المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وعلى هذا فقوله: (كَأَدَاءِ الصَّلاةِ) تشبيه لإفادة الحكم، وقد يقال: - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٣

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: وعلى هذا فقوله: (كَأَدَاءِ الصَّلاةِ) تشبيه لإفادة الحكم، وقد يقال:

وعلى هذا فقوله: (كَأَدَاءِ الصَّلاةِ) تشبيه لإفادة الحكم، وقد يقال: الحج أولى بالمبادرة، لأنه قد لا يتيسر في غير ذلك الوقت لكثرة عوائقه إلا أن زمانه يطول غالباً.

وَمَنْعُ الْمُحْرِمِ الْمُوسِرِ مِنَ الْخُرُوجِ لِلدَّيْنِ لا يُبِيحُ لَهُ التَّحَلُّلَ وَلا يُمْنَعُ الْمُعْسِرُ وَلا الْمُؤَجَّلُ عَلَيْهِ

لأنه ظالم بعدم أدائه ليسره، بل لو كان معسراً ولم يثبت عسره عند الإمام فلا يجوز له التحلل على المنصوص كما تقدم؛ لأنه خاص، فكان كالمرض. وقوله:(وَلا يُمْنَعُ الْمُعْسِرُ وَلا الْمُؤَجِّلُ عَلَيْهِ) نحوه في الجواهر. وقوله: (الْمُعْسِرُ) يريد: ثبت إعساره. وقوله (الْمُؤَجِّلُ) يريد: ولا يحل في غيبته، وأما لو حل فله منعه إلا أن يقيم وكيلاً، وليس هذا خاصاً بسفر الحج.

فرع:

من الموانع السفه، قال سند: قال مالك: ولا يحج السفيه إلا بإذن وليه إن رأى وليه في ذلك نظرا أذن له وإلا فلا. وإذا حلله وليه فلا قضاء عليه.

‌دِمَاءُ الْحَجِّ

هَدْيٌ وَنُسُكٌ؛ فَالْهَدْيُ: جَزَاءُ الصَّيْدِ، وَمَا وَجَبَ لِنَقْصٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، كَدَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ وَغَيْرِها، وَما نَوَى بِهِ الْهَدْيَ- مِنَ النُّسُكِ، وَإِلا فَلَيْسَ بِهَدْيٍ

جمع الدماء إما باعتبار الأشخاص، وإما باعتبار الأنواع؛ لأن الهدي ثلاثة أقسام: جزاء الصيد، وما وجب لنقص حج أو عمرة كما مثل، وما نوى به الهدي من النسك. وقوله:(دِمَاءُ الْحَجِّ) يريد: وكذلك العمرة، بل جزاء الصيد لا خصوصية له بحج أو عمرة فإنه يخاطب به كل من صاد في الحرم.

والفرق بين الهدي والنسك من أوجه:

ص: 144

منها: أن النسك على التخيير والهدي على الترتيب.

ومنها: أن النسك لا يختص بزمان ولا بخلاف الهدي.

ومنها: أن الصوم يدخل في جميع أفراد النسك أصالة بخلاف بعض أفراد الهدي، وهو جزاء الصيد، فإنما يدخله نيابة عن أمداد الطعام.

وَالنُّسُكُ مَا وَجَبَ لإِلْقَاءِ التَّفَثِ وطَلَبِ الرَّفَاهِيَةِ مِنَ الْمَحْظُورِ الْمُنْجَبِرِ

تصوره ظاهر. قوله: (مِنَ الْمَحْظُورِ)(مِنَ) للتبعيض؛ لأنه قدم أن من المحظور المنجبر ما لا تجب به الفدية كإزالة شعرة أو شعرات.

وَحُكْمُ الْجَمِيعِ فِي السِّنِّ وَالْعَيْبِ كَالأُضْحِيَةِ

وهو ظاهر.

تنبيه:

المذهب في الضحايا أن الذكر أفضل من الأنثى. ونص مالك في العتبية في الهدي على أن الأنثى كالذكر، قال في البيان: ذهب مالك إلى أن الذكر والأنثى في الإبل سواء، وأن الذكر منهما يسمى بدنة كما تسمى الأنثى. قال: ومن العلماء من يرى أن الأنثى أفضل.

ولا فضل للأنثى في ذلك على الذكر عند مالك، وإنما الفضل عنده في الأعظم بدنا ذكراً كان أو أنثى.

