الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9890 -
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ذلك خير وأحسن تأويلا"، قال: وأحسن عاقبة = قال: و"التأويل"، التصديق.
* * *
القول في تأويل قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا
(60) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"ألم تر"، يا محمد، بقلبك، فتعلم = إلى الذين يزعمون أنهم صدقوا بما أنزل إليك من الكتاب، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قلبك من الكتب، يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت = يعني إلى: من يعظمونه، ويصدرون عن قوله، ويرضون بحكمه من دون حكم الله، (1) ="وقد أمروا أن يكفروا به"، يقول: وقد أمرهم الله أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوتُ الذي يتحاكون إليه، فتركوا أمرَ الله واتبعوا أمر الشيطان ="ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا"، يعني: أن الشيطان يريد أن يصدَّ هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى، فيضلهم عنها ضلالا بعيدًا = يعني: فيجور بهم عنها جورًا شديدًا (2) .
* * *
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلا من اليهود في خصومة كانت بينهما إلى بعض الكهَّان، ليحكم بينهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهُرهم.
(1) انظر تفسير"الطاغوت" فيما سلف 5: 416 - 419 / 8: 461 - 465.
(2)
انظر تفسير"الضلال" فيما سلف: 8: 428، تعليق: 4، والمراجع هناك.
*ذكر من قال ذلك:
9891 -
حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عامر في هذه الآية:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فكان المنافق يدعو إلى اليهود، لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة، وكان اليهودي يدعو إلى المسلمين، لأنه يعلم أنهم لا يقبلون الرشوة. فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جُهَيْنة، فأنزل الله فيه هذه الآية:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك" حتى بلغ"ويسلموا تسليمًا".
9892 -
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر في هذه الآية:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، فذكر نحوه = وزاد فيه: فأنزل الله:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، يعني المنافقين ="وما أنزل من قبلك"، يعني اليهود ="يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، يقول: إلى الكاهن ="وقد أمروا أن يكفروا به"، أمر هذا في كتابه، وأمر هذا في كتابه، أن يكفر بالكاهن.
9893 -
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال: كانت بين رجل ممن يزعم أنه مسلم، وبين رجل من اليهود، خصومة، فقال اليهودي: أحاكمك إلى أهل دينك = أو قال: إلى النبي = لأنه قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ الرشوة في الحكم، فاختلفا، فاتفقا على أن يأتيا كاهنًا في جهينة، قال: فنزلت:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، يعنى: الذي من الأنصار ="وما أنزل من قبلك"، يعني: اليهوديّ (1)"يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، إلى الكاهن ="وقد أمروا
(1) في المخطوطة: "اليهود".
أن يكفروا به"، يعني: أمر هذا في كتابه، وأمر هذا في كتابه. وتلا"ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا"، وقرأ:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" إلى"ويسلموا تسليما".
9894 -
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: زعم حضرميٌّ أن رجلا من اليهود كان قد أسلم، فكانت بينه وبين رجل من اليهود مدارأة في حق، (1) فقال اليهودي له: انطلق إلى نبي الله. فعرف أنه سيقضي عليه. قال: فأبى، فانطلقا إلى رجل من الكهان فتحاكما إليه. قال الله:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل
(1) المدرأة: المدافعة والخصومة.
من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت".
9895 -
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك"، الآية، حتى بلغ"ضلالا بعيدًا"، ذُكر لنا أن هذه الآية نزلت في رجلين: رجل من الأنصار يقال له"بشر"، وفي رجل من اليهود، في مدارأة كانت بينهما في حق، فتدارءا بينهما، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة يحكم بينهما، وتركا نبي الله صلى الله عليه وسلم. فعاب الله عز وجل ذلك = وذُكر لنا أن اليهودي كان يدعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، وقد علم أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لن يجور عليه. فجعل الأنصاري يأبى عليه وهو يزعم أنه مسلم، ويدعوه إلى الكاهن، فأنزل الله تبارك وتعالى ما تسمعون، فعابَ ذلك على الذي يزعم أنه مسلم، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب، فقال:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك" إلى قوله:"صدودًا".
9896 -
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، قال: كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم. وكانت قُرَيظة والنَّضير في الجاهلية، إذا قُتِل الرجل من بني النضير قتلته بنو قريظة، قتلوا به منهم. فإذا قُتِل الرجل من بني قريظة قتلته النضير، أعطوْا ديتَه ستين وَسْقًا من تمر. (1) فلما أسلم ناس من بني قريظة والنضير، قتل رجلٌ من بني النضير رجلا من بني قريظة، فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النضيري: يا رسول الله، إنا كنا نعطيهم في الجاهلية الدية، فنحن نعطيهم اليوم ذلك. فقالت قريظة: لا ولكنا إخوانكم في النسب والدين، ودماؤنا مثل دمائكم، ولكنكم كنتم تغلبوننا في الجاهلية، فقد جاء الله بالإسلام! فأنزل الله يُعَيِّرهم بما فعلوا فقال:(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)[سورة المائدة: 54] ، فعيَّرهم، ثم ذكر قول النضيري:"كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقًا، ونقتل منهم ولا يقتلونا"، فقال (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) [سورة المائدة: 50] . وأخذ النضيري فقتله بصاحبه، فتفاخرت النضير وقريظة، فقالت النضير: نحن أكرم منكم! وقالت قريظة: نحن أكرم منكم! ودخلوا المدينة إلى أبي بُرْدة، (2) الكاهن الأسلمي، فقال المنافق من قريظة والنضير: انطلقوا إلى أبي بردَة ينفِّر بيننا! (3)
(1)"الوسق" مكيلة معلومة في زمانهم، كانت تبلغ حمل بعير.
