الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن المواز: وأحب إلي في الجناية أن يتصدق به في التطوع والواجب.
أبو محمد: يريد محمد إن لم يكن فيه ثمن هدي. ابن يونس: يريد ولا يلزمه بدله في الواجب إذا كانت الجناية لا يجزئ بها
الهدي
؛ لأنها إنما طرأت عليه بعد الإشعار، فهي كالعيب يطرأ بعد الإشعار، وإن كان القياس فيها لا تجزئ؛ لأن الهدي الواجب لو هلك بعد الإشعار وقبل أن يبلغ محله لم يجزأه، فكذلك كان ينبغي إن هلك بعضه، يحكم للبعض بحكم الجميع، وكذلك قال الأبهري إن القياس أن لا يجزئ.
ابن يونس: ولكن قد قاله مالك وأصحابه، فلا يعدل عنهم.
التونسي: ولو جنى عليه جناية لم تتلف نفسه غير أنها نقصته نقصا كثيراً إلا أنه يمكن وصوله حتى ينحر في محله - ما أغرمه إلا ما نقص؛ لأنه جاز عن صاحبه. ولو كانت الجناية تؤدي إلى عدم وصوله إلى محله لكان كأنه قتله، وعليه جميع قيمته. وانظر إذا أدى الجاني قيمته هل للجاني بيع لحمه إذا نحره لأنه خشي عليه الهلاك، وهو يقول: لست أنا الذي تقربت به، وإنما جنيت عليه فلزمتني قيمته، والمعتدى عليه يشتري بما أخذ من عوضه. انتهى.
مِنْ سُنَّةِ الْهَدْيِ فِي الإِبلِ التَّقْلِيدُ وَالإِشْعَارُ، وَفِي الْبَقَرِ التَّقْلِيدُ بِخِلافِ الْغَنَمِ عَلَى الأَشْهَرِ
…
روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت فما حرم عليه شيء كان له حلالاً.
واتفق على تقليد الإبل وإشعارها إذا كانت لها أسنمة، فإن لم يكن لها أسنمة فقال اللخمي وصاحب الجواهر: أطلق في الكتاب أنها تشعر. وقال في كتاب محمد أنها لا تشعر؛ لأن الإشعار تعذيب فيقتصر به على ما ورد. وأما البقرة فتقلد ولا تشعر إلا أن
يكون لها أسنمة لتحقق مشابهتها حينئذ للإبل، وعن ابن حبيب أن البقر والإبل [213/ب] تشعر وإن لم تكن لها أسنمة، وأما الغنم فلا تشعر باتفاق، والمشهور أنها لا تقلد خلافاً لابن حبيب، ودليله ما رواه مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: أهدى النبى صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنماً فقلدها.
ابن رشد: والاختيار البداية بالتقليد قبل الإشعار؛ لأنها تكون أسكن للتقليد. وقوله: (وَمِنْ سُنَّةِ الْهَدْيِ) يريد أن ذلك خاص بالهدى دون فدية الأذى.
وَالتَّقْلِيدُ تَعْلِيقُ نَعْلٍ فِى الْعُنُقِ، وَقِيلَ: مَا تُنْبتُهُ الأَرْضُ، وَقِيلَ: مَا شَاءَ، وَتُجْتَنَبُ الأَوْتَارُ
قوله: (تَعْلِيقُ نَعْلٍ) هذا يجزئ والأفضل نعلان. قاله فى المدونة والموطأ وغيرهما.
وقوله: (وَقِيلَ: مَا تُنْبتُهُ الأَرْضُ) فيه نظر.
وههنا مسألتان:
الأولى: استحباب تعليق نعلين والواحدة تجزئ.
والثانية: بم يعلق به؟ ابن بشير: والمشهور استحباب التعليق بما تنبته الأرض. وقال ابن حبيب: لا مزية له على غيره. واختاره اللخمى لما فى بعض طرق الحديث المتقدم أن قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من عهن.
مالك: وأحب إلى أن يفتل فتلاً؛ لحديث عائشة رضى الله عنها. وقوله: (وَتُجْتَنَبُ الأَوْتَارُ) لما يخشى أن تتعلق بشئ فتؤذى الهدى لرقتها وقوتها. الباجى: وقول مالك: "أحب إلى ما تنتبه الأرض" لعله أراد به أحب إليه من الأوتار التى هى من القعب والجلد، وإن كان العهن أحب إليه، ويحتمل أن يريد أن نبات الأرض أحب إليه من ذلك كله، وحمل حديث النبى صلى الله عليه وسلم على الجواز. وحكى فى الجواهر قولاً بكراهة التقليد بالنعال والأوتار. وفى ابن بشير: ولا يقلد بالنعال ولا بالأوتار.
وَالإِشْعَارُ أَنْ يُشَقَّ مِنَ الأَيْسَرِ، وَقِيلَ: مِنَ الأَيْمَنِ مِنْ نَحْوِ الرَّقَبَةِ إِلَى الْمُؤَخَّرِ مُسَمِّياًً ثُمَّ يُجَلِّلُهَا إِنْ شَاءَ
المشهور أن الإشعار من الجانب الأيسر، وعن مالك من الأيمن، واختاره صاحب المعونة. وقال ابن المواز: الإشعار من أى الشقين شاء.
ابن عبد البر: واستحب أكثر أهل العلم فى الجانب الأيمن؛ لما فى مسلم أنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك. وروى كالمشهور حديث لكن قال ابن عبد البر: إنه حديث منكر وروى أن ابن عمر كان يشعرها من الجانبين شاء. والمشهور أنه من نحو الرقبة إلى المؤخر. قال ابن حبيب: يشعرها طولاً.
وقوله: (مُسَمِّياًً) أى يقول: بسم الله والله أكبر. ونص مالك على استحباب ذلك.
الأبهرى وابن رشد وغيرهما: السنة أن يستقبل هو والهدى حال الإشعار - القبلة، ويشعر بيمينه وخطام بعير بشماله، فإذا فعل ذلك وقع إشعاره فى الشق الأيسر.
ابن رشد: ولا يكون فى الأيمن إلا أن يستدبر القبلة أو يمسك له غيره.
وقوله: (ثُمَّ يُجَلِّلُهَا) أى: بعد التقليد والإشعار. وهذا كقول مالك فى المدونة: يقلد هديه ثم يشعره ثم يجلله إن شاء ثم يركع ثم يحرم.
ابن عبد البر: والسنة اتصال ذلك كله، وظاهرها ككلام المنصف عدم استحباب التجليل.
وفى البيان: يستحب العمل به، ومن الاستحباب فيه إن كانت الجلال مرتفعة ألا يشق عن الأسنمة، وأن يؤخر تجليلها إلى عند الغدو من منى إلى عرفة. انتهى.
وإنما تجلل البدن دون البقر والغنم. قاله مالك فى المبسوط.
ولا يقلد ولا يشعر إلا من ينحر، فلا تقلد امرأة وهى تجد رجلاً يقلد ويشعر لها، قاله فى العتيبة.
والمستحب عند مالك شق الجلال عن الأسنمة إلا أن تكون مرتفعة عن الأسنمة.
وَيَاكُلُ مِنْهَا كُلِّهَا وَيُطْعِمُ– كَالأُضْحِيَّةِ– الْغَنِيَِّ وَالْفَقِيرَ، إِلا جَزَاءَ الصَّيْدِ وَنُسُكَ الأَذَى، وَنَذْرُ الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَحَلِّهِ، بِخِلافِ نَذْرِ الْهَدْيِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَيَاكُلُ أَوَ يُطْعِمُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ، وَلا يَبِيعُ شَيْئاً، وَإِلا هَدْيُ تَطَوُّعٍ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَإِنَّ الْجَمِيعَ مُخْتَصٌّ بِالْفَقِير
أى: ويأكل من سائر الهدايا واجبها وتطوعها إلا أربعة أشياء.
قوله: (وَيُطْعِمُ كَالأُضْحِيَّةِ) لأن كل هدي يجوز له الأكل منه يجوز له أن يطعم منه الغنى والفقير والذمى.
واعلم أن الهدى على أربعة أقسام:
منه ما يؤكل منه قبل بلوغ المحل وبعده، وهو كل ما وجب لنقص فى حج أو عمرة.
وأشار المصنف إلى هذا القسم بقوله: (ويأكل من الهدايا كلها) لأنه لما استثنى الأربعة علم أن ما عداها يؤكل منه.
ومنه ما لا يؤكل منه لا قبل بلوغ المحل ولا بعده، وهو نذر المساكين المعين، ولا يؤخذ هذا القسم من كلام المصنف.
ومنه ما يؤكل منه قبل البلوغ لا بعده، وهو ثلاثة أشياء: جزاء الصيد وفدية الأذى، ونذر المساكين المضمون، وأشار المصنف إلى هذا القسم بقوله:(إِلا جَزَاءَ الصَّيْدِ وَنُسُكَ الأَذَى، وَنَذْرُ الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَحَلِّهِ) يريد نذر المساكين غير المعين كما ذكرنا.
والرابع هدى التطوع، لا يأكل منه إذا عطب قبل المحل، ويأكل منه بعد بلوغه. وإليه أشار بقوله:(وَإِلا هَدْيُ تَطَوُّعِ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ) ولأجل أن هذا عكس الثلاثة فصله عنها. وقال: (وإلا) وإنما قلنا من سائر الهدايا لقوله تعالى: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا (
[214/أ] وخصص جزاء الصيد؛ لأنه قيمة متلف، وفدية الأذى؛ لأنه بدل عن الترفه، ولأنه لما كان فى فدية الأذى وجزاء الصيد مخيرا بين الدم والطعام ابتدأ ثم أهدى، صار كأنه بدل عن الطعام، فكما لا يأكل من الطعام، لا يأكل من بدله. وفى المبسوط من رواية ابن نافع عنه: لا ينبغى أن يأكل من الجزاء أو الفدية، فإن جهل فأكل فلا شئ عليه، وفى المدونة من رواية داود بن سعيد أن مالكاً سئل عن الرجل يأكل من الفدية أو من جزاء الصيد وهو جاهل، قال: لا شئ عليه، وليستغفر الله.
وما ذكره المصنف أيضاً من المنع فى نذر المساكين هو المشهور. وفى الموازية عن مالك قول باستحباب ترك الأكل منه فقط.
قوله: (بِخِلافِ نَذْرِ الْهَدْيِ) كقوله: "لله على هدى" ولم ينوه للمساكين- فإنه يأكل منه قبل وبعد. فإن سماه للمساكين وهو مضمون أكل منه قبل، ولا يأكل منه بعد. وإن كان منذوراً معيناً ولم يسمه للمساكين وقلده وأشعره من غير نذر أكل منه بعد ولا يأكل منه قبل. انتهى.
قوله: (وَأَمْا قَبْلَهُ فَيَاكُلُ أَوَ يُطْعِمُ عَلَى الْمَشْهُورِ) يعنى: وأما قبل بلوغ المحل فالأكل جائز من الثلاثة؛ لأن عليه بدلها، وهو معنى قوله:(لأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ) ابن هارون: انظر قوله: (عَلَى الْمَشْهُورِ) فإنى لا أعلم فى جواز أكلها قبل البلوغ خلافاً. وقال ابن عبد السلام: الذى يفهم من كلامه أن نذر المساكين لا يؤكل منه بعد البلوغ، واختلف فى ذلك قبل البلوغ. والذى حكاه غيره أن الأمر بالعكس؛ إن كامن قبل بلوغ المحل يجوز الأكل منه، واختلف فى جواز الأكل بعد المحل، وهذا أقرب لكثرة من نقل ذلك. انتهى.
