الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّيْدُ
جَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ
لعله ذكر هذا الباب إثر كتاب الحج لقوله تعالى: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ([المائدة:2].
وحكمة مشروعيته لمن حل من الإحرام التنبيه على أن العبد إذا امتثل أمر ربه وحبس نفسه عما نهى عنه، فإن المولى سبحانه وتعالى يكرمه ويحل له ما حرم عليه، ترى أن الخمر فى الدنيا حرام، فمن حبس نفسه عنها فى الدنيا فإن الله سبحانه يبيحها له فى الآخرة.
والإجماع على جوازه لمن كان عيشه ذلك.
والمشهور أن الصيد للهو مكروه، وأباحه ابن عبد الحكم، وروى ابن الماجشون ومطرف أن مالكاً استخف ذلك لأهل البادية إذ لا غنى لهم عنه، وكرهه فى حق أهل الحاضرة. ولا إشكال أنه تعرض له من حيث الجملة الأحكام الخمسة.
الصَّائِدُ، وَالْمَصِيدُ بِهِ، وَالْمَصِيدُ. الصَّائِدُ: كُلُّ مُسْلِمٍ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَصْدُ إِلَى الاصْطِيَادِ فَلا يَصِحُّ مِنَ الْكِتَابِىِّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْمَجُوسِيِّ اتِّفَاقاً بِخِلافِ صَيْدِ الْبَحْرِ
…
أى: أركانه ثلاثة، ثم تكلم على الأول وذكر أن المشهور منع صيد الكتابى، واحتج على ذلك فى المدونة بقوله تعالى: (تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ (وفيه نظر؛ لأنه قد اختلف فى المراد بهذه الآية، فقيل: المراد بها إباحة الصيد، وقيل: منعه، واختاره اللخمى وغيره، وأن المراد الامتناع فى حال الإحرام، والابتلاء والاختبار أن يصبر عنه. ولقوله تعالى: (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ (ولقوله سبحانه: (فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ([المائدة: 94]. والأقرب أم مراد المصنف بالشاذ الإباحة؛ لأنها التى تقابل المنع حقيقة. وهو قول ابن وهب وأشهب، واختاره الباجى، وابن يونس، واللخمى؛ لأنه من طعامهم إذ كل أمة تصيد، وقد أباح الله طعامهم، ويحتمل أن يريد الكراهة، وهو قول مالك فى الموازية وقول ابن حبيب وابن بشير. ويمكن حمل المدونة على الكراهة.
ولا يصح من المجوسى باتفاق. مالك: ولا يؤكل صيد الصابىء ولا ذبيحته.
مجاهد: وهم قوم بين اليهود والمجوس، ووجه مخالفة صيد البحر ظاهر؛ إذ ميتته حلال.
وَلا مِنَ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ
هذا راجع إلى قوله: (يَصِحُّ مِنْهُ الْقَصْدُ)؛ لأن الصيد يحتاج إلى نية، ولا تصح منهم، والمشهور أن المرأة والمميز كالبالغ، وكرهه أبو مصعب.
وَشَرْطُهُ أَنْ يُرْسِلََهُ فَلَوِ انْبَعَثَ مِنْ غَيْرِ إِرْسَالٍ لَمْ يُؤْكَلْ، وَلَمْ تُفِدْ تَقْوِيَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ
شرط إباحة الصيد الإرسال؛ لما رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن عدى بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله إنى أرسل الكلاي المعلَّمَة فيمسِكْنَ علىَّ، وأذكر اسم الله عليه فقال:"إذا أرسلتَ كلبكَ المعلَّم فذكرتَ اسم الله عليه فكُلْ ما أمسك عليك"، قلت: وإن قتلن، قال:"وإن قتلْنَ ما لم يشركها كلب ليس منها" قلت له: فإنى أرمى بالمعراض الصيد فأصيب، فقال:"إذا رميت بالمعراض فخرق فكُلْه، وإن أصابه بعرضه فلا تأكله". وفى رواية: "إلا أن يكون الكلب أكل منه، لإإن أكل فلا تأكل فإنى أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل؛ فإنما سَمَّيتَ على كلبك ولم تسم على غيره"، وفيه "إذا أرسلتَ كلبكَ المعلَّم فاذكر اسم الله عليه، فإن أمسك عليك فأدركته حيّاَ فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أَخْذ الكلب ذكاته"، وفيه أيضاً:"إذا رميتَ بسهمك فاذكر اسم الله عليه" وفيه: "فإن غاب عنك يوماً أو يومين"، وفى رواية:"اليومين والثلاثة، فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقاً فى الماء فلا تأكل، فإنك لا تدرى الماء قتله أم سهمك".
