المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التوسل برحمة الله وفضله - التوسل في كتاب الله عز وجل

[طلال بن مصطفى عرقسوس]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌معنى التوسل:

- ‌ما في سورة الفاتحة من توسلات

- ‌التوسل إلى الله بالإيمان والعمل الصالح

- ‌توسل الصحابة رضي الله عليهم

- ‌توسل الحواريين

- ‌توسل أولي الألباب

- ‌التوسل الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌توسل كليم الله موسى عليه السلام

- ‌التوسل ببر الوالدين

- ‌التوسل بالصبر

- ‌التوسل بالجهاد في سبيل الله

- ‌التوسل بالتوبة

- ‌توسل آدم وحواء عليهما السلام

- ‌توسل إبراهيم عليه السلام

- ‌توسل أصحاب الكهف

- ‌التوسل بالأسماء والصفات

- ‌توسل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام

- ‌توسل أيوب عليه السلام

- ‌توسل يونس عليه السلام

- ‌توسل زكريا عليه السلام

- ‌توسل من جاء بعد الصحابه رضوان الله عليهم

- ‌توسل إبراهيم عليه السلام

- ‌توسل عباد الرحمن

- ‌توسل المؤمنين يوم القيامة

- ‌التوسل إلى الله تعالى بذكر نعمه تعالى وشكره عليها، والتوسل بولايته لعبده:

- ‌التوسل برحمة الله وفضله

- ‌التوسل إلى الله عز وجل بدعاء الصالحين من الأحياء

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌التوسل برحمة الله وفضله

في الدنيا والآخرة، فلا يقدر على إنجائه وإسعاده سواه.

وبعد هذه التوسلات العظيمة دعا ربه بما يريد فقال: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} إن غاية مطالبه، وأقصى مآربه أن يتوفاه ربه وهو مسلم، حتى يتوفاه وهو راضٍ عنه، وأن يلحقه بصالحي عباده ليكون من أهل السعادة، وليفوز بجوار ربه في جنات النعيم.

ص: 57

‌التوسل برحمة الله وفضله

لنتأمل قول الله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام وقوله {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ. فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} 1 إنه موقف من آمن من قوم موسى عليه السلام؛ إذ آمنوا وهم على خوف من أن يفتنهم فرعون وملؤه عن الإيمان، وذلك لعلوه في الأرض وكونهم مسرفين، ولذا لما أبدوا لموسى عليه السلام خوفهم من فتنة فرعون وقومه قال لهم {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} أي إن وثقتم بإيمانكم بالله عز وجل فثقوا بربكم واعتمدوا عليه وفوضوا إليه أمركم، فأجابوه بقولهم على الله وحده دونما سواه توكلنا، ودعوا ربهم عز وجل أن لا يجعلهم فتنة للظالمين، أي لا يكونوا موقع ابتلاء لفرعون وقومه، وذلك بأن يسلطهم عليهم، ويرخي الله عز وجل لهم العنان بأن يتركهم يعذبونهم، وينتقمون منهم، فيظنوا أنهم إنما تسلطوا عليهم لأنهم على الحق وقوم موسى على الباطل فيفتتنوا بذلك 2.

وقيل معناه: لا تعذبنا بأيدي فرعون، ولا تعذبنا بعذابٍ من عندك فيقول قوم فرعون لو كانوا على الحق ما عذّبوا ولا سلّطنا عليهم فيفتتنوا 3.

1 يونس: 84-86

2 ينظر: البحر المحيط 5/185.

3 ينظر: الوسيط في التفسير 2/556، وفيه أيضاً “أي لا تظهرهم علينا فيروا أنهم خير منا فيزدادوا طغياناً” وينظر: تفسير البغوي 3/166.

ص: 57

ثم دعوا ربهم عز وجل أن ينجيهم متوسلين برحمته وفضله وإحسانه من القوم الكافرين، الذين كفروا الحق وجحدوه، بخلاف الداعين فإنهم آمنوا به وتوكلوا على ربهم.

هكذا نرى هؤلاء المؤمنين من قوم عليه السلام توسلوا بتوكلهم على ربهم، وتفويضهم أمورهم إليه، واعتمادهم عليه، وثقتهم بنصره وتأييده، وتوسلوا إلى الله عز وجل برحمته وفضله وإحسانه.

وهنالك موقف آخر عظيم من مواقف التوسل إلى الله تعالى برحمته وفضله، ذلك هو ما كان من سليمان بن داود عليهما السلام حيث استعرض عليه السلام جنوده من الجن والإنس والطير مما لم يكن لأحد قبله ولن يكون لأحدٍ بعده، فلما رأى ذلك الملك الكبير، وسمع كلام النملة لأخواتها، وفهم مقالتها شعر بعظيم إفضال ربه عليه، ولم يستول عليه الزهو والشعور بالعظمة، بل تواضع لله عز وجل، واستكان لربه تبارك وتعالى، وأظهر شكره وعرفانه لربه بجليل ما أنعم عليه {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} 1 إنه موقف المؤمنين المخبتين؛ حيث رأى ذلك الملك العظيم واستشعر عظمة ما أنعم به ربه عليه، فلم يكن منه ما يكون من أهل الغفلة والطغيان، إذ في مثل هذا الموقف تراهم يتعاظمون ويتيهون كبراً وغطرسة، وذلك كموقف فرعون إذ قال:{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} 2 إن موقف سليمان عليه السلام هو موقف عبد الله الذي عرفه حق معرفته، وخشيه حق خشيته، وعرف

1 النمل: 19

2 الزخرف: 51

ص: 58

قدر ربه تعالى، فما كان منه إلا أن انطلق لسانه يلهج بهذا الدعاء الذي ينم عن عظيم تضرعه وخشوعه، وتذلله واستكانته، وإخباته لربه جل وعلا.

وإنه ليسأل ربه أن يلهمه شكره على هذه النعم العظيمة وأن يوفقه لصالح الأعمال التي يرضاها جل وعلا ثم يسأل ربه متوسلا إليه برحمته أن يدخله في عباده الصالحين، ألا ما أعظم هذا الموقف، كأن سليمان عليه السلام وهو الرسول ابن الرسول والملك ابن الملك يرى أنه لم يصل بعد إلى مرتبة صالحي عباد الله.

ص: 59