الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرع:
الباجي: والتأمين لازم بكل لسان فهمه المؤمن أم لا، إن أراد المؤمن التأمين، وحكم الإشارة حكم العبارة. وفروع هذا الباب كثيرة اقتصرنا منها على ما ذكره المصنف، وإن أحببت الوقوف عليها ففي النوادر.
وَيَجُوزُ أَخْذُ
الْجِزْيَةِ
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِجْمَاعاً، وفِي غَيْرِهِمْ مَشْهُورُهَا تُؤْخَذُ، وثَالِثُهَا: تُؤْخَذُ إِلا مِنْ مَجُوسِ الْعَرَبِ، ورَابِعُهَا: إِلا مِنْ قُرَيْشِ ....
ينبغي أن يفهم الجواز على معنى الإذن في الإقدام لا بمعنى الإباحة، فإن الكتابي إذا بذل الجزية بشرطها حرم قتاله، والكفار ثلاثة أصناف:
الأول: أهل الكتاب، وحكمهم أن الجزية تقبل منهم بالإجماع، نقل ذلك غير واحد.
والثاني: الحبشة والترك، وحكمهم أنهم يدعون إلى الإسلام، فإن أبوا فالمشهور جواز قتالهم، فقد أباح مالك في المدونة قتال الفزازنة وهم صنف من الحبشة، وأباح ابن القاسم غزو الترك. وحكى ابن شعبان عن مالك: لا تغزى الحبشة والترك. ابن القاسم: وأخبرني من أثق به من أهل المدينة عن حرملة بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتركوا الحبشة ما تركوكم". ونحوه ذكره ابن شعبان في الحبشة والترك. ومنشأ الخلاف أن من صحت عنده هذه الآثار خصص بها العمومات الدالة على قتال جميع الكفار، ومن لم تصح عنده أو حمل النهي عن قتالهم على الإرشاد- أي: أن قتال غيرهم في ذلك الزمان أولى- رأى أن قتالهم في هذا الزمان مباح.
والصنف الثالث: ما عدا ما ذكر من أهل الكفر، وحكى المصنف أربعة أقوال: المشهور: أنها تؤخذ من كل كافر يصح سباه، ولا يخرج من ذلك إلا المرتد. والقول بعدم الأخذ مطلقاً لابن الماجشون، ولا يفهم على عمومه كما هو ظاهر كلام المصنف، وابن بشير، فإنه لم يختلف في القبول من مجوس العجم، قاله صاحب المقدمات، والباجي وغيرهما؛ لما في الموطأ عنه صلى الله عليه وسلم قال:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب".
والثالث لابن وهب، نقله اللخمي وغيره. والقول الرابع لابن الجهم، وذكر الباجي أن ابن القصار نقل هذا القول عن مالك، وظاهر كلام المصنف: أن المذهب خلاف قول ابن الجهم، وأن في المذهب أربعة أقوال، وأن المشهور على إطلاقه، وعلى هذا الظاهر مشاه ابن راشد، وابن عبد السلام. وذكر المازري أن ظاهر المذهب كما شهره المصنف قال: وحكى المصنفون لمسائل الخلاف من أصحابنا وغيرهم أن مذهب مالك أنها تقبل إلا من كفار قريش، ونقل صاحب المقدمات الإجماع على أن كفار قريش لا تؤخذ منهم الجزية، وذكر أن ابن الجهم نقل الإجماع أيضاً، وكذلك مقتضى كلام المصنف أن المشهور أخذها من عبدة الأوثان. وذكر ابن عطية في تفسيره أن المنصوص في الوثني من العرب عدم أخذها منهم، وأنهم يقاتلون إلا أن يسلموا. قال: ويؤخذ مما في الخلاف أنها تؤخذ منهم احتمالاً لا نصاً. خليل: وفيه نظر، فإنه نص في الجلاب على أنها تؤخذم ن الوثني، وكذلك صاحب الكافي، وابن بشير وغيرهم؛ واختلف في تعليل عدم أخذها من كفار قريش، فعلله ابن الجهم بأنها لم تؤخذ منهم إكراماً لهم لمكانهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تؤخذ على وجه الصغار والذلة. وعلله القزويني بأن قريشاً أسلموا كلهم، فإن وجد منهم كافر فهو مرتد فلا تؤخذ منه.
المازري: وإن ثبتت الردة فلا يختلف في عدم أخذها منهم، وحكى الباجي والمازري عن ابن وهب أنه منع قبولها من العرب مطلقاً، فإن صح أنه اختلف قوله في ذلك، صار في المسألة خمسة أقوال، ومنشأ الخلاف النظر إلى قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ([التوبة: 29] هل هو كالشرط فلا تقبل من غيرهم، أو لا فتقبل؟
فائدة: يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "سنوا فيهم سنة أهل الكتاب". أن المجوس ليسوا أهل كتاب.
ابن بشير: ولا خلاف أنهم الآن ليس لهم كتاب، واختلف هل كان لهم كتاب فرفع أم لا؟
وتَلْزَمُ بِالنُّفْلَةِ إِلَى مَوْضِعٍ لا يُمْتَنَعُ فِيهِ عَنْهَا
يعني: أن من تمام كون الذمي من أهل الجزية أن يكون حيث تناله أحكامنا، ولا يمكن حيث يمكن أن ينقض العهد، فإن أبوا من الانتقال قوتلوا ولم يتركوا.
ولا تُؤْخَذُ إِلا مِنْ ذَكَرٍ حُرٍّ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُخَالِطٍ، ولا تُؤْخَذُ مِنِ امْرَآَةٍ ولا عَبْدٍ ولا مَجْنُونٍ ولا صَغِيرٍ ولا رَاهِبٍ، وفِيمَنْ تَرَهَّبَ بَعْدَ عَقْدِهَا قَوْلانِ.
حاصله: أنها لا تؤخذ إلا ممن اجتمعت فيه خمسة شروط، وتصور كلامه ظاهر. وقوله:(رَاهِبٍ) أي: راهب الصوامع [265/ ب] والديارات. وأما راهب الكنيسة فتؤخذ منه؛ لأنه يقتل، والأصل في هذا قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ([التوبة: 29] والضمير عائد على المقاتلي، وهؤلاء الخمسة لا يقاتلون.
أبو حنيفة: وتؤخذ منهم الجزية أول الحول حين العقد. وقال الشافعي: بل في آخره.
الباجي: ولم أر في ذلك نصاً لأصحابنا، والذي ظهر لي من مقاصدهم أنها تؤخذ آخره وهو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ لأنها حق يتعلق وجوبه بالحول فوجب أن تؤخذ في آخره كالزكاة. قال صاحب المقدمات: ونقل عن بعض الأصحاب أنه قصرها على جزية العنوة، ورأى أن الصحيح في الصلح أن تؤخذ معجلة؛ لأنها عوض عن تأمينهم وحقن دمائهم، ورده عليه ورأى أنه لا فرق في ذلك.
وقوله: (وفِيمَنْ تَرَهَّبَ بَعْدَ عَقْدِهَا قَوْلانِ) القول الأول بعدم زوالها بالترهيب نقله اللخمي عن مطرف، وابن الماجشون. والقول بالسقوط نسبه في البيان لابن القاسم، ووجهه أن الحكم في الأصل دائر مع الرهبانية وجوداً وعدماً.
فرع:
يجوز أخذ الجزية في جميع البلاد إلا في جزيرة العرب؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يبقين دينان في جزيرة العرب". وهي مكة، والمدينة، واليمن. وفي رواية عيسى بن دينار: وروى ابن حبيب من أقصى عدن وما والاها من أرض اليمن كلها إلى ريف العراق في الطول. وأما العرض: فمن جدة وما ولاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام ومصر في المغرب. وفي المشرق: ما بين يثرب إلى منقطع السماوة، ولا يمنعون من الاجتياز بها. واختلف في العبيد، فقال عيسى: يخرجون كالأحرار، قيل له: فما بال أبي لؤلؤة؟ فقال: قد أراد عمر إخراجه مع من أخرج حتى طلبه غيره بأن يقره لعلمه.
وقال ابن مزين: لا يخرج العبيد، قال: وإنما كره عمر- رضي الله عنه أبا لؤلؤة ونحوه لغوائلهم.
ولَا مِنْ حُرٍّ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ، بِخِلافِ مَنْ أَعْتَقَهُ ذِمِّيٌّ
حاصله: أن المعتق يعطى حكم من أعتقه، وهذا قول ابن القاسم في المدونة، وأسقطها أشهب عن معتق الكافر أيضاً تبعاً لحالته الأولى، فإنه كان ليس من أهل الجزية، وتوقف مالك في الموازية في معتق الكافر. وقال ابن حبيب في النصراني يعتقه مسلم: قد اختلف فيه، وأحب إلي أن تؤخذ منهم الجزية صغاراً لهم، وعلى هذا فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: ثالثها المشهور إن كان المعتق مسلماً فلا شيء عليه، وإن كان كافراً فعليه تبعاً لسيده.
ابن عبد السلام: وقد يقال في هذه التبعية نظر؛ فإن غاية أمر الولاء أن يكون كالنسب، والانتساب للمسلم غير مانع من أخذها. قال في المقدمات بعد أن ذكر الثلاثة الأقوال: وهذا الاختلاف إنما هو إذا أعتق في بلاد الإسلام، وأما إن أعتق في دار الحرب فعليه الجزية على كل حال.
وفِي أَخْذِهَا مِنَ الْفَقِيرِ قَوْلانِ
ابن عبد السلام: المشهور من القولين السقوط، لكن بتدريج فتؤخذ من الفقير الذي يجد من أين يؤديها ولا كبير إجحاف عليه، وتسقط عمن لا يقدر عليها ولا على شيء منها ولا يطلب بها بعد غناه، وتخفف عمن حاله بين هذين على حسب نظر الإمام. وفي الكافي: وتؤخذ من فقرائهم بقدر ما يحتملون ولو درهم وإلى هذا رجع مالك، ومن بلغ منهم أخذت منه الجزية عند بلوغه ولا ينتظر به الحول.
وقال ابن حبيب في الواضحة: لا تؤخذ الجزية من الفقير. اللخمي: وهو أحسن، وفي المقدمات: ولا تنقص عن الفقير لفقره إذا كانت له قوة على احتمالها، واختلف إن ضعف عن حمل جملتها؛ فقيل: إنها توضع عنه وهو الظاهر من قول ابن القاسم، وقيل: قد يحمل منها بقدر احتماله. قال القاضي أبو الحسن: ولا حد لذلك. وقد قيل: إن حد أقل الجزية دينار أو عشرة دراهم.
وهِي أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وأَرْبَعُونَ دِرْهَماً مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ
لا يزاد على ذلك وإن كثر يسرهم على المشهور. ونقل في الكافي قولاً أنه يزاد على من قوي على ذلك. مالك في الموازية: ويوضع عن أهل الجزية ما كان قدره عمر- رضي الله تعالى عنه- عليهم من ضيافة ثلاثة أيام وأرزاق المسلمين؛ لما أحدث عليهم من الجور. وقال في المقدمات: معنى ذلك أنه لا يسوغ لأحد ممن مر بهم أن يأخذ ضيافتهم إذا علم أنه لم يوف لهم بالعهد. الباجي: وقول مالك يدل على أن ذلك لازم مع الوفاء بما عوهدوا عليه.
تنبيه:
وهذا كله إنما هو في الجزية العنوية؛ وأما الصلحية فلا حد لها إلا بحسب ما تقرر عليهم من قليل أو كثير، قاله ابن حبيب وغيره. قال في المقدمات: وفيه نظر، والصحيح
أنه لا حد لأكثرها، وأقلها ما فرض عمر. انتهى. فيكون أقلها أربعة دنانير أو أربعون درهماً، ثم ذكر أنها إذا وقعت مبهمة حملت على الجزية العنوية.
وفِي [266/ أ] التَّخْفِيفِ عَمَّنْ دُونَ الْمَلِيءِ قَوْلانِ
القول بالتخفيف لمالك وأصبغ، ومقابله لابن القاسم.
ومَنْ أَسْلَمَ سَقَطَ مَا عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَوْ سِنُونَ، كَمَا يَسْقُطُ الْمَالُ الَّذِي هُودِنَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحُصُونِ إِذَا أَسْلَمُوا ....
تصور كلامه ظاهر؛ ونبه على خلاف الشافعي، فإنه قال بعدم السقوط بالإسلام؛ ووجه مذهبنا: أن الله قرن أخذها بالذلة والصغار وذلك غير ممكن بعد الإسلام.
مالك: وبلغين أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله أن يضعوا الجزية عمن اسلم من أهل الجزية حين يسلمون. مالك: وهي السنة التي لا اختلاف فيها؛ ولما في ذلك من التأليف على الإسلام. وقوله: (هُودِنَ) أي: صولح.
ويَسْقُطُ عَنْ أَهْلِ الصُّلْحِ بِالإِسْلامِ الْجِزْيَةُ عَنْهُ وعَنْ أَرْضِهِ ودَارِهِ
أهل الصلح: قوم من الكفار حموا بلادهم حتى صولحوا على شيء يعطونه من أموالهم، فما صولحوا على بقائه بأيديهم فهو مال صلح أرضاً كان أو غيرها، وما صولحوا به أو أعطوه عن إقرارهم في بلادهم أو تأمينهم أرضاً كان أو غيرها، فإنه ليس بمال صلح، قاله الباجي. وروى ابن حبيب أن الجزية الصلحية جزيتان؛ أولاهما: أن تكون عن الجماجم. والثانية: أن تكون على جملتهم، فإن كانت على الجماجم، فهذه الجزية تزيد بزيادتهم وتنقص بنقصانهم، ويبرأ من أداها وإن لم يؤد غيره شيئاً، وإن كانت عن جملتهم فلا يزاد على ذلك بزيادتهم ولا ينقص منها لنقصانهم، ولا يبرأ أحد منهم إلا بأداء الجميع؛ لأنهم حملاء؛ وجعل صاحب المقدمات الجزية الصلحية ثلاثة أوجه:
الأول: أن تكون الجزية مجملة عليهم.
والثاني: أن تكون مفرقة على رقابهم دون الأرض.
والثالث: أن تكون مفرقة على رقابهم وأرضهم، أو على أرضهم دون رقابهم، مثل أن يقول: على كل رأس كذا وكذا، وعلى كل زيتونة كذا وكذا. قال: ولكل وجه من هذه الوجه أحكام تخصه. فأما إذا كانت الجزية مجملة عليهم: فذهب ابن حبيب إلى أن الأرض موقوفة للجزية لا تباع، ولا تقسم، ولا تورث، ولا تكون لهم إن أسلموا عليها، وأن مال من مات منهم لورثته من أهل دينه، إلا أن لا يكون له ورثة من أهل دينه فيكون للمسلمين. وذهب ابن القاسم إلى أن أرضهم بمنزلة ما لهم يبيعونها ويورثونها ويقتسمونها وتكون لهم إن أسلموا عليها، وإن مات منهم ميت ولا وارث له فأرضه وماله لأهل مواده، ولا يمنعون من الوصايا وإن أحاطت بأموالهم، إذ لا ينقصون من الجزية شيئاً بموت من مات منهم.
خليل: يريد بهذا الوجه: أن الصلح وقع مجملاً على البلد بما حوت من أرض ورقاب من غير تفصيل بما يخص كل واحد، وأما لو وقعت مجملة على الرقاب دون البلد، فنص ابن حبيب على أن لهم بيع الأرض وأنها تورث عنهم كما لو كانت مفصلة على الجماجم، نقله ابن يونس عنه. وعلى هذا فتصير أربعة أوجه؛ قال: وأما إن كانت الجزية مفرقة على رقابهم، فلا اختلاف أن لهم أرضهم ومالهم يبيعون ويورثون وتكون لهم إن أسلموا عليها، ومن مات منهم ولا وارث له من أهل دينه فأرضه وماله للمسلمين، ولا تجوز وصيته إلا في ثلث ماله. وأما إن كانت الجزية مفرقة على الجماجم والأرض، أو على الأرض دون الجماجم، فاختلفوا في جواز بيع الأرض على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن البيع لا يجوز، وهي رواية ابن نافع عن مالك.
والثاني: أن البيع جائز ويكون الخراج على البائع، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها.
والثالث: أن البيع جائز ويكون الخراج على المبتاع ما لم يسلم البائع، وهو مذهب أشهب، وقوله في المدونة، ولا اختلاف أنها تكون لهم إن أسلموا عليها، وأنهم يرثونها بمنزلة سائر أموالهم وقرابتهم من أهل دينهم، أو المسلمون إن لم تكن لهم قرابة من أهل دينهم.
وتَسْقُطُ عَنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ الْجِزْيَةُ فَقَطْ؛ لأَنََّ مَا بِيَدِهِ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ لِلْمُسْلِمِينَ.
أما سقوط الجزية، فواضح لما ذكرنا؛ وأما الأرض فإنها للمسلمين؛ لأنها لم تقر بيده إلا ليعمل فيها ويكون ذلك إعانة له على أداء الجزية. الباجي: والعنوة: الغلبة.
وأَمَّا غَيْرُهَا مِمَّا تُرِكَ بِيَدِه ِفَالْمَشْهُورُ لَهُ
يعني: غير الأرض من الرقيق والحيوان والعروض، وما ذكره المصنف هنا ينبني على فرع آخر، وذلك إذا اختلف في أهل العنوة إذا أقرت بأيديهم الأرض؛ فقيل: هم عبيد للمسلمين، وعليه فلا يكونون أحراراً بإسلامهم، ولا يملكون بإسلامهم مما بأيديهم شيئاً؛ وقيل: هم أحرار، فعلى هذا يأتي المشهور الذي ذكره المصنف: أنهم إذا أسلموا تكون لهم أموالهم، لكن لم أر من خرج بمشهوريته، وإنما حكاه الباجي وغيره عن ابن حبيب. والشاذ في كلام المصنف هو مذهب ابن القاسم. واعلم أن هذين القولين مطلقان فيما كان بأيديهم يوم الفتح وفيما اكتسبوه بعد ذلك. ولابن المواز ثالث: أنهم يملكون ما اكتسبوه بعد الفتح لا ما كان موجوداً يوم الفتح.