وَيُعْتَبَرُ الْوُجُوبُ حِينَ التَّقْلِيدِ وَالإِشْعَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ لا وَقْتَ الذَّبْحِ، فَلَوْ قَلَّدَ هَدْياً سَالِماً ثُمَّ تَعَيَّبَ أَجْزَأَهُ، وَفِي الْعَكْسِ لَمْ يُجْزِئْهُ، عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا

أي: ويعتبر ما ذكره من السن والسلامة حين التقليد والوجوب على المشهور، وهو مذهب المدونة، ومقتضى كلامه أن الشاذ منصوص، وهو ظاهر كلام ابن بشير وابن شاس. وقال اللخمي: الهدي يجب بالتقليد والأشعار إذا سيق عن وصم في حج أو

ص: 145

عمرة، فإن فلس أو مات لم يكن لغرمائه ولا لورثته عليه سبيل، ويختلف إذا كان نذراً أو تطوعاً، والمعروف من المذهب أنه كالأول يسقط ملك صاحبه بالتقليد والإشعار. وقال في إمرأة ساقت هدياً تطوعاً ثم أردفت الحج وأوقفته ونحرته بمنى عن قرانها - أنه يجزئها، ولم يوجبه بالتقليد والأشعار، ولو وجب وسقط ملكها عنه ما صح أن يجزئ عن واجب. انتهى.

وكلامه يقتضي أنه لم يختلف فيما سيق لوصم، وإنما الخلاف في النذر والتطوع، وأن القول بعدم التعيين مخرج من مسألة المرأة لا منصوص.

ابن بشير: وهذا الذي قاله اللخمي ظاهر، إلا أن يقال: إنما أجزأها مراعاة للخلاف، أو لأنها بالإرداف امتنعت من نحره فقد انصرف بالشرع عما قصده به أولا، فوجب أن يجزئ إذا صرف إلى الواجب. انتهى. وفيه نظر. والتظاهر ما قاله اللخمي.

قوله: (فَلَوْ قَلَّدَ هَدْياً سَالِماً ثُمَّ تَعَيَّبَ أَجْزَأَهُ) تصوره ظاهر وهو المشهور ومذهب المدونة. والشاذ لم يجزم به الأبهري، والذي هو منسوب إليه بل قال: إنه القياس. لكن صرح اللخمي بأنه خلاف فقال: وإذا سيق الهدي عن واجب لم تبرأ الذمة إلا ببلوغه لقوله تعالى: (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ (فإن ضل أو سرق أو هلك أو عطب قبل بلوغه لم يجزأه. واختلف إذا نزل به عيب ثم بلغ محله فقال مالك: ينحره ويجزئه. وقال الأبهري: القياس أنه ألا يجزئه كموته. وقول الأبهري يؤخذ منه أنه لا يجب بالتقليد والإشعار. أو نقول: وإن وجب عنده، تكنه لا يستقل هديا إلا أن يدوم كماله إلى وقت نحره. انتهى. والمراد بالوجوب في قوله: (وقت الوجوب) ليس هو أحد الأحكام الخمسة، بل تعيينه وتمييزه من غيره ليكون هديا، والمراد بالتقليد هنا أعلم منه في الفصل الذي يأتي؛ لأن المراد به هنا إنما هو تعيين الهدي وإخراجه سائراً إلى مكة، ألا ترى أن الغنم يعمها هذا الحكم وهي لا تقلد كما سيأتي.

ص: 146

وعلى هذا فالمراد بالوجوب والتقليد هنا متقارب، ويبين لك ذلك ما وقع في بعض النسخ:(ويعتبر حين الوجوب) وهو حين التقليد، وهكذا قال ابن هارون: ووقع لأشهب أن من ساق شيئا من الغنم إلى مكة لم يكن سوقه هديا وإن نواه حتى يوجبه في نفسه.

ابن محرز: وهو يشبه ما قاله القاضي إسماعيل أن الأضحية تجب بقبول أو فعل، والله أعلم.