والمشهور –كما ذكر- أنه لا تفيد تقويته إذا انبعث أولاً من نفسه، وأجاز أصبغ أكل ما يبتدىء الكلب طلبه إذا اتبعه ربه بالإشلاء، والتحريض، والتسمية.
ابن المواز: لا يعجبنى، ومنشا الخلاف: هل التقوية أم لا؟
ولابن الماجشون قول ثالث: إن زادته التقوية قوة أكل وإلا فلا، وفى بعض النسخ عوض (تَقْوِيَتُهُ)(تفويته) بالفاء، وفى بعضها (تَوثقته) بالثاء المثلثة والمعنى متقارب.
فَلَوْ أََرْسَلَهُ وَلَيْسَ فِى يَدِهِ [220/أ] فَفِيهَا: يُؤْكَلُ ثُمَّ رَجَعَ، وَاخْتِيرَ الأَوَّلُ، وَثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ قَرِيباً أُكِلَ
…
الأوَّلان كما ذكر فى المدونة، ومنشأ الخلاف: هل ذلك إرسال أم لا؟
وإنما رجع مالك إلى عدم الأكل لجواز أن يكون الكلب قد رأى الصيد، فوافق انبعاثه من نفسه إشلاء صاحبه.
واختار ابن القاسم فيها والتونسى واللخمى الأكل، ورأوا أنه لا فرق بين أن يكون الجارح فى يده أو معه؛ لأنه إنما انبعث بإشلائه. والثالث لابن حبيب.
وَلَوْ أَرْسَلَهُ ثُمَّ ظَهَرَ تَرْكٌ ثُمَّ انْبَعَثَ لَمْ يُفِدْ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: يُخرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ مَنْ أَرْسَلَ يَقْتُلُ بِهِ اثْنَيْنِ فَصَاعِداً
…
يعنى: او أرسل الجارح فانبعث على الصيد، ثم ظهر منه ترك لما أرسل عليه بتشاغله بميتة أو كلب وقف معه ثم انبعث ثانياً حتى أخذه فإنه لا يؤكل، ولا إشكال فى هذا إن كان تشاغله كثيراً.
اللخمى: ويختلف فيه إذ كان الاشتغال الخفيف، وظاهر المدونة أنه لا يؤكل؛ لأنه قال فيها: إذا وقف الكلب مع كلبه يشمه، أو على جيفة فأكل منها، أو عجز الطائر فسقط على موضع، أو عطف راجعاً، فقد خرج عن ذلك الإرسال، ولم يفرق بين قليل ذلك ولا كثيره. وقال: إذا أرسل على جماعة فأخذ اثنين منها إنهما يؤكلان، ولم يرَ اشتغاله قطعاً للثانى، وقد قيل: لا يؤكل الثانى. والصواب أن الشىء اليسير لا يقطع عن حكم الأول. انتهى.
وفرق المازرى وابن بشير بما حاصله أنه فى الأول تَشَاغَل بغير ما أرسل له، بخلاف الثانى، زاد المازرى: ويؤكل. هذا قول ابن القاسم: أن من أرسل كلبه على جماعة صيد ولم يرد واحداً منها دون الآخر فأخذها كلها فإنه يؤكل ما أخذ، وقد يكون من الكثرة بحيث لا يأتى عليها إلا بعد طول. واللخمى أشار إلى ارتفاع الخلاف مع طول الزمان.
