المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النازلة العاشرة: المسائل المتعلقة بالسمع والطاعة لولي الأمر - التوجيهات الصحيحة للنوازل العقدية المتعلقة بوباء كورونا

[محمد الهمامي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌أولاً: التعريف بالنوازل العقدية المتعلقة بوباء كورونا

- ‌تعريف النوازل:

- ‌تعريف العقيدة:

- ‌تعريف الأوبئة:

- ‌تعريف كورونا:

- ‌ثانياً: الفرق بين وباء كورونا والطاعون:

- ‌القول الأول: أن الطاعون هو الوباء:

- ‌القول الثاني: أن الطاعون غير الوباء:

- ‌أولاً: الطاعون لا يدخل المدينة:

- ‌ثانياً: أن الطاعون من وخز الجن:

- ‌ثالثاً: من أوجه الاختلاف بين الطاعون والوباء ما ذكره أهل العلم والطب الحديث بأن هناك فرق بين منشأ الطاعون وتكوينه وبين منشأ الأوبئة وتكوينها ومنها وباء كورونا

- ‌النازلة الأولى: المخالفات العقدية في القبور والأماكن؛ للتداوي من وباء كورونا

- ‌النازلة الثانية: التلفظ بالأدعية والأذكار المخالفة؛ للتداوي من وباء كورونا

- ‌النازلة الثالثة: التوسل بغير الله؛ لرفع بلاء وباء كورونا

- ‌النازلة الرابعة: التنزيل الخاطئ للأدلة الشرعية عند حلول وباء كورونا

- ‌النازلة الخامسة: ترك الأدلة الشرعية والاعتماد على الأدلة العقلية

- ‌النازلة السادسة: الدعوة إلى الاعتماد على العلاجات الطبية فقط، وترك كل ما له صلة بالدين

- ‌النازلة السابعة: الاعتقاد أن وباء كورونا مذكور في القرآن

- ‌النازلة الثامنة: الزعم بأن وباء كورونا من صنع البشر

- ‌النازلة التاسعة: التنجيم وادعاء علم الغيب في وباء كورونا

- ‌النازلة العاشرة: المسائل المتعلقة بالسمع والطاعة لولي الأمر

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌النازلة العاشرة: المسائل المتعلقة بالسمع والطاعة لولي الأمر

‌النازلة العاشرة: المسائل المتعلقة بالسمع والطاعة لولي الأمر

.

من النوازل العقدية والمسائل التي حدثت مع حلول وباء كورونا هي المسائل التي تتعلق بالسمع والطاعة للتعليمات والالتزام بالإجراءات التي تم فرضها من الجهات الحكومية المكلفة من قبل ولي الأمر؛ حتى يتم احتواء والوباء ويتحقق عدم انتشاره بإذن الله.

وكانت المملكة من أوائل الدول التي تبنت الإجراءات الاحترازية الصحية والتدابير الوقائية في التعامل مع وباء كورونا؛ فقد أضافت مفاهيم مبتكرة في إدارة الأزمات، وقدمت للعالم أنموذجاً في تعاملها مع تداعيات الموقف صحياً، واجتماعياً، واقتصادياً، متفرداً بقيمه الإنسانية فلم تفرق بين مواطن ووافد على ثراها، واتسمت إدارة الأزمة في المملكة بالنهج التكاملي لمنظومة العمل الحكومي والأهلي والتطوعي، غايتها في المقام الأول الحفاظ على الصحة العامة وفق المعايير المعتمدة، وتميزت بالتقصي والتدقيق لمهددات الصحة، وتقييم درجة المخاطر، والتأهب بتدابير وقائية حازمة في تنفيذها، لذلك دفعت نتائج متابعة مركز القيادة والتحكم بوزارة الصحة لمستوى الإصابة بفيروس (covid-19) بمدينة ووهان (WHAN) الصينية، إلى استجابة المملكة المبكرة لمواجهة تداعيات الفيروس، وصدر الأمر السامي بتاريخ: 26/ يناير/ 2020 م، بتشكيل اللجنة العليا الخاصة باتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية والتدابير اللازمة لمنع انتشار الجائحة، تضم في عضويتها (24) جهازاً حكومياً.