وقوله: (وَلا يَبيعُ شَيْئاً) أى: من الثلاثة، وفى معناها هدى التطوع إذ عطب قبل محله لنية القربة فيها. ابن يونس: قال مالك: ولا يبيع من ذلك لحماً، ولا جلداً، ولا جلالاً،
ولا خطاماً، ولا قلائد ولا يستعين بذلك فى الثمن. وقال عبد الملك فى الهدى يعطب قبل بلوغ المحل: له أن يبيعه.
قوله: (فَإِنَّ الْجَمِيعَ مُخْتَصٍّ بِالْفَقِيرِ) ظاهره العموم فى الأربعة المستثناة على الوجه الذى ذكره، وهو صحيح، وإلا فى هدى التطوع إذا عطب قبل محله فإن إباحته غير مختصة بالفقير، وهو مباح لكل من كان مباحا له لو بلغ محله إلا سائقه، وتأكل منه الرفقة، لما فى الصحيح:"وخل بين الناس وبينه". وفى حديث آخر فى الصحيح: "ولا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك". ولم يقل به الجمهور للحديث الأول، وأخذ به أبو ثور، وهو ظاهر لقبول زيادة العدل.
وَفِى هَدْىِ الْفَسَادِ قَوْلان
المشهور جواز الأكل؛ لأنه لنقص فى حج أو عمرة، والشاذ فى الموازية، وخرج اللخمى عليه منع الأكل فيما سيق لو صم فى حج أو عمرة. وفيه نظر؛ لاحتمال أن يقال بذلك فى الفساد فقط ردعا له.
وَيَنْحَرُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ وَتُلقَى قَلائِدَهُ فِى دَمِهِ، وَيَرْمِى جُلِّهَا وَخِطَامَهَا، وَيُخَلِّي بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا فَإِنْ أَمَرَ أَحَداً بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَسَبِيلُ الرَّسُولِ كَصَاحِبهَا، وَلا يَضْمَنُ
…
لما فى الموطأ فى الذى بعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه قال: يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدى؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بدنة عطبت من الهدى انحرها، ثم الق قلائدها فى دمها، ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها".
قال: وهو هدى تطوع.
قوله: (فَإِنْ أَمَرَ أَحَداً بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ) كقوله فى المدونة: فإن أكل أو أمر بأكلها أو أخذ شيئا من لحمها فعليه البدل.
قوله: (وَسَبِيلُ الرَّسُولِ كَصَاحِبهَا) أى: أنه يستوى مع صاحبها فى عدم الأكل وعدم الأمر بالأكل، لكنه لا يضمن إن فعل؛ لأنه أجنبى.
وَمَنْ أَطْعَمَ غَنِيّاً أَوْ ذِمِّيّاً مِنَ الْجَزَاءِ أَوْ الْفِدْيَةِ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَلَوْ جَهِلَهُمْ كَالزَّكَاةِ، وَلا يُطْعِمُ مِنْهَا أَبَوَيْهِ وَنَحْوَهُمَا كَالزَّكَاةِ، وَالذِّمِّىُّ فِى غَيْرِهِمَا خَفِيفٌ وَقَدْ أَسَاءَ
…
اللخمى: كل هدى جاز له الأكل منه جاز له أن يطعم منه الغنى والذمى. وكل هدى لم يجز له الأكل منه فلا يجوز له أن يطعمهما. ولا المسلم الفقير الذى تلزمه نفقته كالزكاة.
قوله: (فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ) أى: على ما سيأتى.
قوله: (وَلَوْ جَهِلَهُمْ كَالزَّكَاةِ) هو كقوله فى المدونة: ومن أطعم الأغنياء من الجزاء والفدية فعليه البدل جَهِلَهُم أو عَلِمَهُم كالزكاة.
ولا يطعم منها ولا من جميع الهدى غير مسلم، فإن فعل أبدل الجزاء والفدية، ولا يبدل غيرهما، وهو خفيف وقد اساء.
ولا يتصدق بشئ من الهدى على فقراء أهل الذمة ولا يطعم من الجزاء ابويه وزوجته وولده ومدبره ومكاتبه وأم ولده؛ كما لا يطعمهم من الزكاة.
ابن يونس: وإنما قال: يبدل الجزاء والفدية دون غيرهما؛ لأن الفدية وجزاء الصيد إنما هما للمساكين كالزكاة، فلم يجز أن يعطى منهما إلا ما يعطى من الزكاة. ولابن القاسم فى الموازية: أن تجزئه الفدية والجزاء. ونقل اللخمى عن الموازية أنه إذا أطعم غنياً مجتهداً أنه يجزئه. وخرج عليه الإجزاء فى الذمى.
قال: ويختلف إذا علم أنه غنى أو ذمى وجهل الحكم هل يجزئه؟ وحمل قول المصنف: (وَالذِّمِّىُّ فِى غَيْرِهِمَا خَفِيفٌ) على أنه يريد نذر المساكين. قال: وهو موافق لقوله: (إن ترك الأكل منه استحساناً) قال: وعلى القول الآخر يكون كالجزاء.
ابن عبد السلام: وتخصيص اللخمى قوله فى المدونة: " والذمى فى غيرهما خفيف بنذر المساكين" ليس بقوى وحمل قول المنصف: (الذِّمِّىُّ فِى غَيْرِهِمَا خَفِيفٌ) على العموم، قال: ولا وجه لقصر ذلك على نذر [214/ب] المساكين، وإنما هو ما أشار إليه مالك فى الضحايا بأن هذه القربات لا ينبغى أن يطعم منها أهل الذمة.
قوله: (خفيف) أى: بالنسبة إلى البدل ولا يريد جواز الإقدام لقوله: (وَقَدْ أَسَاءَ).
وَخِطَامُ الْهَدَايَا كُلِّهَا وَجِلالُهَا كَلَحْمِهَا، وَفِى هَدْيِ الْفَسَادِ قَوْلان
أى: فإن كان اللحم خاصاً بالفقير فكذلك الجلال والخطام وإلا فلا. والخلاف فى جلال هدى الفساد مبنى على الخلاف فى اللحم.
فَإِنْ أَكَلَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ – فَرَابعُهَا الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قَدْرُ أَكْلِهِ مِنْ نَذْرِ الْمَسَاكِينِ إِنْ كَانَ مُعَيَّناً؛ لأَنَّهُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَدْرِ أَكْلِهِ – فَثَلاثَةٌ؛ مِثْلُ اللَّحْمِ وَقِيمَتُهُ طَعَاماً وَقِيمَتُهُ ثَمَناً
…
مما ليس له أى من الأربعة المذكورة. وحكى المصنف خمسة أقوال:
الأول: يتضمن قدر أكله مطلقاً؛ لأنه كالغاضب.
الثانى: يضمن الهدى كله مطلقً ونقلها فى الجلاب عن مالك، وبالأول قال عبد الملك.
والثالث لمالك أيضاً: الفرق، فعليه فى نذر المساكين مطلقاً قدر أكله، وعليه فى الثلاثة بدل الجميع.
والرابع كالثالث لكن الفرق فى نذر المساكين بين المعين وغيره، فجعل نذر المساكين غير المعين ملحقا بالثلاثة.
وقوله: (لأَنَّهُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ) أى: لأن أمره خفيف. وذكر المصنف أن هذا هو المشهور، وذلك لأنه وقع فى الكتاب لفظتان؛ جمعة مرة مع جزاء الصيد والفدية، ومرة قال:(يطعم قدر ما أكل). التونسى: فكان بعض مشايخنا يتأول ذلك على أنه إن كان معيناً أطعم قدر ما أكل. وإن كان مضموناً كان عليه البدل. انتهى.
وكذلك حمل ابن يونس المدونة عليه فقال بعد قول ابن القاسم فيها: وإن أكل مما نذره للمساكين فلا أدرى ما قال مالك فيه، وأرى أن يطعم المساكين قدر ما أكل لحماً، ولا يكون عليه البدل؛ لأن نذر المساكين لم يكن عليه عند مالك فى ترك الأكل بمنزلة جزاء الصيد وفدية الأذى. وإنما استحب مالك ترك الأكل منه. يعنى نذر المساكين بعينه، ولو كان مضموناً لكان عليه بدله كله. انتهى. فلأجل هذا شهر المصنف الرابع والله أعلم.
وحمل الباجى ما فى المدونة على الخلاف، وانظر قول ابن القاسم فى نذر المساكين: وإنما استحب مالك ترك الأكل منه، فإنه لا يقتضى تحريم الأكل والله أعلم.
ومقتضى كلام ابن عبد البر فى الكافى أن الأشهر فى الجميع إبدال الهدى كله.
ولفظه: وكل من أهدى هدياً لا يجوز له الأكل منه، فإن أكل منه ففيه قولان: أحدهما: أنه يبدل الهدى كله. والآخر: أنه لا يبدل إلا ما أكل منه، والأول أشهر عند مالك، وقد روى عن مالك أنه إن أكل من نذر المساكين شيئاً لم يكن عليه إلا مقدار ما أكل. وإن أكل من جزاء الصيد وفدية الأذى لم يجزأه وأتى بفدية كاملة. ثم قال فى هدى التطوع إذا عطب قبل محله: فإن أكل أو أطعم أو تصدق فالأشهر عن مالك أنه إن أكل منه شيئاً ضمنه كله. انتهى.
والقول الخامس: لا شئ عليه، وهو لمالك أيضاً من رواية ابن نافع وقد تقدم.
قوله: (وَعَلَى قَدْرِ أَكْلِهِ) يعنى: إن أوجبنا عليه الهدى فلا تفريغ، وإن قلنا: قدر ما أكل فنقل الباجى عن بعض الأصحاب أنه لحم. ابن محرز: وهذا إن عرف وزنه، وإلا فقيمته. وعن ابن الماجشون: قيمته طعاماً يتصدق به. ابن بشير: والأول أصح. والقول بالثمن للتونسى.
وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ وَلَدِ الْهَدِيَّةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَلا عَلَيْهَا وَلا تَرَكَهُ لِيَشْتَدَّ فَكَهْدِي تَطَوُّعٍ عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ
…
قوله: (فَكَهْدِي تَطَوُّعٍ عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ) أى: ولو كانت أمه واجبة، وإنما كان كهدى التطوع؛ لأنه ليس مضموناً، والحكم فى ترتيب الوجوه التى ذكرها المصنف على نحو ما وقعت لفظه؛ يطلب أولاً الحمل على غير أمه إن أمكن ذلك وإلا حمل عليها – قاله فى المدونة – لأن المذهب كراهة ركوب الهدى إلا مع الضرورة، وعليه أن ينفق عليه فى حمله وبقائه، فإن أضاعه حتى هلك ضمنه.
أشهب: فإن باعه أو ذبحه يريد بغير ضرورة فعليه بدله هدياً كبيراً تاماً، وهذا كله إذا ولد بعد التقليد، وأما قبله بعد نية الهدى فاستحب مالك أن ينحر معها؛ لأنه حينئذ كولد الأضحية، بخلاف ما كان بعد التقليد، فإنه يجب ذبحه لتعين الهدى بالتقليد والإشعار.
