المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القول في تأويل قوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ٩

[ابن جرير الطبري]

الفصل: القول في تأويل قوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ

القول في تأويل قوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ‌

(158) }

قال أبو جعفر: أما قوله جل ثناؤه:"بل رفعه الله إليه"، فإنه يعني: بل رفع الله المسيح إليه. يقول: لم يقتلوه ولم يصلبوه، ولكن الله رفعه إليه فطهَّره من الذين كفروا.

* * *

وقد بيّنا كيف كان رفع الله إياه إليه فيما مضى، وذكرنا اختلاف المختلفين في ذلك، والصحيحَ من القول فيه بالأدلة الشاهدة على صحته، بما أغنى عن إعادته. (1)

* * *

وأما قوله:"وكان الله عزيزًا حكيمًا"، فإنه يعني: ولم يزل الله منتقمًا من أعدائه، (2) كانتقامه من الذين أخذتهم الصاعقة بظلمهم، وكلعنه الذين قصّ قصتهم بقوله:"فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله"="حكيمًا"، يقول: ذا حكمة في تدبيره وتصريفه خلقَه في قضائه. (3) يقول: فاحذروا أيها السائلون محمدًا أن ينزل عليكم كتابًا من السماء، من حلول عقوبتي بكم، كما حل بأوائلكم الذين فعلوا فعلكم، في تكذيبهم رسلي وافترائهم على أوليائي، وقد:-

10793-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا محمد بن إسحاق بن أبي سارة الرُّؤَاسيّ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله:"وكان الله عزيزًا حكيمًا"، قال: معنى ذلك: أنه كذلك. (4)

* * *

(1) انظر ما سلف 6: 455 - 460.

(2)

انظر تفسير"عزيز" و"عزة" فيما سلف ص: 319، تعليق: 5، والمراجع هناك.

(3)

انظر تفسير"حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة.

(4)

الأثر: 10793 -"محمد بن إسحاق بن أبي سارة الرؤاسي"، لم أعرف له ترجمة، ولا وجدت له ذكرًا فيما بين يدي من الكتب، وأخشى أن يكون في اسمه تحريف أو تصحيف. وقول ابن عباس في تفسير الآية"معنى ذلك أنه كذلك"، يريد أن الله كان ولم يزل عزيزًا حكيمًا.

وعند هذا الموضع انتهى الجزء السابع من مخطوطتنا وفي آخرها ما نصه:

"نَجَز الجزء السابع من كتاب البيان، بحمد الله وعونه وحُسن توفيقه، وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

الحمد لله ربّ العالمين

يتلوه في أول الثامن إن شاء الله تعالى، القول في تأويل قوله:

(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)

وكان الفراغ منه في شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة وسبعمائة.

غفر الله لمؤلفه ولصاحبه، ولكاتبه، ولمن طالعَ فيه ودعا لهم

بالمغفرة ورضى الله تعالى والجنة، ولجميع المسلمين.

آمين، ياربّ العالمين".

ص: 378

(1)

القول في تأويل قوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك:

فقال بعضهم: معنى ذلك:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به"، يعني: بعيسى="قبل موته"، يعني: قبل موت عيسى= يوجِّه ذلك إلى أنّ جميعهم يصدِّقون به إذا نزل لقتل الدجّال، فتصير الملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفيّة، دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم.

(1) هذا بدء الجزء الثامن من المخطوطة، وأوله:

"بسم الله الرحمن الرحيم"

"رَبِّ يَسِّر برَحْمَتِك يا كَرِيم".

ص: 379

*ذكر من قال ذلك:

10794-

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: قبل موت عيسى ابن مريم.

10795-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: قبل موت عيسى.

10796-

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن أبي مالك في قوله:"إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: ذلك عند نزول عيسى ابن مريم، لا يبقى أحدٌ من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به. (1)

10797-

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال، قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن قال:"قبل موته"، قال: قبل أن يموت عيسى ابن مريم.

10798-

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن في قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: قبل موت عيسى. والله إنه الآن لحيٌّ عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون.

10799-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، يقول: قبل موت عيسى.