وَيُسَمِّي عِنْدَ الإِرْسَالِ فَلَوْ تَرَكَهَا عَامِداً مُتَهَاوِناً أَوْ غَيْرَ مُتَهَاوِنٍ لَمْ يُؤْكَلْ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَناسِياً تَصِحُّ
…
للحديث المتقدم، وما ذكره من الفرق بين النسيان والعمد هو مذهب المونة، واختلف أصحابنا فى تأويله، فمنهم من حمله على التحريم، ثم افترق هؤلاء على فرقتين:
الأولى: أن التسمية سنة، وحرم الأكل مع العمد؛ لئلا يستخف بالسنن وهو تأويل عبد الوهاب.
الثانية: أنها واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان، ومنهم من حمله على الكراهة وهو اختيار الأبهرى وابن الجهم، وهذا هو مقابل المعروف، ونقله صاحب افكمال عن مالك نصّاً فقال: وحكى منذر بن سعيد عن مالك فى ترك التسمية عمداً أنها لا تؤكل.
وحكى ابن يونس عن اشهب ثالثاً فقال: وقال أشهب: إن التسمية مستخفّاً بها فلا يؤكل، وأما من لا يعلم ما عليه فى تركها فإنها تؤكل.
ابن بشير: وإن تركها ناسياً لم يضر اتفاقاً، وقد تقدمت هذه المسألة عند الكلام على إزالة النجاسة.
فَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِىٌّ كَلْباً أَوْ مَجُوسِيٌّ كَلْبَ مُسْلِمٍ لَمْ يُؤْكَلْ بِخِلافِ مَا لَوْ أَرْسَلَ مُسِلْمٌ كَلْبَ مَجُوسِي
…
لأنه إذا اجنمع المسلم والمجوسى على كلب واحد فقد حصل مبيح ومحرم، فغلب المنع، كما لو أرسل جارحاً معلَّماً وآخر غير معلم، ولم يدر أيهما قتله.
وقوله: (أَوْ مَجُوسِيٌّ كَلْبَ مُسْلِمٍ لَمْ يُؤْكَلْ) ظاهر لأن العبرة بالصائد لا بالكلب، والكلب آلة بمنزلة السكين، واصطياد المجوسى بمنزلة ذبحه بسكينة، وكذلك العكس.
فرع:
فلو أرسل المسلم والمجوسى كلبين، فأخذ الصيد حيّاَ، فقال ابن حبيب: يحكم للمسلم بذبحه ويأخذ نصفه، فإن قال المجوسى: أنا لا أكل ذبيحة المسلم، فنقل الشيخ ابو محمد عن بعضهم أنهما يؤمران ببيعه وقسم ثمنه، إلا أن يكون بموضع لا ثمن له، فيمكن المسلم من ذبحه؛ لأن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.
الْمَصِيدُ بِهِ سَلاحٌ يَجْرَحُ، وَحَيَوَانٌ مُعَلَّمٌ
لما انقضى كلامه عن الركن الأول أتبعه بالثانى، واشترط الجرح فى السلاح؛ لما تقدم من حديث عدى فى المعراض:"وإن أصاب بعرضه فلا تأكل". والمعراض: عصاة فى رأسها حديدة، وقد يكون بغير حديدة، وقيل: عود رقيق الطرفين غليظ الوسط، وخرج بهذا الشرط البندق وما فى معناه، والشرك والحبالة، فلا يؤكل الصيد بشىء من ذلك، إلا أن يوجد مجتمع الحياة فيذكى. واشترط التعليم لقوله تعالى: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ([المائدة: 4] وللحديث المتقدم.