وَلا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا، وَلا شِيْءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا أَوْ بوَلَدِهَا، فَيَغْرَمُ مُوجِبَ فِعْلِهِ، وَاسْتَحْسَنَ أَلا يَرْكَبَهَا إِلا إِنِ احْتَاجَ، وَلا يَلْزَمُ النُّزُولُ بَعْدَ الرَّاحَةِ عَلَى الْمَشْهُور
قال فى المدونة: ولا يشرب من لبن الهدى شيئاً ولا ما فضل عن ولدها، فإن فعل فلا شئ عليه؛ لأن بعض من مضى أرخص فيه بعد رى فصيلها. وظاهره المنع ابتداء. ونص ابن القاسم فى الموازية على الكراهة. محمد: إلا أن تتضرر بترك الحلاب فتحلب بقدر ذلك. وحكى بعضهم قولاً بالإباحة. وأجاز مالك شربه للضرورة.
ابن القاسم: ومن أضر بولد بدنته حتى مات فعليه بدله مما يجوز فى الهدى، وإليه [215/أ] أشار بقوله:(فَيَغْرَمُ مُوجِبَ فِعْلِهِ).
وقوله: (وَاسْتَحْسَنَ أَلا يَرْكَبَهَا إِلا إِنِ احْتَاجَ) ظاهر، وهو كذلك فى المدونة، وعن مالك من رواية ابن نافع إباحة الركوب ابتداءً ما لم يكن ركوباً فادحاً.
وقوله: (ولا يلزمه النزول) ظاهر. والشاذ: يلزمه النزول بعد الراحة لمالك أيضاً، واقتصر عليه فى الجلاب، وهما كالقولين فى المضطر إلى أكل الميتة هل يشبع ويتزود أو يسد الرمق فقط؟
التونسى: وإن نزل لحاجة أو لليل لم يركبها أيضاً حتى يحتاج إلى ذلك كأول مرة.
مالك: وإذا ركبها فلا يركبها بمحمل ولا يَحْمِلُ عليها زاداً ولا شئ يتبعها به.
وَيَنْحَرُهَا صَاحِبُهَا قَائِمَةً مَعْقُولَةً أَوْ مُقَيَّدَةً
هذه صفات مستحبة فى نحر الهدى؛ أولها: أن يتولى نحرها صاحبها اقتداء به عليه الصلاة والسلام. ومنها: أن تكون قائمة معقولة، لقوله تعالى: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا (أى: سقطت وتقيد أو تعقل لئلا تشرد. وخرج مسلم أن ابن عمر مر على رجل وهو ينحر بدنته باركة فقال: ابعثها قائمة مقيدة، سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة باليسرى قائمة على ما بقى من قوائمها.
واستحب مالك إذا كثرت أن تُجْعَل صفاً، وكذلك إن كانت واحدة أن تصف يداها.
مالك: ولا تعرقب بعد النحر إلا أن يخاف أن تغلب ويضعف عنها. قال: ولينحرها باركة أحب إلي من أن تعرقب، وليربطها بحبل ويمسكها رجلان، رجل من كل ناحية وهى قائمة مصفوفة أحب إلى من أن ينحرها باركة. وأجاز مالك أن ينحر قَبلَ الإمام.
فَإِنْ نَحَر مُسْلِمٌ هَدْيَ غَيْرِهِ عَنْهُ مقلداً أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَاذَنْ، بِخِلافِ الأُضْحِيَّةِ؛ لأَنَّ الْهَدْيَ إِذَا قُلِّدَ لَمْ يَرْجِعْ مِلْكاً وَلا مِيرَاثاً، وَالأُضْحِيَّةُ تُبْدَلُ بِخَيْرٍ مِنْهَا
…
نحوه فى المدونة، وتصوره ظاهر.
وقوله: (مُسْلِمٌ) احتزازاً من الذمى فإن مالكاً نص على أنه لا يجزئه وعليه البدل. ابن يونس: وقال أشهب: يجزئه إن كان ذمياً.
وقوله: (عَنْهُ) احتزازاً مما لو ذبح عن نفسه كما سيأتى، وفى النوادر عن أشهب قول بعدم الإجزاء، ونصه: قال ابن القاسم عن مالك: ومن نحر هدى غيره ونحر غيره هديه فذلك يجزئهما، ولا يجزئ فى الضحايا. وقال أشهب: لا يجزئ فى الهدى ويضمن كل واحد لصاحبه، وذكره عن مالك، وكذلك فى المستخرجة. انتهى.
فَإِنْ نَحَرَ عَنْ نَفْسِهِ تَعَدِّياً أَوْ غَلَطاً – فَثَالِثُهَا يُجْزِئُ فِى الْغَلَط
يعنى: فإن قصد الذابح بالذبح عن نفسه؛ إما تعدياً – سواء وكله على ذبحه أو لم يوكله – أو غلطاً فاختلف هل يجزئ صاحبه على ثلاثة أقوال:
قال محمد: يُجْزِئُ؛ لو جوبه بالتقليد، ونص على الإجزاء فى الغنم. قال: وقد جاء فى الحديث: "ربك أعلم بمن أنزلها من الجبل".
وقال أشهب: لا يجزئ.
والقول الثالث هو المشهور ومذهب المدونة؛ إذ الغالط قصد بفعله القربة على الجملة بخلاف المتعدى. والمشهور أنها لا تجزئ عن الذابح. وروى أبو قرة عن مالك أنها تجزئه وعليه قيمتها لربها.
وَلَوِ اسْتَحْيَا الْمَسَاكِينُ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعاً
المطلوب ألا يعطى الهدى إلا بعد نحره، فإن دفعه للمساكين قبل نحره ونحروه أجزأه، وإن استحيوه فعليه بدله واجباً كان أو تطوعاً؛ أما فى الواجب فظاهر؛ لأن الذمة لم تبرأ. وأما فى التطوع فهو كمن أفسده بعد الدخول فيه فيجب عليه قضاؤه.
وَلا يَشْتَرِكُ فِى هَدْيٍ، وَقِيلَ: إِلا فِى هَدْيِ التَّطَوُّع
الأول قوله فى المدونة، والثانى قوله فى الموازية.
وَلَوْ هَلَكَ أَوْ قُتِلَ أَوْ سُرِقَ قَبْلَ نَحْرِهِ وَجَبَ بَدَلُهُ فِى الْوَاجِبِ دُونَ التَّطَوُّعِ، وَلَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ نَحْرِ الْبَدَلِ وَجَبَ نَحْرُهُ إِنْ كَانَ مُقَلِّداً، وَإِلا فَلَهُ بَيْعُهُ، وَقَبْلَ نَحْرِ الْبَدَلِ يَنْحَرْهُمَا إِنْ كانَا مُقَلَّدَيْنِ، وَإِلا بِيعَ الآخَرُ، وَلَوْ سُرِقَ بَعْدَ نَحْرِهِ أَجْزَأَهُ
قوله: (وَجَبَ بَدَلُهُ فِى الْوَاجِبِ) لأن الذمة لم تبرأ، بخلاف النذر المعين فإنه لا يجب بدله كالتطوع.
قوله: (وَجَبَ نَحْرُهُ) ظاهر؛ لأنه وجب بالتقليد، وذلك يمنع من عوده إلى ملك ربه.
قوله: (وَإِلا) أى: وإن ضل قبل التقليد فنحر البدل ثم وجده فعليه بيعه لعدم التقليد.
قوله: (وَقَبْلَ نَحْرِ الْبَدَلِ
…
إلخ) يعنى: وله إذا وجد هديه قبل نحر البدل أربعة أحوال؛ إما أن يكونا مقلدين أو غير مقلدين، وإما أن يكون الأول دون الثانى أو بالعكس، ففى الأول يجب نحرهما لتعيينهما بالتقليد وفى الثانى يخير، لكن يستحب له أن يذبح أفضلها. وفى الآخرين يجب عليه ذبح المقلد وله بيع ما لم يقلده.
وقوله: (وَلَوْ سُرِقَ بَعْدَ نَحْرِهِ أَجْزَأَهُ) أى: لأنه بالنحر بلغ المحل، وتفريقه أمر زائد على الواجب لا يضر تركه.
وَجَزَاءُ الصَّيْدِ عَلَى التَّخْييرِ؛ مِثْلُهُ أَوْ إِطْعَامٌ أَوْ صِيَامٌ؛ فَالْمِثْلُ مُقَارِبُهُ مِنَ النَّعَمِ فِى الْقَدْرِ وَالصُّورَةِ، وَإِلا فَالْقَدْرُ، فَفِى النَّعَامَة بَدَنَةٌ
…
الأصل فيه وفى كونه على التخيير قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً (والمراد بالمثل فى الآية هنا ما يقارب الصيد فى الصورة والقدر، وإلا فالقدر [215/ب] كاف، فلذلك قلنا: إن فى النعامة بدنة لمقاربتها لها فى القدر والصورة.
وَلا نَصَّ فِى الْفِيلِ، فَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ: بَدَنَةٌ خُرَاسَانِيَّةٌ ذَاتُ سَنَامَيْنِ، وَقَالَ الْقَرَوِيُّونَ: الْقِيمَةُ وَقِيلَ: قَدْرُ وَزْنِهِ لِغَلاءِ عِظَامِهِ
…
أى: ولا نص لمالك ولا لأصحابه المتقدمين، واختلف من بعدهم، فقال ابن ميسر: فيه بدنة خراسانية ذات سنامين؛ لأنها أعظم ما يقدر عليه من النعم، قال: وإن لم توجد البدنة الخرسانية، فعليه قيمته طعاماً. والثالث أقرب إلى الثانى لما نبه عليه بقوله:(لِغَلاءِ عِظَامِهِ) الرغبة فى عظام الفيل كالرغبة فى فراهة البازى وشبهه وهى ملغاة هنا. قال بعضهم: صفة وزنه ان يجعل فى مركب فينظر إلى حيث ينزل فى الماء ثم يملأ بالطعام حتى ينزل ذلك القدر. ابن راشد: والظاهر أنه يتوصل إلى وزنه بالعيار.
وَفِيهَا: وَكُلُّ صَيْدٍ لَهُ نَظِيرٌ مِنَ النَّعَم
كأنه أتى بهذا ترجيحاً لقول ابن ميسر؛ إذ العموم شامل له. وأعظم النعم هى البدنة ذات السنامين وبهذا اللفظ تمسك ابن ميسر. ولفظ المدونة: ولا يبلغ بشئ من الصيد دمين، وليس شئ من الصيد إلا وله نظير من النعم. وقد يقال: الظاهر أنه لم يتعرض فى هذا اللفظ للفيل لقلة وجوده هناك.
وَفِى حِمَارِ الْوَحْشِ وَالإيَّلِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ، وَفِى الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالظَّبْىِ شَاةٌ، وَفِى نَحْوِ الضَّبِّ وَالأَرْنَبِ وَالْيَرْبُوعِ الْقِيمَةُ طَعَاماً .........
الإيَّل: قريب من البقرة فى القدر طويل القرن.
وما ذكره المصنف من الضب والأرنب واليربوع هو مذهب المدونة. وروى ابن وهب أن فى الضب شاة.