(2)
في المطبوعة: "أبو برزة الأسلمي" وهو خطأ محض، والصواب ما كان في المخطوطة، فإن أبا برزة الأسلمي - نضلة بن عبيد - فهو صحابي جليل، و"برزة" بفتح الباء بعدها راء ساكنة بعدها زاي. وأما "أبو بردة" فهو بالباء المضمومة بعدها راء ساكنة بعدها دال.
وذكر الثعلبي في تفسيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا أبا بردة الأسلمي إلى الإسلام، فأبى، ثم كلمه ابناه في ذلك، فأجاب إليه وأسلم. وقال الحافظ ابن حجر: "وعند الطبراني بسند جيد عن ابن عباس قال: كان أبو بردة الأسلمي كاهنًا يقضي بين اليهود، فذكر القصة في نزول قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون
…
" الإصابة في ترجمته. وذكر الهيثمي خبر ابن عباس في مجمع الزوائد 7: 6، وفيه أيضًا"أبو برزة الأسلمي"، وهو خطأ، وقال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح". وكذلك رواه ابن كثير في تفسيره 2: 500 وفيه أيضًا"أبو برزة" وهو خطأ.
(3)
في المطبوعة هنا أيضًا"أبو برزة"، وانظر التعليق السالف. ويقال:"نفر الحاكم أحد المتخاصمين على صاحبه تنفيرًا": أي قضى عليه بالغلبة. وهو من"المنافرة" وذلك أن يتفاخر الرجلان كل واحد منهما على صاحبه، ثم يحكما بينهما رجلا، يغلب أحدهما على الآخر.
وقال المسلمون من قريظة والنضير: لا بل النبي صلى الله عليه وسلم يُنفِّر بيننا، فتعالوا إليه! فأبى المنافقون، وانطلقوا إلى أبي بردة فسألوه، (1) فقال: أعظِموا اللُّقمة = يقول: أعظِموا الخَطَر (2) = فقالوا: لك عشرة أوساق. قال: لا بل مئة وسْق، ديتي، (3) فإني أخاف أن أنفِّر النضير فتقتلني قريظة، أو أنفِّر قريظة فتقتلني النضير! فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوساق، وأبى أن يحكم بينهم، فأنزل الله عز وجل:"يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" = وهو أبو بردة (4) ="وقد أمروا أن يكفروا به" إلى قوله:"ويسلموا تسليما".
* * *
وقال آخرون:"الطاغوت"، في هذا الموضع، هو كعب بن الأشرف.
*ذكر من قال ذلك:
9897 -
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به"، و"الطاغوت" رجل من اليهود كان يقال له: كعب بن الأشرف، وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم قالوا، بل نحاكمكم إلى كعب! فذلك قوله:"يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، الآية.
9798 -
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك"، قال: تنازع رجلٌ من المنافقين ورجلٌ من
(1) في المطبوعة هنا مرة ثالثة: "أبو برزة".
(2)
"الخطر" هو المال الذي يجعل رهنًا بين المتراهنين، وأراد به الجعل الذي يدفعه كل واحد من المتنافرين إلى الحكم. وسماه"اللقمة" مجازًا، وهذا كله لم تقيده كتب اللغة، ولم أجده في أخبار المنافرات. فيستفاد من هذا الخبر. أن الحكم في المنافرة كانوا يجعلون له جعلا يأخذه بعد استماعه للمنافرة، وبعد الحكم.
(3)
"أوساق" جمع"وسق" ومضى تفسيره"الوسق" فيما سلف ص: 510، تعليق:1.
(4)
في المطبوعة هنا مرة رابعة"أبو برزة".
اليهود، فقال المنافق: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف. وقال اليهودي: اذهب بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الله تبارك وتعالى:"ألم تر إلى الذين يزعمون" الآية، والتي تليها فيهم أيضًا. (1)
9899 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، فذكر مثله = إلا أنه قال: وقال اليهودي: اذهب بنا إلى محمد.
9900 -
حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" إلى قوله:"ضلالا بعيدًا"، قال: كان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بينهما خصومة، أحدهم مؤمن والآخر منافق، فدعاه المؤمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف، فأنزل الله:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) .
9901 -
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، قال: تنازع رجل من المؤمنين ورجل من اليهود، فقال اليهودي: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف. وقال المؤمن: اذهب بنا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال الله:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك" إلى قوله:"صدودًا" = قال ابن جريج:"يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، قال: القرآن ="وما أنزل من قبلك"، قال: التوراة. قال:
(1) في المخطوطة: "الآية التي تليها منهم فيهما أيضًا"، ولا أدري ما هو، وما في المطبوعة أقرب إلى الصواب.