ابن حبيب وغيره: والتكليب: التعليم، ولا يختص بالكلب، بل ذلك جارٍ فى كل ما يقبل التعليم. ابن شعبان: ولو كان نسوراً، وابن عِرس. ابن حبيب: النمر والنمس لا يقبلان لتعليم. وقيل: المراد بالتكليب التسليط.
وَفِي التَّعْلِيمِ طَرِيقَانِ. اللَّخْمِيُّ: أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الأَوَّلُ: إِذَا أُشْلِيَ أَطَاعَ، الثَّانِي: إِذَا دُعِيَ أَجَابَ، الثَّالِثُ: وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ إِنْ كَانَ كَلْبَاً، الرَّابِعُ: مُطْلَقاً، مِنْ قَوْلِهِ: وَالْمُعَلَّمُ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازِيٍّ هُوَ الَّذِي إِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ، وَإِذَا أُرْسِلَ أَطَاعَ، وَقَدِ اعْتُرِضَ بِأَنَّ الطَّيْرَ لا يَنْزَجِرُ حَتَّى حُمِلَ عَلَى إِذَا أُشْلِيَ، وَبِقَوْلِهِ: وَلَوْ غَلَبَتْهُ الْجَوَارِحُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَلاصِهِ مِنْهَا أَكَلَ .....
تصور الأربعة من كلامه ظاهر، والأول من الأربعة لم ينقله اللخمي، وإنما خرجه من قوله في المدونة: إذا أدرك كلبه أو بازيه ولم يستطع إزالة الصيد عنه حتى فات بنفسه أنه يؤكل.
وفي نقل المصنف الثاني نظر، ولم أره في اللخمي ولا غيره، [220/ب] وإنما ذكره اللخمي والمازري وغيرهما عن أشهب في هذا القول عوض قول المصنف:(إِذَا دُعِيَ أَجَابَ، وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ). اللخمي: وهو نحو قول ابن القاسم- أي: في المدونة- لقوله: (وَالْمُعَلَّمُ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازِيٍّ هُوَ الذِي إِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ، وَإِذَا أُرْسِلَ أَطَاعَ).
المازري: وهو المشهور. والقول الثالث لابن حبيب وابن الماجشون. والقول الرابع لابن القاسم في الواضحة. ووافقه المازري في طريقته، واستضعف القول الأول من المدونة قال: لأنه لم يقصد بيان حكم التعليم فيتعلق بما قال هنا، وإنما قصد بيان العذر بالعجز في التذكية عن صفة ويمكن أن يكون لم يقدر الصائد على تخليصه، ليس لأجل أن الكلب لم يطعه، بل لمانع منع الكلب من غلبة الصيد أو لغير ذلك من الأسباب، وأيضاً فإنه وإن عصى في هذه المرة واحتمل ما أشرنا إليه فلا يخرج بالمعصية مرة واحدة عن كونه معلَّماً، كما لا يكون معلماً بطاعته مرة واحدة، بل حتى يتكرر منه ويصير معلماً، ونفى التحديد في هذا مذهبنا خلافاً لأبي حنيفة في تعليقه ذلك بمرتين. انتهى. وعلى كلام اللخمي فما لابن القاسم في الواضحة خلاف ما قال في المدونة.
عياض: ويحتمل الوفاق؛ لأن الإشلاء يستعمل في معنيين للإغراء والدعاء، كماأن الزجر يأتي لمعنيين الإغراء والكف. انتهى. وفيه بعد لأنه يلزم عليه عطف الشيء على نفسه؛ إذ على قوله أن الدعاء بمعنى الإشلاء وقول المصنف من قوله:(وَالْمُعَلَّمُ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازِيٍّ) أي أن هذا الرابع أخذ من قول مالك في المدونة: والمعلم من كلب أو بازي، فجمع بين الكلب والبازي في شرط الانزجار وتبع المصنف في قوله أن الرابع مأخوذ من لفظ المدونة.