وَفِى حَمَامِ مَكَّةَ شَاةٌ بِغَيْرِ حَكَمَيْنِ، وَالْحَرَمُ مِثلُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِى حَمَامِ الْحِلِّ الْقِيمَةُ كَسَائِرِ الطَّيْرِ
…
هذا لقضاء عثمان رضى الله عنه، وأسقطوا الحكمين؛ لأنه من باب الديات قال مالك وعبد الملك: فإن لم يجد فصيام عشرة أيام، ولا يخرج فى ذلك طعاماً. وقال أصبغ: فى حمام مكة – إن شاء – شاة، وإن شاء قدر ما يشبع الشاة من الطعام، وإن أحب صام لكل مد يوماً. والعلة فى تغليظ جزاء الحمام، أن حمام مكة يألف الناس فشدد فيه حتى لا تتسرع أيدى الناس إليه. فإن قيل: لم أخذتم بقضاء عثمان هنا ولم تأخذوا بقضاء عمر – رضى الله عنهما – فى اليربوع بجفرة؟ قيل: لأن الله سبحانه قال فى جزاء الصيد: (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ (فسماه هديا ولا يهدى إلا الجذع من الضأن والثنى من غيره، ولم يختلف أن فى حمام الحل قيمته طعاماً، والحرم مثل مكة على المشهور. والشاذ لابن القاسم: فيه حكومة.
وَفِى إِلْحَاقِ الْقَمَرِيِّ الْفَوَاخِتِ وَشِبْهِهَا بالْحَمَامِ قَوْلانِ، وَفِيهَا: الْيَمَامُ مِثْلُ الْحَمَام
منشأ الخلاف هل تسمى هذه الأشياء حماماً أم لا؟ مذهب المدونة كما ذكره المصنف الإلحاق، وعدم الإلحاق لابن الماجشون.
وَفِى الصَّغِيرِ مَا فِى الْكَبِيرِ، وَفِى الْمَعِيبِ مِثْلُ مَا فِى السَّلِيمِ، وَالذَّكَرُ وَالأُنْثَى سَوَاءٌ
قياساً على الدية، وقال اللخمى: يقوم على هيئته من الصغر والكبر على المستحسن من القول.
وَفِى الْجَنِينِ عُشْرُ دِيَةِ الأُمِّ، فَإِنِ اسْتَهَلَّ فَكَالْكَبِيرِ، وَفِى الْمُتَحَرِّكِ قَوْلان
قوله: (عُشْرُ دِيَةِ الأُمِّ) أى: كما فى الآدمى. والمراد بـ (دِيَةِ الأُمِّ): جزاؤها. ولولا القياس على الآدمى لكان ينبغى أن يكون فى الجنين ما نقص من الأم. وقد نص فى الموازية فى جنين البهيمة إذا تعدى عليه أن عليه ما نقصها، واختلف فى جنين الأمة، هل فيه عشر قيمة أمه، أو ما نقصها؟ والقول بوجوب العشر فى المتحرك لابن القاسم. والقول بأن فيه دية كاملة لأشهب، ولم يقيد الحركة هنا بالكثرة بخلاف ما قدمه فى باب الجنائز احتياطياً، ألا ترى أنهم اعتبروا فى هذا الباب الشك، فقد أوجب ابن القاسم فى البيضة تنكسر عن فرخ شك فى حياته – الجزاء. ابن المواز: إذ لعل الكسر قتله، إلا أن يوقن أنه ميت قبل الكسر بالرائحة فلا شئ عليه.
وَالْبَيْضُ كَالْجَنِينِ، وَقِيلَ: حُكْومَةٌ، وَقِيلَ: كَالأُمّ
الأول مذهب المدونة، زاد فيها: إلا أن يوقن أنه ميت قبل ذلك بالرائحة ونحوها.
ابن يونس: يريد فلا يكون عليه شئ.
ومعنى (الحكومة) فى القول الثانى أن يُقَوَّمَ بالطعام، فيختلف بكبر البيضة وصغرها ورجاء السلامة لها.
وقوله: (وَقِيلَ: كَالأُمِّ) أى: نظراً إلى المال واختلف فى بيض النعام، فقال مالك: فيه عشر دية أمه كان فيه فرخ أم لا. قال ابن نافع: لا آخذ به بل أتبع ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم، فقد سأله محرم عن ثلاث بيضات نعام أصابهن، فقال "صم لكل بيضة يوماً". وقال أصبغ بالأول إن كان فيها فرخ، وبالثانى إن لم يكن. وقال ابن وهب: إن لم يكن فيها فرخ صام يوماً أو أطعم مسكيناً.
قال فى المدونة: وإن أفسد محرم وكر طير فلا شئ عليه، إلا أن يكون فيه بيض أو فراخ فعليه فىلبيض ما على المحرم فى الفراخ؛ لأنه لما أفسد الوكر فقد عرض البيض والفراخ للهلاك. ومن هنا أخذ القول الثالث فى كلام المصنف. وفى رواية الدباغ: فعليه فى البيض ما على المحرم فى البيض والفراخ، فجمع عليه الأمرين وهو ضعيف وفى توجيهه تكلف. ابن يونس: ووجهه أنه لما احتمل أن يفسد البيض قبل أن يفقس، واحتمل أن يفقس ثم يهلك لفقد العش، ولم يدر [216/أ] كيف كان فساده وجعل عليه كلا الأمرين احتياطياً، وذكر أبو محمد فى رواية أخرى: فعليه فى البيض ما على المحرم فى البيض، وفى الفراخ ما على المحرم فى الفراخ، وهى أحسن، وانظر هل يتخرج القول الثالث الذى ذكره المصنف فى البيض فى الجنين؟
وَالطَّعَامُ عِدْلُ الصَّيْدِ لا عِدْلَ مِثْلِهِ مِنْ عَيْشِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ طَعَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ بِمُدِّ الْنَبىِّ صلى الله عليه وسلم
…
هذا هو النوع الثانى؛ أى يقال: كم يساوى هذا مثلاً من الطعام، لا عدل مثله، وهو الشاة، خلافاً للشافعى، لنا أن الطعام جزاء عن الصيد فوجب اعتبار الطعام به.
ابن العربى فى أحكامه: واختلف علماؤنا متى تعتبر القيمة؛ فقيل: يوم الإتلاف، وقيل: يوم القضاء، وقيل: يلزم المتلف أكثر القيمتين من يوم الإتلاف إلى يوم القضاء. والأول أصح.
قوله: (مِنْ عَيْشِ ذَلِكَ الْمَكَانِ) أى: من غالب عيش مكان الإصابة من بر أو شعير أو تمر أو غير ذلك مما يجزأ فى كفارة اليمين، وهذا نحو ما قاله فى المدونة. ويقوم بالحنطة، وإن قوم بشعير أو تمر أجزأ إذا كان ذلك طعام أهل ذلك الموضع، ويتصدق على المساكين بمد النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل له: أيقوم الصيد بشئ من القطانى أو الزبيب أو الأقط وهو عيش ذلك الموضع؟ قال: يُجْزِئُ فيه ما يُجْزِئٌ فى كفارة اليمين. واختصارها أبو محمد فقال: وأما القطنية فلا. ويُجْزِئٌ فيها من الحبوب ما يُجْزِئٌ فى كفارة
اليمين. وقال أشهب فى كتابه: ولا بأس أن يخرج فى تقويم الصيد وفى كفارة اليمين القطنية إذا كان هو معاشه وقوت عياله.
وَيُقَوَّمُ بالطَّعَامِ عَلَى حَالِهِ حِينَ الإِصَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى فَرَاهَةٍ وَجَمَالٍ وَتَعْلِيمٍ ولا صغَرٍ وَلا عَيْبٍ
…
إنما لم يعتبر شئ من هذه الصفات؛ لأن الجزاء من باب الكفارة، والكفارة لا تختلف بذلك.
وَلَوْ كَانَ بَازِيّاً مُعَلَّماً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مُعَلَّماً لِمَالِكِهِ مَعَ الْجَزَاءِ
إنما وجب ذلك جمعاً بين حق الله تعالى وحق الآدمي، وهذا هو المشهور. وقيل: لا جزاء عليه؛ لأنه لا يغرم القيمة مرتين.
وَقِيلَ: يُنْظَرُ كَمْ يُشْبِعُ كَبِيرُهُ فَيُخْرِجُ مَا يُشْبِعُهُمْ مِنَ الطَّعَامِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ قُوِّمَ الصَّيْدُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ قُوِّمَ بِطَعَامٍ أَجْزَأَ
…
هذا راجع إلى قوله أولاً: (يقول بطعام) يعنى: أنه اختلف فى صفة التقويم؛ فالمشهور ما تقدم. وقال يحيى ابن عمر: ينظر كم يشبع ذلك الصيد ثم يخرج قدر ما يشبعهم طعاماً فإن كان صغيراً ينظر إلى ما يشبع كبيره؛ لأن الصغير والكبير سواء، ووجهه أن من الحيوان ما لا قيمة له كالضبع فوجب اعتباره مقداره وإلا أهدرنا دمه. وتكلم المصنف على الصغير؛ لأنه يؤخذ منه حكم الكبير.
الباجى: وبه قال ابن القاسم وسالم.
قوله: (وَعَلَى الْمَشْهُورِ) يعنى: فى اعتبار القيمة لا الشبع.
ولو قوم الصيد بدارهم ثم قومت الدراهم أجزأ. والأولى التقويم بالطعام؛ لأنه أقل عملاً فيقل فيه الخطأ. وإطلاق المصنف التقويم على الدراهم مجاز. وفى المدونة: يشترى بها طعاماً.
وَالْمُعْتَبَرُ فِى التَّقْوِيمِ مَحَلُّ الإِتْلافِ، وِإِلا فَالأَقْرَبِ إِلَيْهِ، وَفِى مَكَانِهِ ثَلاثَةٌ لابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَمُحَمَّدٍ، حَيْثُ يُقَوَّمُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقٌّ، وَيُجْزِئُ حَيْثُ شَاءَ إِنْ أَخْرَجَ عَلَى سِعْرِهِ، وَيُجْزِئُ إِنْ تَسَاوَى السِّعْرَانِ، وَفِى الْمَوَطَّأِ: يُطْعِمُ حَيْثُ أَحَبَّ كَالصِّيَامِ، وَفِيهَا: قَالَ مَالِكٌ: أَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَيُطْعِمُ بِمِصْرَ؛ إِنْكَاراً
…
يعنى: أن الصيد تعتبر قيمته حيث أصاب الصيد إن كانت له هناك قيمة، وإن لم تكن له هناك قيمة اعتبر أقرب الأمكنة إليه كسائر المتلفات.
الباجى: ويجب أن يراعى أيضاً ذلك الوقت؛ وذلك الإبان لأن القيمة قد تختلف باختلاف الأوقات. وهذا على الظاهر من المذهب. وأما على قول يحيى فلا يراعى شئ من هذا.
قوله: (وَفِى مَكَانِهِ) أى: فى مكان إخراج الطعام ثلاثة أقوال. وقد علمت أن قاعدة المصنف فى مثل هذا أن يرد الأول من الأقوال إلى الأول من القائلين والثانى إلى الثانى والثالث إلى الثالث؛ فابن القاسم يقول: إنه يخرج حيث يُقَوَّم عليه الصيد؛ أى: حيث يحكم عليه إن كان به مستحق، فإن لم يكن فالأقرب إليه. وأصبغ يقول: يُجْزِئُ حيث شاء، بشرط أن يخرج على سعر بلد الحكم. الباجى بعد قول أصبغ: وقال ابن المواز: إن أصاب الصيد بمصر فأخرج الطام بالمدينة أجزأه؛ لأن سعرها أغلى. وإن أصاب الصيد بالمدينة فأخرج الطعام بمصر لم يجزأه إلا أن يتفق سعراهما. وقال ابن حبيب: إن كان الطعام ببلد الإخراج أرخص اشترى بثمن الطعام الواجب عليه ببلد الصيد طعاماً فأخرجه، وإن كان ببلد الإخراج أغلى أخرج المكيلة الواجبة عليه، وهذا يقرب ظاهره من قول ابن المواز. انتهى.
