الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند ما يرون نور المنافقين قد أطفئ فيتملكهم شعور بالخوف، أن يصيبهم ما أصاب هؤلاء المنافقين، ولنسمع إلى قول ربنا جل وعلا وهو يبين حالهم في ذلك الموقف العظيم {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 1 إنه لموقف يدل على عظيم إيمان هؤلاء، وأن تعلّقهم بربهم، وتملقهم له، وانكسارهم لعظمته وجلاله، ومسكنتهم له صفة ملازمة لهم لا تنفك عنهم بحال من الأحوال، كما يدل على معرفتهم بعناية الله بهم، ووثوقهم بربهم، وحسن ظنهم به، ولذا عند ما رأوا ما عوقب به المنافقون من ذهاب النور الذي كانوا يسيرون على ضوئه، عند ما رأوا ذلك انطلقت ألسنتهم، يدعون ربهم متضرعين راجين أن يتمم لهم نورهم، وأن يغفر لهم لئلا تكون ذنوبهم سببا في عقوبتهم، مثنين على الله عز وجل بأنه على كل شيء قدير، فلا يعجزه هذا الأمر ولا غيره، وهو أهل لأن يجيب دعاءهم، ويحقق رجاءهم لكمال قدرته.
1 التحريم: 8
مصر، وحقّق له رؤياه التي رأى في صغره {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} 1 بعد أن أتمّ الله عز وجل له هذه النعمة قال تعالى في بيان شأنه ذلك:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 2 ثم دعا يوسف عليه السلام قائلاً {ربّ قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السّماوات والأرض أنت وليّي في الدّنيا والآخرة توفّني مسلماً وألحقني بالصّالحين} 3 لقد قدّم الصديق يوسف عليه السلام توسله إلى ربه عز وجل بأن ذكر إحسان ربه عليه بإخراجه من السجن، وإنجائه من كيد امرأة العزيز ومن معها من النسوة، وأردف ذلك بذكر إنعام الله عز وجل عليه بأن جاء بأبويه وإخوته من البدو لتقر عينه وأعينهم باللقاء والاجتماع بعد ذلك الفراق الطويل، وكذا ما أنعم به عليه من ردّ كيد الشيطان الذي نزغ بينه وبين إخوته، فوقع بينهم ما وقع، وكل هذا الإحسان، وهذا اللقاء الذي كان على هذه الصفة العجيبة تم بلطف ربه الذي يفعل ما يشاء بلطفه وعلمه وحكمته، وهذا توسل آخر بأسماء الله عز وجل الحسنى، ومن ثمّ يتوجه إلى ربه ويدعوه متوسلاً له بإقراره بنعمته عليه إذ آتاه ملكاً، وعلمه تأويل الرؤى، وهذا ما كان سبباً في جعله وزيرا للخزائن، وتوسل بكون ربه فاطر السموات والأرض أي ابتدأ خلقهما وأوجدهما على غير مثال سابق، وتوسل بكون الله عز وجل وليه
1 يوسف: 4
2 يوسف: 100
3 يوسف: 101
التوسل إلى الله تعالى بذكر نعمه تعالى وشكره عليها، والتوسل بولايته لعبده:
من أنواع التوسل الصحيح التوسل إلى الله تعالى بتعداد نعمه، وذكر آلائه على عبده، وهذا يعني شكره عليها 1، وكذا التوسل إلى الله تعالى بولايته لعبده في الدنيا والآخرة، ومن أظهر المواقف في هذا موقف الصديق يوسف بن يعقوب عليهما السلام، ولنتأمل هذا الموقف، فعند ما أتم الله عز وجل على عبده ورسوله يوسف عليه السلام النعمة بأن يسر له لقاء والديه والاجتماع بهما في
1 تقدم لنا توسل خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام بشكره لربه. ينظر ص 36