الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنما هو صفح المرء عما له قبل غيره من حق. وتسمية المنافق باسمه ليس بحق لأحد قِبَله، فيؤمر بعفوه عنه، وإنما هو اسم له. وغير مفهوم الأمرُ بالعفو عن تسمية الشيء بما هو اسمه.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا
(150)
أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"إن الذين يكفرون بالله ورسله"، من اليهود والنصارى="ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله"، بأن يكذبوا رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه بوحيه، ويزعموا أنهم افتروا على ربهم. (1) وذلك هو معنى إرادتهم التفريقَ بين الله ورسله، بنِحْلتهم إياهم الكذب والفريةَ على الله، وادِّعائهم عليهم الأباطيل="ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض"، يعني (2) أنهم يقولون:"نصدِّق بهذا ونكذِّب بهذا"، كما فعلت اليهود من تكذيبهم عيسى ومحمدًا صلى الله عليهما وسلم، وتصديقهم بموسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم. وكما فعلت النصارى من تكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، وتصديقهم بعيسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم="ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا"، يقول: ويريد المفرِّقون بين الله ورسله، الزاعمون أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، أن يتخذوا بين أضعاف
(1) في المطبوعة: "ويزعمون أنهم
…
" والصواب من المخطوطة.
(2)
"ونكفر ببعض" تمام الآية، لم يكن في المخطوطة ولا المطبوعة، ولكن سياقه يقتضي إثباتها.
قولهم:"نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض"="سبيلا"، يعني: طريقًا إلى الضلالة التي أحدثوها، والبدعة التي ابتدعوها، يدعون أهل الجهل من الناس إليه. (1)
فقال جل ثناؤه لعباده، منبهًا لهم على ضلالتهم وكفرهم:"أولئك هم الكافرون حقًّا"، يقول: أيها الناس، هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم، هم أهل الكفر بي، المستحقون عذابي والخلود في ناري حقًّا. فاستيقنوا ذلك، ولا يشككنَّكم في أمرهم انتحالهم الكذب، ودعواهم أنهم يقرُّون بما زعموا أنهم به مقرُّون من الكتب والرسل، فإنهم في دعواهم ما ادعوا من ذلك كَذَبَةٌ. وذلك أن المؤمن بالكتب والرسل، هو المصدّق بجميع ما في الكتاب الذي يزعم أنه به مصدق، وبما جاء به الرسول الذي يزعم أنه به مؤمن. فأما من صدّق ببعض ذلك وكذَّب ببعض، فهو لنبوة من كذب ببعض ما جاء به جاحد، ومن جحد نبوة نبي فهو به مكذب. وهؤلاء الذين جحدوا نبوة بعض الأنبياء، وزعموا أنهم مصدقون ببعض، مكذبون من زعموا أنهم به مؤمنون، لتكذيبهم ببعض ما جاءهم به من عند ربهم، فهم بالله وبرسله= الذين يزعمون أنهم بهم مصدقون، والذين يزعمون أنهم بهم مكذبون= كافرون، (2) فهم الجاحدون وحدانية الله ونبوّة أنبيائه حق الجحود، المكذبون بذلك حق التكذيب. فاحذروا أن تغتروا بهم وببدعتهم، فإنا قد أعتدنا لهم عذابًا مهينًا.
* * *
وأما قوله:"وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا"، فإنه يعني:"وأعتدنا" لمن جحد بالله ورسوله جحودَ هؤلاء الذين وصفت لكم، أيها الناس، أمرَهم من أهل الكتاب، ولغيرهم من سائر أجناس الكفار (3) ="عذابًا"، في الآخرة="مهينًا"،
(1) انظر تفسير"السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.
(2)
سياق هذه الجملة: "فهم بالله وبرسله
…
كافرون"، وما بينها فصل في صفة هؤلاء الرسل.
(3)
انظر تفسير"أعتد" فيما سلف 8: 103، 355.
يعني: يهين من عُذِّب به بخلوده فيه. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
10765-
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرِّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقًّا وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا"، أولئك أعداء الله اليهود والنصارى. آمنت اليهود بالتوراة وموسى، وكفروا بالإنجيل وعيسى. وآمنت النصارى بالإنجيل وعيسى، وكفروا بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم. فاتخذوا اليهودية والنصرانية، وهما بدعتان ليستا من الله، وتركوا الإسلام وهو دين الله الذي بعث به رُسله.
10766-
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله"، يقولون: محمد ليس برسولٍ لله! وتقول اليهود: عيسى ليس برسولٍ لله! (2) فقد فرَّقوا بين الله وبين رسله="ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض"، فهؤلاء يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
10767-
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله:"إن الذين يكفرون بالله ورسله" إلى قوله:"بين ذلك سبيلا"، قال: اليهود والنصارى. آمنت اليهود بعُزَير وكفرت بعيسى، وآمنت النصارى بعيسى وكفرت بعزَير. وكانوا يؤمنون بالنبيّ ويكفرون بالآخر="ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا"، قال: دينًا يدينون به الله.
* * *
(1) انظر تفسير"مهين" فيما سلف: ص163، تعليق: 4، والمراجع هناك.
(2)
في الموضعين، في المخطوطة والمطبوعة:"برسول الله"، والسياق يقتضي ما أثبت.