ابن رشد: وهو استحسان على غير قياس. ويشهد لتشهير المصنف ما قاله صاحب البيان، وابن زرقون: أن ظاهر المدونة في باب [266/ ب] الهبة لا يمنع أهل العنوة من الهبة والصدقة، إذ لم يفرق بين أهل العنوة والصلح، خلافاً لابن حبيب الذي منعهم من الهبة والصدقة وجعلهم كالعبد المأذون له في التجارة. الباجي: ويكون على قول ابن المواز أن لهم هبة ما اكتسبوه بعد الفتح فقط.
والْمَوْتُ كَذَلِكَ
أي: حكم موته حكم إسلامه فيما ذكر في ارض الصلح والعنوة وغيرها.
فرع: وكيف نعلم ورثتهم ونحن لا نعلم مواريثهم. وروى يحيى عن ابن القاسم: أن ذلك راجع إلى أهل دينهم وأساقفتهم، فمن قالوا: يرثه من ذي رحم أو غيره من رجل أو امرأة سلم ذلك إليه، وإن قالوأ: لا وارث له فميراثه للمسلمين. ووجه ذلك: أن طريقه الخبر عما ينفردون به من العلم، فيقبل قولهم عما يعلمونه من الأدواء وترجمتهم عن الألسنة التي لا نعرفها، قاله الباجي. ابن راشد: وأما العنوي فإن كان له وارث ورثه ويسأل عن ذلك أساقفتهم، وإن لم يكن له وارث فماله لبيت المال. والله أعلم.
ولَوْ قَدِمَ حَرْبِيٌّ فَأَرَادَ الإِقَامَةَ نَظَرَ السُّلْطَانُ، فَإِنْ ضَرَبَهَا ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ، فَفِي تَمْكِينِهِ قَوْلانِ ..
قد تقدم أن الحربي إذا بذل الجزية بشرطها حرم قتاله، وعلى هذا فإنما يكون نظر السلطان هنا لأجل أنه قد لا يكون قصده الإقامة عندنا على الحقيقة، بل احتمل أن يكون جاسوساً ونحو ذلك. وقوله:(فَإِنْ ضَرَبَهَا) القول بتمكينه من الرجوع لمالك في الموازية، واستحسنه ابن القاسم. وقال محمد: إذا اختار الجزية واستلزمها الجزية لم يمكن من الرجوع، والأظهر أن الخلاف مبني على أنه يخشى منه أن يدل على عورة المسلمين أم لا. وأما إن تحقق ذلك فيمنع بلا إشكال، والأظهر المنع مطلقاً.
محمد: ولو أراد المسير إلى بلد آخر من بلاد المسلمين وتضرب عليه الجزية فيه لم يمنع.
وَمَنْ سَافَرَ فِي قُطْرِهِ الَّذِي صُولِحَ عَلَيْهِ فَلا عَزْمَ عَلَيْهِ، وإِنْ سَافَرَ إِلَى غَيْرِهِ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ مِمَّا بَاعَ بِهِ أَوِ اشْتَرَاهُ. وقِيلَ: وإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لِحَقِّ الانْتِفَاعِ أَوِ الْوُصُولِ .....
ليس القطر عبارة عن مملكة ملك، فإن الملك الواحد قد يملك قطرين فأكثر كملك مصر، فإنه يملك الشام والحجاز وكل منهما قطر منفرد، وحاصل كلامه أن تجار الكفار
على ضربين: مستأمن وسيأتي حكمه، وذمي وهو إن سافر في قطره الذي يؤدي فيه الجزية فلا يؤخذ منه شيء، وفي غيره يؤخذ منه العشر، وهذا هو المشهور. وقال محمد ابن عبد الحكم: لا يؤخذ منهم شيء إلا بمكة أو المدينة خاصة، حيث أخذ منهم عمر- رضي الله عنه وهل لا يؤخذ منهم العشر إلا أن باعوا أو اشتروا، وإليه ذهب مالك، وابن القاسم، وأشهب وهو المشهور، أو يؤخذ منهم وإن لم يبيعوا ويكون المسلمون شركاء لهم فيما بأيديهم، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكاه عن مالك وأصحابه المدنيين. ومنشأ الخلاف ما ذكره المصنف، ويبني عليه لو أراد الذمي الرجوع بعد وصوله وقبل بيعه، فعلى المشهور لا شيء عليه.
فرع: واختلف في الذمي إذا رجع من غير قطره إلى قطره، فقال مالك في المجموعة: يؤخذ منه، وقال في مختصر ابن عبد الحكم: لا يؤخذ منه شيء.
وحُرُّهُمْ وعَبْدُهُمْ سَوَاءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، لا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ رَقِيقِهِمْ فِي اسْتِخْدَامٍ أَوْ وطْءٍ، وعَلَيْهِ لا يُؤْخَذُ فِي تِبْرٍ يَضْرِبُونَهُ إِلا أُجْرَةَ عُشْرِهِ .....
اشتراك الحر والعبد في ذلك ظاهر، لأنه إنما أخذ لحق الانتفاع أو الوصول؛ وذلك مشترك فيما قاله في المدونة؛ ولو قدم الذمي مائة مرة فإنه يؤخذ منه، و (عَلَى الْمَشْهُورِ) أي: في أنه لا شركة لأحد معهم، فإنه لا يحال بينه وبين إمائه، وله وطؤهن واستخدامهن، وكذا قال ابن القاسم، وقال ابن حبيب: لا يمكن من ذلك؛ لأن المسلمين شركاؤه. وعلى الخلاف فإذا قدموا بتبر يضربونه دنانير أو صاغوا حلياً لم يؤخذ منه إلا عشر الأجرة؛ ووقع هنا نسختان؛ إحداهما: الأجرة عشر. والثانية: إلا عشر أجرته، وكلاهما بمعنى؛ لأن عشر الأجرة أجرة العشر. وعلى قول ابن حبيب يؤخذ منهم عشر التبر، وإذا قدموا بغزل نسجوه بأيديهم أو تبر فضربوه أيضاً بأيديهم فلا شيء عليهم، ونص عليه ابن المواز. وهكذا ينبغي لهم ذلك بهبة من غير ثواب، والظاهر أنهم إن أثابوا عليها أن حكم ذلك حكم الأجرة.
ابن عبد السلام: وظاهر كلام المصنف وهو المنصوص لغيره، أن المأخوذ هنا إنما هو عشر الإجارة، والتحقيق على قول ابن القاسم أنه يؤخذ منهم عشر العمل؛ لأنه عوض عشر الدراهم، فحق الإمام أن يأتي بعشر تبرهم أو غزلهم فيكلفهم الاستئجار عليه.
فرع: ابن عبد السلام: ولا يسقط هذا العشر بدين يكون على الذمي؛ لأنهم أسقطوه بدين المسلم يكون عليه، وشرطوا في دين المسلم قيام البينة على صحته، ولا يقبل قول الذمي فيه كما يقبل قول المسلم في المشهور. انتهى.
وَلَوْ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ سِلَعاً أُخِذَ عُشْرُ السِّلَعِ لا عُشْرُ قِيمَتِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ
لا خصوصية في فرض هذه المسألة في العين، بل وكذلك لو قدموا بسلع؛ ولا إشكال على قول ابن حبيب أن عليهم عشر ما قدموا به، وإنما الخلاف هنا مبني على المشهور، والمشهور هو نص المدونة، [267/ أ] قال فيها: ولو قدم بعين فاشترى به سلعة أخذ منه عشر تلك السلعة مكانه، ونقلها أبو محمد: أخذ منه عشر قيمة تلك السلعة، وهذا هو مقابل المشهور عند المصنف، وقد تقدم أن مثل هذا لا ينبغي أن يعد خلافاً. ابن يونس: قال بعض شيوخنا: إن كانت السلعة تنقسم أخذ منه عشرها، وإن كانت لا تنقسم أخذ منه تسع قيمتها؛ وذلك أن لنا عشر السلعة بعينها، فإذا أعطانا قيمة العشر صار كأنه اشترى سلعة ثانية منا فلنا أيضاً عشرها، فإذا أعطانا أيضاً قيمة العشر، صار كسلعة ثالثة اشتارها منا، ثم كذلك حتى يدق العشر- فلا يعلم قدره إلا الله تعالى- فيؤخذ منه التسع في أول مرة، وهو الحق الذي لا شك فيه. انتهى. وأنكر بعضهم هذا القول ورأى أنه يلزم في التسع ما يلزم في العشر.
الباجي: واختلف أصحابنا المغاربة إذا بنينا على أخذ العشر، فقال بعضهم: إن كان ما صار لهم ينقسم أخذ منه العشر، وإن كان لا ينقسم أخذ منه ثمن العشر. وقال بعضهم: تؤخذ منه القيمة على كل حال، وإن كان مما ينقسم أو يكال أو يوزن.
فرع: فإن استحق المشترى أو رد بعيب، ففي كتاب ابن سحنون: يرجع عشره، وهو في الاستحقاق ظاهر. وأما في الرد بالعيب فصحيح على رأي المتأخرين أن الرد بالعيب نقض للبيع من أصله، وأما على القول بأنه ابتداء بيع فهو مما ينظر فيه.
ويُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرُ غَلَّةِ دَوَابِّهِ وغَيْرِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ. وفِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ ثَلاثَةُ: مَشْهُورُهَا فِيمَا عَقَدَ فِي غَيْرِ قُطْرِهِ فَقَطْ وبِالْعَكْسِ، ومِقْدَارِ سَيْرِهِ فِي قُطْرِ غَيْرِهِ
غيرها كالسفن، والمشهور مذهب المدونة، والشاذ لأشهب وابن نافع: لا شيء عليه في ذلك، بناءً على أن هذا ملحق بالتجارة أم لا. وعلى المشهور اعتبار محل العقد، فإن عقد في قطره إلى قطر غيره لم يؤخذ منه شيء، وبالعكس يؤخذ منه، والعكس لابن حبيب.
اللخمي: ويختلف على هذا إذا أسلم في سلعة ليقبضها في غير بلده، هل يراعى موضع العقد أو موضع القبض، وقيل: يفرض الكراء على مجموع سيره في قطره وقطر غيره، فما ناب قطره سقط عشره، وما ناب غيره أخذ عشره، وفي الجلاب عن ابن المواز: يؤخذ العشر سواء أكرى ببلده أو بغير بلده.
وفِي الاقْتِصَارِ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ فِيمَا يَجْلِبُ مِنَ الطََّعَامِ إِلَى مَكََّةَ والْمَدِينَةِ قَوْلانِ
في قوله: (الطََّعَامِ) إطلاق وليس المراد عموم الطعام، بل المراد الحنطة والزيت خاصة، صرح به ابن الجلاب وصاحب الكافي. والقول بنصف العشر رواه ابن نافع عن مالك، وهو الذي في الجلاب والرسالة. والقول بالعشر لمالك أيضاً، وقد أغنى الله مكة والمدينة بالمسلمين. ابن الجلاب: ويخفف عنهم في قرى مكة والمدينة كما يخفف عنهم فيهما، ويؤخذ منهم في ذلك العشر كاملاً فيما حملوه من البز والعروض والقطاني وسائر التجارات سوى الحنطة والزيت.
وأَمَّا الْمُعَاهَدُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ، فَالْمَشْهُورُ اجْتِهَادُ الإِمَامِ، فَلَهُ أَنْ يَاخُذَ وإِنْ لَمْ يَبِيعُوا، وقِيلَ: كَالذِّمِّيِّ .....
المعاهد: هو الحربي إذا قدم إلينا بعهد؛ أي: بأمان. ولا شك أنه إن قدر عليه شيء أنه يؤخذ منه ولا يزاد عليه. ابن راشد: ونقل بعضهم في ذلك الاتفاق، وإن لم يقدر شيء فذكر المصنف أن المشهور في ذلك اجتهاد الإمام؛ أي: فيما يؤخذ منهم؛ أعني: فيما ينزلون عليه. وأما إن نزلوا مبهماً فيتعين أخذ العشر، نص عليه في الرسالة، والجلاب وغيرهما.
وفي المدونة: وأهل الحرب إذا نزلوا بتجارة أخذ منهم ما صولحوا عليه، وقاله ابن نافع، وروى علي بن زياد عن مالك أن عليهم العشر. قال في البيان: واختلاف رواية ابن القاسم ورواية علي إنما هو في الابتداء هل ينزلون على العشر أو مبهماً؟ فابن القاسم أجاز أن ينزلوا على أقل من العشر أو مبهماً، وعلى لم يجز أن ينزلوا على أقل من العشر، وإذا نزلوا مبهماً اتفقت الروايات على أخذ العشر.
قال صاحب تهذيب الطالب: ظاهر رواية ابن زياد أن ذلك سواء نزلوا مبهماً أم لا، وهم كأهل الذمة وقد بينه في المجموعة، ونصها على ما قال مالك: ويؤخذ من تجار أهل الحرب العشر مثل ما يؤخذ من تجار أهل الذمة.
عبد الحق: وهذا يبطل تأويل من تأول أن الذي وقع في المدونة معناه إذا نزلوا مبهماً.
ابن القاسم في المجموعة: وإذا نزلوا على دراهم أو دنانير لم يحل بينهم وبين رقيقهم. مالك: ولو كان على العشر حيل بينهم وبين وطء الإماء حتى يبيعوا. وقال ابن حبيب: وللوالي أن يقاسمهم فيما قدوا به، وإن كان مما لا ينقسم بيع كله وأخذ الوالي جزأه وخلى لهم البقية، إن شاءوا باعوا هنا أو رجعوا به. وقال مالك في الموازية: ليس للوالي مقاسمتهم رقيقاً ولا غيره حتى يبيعوا، قال فيها وفي المجموعة: فإن لم يبيعوا ورجعوا فليؤدوا العشر ويصنعوا ما شاءوا، ثم حيثما نزلوا من بلاد الإسلام فلا يؤخذ منهم شيء، إلا أن يشترط
عليهم شرط فيعمل عليه، وإلى ما في الموازية: أنهم إن لم يبيعوا أخذ منهم العشر [267/ ب] أشار المصنف بقوله: (فَلَهُ أَنْ يَاخُذَ وإِنْ لَمْ يَبِيعُوا) لكن في قوله: (أن يأخذ) نظر؛ لأن ظاهره أن له الترك وهو خلاف لما في الموازية، وكذلك قال أبو الحسن: ظاهر المدونة أن أهل الحرب يؤخذ منهم العشر باعوا أو لم يبيعوا، والقول بأنه لا يؤخذ منهم حتى يبيعوا كالذميين لأشهب.
فرعان:
الأول: إذا دخل أهل الحرب إلينا فباعوا واشتروا ثم مضوا إلى بلد آخر من بلاد المسلمين فباعوا واشتروا، فلا يؤخذ منهم تارة أخرى بخلاف أهل الذمة. قال في النكت والفروق: إن أهل الحرب قد حصل لهم الأمان ما داموا في أرض المسلمين وجميع بلاد الإسلام كبلد واحد، وأما أهل الذمة فإنما يؤخذ منهم لانتفاعهم؛ إذ هم غير ممنوعين من بلادنا، فكلما تكرر نفعهم تكرر الأخذ منهم.
الثاني: قال أصبغ: لا أرى أن يتركوا يدورون في سواحل الإسلام لبيع أو شراء إلا الموضع الذي نزلوه وإن لم يبيعوا؛ لأن ذلك عورة وتفتيش لموضع العورة، ولا ينبغي أن ينزلوا إلا في الموضع المجتمع الذي تؤمن عورتهم فيه، ولا يدورون أزقة موضع نزلوا فيه إلا الأسواق والطريق الواضحة لحوائجهم.
ولا يُمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِ خَمْرٍ لِمُسْلِمٍ، والْمَشْهُورُ تَمْكِينُهُمْ لِغَيْرِهِ
أي: لغير المسلم، وكذلك قال ابن بشير، قال: ويمكن أن يخرج الخلاف على أنهم مخاطبون فلا نمكنهم أو لا فنمكنهم. مالك في المجموعة: وإن خيف من خيانتهم في بيع الخمر ونحوه جعل عليهم أمين. ابن نافع: وذلك إذا جلبوا لأهل الذمة لا إلى أمصار المسلمين التي لا ذمة فيها. اللخمي: وقال ابن شعبان: لا يجوز الوفاء بذلك ولا النزول على مثل هذا، وتهرق الخمر وتعرقب الخنازير، وإن نزلوا على ذلك وهم بحدثان نزولهم
قيل لهم: إن شئتم فعلنا ذلك وإلا فارجعوا وإن طال مكثهم فعل ذلك وإن كرهوا. انتهى. والشاذ في كلام المصنف هو قول ابن شعبان، وعزاه في الجواهر لابن حبيب.
ابن عبد السلام: وظاهر كلام المصنف أنهم يمكنون من القدوم بالخمر ابتداءً، لأن التمكين من البيع فرع عن التمكين من النزول، وظاهر الروايات خلاف ذلك.
خليل: والظاهر هنا الشاذ، وهو الجاري على قاعدة المذهب من سد الذرائع، وقد تحققت المفسدة في الإسكندرية أسال الله أن يزيلها منها ومن كل موضع شاركها في هذا المعنى.