وكلام المصنف لا يؤخذ منه هذا، ونقل الباجى عن ابن وهب أنه يخرج قيمة الطعام الذى حكم به عليه حيث أصاب الصيد، فيشترى به طعاماً حيث يريد إخراجه، سواء كان أرخص من بلد إصابة الصيد أو أغلى.
قوله: (وَفِى الْمَوَطَّأِ: يُطْعِمُ حَيْثُ أَحَبَّ كَالصِّيَامِ) ليس فيه بيان على أى وجه يخرج. ولذلك جعل الباجى قول أصبغ ومحمد وابن وهب مفرعاً عليه.
قوله: (وَفِيهَا: قَالَ مَالِكٌ: أَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَيُطْعِمُ بِمِصْرَ؛ إِنْكَاراً) فسره ابن القاسم فى المدونة بأنه يريد: فإن فع لم يجزأه، ثم كلام الباجى واللخمى وغيرهما يقتضى أنه مطلوب مطلوب أولاً بأن يخرج بمحل [216/ب] التقويم، فإن أخرج بغيره فالخلاف، وكلام المصنف لا ؤخذ منه ذلك؛ لإيهامه أن الخلاف ابتداء، لكن قوله:(وَيُجْزِئُ حَيْثُ شَاءَ .... وَيُجْزِئُ إِنْ تَسَاوَى السِّعْرَانِ) بين أن كلامه إنما هو فى الإجزاء. وتحصيل المسألة أن يطلب ابتداءً أن يخرج بمحل التقويم، فإن أخرجه فى غيره فمذهب المدونة عدم الإجزاء، ومذهب الموطأ الإجزاء، وعليه فثلاثة أقوال كما تقدم.
ابن عبد السلام: واختلف الشيوخ فى كلام ابن المواز فمنهم من جعله تفسير للمدونة، ومنهم من جعله خلافاً، وهو الذى اعتمده المصنف.
وَالصِّيَامُ عَدْلُ الطَّعَامِ؛ لِكُلِ مُدٍّ أَوْ كَسْرِهِ يَوْمٌ، وَلا يُخْرِجُ مِثْلاً وَلا طَعَاماً وَلا صِيَاماً إِلا بِحَكَمَيْنِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ بِذَلِك دُونَ غَيْرِهِ، يُخَيِّرَانِهِ فِيمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ فَيَحْكُمَانِ عَلَيْهِ بِاجْتِهَادِهِمَا لا بِمَا رُوِىَ
…
الأصل فيه الآية المتقدمة.
قوله: (فَقِيهَيْنِ بِذَلِك) أى: لا يشترط أن يكونا فقيهين على الإطلاق؛ إذ كل من ولى أمراً فإنما يشترط فيه العلم بذلك وما يطرأ عليه.
وقوله: (دُونَ غَيْرِهِ) أى ليس هو أحدهما لقوله تعالى: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ (والإنسان لا يحكم لنفسه. وفى الموطأ أن رجلاً جاء إلى عمر ابن الخطاب رضى الله عنه فقال: إنى أجريت أنا وصاحب لى فرسين نستبق إلى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ فأصبنا ظبياً ونحن محرمان فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه: تعالى حتى أحكم أنا وأنت. قال: فحكمنا عليه
بعنز، فولى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم فى ظبى حتى دعا رجلاً يحكم معه، فسمع عمر رضى الله عنه كلام الرجل فدعاه فسأله هل تقرأ سورة المائدة؟ قال: لا. قال: هل تعرف هذا الرجل الذى حكم معى؟ فقال: لا. فقال عمر: لو أخبرتنى أنك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضرباً ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ (وهذا عبد الرحمن بن عوف.
قوله: (يُخَيِّرَانِهِ فَيمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ) أى: من الثلاثة؛ لأن الله سبحانه وتعالى خيره، فإذا اختار شيئاً من ذلك حكما عليه باجتهادهما لا بما روى عن السلف، ثم لا يخرجان باجتهادهما عن جميع ما روى؛ أى: إذا اختلف الصحابة فى شئ فلا يخرج عن جماعتهم، قاله مالك، أما ما اتفق عليه الجميع أو ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز له العدول عنه، وليس له أن يختار بعض الكفارة ويصوم عن بعضها، قاله فى المدونة. وإنما وجب فى كسر المد يوم كامل؛ لأنه لا سبيل إلى الغاية ولا إلى تبعيض الصوم.
فَإِنِ اخْتَلَفَا ابْتَدَأَ غَيْرُهُمَا فَإِنْ أَخْطَأَ خَطَأً بَيِّناً نُقِضَ، وَيَصُومُ حَيْثُ شَاءَ، وَالأَوْلَى أَنْ يَكُونَا فِى مَجْلِسٍ
…
لأنهما إذا اختلفا لم يحصل حكمان.
قال فى الموازية: وليس له أن يأخذ بقول أرفقهما. اللخمى: وجعله بمنزلة من أخرج بقول واحد. ويجوز إذا ابتدأ غيرهما أن يكون أحدهما أحد الأولين. وصورة الخطأ البين كما قال فى المدونة أن يحكما فى شئ فيه بدنة بشاة أو بالعكس.
ونقض هنا كما ينقض حكم الحاكم إذا خالفا النص أو الإجماع أو القواعد أو القياس الجلى. ونص ابن عبد الحكم على أنهما لو حكما بما روى عن عمر رضى الله عنه أن فى الغزال عنزاً وفى الأرنب عناقاً، وفى اليربوع جفرة- لم ينقض. قل: ولا أقول فى شئ قضى به عمر رضى الله عنه- يرد.
اللخمى: وقال مال فى غير موضع: إن قضى قاض بمختلف فيه مضى ولم يرد وإن خالف رأيه.
قوله: (وَيَصُومُ حَيْثُ شَاءَ) ظاهر. والأولى التعجيل لبراءة الذمة.
قوله: (وَالأَوْلَى أَنْ يَكُونَا فِى مَجْلِسٍ) أى ليطلع كل واحد منهما على حكم صاحبه، وهكذا قال ابن المواز.
وَفِيهَا: وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بَعْدَ ذَلِكَ- وَثَالِثُهَا: مَا لَمْ يَلْتَزِمْ
يعنى: أنه نص فى المدونة على أنه إذا اختار خصلة من الثلاثة فله أن ينتقل بعد ذلك إلى غيرها؛ لأنه ليس كحكم الحاكم، ألا ترى إلى تخيير الله له ابتداءً، وأبقى الأكثر المدونة على إطلاقها. وحكى ابن شعبان عن مالك أنه ليس له ذلك، ويلزمه ما حكما به عليه، كما لو حكم عليه قاض فى حق من الحقوق. وحمل ابن الكاتب المدونة على أنه ألزم نفسه ذلك قبل أن يعرف ما هو، ولو عرف مبلغ ذلك فالتزمه لم يكن له أن يعدل إلى غيره.
ابن محرز: وهو الصواب كالمكفر عن يمينه إذا التزم الكفارة بأحد الأجناس الثلاثة فإنه يلزمه أن يكفر به، ولا يكون له أن يعدل إلى غيره، ولا ينبغى عذه ثالثاً؛ لأنه راجع إلى تحقيق فهم المدونة.
وَفِدْيَةُ الأَذَى عَلَى التَّخْيِيرِ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ حَيْثُ شَاءَ مِنْ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا فِى الثَّلاثةِ؛ وَالنُّسُكُ شَاةٌ فَأَعْلَى، وَالطَّعَامُ سِتَّةُ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ مِنْ طَعَامِ الْيَمِينِ، وَالصِّيَامُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، وَفِى إِبَاحَةِ أَيَّامِ مِنىً قَوْلانِ، وَلا يُجْزِئُ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ مَا لَمْ يَبْلُغْ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ
…
لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (.
والمذهب أنه يفعلها حيث شاء. اللخمى: وحمل مالك هذه الخصال على التراخى، وعلى القول أن الأوامر للفور عليه أن يأتى بها بمكة. ومذهب الحنفى والشافعى أن النسك لا يكون إلا بمكة، وإليه ذهب ابن الجهم، وخالف فيه مالكًا وأصحابه.
قوله: (مِنْ طَعَامِ الْيَمِينِ) يعنى أنه [217/أ] يُخْرِجُ مُدَّين من الجميع، هذا مذهب المدونة. وفى الموازية: إذا اختار الإطعام فأطعم الذرة نظر مجراه من مجرى القمح، فيزيد من البذرة بمثل ذلك. قال فى المختصر: وكذلك الشعير. وفرق بعض القرويين بين فية الأذى والظهار، فى أنه يخرج هنا من الشعير وغيره مُدين كالبر على المشهور، وفى الظهار يخرج من الشعير وغيره عدل البر، بأن الفدية منصوص على مقدارها بالسنة، والظهار ليس فى مقداره نص، وإنما قيل فيه بمد هشام اجتهاداً.
قوله: (وَفِى إِبَاحَةِ أَيَّامِ مِنىً قَوْلانِ) مذهب المدونة الجواز قياساً على التمتع بجامع التعلق بالنسك. والكراهة فى كتاب محمد لأنها لم تقيد بالحج كالهدى.
قوله: (وَلا يُجْزِئُ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ) لأنهما لا يبلغان المدين، بخلاف اليمين بالله؛ لأن الواجب فى اليمين مد، وهما أكثر منه.
قوله: (مَا لَمْ يَبْلُغْ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ) ذكره فى النوادر عن أشهب، وحمله المصنف وغيره على الوفاق، قال فى النوادر: وإذا افتدى لشىء قبل أن يفعله ثم فعله لم يجزه.
وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَيْنِ فَعَلَى التَّرْتِيبِ هَدْيٌ ثُمَّ صِيَامٌ لا طَعَامٌ
يعنى: وما خرج عن جزاء الصيد وفدية الأذى، وهو ما وجب لنقص فى حج أو عمرة كتعدى الميقات وترط الجمار والمبيت ليلة من ليالى منى أو طواف القدوم وغير ذلك.
وَالأَوْلَى الإِبلُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْغَنَمُ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ
لأن المقصود هنا كثرة اللحم، بخلاف الأضحية، فإن المقصود فيها طيب اللحم؛ لإدخال المسرة على الأهل. ودليلنا فى المحلين أن أكثر هداياه صلى الله عليه وسلم الإبل، وضحى بكبشين.
قوله: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ) لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ (وهذا وإن كان فى المتعة فقد ألحق به العلماء كل نقص.
فَإِنْ كَانَ عَنْ نَقْصٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْوُقُوفِ كَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ وَلِتَعَدَّى الْمِيقَاتَ صَامَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنْ أَخَّرَهَا إِلَيْهِ فَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقِيلَ: مَا بَعْدَهَا، وَصَامَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعَ مِنْ مِنىً إِلَى مَكَّةَ، وَقِيلَ: إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا صَامَ مَتَى شَاءَ، وَالتَّتَابُعُ فِى كُلٍّ مِنْهَا لَيْسَ بِلازِمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ نَقْصٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَتَرْكِ مُزْدَلِفَةَ أَوْ رَمْيٍ أَوْ حَلْقٍ أَوْ مَبِيتٍ بِمِنىً أَوْ وَطءٍ قَبْلَ الإفَاضَةِ أَوِ الْحَلْقِ صَامَ مَتَى شَاءَ ....
