم الذي وصفهم الله به، إنما كان بخلا بالعلم الذي كان الله آتاهموه فبخلوا بتبيينه للناس وكتموه، دون البخل بالأموال = إلا أن يكون معنى ذلك: الذين يبخلون بأموالهم التي ينفقونها في حقوق الله وُسُبله، ويأمرون الناس من أهل الإسلام بترك النفقة في ذلك. فيكون بخلهم بأموالهم، وأمرهم الناس بالبخل، بهذا المعنى (1) - على ذكرنا من الرواية عن ابن عباس - فيكون لذلك وجه مفهومٌ في وصفهم بالبخل وأمرِهم به.

* * *

القول في تأويل قوله: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) }

قال أبو جعفر: يعني: بذلك جل ثناؤه:"وأعتدنا"، وجعلنا للجاحدين نعمة الله التي أنعم بها عليهم، (2) من المعرفة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، المكذبين به بعد علمهم به، الكاتمين نعته وصفته مَنْ أمرَهم الله ببيانه له من الناس ="عذابًا مهينًا"، يعني: العقابَ المذلّ مَن عُذِّب بخلوده فيه، (3) عَتادًا له في آخرته، إذا قَدِم على ربه وَجدَه، بما سلف منه من جحوده فرضَ الله الذي فرضَه عليه. (4)

* * *

(1) في المطبوعة والمخطوطة"فهذا المعنى"، والصواب ما أثبته، وسياقه: فيكون بخلهم بأموالهم

بهذا المعنى

(2)

انظر تفسير: "أعتدنا" فيما سلف 8: 103.

(3)

انظر تفسير: "المهين" فيما سلف 2: 347، 348 / 7: 423 / 8: 72.

(4)

في المطبوعة: "وآخذه بما سلف

" والصواب ما في المخطوطة، فإن أول هذه الجملة"إذا قدم على ربه، وجد

"، وهو تفسير"العتاد".

ص: 355

القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وأعتدنا للكافرين بالله من اليهود الذين وصف الله صِفَتهم، عذابًا مهينًا ="والذين ينفقون أموالهم رئاءَ الناس."

* * *

و"الذين" في موضع خفضٍ، عطفًا على"الكافرين".

* * *

وقوله:"رئاء الناس"، يعني: ينفقه مُراءاة الناس، في غير طاعة الله أو غير سبيله، ولكن في سبيل الشيطان (1) ="ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر"، يقول: ولا يصدقون بوحدانية الله، ولا بالمَعَاد إليه يوم القيامة (2) - الذي فيه جزاء الأعمال - أنه كائن. (3)

* * *

وقد قال مجاهد (4) إن هذا من صفة اليهود! وهو بصفة أهل النفاق الذين كانوا أهلَ شرك، (5) فأظهروا الإسلام تقيةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلِ الإيمان به، وهم على كفرهم مقيمون = (6) أشبه منه بصفة اليهود. لأن اليهود كانت توحِّد الله وتصدّق بالبعث والمعاد. وإنما كان كفرُها، تكذيبَها بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

* * *

(1) انظر تفسير"رئاء" فيما سلف 5: 521، 522.

(2)

في المطبوعة: "ولا بالميعاد".

(3)

قوله: "أنه كائن"، سياقه"ولا يصدقون بالمعاد

أنه كائن".

(4)

يعني في الأثر رقم: 9495.

(5)

في المطبوعة والمخطوطة: "وهو صفة أهل النفاق"، وهو لا يستقيم، كما سترى في التعليق التالي.

(6)

السياق: "وهو بصفة أهل النفاق

أشبه منه بصفة اليهود"، فصح التصحيح السالف. أما ناشر المطبوعة، فإنه لما رأى الكلام غير مستقيم، كتب: "أشبه منهم بصفة اليهود"، فزاد الكلام فسادًا.

ص: 356

وبعدُ، ففي فصل الله بين صفة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وصفة الفريق الآخر الذين وصفهم في الآية قبلها، وأخبر أنّ لهم عذابًا مهينًا = بـ "الواو" الفاصلة بينهم = (1) ما ينبئ عن أنهما صفتان من نوعين من الناس مختلفي المعاني، وإن كان جميعهم أهلَ كفر بالله. (2) ولو كانت الصفتان كلتاهما صفة نوع من الناس، لقيل إن شاء الله:"وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا"،"الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس"، ولكن فصل بينهم بـ "الواو" لما وصفنا.

* * *

فإن ظن ظان أن دخول"الواو" غير مستنكر في عطف صفة على صفة لموصوف واحد في كلام العرب = فإنّ ذلك، (3) وإن كان كذلك، فإن الأفصح في كلام العرب إذا أريد ذلك، ترك إدخال"الواو". وإذا أريد بالثاني وصفٌ آخر غير الأوّل، إدخال"الواو". (4) وتوجيه كلام الله إلى الأفصح الأشهر من كلام مَنْ نزل بلسانه كتابُه، أولى بنا من توجيهه إلى الأنكر من كلامهم.

* * *

(1) السياق: ففي فصل الله

بالواو الفاصلة بينهم، ما ينبئ".

(2)

في المطبوعة: "وإن كان جمعهم"، وهو خطأ محض، صوابه من المخطوطة، وهي غير منقوطة.

(3)

في المطبوعة: "في كلام العرب. قيل ذلك وإن كان كذلك"، والذي دعا ناشر المخطوطة إلى ذلك أن الناسخ كتب"العربفان" وصل"باء""العرب"، بفاء"فإن"، فاجتهد المصحح.

(4)

في المطبوعة: "أدخل الواو"، والصواب من المخطوطة.

ص: 357

القول في تأويل قوله: {وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يكن الشيطان له خليلا وصاحبًا، يعمل بطاعته، ويتبع أمره، ويترك أمرَ الله في إنفاقه ماله رئاء الناس في غير طاعته، وجحوده وحدانية الله والبعث بعد الممات ="فساء قرينًا"، يقول: فساء الشيطان قرينًا.

* * *

وإنما نصب"القرين"، لأن في"ساء" ذكرًا من الشيطان، كما قال جل ثناؤه:(بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا)[سورة الكهف: 50]، وكذلك تفعل العرب في"ساء" ونظائرها (1) = ومنه قول عدي بن زيد:

عَنِ الْمَرْءِ لا تَسْأَلْ، وأبْصِرْ قَرِينَهُ

فَإنَّ الْقَرِينَ بِالمُقَارِنِ مُقْتَدِ (2)

يريد: بـ "القرين"، الصّاحبَ والصديق.

* * *

(1) انظر ما سلف في"ساء" 8: 138، تعليق: 8، ومعاني القرآن للفراء 1: 267-269، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1:127.

(2)

ديوانه، في شعراء الجاهلية: 466، ومجموعة المعاني: 14، وغيرهما كثير. وقد أثبت البيت كما رواه أبو جعفر، وكما جاء في المخطوطة، أما ناشر المطبوعة فقد غيره، وأثبت ما درج عليه من الرواية: عَنِ الْمَرْءِ لا تَسأَل وسَلْ عَنْ قَرِينِه

فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارن يَقْتَدِي

وهو سوء تصرف لا شك فيه.

ص: 358