والْمُسْتَامَنُ بِمَالٍ يَمُوتُ إِنْ كَانَ عَلَى الإِقَامَةِ فَمَالُهُ فَيْءٌ، إِلا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ وَرَثَتُهُ، وإَنْ كَانَ عَلَى التَّخْبِيرِ رُدَّ مَعَ دِيَتِهِ إِنْ قُتِلَ، وفِي رَدِّهِ إِلَى وَرَثَتِهِ أَوْ إِلَى حُكََّامِهِمْ قَوْلانِ، وإِنْ كَانَ مُطْلَقاً ولا عَادَة فَفِي تَعْيينِ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ قَوْلانِ
أطلق المصنف المستأمن على الحربي الآتي إلينا وإن أتى على الإقامة، والغالب في اصطلاحهم إنما يطلقونه على من أتى طالباً الأمان لأم ثم يذهب، وذكر أن للقادم أحوالاً ثلاثة:
الأولى: أن ينزل على الإقامة، وحكمه فيها حكم سائر أهل الذمة، وإن كان معه ورثته ورثوه، وإلا فلبيت المال.
الثانية: أن يقدم لأمر ثم يعود، وهو مراده بقوله:(عَلَى التَّخْبِيرِ) وحكمه أنه لا حق للمسلمين في ماله إن مات، ولا في ديته إن قتل، بل يبعث بجميع ذلك إلى بلاده. ابن المواز: وديته كدية الذمي، وقيل غير ذلك. ومذهب المدونة: أنه يبعث إلى ورثته، ففيها: وإذا مات عندنا حربي مستأمن وترك مالاً أو قتل فماله وديته يدفع إلى من يرثه ببلده ويعتق قاتله رقبة. وقال غيره: يدفع ماله وديته إلى حكامهم، والغير هو سحنون. ونقل ابن أبي زيد كلام الغير: تدفع قيمة ديته إلى حكامهم وماله إلى ورثته، والأكثرون ذهبوا إلى أن قول الغير مخالف لقول ابن القاسم، وذهب أبو عمران إلى أنه وفاق، وأن قول ابن
القاسم محمول على ما إذا علمت بينة مسلمون ورثته وعددهم، وقول الغير محمول على عدم العلم، وهذا الذي قاله أبو عمران إنما يتم على النقل الأول لا على نقل الشيخ أبي محمد فتأمله. ابن حبيب: وإن ظهرنا على ورثته فماله فيء لذلك الجيش الذي ظهروا عليه.
الحالة الثالثة: أن يقدم من غير تنصيص على إقامة ولا رجوع، وإليه أشار بقوله:(وإِنْ كَانَ مُطْلَقاً ولا عَادَة) يعني: لا عادة لهم في المكث والرجوع، وهو إشارة إلى ما نص عليه سحنون: إن كان أكثر المستأمنين بذلك البلد إنما هو على المقام، فميراثه للمسلمين ولم يكن لهذا أن يرجع، وإن كان شأنهم الرجوع فله الرجوع، وميراثه إن مات يرد لورثته، إلا أن تطول إقامته عندنا فليس له أن يرجع ولا يرد ميراثه، وإذا لم يعرف حالهم ولا ذكروا رجوعاً فميراثه للمسلمين، والقول الآخر ذكره جماعة ولم ينسبوه.
ولَوْ تَرَكَ الْمُسْتَامَنُ ودِيعَةً فَهِيَ لَهُ
يعني: وذهب إلى بلده، فإنها له وترد له أو لورثته؛ لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا (.
فَإِنْ قُتِلَ أَوْ أُسِرَ، فَثَالِثُهَا: إِنْ قُتِلَ كَانَتْ فَيْئاً، ورَابعُهَا: عَكْسُهُ
يعني: فإن حارب المسلمين فقتل أو أسر والويعة عندنا، فأربعة أقوال، وقد حكاها ابن بشير:
الأول: أنها في الوجهين كما لو كانت معه؛ ولأن ماله لا تزيد حرمته على حرمته هو. الثاني: أنها ترد إلى ورثته وتبقى له إن أسر وفاء بالعهد. الثالث: إن قتل فهي [268/ أ] فيء، وإن أسر فهي له. والرابع: أنها تبع لرقبته، فإن أسر كانت فيئاً، وإن قتل ردت إلى ورثته.
وقول ابن عبد السلام، والقول الثاني: ترد إلى ورثته في الوجهين ليس بظاهر؛ إذ لا يمكن أن يقال: يردها إلى ورثته مع بقائه، ووجود الأقوال هكذا منسوبة لقائلها عزيز
وفي ابن يونس قولان؛ الأول لابن القاسم، وأصبغ في الموازية: أنها ترد لورثته إن مات أو قتل في المعركة، وإن أسر ثم قتل فهي فيء لمن أسره وقتله؛ لأنهم ملكوا رقبته قبل قتله. والثاني لابن حبيب: إن أسر ثم قتل فهي لمن أسره وقتله، وأما إن قتل في المعركة فهي فيء لا خمس فيها؛ لأنها لم يوجف عليها، وقاله ابن الماجشون، وابن القاسم، وأصبغ.
الأَمْوَالُ: غَنِيمَةٌ، وفَيْءٌ. فَالْغَنِيمَةُ: مَا قُوتِلُوا عَلَيْهِ. والْفَيْءُ: مَا لَمْ يُوْجَفْ عَلَيْهِ
يعني: أن أموال الكفار المأخوذة منهم قسمان: غنيمة، وفيء. فالغنيمة: ما قوتلوا عليه؛ أي: أخذ بسبب قتال، وليس مراده بأنهم قوتلوا لأجل المال؛ لأن ذلك يمنع من الشهادة في سبيل الله فكيف تفسر به الغنيمة. والفيء: ما أخذ بغير قتال، وإليه أشار بقوله:(مَا لَمْ يُوْجَفْ عَلَيْهِ) ولعله إنما عدل عن حقيقة المقاتلة بأن يقول: والفيء ما لم يقاتلوا عليه تبركاً بالآية، وهي قوله تعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ([الحشر: 6] يقال: وجف الشيء إذا اضطرب.
وتُخَمَّسُ الْغَنِيمَةُ، وَخُمُسُهَا كَالْفَيْءِ، والْجِزْيَةِ، والْخَرَاج
تخمس الغنيمة؛ لقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ ([الأنفال: 41].
وقوله: (كَالْفَيْءِ، والْجِزْيَةِ، والْخَرَاج) تشبيه ليفيد الحكم في الجميع. وقوله: (والخراج) أي: خراج الأرض سواء افتتحت عنوة أو صلحاً.
ولا يُخَمَّسُ لُزُوماً، بَلْ يُصْرَفُ مِنْهُ لآلِهِ صلى الله عليه وسلم بالاجْتِهَادِ ومَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ
…
هذا ابتداء مسألة، يعني: أن الخمس، والفيء، والجزية، والخراج لا يلزم فيها التخميس، بل الأمر في ذلك إلى نظر الإمام، فإن شاء وقفه لنوائب المسلمين أو قسمه،
ولابن عبد الحكم: لا يوقف. وإذا قسمه فإن شاء دفعه كله لآله صلى الله عليه وسلم أو لغيرهم، أو جعل بعض ذلك فيهم وبعضه في غيرهم بالاجتهاد كما قال المصنف، ونبه بقوله:(ولا يُخَمَّسُ لُزُوماً) على مذهب الشافعي في قوله: إنه يلزم أن يقسم خمس الغنيمة على خمسة أجزاء، وذلك مبني على اختلافهم في قوله تعالى (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (كما اختلفوا في آية الزكاة.
وفِيهَا: يُبْدَأُ بِالَّذِينَ فِيهِمُ الْمَالُ، فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ أَشَدُّ حَاجَةً نُقِلَ إِلَيْهِمْ أَكْثَرُهُ
كالزكاة وتصوره ظاهر.
وأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْمُقَاتِلِينَ
لأنه لما قال الله تعالى: (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (علمنا أن أربعة أخماسها للمقاتلين، ولا خلاف في ذلك.
ويُنَفِّلُ الإِمَامُ مِنَ الْخُمُسِ خَاصَّةً مَنْ يَرَاهُ مَا يَرَاهُ مِنْ سَلَبٍ وغَيْرِهِ
النفل لغة: الزيادة. وفي الشرع: زيادة من الغنيمة
وقوله: (مِنَ الْخُمُسِ خَاصَّةً) أي: ليس هو أصل الغنيمة، ففي الموطأ عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فغنموا إبلاً كثيرة، فبلغت سهامهم اثني عشر بعيراً، أو أحد عشر بعيراً، ونفلوا بعيراً بعيراً. زاد في غير الموطأ: من الخمس.
وقوله: (مَنْ يَرَاهُ) أي: يراه أهلية لذلك لشجاعته.
وقوله: (مَا يَرَاهُ مِنْ سَلَبٍ وغَيْرِهِ) إشارة إلى أن السلب من النفل وهو كذلك.
ويَجُوزُ أَنْ يَنُصَّ الإِمَامُ بَعْدَ الْقِتَالِ عَلَى أَنََّ سَلَبَ الْمَقْتُولِ ونَحْوِهِ لِلْقَاتِلِ، فَلَوْ نَصَّ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ، وكَذَلِكَ مَنْ تَقَدَّمَ فَلَهُ كَذَا ونَحْوُهُ ....
لأنه بعد القتال من النفل وهو جائز، وأما قبله ففيه إفساد لنية المجاهدين؛ ولأنه قد يلقي بعض المجاهدين بنفسه للهلاك لأجل السلب.
وفِي إِمْضَائِهِ قَوْلانِ
أي: إذا بنينا على عدم جوازه قبل الفتح، فقال ملك: فهل يمضي؟ قال سحنون: يمضي؛ لأنه حكم بما اختلف فيه أهل العلم. ابن عبد السلام: وهو الصحيح، والقائل بعدم تنفيذه هو ابن حبيب في ظاهر كلامه، إلا أنه لا يبطله مطلقاً كما هو ظاهر كلام المصنف، بل قال: يعرف قيمة ما سمي الإمام فيعطي ذلك من الخمس، وإنما أبطل إعطاءه من أصل الغنيمة. سحنون:[268/ ب] وإذا قال الإمام: من قتل قتيلاً فله سلبه بلفظ عام ثبت هذا الحكم له ولجميع المسلمين، وإن خص نفسه فقال: إن قتلت قتيلاً فلي سلبه لم يكن له شيء؛ لأنه حابى نفسه بقوله ولم يعدل فلم يجز حكمه. ولو قال: من قتل منكم قتيلاً فله سلبه، فقد نفذ ذلك للناس دونه؛ لأنه أخرج نفسه بقوله: منكم. وإن قال بعد أنخص نفسه: من قتل قتيلاً مجملاً فإنما له في المستقبل. ولو قال: من قتل منكم قتيلاً فله سلبه، فمن قتل منهم اثنين أو ثلاثة فله سلبهم. ولو قال لرجل: إن قتلت قتيلاً فلك سلبه، فقتل اثنين أحدهما بعد الآخر، فغيرنا يجيزه ويعطيه سلب الأول خاصة، ونحن نكرهه. فإن نزل على وجه الاجتهاد مضى وله سلب الأول خاصة، فإن جهل، فقيل: له نصفهما، وقيل: أقلهما.
ابن المواز: وإن قتل قتيلين معاً، فقيل: له نصف سلبهما قسمة للمشكوك فيه على التداعي، وقيل: أكثرهما؛ لأنهما لما قتلا معاً صاراً كالقتيل الواحد فيستحق سلبه فلهذا أعطي الأكثر. وإذا قال الأمير: من قتل قتيلاً فله سلبه، فليس له سلب من قتل ممن لا يجوز له
قتله من امرأة، أو صبي، أو زمن، أو راهب إلا أن يقاتل هؤلاء فله سلبهم لإجازة قتلهم، فإن قال: من قتل قتيلاً فله سلبه ولم يقيد؛ فقتله ذمي أو امرأة فالمنصوص لا شيء لهما.
خليل: وقد يتخرج على قول من يرى الإسهام للمرأة إذا قاتلت أن يكون لها هنا السلب، إلا أن هذا يحتاج إلى أن يكون القائل بالإسهام لها يرى أن قول الإمام هنا ماضٍ. الباجي، والمازري، وابن يونس: وعلى قول أشهب أنه يرضخ للذمي، فيكون السلب له من الخمس. وإن قال: من قتل كافراً من المسلمين فقتله ذمي فلا شيء له بالإجماع للشرط. وإن قال: من قتل قتيلاً فسمع بعض الناس دون بعض، فالسلب لمن قتل وإن لم يسمع. وإن قال الأمير: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه، لم يستحقه القاتل إلا بها، فإن جاء بشاهدين أخذه، وإن جاء بشاهد واحد، ابن عبد السلام: فله أخذه بغير يمين. وقال الشافعي: يحلف. وإن لم يشترط البينة فجاء برأس القتيل فاختلف في أخذ سلبه، وإن جاء بالسلب لم يأخذه إلا بالبينة.
وفيهَا قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ إِلا يَوْمَ حُنَيِنٍ، وإِنَّمَا نَفََّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخُمُسِ بَعْدَ أَنْ بَرَدَ الْقِتَالُ
هذا هو الصحيح. عياض: وعند بعضهم خيبر وهو وهم، وهذا احتجاج من مالك على أنه ليس السلب للقاتل مطلقاً، وإلا لتكرر منه صلى الله عليه وسلم في غزواته وعمل به الخلفاء بعده. قال في الاستذكار: وأما قوله: (لَمْ يَبْلُغْنِي) فقد بلغ غيره وذكر أحاديث وردت بذلك. خليل: والظاهر أنه ليس في تلك الأحاديث حجة على المالكية؛ لأنها إنما تدل علىن السلب موكول للإمام وهم يقولون بموجبه، وفي قول مالك- رضي ال له عنه-: وإنما نفل النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس، جواب عنها- والله أعلم- على أنه يمكن أن يقال: إن قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلاً فله سلبه" من باب الحكم منه صلى الله عليه وسلم فلا يتعدى لغير من حكم له، وإنما يتعدى لو كان من باب الفتوى. والله أعلم.
والْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لا يَكُونُ فِيهَا مَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ مِنْ سِوَارٍ، وتاجٍ، وَطَوْقٍ، وصَلِيبٍ وكَذَلِكَ الْعَيْنُ عَلَى الْمَشْهُورِ ..
ما ذكر أنه المشهور ذكره سحنون عن الأصحاب، فقال أصحابنا: لا نفل في العين، وإنما هو الفرس وسرجه ولجامه، وخاتمه، ودرعه، وبيضته، ومنطقته بما في ذلك من حلية ساعديه وساقيه ورأسه والسلاح ونحوه، وحلية السيف تبع للسيف، ولا شيء له في الطوق والسوارين والعين كله ولا في الصليب. وقال ابن حبيب: يدخل في السلب كل ثوب عليه، وسلاحه، ومنطقته التي فيها نفقته، وسواره، وفرسه الذي هو عليه أو كان يمسكه لوجه القتال عليه، فأما إن كان يجنبه أو كان منفلتاً فليس من السلب. الباجي: فتحقيق مذهب سحنون: أن ما كان معه من لباسه المعتاد وما يستعان به على الحرب من فرس أو سلاح فهو من السلب، ومذهب ابن حبيب: أن ما كان عليه من اللباس والحلي والنفقة المعتادة وما يستعان به على الحرب فهو من السلب، ففهم الباجي القولين على نحو ما ذكرهما المؤلف، ورأى اللخمي القولين إنما هما في السوارين، قال: وخرج من الخلاف فيهما اختلاف فيما يشبهما مما يراد به الزينة كالطوق وشبهه.
ويُخَمَّسُ الْجَمِيعُ دُونَ الأَرْضِ، فَإِنَّهَا فَيْءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ كَالْجِزْيَةِ، وقِيلَ: يَقْسِمُهَا إِنْ رَأَى كَخَيْبَرَ، وفِيهَا: أَنََّ عُمَرَ أَقَرَّهَا ولَمْ يَقْسِمْهَا، وفِيهَا: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: وقَفَ عُمَرُ والصَّحَابَةُ- رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُمُ- الْفَيْءَ وخَرَاجَ الأَرَضِينَ، فَفُرِضَ مِنْهَا لِلْمُقَاتِلَةِ، والْعِيَالِ، والذُّرِّيَّةِ فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً لِمَنْ بَعْدَهُ
اللخمي: الأرض ثلاثة أقسام؛ فما كان بعيداً عن المسلمين ولا يستطاع سكناه للخوف من العدو هدم وحرق. وما كان يقدر المسلمون على عمارته إلا أنهم لا يسكنونه إلا أن يملكوه، فإن الإمام يقطعه لهم ويخرجه من رأس الغنيمة وليس للجنيش فيه مقال، ويقطعه لمن فيه نجدة فيكون في نحر العدو عوناً للمسلمين. واخلتف فيما كان قريباً أو
مرغوباً فيه، فقال مالك مرة: لا حق للجيش فيه ولا يقسم ويوقف خراجها للمسلمين، وقال مرة: تجوز قسمتها أو وقفها، قال: ولا أعلم خلافاً أن قسمها يمضي إن قسمت ولا ينقض. انتهى بمعناه. وهذا القسم الثالث هو الذي ذكره المصنف.
قوله: (كَخَيْبَرَ) حجة للشاذ، وما حكاه عن عمر حجة للمشهور، واستحسن اللخمي وغيره الشاذ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قسم أرض بني قريظة، وخيبر، وفدك، وقال عمر- رضي الله عنه: لولا من يأتي من المسلمين لم أدع قرية افتتحت عنوة إلا قسمتها كما قسم رسول الله عليه وسلم، فسلم عمر- رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قسم العنوة، وأن ذلك لم ينسخ، وأخبرأن القسم باجتهاد منه.