يعنى: أن موجب الهدى لا يخلو إما أن يكون سابقاً على وقوف عرفة أم لا؟ فإن كان سابقاً كالأمثلة التى ذكرها المصنف صام ثلاثة أيام فى الحج من حين يحرم بالحج إلى يوم النحر؛ أى: ما بين إحرامه ويوم العيد وقت موسع له، فإن أخرها إلى يوم النحر صام أيام التشريق وهى الثلاثة التى تلى يوم النحر. وقيل: لا يصوم الثلاثة؛ للنهى عن صيامها، وإنما يصوم ما بعدها. ومثله نقل ابن بشير وابن شاس. ولم يحك الملخمى إلا أنه يصومها، وذكر الخلاف قول مالك إذا دخل عليه الدم بأمر الوقوف، فرأى مرة أنه يصوم أيام التشريق كالمتمتع، ورأى أنه لا يصومها وأن الرخصة لمن وجب عليه الدم. قيل: ولم يحك ابن بشير وابن شاس فى هذا خلافاً.
ابن هارون: والصواب ما ذكره اللخمى أن الخلاف فى القسم الثانى دون الأول. وحكى فى البيان أن الخلاف مطلقا –وبه تصح الطريقتان- فقال: اختلف فيمن يجب عليه صيام ثلاثة أيام فى الحج إذا لم يجد هدياً ممن لا يجب عليه صيامها فى الحج على أربعة أقوال:
أحدها: أن الذى يجب عليه ذلك المتمتع والقارن خاصة، وهو قول أصبغ، قال: ولا يجب الصيام فى الحج على غيرهما ممن أفسد حجه أو أفسد الحج وشبههم إلا استحسانا لا إيجاباً.
والثانى: أن الذى يجب عليه ذلك المتمتع والقارن والمفسد لحجه والذى فاته الحج، هؤلاء الأربعة لا غير، وهو قول ابن القاسم فى العشرة.
والثالث: أن ذلك يجب على هؤلاء الأربعة وعلى كل من وجب عليه الهدى لشىء تركه من أمر الحج من يوم إحرامه إلى حين وقوفه بعرفة.
والرابع: أن ذلك يجب على هؤلاء الأربعة وعلى كل من ترك من أمر الحج ما يوجب الدم، كان ذلك قبل الوقوف بعرفة أو بعد الوقوف بعرفة من ترك النزول بالمزدلفة، وهذان القولان الثالث والرابع قائمان من المدونة، وفائدة هذا الاختلاف هل لمن فاته الصوم من حين أحرم إلى يوم عرفة أن يصوم أيام التشريق أم لا؟ فمن أوجب عليه أن يصومها فى الحج أو جب عليه أن يصومها فى أيام التشريق إذا لم يصمها قبل ذلك؛ لأنها من أيام الحج. ومن لم يوجب عليه أن يصومها فى الحج لم يجز أن يصومها فى أيام التشريق للنهى عن صيامها على مذهبه، فإن وجب عليه الهدى على القول الرابع من ترك الرمى فى اليوم الأول أو الثانى من أيام التشريق صام بقية أيام التشريق. انتهى.
قوله: (والقولان قائمان من مذهب المدونة) لأن فيها موضعين، أحدهما قوله: وكل هدى وجب على من تعدى ميقاته أو تمتع أو قرن أو أفسد حجه أو فاته الحج أو ترك الرمى أو النزول بالمزدلفة، فإنه إن لم يجد هدياً صام ثلاثة أيام فى الحج فعمم. والموضع الثانى قوله: وإنما
يصوم الثلاثة [217/ب] الأيام فى الحج المتمتع والقارن ومن تعدى الميقات أو أفسد حجه. وأما من يلزمه ذلك لترك جمرة أو لترك نزول مزدلفة، فليصم متى شاء.
وقوله: (وَصَامَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعَ
…
إلخ) يعنى: أن المراد بالرجوع فى قوله تعالى: (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ (الرجوع من منى إلى مكة، سواء أقام بمكة أو لا، كذا فسره مالك فى المدونة وهو المشهور من المذهب. وقال فى الموازية: إذا رجع إلى أهله إلا أن يقيم بمكة.
اللخمى: وهو أبين وليس المراد أن يصوم فى الطريق؛ لأنه فى سفر، وقد أباح الله تعالى للمسافر فطر رمضان، وهو فرض معين عظيم الحرمة انتهى. وقال ابن عبد السلام: المشهور أظهر؛ لأن المذكور فى الآية الحج لا السفر. فالرجوع إنما هو إذا رجع من الحج لا من السفر.
قوله: (فَإِنْ أَخَّرَهَا صَامَ مَتَى شَاءَ) نحوه لمالك.
قوله: (وَالتَّتَابُعُ فِى كُلٍّ مِنْهَا) أى: من الثلاثة والسبعة ليس بلازم، بل هو مستحب على المشهور خلافاً لابن حارث. وفى بعض النسخ:(والتتابع فى كل منهما) وهى أحسن؛ لأن المتقدم الثلاثة والسبعة.
قوله: (وَإِنْ كَانَ عَنْ نَقْصٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ ....... صَامَ مَتَى شَاءَ) وهو القسم الثانى.
قوله: (صَامَ مَتَى شَاءَ) أى: ولا يصوم أيام التشريق. ابن عبد السلام: وفى معنى ما وجب بعد الوقوف ما وجب يوم عرفة.
فرعان:
الأول: إن صام السبعة قبل وقوفه بعرفة، فقال اللخمى: الظاهر من المذهب نفى الإجزاء، وأرى الإجزاء؛ لأن التأخير توسعة. انتهى. ونقل ابن عبد السلام عن ابن وهب وابن حبيب التفريق بين الثلاثة والسبعة رخصة، ولمن شاء أن يصوم جميع العشرة فى الحج. وصرح بأن قولهما خلاف مذهب الأكثرين.
الثانى: الترتيب بين الثلاثة والسبعة مطلوب، فقد قال مالك: إن نسى الثلاثة حتى صام السبعة، فإن وجد هدياً فأحب أن إلى أن يهدى وإلا صام. التونسى: فإن قيل: لم لا يترك منها ثلاثة يجتزىء الصائم بها؟ قيل: لأنه أوقعها فى موضع يصلح أن يكون للسبعة؛ لأن السبعة إنما تكون إذا رجع من منى، وإذا رجع إلى بلده على أحد التأويلين، فكأنه أوقعها فى غير موضعها، ولأنه لو وجد الهدى بعد صيامها لأهدى، فلو كان يجتزىء بثلاثة منها ما أمره أن يرجع إلى الهدى؛ لأنه يقول: لو صام يوما واحدا ثم وجد الهدى لكان مخيراً، فكيف بعد صيام ثلاثة أيام؟! الباجى: وقول مالك هذا يقتضى الترتيب بينهما إما واجب وإما مستحب. وقال أصبغ فيمن نسى الثلاثة حتى صام السبعة: يعيد حتى تحصل السبعة بعد الثلاثة.
ابن يونس: لعله يريد أنه يعيد صوم سبعة أيام ويحتسب من السبعة بثلاثة، كمن قدم السورة على أم القرآن، وكمن أطعم فى كفارة الصوم ثلاثين مُدَّين فإنه يجزئه أن يطعم غيرهم مداً مداً ويحتسب بمد مد مما أطعم الأولين. انتهى.
ابن عبد السلام: وهو كلام حسن؛ لأن حقيقة الصوم فى الثلاثة والسبعة واحدة، وإنما يفترقان بالكثرة والقلة.
خليل: وعلى تفسير ابن يونس يكون قول أصبغ مخالفا لقول مالك لاعتداده بالثلاثة المتقدمة.
وَكَذَلِكَ صِيَامُ هَدْيِ الْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ مَشَى فِى نَذْرٍ إِلى مَكَّةَ فَعَجَزَ
الإشارة بذلك عائدة إلى النقص المتأخر عن الوقوف؛ يعنى: وكذلك إذا وجب لنقص فى العمرة فإنه يصوم متى شاء. ويستحب تتابعه، وكذلك من مشى فى نذر فعجز وركب فى بعض الطريق فإنه يرجع مرة ثانية ليمشى أماكن ركوبه على ما سيأتى، ويلزمه هدى لتفريق المشى، وإن لم يجد صام أى متى شاء؛ لأن الصوم مرتب على ما هو كأجنبى عن الحج والعمرة، وهو المشى والله أعلم.
وَمَنْ أَيْسَرَ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ أَوْ وَجَدَ مُسَلِّفاً وَهُوَ مَلِىءٌ بِبَلَدِهِ لَمْ يُجْزِأهِ الصَّوْمُ
لم يجزأه الصوم إذا أيسر قبل أن يصوم؛ لأن الله سبحانه إنما شرعه لغير الواجد، لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَام (وإذا وجد مسلفاً وهو ملي ببلده، فلا عذر له فى ترك السلف. ابن المواز: فإن لم يجد من يسلفه فليصم ثلاثة أيام فى الحج ولا يؤخر الصيام ليهدى ببلده، فإن صام أجزأه. فإن قيل: وَلِمَ لا يؤخرها كما لو حنث فى يمين فإنه لا يصوم إذا كان غنياً ببلده؟ قيل: لأن وجوب الكفارة على التراخى ووجوب الهدى ليس كذلك، ألا ترى أن القادر عليه فى الحال لا يؤخره بخلاف الكفارة، ولا يؤخذ من هذه المسئلة –وهى مسألة المدونة- جواز السلف على أن يقبض ببلد آخر؛ لأن هذه لم يشترط فيها ذلك، والمنع إنما هو للشرط، وهَبْهُ مفهوماً من قرينة الحال، لكن عقود المعروف يفتقر فيها مثل ذلك، قاله ابن عبد السلام.
فَلَوْ شَرَعَ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهْدَى إِنْ كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ
أى: فلو شرع قبل اليسر ثم أيسر، وفى معناه حصول السلف أجزاه الصيام، ولم يلزمه الهدى؛ لأنه دخل فيه بوجه جائز، ويستحب له أن يهدى إن كان بعد يومين؛ ليرجع إلى الأصل، وما ذكره المصنف هو فى المدونة كذلك، وحدد باليومين؛ لأن الثلاثة جمع فهو كثير، ولأن الله تعالى جعلها أحد قسمى العشرة فكانت كالنصف. فإن قيل: يلزم عليه أن يستحب قطع الصلاة إذا طرأ عليه الماء بعد أن دخل فيها بالتيمم. فالجواب: أن المصلى لو أمرناه بالانتقال إلى الأصل لزم إبطال ما مضى [218/أ] من صلاته، بخلاف الصوم، فإنه يحصل له أجر اليومين المتقدمين. وروى ابن عبد الحكم عن مالك فى مسألة الهدى أنه مخير إذا دخل فى الصوم بين التمادى عليه وبين القطع.