10800-

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: قبل موت عيسى. (2)

(1) الأثر: 10796 - في المخطوطة، هذا الأثر مبتور، مع جريانه في سياق الكتابة.

(2)

الأثر: 10800 - هذا الأثر مكرر الذي يليه مختصرًا، وليس في المخطوطة، فأخشى أن يكون من سهو الناسخ، كتب، ثم وقف، ثم أعاد الكتابة.

ص: 380

10801-

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: قبل موت عيسى، إذا نزل آمنت به الأديان كلها.

10802-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن الحسن قال: قبل موت عيسى.

10803-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الحسن:"إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال عيسى، ولم يمت بعدُ.

10804-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن أبي مالك قال: لا يبقى أحدٌ منهم عند نزول عيسى إلا آمن به.

10805-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حصين، عن أبي مالك قال: قبل موت عيسى.

10806-

حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: إذا نزل عيسى ابن مريم فقتل الدجال، لم يبق يهوديٌّ في الأرض إلا آمن به. قال: فذلك حين لا ينفعهم الإيمان. (1)

10807-

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، يعني: أنه سيدرك أناسٌ من أهل الكتاب حين يبعث عيسى، فيؤمنون به،"ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا".

10808-

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن أنه قال في هذه الآية:"وإن من أهل

(1) في المطبوعة: "وذلك حين.."، وأثبت ما في المخطوطة.

ص: 381

الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"= قال أبو جعفر: أظنه إنما قال: إذا خرج عيسى آمنت به اليهود.

* * *

وقال آخرون: يعني بذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى، قبل موت الكتابي. يوجِّه ذلك إلى أنه إذا عاين علم الحق من الباطل، (1) لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسُه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه.

[ذكر من قال ذلك] : (2)

10809-

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى.

10810-

حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: لا تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى، وإن غرق، أو تردَّى من حائط، أو أيّ ميتة كانت.

10811-

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"إلا ليؤمنن به قبل موته"، كل صاحب كتاب ليؤمنن به، بعيسى، قبل موته، موتِ صاحب الكتاب. (3)

10812-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ليؤمنن به"، كل صاحب كتاب، يؤمن بعيسى =

(1) في المطبوعة: "ذكر من كان يوجه ذلك

"، وأثبت ما في المخطوطة، وانظر التعليق التالي.

(2)

زدت هذه الزيادة بين القوسين، على نهج أبي جعفر في سائر تفسيره.

(3)

في المخطوطة: "قبل موته صاحب صاحب كتاب"، اجتهد الناشر الأول، ولو كتب"قبل موت كل صاحب كتاب"، لكان صوابًا أيضًا.

ص: 382

"قبل موته"، قبل موت صاحب الكتاب= قال ابن عباس: لو ضُربت عنقه، لم تخرج نفسُه حتى يؤمن بعيسى.

10813-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لا يموت اليهودي حتى يشهد أنّ عيسى عبد الله ورسوله، ولو عُجِّل عليه بالسِّلاح.

10814-

حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: هي في قراءة أبيّ: (قبل موتهم)، ليس يهودي يموت أبدًا حتى يؤمن بعيسى. قيل لابن عباس: أرأيت إن خرّ من فوق بيت؟ قال: يتكلم به في الهُوِيِّ. (1) فقيل: أرأيت إن ضربَ عنق أحد منهم؟ (2) قال: يُلجلج بها لسانُهُ. (3)

10815-

حدثني المثنى قال، حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال، حدثنا سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ابن مريم. قال: وإن ضُرب بالسيف، يتكلم به. قال: وإن هوى، يتكلم به وهو يَهْوِي. (4)

10816-

وحدثني ابن المثنى قال، حدثني محمد بن جعفر قال، حدثنا

(1)"الهوي"(بضم الهاء، وكسر الواو، والياء المشددة) ، مصدر"هوى يهوي"، إذا سقط من فوق إلى أسفل.

(2)

في المطبوعة: "إن ضربت عنقه"، و"العنق" يذكر ويؤنث، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)

"لجلج" أي تردد بها وأدارها على لسانه. وفي المطبوعة: "يتلجلج" بزيادة التاء، وهي بمعناها.