قال في البيان: وقيل: إن عمر- رضي الله عنه إنما فعل ذلك بعد تطييب نفوس الغانمين، ومن سمحت نفسه بالخروج عن نصيبه بغير عوض قبل منه، ومن لم يسمح أعطاه العوض، فإن قلت: قول المصنف: (وقِيلَ: يَقْسِمُهَا إِنْ رَأَى) هل هو مقابل المشهور أو مقابل المشهور تحتم القسم؟ فالجواب: الأمر محتمل. وقد حكى ابن شاس القولين.
وَشَرْطُ الْمُسْتَحِقِّ: أَنْ يَكُونَ ذَكَراً، حُرّاً، بَالِغاً، عَاقِلاً، مُسْلِماً، صَحِيحاً، حَاضِرَ الْوَقيعَةِ، قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ .....
يعني: من اجتمعت فيه هذه الشروط أسهم له اتفاقاً وهي ستة، ثم أخذ يتكلم على ما إذا فقد بعضها.
والذِّمِّيُّ كَالْعَبْدِ، وثَالِثُهَا: يُسْهَمُ لَهُ إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ
ولا خلاف أنه لا يسهم لعبد ولا ذميإن لم يقاتلا، وأما إن قاتلا فالمشهور لا يسهم [269/ أ] لهما؛ لأن المتبادر من قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
…
(الآية. إنما هو من خوطب بالجهاد.
وقال ابن حبيب: إذا نفر أهل الذمة مع طوائفنا فما صار لهم ترك ولم يخمس.
اللخمي: فجعل لهم نصيباً مع الجيش، وهذا هو القول الثاني الذي ذكره المصنف في الذمي.
المازري: وأشار بعض الأشياخ إلى حمل كلام ابن حبيب على أن الإمام أذن لهم في القتال. وقال سحنون: إذا قاتل أهل الذمة ولولاهم لم يقدر المسلمون على تلك الغنيمة أسهم لهم، ولو كان المسلمون إذا انفردوا قدروا عليها لم يسهم لهم، وإلى هذا أشار بقوله:(إِنِ احْتِيجَ) وكلام المصنف يقتضي أن الثلاثة الأقوال منصوصة في العبد والذمي، والمنصوص في العبد إنما هو عدم الإسهام، والقولان الآخران مخرجان على قول ابن حبيب وسحنون، هكذا ذكر المازري وغيره.
والْمُطبقُ بَعْدَ الْخُرُوجِ كَالْمَرِيضِ
هذا راجع إلى قوله: (عاقلاً) وما ذكره المصنف نحوه لابن بشير. قال: وإن كان معه من العقل ما يمكنه به القتال أسهم له، والذي قاله المازري: أن المطبق كالعدم فهو كالميت، والفرق بينهن وبين المريض؛ أن المريض تحصل منه منفعة الرأي والتدبير، وكذلك قال الباجي: إن المطبق لا يسهم له.
وفِي الصَّغِيرِ الْمُطِيقِ لِلْقِتَالِ، ثَالِثُهَا: يُسْهَمُ لَهُ إِنْ قَاتَلَ
هذا راجع إلى قوله: (بالغاً) واحترز بالمطيق ممن لا يطيقه فإنه لا يسهم له اتفاقاً والمشهور أنه لا يسهم لغير بالغ، والقول بأنه يسهم للمطيق إذا حضر القتال سواء قاتل أم لا نقله ابن بشير ولم يعزه، وهو رأي اللخمي. والثالث يسهم للمطيق بشرط أن يقاتل لمالك في الموازية. ابن المواز: وإن حضر القتال ولم يقاتل فلا يسهم له.
ونقل اللخمي عن ابن المواز: أنه يسهم لمن راهق وبلغ مبلغ القتال إذا حضر القتال، قال: وقال محمد: لا يسهم له حتى يقاتل. وذهب ابن وهب إلى اعتبار السن فأسهم له إذا
بلغ خمس عشرة سنة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي تعلقاً منهم بإجازة النبي صلى الله عليه وسلم ابن خمس عشرة سنة، وللأئمة في فهم هذا الحديث طريقان: إحداهما: أن هذه السن علامة على البلوغ. والثانية: أنه أجيز لقدرته على القتال فصادفت إطاقته للقتال هذه السن ولم تعتبر السن بمجردها.
تنبيه: ما ذكرناه أن المشهور عدم الإسهام للصبي نص عليه ابن عبد السلام، وهو ظاهر المدونة، وعلى ذلك حملها اللخمي وغيره؛ لإطلاقه فيها عدم الإسهام له. وقال الباجي: لم يعتبر مالك البلوغ في الإسهام. وفي الرسالة: ولا الصبي إلا أن يطيق الصبي الذي لم يحتلم القتال ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له.
ابن الفاكهاني: والظاهر من المذهب إذا بلغ مبلغ القتال وحضره أسهم له.
فرع: نص في المدونة بعد أن ذكر أنه لا يسهم لصبي ولا امرأة ولا عبد أنه لا يرضخ لهم، ونقل ابن حبيب: أنه يرضخ لهم.
وفِي الْمَرأَةِ إِنْ قَاتَلَتْ قَوْلانِ
المشهور: أنه لا يسهم لها، ونقل الباجي، واللخمي، والمازري، وابن راشد عن ابن حبيب: إن قاتلت كقتال الرجال أسهم لها، واانظر هل يتخرج الثالث الذي تقدم في العبد هنا. وقوله:(إِنْ قَاتَلَتْ) يريد: وإن لم تقاتل فلا يسهم لها بالاتفاق.
والْمَرِيضُ بَعْدَ الإِشْرَافَ عَلَى الْغَنِيمَةِ يُسْهَمُ لَهُ اتِّفَاقاً، وكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ مَرِيضاً وكَذَلِكَ فَرَسُهُ الرَّهِيصُ عَلَى الْمَنْصُوصِ وإِلا فَقَوْلانِ .....
هذا راجع إلى قوله: (صحيحاً) يعني: أن من خرج صحيحاً ولم يزل كذلك حتى قاتل أكثر القتال، فإن مرضه لا يمنعه من الإسهام اتفاقاً، وكذلك يسهم لمن ابتدأ القتال وهو مريض ولم يزل كذلك إلى أن انهزم العدو، ومقتضى كلامه: أن هذه الصورة متفق
عليها كالأولى. وحكى اللخمي، وابن بشير فيها قولاً بعدم الإسهام وعزاه اللخمي لمالك من رواية أشهب وابن نافع. اللخمي: وعليه لا يسهم للفرس الرهيص وهو أحسن، وإذا لم يسهم للبراذين لضعف منفعتها عن الخيل فالرهيص أولى، وهذا مقابل المنصوص، فإن قلت لم لا يجعل قوله:(عَلَى الْمَنْصُوصِ) راجعاً للفرس والفارس؟ قيل: لو أراد ذلك لقال: على المنصوص فيهما كعادته، وأيضاً إعادته (كذلك) تقتضي فصلها عما قبلها كعادته. والرهصة: مرض في باطن حافر الدابة من حجر تطؤه من الوقرة. الكسائي: يقال رهصت الدابة بالكسر رهصاً وأرهصها الله سبحانه فهي مرهوصة. ويدخل في قوله: (وإِلا فَقَوْلانِ) أربع صور:
الأولى: يخرج من بلد الإسلام مريضاً ولا يزال كذلك حتى ينقضي القتال، وحكى الخلاف فيها اللخمي، قال: وأرى ألا شيء له إلا أن يكون له رأي؛ ورب رأي أنفع من قتال.
الثانية: يخرج صحيحاً ثم يمرض قبل الدخول في بلاد الحرب.
الثالثة: كذلك، ويمرض بعد دخولها.
الرابعة: يخرج صحيحاً ويشهد القتال كذلك ثم يمرض قبل الإشراف على الغنيمة.
وحكىبن بشير الخلاف في الجميع؛ لأنه حكى في المريض أربعة أقوال:
أحدها: عدم الالتفات إلى المرض ووجوب السهم ولو خرج من بلاد الإسلام مريضاً.
والثاني: أنه لا يسهم له إلا بعد شهود القتال والإشراف على الغنيمة.
والثالث: إن مرض وقد ابتدأ القتال وإن لم يشرفوا على الغنيمة أسهم له، وإلا فلا.
[269/ ب] والرابع: إن كان المرض قبل الحصول في حد أهل الحرب لم يسهم له، وإن كان بعد الحصول أسهم له، قال: وإن فصلت قلت: أما إن أشرفوا على الغنيمة ثم مرض أسهم له اتفاقاً، وإن لم يشرفوا ففي كل صورة قولان. أما إن خرج مريضاً ثم صح
قبل دخول بلاد الحرب، أو بعد دخولها وقبل القتال، أو بعد ذلك وقبل الإشراف فإنه يسهم له، ولا تدخل هذه الصورة في كلامه؛ لأن كلامه في حصول المانع لا في زواله.
والأَعْمَى والأَعْرَجُ إِنْ كَانَتْ بِهِمْ مَنْفَعَهٌ فِي الْحَرْبِ أَوْ سَبَبِهِ فَكَالصَّحِيحِ، وإِلا فَكَالْمَرِيضِ
قال: (بِهِمْ) لأن مراده جنس الأعمى والأعرج، كقوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ([الحجرات: 9] وكقوله: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا ([الحج: 19].
وقوله: (أَوْ سَبَبهِ) كبري النبل وحبك الأحبل للطوارئ والتدبير.
وقوله: (كَالصَّحِيحِ) يقتضي أنه يسهم له بالاتفاق، وأن الخلاف إنما هو إذا لم تحصل به منفعة، وكلام غيره على العكس، وأن الخلاف فيما إذا كانت بهم منفعة في الحرب. سحنون: ويسهم للأعمى، والمقعد، والأقطع، والمجذوم؛ لأن الأعمى يبري النبل ويكثر الجيش ويدبر، وقد يقاتل المقعد والمجذوم فارساً، وظاهر العتبية أنه لا يسهم للأعمى وبه قال اللخمي وابن يونس؛ لأنهما قالا: الصواب في الأعمى لا شيء له، وإن كان يبري النبل دخل بذلك في جملة الخدمة الذين لا يقاتلون. قالا: وكذلك أقطع اليدين لا شيء له، وإن كان أقطع اليسرى أسهم له، ويسهم للأعرج إن حضر القتال، وإن كان ممن لا يجسر على القتال بوجه لم يسهم له إلا أن يقاتل فارساً، ولا شيء للمقعد إذا كان راجلاً، وإن كان فارساً يقدر على الكر والفر أسهم له.
ابن رشد: ويسهم لأقطع الرجلين. ونص ابن بزيزة على أن المشهور عدم الإسهام للأعمى، والمقعد، والأقطع، والأشل، والأعرج. ابن عبد السلام: فأنت ترى كلام هؤلاء فيمن له منفعة، وظاهر كلامهم أن من لا منفعة فيه فهو أشد من المريض؛ للزوم المانع في حقهم وعرضيته في حق المريض وعدم انضباطه.
والضَّالُّ عَنِ الْجَيْشِ فِي بِلادِ الْمُسْلِمِينَ لا يُسْهَمُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وفِي بِلادِ الْعَدُوِّ يُسْهَمُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ ....
حاصله ثلاثة أقوال: الأول: يسهم له مطلقاً، رواه أصبغ عن ابن القاسم. والثاني: لا يسهم له مطلقاً، وهي رواية ابن نافع عن مالك. والتفصيل لابن شاس وغيره وهو المشهور؛ لأنه إذا ضل في بلاد العدو وحصلت به المنفعة، وهي تكثير سواد المسلمين في بلاد العدو. ونص في المدونة على الإسهام للضال في بلاد العدو، ومفهومها عدم الإسهام للضال ببلاد المسلمين، لكن قال أبو الحسن: يحتمل أن تكون رواية أصبغ تفسيراً.
وكَذَلِكَ لَوْ رَدَّتِ الرِّيحُ بَعْضَهُمْ مَغْلُوبِينَ
ظاهره أنه يفصل في ذلك بين أن ترده الريح في بلاد الإسلام أو في بلد العدو، وقد شبه في المدونة من ردته الريح بالضال. ابن عبد السلام: وظاهر المدونة أنه يسهم لمن ردته الريح من غير تفصيل. وقد ذكرنا أنه لم ينص فيها إلا على من ضل في أرض العدو، وكذلك لم ينص إلا على من ردته الريح من أرض العدو، وقد ذكرنا أن أبا الحسن قال: يحتمل أن يقال بالإسهام للضال مطلقاً وهو هنا أوضح؛ لأن الغلبة تتحقق فيا لرد بالريح بخلاف الضال، وقد فرقوا بين اصطدام الفارسين والسفينتين، وروى ابن نافع عن مالك أنه لا يسهم لمن ردته الريح من أرض العدو، وبه قال سحنون، واستحسنه اللخمي.
فرع:
ابن المواز: وإن خرجت مراكب من مصر غزاة فاعتل منها مركب فتخلفوا لإصلاحه فخافوا لما بقوا وحدهم فرجعوا إلى الشام خوفاً، فلا شيء لهم فيما غنم أصحابهم، وكذلك لو مرضوا فرجعوا، أو انكسر مركبهم فرجعوا إلى الشام خوفاً، فلا شيء لهم فيما غنم أصحابهم، قلت: فإن أسهم لهم فأعطوهم؟ قال: فلا يرجع عليهم، وقد فات ذلك وأنفقوه. قلت: فإن ولجوا
بلاد العدو وجازوا قبرص ثم عرض لهم ما عرض فرجعوا إلى الشام خوفاً من العدو حتى رجع الجيش، قال: هذا عذر إذا بان خوفهم، فهذا مشكل ويسهم لهم.
فرع: نص أشهب في الموازية على أنه إذا ظفرنا بالعدو وفيهم مسلمون أسارى، أنه يسهم لهم وإن كانوا في الحديد؛ لأنهم إنما دخلوا أولاً للقتال وغلبوا عليه فكانوا كالضال.
ومَنْ رَدَّهُ الإِمَامُ لِمَنْفَعَةِ الْجَيْشِ أُسْهِمَ لَهُ، وإِلا فَقَوْلانِ
تبع المصنف في هذا ابن بشير، والذي ذكره اللخمي والمازري أن الخلاف إنما هو فيمن تأخر عن القتال لمصلحة الحرب وذكر القولين لمالك، وأما إن تخلف لغير عذر أو لأمر لا يعود على الحرب فلا يسهم له، وتابع ابن بزيزة ابن بشير، وفيمن رده الإمام لحاجة قولان عندنا، والأصل في ذلك رده صلى الله عليه وسلم عثمان لمرض ابنته التي كانت تحت عثمان، وهذا الخلاف إنما هو فيمن رد الحاجة المسلمين، وأما من رده الإمام لحاجة الجيش وحده، فلا خلاف أنه يسهم له. وحكى ابن شاس عن المذهب أنه لا يقسم له وهو غير معروف. أهـ.
فرع: إذا أقر الغازي بالرجوع وزعم أنه رجع مغلوباً أو ضالاً، فإن ادعى ما له أمارة من ريح ردت مركباً كان فيها، أو خوفاً أو غرر طريق وظهرت أمارة صدقه قبل قوله وإلا فلا، ولو أنكر التخلف فهو مدعٍ عليه الإقرار أنه من الجيش، ولا [270/ أ] يثبت تخلفه بقول أحد ممن يشاركه في الغنيمة؛ لأنه جار لنفسه، وفي قبول قول الأمير في ذلك قولان بناء على أنه حكم بعلمه فيما تدعو الضرورة إليه فيجوز وإليه ذهب سحنون، كالعدالة أو جار لنفسه فلا يجوز وإليه ذهب ابن القاسم، وانظر قولهم هنا لا يقبل قول أحد ممن شاركه من الجيش، مع أن المشهور أن من سرق من الجيش من الغنيمة يقطع، والمتبادر إلى الذهن عكسه.
والتَّاجِرُ والأَجِيرُ بِنِيَّةِ الْغَزْوِ أَصْلاً يُسْهَمُ لَهُمَا وإِلا فَلا، إِلا أَنْ يُقَاتِلا
يحتمل أن يريد بالأصل أنها هي الأصل وتكون التجارة أو الإجارة تابعة لها، ويحتمل أن يريد ألا تكون تبعاً فيشمل صورتين إذا كانت نية الغزو هي المقصودة، وإذا كانت هي والتجارة مقصودتين، وهذا الاحتمال هو الذي تصح عليه المسألة فيجب أن يعول عليه؛ لأنه الذي نص عليه ابن القصار، وذكر المازري أنه لا يعلم فيه خلافاً أن الأجير المملوك المنافع إذا خرج لهما يسهم له قاتل أو لم يقاتل، وإن خرج بنية التجارة فقط لم يسهم له إلا أن يقاتل، وعلى هذا اقتصر المصنف بقوله:(وإِلا فَلا، إِلا أَنْ يُقَاتِلا) ونص ابن القصار على أن هذا التفصيل إنما هو في الأجير المستحق المنافع، قال: وإن كان أجيراً على شيء بعينه كخياطة ثوب أسهم له، حضر القتال أو لم يحضر، وحكى جماعة في الأجير ثلاثة أقوال:
الأول في الموازية: يسهم له إذا شهد القتال.
الثاني: وهو المشهور ومذهب المدونة: أنه يسهم له بشرط أن يقاتل. قال في المدونة: وكذلك التاجر.
الثالث: لمالك في العتبية: لا يسهم له وإن قاتل؛ لأن خروجه لم يكن للجهاد. سحنون مفرعاً على الإسهام: وإذا أعطي سهمه بطل من أجره بقدر ما اشتغل عن الخدمة.
بعض القرويين: وليس لمن استأجره أن يأخذ منه السهمان عوضاً عما عطل من الخدمة، بخلاف أن يؤاجر نفسه في خدمة أخرى؛ لأن ذلك قريب بعضه من بعض، والسهمان ربما كثرت فكانت أكثر مما استأجره مراراً. ابن يونس: ولأن القتال لا يشابه الخدمة؛ لأن فيه ذهاب النفس.