ابن بشير: والذين في اللخمي أنه منصوص كما قدمته. والاعتراض بأن الطير لا يمكن فيه الانزجار لابن حبيب، والجواز بحمل الزجر على الإشلاء لابن أبي زيد قال: وقد يقال الزجر إشلاء، كما يقال: أزجرت التنور: إذا أوقدته. وقد قال مالك في المدونة فيمن أدرك كلابه تنهش في الصيد ولم تنفذ مقاتله فمات بنفسه قبل أن تمكن ذكاته: إنه يؤكل، ولم يجعل الانزجار شرطاً. وإلى هذا أشار المصنف بقوله:(وَلَوْ غَلَبَتْهُ الْجَوَارِحُ .... إلخ)، وكأن المصنف استبعد قول أبي محمد، ألا ترى إلى قوله:(حَتَّى) وعادته في ذلك أن يشير إلى استبعاد؛ لأن ما قال ابن أبي زيد مخالف لظاهر اللفظ، ويلزمه منه التكرار؛ لأنه عطف فيه الإشلاء على الانزجار وبقي هنا شيء، وهو إن كان المراد بالدعاء في الثالث والرابع "بعد إمساك الصيد" فهو الانزجار، وإن كان المراد "قبل الإرسال" فلا معنى له لأن ذلك تفعله الكلاب بطباعها وعلى هذا فالظاهر أن المراد بالدعاء "بعد الإرسال" و"قبل الإمساك"، وبالانزجار "بعد الإمساك".
عياض: و (البازي) بياء بعد الزاي، وحكى بعضهم "باز" بغير ياء. و (أشلي) بضم الهمزة وشين معجمة ساكنة ومعناه في الكتاب وعند الفقهاء: أُرسل وأُغري، وقال بعض أهل اللغة: إنما الإشلاء الدعاء. وصوب بعضهم الوجهين فيه، والزجر: الكف والإمساك، وهو المشترط في التعليم وذهب بعضهم أيضاً إلى أن الزجر يقع بمعنى الإغراء، فأشار إلى ما قاله ابن أبي زيد.
وَالثَّانِيَةُ: هُوَ ما يُمْكِنُ فِي الْقَبيلَيْنِ عَادَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ
يعني: أن الطريقة الثانية هو ما يمكن في القبيلين، والقيلان هما: السباع والطير، وهذه طريقة ابن بشير. قال بعد كلام اللخمي: وهذا الذي حكاه أبو الحسن ليس بخلاف، وإنما صحح المصنف هذه الطريقة؛ لأن الله جل ثناؤه لم يشترط غير التعليم ولم يدل دليل على وجه خاص، وما يكون كذلك فإنما يكون محمولاً على العرف، ألا ترى أن الناس يوصف بعضهم بالتعليم وبعضهم بعدم التعليم، وهذه الطريقة وإن كانت ظاهرة في المعنى إلا أن الرواية لا تساعدها.
وَلا يُشْتَرَطُ عَدَمُ الأَكْلِ فِي الطَّيْرِ وَلا فِي الْوَحْشِ عَلَى الْمَشْهُورِ
أما الطير فلا يشترط فيه عدم الأكل اتفاقاً؛ لأنه لابد له من الأكل غالباً، وأما الوحش فالمشهور كذلك، والقول الشاذ ذكره أبو تمام، ووجهه ما تقدم في حديث عدي:"فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه"، وحمل في المشهور ذلك على الكراهة؛ لما في أبي داود عنه عليه الصلاة والسلام:"فكل وإن أكل منه" جمعاً بين الأدلة.
المازري: وأشار ابن المواز في الاعتذار عن حديث عدي إلى أن حديث الأكل صحبه العمل، وقال به الصحابة رضوان الله عليهم: علي، وابن عمر، وسعد بن أبي الوقاص، وغيرهم رضي الله عنهم، وما صحبه العمل أولى، وأشار ابن حبيب إلى أن حديث عدي قد روي من طريق على معنى حديث الأكل. وقال الباجي: حمل شيوخنا حديث عدي على ما إذا أدركه ميتاً من الجري أو الصدم فأكل منه، فإنه صار إلى صفة لا تعلق للإمساك بها. ويبين هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم:"ما أمسك الكلب فكل وإن أَخْذ الكلب ذكاته".
