الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} 1، إن آدم وحواء عليهما السلام لما تمكن إبليس عدو الله من أن يغرّهما ويخدعهما بمعسول القول، ولم يكونا ليتصورا أن يقسم أحد بالله عز وجل وهو كاذب، فانخدعا به؛ لأنه حلف لهما، وأكلا من الشجرة، وما أن أكلا منها حتى بدت عوراتهما، فأخذا من ورقة الجنة يلزقان بعضها إلى بعض لستر سوآتهما، وناداهما ربهما {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} 2 وهنا انقشعت غمامة الغفلة عنهما، وأدركا عظيم ما صنعا، وأنهما قد عصيا ربهما بطاعتهما لعدو الله إبليس، فندما غاية الندم وقالا {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 3 وإن القارئ للآية ليشعر بحرارة الأسى، وعظيم الندم من آدم وزوجه عليهما السلام، ويتبين من كلامهما استسلامهما وانكسارهما بين يدي ربهما، طالبين المغفرة والرحمة، وإلا كانا من الخاسرين لأنفسهم بظلمهم وعصيانهم، إنه موقف النادم على المعصية، العائد إلى ربه، المعترف بذنبه، المتذلل بين يدي مولاه يطلب رحمته وصفحه، وحق لمن كان بهذه الحال أن يعفى عنه، وأن يتجاوز عن سيئاته؛ فإنه قد توسل توسلاً صحيحاً، وولج البيوت من أبوابها قال عز وجل {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} 4.
توسل إبراهيم عليه السلام
…
وفي سورة إبراهيم دعوات توجه بها إبراهيم الخليل عليه السلام إلى ربه عز وجل ضارعاً خاشعاً متذللاً، وإن التالي لكتاب الله عز وجل ليحس أن تلك
1 الأعراف: 19-22.
الدعوات إنما تخرج من أعماق قلب الخليل عليه السلام، يقول تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ. رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} 1 إن إبراهيم الخليل عليه السلام في دعائه هذا ليتوسل إلى ربه عز وجل بتوحيده له، ويسأله أن يثبته على التوحيد، وأن يبعده وبنيه عن عبادة الأصنام، ويتوسل كذلك بطاعته لربه واستجابته لأمر مولاه إذ أمره أن يسكن ابنه إسماعيل وزوجه هاجر عليهما السلام في ذلك المكان القفر الموحش الذي لا أنيس به ولا جليس، وفي ذلك الوادي الذي لا زرع فيه ولا ثمر، عند بيت الله عز وجل المحرم، وأنه فعل ذلك رجاء أن يحيوا مؤمنين طائعين مقيمين للصلاة، ولذلك أسكنهم عند البيت المحرم، وبناءً على ذلك دعا الله عز وجل أن يهيئ أناساً ليؤنسوا وحدتهم، وأن ييسر أمر معيشتهم، وأن يرزقهم من جميع أنواع الثمار، وأصنافه، رجاء أن يشكروا الله تعالى على إنعامه وإفضاله، ثم يتوسل إلى الله عز وجل بعلمه بكل شيء، وأنه لا يفوت علمه شيء من ذلك، لقد توسل إلى الله تعالى بتلك البواعث والمقاصد التي دعته إلى أن يسكن ذريته تلك الديار الموحشة في ذلك الوقت، ولا ريب أن الله عز وجل يعلم صدقه وإخلاصه وانقياده لأمر ربه تعالى، وهذا توسل بالإخلاص
1 إبراهيم: 35-39.