ابن عبد السلام: قال بعض الشيوخ: إن الأجير إما أن يكون على منفعة عامة للجيش أو خاصة في معنى، ولكنه لا يختص ببعضهم، أو خاصة ببعضهم. فالأول: كرفع الصواري،
وإمساك الأحبل في البحر، وتسوية الطرق في البر. واختلف في الإسهام لهم على قولين. والثاني: كالخياطة لهم، أو عمل آلة تختص ببعضهم، وهؤلاء اختلف فيهم على قولين؛ إذا شهدوا القتال، وإن لم يقاتلوا. والثالث: كأجير الخدمة لرجل مخصوص، فهذا فيه ثلاثة أقوال ولعلها التي تقدمت.
والْمُسْتَنِدُ إِلَى الْجَيْشِ مِنْ مُفردٍ أَوْ سَرِيَّةٍ كَالْجَيْشِ، وإِلا فَلهُمْ كَالْمُتَلَصِّصِينَ فَيُخَمَّسُ الْمُسْلِمُ دُونَ الذِّمِّيِّ، وفِي الْعَبْدِ قَوْلانِ ..
يعني: إذا خرجت سرية من الجيش أو واحد منهم وغنمت كالجيش، فما غنمه الجيش دخلت فيه السرية، وما غنمته السرية قسم عليها وعلى الجيش جميعه، لأنها بقوة الجيش غنمت. قال في التلقين: وسواء خرجت بإذن الإمام أو بغير إذنه، فإن خرجت ابتداء من البلد فالغنيمة لها خاصة، وأشار المصنف إلى الخارجة من البلد بقوله:(وإِلا فَلهُمْ) أي: وإن لم يكن جيش يستند إليه بل خرج رجل أو جماعة متلصصون فحكمهم حكم الجيش المنفرد، فإن كانوا مسلمين خمس وكان لهم أربعة أخماسه، وإن كانوا أهل ذمة ترك لهم ما غنموه ولم يخمس، وفي تخميس ما غنمه العبيد قولان. قال ابن القاسم: يخمس، وقال سحنون: لا يخمس. واختلف في الذمي والعبد إذا وجد ركازاً، فقيل: يخمس، وقيل: لا يخمس. اللخمي: واختلف فيما غنمه النساء والصبيان إذا انفردوا بالغنيمة هل يخمس أم لا، وكأنه أشار إلى تخريجه على ما انفرد العبيد به، ولم يذكر التونسي تخريجاً ولا أشار إليه، بل تردد- رحمه الله في ذلك، قال: ولا نعلم نص خلاف أنه يخمس ما أصابوه من ركاز.
ومَنْ مَاتَ قَبْلَ قَسْمِهَا فَسَهْمُهُ لِوَرَثَتِهِ، أَمَّا لَوْ مَاتَ قَبْلَ اللِّقَاءِ فَلا يُسْهَمُ لَهُ، ولَوْ مَاتَ بَعْدَ اللِّقَاءِ وقَبْلَ الْقِتَالِ فَقَوْلانِ، وكَذَلِكَ مَوْتُ فَرَسِهِ ....
حاصله: أن المسألة تنقسم إلى ثلاثة أقوال:
الأول: أن يموت بعد الفتح وقبل قسمة الغنيمة، والحكم أنه يسهم له. ابن عبد السلام: ولا أعلم في هذا خلافاً. فإن قيل: يرد هذا ما نقلوه من أنه اختلف على قولين هل تملك الغنيمة بنفس أخذها أو بالقسمة على الغانمين؟ فجوابه: إن هذا الخلاف ليس بعام، وإنما مرادهم به إدخال من لحق الجيش قبل القسمة، أو أسلم، أو أعتق، أو بلغ، أو ما أشبه وبذلك فسروه.
والقسم الثاني: أن يموت قبل اللقاء، ولا إشكال في عدم الإسهام له إن مات قبل وصول بلاد الكفر، وكذلك إن مات ببلاد الكفر على المشهور. ونقل في البيان عن ابن المجشون: أنه يستحق الإسهام بالإدراب ببلادهم إلى حين قفول العسكر.
الثالث: أن يموت بعد اللقاء وقبل القتال، وفيه قولان كما ذكر، والقول بعدم الإسهام لمالك في الموازية وبه قال سحنون، وحكى ابن حبيب عن أصحاب مالك أن مشاهدة القرية والعسكر كالقتال. ويتحصل في [270/ ب] هذا القسم والذي قبله أربعة أقوال:
الأول لابن الماجشون: أنه يستحق الإسهام بالإدراب في أرض العدو إلى حين القول. الثاني: أنه لا يستحق إلا بلقاء العدو ومشاهدة القتال، وهو الذي في الواضحة، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى. الثالث: أنه لا يستحق بلقاء العدو ومشاهدة القتال إذا مات بعده إلا ما غنم وافتتح بقرب ذلك، وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى. والرابع لسحنون: أنه لا يستحق بمشاهدة القتال إذا مات بعد ذلك إلا ما غنم وافتتح بذلك القتال خاصة، وهل يسهم لمن مات بعد غنيمة مما غنم بعد موته؟ ففي الموازية عن مالك: إذا كانت غنيمة متتابعة فله سهمه من الجميع، مثل أن يفتحوا حصناً فيموت ثم
آخر على جهة الأمر الأول. أصبغ: وأما لو رجعوا قافلين ونحو ذلك من انقطاع الأمر الأول فلا شيء له، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم. وقال سحنون: مثل أن يكون حصن تحت سور أخذ ربض ثم مات ثم أخذ ربض آخر بعده، وأما ما ابتدئ قتاله من الحصون بعد موته فلا يسهم له وإن كان قريباً.
ابن رشد: ويشبه أن يكون هذا القول هو مذهب المدونة.
ولِلْفَرَسِ سَهْمَانِ ولِلْفَارِسِ سَهْمُ كاَلرَّاجِلِ
لما في البخاري ومسلم عن ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين وللفارس سهماً. وفي أبي داود نحوه، وهذا- والله أعلم- إما لعظم مؤنة الفرس، وإما لقوة المنفعة به، ولهذا لم يسهم للبغل ونحوه. وعن ابن وهب: أنه قال للفرس سهم واحد كراكبه. وشبه المصنف الفارس بالراجل ليفيد الحكم فيه. والله أعلم.
ولا يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ الثَّانِي عَلَى الْمَشْهُورِ كَالزُّبَيْرِ يَوْمَ حُنَيْنٍ، ولا يُسْهَمُ لِلثَّالِثِ اتِّفَاقاً
حاصله: أنه يسهم للفرس الواحدة ولا يسهم للثالث اتفاقاً، واختلف في الثاني، فالمشهور أنه لا يسهم له؛ لما ورد: أن الزبير كان له فرسان يوم حنين فلم يسهم إلا لواحد. وقال ابن وهب، وابن حبيب: يسهم له، واختاره ابن الجهم. وروي في ببعض طرق حديث الزبير أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
وإِنْ كَانُوا فِي السُّفُنِ ومَعَ بَعْضِهِمْ خَيْلُ فَكَذَلِكَ
وجه هذا ظاهر؛ لأن المقصود بحملها معهم القتال عليها عند الحاجة إليها. قال في المدونة: وكذا إن أسر أهل العكسر رجالة وتركوا خيلهم، فإنه يسهم للفرس كما لو كان راكبه عليه، واختار اللخمي عدم الإسهام للخيل التي في السفن.
والْبِرْذَوْنُ والْهَجِينُ والصَّغِيرُ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى الْكَرِّ والْفَرِّ كَغَيْرِهِا، بِخِلافِ الإِبِلِ، والْبِغَالُ والْحَمِيرُ .....
ابن حبيب: البراذين: هي العظام. الباجي: يريد الجافية الخلقة العظيمة الأعضاء. وقيل: البرذون ما كان أبوه وأمه قبطيين، وإن كانت الأم قبطية والأب عربي فهو هجين، وبالعكس مقرف. وقيل بعكسه، وقال ابن حبيب: الهجين الذي أبوه عربي وأمه من البراذين.
قوله: (يَقْدِرُ بِهَا عَلَى الْكَرِّ والْفَرِّ) شرط في الإسهام، وظاهره أنه لا يشترط مع ذلك إجازة الإمام ونحوه لابن حبيب، وشرط في المدونة والموطأ في البراذين إجازة الوالي لها، وحمل الباجي والمازري قول ابن حبيب على الخلاف. وقال التلمساني: الأول أن يحمل مطلق قوله في الواضحة على مقيد قوله في المدونة.
خليل: وقد يقال بل يحمل ما في المدونة على ما في الواضحة؛ لأنه قد اشترط في الواضحة أن يقدر بها على الكر والفر، وهي إذا كانت كذلك يجيزها الإمام، لكن قوله في الجلاب: والهجين والبراذين بمنزلة الخيل إذا أجازها الوالي وكانت سراعاً خفافاً تقارب العتاق، يرد هذا. والله أعلم. وما ذكره المصنف في الصغير نص عليه ابن حبيب.
الباجي: ولو دخل بفرس صغير فكبر وصار يقاتل عليه، أسهم له من يوم بلوغه حد الانتفاع به، قاله سحنون. كما أنه يسهم للصبي إذا بلغ مما غنموه بعد بلوغه. ويسهم لإناث الخيل كذكورها، رواه ابن عبد الحكم عن مالك. وفي البخاري: قال راشد بن سعيد: كان السلف يستحبون الفحولة في الخيل؛ لأنها أجرأ وأجسر.
سحنون: وإذا دخل بفرس لا يقدر أن يقاتل عليه من كبر، فهو راجل لا ينبغي للإمام أن يجيزه.
الباجي: وهذا يدل على أن على الإمام أن يتفقد أمر الخيل، فيجيز منها ما يجب ويرد منها ما لا يمكن القتال عليه. وفي الجواهر: ويسهم للضعيف؛ لأنه يرجى برؤه. وقال أشهب،
وابن نافع: لا يسهم له؛ لأنه لا يمكن القتال عليه الآن فأشبه الكسير، ولا يسهم للإبل والبغال والحمير.
والْمَغْصُوبُ مِنَ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْجَيْشِ كَغَيْرِهِ، ومِنَ الْجَيْشِ فَقَوْلانِ
يعني: إذا غصب أحد فرساً وغزا عليه، فإن كان الفرس من الغنيمة فسهماه للغاصب؛ أي: في غنيمة أخرى، وكذلك لو كان مغصوباً من غير الجيش. واختلف إذا غصبه من غاز، وهو مراده بقوله:(ومِنَ الْجَيْشِ) فقال ابن القاسم: سهماه لربه، وبه أخذ محمد. وقال أشهب، وسحنون: سهماه للغاصب وعليه أجرة مثل الفرس. سحنون: إلا أن يأخذه بعد انتشاب القتال فيكون لربه.
ابن عبد السلام: ومن الشيوخ من يذكر القولين في هذه المسألة [271/ أ] على الإطلاق من غير تفصيل في الفرس هل غصب من غنيمة أو من غيرها. وفي الفرس المستعار قولان؛ أحدهما: أن سهميه للمقاتل عليه، وهو لمالك في الموازية، وأحد قولي ابن القاسم. والثاني: لربه وهو أحد قولي ابن القاسم.
المازري: وسبب الخلاف أن السهمين أضيفا للفرس، فهل يقال ذلك لأجل فارسه والفرس تبع أو هما للفرس؟ فإن قدرنا ذلك مستنداً للفرس والفارس كالتبع كان السهمان للمعير، لاسيما إذا راعينا المقصود وقلنا: لم يقصد المعير إلا هبة حركة الفرس لا هبة ما نشأ عن الحركة، وإذا قدرنا أنهما للفارس جاء القول الآخر وخرج القولين في مسألة الغصب على هذا الأصل، فعلى قول من أسند السهمين للفارس يكونان للغاصب، وعلى القول بإسنادهما للفرس يكونان كغلات المغضوب، وفي ذلك خلاف يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
خليل: وعلى هذا لا يبعد أن يخرج قول بأن يكون السهمان لربها وإن لم يكن حاضراً في الجيش.
المازري: وأما إن قاتل على فرس حبس، فإن السهمين للمقاتل عليه، أما على أن السهمين للفارس فواضح، وأما على أنهما للفرس؛ فلأن المحبس لما حبس هذا الفرس وأخرجه عن ملكه صار قاصداً لتسليم حركاته وما يكون عنها. قال: ولو أن عبداً قاتل على فرس سيده، فإن قلنا: إن السهمين مستندان للفرس كان ذلك لسيده، وإن قلنا: إنهما مستندان للفارس، فهذا العبد ممن لا يسهم له، فهذه المسألة لا أعرف فيها نصاً وفيها نظر على هذين البناءين.
فرع: إذا كان الفرس بين رجلين فسهماه لمن حضر به القتال وإن كان الآخر قد ركبه في أكثر الطريق، وعلى المقاتل أجرة نصيب شريكه، فإن شهدا القتال عليه معاً، فلكل واحد مقدار ما حضر عليه من ذلك وعليه نصف الإجارة، قاله مالك في كتاب ابن سحنون.
والْغُلُولُ فِي غَيْرِ الطََّعَامِ ونَحْوِهِ وآلاتِ الْقِتَالِ مُحَرَّمٌ إِجْمَاعاً، وأَمَّا الطََّعَامُ فَلِكُلٍّ أَخْذُ حَاجَتِهِ .....
الغلول اصطلاحاً: هو الخيانة من المغنم. واختلف اللغويون هل هو مقصور على الخيانة من المغنم وهو مذهب أبي عبيد، أو عام في كل خيانة وعليه الأكثر. وهذا فيما فعله ثلاثي وهو: غل يغل بضم الغين في المضارع، وأما الرباعي وهو: غَلََّ يَغُلُّ فهو الخيانة على الإطلاق. ابن قتيبة: وسمي بذلك لأن من أخذه كان يغله في متاعه؛ أي: يدخله. ونقل المصنف، وسحنون، وابن حبيب وغيرهم: ويؤدب الغال ولا يحرق رحله ولا يمنع سهمه، وإن جاء تائباً أخذ منه ولم ينكل؛ لأن التعازير تسقط بالتوبة.
وقال مالك في العتبية: ما سمعت فيه شيئاً، ولو أدب لكان لذلك أهلاً. وحمل في البيان ما قاله ابن القاسم وغيره من السقوط على أنه تاب قبل القسم ورد ما غل في المغانم، وأما لو تاب بعد القسم لما سقط عنه الأدب عند جميعهم. واختلف هل يجوز أخذ ما قل؟ فقال في المدونة في جلود البقر تكون في المغانم: لا بأس أن يتخذ منها نعال وخفاف إذا احتيج
إليها. وقال ابن نافع: لا يجوز فيما له ثمن وإن احتاجوا إليها. وقول المصنف: (فِي غَيْرِ الطََّعَامِ) يوهم أنه في الطعام أيضاً غلول وليس كذلك، فإن ما يأخذه المجاهد من الطعام المحتاج إليه مباح، سواء أخذه خفية أو ظاهراً، وربما ندب الأخذ للتقوي على العدو، ولهذا قال: وأما في الطعام فلكُلٍّ أَخْذُ حاجته، يريد بغير إذن الإمام، والأصل في هذا ما في الصحيحين عن عبد الله بن مغفل قال: أصبت جراب شحم يوم خيبر فقلت لا أعطي منه شيئاً، فالتفت فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم. فأقره صلى الله عليه وسلم على أخذه. وفي البخاري عن ابن عمر: كنا نصيب في مغازين العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه.
وفِي أَخْذِ الأَنْعَامِ الْحَيَّةِ لِلذَّبْحِ قَوْلانِ، ثُمَّ يَرُدُّ مَا فَضَلَ
القول بالجواز هو المعروف ذكره في المدونة، والموطأ وغيرهما. والقول الآخر لم أره معزواً. وإذا أخذ الأنعام للحاجة، فله أخذ جلدها إن احتاج إليه وإلا رده للمغانم.
وفِي السِّلاحِ ونَحْوِهِ بِنِيَّةِ الرَّدِّ لِلْقَسْمِ قَوْلانِ، وكَذَلِكَ ثَوْبٌ يَلْبَسُهُ أَوْ دَابَّةٌ يَرْكَبُهَا إِلَى بَلَدِهِ ....
احترز بنية الرد مما لو أخذها بنية التملك، فإن ذلك لا يجوز باتفاق، ونقله ابن بشير، والقولان في المدونة ففيها: وللرجل أن يأخذ من الغنم سلاحاً يقاتل به ويرده، أو دابة للقتال أو ليركبها لبلده إن احتاجها ويردها إلى الغنيمة، فإن كانت قد قسمت باعها وتصدق بالثمن، والسلاح كذلك، وكذلك ما يحتاج إلى لبسه من ثياب، وروى علي، وابن وهب أن مالكاً قال: لا ينتفع بدابة ولا سلاح ولا ثوب، ولو جاز ذلك لجاز أن يأخذ العين ويشتري به هذا، واختلف الشيوخ في هذا الإلزام؛ فالتزم التونسي جواز أخذ العين ليشتري بها هذه الأشياء على القول الأول إذا دعت إلى ذلك ضرورة، وفرق صاحب النكت بأن الشراء زيادة تصرف فيما أذن فيه، ولا يلزم من جواز التصرف في شيء على وجه أن يلزم [271/ ب] على سائر الوجوه، وهذا هو الظاهر، ولو كان أخذ
العين جائزاً لما كان لإلزام مالك معنى. نعم ذكر ابن سحنون عن بعض أصحابنا جواز أخذ الطعام وبيعه ليتوصل به إلى ما يباح له أخذه، ورأى في البيان أن القولين اللذين في المدونة إنما هما فيما عدا الانتفاع بالخيل والسلاح في معمعة الحرب، وإنما اختلفوا: هل له أن يمسكها بعد الحرب ويقفل على الخيل أم لا؟
وقول المصنف: (وكَذَلِكَ ثَوْبُ يَلْبَسُهُ) أي: ففيه القولان، ولو جمع المصنف الجميع لكان أخصر، واختار اللخمي الجواز في الفرس والسلاح دون الثوب.