(4)

في المطبوعة، غير ما في المخطوطة وزاد فيها، وجعل ذلك سؤالا وجوابًا، وكتب:"قيل: وإن ضرب بالسيف؟ قال: يتكلم به. قيل: وإن هوى؟ قال: يتكلم به وهو يهوي"، وأجود ذلك ما في المخطوطة.

ص: 383

شعبة، عن أبي هارون الغنوي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: لو أن يهوديًّا وقع من فوق هذا البيت، لم يمت حتى يؤمن به= يعني: بعيسى. (1)

10817-

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة، عن مولى لقريش قال: سمعت عكرمة يقول: لو وقع يهوديٌّ من فوق القَصر، لم يبلغ إلى الأرض حتى يؤمن بعيسى.

10818-

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم الرماني، عن مجاهد:"ليؤمنن به قبل موته"، قال: وإن وقع من فوق البيت، لا يموت حتى يؤمن به. (2)

10819-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن مجاهد:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته". قال: لا يموت رجل من أهل الكتاب حتى يؤمن به، وإن غرق، أو تردَّى، أو مات بشيء.

10820-

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد في قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: لا تخرج نفسه حتى يؤمن به.

(1) الأثر: 10816 -"أبو هارون الغنوي"، هو:"إبراهيم بن العلاء". روى عن عكرمة، وأبي مجلز، وحطان بن العلاء. وروى عنه شعبة، وحماد بن سلمة، ويزيد بن إبراهيم، ويزيد بن زريع، وابن المبارك، مترجم في الكبير 1 / 1 / 307، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 120، ولم يذكرا فيه جرحًا. وأشار إليه الحافظ ابن حجر في باب الكنى من تهذيب التهذيب، وقال:"تقدم"، ولم أجده في الأعلام، فكأن في التهذيب نقصًا.

(2)

الأثر: 10818 -"أبو هاشم الرماني الواسطي"، قيل اسمه:"يحيى بن دينار" وقيل: "ابن الأسود"، وقيل:"ابن أبي الأسود"، وقيل:"ابن نافع". رأى أنسًا، وروي عن أبي وائل، وأبي مجلز، وأبي العالية، وعكرمة، وغيرهم. كان فقيهًا صدوقًا، ثقة. مترجم في التهذيب.

ص: 384

10821-

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: لا يموت أحدهم حتى يؤمن به= يعني: بعيسى= وإن خَرَّ من فوق بيت، يؤمن به وهو يهوِي.

10822-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك قال: ليس أحدٌ من اليهود يخرج من الدنيا حتى يؤمن بعيسى.

10823-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن فرات القزاز، عن الحسن في قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: لا يموت أحد منهم حتى يؤمن بعيسى صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت= [يعني: اليهود والنصارى] . (1)

10824-

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن فرات، عن الحسن في قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: لا يموت أحدٌ منهم حتى يؤمن بعيسى قبل أن يموت. (2)

10825-

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا الحكم بن عطية، عن محمد بن سيرين:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: موتِ الرجل من أهل الكتاب. (3)

10826-

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: قال ابن عباس: ليس من يهودي [يموت] حتى يؤمن بعيسى ابن مريم. (4)

(1) في المطبوعة: "حتى يؤمن بعيسى، يعني اليهود والنصارى"، وأثبت ما في المخطوطة، ولكن ليس فيها:"يعني اليهود والنصارى"، فتركتها على حالها من المطبوعة، ووضعتها بين قوسين.

(2)

الأثر: 10824 - هذا الأثر غير موجود في المخطوطة.

(3)

الأثر: 10825 -"الحكم بن عطية العيشي". متكلم فيه، روى عن عاصم الأحول، والحسن، وابن سيرين، وروى عنه ابن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم، وغيرهم. مترجم في التهذيب.

(4)

في المطبوعة: "ليس من يهودي ولا نصراني يموت حتى يؤمن"، وفي المخطوطة:" ليس من يهودي ولا نصراني حتى يؤمن"، وضرب الناسخ على"ولا نصراني"، وليس في المخطوطة"يموت"، فتركتها على حالها من المطبوعة، ووضعتها بين قوسين.