وَشَرْطُ الرَّمْيِ: أَنْ يَنْوِيَ اصْطِيَادَهُ، وَإِلا لَمْ يُؤْكَلْ إِلا بالذَّبْحِ، فَلَوْ رَمَى حَجَراً فَإذَا هُوَ صِيدَ لَمْ يُؤْكَلْ كَشَاةٍ لا يُرِيدُ ذَبْحَهَا فَوَافَقَ الذَّبْحَ ....
الرمي أحد نوعي الذكاة، فيفتقر إلى النية باتفاق. وخصص [221/أ] المصنف الرمي؛ لأن كثيراً ما يُرمى على غير قصد، قوله:(وَإِلا) أي: وإن لم ينوِ الذكاة، وهو أعم من ألا ينوي شيئاً أو ينوي عدم الاصطياد. وقوله:(إِلا بالذَّبْحِ) ظاهر. وقوله: (كَشَاةٍ لا يُرِيدُ ذَبْحَهَا) أي: بل أراد قطع شيء من عنقها، وهو ظاهر.
وَفِيهَا: وَإنْ أَكَلَ الْكَلْبُ أَكْثَرَهُ أَكَلَ بَقِيَّتَهُ مَا لَمْ يَبِتْ، وَاسْتُشْكِلَ
تصوره ظاهر، والاستشكال إن كان بسبب أكل الجارح من الصيد فقد تقدم ما فيه، وإن كان لأجل عدم اشتراط المبيت، فسيأتي.
وَإِذَا رَمَى بِحَجَرٍ لَهُ حدٌّ، وَلَمْ يُوقِنْ أَنَّهُ مَاتَ بِحَدِّهِ لَمْ يُؤْكَلْ عَلَى الأَصَحِّ
القاعدة في هذا ونحوه أنه إذا حصل ما يقتضي الإباحة وما يقتضي عدمها كهذه المسألة فإن الإصابة بالحد والإصابة بغيره غير مبيحة، فإن تيقن أنه مات بالمبيح أكل اتفاقاً، وإن شك لم يؤكل اتفاقاً، وإن ظن أنه مات بالمبيح فالمشهور عدم الأكل. وعلى هذا ففي قوله:(وَلَمْ يُوقِنْ) نظر؛ لإيهامه دخول الخلاف في الشك.
وَيُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمُعَلَّمِ الذّبْحُ كَغَيْرِ الصَّيْدِ، وَلَوِ اشْتَرَكَ مَعَ مُعَلَّمٍ فَظُنَّ أَنَّ الْمُعَلَّمَ الْقَاتِلُ فَقَوْلانِ ....
أما المسألة الأولى فظاهرة؛ لأن شرط الإباحة وهو التعليم منتفٍ، وأما الثانية فأجراها على القاعدة المتقدمة.
الْمَصِيدُ: الْوَحْشُ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ الْمَاكُولُ فَلَوْ نَدَّتِ النَّعَمُ فَأَمَّا غَيْرُ الْبَقَرِ فَلا تُؤْكَلُ إِلا بِالذَّكَاةِ، وَكَذَلِك الْبَقَرُ خِلافاً لابْنِ حَبِيبٍ .....
لما فرغ من الكلام على الصائد والمصيد به، أتبعه بالكلام على ما يصاد، ومراده أنه إذا اجتمعت القيود الثلاثة اتفق على جواز أكله بالعقر، ومتى ذهب شيء منها أمكن ألا يفيد فيه العقر اتفاقاً. كما لو أمكن ذبح الصيد وأمكن أن يكون مع خلاف كما في مقابل المأكول، فإنه سيأتي في صيد السباع قولان.