وَلَوْ مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَالْهَدْيُ مِنْ رَاسِ مَالِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: إِنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ. وَلا يَصُومُ عَنْهُ أَحَدٌ. وَأَمَّا قَبْلَهَا فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ
…
أى: المتمتع إذا مات قبل استيفاء الحج، فإن مات بعد رمى جمرة العقبة، فقال ابن القاسم: يجب عليه الهدى من رأس ماله أكثر أفعال الحج مع حصول أحد التحللين. وقال سحنون: لا يلزم ذلك الورثة من ثلث ولا من رأس مال بل إن شاءوا، ألا ترى أن المالك تجب عليه الزكاة وقد عرف ذلك ثم يموت ولم يفرط فى إخراجها –أنه إن أوصى بها كانت من رأس المال، فإن لم يوص بها لم تكن فى ثلث ولا فى رأس مال، إلا أن يشاء الورثة ذلك. وفرق فى البيان بأن الهدى لو أهدى لم يخف؛ إذ من شأنه أن يُقَلَّدَ ويشعر ويساق من الحل إلى الحرم، وليس ذلك مما يفعل سراً كالزكاة. قال: فتفرقة ابن القاسم أظهر من مساواة سحنون؛ ألا ترى أنهم لا يختلفون فى وجوب إخراج الزكاة من الزرع الذى يموت عنه صاحبه وقد بدا صلاحه، وإن لم يوص بإخراج الزكاة للعلم بأن صاحبه لم يؤد زكاته. وأشهب يرى إخراج زكاة المال الناض على الورثة واجباً، وإن لم يوص الميت بإخراجها إذا مات عند وجوبها ولم يفرض. انتهى.
ولا يصوم عن الميت أحد إذا مات معسراً؛ لأنه لا يقبل النيابة عندنا. وإن مات قبل رمى جمرة العقبة؛ أى: وبعد الوقوف، فلا يلزمه على المشهور. ولا يقال: الشاذ هو الجارى على قول ابن القاسم؛ لأن المعتبر إن كان جميع الأركان فلا بد من طواف الإفاضة، فلا يلزم من الوجه الأول شىء، وإن كان المعتبر جل الأركان فيجب فيهما، ولا وجه لاعتبار جمرة العقبة؛ إذ ليست من الأركان؛ لأنا نمنع قوله لا وجه لاعتبارها؛ لأنه قبلها لم يحصل له شىء من التحللين وحينئذ تكون العلة عند ابن القاسم مركبة من معظم الأركان وحصول أحد التحللين والله أعلم.
وَلا يُلَفَّقُ الوَاجِبُ مِنْ صِنْفَيْنِ
الواجب هدى التمتع وفدية الأذى وجزاء الصيد، فلا يصح نصف الإطعام ونصف الصيام. وينبغى على قول ابن القاسم بتلفيق كفارة اليمين بااله تعالى، أن يلفق هنا، قاله ابن عبد السلام.
وَلا تُعْطَى قِيمَةٌ
قوله: (وَلا تُعْطَى قِيمَةٌ) نقل بعضهم الاتفاق على عدم الإجزاء، ولا يأتى القول بالإجزاء فى الزكاة؛ لأن المقصود هنا إراقة الدماء.
مالك: ومن لم يجد هدياً فتصدق بثمنه فلا يجزئه.
وَلا يُجْزِئُ نَحْرَ هَدْيٍ إِلا نَهَاراً بَعْدَ الْفَجْرِ فِى أَيَّامِ النَّحْرِ بِمِنىً، وَلَوْ قَبْلَ الإِمَامِ وَقَبْلَ الشَّمْسِ بِخِلافِ الأُضْحِيَّةِ
…
قال صاحب الكمال وغيره: لا يصح عندنا النحر بمنى إلا بثلاثة شروط متى انخرم منها شرط لم يصح النحر بها:
أولها: أن يكون الهدى قد وقف به بعرفة. الثانى: أن يكون النحر فى أيام منى. الثالث: أن يكون النحر فى حجة لا فى عمرة، قال: ولا يجوز النحر إذا اجتمعت هذه الشروط بمكة ولا بغيرها.
قوله: (نَهَاراً بَعْدَ الْفَجْرِ) أى: فلا يجزىء ليلاً على المشهور.
قوله: (وَلَوْ قَبْلَ الإِمَامِ وَقَبْلَ الشَّمْسِ بِخِلافِ الأُضْحِيَّةِ) ظاهر؛ لأن الإمام فى العيد لمَّا كان يصلى بالناس ناسب أن يتوقف الذبح على ذبحه، بخلاف الحج إذ لا صلاة عيد عليهم.
وَمَكَانُهَا بمِنىً بَعْدَ أَنْ يُوقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلاً عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا
كون منى محل للنحر متفق عليه لفعله عليه الصلاة والسلام.
قوله: (بمنى) لأن المراد بقوله تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (، وقوله تعالى: (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ (: منى. واتفق العلماء على عدم إرادة البيت، والمسجد الحرام.
قوله: (فِيهِمَا) ابن عبد السلام: أى: فى اشتراط الوقوف وأخذ جزء من الليل. وأجاز ابن الماشجون نحر الهدى وإن لم يوقف به بعرفة. ابن هارون: وأما اشتراط كون الوقوف بالهدى ليلاً فلا أعلم فيها خلافاً؛ لأن كل من اشترط الوقوف بعرفة جعل حكمه حكم ربه، فيما يجزئه من الوقوف. وعلى هذا يشكل قوله:(عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا) لأن ظاهره الخلاف فى الأمرين، فى شرطية الوقوف، وفى كونه ليلاً. ويحتمل أن يكون إشارة فى اختصاص النحر بمنى فى تلك الأيام، وفى شرطية الوقوف، وهو أشبه؛ لوجود الخلاف فيهما، فقد قال مالك: إذا نحر بمكة فى أيام منى لا يجزئه. وقال فى المدونة: يجزئه ذلك وإن فعله عمداً. انتهى.
واعلم أن منى كلها منحر، وأفضل ذلك عند الجمرة الأولى، رواه ابن المواز عن مالك.
ولا يجوز النحر بعد جمرة العقبة مما يلى مكة؛ لأنه ليس من منى.
وَإِنْ بَاتَ فِى الْمَشْعَرِ فَحَسَنٌ. وَسُئِلَ عَنْ إِخْرَاجِهَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِلَى مِنىً فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ
…
أى: إن باب بهديه فى المشعر فحسن. والضمير فى (سُئِلَ) عائد على ابن القاسم وفى الذخيرة: فيستحب له أن يوقفه المواقف التابعة لعرفات.
فَلَوْ فَاتَ وَقْفُهَا بِعَرَفَةَ أَوْ فَاتَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ بِمِنىً تَعَيَّنَتْ مَكَّةُ أَوْ مَا يَلِيهَا مِنَ الْبُيُوتِ، وَالأَفْضَلُ الْمَرْوَةُ، وَأَجْزَأَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَرَجَعَ عَنْهُ. وَثَالِثُهَا: يُجْزِئُ فِى الوَاجِبُ إِنْ فَاتَتَ أَيَّامُ النَّحْرِ
…
أى: ولو فات وقف الهدايا بعرفة؛ يريد: ولو لم تفت أيا منى، (أَوْ فَاتَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ بِمِنىً) يريد ولو [218/ب] وقف بها عرفة.
(تَعَيَّنَتْ مَكَّةُ أَوْ مَا يَلِيهَا مِنَ الْبُيُوتِ) لأن الأصل فى الذبح إنما هو مكة لقوله تعالى: (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ (واستثنى بالسنة ما وقف به بعرفة. والأفضل المروة لما فى الموطأ وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بمنى: "هذا المنحر وكل منى منحر". وقال فى العمرة: "هذا المنحر" يعنى المروة "وكل فجاج مكة وطرقها منحر". ابن يونس: قال مالك فى الموازية: وكل ما محله من الهدى مكة فلم يقدر أن يبلغ به داخل بيوت مكة ونحره فى الحرم لم يجزأه، إنما محله مكة وما يليها من بيوت الناس. انتهى. وهذا معنى قوله: (مَكَّةُ أَوْ مَا يَلِيهَا مِنَ الْبُيُوتِ) قال مالك فى العتبية: ولا يجوز أن ينحره عند ثنية المدنيين وقد نحر النبى صلى الله عليه وسلم هديه عند الحديبية فى الحرم، فأخبر الله تعالى أن ذلك الهدى لم يبلغ محله. قال فى البيان: ومعنى نحر الرسول صلى الله عليه وسلم هديه بالحديبية فى الحرم نحر هديه فى الحرم إذ كان بالحديبية؛ لأن الحديبية فى الحل، لكنه لم يكن صلى الله عليه وسلم ممنوعاً من دخول الحرم، فبعث هديه من الحديبية إلى الحرم فنحر به، فصح لمالك بذلك الحجة لما ذهب إليه من أن محل الهدى من الحرم مكة القرية نفسها لا جميع الحرم، لإخبار الله تعالى أنه لم يبلغ محله، بقوله تعالى: (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ (. وقد ساق فى النوادر هذه الرواية على وجه فاسد على ما تأوله، فقال: روى أشهب عن مالك فى العتبية أن الحديبية فى الحرم. قال ابن القاسم: ولا يُجْزِئُ النحر بذى طوى بل حتى يدخل مكة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "وكل فجاج مكة وطرقها
منحر". أبو الحسن وغيره: والفجاج والطرق مترادفان. قال فى الإكمال: واختلف عندنا فيما خرج عن بيوتها من فجاجها؛ أى: هل يجزىء النحر بذلك أم لا؟
قوله: (وَأَجْزَأَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أى: فى الوجهين؛ لأن مكة هى المنحر الأصلى، ولأن المكان ليس مقصوداً لذاته.
(وَرَجَعَ عَنْهُ) أى: ورجع مالك عن الإجزاء. والمشهور ومقابله لمالك. قال فى التهذيب: ومن ضل هديه الواجب بعدما أوقفه بعرفة فوجده بعد أيام منى فلينحره بمكة. قال لى مالك مرة: لا يجزئه، وبه أقول. انتهى. فهذه هى الصورة الثانية من كلام المصنف. وفى مختصر ابن أبى زيد فيمن ضل هديه قبل أن يقف به بعرفة ثم وجده بمنى فقال: اختلف فيه قول مالك، فقال مرة: لا يجزئه وينحره ويهدى غيره. وقال مرة يجزئه نحره بمكة. وظاهر قول المصنف: (وَرَجَعَ عَنْهُ) أن الرجوع فى المسألتين، وإنما الرجوع فى الوجه الثانى.
قوله: (وَثَالِثُهَا) أى: فى المسألة قول الثالث لأشهب بالتفصيل؛ إن فاتت أيام النحر أجزأه نحره بمكة، وإن فات وقفه بعرفة لم يجزأه.
وَمَا فَاتَ وُقْفُهَا بِعَرَفَةَ أَخْرَجَ إِلَى الْحِلِّ مُطْلَقاً
هذا ظاهر؛ لأن كل هدى لابد فيه من الجمع بين الحل والحرم.
قوله: (مُطْلَقاً) أى من أى جهة كانت.
وَمَا جَدَّدَهُ بَعْدَهَا إِنْ كَانَ أَدْخَلَهُ مِنَ الْحِلِّ أَجْزَأَهُ، وَإِلا أَخْرَجَهُ ثُمَّ يَدْخُلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ حَلالاً فَإِنْ جَدَّدَهُ بَعْدَهَا غَيْرَ وَاجِبٍ فَلَهُ نَحْرُهُ بِغَيْرِ إِخْرَاجٍ
…
أى: أن ما أوجبه المحرم بعد عرفة فإن أدخله من الحل أجزأه؛ لحصول الجمع، وإن لم يدخله من الحل فلابد من الخروج به؛ ليحصل الجمع.