ص: 385

فقال له رجل من أصحابه: كيف، والرجل يغرق، أو يحترق، أو يسقط عليه الجدار، أو يأكله السَّبُع؟ فقال: لا تخرج روحه من جسده حتى يقذف فيه الإيمان بعيسى.

10827-

حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: لا يموت أحد من اليهود حتى يشهد أن عيسى رسول الله= صلى الله عليه وسلم.

10828-

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعلى، عن جويبر في قوله:"ليؤمنن به قبل موته"، قال: في قراءة أبيّ: (قبل موتهم) . (1)

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم، قبل موت الكتابي.

*ذكر من قال ذلك:

10829-

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن حميد قال، قال عكرمة: لا يموت النصراني واليهوديُّ حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم= يعني في قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته".

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة والصواب، قول من قال: تأويل ذلك:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى".

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من غيره من الأقوال، لأن الله جل ثناؤه حكم لكل مؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم بحكم أهل الإيمان، في الموارثة والصلاة عليه،

(1) الأثر: 10828 - انظر الأثر السالف رقم: 10814.

ص: 386

وإلحاق صغار أولاده بحكمه في الملة. فلو كان كل كتابيّ يؤمن بعيسى قبل موته، لوجب أن لا يرث الكتابيّ إذا مات على مِلّته إلا أولاده الصغار، أو البالغون منهم من أهل الإسلام، إن كان له ولد صغير أو بالغ مسلم. وإن لم يكن له ولد صغير ولا بالغٌ مسلم، كان ميراثه مصروفًا حيث يصرف مال المسلم يموت ولا وارث له، وأن يكون حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه وغَسْله وتقبيره. (1) لأن من مات مؤمنًا بعيسى، فقد مات مؤمنًا بمحمد وبجميع الرسل. وذلك أن عيسى صلوات الله عليه، جاء بتصديق محمد وجميع المرسلين صلوات الله عليهم، فالمصدّق بعيسى والمؤمن به، مصدق بمحمد وبجميع أنبياء الله ورسله. كما أن المؤمن بمحمد، مؤمن بعيسى وبجميع أنبياء الله ورسله. فغير جائز أن يكون مؤمنًا بعيسى من كان بمحمد مكذِّبًا.

* * *

فإن ظن ظانٌّ أنّ معنى إيمان اليهودي بعيسى الذي ذكره الله في قوله:"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، إنما هو إقراره بأنه لله نبيٌّ مبعوث، دون تصديقه بجميع ما أتى به من عند الله= فقد ظن خطأ.

وذلك أنه غير جائز أن يكون منسوبًا إلى الإقرار بنبوّة نبي، من كان له مكذبًا في بعض ما جاء به من وحْي الله وتنزيله. بل غير جائز أن يكون منسوبًا إلا الإقرار بنبوة أحد من أنبياء الله، لأن الأنبياء جاءت الأمم بتصديق جميع أنبياء الله ورسله. فالمكذب بعض أنبياء الله فيما أتى به أمّته من عند الله، مكذِّب جميع أنبياء الله فيما دعوا إليه من دين الله عبادَ الله. وإذْ كان ذلك كذلك= وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن كلَّ كتابي مات قبل إقراره بمحمد صلوات الله

(1) قوله: "وتقبيره" أي دفنه حيث يدفن، وكأنه من ألفاظ الفقهاء على عهد أبي جعفر، والذي في اللغة"قبره يقبره" دفنه، و"أقبره" جعل له قبرًا. أما "قبر يقبر تقبيرًا" بهذا المعنى، فلم أجدها في معاجم اللغة.