وقوله: (فَلَوْ نَدَّتِ
…
إلخ) راجع إلى القيد الأول وهو الوحش؛ يعني إذا ندت الإنسية فإن كانت غير بقر لم تؤكل بالعقر اتفاقاً، وكذلك البقر على المشهور، خلافاً لابن حبيب، وقال ابن حبيب: لأن البقر لها أصل في التوحش يرجع إليه؛ أي: لشبهها ببقر الوحش. ورد بأن الشاة لها أيضاً أصل وهو الظباء. فإن قلت: ففي مسلم: وأصبنا نهب إبل فند منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال عليه الصلاة والسلام:"إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم شيء منها فاصنعوا به هكذا". وهو يدل على جواز الكل مطلقاً، فالجواب ليس فيه أن السهم قتله، بل حبسه، ونحن نقول به.
وَأَلْزَمَ اللَّخْمِيُّ ابْنَ حَبِيبٍ مِمَّا وَقَعَ فِي مَهْوَاةٍ الْقَوْلَ بِهِ وَفَرَّقَ لِتَحْقِيقِ التَّلَفِ
هذا الإلزام للتونسي وتبعه عليه اللخمي وغيره، ومعناه أن اللخمي ألزم ابن حبيب أن يقول في الإبل والبقر إذا ندت فلم يقدر عليها أن تذكى بالعقر، من قوله في الشاة وغيرها إذا وقعت في مهواة أنها تطعن حيثما أمكن ويكون ذكاة لها. والجامع بينهما العجز عن الوصول إلى الذكاة في المحلين. وفرق صاحب الْمُعْلِم وابن بشير بأن الواقع في مهواة يتحقق تلفه لو ترك، فلعل ابن حبيب أباح ذلك صيانة للأموال، بخلاف النَّادِّ فإنه قد يتأنس ويتحيل على أخذه، ابن عبد السلام: وفيه نظر؛ لأن البعير إذا ند أقوى شبهاً بالوحش مما وقع في مهواة، ولو قيل بالعكس في مثل هذا لكان له وجه.
وَلَوْ صَادَ الْمُتَوَحِّشُ مُتَأَنِّساً فَالذَّكَاةُ
هذا راجع إلى قوله: (الْمَعْجُوزُ عَنْهُ) وهذا ظاهر؛ لأنه إنما كان يؤكل بالعقر للعجز عن الذكاة، وقوله:(فَالذَّكَاةُ) أي: ذكاة المقدور عليه، فإن توحش هذا بعد أن تأنس أكل بالعقر لرجوعه إلى أصله.
وَكَذَلِكَ لَوِ انْحَصَرَ وَأَمْكَنَ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ
أي: وكذلك لو انحصر المتوحش وأمكن أخذه بغير مشقة، فإنه لا يؤكل إلا بذكاة الإنسي. وفهم من قوله:(بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ) أنه لو أمكن أخذه بمشقة جاز صيده، وهو كقول أصبغ فيمن أُرسل على وكر في شاهق جبل أو في شجرة، وكان لا يصل إليه إلا بأمر يخاف منه العطب، جاز أكله بالصيد. ومن النوادر: وإذا طردت الكلاب الصيد حتى وقع في حفرة ولا مخرج له منها أو انكسرت رجله منها، فتمادت الكلاب فقتلته فلا يؤكل؛ لأنه أسير. محمد: وهذا إذا كان لو تركته الكلاب لقدر بها على أخذه بيده، ولو لجأ إلى غار لا منفذ له أو غَيْضَة فدخلت إليه الكلاب فقتلته لأكل، ولو لجأ إلى جزيرة أحاط بها البحر فأطلق عليه كلابه أو تمادت الكلاب فقتلته، فأما في الجزيرة الصغيرة التي لو اجتهد طالبه لأخذه بيده، ولا يكون له في الماء نجاة، فلا يؤكل، وإن كان له في الماء نجاة أو كانت جزيرة كبيرة يجد الروغان فيها حتى يعجز طالبه- على رجليه أو على فرس- أن يصل إليه بيده إلا بسهم أو كلب، فإنه يؤكل بالصيد.