قوله: (وَلَوْ كَانَ حَلالاً) يحتكل ولو كان الفاعل حلالاً كما لو قتل بعد الإحلال صيداً فى الحرم، ويحتمل ولو كان المبعوث معه الهدى حلالاً وتكون فائدته أنه لا يشترط فى المبعوث معه أن يكون حراماً.
قوله: (فَإِنْ جَدَّدَهُ بَعْدَهَا غَيْرَ وَاجِبٍ) أى: كما لو قصد أن ينحره للمساكين، وليس المراد هدياً غير واجب؛ لأن الهدى مطلقاً –واجباً أو تطوعاً- لابد فيه من الجمع بين الحل والحرم. قال فى المدونة: ومن اشترى شاة يوم النحر أو بقرة أو بعيراً ولم يوقفه بعرفة ولم يخرجه إلى الحل فينوى به الهدى، وإنما أراد أن يضحى بذلك فليذبحها ضحوة وليست أضحية؛ لأن أهل منى ليس عليهم أضاحى، وكل شىء فى الحج هدى. ابن يونس: ولا هو هدى؛ لأنه لم بنو به الهدى ولا جمع له بين حل وحرم كالهدايا. التونسى: لأنه لما أراد التقرب بها ولم يرد أن تكون شاة لحم –أمر أن يتبع بها سنة الأضاحى مع كونها ليست بأضحية، وإلا فشاة لحم تذبح فى كل وقت، وهذا كله يبين لك أن مراد المصنف بقوله:(نَحْرُهُ بِغَيْرِ إِخْرَاجٍ) ما ذكرناه.
وَلا يُجْزِئُ مَا أوَقَفَهُ غَيْرُكَ إِلا مَا تُيَسِّرُهُ هَدْيَاً أَوْ يَضِلُّ مُقَلَّداً فَيَقِفُهُ غَيْرُكَ ثُمَّ تَجِدُهُ يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا لَوْ نَحَرَهُ قَبْلَ أَنْ تَجِدَهُ فِيهِمَا
…
لأن الوقوف به عبادة، وهى لا يكتفى فيها بفعل الغير. وشمل قوله:(غيرك) التجار ونحوهم. ولو كان إيقاف التجار صحيحاً لما أجاز لهم البيع.
قوله: (إِلا مَا تُيَسِّرُهُ) ظاهر.
قوله: (أَوْ يَضِلُّ مُقَلَّداً
…
إلخ). نحوه فى المدونة. ابن يونس: ولو وقفه الأجنبى عن نفسه. وتأولها غيره على أن الأجنبى لما وقف بالهدى الضال نوى به صاحبه وإلا لم يجزأه.
قوله: (كَمَا لَوْ نَحَرَهُ قَبْلَ أَنْ تَجِدَهُ فِيهِمَا) أى: فى المسير والضال بعد الوقوف فإنه لا يجزئه. قال جكاعة: ومن وجد بدنة ضالة فى ايام منى لم ينحرها إلا فى اليوم الثالث؛ إذ لعل ربها أن يأتى. فإذا خيف خروج أيام النحر نحرها عن ربها وأجزأته؛ لأنها
[219/أ] بالتقليد وجبت. اللخمى: وإن عجل النحر فى أول يوم أجزأه وإن وجده بعد ايام منى لم يعجل بالنحر إلا أن يخشى ضيعته أو سوء حفظه فينحره بمكة، وإن نحره عن نفسه عمداً أو خَطَأً فثالثها المشهور يُجْزِئُ فى الخطأ كما تقدم. ومذهب ابن القاسم الإجزاء هنا بخلاف الضحايا، وخالفه أشهب فى الهدى مع قوله فى الضحايا: إن صاحب الأضحية إن ضَمَّنَ ذابحها قيمتها أنها تجزىء عن الذابح، وصوبه ابن المواز وجعل ذلك بمنزلة من اشترى شاة للأضحية ثم ذبحها فاستحقها رجل بعد الذبح وأجاز البيع أنها تجزىء عن الذابح. التونسى: وهذا بين؛ لأن المشترى كان ضامناً، والمستحق إنما يجيز البيع الذى كان قبل الذبح. قال فى المدونة: ومن أوقف هديه بعرفة ثم ضل عنه فوجده رجل فنحره بمنى أجزاه. ابن يونس: قال يحيى: هذا إذا أوقفه ثم ضل منه غروب الشمس، وأما إن ضل منه قبل غروب الشمس ثم وجده بمنى فنحره بها لم يجزأه.
فرع:
قال فى الذخيرة: وفى الكتاب: إذا بعث بهدى تطوع مع رجل حرام، ثم خرج بعده حاجاً، فإن أدرك هديه لم ينحره حتى يحل، وإن لم يدركه فلا شىء عليه. وإن كان هذا الهدى قد ارتبط بإحرام الأول، فإن ذلك الحكم ينقطع كما لو أحصر الرسول وأمكن ربه الوصول، ولأن الأصل أقوى من الفرع، والموكل متمكن من نزع الوكيل.
سند: فلو كان الرسول دخل بحج، ثم دخل ربه بعمرة، قال فى الموازية: يؤخره حتى ينحره فى الحج؛ لأن النحر فى الحج أفضل من العمرة لجعل الشارع له زماناً معيناً، وما اعتنى الشرع به يكون أفضل. وإن سيق الهدى فى عمرة ودخل ربه بعمرة فأراد تأخيره حتى يحج من عامه، فقال مالك: لا يؤخره؛ لقوله تعالى: (وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (.
وَأَمَّا مَنِ اعْتَمَرَ وَسَاقَ هَدْياً مِنْ نَذْرٍ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ جَزَاءٍ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهُ بَعْدَ السَّعْيِ ثُمَّ يَحْلِقُ
نَزَّلُوا السعى فى العمرة منزلة الوقوف فى الحج.
قوله: (ثُمَّ يَحْلِقُ) أى: أن الحلق فى العمرة يكون بعد الذبح كالحج؛ لقوله تعالى: (وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (.
قوله: (يَنْحَرُهُ بَعْدَ السَّعْيِ) أى: بمكة، وكذا قال فى المدونة.
عياض: وإن نحره بمنىً أجزأه عند مالك. انتهى. وعنه: إن ساقه الرجل لعمرته فنحره بمنىً فلا يجزئه وإن أوقفهه بعرفة. قال: وجزاء الصيد إذا ساقه معه فى عمرته فلا ينحره إلا بمكة لا بمنى.
فَإِنْ أَخَّرَهُ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ حَيْضٍ صَارَ قَارِنَاً وَأَجْزَاَهُ لِقِرَانِهِ
أى: أن المعتمر إذا خشى إن تشاغل بعمل العمرة فاته الحج، وكذلك المعتمرة تخشى فوات للحيض – فإنهما يحرمان بالحج ويكونا قارنين. وليس مراد المصنف أن يبين حكم القرآن فإنه تقدم، وإنما مراده أن يبين حكم الهدى.
ابن عبد السلام: ويجب أن يعود الضمير من قوله: (أَجْزَاَهُ) على هدى التطوع خاصة لا على كل ما تقدم من النذر والجزاء ليوافق المنقول؛ لأن الهدى إذا وجب بالتقليد فلا يُجْزِئُ عما وجب بعد ذلك، على أن فى هدى التطوع نظر؛ لأنه لما قلد صار كالواجب لتعيينه بالتقليد، واعتذر بعضهم عن هذه والذى بعدها بأن الحج قد تجزىء بعض أفعاله بنية التطوع عن الواجب كما فى ناسى الإفاضة ثم طاف بعد ذلك تطوعاً، وفيه نظر؛ لأن من قال بالإجزاء إذا ترك واجباً وأتى بعده بتطوع يشبهه فى الصورة، فإنما رأى ذلك؛ لأن نيته عنده تستلزم نية الواجب، بخلاف من تطوع بأمر قبل حصول الواجب فإن نيته انعقدت قبل ذلك. وبعضهم بأنه مبنى على أن الهدى لا يجب بالتقليد والإشعار، وفيه نظر؛ لأنه خلاف المشهزر. وبعضهم بأنه مبنى على تقديم الكفارة قبل الحنث.
فَإِنْ أَخَرَ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالتَّمَتُّعِ أَجْزَأَهُ، وَثَالِثُهَا: إِنْ سَاقَهُ لِلتَّمَتُّعِ أَجْزَأَهُ
أى: إذا ساق هدياً تطوعاً فى عمرة ثم حج من عامه، فاختلف هل يُجْزئُ هدى التطوع عن هدى التمتع على ثلاثة أقوال. وتصورها من كلامه ظاهر، وينبغى أن يخرج من هذه الخلاف فى التى قبلها، ولا ينبغى عد الثالث خلافاً؛ لأن عبد الحق وغيره تأول القول بالإجزاء عليه، فقال: معنى مسألة المتمتع الذى أخر نحر هديه إلى يوم النحر- أنه
ساق الهدى؛ ليجعله عن تمتعه، فلما وجب بالتقليد والإشعار قبل أن يتعلق عليه الدم للمتعة حمله محمل التطوع فى أحد القولين، فلذلك لم يجزاه عما وجب عليه.
وقال مرة: يجزئه إن كان تطوع الحج يجزىء عن واجبه فى غير وجه، فكيف بهذا الذى لم يقصد التطوع وإنما قصد الواجب، وينبغى لو كان إنما ساقه على طريق التطوع لا للمتعة ألا يجزئه عن متعته على القولين والله أعلم.
وَأَمَّا النُّسُكُ فَلا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلا نَهَارٍ وَلا مَكَانٍ كَطَعَامِهَا وَصِيَامِهَا إِلا أَنْ يَجْعَلَهُ هَدْياً فَيَكُونَ مِثْلَهُ
…
المراد بالنسك: فدية الأذى، وعطف النهار على الزمان؛ لأنه قد يسبق للذهن من الزمان، الزمان الخاص، وهو أيام النحر. وما ذكره من جواز ذبح النسك ليلاً، نص عليه ابن المواز، قال: والنهار أولى. [219/ب]
قوله: (إِلا أَنْ يَجْعَلَهُ هَدْياً) ظاهر، ولأجل أن المراد بالنسك الفدية. قال: كطعامها وصيامها، ويجوز فيها غير الغنم كالهدى قاله أهل المذهب.
وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ أَوْ أُضْحِيَتَهُ غَيْرُهُ وَيُجْزِئُهُ، إِلا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَلا يُجْزِئُهُ، وَحَسُنَ أَنْ يَقُولَ مَعَ التَّسْمِيَةِ: اللهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ تَقَبَّل مِنْ فُلان
…
لأنه قربة. قوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْلِمٍ) هو المشهور خلافاً لأشهب وقد تقدم.
وقوله: (وَحَسُنَ أَنْ يَقُولَ) أى: المستناب. وقد ذكر المصنف فى الذبائح أن الذابح إن شاء قال: اللهم تقبل منى.
وَالأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ. وَالْمَعْدُودَاتُ، الثَّلاثَةُ بَعْدَهُ وَهِىَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ
…
سميت المعلومات؛ لأنها معلومة للذبح، والأخرى معدودات؛ لأن الجمار تعد فيها. وعلى هذا فاليوم الأول معلوم غير معدود، والرابع معدود غير معلوم. واليومان المتوسطان معلومان معدودان.