ص: 387

عليه وما جاء به من عند الله، (1) محكوم له بحكم الملّة التي كان عليها أيام حياته، (2) غيرُ منقولٍ شيء من أحكامه في نفسه وماله وولده صغارهم وكبارهم بموته، عما كان عليه في حياته= دلَّ الدليل على أن معنى قول الله:(3)"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، إنما معناه: إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وأن ذلك في خاصٍ من أهل الكتاب، ومعنيٌّ به أهل زمان منهم دون أهل كل الأزمنة التي كانت بعد عيسى، وأن ذلك كائن عند نزوله، كالذي:-

10830-

حدثني بشر بن معاذ قال، حدثني يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة: أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء إخوة لعَلاتٍ، أمهاتهم شتى ودينهم واحدٌ. وإنيّ أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبيٌّ. وإنه نازلٌ، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربُوع الخَلق، إلى الحمرة والبياض، سَبْط الشعر، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بَلل، بين ممصَّرتين، فيدُقّ الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملل كلَّها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه مسيحَ الضلالة الكذابَ الدجال، وتقع الأمَنَة في الأرض في زمانه، حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الغِلمان= أو: الصبيان= بالحيات، لا يضرُّ بعضهم بعضًا. ثم يلبث في الأرض ما شاء الله= وربما قال: أربعين سنة= ثم يتوفَّى،

(1) في المطبوعة: "وإذ كان ذلك كذلك كان في إجماع الجميع من أهل الإسلام على أن كل كتابي.." غير ما في المخطوطة، ليصلح الخطأ الذي وقع فيها. كما سترى في التعليق:3.

(2)

في المطبوعة: "بحكم المسألة التي كان عليها

"، والصواب من المخطوطة.

(3)

في المطبوعة والمخطوطة: "أدل الدليل على معنى قول الله"، والصواب يقتضي ما أثبت. وسياق العبارة: "وإذ كان ذلك كذلك، وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين

دل الدليل على أن معنى قول الله

إنما معناه

". فهذا هو السياق الذي يدل على صواب ما صححته في المطبوعة والمخطوطة.

ص: 388

ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه. (1)

* * *

وأما الذي قال: عنى بقوله:"ليؤمنن به قبل موته"، ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبلَ موت الكتابي - فمما لا وجه له مفهوم، لأنه= مع فساده من الوجه الذي دَللنا على فساد قول من قال:"عنى به: ليؤمنن بعيسى قبل موت الكتابي"= يزيده فسادًا أنه لم يجر لمحمد عليه السلام في الآيات التي قبلَ ذلك ذكر، فيجوز صرف"الهاء" التي في قوله:"ليؤمنن به"، إلى أنها من ذكره. وإنما قوله:"ليؤمنن به"، في سياق ذكر عيسى وأمه واليهود. فغير جائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره، إلا بحجة يجب التسليم لها من دلالة ظاهر التنزيل، أو خبر عن الرسول تقوم به حُجَّة. فأما الدَّعاوى، فلا تتعذر على أحد.

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الآية= إذْ كان الأمر على ما وصفنا (2) =: وما من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن بعيسى، قبل موت عيسى= وحذف"مَن" بعد"إلا"، لدلالة الكلام عليه، فاستغنى بدلالته عن إظهاره، كسائر ما قد تقدم من أمثاله التي قد أتينا على البيان عنها.

* * *

(1) الأثر: 10830 - هذا الحديث، مضى برقم: 7145، من طريق ابن حميد، عن سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن قتادة، بمثله، إلا بعض اختلاف يسير جدًا في لفظه. وهو حديث صحيح، خرجه أخي السيد أحمد في موضعه هناك، وأشار إلى طريق الطبري هذه في هذا الموضع، فراجعه هناك.

(2)

في المطبوعة: "ما وصفت"، وأثبت ما في المخطوطة.

ص: 389

القول في تأويل قوله: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) }

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ويوم القيامة يكون عيسى على أهل الكتاب"شهيدًا"، يعني: شاهدًا عليهم بتكذيب من كذَّبه منهم، وتصديق من صدقه منهم، فيما أتاهم به من عند الله، وبإبلاغه رسالة ربه، (1) كالذي:-

10831-

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج:"ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا"، أنه قد أبلغهم ما أُرسل به إليهم. (2)

10832-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا"، يقول: يكون عليهم شهيدًا يوم القيامة على أنه قد بلغ رسالة ربه، وأقرّ بالعبوديّة على نفسه.