ومن أهم القرارات التي تم اتخاذها: تعليق العمرة، والدراسة، والرحلات الجوية الدولية والداخلية كافة، والبدء في عملية المسح الميداني الموسع، وتوسيع سعة المختبرات، كذلك حظر التجول الجزئي ثم الكلي على مختلف مناطق المملكة، وقرار علاج جميع المواطنين والمقيمين وغير النظاميين مجانًا وبدون أي عواقب، وإقامة حج العام الماضي (1441 هـ) بأعداد محدودة جدًا للراغبين في أداء مناسك الحج لمختلف الجنسيات من الموجودين داخل المملكة

(1)

.

وقد حذرت الصحة من التهاون في تطبيق الإجراءات الاحترازية، مؤكدة أهمية استمرار التقيد بها حتى يصل المجتمع - بإذن الله - إلى بر الأمان

(2)

.

(1)

ينظر: وكالة الأنباء السعودية واس https:// www.spa.gov.sa/ 2211274

(2)

ينظر: موقع وزارة الصحة السعودي https:// www.moh.gov.sa/ Ministry/ MediaCenter/ News/ Pages/ News-2021 - 03 - 31 - 006.aspx

ص: 78

كما أكدت الصحة أن التجمعات وعدم الالتزام بتطبيق الإجراءات الاحترازية سبب زيادة أعداد الإصابة بفيروس كورونا، مشددة على أهمية التقيد بالتدابير الوقائية مثل: ارتداء الكمامة، والتباعد الاجتماعي، وتعقيم الأيدي، وعدم المصافحة؛ للحد من انتشار فيروس كورونا؛ حفاظًا على صحة وسلامة الجميع

(1)

.

وقد نصّت الأحكام والعقوبات المقررة بحق مخالفي الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المتخذة لمواجهة جائحة كورونا على معاقبة من يخالف تعليمات العزل أو الحجر الصحي بغرامة تصل إلى (200) ألف ريال، أو السجن مدة لا تزيد عن سنتين، أو بهما معًا، وفي حال تكرار المخالفة تضاعف العقوبة الموقعة في المرة السابقة، وفي حال كانت المخالفة المذكورة قد صدرت على أحد من الأفراد غير السعوديين، يُعاقب بالإبعاد عن المملكة، ويُمنع دخوله نهائيًا بعد تنفيذ العقوبة المتّخذة في حقه

(2)

.

(1)

ينظر: موقع وزارة الصحة السعودي https:// www.moh.gov.sa/ Ministry/ MediaCenter/ News/ Pages/ News-2021 - 03 - 27 - 001.aspx

(2)

ينظر: وكالة الأنباء السعودية واس https:// www.spa.gov.sa/ viewstory.php? lang=ar&newsid=2241363

ص: 79

التوجيه العقدي لهذه النازلة كالآتي:

أولاً: إن الالتزام بالإجراءات والالتزام بالتعليمات التي فرضتها المملكة وطبقتها الوزارات والأجهزة الحكومية المختلفة هو من باب السمع والطاعة لولي الأمر، وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة المتواترة الدالة على وجوب طاعة ولي الأمر.

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].

قال ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: أمر الله بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أمرهما، الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما. وأمر بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية

(1)

.

وأما النصوص من السنة الدالة على وجوب طاعة ولي الأمر فقد جاءت كثيرة ومتواترة، ومن ذلك:

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني»

(2)

.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم»

(3)

، وفي رواية: «وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا

(1)

تيسير الكريم الرحمن، ص (183).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

رواه البخاري في كتاب الأحكام، باب: كيف يبايع الإمام الناس، ح (7199)، (9/ 77)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، ح (1709)، (3/ 1470).

ص: 80

بواحا، عندكم من الله فيه برهان»

(1)

.

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إنا كنا بشر، فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال:«نعم» ، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: «نعم» ، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: «نعم» ، قلت: كيف؟ قال: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع»

(2)

.

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، يقول لنا:«فيما استطعتم»

(3)

.