وَلا يَبِيعُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ

هذا الفرع وقع في بعض النسخ، أي: إن قلنا أنه لا يجزئه لأجل عيب كان به عند التقليد والإشعار، وسواء ذهب أو بقي فقلده معتقداً السلامة ثم أطلع على عيب فهل يجوز له بيعه لأنه قلده على أنه يجزئه، أو ليس له ذلك لأنه قصد [213/أ] أن يكون لله تعالى؟

ابن عبد السلام: ووقع في الموازية ما يمكن أن يكون مراد المصنف، وإذا عطب هديه الواجب قبل محله فلا يبيع من لحمه في البدل، وليأكل إن شاء. ابن حبيب: وأجازه له ابن الماجشون البيع منه كالأكل؛ لأن عليه بدله.

وَلا يُجْزِئُ عَنْ فَرْضٍ، وَيَسْتَعِينُ بِالأَرْشِ وَثَمَنِ الْمُسْتَحَقِّ فِي هَدْي الْفَرْضِ، وَفِي التَّطَوُّعِ يِجْعَلُهُ فِي هَدْيٍ إِنْ بَلَغَ، وَإِلا فَصَدَقَةٌ، وَقِيلَ: مِلْكٌ كَالْعَبْدِ يُعْتَقُ

الهدي أربعة أقسام؛ إما أن يكون لنقص في نُسُكِهِ، أو تطوعاً، أو منذوراً معيناً، أو مضموناً. فإن كان لنقص في الحج أو مضموناً ثم أطلع بعد التقليد والإشعار على عيب مانع للإجزاء أو استحق ذلك الهدي من يده فلا شك أن ذلك لا يجزئه ويجب عليه البدل. وإنما النظر فيما يأخذه عن العيب وفي ثمن الهدي المستحق. وذكر المصنف أنه يستعين بالأرش وثمن المستحق في هدي غيره، وإن قصر ذلك عن التعويض تمم من عنده، وإن لم يكن العيب مانعا للإجزاء فقال اللخمي: يجزئه الهدي، ويستحب أن يجعل ما أخذه عن العيب في هدي.

ص: 147

وقول المصنف: (الْفَرْضِ) مخفوض بدل أو عطف بيان على قوله: (المستحق) وفي بعض النسخ: (في غير الفرض) أي: في غير هدي الفرض الذي استحق أو تعيب.

وإن كان الهدي تطوعا فإن بلغ ما أخذه ثمن هدي اشترى به هديا، وإن لم يبلغ تصدق به على المشهور، وهو مذهب المدونة، ولابن القاسم في الموازنة: يفعل به ما شاء. واقتصر اللخمي عليه. وألحق الواجب المعين بالتطوع فقال: إن كان المستحق معينا منذورا أو متطوعاً به لم يكن عليه بدله، وكان له إذا رجع بالثمن أن يسن عبه ما شاء؛ لأنه لم يوجب ثمنا ولا تطوع به، وإنما أوجب عينا أو تطوع به فاستحق كمن أعتق عبدًا أو نذر عتقه فأعتقه ثم أستحق فرجع بالثمن، فأنه يصنع به ما أحب. وإلى هذا أشار المصنف بقوله:(كَالْعَبْدِ يُعْتَقُ) وما ذكره المصنف من جعل الثاني مخالفا للأول هو طريق جماعة، وذهب ابن شاس وابن يونس وغيرهما إلى أنهما متفقان، وأنه في القول الأول إنما قال يتصدق به لأنه لأخرج ذلك الثمن أولاً وقصد أن يشتري به هديا، وإنما قال في الثاني يفعل بالأرش ما شاء؛ لأنه قصد ذلك الهدي بعينه، وكذلك قالوا في الرقبة إن قصد عينها، قالوا: وهو غالب حال الإنسان أنه إنما أعتقها لما يرى فيها من صلاح أو غير ذلك، فإذا حصل عتقها فلا يلزم بالأرش؛ لأن المقصود حصل، بخلاف الهدي فإن الغالب فيه عدم القصد إلى تعيينه، قالوا: ولو قصد القربة بالثمن في شراء الرقبة لم يرجع إليه الأرش. وبهذا الفرق فرق من جعل ما وقع لابن القاسم في العتبية مخالفاً للهدي. وفرق ابن المواز بينها بعتق المعيب ولا يهدي المعيب، ولم يرتضه بعض القرويين.

فرع:

وحكم أرش الجناية كحكم أرش العيب، قال في المدونة: ومن جنى على هدي التطوع فأخذ له أرشا فليصنع به ما يصنع من رجع بعيب أصابه كالهدي المقلد.

ص: 148