* * *

القول في تأويل قوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) }

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فحرَّمنا على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا ربهم، وكفروا بآيات الله، وقتلوا أنبياءهم، وقالوا البهتان على مريم، وفعلوا ما وصفهم الله في كتابه= طيباتٍ من المآكل وغيرها، كانت لهم

(1) انظر تفسير"شهيد" فيما سلف من فهارس اللغة.

(2)

في المطبوعة: "أرسله به"، وأثبت ما في المخطوطة.

ص: 390

حلالا عقوبة لهم بظلمهم، الذي أخبر الله عنهم في كتابه، (1) كما:-

10833-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم" الآية، عوقب القوم بظلم ظلموه وبَغْيٍ بَغَوْه، حرمت عليهم أشياء ببغيهم وبظلمهم.

* * *

وقوله:"وبصدّهم عن سبيل الله كثيرًا"، يعني: وبصدّهم عبادَ الله عن دينه وسبله التي شرعَها لعباده، صدًّا كثيرًا. (2) وكان صدُّهم عن سبيل الله: بقولهم على الله الباطل، وادعائهم أن ذلك عن الله، وتبديلهم كتاب الله، وتحريف معانيه عن وجوهه. وكان من عظيم ذلك: جحودهم نبوة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتركهم بيانَ ما قد علِموا من أمره لمن جَهِل أمره من الناس. (3)

* * *

وبنحو ذلك كان مجاهد يقول:

10834-

حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثني أبو عاصم قال، حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"وبصدّهم عن سبيل الله كثيرًا"، قال: أنفسَهم وغيرَهم عن الحق.

10835-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

* * *

وقوله:"وأخذهم الربا"، وهو أخذهم ما أفضلوا على رءوس أموالهم، لفضل تأخير في الأجل بعد مَحِلِّها، وقد بينت معنى"الربا" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (4)

* * *

(1) انظر تفسير"هاد" فيما سلف 2: 143، 507، 508.

وتفسير"الطيبات" فيما سلف 3: 301 / 5: 555 / 6: 361 / 7: 424 / 8: 409.

(2)

في المطبوعة: "التي شرحها لعبادة" وهو خطأ ظاهر.

(3)

انظر تفسير"الصد" فيما سلف 4: 300 / 7: 53 / 8: 482، 513 وتفسير"السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.

(4)

انظر تفسير"الربا" فيما سلف 6: 7، 8، 13، 15، 22.

ص: 391

="وقد نهوا عنه" يعني: عن أخذ الربا.

* * *

وقوله:"وأكلهم أموالَ الناس بالباطل"، يعني ما كانوا يأخذون من الرُّشَى على الحكم، كما وصفهم الله به في قوله:(وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[سورة المائدة: 62] . وكان من أكلهم أموال الناس بالباطل، ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم، ثم يقولون:"هذا من عند الله"، وما أشبه ذلك من المآكل الخسيسة الخبيثة. فعاقبهم الله على جميع ذلك، بتحريمه ما حرَّم عليهم من الطيبات التي كانت لهم حلالا قبل ذلك.

وإنما وصفهم الله بأنهم أكلوا ما أكلوا من أموال الناس كذلك بالباطل، (1) لأنهم أكلوه بغير استحقاق، (2) وأخذوا أموالهم منهم بغير استيجاب.

* * *

وقوله:"وأعتدنا للكافرين منهم عذابًا أليمًا"، (3) يعني: وجعلنا للكافرين بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم من هؤلاء اليهود، (4) العذاب الأليم= وهو الموجع (5) = من عذاب جهنم عنده، (6) يصلونها في الآخرة، إذا وردوا على ربهم، فيعاقبهم بها.

* * *

(1) انظر تفسير"أكل الأموال بالباطل" فيما سلف 3: 548 / 7: 528، 578 / 8:216.

(2)

في المطبوعة: "بأنهم أكلوه

"، والصواب من المخطوطة.

(3)

في المطبوعة: "فقوله:

"، والصواب من المخطوطة.

(4)

انظر تفسير"أعتد" فيما سلف 8: 103، 355 / 9:353.

(5)

انظر تفسير"الأليم" فيما سلف من فهارس اللغة.

(6)

في المطبوعة: "من عذاب جهنم عدة يصلونها

" والصواب من المخطوطة.

ص: 392