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدا مجدع الأطراف»

(4)

.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه في خطبته: «أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنها حبل الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة»

(5)

.

قال أبو عمر الداني رحمه الله: وواجب الانقياد للأئمة، والسمع والطاعة لهم في العسر، واليسر،

(1)

رواه البخاري في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«سترون بعدي أمورا تنكرونها» ، ح (7056)، (9/ 47)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، ح (1709)، (3/ 1470).

(2)

رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن، ح (1847)، (3/ 1476).

(3)

رواه البخاري في كتاب الأحكام، باب: كيف يبايع الإمام الناس، ح (7202)، (9/ 77)، ومسلم في كتاب الإمارة باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع، ح (1867)، (3/ 1490).

(4)

رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، ح (1837)، (3/ 1467).

(5)

رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ح (37337)، (7/ 474)، والآجري في الشريعة، ح (17)، (1/ 298)، والطبراني في الكبير، ح (8971)، (9/ 198)، والحاكم في المستدرك، ح (8663)، (4/ 598)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ح (159)، (1/ 121)، وقال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

ص: 81

والمنشط، والمكره، وإعظامهم، وتوقيرهم، وكذا طاعة خلفائهم، والنائبين عنهم من الأمراء، والقضاة، والحكام، والعمال، والسعاة، وجباة الخراج، والأموال، وسائر من استخلفوه في شيء مما إليهم النظر فيه، ولا يجب الخروج عليه، والمشاقة لهم، وذا مجمع عليه في الإمام العادل المستقيم

(1)

.

وقال النووي رحمه الله: تجب طاعة الإمام في أمره ونهيه، مالم يخالف حكم الشرع، سواء كان عادلاً أو جائراً"

(2)

.

وقال ابن تيمية رحمه الله: فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية فإن اعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم، فما له في الآخرة من خلاق

(3)

.

ثالثاً: هناك إجراءات احترازية وتدابير وقائية أقرها ولي الأمر واتخذت لمواجهة وباء كورونا والحد من سرعة انتشاره وتفشيه في المجتمع.

ومن هذه الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية على سبيل المثال لا الحصر: مسألة منع إقامة الصلوات في المساجد أثناء الحظر وصلاتها في البيت.

فيقال في هذه المسألة: من القواعد الشرعية المعتبرة قاعدة: درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، والالتزام باتباع التعليمات والتقيد بالإجراءات المفروضة من قبل الجهات المسؤولة المكلفة من قبل ولي الأمر يحقق هذه القاعدة الشرعية.

وإن إقامة الصلوات في المساجد يترتب عليها تحصيل مصلحة مكملة للضروري؛ فالصلاة شرعت لمصلحة مقصد ضروري، وهو حفظ الدين، ومع وجود العذر يمكن استدراك مصلحة أداؤها في المساجد تكميلا العبادة الضرورية في البيوت، وإن فات مكملها. وأما اجتماع المصلين فيترتب عليه مفسدة تفاقم الوباء بما لا يمكن التحكم به، وتعريض العامة

(1)

الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات، ص (241).

(2)

روضة الطالبين وعمدة المفتين، (10/ 47).

(3)

قاعدة مختصرة في وجوب طاعة الله ورسوله وولاة الأمور، ص (48).

ص: 82

للضرر، واحتمال إزهاق الأرواح؛ فتفوت بذلك مصلحة حفظ النفوس الضرورية، والمسلم معذور على ترك الجمعة والجماعة مخافة المرض.

يقول المرداوي رحمه الله: ويعذر في ترك الجمعة والجماعة المريض بلا نزاع، ويعذر أيضا في تركهما؛ لخوف حدوث المرض.

(1)

وأما عدم تقيد المصلين بالإجراءات الوقائية يترتب عليه مفسدة هي انتشار الوباء بما لا يمكن التحكم به، وتعريض الناس للضرر، واحتمال إزهاق الأرواح، فتفوت بذلك مصلحة حفظ النفوس الضرورية، وعليه فيرخص في منع إقامة الصلوات في المساجد مؤقتاً حتى يرتفع الضرر أمكن الجمع بين الأمرين؛ درءاً للمفسدة الراجحة.

