الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رحمة ربهم، وإنّ المتأمل في هذا الدعاء ليستشعر اليقين الذي ملأ قلوبهم، والذل والاستكانة التي ملأت نفوسهم وهم يبتهلون ضارعين مستنجزين ربهم جل شأنه ما وعدهم من إجابة دعائهم، وغفران ذنوبهم وإجارتهم من دخول النار، وإدخالهم في رحمته 1، وأن يتوفاهم مع الأبرار لينزلوا منازلهم، ويكونوا في جوار ربهم، وكل ذلك كان ثمرة تفكرهم في مخلوقات الله تعالى، ذلك التفكير الذي هداهم إلى الإيمان بربهم، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق بجلاله وعظمته، وأنه جل وعلا لم يخلق الخلق باطلاً، ولم يوجدهم عبثاً، فهو المنزه عن العبث، بل له الحكم البالغة والأسرار العظيمة التي اقتضت إيجاده هذا الخلق العظيم.
فهذا توسل بسرعة الاستجابة لداعي الله عز وجل، واتباعه، كما أنه توسل بالإيمان بالرب جل وعلا، وتوسل بصفة عظيمة من صفات الله عز وجل وهو عدم إخلافه تبارك وتعالى لما وعد به عباده المؤمنين، فهذه كلها توسلات صحيحة، دلّ كتاب الله عز وجل على مشروعيتها، ومحبة الله عز وجل لعباده أن يتوسلوا إليه بها.
التوسل الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم
…
هذا وإن أعظم ما يتوسل به المرء من الأعمال الصالحة بعد توحيده لربه إنما هو الصلاة، التي تجمع بين أنواع من العبادة، فهي تشتمل على تلاوة القرآن، وعلى ذكر الله عز وجل، وعلى الركوع، والسجود، والدعاء، والتذلل، والخشوع، والإنابة، والرجاء، والتضرع، والاستكانة؛ فلذا كانت من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه جل وعلا، وحقّ للمصلي أن يدعو مولاه، وأن يستجيب
1 إن التالي لقول الله تعالى حكاية عن هؤلاء الصالحين {مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} ليحسّّ في دعائهم? بالتضرع والتذلل والمسكنة وإظهار العجز والحاجة إلى ربهم جل وعلا كما يشعر بأن هؤلاء قوم تنزهوا عن الظلم بجميع أنواعه، وأنهم يعلمون يقيناً أن الظالمين لا يجدون من ينصرهم يوم القيامة من دون الله عز وجل.