ويَجِبُ الرَّدُّ لِلْجَيْشِ إِلا فِي الْيَسِيرِ
يعني: أن ما فضل للمجاهد مما أبيح له أخذه إن كان كثيراً رده للجيش إن أمكن، وإن كان يسيراً جاز له أكله؛ لأنه إنما أبيح للحاجة والزائد غير محتاج إليه، ولوحظ في اليسير أن قدر الحاجةلما لم يكن منضبطاً بقدر معلوم بل يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة صار داخلاً فيما دعت الحاجة إليه.
مالك: وإذا أخذ طعاماً ثم استغنى عنه فليعطه لأصحابه بغير بيع ولا قرض وما حد اليسير؟ ابن القاسم: له حبس ما لا ثمن له وما ثمنه الدرهم وشبهه. ابن شعبان: وما ساوى نصف دينار فيرد إلى المغنم.
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَكَالْمَجْهُولِ يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ
أي: فإن لم يمكن رد الكثير، فالمشهور أنه يتصدق به كالمال الذي جهلت أربابه كاللقطة إذا مضى لها عام ولم يعلم لها مالك فإن قلت: يلزم من تشبيه المصنف تشبيه الشيء بنفسه، إذ هو بعد افتراق الجيش ولم تعلم أعيان المقاتلين كمال جهلت أربابه، قيل: لا؛ لأن الخمس هنا لبيت المال وهو معلوم، لكنه كالتابع لما ليس بمعلوم، ومقابل المشهور لابن المواز: أنه يتصدق به حتى يبقى اليسير فيجوز له أكله، وهذا لا يؤخذ من كلام المصنف واستبعد؛ لأن اليسير يغتفر في نفسه ولا يغتفر مع غيره.
وإِنْ أَوْصَى بِهِ ولَمْ يُعْلَمْ تَحَقُّقُهُ فَمِنَ الثُّلُثِ
هذا الكلام ذكروه في الغلول، ومفهومه: أنه لو تحقق لكان من رأس المال، والذي نص عليه ابن القاسم وغيره هنا: إنما يكون من رأس المال إذا كان قريباً ولم يفترق الجيش، وأما إذا تطاول في الثلث؛ وكأن المصنف رأى أن مع القرب وعدم افتراق الجيش يعلم صدقه، ومع البعد لا يعلم صدقه.
خليل: والأظهر ما يؤخذ من كلام المصنف، وأنه إذا علم تحققه يخرج من رأس المال ولو طال؛ لأن الوارث حينئذ لا حق له فيه، لاسيما إذا كانت عينه قائمة.
ولَوْ أَقْرَضَهُ لِمِثْلِهِ لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ إِلَيْهِ
لأنه إنما أبيح له من الطعام ما هو محتاج إليه، وما أقرضه لغيره صار في معنى المستغنى عنه، وصار قابضه هو المحتاج إليه. اللخمي: وإذا لم يلزم المستقرض رد المثل لم يلزم المشتري رد الثمن. ابن عبد السلام: والكلام في هذا الفصل يشبه الكلام في طعام الضيف، وأنه كما يقالك لا يستحق إلا بالأكل لا بوضعه بين أيديهم.
خليل: وما ذكره من أن طعام الضيف إنما يملكه بالأكل ذكره في البيان في باب الأيمان والنذور؛ لأنه قال فيمن دعاه أصحابه ليأكل معهم: لو أراد كلما قطع لقمة ورفعها إلى فيه أن يجعلها في كمه ويذهب بها إلى بيته أو يطمعها لغيره، لم يكن ذلك له إذا لم يأذن فيه أصحابه.
وتَمْضِي الْمُبَادَلَةُ بَيْنَهُمْ فِيهِ، كَلَحْمٍ بِعَسَلٍ أَوْ سَمْنٍ ونَحْوِهِ
يعني: إذا حصل لأحد من أهل الجيش عسل ولآخر لحم مثلاً فلكل واحد أن يعاوض صاحبه، ولا إشكال أن لكل واحد أن يمنع صاحبه مما بيده إذا كان محتاجاً إليه حتى يبادله، وانظر لو قبض العوض وامتنع من دفع المعوض، وقياس قولهم لا يجب رد المثل في القرض عدم جبره على دفع العوض، وأجاز سحنون هنا بدل القمح بالشعير
متفاضلاً، ومنعه ابن أبي الغمر إلا متساوياً. اللخمي: والأول أقسيس؛ لأن كل واحد منهما إنما يعطي ما استغنى عنه فللآخر أن يأخذه بغير عوض، وأشار بعضهم إلى التفرقة قال: إن وقعت المبادلةفيما يستغني كل واحد منهما عنه، فهذا لا يضر فيه التأخير؛ لأن كل واحد من الآخذ والدافع يجب عليه أن يعطيه لمن احتاج إليه، وإن وقعت المبادلة فيما يحتاجان إليه لكن حاجة كل واحد إلى ما في يد صاحبه أشد من حاجته إلى ما في يده، فهذا تجب فيه المناجزة؛ لأن كل واحد قد ملك ما في يده، ولعل الخلاف هنا كالخلاف في الربا بين العبد وسيده. اللخمي: واختلف فيمن باع طعاماً واشترى بثمنه طعاماً آخر، فكرهه ابن حبيب ورأى الثمن مغنماً بخلاف المبادلة.
سحنون: وقال بعض أصحابنا إن باعه لحاجة ليصرف ثمنه في كسوة أو سلاح ولا شيء عنده، لا بأس به كما لو أخذه من المغنم، فإذا بلغ بلاده تصدق به، وإن باعه ليتبادل به كان ثمنه مغنماً.
فرع: اختلف إذا جهل المستقرض أو توهم أن الرد يلزمه فقضاه من طعام بملكه، فقيل: يرجع بما دفع إن كان قائماً، وإن فاته المدفوع إليه فلا شيء عليه، كمن عوض من صدقة فظن أن ذلك يلزمه فإنما يرجع مع عدم الفوات وإن فات فلا؛ لأنه سلط المدفوع إليه، وقال بعض القرويين: يرجع مطلقاً؛ لأنه إنما [272/ أ] دفع العوض في الغنيمة للشرط. ابن يونس: والأول هو الصواب.
ومَنْ بَاعَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَثَمَنُهُ لِلْغَنِيمَةِ
تصوره ظاهر. وفي العتبية عن ابن القاسم فيمن باع طعاماً بأرض الحرب ممن يأكله رد الثمن في المغنم لا على المبتاع، وحمل اللخمي ذلك على أنه باعه من غير الجيش، أو ممن خرج لغير الجهاد من أجير أو تاجر، قال: ولو باعه من بعض الجيش ليأكله رد الثمن على المبتاع.
وَأَمَّا مَنْ نَحَتَ سَرْجاً أَوْ بَرَى سَهْماً فَهُوَ لَهُ ولا يُخْمَّسُ
في المدونة، مالك: ومن نحت سرجاً أو برى سهماً أو صنع مشجباً ببلد العدو فهو له ولا يخمس. سحنون: معناه إذا كان يسيراً. اللخمي: وقال ابن الماجشون: إن كان له قدر أخذ إجارة ما عمل والباقي يصير فيئاً. قال ابن يونس: وكذلك في الموازية. وحمل صاحب البيان قول سحنون على الخلاف؛ لأنه قال: وقد اختلف فيه إذا كان كثيراً على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه له وله بيعه. والثاني: أنه يأخذ إجارة ما عمل والباقي فيء، وهذان القولان في المدونة، ولا يكونان فيها إلا إذا كان كلام سحنون خلافاً. والثالث: أن جمعية فيء ولا أجرة له في عمله، وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون، وأما اليسير فلا اختلاف أنه له ولا شيء عليه فيه، وهذا الاختلاف إنما هو فيا عمل مما لا ثمن له أو مما له ثمن، على مذهب من يرى أن للرجل أن يأخذ من أرض العدو ما لم يحوزوه إلى بيوتهم من أشيائهم المباحة، مثل المسن والدواء من الشجر والطير للاصطياد إذا صادها، وهو قول ابن وهب، وابن عبد الحكم. وأما على مذهب من يرى أنه ليس له أن يأخذ شيئاً من ذلك إذا كانله ثمن، وأن ما صاده للأكل حكمه حكم طعام الغنيمة، وأن من باع منه شيئاً جعل ثمنه في المقاسم، وهو قول ابن حبيب في الواضحة وعزاه إلى مالك وأصحابه، فيتخرج على قولين: أحدهما: أنه يرد في المقاسم ولا أجرة له. والثاني: أن يكون له أجر مثله والباقي فيء. انتهى.
وذكر الباجيأن على قول ابن حبيب جمهور الأصحاب؛ لأنه قال: أما ما له قيمة بأرض العدو كالبازي والصقر، فجمهور أصحابنا أنه يكون مغنماً، وحكاه ابن حبيب عن مالك، قال: وأما ما ليس له ببلد العدو إلا قيمة يسيرة، فروى أشهب عن مالك أنه قيل له: إن بأرض العدو أشجاراً لها ثمن كثير ببلاد الإسلام وحملها خفيف وشأنها ببلد العدو يسير. قال: لا بأس بأخذ هذا وإن أخذه للبيع، ولو جاء به إلى صاحب المغانم لم
يقبله ولم يقسمه. وروى ابن حبيب عن ابن القاسمأن ما أكل من صيد أو حيتان فهو له، وما باعه كان ثمنه فيئاً، وكذلك ما حمله إلى أهله فباعه إلا اليسير.
والشَّانُ قَسْمُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وهُمْ أَحَقُّ بِرُخْصِهَا
هكذا قال في المدونة، والمراد بالشأن السنة الماضية، وقال أبو الحسن: الشأن يحتمل أن يريد به العمل، ويحتمل أن يريد به الوجه ولاصةواب؛ وهذا ما لم يعرض مانع كخوف من العدو.
وفي القسم بدار الحرب فوائد؛ منها: تغييظ الكفار. ومنها: تعجيل الفرحة للمسلمين. ومنها: زيادة الحفظ؛ لأنه إذا عرف كل واحد ماله احتفظ عليع. ومنها الرفق بهم في تفرقتهم إلى بلادهم وترك رجوعهم إلىبلدواحد؛ ولهذا قال ابن حبيب: لا ينبغي للإمام أن يبيع شيئاً من متاع الغنيمة الذي لا ينقسم إلا بالنقد.
وفي قوله: (وهُمْ أَحَقُّ بِرُخْصِهَا) جواب عن سؤال مقدر؛ لأن بعض العلماء ممن اختار قسمها ببلد الإسلام زعم أن في قسمها ببلد الحرب تضييع الأموال؛ لأنها تباع هناك رخيصة، فقال الإمام: هم أحق برخصها؛ أي: لأن ذلك الرخص راجع إليهم لأنهم هم المشترون لها. وهل تقسم الأثمان أو العروض؟ قال سحنون: إن الإمام يبيع ويقسم الأثمان، فإن لم يجد من يشتري قسم العروض خمسة أجزاء بالقرعة.
ابن عبد السلام: وهو ظاهر قوله: (وهُمْ أَحَقُّ بِرُخْصِهَا) وقال ابن المواز: تقسم السلع أولاً على خمسة أجزاء فيعطى للفيء واحد بالقرعة، ويخير الإمام في بيع البقية وقسم أثمانها وفي قسمتها من غير بيع بحسب ما تقتضيه المصلحة. اللخمي، وابن يونس: واختلف في السلع، فقيل: تجمع في القسم ابتداءً، وقيل: إن حمل كل صنف القسم بانفراده لم يجمع وإلا جمع وهذا أحسن وأقل غرراً. وهل تلحق السرية بالجيش في القسم ببلد الحرب؟ أما إن خرجت من بلد الإسلام فحكمها كالجيش، وأما إن خرجت من الجيش فلا تقسم
حتى تعود إليه. ابن المواز: وهو قول أصحابنا إلا ابن الماجشون فإنه قال: إلا أن يخشى من تلك السرية مضرة تضييع، وطرح أثقال، وقلة طاعة والي السرية فتباع الغنيمة ويلزم كل واحد فقط حفظ متاعه وهو استحسان؛ لأنه لا يبيع على الغائب ولا يقسم عليه إلا من يلي أمره، ووالي السرية لا يلي على بقية الجيش.
وإِذَا ثَبَتَ أَنََّ فِي الْغَنِيمَةِ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ قَبْلَ الْقَسْمِ، فَإِنْ عُلِمَ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ حَاضِراً أَوْ غَائِباً رُدَّ مَجَّاناً، وإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِعَيْنِهِ قُسِمِ ولَمْ يُوقَفْ، بِخِلافِ اللُّقَطَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ
…
(ثَبَتَ) أي: بطريقة الشرع. المازري: ويحلف أنه ما باع ولا وهب، ونص البرقي وأبو عبيد على عدم قسمه إذا عرف ذلك واحد من العسكر، قالا: وإن وجد أحمال متاع وعليها مكتوب: هذا لفلان بن فلان وعرف البلد الذي اشتري منه كالكتان بمصر وشبهه، لم يجز قسمه ووقف حتى يبعث إلى ذلك البلد ويكشف [272/ ب] عمن اسمه عليه، فإن وجد من يعرفه وإلا قسم. اللخمي: وظاهر قول مالك، وابن القاسم قسم ما علم بلده، وقسم ابن بشير المسألة على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يعلم ربه بعينه فلا يقسم.
والثاني: أن يعلم أنه لمسلم في الجملة.
والثالث: يعرف بلده وناحيته دون عينه، وذكر في كل واحد منها قولين، ومال الذمي كالمسلم لاشتراكهما معاً في العصمة، ثم إذا عرف ربه وكان حاضراً ولم يقسم دفع إليه مجااناً- أي: بغير عوض- وإن كان غائباً، فقال محمد: إن كان حمله خيراً لربه فعل ذلك وأخذ منه الكراء، وإن لم يكن حمله أوفق بيع وينفذ الإمام فيه البيع ولا يكون لربه غير الثمن.
وقوله: (وإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِعَيْنِهِ) أي: وإن عرف أنه لمسلم أو لذمي ولكن لم يعرف بعينه، فالمشهور أنه يقسم تغليباً لحق المجاهدين. وقال ابن المواز، وعبد الوهاب: يوقف. ابن عبد السلام: لكن مذهب ابن المواز يوقف ما رجي العلم بصاحبه، وظاهر كلام القاضي وقفة مطلقاً.
تنبيهات:
الأول: ابن عبد السلام: قول المصنف (ثبت) وشرط الثبوت مع العلم بعين المالك مخالف لعبارة أهل المذهب في هذه المسألة، وهي قولهم: فإن عرف ربه؛ لأن لفظ الثبوت إنما يستعملونه فيما هو سبب للاستحقاق كالشاهدين وما يقوم مقامهما، ولفظ المعرفة والاعتراف وشبههما يستعملونه فيما هو دون ذلك، أو فيما يشمل البينة، أو ما دونها. وفي كلام أبي عبيد والبرقي: المتقدم دليل على ذلك، ومنه استعمال لفظ المعرفة في اللقطة ومعرفة العفاص والوكاء.
والثاني: قوله: (عَلَى الْمَشْهُورِ) راجع إلى ما قاله ابن راشد، والفرق على المشهور بين اللقطة وما لم يعرف ربه ينبني على قاعدة، وهي: أن المشركين إذا غنموا شيئاً من أموال المسلمين على سبيل القهر، هل يبقى له فيه شبهة الملك، وإذا أسلموا تقرر ملكهم عليه؟ وهو مذهبنا ومذهب أبي حنيفة؛ لأن القهر والغلبة وجه يملك به المسلم مال المشرك، فجاز أن يملك به المشرك، كالبيع والصلح؛ ولأنهم لو أتلفوا شيئاً مما حصل في أيديهم ثم أسلموا لا يطالبون بذلك بالإجماع، ولولا الشبهة لغرموا، وخالفنا الشافعي فنفى الشبهة، ولعل نفى الغرامة عنه في الاستهلاك لاستئلافهم على الإسلام، وإذا تقررت هذه القاعدة ظهر لك الفرق؛ لأن الغانمين تنزلوا منزلة من له شبهة الملك، واللقطة لا حق فيها للملتقط.
وبِيعَتْ خِدْمَةُ الْمُعْتَقِ إِلَى أَجَلٍ، والْمُدَبَّرِ، والْمُكَاتَبِ، بِخِلافِ أُمِّ الْوَلَدِ إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ
يعني: إذا فرغنا على المشهور في بيع مال المسلم إذا لم يعلم مالكه بعينه، فكان من مال المسلم معتق إلى أجل، أو مدبر، أو مكاتب، أو أم ولد، فإنه تباع خدمة المدبر والمعتق إلى أجل؛ لأن خدمتهما ملك لسيدهما، ولا تباع خدمة المكاتب وأم الولد؛ أما المكاتب: فلأنه أحرز نفسه وماله فلم يبق لسيده فيه إلا الكتابة. وأما أم الولد؛ أما المكاتب: فلأنه أحرز نفسه وماله فلم يبق لسيده فيه إلا الكتابة. وأما أم الولد: فإنما لسيدها فيها استمتاع، وهو مما لا يقبل المعاوضة؛ ولا إشكال في بيع خدمة المعتق إلى أجل لانضباطها، وكذلك بيع كتابة المكاتب، ثم إن أدى الكتابة أعتق وكان ولاؤه للمسلمين، وإن عجز رق لمشتريها. وأما المدبر: فقال سحنون كالمصنف: إنه لا يدخل من المدبر في المغانم إلا خدمته.