وقد صدرت فتوى لهيئة كبار العلماء فيما عرض عليها بخصوص الرخصة في عدم شهود صلاة الجمعة والجماعة في حال انتشار الوباء أو الخوف من انتشاره، وباستقراء نصوص الشريعة الإسلامية ومقاصدها وقواعدها وكلام أهل العلم في هذه المسألة فإن هيئة كبار العلماء تبين الآتي:

1 -

يحرم على المصاب شهود الجمعة والجماعة لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يورد ممرض على مصح»

(2)

، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها»

(3)

.

2 -

مَن قررت عليه جهة الاختصاص إجراءات العزل فإن الواجب عليه الالتزام بذلك، وترك شهود صلاة الجماعة والجمعة ويصلي الصلوات في بيته أو موطن عزله؛ لما رواه الشريد ابن سويد الثقفي رضي الله عنه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم «إنا قد بايعناك فارجع»

(4)

.

(1)

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، (2/ 300).

(2)

رواه البخاري في كتاب الطب، باب لا هامة، ح (5771)، (7/ 138)، ومسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ولا نوء، ولا غول، ولا يورد ممرض على مصح، ح (2221)، (4/ 1743).

(3)

رواه البخاري في كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، ح (5728)، (7/ 130)، ومسلم في كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، ح (2218)، (4/ 1737).

(4)

رواه مسلم في كتاب السلام، باب اجتناب المجذوم ونحوه، ح (2231)، (4/ 1752).

ص: 83

3 -

من خشي أن يتضرر أو يضر غيره فيرخص له في عدم شهود الجمعة والجماعة لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»

(1)

. وفي كل ما ذكر إذا لم يشهد الجمعة فإنه يصليها ظهراً أربع ركعات.

هذا وتوصي هيئة كبار العلماء الجميع بالتقيد بالتعليمات والتوجيهات والتنظيمات التي تصدرها جهة الاختصاص، كما توصي الجميع بتقوى الله عز وجل واللجوء إليه سبحانه بالدعاء والتضرع بين يديه في أن يرفع هذا البلاء قال الله تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)} [الأنعام: 17]، وقال سبحانه:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(2)

كما أكدت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء الأهمية البالغة للتقيد بالتعليمات والتنظيمات التي تصدرها الجهات المختصة لمواجهة جائحة كورونا والحد من آثارها.

وقالت في بيان صادر لها: إن التقيد بهذه التعليمات واجب شرعي، ويأثم المكلف عند مخالفتها لقول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، والتقيد بهذه التعليمات من طاعة ولي الأمر.

وبالتقيد بالتعليمات تتحقق مصالح عامة وخاصة، وتُدرأ مفاسد عامة وخاصة، مبينة أنه كلما اُلتزم بها كان ذلك أحفظ للنفوس من أن تتلف، وأصون للأموال من أن تهدر، والشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها.

وأضافت: إن الإثم بمخالفة هذه التعليمات يعظم نظرًا لأن المخالف لا يجني على نفسه فقط، وإنما يتعدى أثر مخالفته إلى غيره، وقد قرر أهل العلم استنادا إلى نصوص الشريعة:«أن المعصية المتعدية للغير أشد من القاصرة» ، سائلة الله تعالى أن يلطف بعباده، وأن يرفع عنهم هذا الوباء وهم في صحة وعافية وحسن حال وهو سبحانه اللطيف الخبير

(3)

.

(1)

رواه ابن ماجه، ح (2340)، (2/ 784)، وقال ابن الملقن في المعين على تفهم الأربعين، ص (376): قال ابن الصلاح: أُسند من وجوه، ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه، وقد نقله جماهير أهل العلم واحتجوا به.

(2)

ينظر: وكالة الأنباء السعودية واس https:// www.spa.gov.sa/ 2047028

(3)

ينظر: وكالة الأنباء السعودية واس https:// www.spa.gov.sa/ viewstory.php? lang=ru&newsid=2049992

ص: 84

ثالثاً: من القواعد الشرعية المعتبرة أيضاً قاعدة: المشقة تجلب التيسير، كما قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وهذه القاعدة يقال فيها ما قيل في القاعدة السابقة في مسألة منع إقامة الصلوات في المساجد أثناء الحظر وصلاتها في البيت.

فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالصلاة في رحالهم؛ مخافة الضرر والمشقة، فعن نافع رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنه أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن، إذا كانت ليلة باردة، أو ذات مطر في السفر، أن يقول:«ألا صلوا في رحالكم»

(1)

.

قال السيوطي رحمه الله: قال العلماء: يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته

(2)

.

فإذا كانت الصلاة في البيوت جائزة في الضرر اليسير من الطين والمطر الشديد؛ فمن باب أولى الضرر المحقق في مثل الأوبئة والأمراض المعدية التي يترتب عليها هلاك وإن كان مظنونًا.

رابعاً: من مقاصد الشريعة التي جاء الإسلام بها حفظ الضروريات الخمس، ومنها حفظ النفس، والتقيد بالإجراءات المفروضة من قبل الجهات الحكومية المكلفة من قبل ولي الأمر يحقق هذا المقصد الشرعي.

قال الشاطبي رحمه الله عن الضروريات الخمس: لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين

(3)

.

وقد أكد سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ حفظه الله على هذا الأمر، فقال: إن من مقاصد الشريعة التي جاء الإسلام بها حفظ الضروريات الخمس، وهي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض،

(1)

رواه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، إذا كانوا جماعة، والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: الصلاة في الرحال، في الليلة الباردة أو المطيرة، ح (632)، (1/ 129)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الصلاة في الرحال في المطر، ح (697)، (1/ 484)، واللفظ لمسلم.

(2)

الأشباه والنظائر، ص (77).

(3)

الموافقات، (2/ 17 - 18).

ص: 85

وحفظ المال، فحفظ النفس من جملة الضروريات التي أمر الشارع جل وعلا بحفظها وعدم تعرضها للهلاك، قال الله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 27]، وإنفاذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بمنع التجول أثناء فترة الحظر والالتزام بتوجيهات الجهات الأمنية والصحية لما في ذلك من حفظ النفوس وحمايتها من التعرض لوباء فيروس كورونا حتى يرفع الله تعالى عنا الغمة ويدفع هذا البلاء، فالواجب على جميع المواطنين والمقيمين السمع والطاعة لتوجيهات ولاة الأمر وعدم المخالفة، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني»

(1)

..

وأضاف حفظه الله: أن كل شخص خالف الأنظمة التي أقرها ولي الأمر ولم يلتزم بتنفيذها كالتجول أثناء الحظر، أو تسبب في نقل الوباء إلى الآخرين متعمدا أو استخدم وسائل التواصل الاجتماعي للسخرية والتنقيص من جهود الجهات الأمنية والصحية أو التحريض بخرق الأنظمة فهو آثم، قال الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]

(2)

.

وقال الشيخ عبدالله الطيار حفظه الله: إن تلك الإجراءات التي قامت بها المملكة شهدت بصحتها النصوص الشرعية المتكاثرة، ويتحقق بها مقصد كلي من كليات الشريعة وهو الحفاظ على النفس، إذ يجوز لولي الأمر اتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة؛ لمنع أسباب البلاء العام، لا سيما عند تفشي الأمراض الوبائية.

إننا جميعاً مطالبون بالوقوف صفاً واحداً خلف قيادتنا الرشيدة في مواجهة هذا الوباء وذلك بالالتزام بالقرارات التي يأمر بها ولي الأمر تجاه هذه النازلة التي أصابت العالم أجمع؛ حتى تمر هذه المرحلة بسلام. علينا جميعاً تحمّل مسؤوليتنا المجتمعية بالحفاظ على سلامتنا وسلامة الوطن

(3)

.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

ينظر: وكالة الأنباء السعودية واس https:// www.spa.gov.sa/ 2053576

(3)

ينظر: مقال للشيخ على موقع جريدة الجزيرة https:// www.al-jazirah.com/ 2020/ 20200430/ rj 2.htm

ص: 86