الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن ذلك إذا تُؤُوِّل كذلك فالصواب من القراءة في (الحق) الخفض، على أنه نعت لـ (الذي) .
* * *
وقوله: (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) ولكن أكثر الناس من مشركي قومك لا يصدقون بالحقّ الذي أنزل إليك من ربك، (1) ولا يقرّون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ
(2) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله، يا محمد، هو الذي رفع السموات السبع بغير عَمَد ترونها، فجعلها للأرض سقْفًا مسموكًا.
* * *
و"العَمَد" جمع"عمود"، وهي السَّواري، وما يعمد به البناء، كما قال النابغة:
وَخَيِّسِ الجِنَّ إنِّي قَدْ أذِنْتُ لَهُمْ
…
يَبْنُون تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ وَالعَمَدِ (2)
(1) في المطبوعة والمخطوطة، أسقط لفظ الآية، فأثبتها.
(2)
ديوانه: 29، ومجاز القرآن 1: 320، وشمس العلوم لنشوان الحميري: 37، وغيرها كثير، من قصيدته المشهورة التي اعتذر فيها للنعمان، لما قذفوه بأمر المتجردة، يقول قبله: ولَا أَرَى فَاعلاً فِي النَّاسِ يُشْبِهُهُ
…
ولَا أُحَاشِي مِنَ الأقْوامِ مِنْ أَحَدِ
إلَاّ سُلَيْمَانَ إذْ قَالَ الإلهُ لَهُ
…
قُمْ فِي البَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عن الفَنَدِ
وقوله:" وخيس الجن"، أي: ذللها ورضها. و" الصفاح"، حجارة رقاق عراض صلاب.
و" تدمر" مدينة بالشام. قال نشوان الحميري في شمس العلوم:" مدينة الشأم مبنية بعظام الصخر، فيها بناء عجيب، سميت بتدمر الملكة العمليقية بنت حسان بن أذينة، لأنها أول من بناها. ثم سكنها سليمان بن داود عليه السلام بعد ذلك. فبنت له فيها الجن بناء عظيمًا، فنسبت اليهود والعرب بناءها إلى الجن، لما استعظموه".
وهذا نص جيد من أخبارهم وقصصهم في الجاهلية.
وجمع"العمود:""عَمَد،"كما جمع الأديم:"أدَم"، ولو جمع بالضم فقيل:"عُمُد"جاز، كما يجمع"الرسول""رسل"، و"الشَّكور""شكر".
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (رفع السموات بغير عمد ترونها) .
فقال بعضهم: تأويل ذلك: الله الذي رفع السموات بعَمَدٍ لا ترونها.
*ذكر من قال ذلك:
20051-
حدثنا أحمد بن هشام قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: إن فلانًا يقول: إنها على عمد = يعنى السماء؟ قال: فقال: اقرأها (بغير عمَدٍ ترونها) : أي لا ترونها.
20052-
حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
20053-
حدثنا الحسن بن محمد قال: ثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: حدثنا حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد في قوله:(بغير عمد ترونها)، قال: بعمد لا ترونها.
20054-
حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد، في قول الله:(بغير عمد ترونها) قال: هي لا ترونها (1) .
(1) الأثران: 20053، 20054 -" الحسن بن مسلم بن يناق المكي"، ثقة، وله أحاديث مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 2 / 304، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 36.
20055-
حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (بغير عمد) يقول: عمد [لا ترونها] . (1)
20056-
حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
20057-
...... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن وقتادة قوله:(الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) قال قتادة: قال ابن عباس: بعَمَدٍ ولكن لا ترونها.
20058-
حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قوله:(رفع السموات بغير عمد ترونها) قال: ما يدريك؟ لعلها بعمد لا ترونها.
* * *
ومن تأوَّل ذلك كذلك، قصد مذهب تقديم العرب الجحدَ من آخر الكلام إلى أوله، كقول الشاعر (2)
وَلا أرَاهَا تَزَالُ ظَالِمَةً
…
تُحْدِثُ لِي نَكْبَةً وتَنْكَؤُهَا (3)
يريد: أراها لا تزال ظالمة، فقدم الجحد عن موضعه من"تزال"، وكما قال الآخر:(4)
(1) ما بين القوسين زيادة لا بد منها، وليست في المخطوطة.
(2)
هو ابن هرمة.
(3)
شرح شواهد المغني 277، 279 من تسعة أبيات، ومعاني القرآن للفراء في تفسير الآية، والأضداد لابن الأنباري:234.
وقد زعموا أنه قيل لابن هرمة: إن قريشًا لا تهمز، فقال: لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش، وأولها: إنَّ سُلَيْمي والله يكْلَؤهَا
…
ضَنَّتْ بِشَيء مَا كَان يَرْزَؤُها
وعَوَّدَتْنِي فِيما تُعَوِّدُني
…
أَظْمَاءُ وِرْدٍ ما كُنْتُ أجزَؤُهَا
ولا أرَاهَا تَزَال ظَالِمةً
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4)
لم أعرف قائله.