ابن أبي زيد: يريد يؤاجر بمقدار قيمة رقبته، فتجعل تلك القيمة في المقاسم ويتصدق بذلك إن تفرق الجيش. قال ابن عبد السلام: ظاهر كلام المصنف أنه يباع جميع خدمة المدبر وليس بصحيح؛ لأنها محدودة بحياة السيد وهي غير معلومة الغاية، وإنما ينبغي أن يؤاجر زمناً محدوداً بما يظن حياة السيد إليه، ولا يزاد على الغاية التي تذكر في كتاب الإجارة، ثم إن عاش المدبر وسيده بعد تلك المدة تكون الخدمة الزائدة كاللقطة لافتراق الجيش وعدم العلم بأعيان من يستحقها.
ولَوْ جَهِلَ الْوَالِي أَوْ تَأَوَّلَ فَقَسَمَ مَا وَجَبَ لِمَالِكِهِ، فَثَالِثُهَا: يَمْضِي التَّأويلُ
يعني: فلو قسم الوالي مال المسلم المعين، وهو معنى قوله:(مَا وَجَبَ لِمَالِكِهِ) إما جاهلاً بالحكم، أو متأولاً في الأخذ بقول بعض العلماء، فقال سحنون: يمضي؛ لأنه حكم وافق اختلافاً بين الناس، لأن الأوزاعي قال: لا يأخذه ربه إلا بالثمن لو عرف بعينه، وعدم الإمضاء لابن القاسم وابن حبيب ويأخذه ربه بغير ثمن.
والثالث: لم أره، وذكر ابن عبد السلام: أنه مختار الأشياخ، ولم يسقه ابن بشير على أنه خلاف، بل قال بعد القولين: وهذا في التأويل ظاهر؛ لأنه حكم بما اختلف الناس فيه، ونقضه هو المشكل إلا أن يتأول على أنه لم يتأول موافقة الخلاف، وإنما تأول القسم من غير أن يعرف كون ذلك مذهباً لأحد. وأما إذا جهل فقد اعترض الأشياخ القول بمضيه؛ لأن الجاهل لا يعذر بموافقته للمذهب.
فَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ الْقَسْمِ فَلِمَالِكِهِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِثَمَنِهِ إِنْ عُلِمَ، وإِلا فَبِقِيمَتِهِ
هذا قسيم قوله: (قبل القسم) يعني: وإن ثبت أنه مال مسلم معين بعد القسم، فلمالكه أخذه إن شاء بثمنه؛ أي: بالقدر الذي قوم به في الغنيمة. قال صاحب الاستذكار، وغيره: وسواء دخله زيادة أو نقص، كما لو عمي أو تعيب بغير ذلك؛ لأنه [273/ أ] إنما يستحقه بسبب قديم كالشفعة. قال في المدونة: وإن أراد به أخذه لم يكن لمن هو في يده أن يأبى ذلك. قال في البيان: ولا خلاف في المذهب أن لرب السلعة أن يأخذها إن شاء، وإن لم يعلم ذلك القدر أو يشتره أخذه بالقيمة.
ابن راشد: وتكون القيمة يوم القسم. خليل: وهو مقتضى كلامهم. وقال ابن عبد السلام: يريد- والله أعلم- بقيمته يوم أخذه، ويحتمل بقيمته يوم القسم.
وَلَوْ بِيعَ مِرَاراً فَفِي تَعَيينِ الثَّمَنِ الأَوَّلِ أَوْ يُتَخَيَّرُ كَالشَّفِيعِ قَوْلانِ
القولان لسحنون: قال أولاً: إذا تداولته الأملاك أخذه بأي ثمن شاء، ثم رجع فقال: يأخذه بما وقع في المقاسم بخلاف الشفعة، إذ لو سلم الشفعة في بيع ثم بيع الشقص كان للشفيع فيه الشفعة، وهذا إذا أسلمه لم يكن له أخذه إن بيع بعد ذلك، وهو قول ابن القاسم، رواه عنه سحنون في العتبية واحتج بهذا، وصرح ابن راشد بمشهورية تعيين الثمن الأول. وخرج اللخمي وصاحب البيان في هذه المسألة قولاً ثالثاً مما وقع في الذي يشتري عبداً من بلد الحرب ثم يقدم فيبيعه، أنه لا يكون لصاحبه إلا ما بين الثمنين وفيه نظر.
وإِذَا قُسِمَتْ أُمُّ الْوَلَدِ جَهْلاً؛ فَفِيهَا: يَفْدِيهَا رَبُّهَا بِالثَّمَن جَبْراً. وقِيلَ: بِالأَقَلِّ. وقِيلَ: بِقِيمَتِهَا. وقِيلَ: أَوْ الإمَام. وفِي الْمُوَطَّأِ: يَفْدِيهَا رَبُّها إِنِ امْتَنَعَ الإِمَامُ، ويَتبعُ ذِمَّتَهُ إِنْ كَانَ فَقِيراً .....
قوله: (جَهْلاً) أي: بأنها أم ولد، وظن أنها فن لا أنه قسمها وهو يعلم أنها أم ولد وجهل الحكم، فإن هذه يأخذها ربها بغير ثمن اتفاقاً. وأما الوجه الأول، فمذهب المدونة: أنه يفديها ربها بالثمن جبراً؛ أي: بما وقعت عليه في المقاسم وإن كان ذلك أضعاف قيمتها ولا خيار له، وهو معنى قوله:(جَبْراً) وأحسن منه إجباراً؛ لأن أكثر استعمال العرب الفعل في هذا الباب رباعي، وقال المغيرة، وأشهب: يفديها بالأقل من القيمة والثمن وهو أظهر؛ لأنه قد يزيد في الثمن لغرضه فلا يلزم ذلك ربها، وفي إلزامه القيمة إذا كانت أكثر من الثمن ضرر بالسيد.
وقوله: (وقِيلَ: بِقِيمَتِهَا) ظاهره: ولو زادت على الثمن ولم أره. وقوله: (أَوْ الإمَام) هكذا وقع في بعض النسخ، وفي بعضها إسقاطه ولا كلام على الإسقاط. وأما على إثباتها فالأولى لو قال: وقيل: الإمام؛ لأن ابن بشير وغيره ذكر قولاً بأنه يفديها الإمام. وفي الموطأ: يفديها الإمام، فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفديها، وهذا معنى قوله:(وفِي الْمُوَطَّأِ: يَفْدِيهَا رَبُّها إِنِ امْتَنَعَ الإِمَامُ) ولم يصرح في الموطأ بماذا تفدى، وكأنه رأى في الموطأ أن سيدها لما كان مجبراً على افتكاكها والإمام أدخله فيها كان على الإمام أن يغرم ذلك. قوله:(ويَتبعُ ذِمَّتَهُ إِنْ كَانَ فَقِيراً) يعني: حيث خاطبنا السيد بالفداء، فإن كان موسراً أخذ منه، وإن كان معسراً أتبع به.
فَلَوْ مَاتَتْ أَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ بِهَا لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ بِشَيْء
لأن الفداء ليس بدين ثابت في ذمة السيد، وإنما هو لتخليص رقبتها، فإذا ماتت فقد تخلصت رقبتها، وكذلك إن مات سيدها لأنها تصير حرة، فلذلك لم يكن على السيد في
موتها ولا في تركته شيء إن مات، وهذا الفرع لسحنون. ونقله صاحب النوادر، واللخمي، وابن يونس، كما نقله المصنف؛ أعني: في جعل الغاية العلم بها، فقول ابن عبد السلام: ولم يجعل سحنون الغاية كالمصنف بل جعلها الحكم ليس بظاهر، نعم نقل الباجي عن سحنون مثل ما ذكره.
فَإِنْ قُسِمَ الْمُعْتَقُ إِلَى أَجَلٍ خُيِّرَ السَّيِّدُ، فَإِنْ فَدَاهُ رَجَعَ إِلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ كَانَ إِسْلاماً لِخِدْمَتِهِ فَقَطْ إِلَى أَجَلِهِ فَقَطْ. وقِيلَ: إِلا أَنْ يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهُ قَبْلَهُ فَيَرْجِعَ إِلَى السَّيِّدِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءُ فَفِي اتِّبَاعِ الْعَبْدِ بِهِ قَوْلانِ ....
لا خفاء أنه لو علم أنه معتق إلى أجل وعرف سيده أنه يوقف له، وإن لم يعرف بيعت خدمته ودخلت في المقاسم على المشهور كما تقدم. وأما إن لم يعلم أنه معتق إلى أجل وقسم ثم عرف صاحبه بعد ذلك، فإنه يخير سيده بين أن يفديه بما وقع به في المقاسم أو يسلمه؛ فإن فداه رجع إلى حاله، وإن أسلمه قال المصنف: (كَانَ إِسْلاماً لِخِدْمَتِهِ فَقَطْ
…
وقِيلَ: إِلا أَنْ يَسْتَوْفِيَ) حاصله: أنه هل يسلم الخدمة تمليكاً أو على التقاضي، والقول بالتمليك نقله في النوادر عن ابن القاسم، ولفظه: والمعتق إلى أجل حين أسلمه صارت خدمته وإن كثرت للمبتاع حتى يحل الأجل ويعتق، فإن بقي له شيء أتبع به، قال: وروى أبو زيد عن ابن القاسم في المعتق إلى أجل يتم الأجل ولم يستوف المشتري من الخدمة ما بقي له، أنه لا يتبعه بشيء وهذا هو الصواب، ورجوع منه عن قوله الأول. انتهى.
والقول بأنه إنما يأخذ القيمة على التقاضي، وأنه يرجع إلى السيد إن بقي من الأجل شيء، نقله ابن يونس عن سحنون، وإن تم الأجل ولم يوف عتق ولم يتبع بشيء. وقد ذكر اللخمي أيضاً الخلاف في الخدمة هل تعطى تمليكاً، أو على التقاضي؟ وهل يتبع إذا أعتق بما بقي أم لا؟ كما ذكر المصنف. وقول ابن عبد السلام: الموجود هنا هو قول سحنون ليس بظاهر.
وكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ قَبْلَ الاسْتِيفَاءِ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ حُرّاً، وفِي اتِّبَاعِهِ بِبَاقِي الثَّمَنِ قَوْلانِ، ويُقَوِّمُ عَبْداً مِنْ مَالِهِ، ولِذَلِكَ لَوْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ عُتِقَ ثُلُثُهُ ورَقَّ [273/ أ] بَاقِيهِ ولا قَوْلَ لِلْوَرَثَةِ بِخِلافِ الْجِنَايَةِ، وقِيلَ: يُخَيَّرُونَ كَالْجِنَايَةِ ..
يعني: إذا قسم المدبر ولم يعلم أنه مدبر، فإن فداه سيده رجع إلى حاله، وإن أسلمه فكما تقدم في المعتق، فإن مات سيد المدبر فإما أن يخرج من ثلثه أو لا، فإن خرج حكم بحريته. وهل يتبع بام بقي عليه مما وقع به في المقاسم؟ ذكر في المدونة في باب المدبر قولين: مذهب ابن القاسم اتباعه، وقال غيره: لا يتبع. وعن ابن الماجشون ثالث بالفرق بين المدبر يقع في المقاسم فلا يتبع، وبين المشتري من دار الحرب فيتبع، واستصوبه محمد.
خليل: وينبغي أن يقيد قول من قال بعدم الاتباع هنا، وفي المعتق إلى أجل بما إذا لم يكتماه، وأما إن كتماه فيرجع عليهما لغرورهما، وإن لم يخرج عتق منه محمل الثلث، وهل يتبع الجزء العتيق بما ينويه؟ القولان، وأما الجزء الذي لم يعتق، فقال ابن القاسم: يسلم رقاً لمن هو في يده، ولا يخير الورثة في إسلامه وفدائه بما ينوبه، كما يخيرون في ذلك في الجناية إذا جنى المدبر وأسلمه سيده للمجني عليه ثم يعتق بعضه، وقيل: يخيرون كالجناية، والفرق بينهما على المشهور أن المشتري في المغانم إنما اشترى الرقبة، فالسيد لما أسلمه فقد أسلم ما اشترى- وهو الرقبة- وقد آل الأمر إليها فلا رجوع، بخلاف الجناية فإن المجني عليه لم يدخل إلا على الخدمة، فإذا آل الأمر إلى الرقبة فهي شيء آخر، وفيه نظر؛ لأنه مبني على أن السيد في الغنيمة أسلم الرقبة وليس كذلك، وإنما أسلم الخدمة، إلا أن يلاحظ كونه دخل ابتداءعلى ملك الرقبة.
وَإِنْ قُسِمَ الْمُكَاتَبُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِنْ أَدَّى مَا اشْتُرِىَ بِهِ عَادَ مُكَاتَباً لِسَيِّدِهِ، وإِنْ عَجَزَ فَكَعَبْدٍ أَسْلَمَ أَوْ فُدِي كَالْجِنَايَةِ. وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: إِنْ أَسْلَمَهُ السَّيِّدُ فَعَلَى كِتَابَتِهِ .....
يريد: ولم يعلم أنه مكاتب، فقال ابن القاسم: يقال له: أد ما اشتراك به هذا، كما يقال له: أد الجناية، فإن أداه رجع مكاتباً، وإن عجز كان ذلك عجزاً عن الكتابة كما في الجناية أيضاً. ويخير سيده بين أن يسلمه عبداً أو يفديه. ورجع سحنون إلى هذا القول بعد أن قال: يخير السيد أولاً بين أن يفديه أو يسلمه، فإن فداه بقي له مكاتباً، وإن أسلمه قيل للمكاتب: أد ما صرت به لمن أنت في يده وتمضي على كتابتك، فإن عجز عن ذلك، فهو كماكتب عليه دين فلس به فإنه يعجز.
قوله: (وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ) يعني: أن المكاتب الذي قد قسم يخير سيده في فدائه وإسلامه، فإن فداه بقي على كتابته، وإن أسلمه لم يلزم المكاتب غير كتابته فقط، يؤديها على نجومها، ويخرج حراً ولا يتبع بشيء، فإن عجز رق لمشتريه، ولم يكن لسيده فيه خيار ولا رجعة، وترك المصنف من قول عبد الملك: ولا يتبع بشيء إذا خرج حراً، وإن عجز رق لمشتريه ولم يكن لسيده فيه خيار ولا رجعة، وهذا مخالف لما حكيناه عن سحنون؛ لأنه على قول عبد الملك: إذا أسلمه لا يلزمه غير الكتابة، وعلى قول سحنون يقال له: أدِّ ما صرت به. قال عبد الملك: وأما إن اشترى المكاتب من العدو ولم يفده سيده، فإنه يقال للمكاتب: أد لمشتريك الثمن الذي اشتراك به وتبقى على كتابتك تؤديها إلى سيدك وتخرج حراً، وإن لم تفعل رققت الساعة لمشتريك، وهذه الأقاويل حيث لم يؤد المكاتب لمن وقع له شيئاً، وأما إن أتى سيده وقد أدى بعضها وأراد افتكاكه، فاختلف الشيوخ؛ فمنهم من قال: يكون كبيع قد فات، فإن كان قد قبض نصف الكتابة أو ثلثها- يريد بالقيمة لا بالعدد- مضى لمن هو في يده ما قبض، وأخذ سيد المكاتب ما بقي بنصف الثمن أو ثلثه.
ومنهم من قال: هو كبيع لم يفت، فإذا شاء سيده افتكاكه دفع لمن هو في يده جميع ثمنه وأخذ ما كان قبض من المكاتب.
ومَنْ صَارَتْ إِلَيْهِ جَارِيَةٌ أَوْ غَيْرُهَا، وعَلِمَ أَنَّهَا لِمُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ لَمْ تَحِلََّ لَهُ حَتَّى يُخَيَّرَ صَاحِبُهَا .....
قوله: (أَوْ غَيْرُهَا) يريد من سائر السلع، وكذلك قال في المدونة. قوله:(لِمُسْلِمٍ) يريد أو ذمي كما تقدم، وإنما لم تحل؛ لأنها مملوكة للغير وانتقالها عن ملكه موهم، لاسيما في الفرج، وعلى القول بأن العلم بربها لا يمنع من قسمتها إذا كان غائباً يجوز له التصرف هنا.
وإِذَا تُصُرِّفَ فِي الرَّقِيقِ بِالْعِتْقِ الْمُنْجَزِ أَوِ الاسْتِيلادِ مَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ أُعْتِقَ إِلَى أَجَلٍ فَأَجْرَاهُ اللَّخْمِيُّ عَلَيْهِ .....
يعني: أن من وقع في سهمه عبد أو أمة أو اشتراهما من حربي، فأعتق العبد عتقاً ناجزاً، أو استولد الأمة، فالمشهور أنه فوت ولا شيء للسيد، قاله في المدونة.
وفي الموازية عن أشهب: أن له نقض عتق العبد ويأخذه بالثمن. وذكر سحنون عن أشهب في الاستيلاد: أن له أن يأخذ الأمة وقيمة ولدها، وبه قال ابن القاسم أولاً كالاستحقاق، ورأى في المشهور أن هذا أضعف؛ لأن المستحق يأخذه بغير عوض بخلاف هذا. وقوله:(تُصُرِّفَ) يضبط مبنياً لما لم يسم فاعله؛ ليعم تصرفه وتصرف من باع له أو وهب له وغير ذلك. واختلف الشيوخ على المشهور لو اشترى العبد من المقاسم على أن يرده على صاحبه فأعتقه، فقال القابسي، وأبو بكر بن عبد الرحمن: يمضي عتقه كالأول، وقال ابن الكاتب:[274/ أ] لا يمضي؛ لأنه دخل على الرد على صاحبه. اللخمي: ويختلف إذا أعتق إلى أجل، فيمضي على قول ابن القاسم، ويرد على قول أشهب. وهذا معنى قوله:(فَأَجْرَاهُ اللَّخْمِيُّ عَلَيْهِ).