إذَا أَعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حَالٌ مِنَ امْرِئٍ
…
فَدَعْهُ وَوَاكِلْ حَالَهُ وَاللَّيَاليَا (1) يَجِئْنَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ صَالحٍ بِهِ
…
وَإنْ كَانَ فِيما لا يَرَى النَّاسُ آلِيَا
يعني: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو.
* * *
وقال آخرون، بل هي مرفوعة بغير عمد.
*ذكر من قال ذلك:
20059-
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: أخبرنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن إياس بن معاوية، في قوله:(رفع السموات بغير عمد ترونها) قال: السماء مقبّبة على الأرض مثل القبة. (2)
20060-
حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(بغير عمد ترونها) قال: رفعها بغير عمد.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) فهي مرفوعة بغير عمد نَراها، كما قال ربنا جل ثناؤه. ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه. (3)
* * *
وأما قوله: (ثم استوى على العرش) فإنه يعني: علا عليه.
* * *
وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيما قالوا فيه، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (4)
* * *
(1) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية، والأضداد لابن الأنباري: 234، وقوله:" واكل حاله"، أي: دع أمره لليالي. من" وكل إليه الأمر"، أي: صرف أمره إليه. وقوله:" يجئن على ما كان من صالح به"، أي يقضين على صالح أمره ويذهبنه. و" الآلي"، المقصر.
(2)
الأثر: 20059 -" إياس بن معاوية بن قرة المزني"،" أبو واثلة" قاضي البصرة، ثقة، وكان فقيهًا عفيفًا، وكان عاقلا فطنًا من الرجال، يضرب به المثل في الحلم والدهاء. مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 442، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 282، وابن سعد 7 / 2 / 4، 5.
(3)
أي احتياط وفقه وعقل وورع، كان أبو جعفر يستعمل في تفسيره! .
(4)
انظر تفسير" الاستواء" فيما سلف 1: 428 - 431 / 12: 482، 483 / 15:18.
= وتفسير" العرش" فيما سلف 15: 245، تعليق: 1، والمراجع هناك.
وقوله: (وسخر الشمس والقمر) يقول: وأجرى الشمس والقمر في السماء، فسخرهما فيها لمصالح خلقه، وذلَّلَهما لمنافعهم، ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب، ويفصلوا به بين الليل والنهار.
* * *
وقوله: (كل يجري لأجل مسمَّى) يقول جل ثناؤه: كل ذلك يجري في السماء= (لأجل مسمى) : أي: لوقت معلوم، (1) وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكوَّر الشمس، ويُخْسف القمر، وتنكدر النجوم.
=وحذف ذلك من الكلام، لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه، وأن (كلّ) " لا بدَّ لها من إضافة إلى ما تحيط به. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله: (لأجل مسمى) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20061-
حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمّى) قال: الدنيا. (3)
* * *
وقوله: (يدبِّر الأمر) يقول تعالى ذكره: يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمورَ الدنيا والآخرة كلها، ويدبِّر ذلك كله وحده، بغير شريك ولا ظهير ولا معين سُبْحانه. (4)
* * *
(1) انظر تفسير" الأجل المسمى" فيما سلف 6: 43 / 11: 256 - 259، 407.
(2)
انظر تفسير" كل" وأحكامها فيما سلف 15: 540، تعليق: 1، والمراجع هناك. وانظر ما قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 1:321.
(3)
قوله" الدنيا"، كأنه يعني: فناء الدنيا، فاقتصر على ذكر" الدنيا"، لأنه معلوم بضرورة الدين أنها فانية، وإنما الخلود في الآخرة.
(4)
انظر تفسير" التدبير" فيما سلف 15: 18، 19، 84.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20062-
حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (يدبر الأمر) يقضيه وحده.
20063-
......... قال حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
20064-
حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
* * *
وقوله: (يفصل الآيات) يقول: يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه، فيبينها لكم (1) احتجاجًا بها عليكم، أيها الناس = (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) يقول: لتوقنوا بلقاء الله، والمعاد إليه، فتصدقوا بوعده ووعيده، (2) وتنزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان، وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك. (3)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20065-
حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة:(لعلكم بلقاء ربكم توقنون) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنزل كتابه وأرسل رسله، لنؤمن بوعده، ونستيقن بلقائه.
* * *
(1) انظر تفسير" تفصيل الآيات" فيما سلف 15: 227، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(2)
انظر تفسير" الإيقان" فيما سلف 10: 394 / 11: 475.
(3)
في المطبوعة:" تيقنتم"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو لب الصواب.