ابن بشير: ويبعد أن يجري عليه لعدم إنجاز العتق، فيقوى هنا على الرد.
ولَو قُسِمَ الْمُسْلِمُ أَوِ الذِّمِّيُ جَهْلًاً لِكِسْوَتِهِمَا، فَثَالِثُهَا: إِنْ عُذِرَا فِي السُّكُوتِ بِأَمْرٍ لَمْ يُتَّبَعَا .....
لا خلاف في حريتهما، وإنما اختلف في اتباعهما، والقول بالاتباع لأشهب، وبعدمه لمالك وابن القاسم وسحنون. اللخمي: لم يفرق في هذين القولين هل كان جاهلاً أو عالماً؟ وقال ابن القاسم: إن كان صغيراً أو كبيراً قليل الفطنة، كثير الغفلة، أو أعجمياً يظن أن ذلك رق له لم يتبع، وإن نودي عليه وهو ساكت بلا عذر أتبع إذا لم يجد المشتري على من يرجع. وقال غيره: لا يتبع ولو غر. واختلف الشيوخ في إبقاء هذه الأقاويل على ظاهرها في المسألة أو تأول، فذهب المؤلف وبعضهم إلى بقائها على ظاهرها كما ترى. وقال اللخمي: لا يختلف إذا كان المبيع صغيراً؛ لأنه لا رجوع عليه. وقال ابن رشد: لا خلاف أنه إذا عذر بجهل لا شيء عليه، وإنما اختلف إذا لم يعذر بجهل، وطريقة ابن رشد مخالفة للخمي؛ لأن ابن رشد أخرج من يعذر بجهل مطلقاً من الخلاف، واللخمي إنما أخرج الصغير، وكلاهما خلاف طريقة المصنف وابن بشير؛ لكونهما أطلقا الخلاف. وأشار في البيان إلى أن هذا الخلاف جارٍ على الغرور بالقول.
ابن عبد السلام: وبالجاري عندي على مشهور المذهب أنه غرور بالفعل، وأنه موجب للغرم؛ لأن سكوته مع علمه وإسلامه نفسه لمشتريه فعل، ومسائل الغرور في النكاح تشهد لذلك. اللخمي: وكل هذا إذا افترق الجيش وكانوا لا يعرفون لكثرتهم، فإن لم يفترق الجيش أو عرفوا بعد الافتراق رجع عليهم المشتري أو من صار في سهمه. ابن القاسم: ينبغي للإمام أن يغرم لمن وقع في سهمه من بيت المال. وقال ابن مسلمة: على الإمام أن يؤدي ذلك من الفيء أو الخمس. وقال سحنون: لا شيء عليه ولا يعطى من الخمس أو بيت المال، وهي مصيبة نزلت به.
ومَنْ عَاوَضَ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَالٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَلِمَالِكِهِ أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ اتِّفَاقاً
تقدم أن للمشركين فيما أخذوه شبهة الملك، فإذا دخل رجل دار الحرب فاشترى منهم مال مسلم لم يكن كالمشترى من الغاصب، بل إنما يأخذه ربه بالثمن؛ فإن كان عيناً دفع مثله حيث لقيه أو حاكمه، إن كان مثلياً أو عرضاً دفع إليه مثل ذلك في بلد الحرب، وإن كان الوصول إليها ممكناً، كمن أسلف ذلك فلا يلزمه إلا مثله بموضع السلف، إلا أن يتراضيا على ما يجوز. ابن يونس عن بعض شيوخه: وإن لم يمكن الوصول إليها فعليه هنا قيمة ذلك المكيل ببلد الحرب. والاتفاق الذي حكاه المصنف حكاه ابن بشير.
وفِي أَخْذِ مَا فُدِيَ مِنَ اللُّصُوصِ مَجَّاناً قَوْلانِ
يعني: أنه اختلف إذا فدي شيء من أيدي اللصوص هل لا يأخذه ربه إلا بالثمن كالمشتري من يد العدو؟ أو يأخذه هنا بغير شيء؛ لأن اللص ليس له شبهة الملك بخلاف الحربي؟ والقولان ذكرهما ابن بشير ولم أرهما معزوين.
ابن راشد: والثاني أقيس. وقال ابن عبد السلام: الذي مال إليه من أرضي من شيوخي الأول لكثرة النهب في بلدنا، فيعمد من له وجاهة عند الأعراب، فيفتك منهم ما ينهبونه بأقل من ثمنه، فلو أخذه مالكه بغير شيء انسد هذا الباب مع الحاجة إليه، وكثيراً ما يسأل من هو منتصب لهذا هو تجوز له الأجرة؟ ولا شك في المنع إن دفع الفداء من عنده؛ لأنه سلف وإجارة، وإن كان الدافع غيره ففي ذلك مجال للنظر.
وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ
يعني: فإن أخذه من دار الحرب بغير شيء، وفي معناه ما أخذه من اللصوص، كما لو وهبه له الحربي، ولم يكافئه على ذلك، وأما إن كافأه فلا يأخذه إلا بذلك.
فَإِنْ بَاعَهُ الْمُعَاِوضُ مَضَى ولِمَالِكِهِ الزَّائِدُ إِنْ كَانَ. وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ تَمْكِينَهُ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وخَرَّجَهُ غَيْرَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ يُبَاعُ، وفِيهِ قَوْلانِ: الْمَشْهُورُ: كَالْمُعَاوِضِ، وقِيلَ: يَاخُذُهُ بِالثَّمَنِ، ويَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لا غَيْرُ ....
يدخل في قوله (المعاوض) المشتري والمكافئ على الهبة. وقوله: (مَضَى) أي: البيع (ولِمَالِكِهِ الزَّائِدُ إِنْ كَانَ) كما لو اشتراه بمائة وباعه بمائتين، فلمالكه المائة الزائدة.
اللخمي: ويجري فيها قول بأنه لا يكون البيع فوتاً قياساً على ما بيع في المغانم أن للمستحق أن يرد البيع؛ لأن للمالك في كل من الصورتين أخذ عين شيئه إذا وجده قبل البيع. وفرق ابن بشير بقوة ملك المالك في مسألة الغنيمة وضعفه في مسألة الشراء، ألا ترى أنه يأخذه في مسألة الغنيمة قبل القسمة بغير عوض، ولا يأخذه في الشراء إلا بعوض. ولهذا خرجه أبو عمران على الذي يهب له الحربي مال مسلم فيبيعه الموهوب له، فقال ابن القاسم: ليس لمالكه إلا الثمن الذي بيع به خاصة، وإليه أشار بقوله:(الْمَشْهُورُ: كَالْمُعَاوِضِ). وقال ابن نافع: له نقض البيع، ولا يأخذه من يد مشتريه إلا بعد دفع الثمن، ثم يرجع المالك على البائع؛ أي: الموهوب له فيأخذ منه جميع الثمن.
وقوله: (لا غَيْرُ) أي: ليس على الموهوب له غلة. وعلى هذا [274/ ب] فيكون قوله: فله جميع الثمن مفرعاً على عدم الإمضاء. وجعل ابن راشد قوله: فله جميع الثمن لا غير مفرعاً على عدم القول بالإمضاء؛ أي: فإذا قلنا بإمضاء البيع فالموهوب الذي لم يكافأ عليه يرجع عليه المالك بجميع الثمن لا غير. خليل: وقد يفرق بين الهبة والبيع بأن المعاوض بذل مالاً فقوي ملكه بخلاف الموهوب.
والْمُدَبَّرُ ونَحْوُهُ إِنْ أُسْلِمَ لِلْمُعَاوِضِ اسْتُوفِيَتْ خِدْمَتُهُ ثُمَّ أُتْبِعَ إِنْ عَتَقَ بِجَمِيعِ الثََّمَنِ، وقِيلَ: بِمَا بَقِيَ ....
قوله: (ونَحْوُهُ) أي: المعتق إلى أجل، وقد تقدم في المدبر يقع في المقاسم، والمفدي من العدو ثلاثة أقوال، ولم يقدم المصنف في الواقع في المقاسم قولاً باتباعه بجميع الفداء،
وظاهر كلام المصنف أن اتباعه بالجميع هنا هو المشهور، ولم أر من شهره. وعن ابن الماجشون الفرق بين المدبر يقع في المقاسم، فلا يتبع إن خرج حراً، ولا الجزء العتيق إن خرج بعضه كالحر لا يتبع في الفيء، وبين من اشتري من بلد الحرب فيتبعه مشتريه بما بقي له بعد أن يحاسبه بقيمة خدمته وما استغل. قال: لأن الحر في هذا يتبع.
محمد بن المواز: وهو صواب، ولا يأخذ أكثر مم أعطى فيدخله الربا. وقريب مما قاله ابن الماجشون ما ذكره ابن سحنون إلا أنه قال: لا يحاسبه بشيء مما استخدمه ويتبعه بجميع الثمن. وقال: ولم يأخذ به سحنون. وفي المدبر الواقع في المقاسم قول بأنه لا يتبع بشيء، فانظر هل يجري هنا؟
فَإِنْ قَدِمَ بَأَمْوَالٍ مُسْتَامَنُونَ فَفِي كَرَاهَةِ شِرَائِهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا واسْتِحْبَابِهِ قَوْلانِ
يعني: إذا قدم الحربيون بأمان ومعهم أموال المسلمين، فكره في المدونة لغير أربابها شراءها واستحبه في الموازية، وهو إنما يتوجه على أن ربها يأخذها بالثمن فيكون شراؤها سبباً لخلاصها ولاسيما إذا انضم إلى ذلك رخص في السلع. واختلف في تعليل الكراهة، فقيل: لأن في ذلك تقوية بثمنها، وقدح فيه بأنه يقتضي الكراهة في شراء سلعهم، وقيل: لما في ذلك من إغراء الحربيين على أموال المسلمين، وعلى هذا فالكراهة أيضاً في حق أربابها، وقيل: لأن شراءها يفوتها على ربها، فإن ابن القاسم نص في المدونة على أنه إذا اشترى من المستأمن أحد أنه لا يكون لربه أخذه ولو بالثمن، بخلاف ما يشتري من الحربي ببلد الحرب. قال في المدونة: لأن الحربي لو وهب عبيداً لمسلم في بلد الحرب، فقدم بهم كان لربهم أخذهم بغير ثمن. والذي قدم إلينا بأمان لو وهبهم لأحد لم يأخذهم سيدهم. وإلى هذا الفرع أشار المصنف بقوله:
وإِنْ اشْتُرِيَتْ أَوْ وُهِبَتْ فَالْمَشْهُورُ: كَالْمِلْكِ الْمُحَقَّقِ لا كَالأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الأَمَانَ يُحَقِّقُ الْمِلْكَ أَوْ لا ..
قد علمت أن المشهور هو ما في المدونة، ومقابل المشهور أنه كالأول؛ أي: كالمشترى من بلد الحرب فيأخذه ربه في الشراء بالثمن. وفي الهبة بغير شيء، وهو الذي يأتي على مذهب الموازية في الفرع السابق، وهو مذهب القاضي إسماعيل؛ لأنه قال: لم يحك ابن القاسم هذه المسألة عن مالك، والذي يشبه على مذهب مالك أن لصاحبه أن يأخذه في الشراء بالثمن، وفي الهبة بلا ثمن واستحسنه اللخمي. والفرق لابن القاسم هو ما أشار إليه المصنف من أن الأمان يحقق الملك.
وأَمَّا لَوْ أَسْلَمُوا تَحَقَّقَ الْمِلْكُ اتِّفَاقاً
يعني: وأما لو أسلم المستأمنون تحقق ملكهم لما بأيدهم من أموال المسلمين بالاتفاق تأليفاً لهم على الإسلام.
والْمَنْصُوصُ فِي أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ نَزْعُهُمْ لَوْ أَسْلَمُوا عَلَيْهِمْ خِلافاً لابْنِ شَعْبَانَ
لأن الحر لا يسترق، فإذا أسلم المستأمن وبيده أسارى من أحرار المسلمين انتزعوا، وخالف في ذلك ابن شعبان وأحمد بن خالد؛ وهو قول مشكل، ولا وجه له. وعلى الأول فظاهر كلام المصنف، وهو ظاهر الروايات أنه يأخذه بغير عوض، وقال أبو إبراهيم من الأندلسيين أنه بعوض.
بِخِلافِ الرَّقِيقِ، وبِخِلافِ الذِّمِّيِّ
أما الرقيق فلأنهم أموال من أموال المسلمين كالسلع، وما ذكره المصنف في الذمي هو مذهب ابن القاسم، وقال أشهب: هو بذمته كالمسلم فلا يسترق.
ابن راشد: والأول أصح؛ لأن بالذمة حقاً له علينا، ولم تعقد له الذمة على من كان بأرض الحرب.
وأُمُّ الْوَلَدِ تُفْدَى، والْمُدَبَّرَ ونَحْوُهُ كَالْمِلْكِ الْمُحَقََّقِ، ثُمَّ يُعْتَقُونَ مِنَ الثُّلُثِ، أَوْ بَعْدَ الأَجَلِ لأَنَّهُمْ لا يُتَّبَعُونَ بِشَيْءٍ ولا قَوْل لِلْوَرَثَةِ ....
ييعني: أن سيد أم الولد يفديها من المستأمن بقيمتها لقوة شبهها بالحرة، ونحو المدبر المعتق إلى أجل، يبين لك ذلك قوله بعد هذا:(ثُمَّ يُعْتَقُونَ مِنَ الثُّلُثِ، أَوْ بَعْدَ الأَجَلِ) يعني: وأما إن كان بيد المستأمن الذي قد أسلم مدبر أو معتق إلى أجل فإنه يكون فيهم كالمالك المحقق، وليس لسيدهما خيار، فإذا مات سيد المدبر، والثلث يحمله كان حراً، ولو كان على السيد دين يستغرقه كان رقيقاً للمستأمن، وإن لم يكن له مال غيره عتق ثلثه ورق ثلثاه، وكذلك إذا انقضى الأجل عتق. والضمير في (يُعْتَقُونَ) عائد على المدبر ونحوه؛ لأن المراد بكل واحد الجنس.
وقوله: (مِنَ الثُّلُثِ، أَوْ بَعْدَ الأَجَلِ) الأول راجع إلى الأول، والثاني إلى الثاني؛ أي يعتق المدبر من الثلث، [275/ أ] والمعتق إلى أجل بعد الأجل، ولا يتعبون بعد العتق بشيء؛ لأنه ملك الخدمة فقط. وفي كلام المصنف حذف مبتدأ تقديره: وهو في المدبر ونحوه كالملك المحقق.
فَلَوْ قَدِمُوا بِمُسْلِمِينَ أَحْرَارَاً أَوْ أَرِقَّاءَ فَثَالِثُهَا: يُجْبَرُونَ عَلَى بَيْعِ الإِنَاثِ
القول بإجبارهم على البيع مذهب أصحاب مالك إلا ابن القاسم.
ابن الماجشون: ويعطون في كل مسلم أوفر قيمة.
ومقابله لابن القاسم في الموازية قال: لا يمنعون من الرجوع بهم، ولا من وطء الإماء.
والثالث: حكاه سحنون عن ابن القاسم، وأجروا هذا الخلاف إذا أسلم عبيدهم، أو عوهدوا على أن من جاء مسلماً رد إليهم.
ابن يونس: وأنكر رجل من أهل المدينة يقال له داود القول بعدم الجبر، فبلغ ذلك مالكاً، فاحتج بما رواه البخاري ومسلم "أنه صلى الله عليه وسلم قاضي أهل مكة عام الحديبة على أن من أتى من أهل مكة مسلماً رده إليهم، فهرب أبو جندل بن سهيل وهو مسلم حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلبه أبوه في مكة فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنا لا نخفر بالعهد".
مالك: فكذلك حجة الحربي أن يقول عهدي لا ينتقض. واستصوب جماعة القول الأول؛ لأنا وإن أعطيناهم الأمان فما أعطيناهم ذلك إلا مع إقامة شرعنا، ومن إقامته تخليص المسلمين، ولا كبير مضرة عليهم إذا أخذوا قيمتهم، ويجاب عن الحديث بأن ذلك كان في أول الإسلام، وقبل أن يكثر المسلمون.
اللخمي: ولا يجوز ذلك اليوم بعد ظهور الإسلام؛ لأن فيه وهناً للمسلمين وإذلالاً لهم.
ولَوْ سُرِقُوا فِي مُعَاهَدَتِهِمْ ثُمَّ عَادُوا بِهِ، فَثَالِثُهَا: إِنْ عَادَ بِذَلِكَ غَيْرُهُمْ لَمْ يُنْتَزَعْ
تصوره ظاهر. قال في البيان: والأصح أنه ينزع. ونص في المدونة على أنه يقطع إن سرق، ويقتل إن قتل. وإلى ذلك ذهب ابن الماجشون وأصبغ وابن حبيب وابن المواز أنه يؤخذ المستأمن بما أحدث، فإن استكره المسلمة قتل، وإن سرق قطع، وإن قذف حراً حد، وإن زنى بمسلمة طوعاً عوقب.
ابن حبيب: عقوبة يشرف بها على الموت. وعن أشهب: أنه لا يحد ولا يقطع. قيل: ويقام عليه حد الحرابة اتفاقاً ويعاقب.
مالك وغيره: وإن أخصى عبده لا يعتق عليه، وكأنه أخصاه ببلده.
ابن المواز: وإن لم يقم على الحربي حتى هرب إلى بلد الحرب، ثم عاد بأمان ثان فيؤخذ بما تقدم ولا يزيله أمانه الثاني.