بِخِلافِ مَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْباً ثُمَّ ثَانِياً فَقَتَلَهُ الثَّانِي بَعْدَ إِمْسَاكِ الأَوَّلِ عَلَى الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا، وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، وَفَرَّقَ بِأَنَّ بَقَاءَ إِمْسَاكِ الأَوَّلِ مَوْهُومٌ ....
قال صاحب الجواهر بعد ذكره أن الصيد إذا انحصر بموضع لا يؤكل بالعقر: وينخرط في هذا المسلك أن يرسل على الصيد كلباً ثم كلباً، فيمسكه الأول ثم يقتله الثاني؛
إذا كان إرساله بعد أن أمسكه الأول، فإن كان إرساله قبل أن يمسكه الأول فالمنصوص أنه يؤكل. واستقرأ أبو الحسن مما تقدم في الواقع في موضع لا نجاة له أنخ لا يؤكل. انتهى.
وقد علمت أن هذه المسألة على صورتين، وأن الصورة الأولى لم يذكر فيها ابن شاس واللخمي وغيرهما خلافاً، وقد نص أصبغ فيها على عدم الأكل، وأن [221/ب] التخريج إنما هو في الثانية، فيحمل كلام المصنف عليها.
وقوله: (وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ إِحْدَاهُمَا) أي: كلاًّ منهما على الأخرى؛ أي: خرج من مسألة الإرسال جواز الأكل في الانحصار، ومنها عدم الأكل في الإرسال بجامع القدرة، ويدل على أن مراد المصنف: أن اللخمي خرج من المسألتين قوله: (عَلَى الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا)، فإن المنصوص إذا كان في كل واحدة، كان التخريج كذلك، والفرق المذكور للمازري، ولم يجزم ابن بشير به، بل قال: يحتمل أن يكون الأمر كما قال أو يفرق بأن إرسال الثاني مأذون فيه، وإذا أمسكه الأول فليس نحن على ثقة من أنه يداوم إمساكه حتى يأتي صاحبه، بخلاف أن يحصل في موضع يعلم أنه لا نجاة له منه. وقوله:(بَقَاءَ) يقتضي أنه أمسكه قبل أن يرسل الثاني، ولا يصح؛ لما قلناه أن هذه الصورة متفق فيها على عدم الأكل، ومراده أن إمساك الأول موهوم، وعلى هذا فالأَوْلى لو أسقط لفظة بقاء.
وَمَا ندَّ مِنَ الْوَحْشِ وَاسْتَوْحَشَ أُكِلَ بالصَّيْدِ
هذا ظاهر.
وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: صَيْدُهَا لِجُلُودِهَا كَذَكَاتِهَا. وَفِيهَا قَوْلانِ، وَقِيلَ: مَبْنَى الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ ....
هذا راجع إلى قوله: (مأكولاً) يعني: وأما الصيد المحرم الأكل، فقال اللخمي: مَن أجاز تذكيتها لأجل جلودها وهو المشهور أجاز اصطيادها له، ومَن منع منع، فالضمير في
(وَفِيهَا) عائد على التذكية. ورأينا أن نأتي بكلام اللخمي لما فيه من الفوائد ولفظه: النية في الاصطياد راجعة إلى حال الصيد من جواز أكله ومنعه. والصيد أربعة: حلال، وحرام، ومختلف فيه بالكراهة والتحريم، ومكروه.
فالأول: الغزلان وبقر الوحش والإبل، وما أشبه ذلك، والطير ما لم يكن ذا مخلب، فلا يحل اصطياد هذه إلا بنية الذكاة.
والثاني: الخنزير يجوز رميه بنية قتله لا لغير ذلك، وليس ذلك من الفساد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لينزلن فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير"، على هذا مذهب مالك أنه يجوز قتله ابتداء إلا أن تصيب الإنسان حاجة إليه تبيح أكله، فيستحب له أن ينوي الذكاة، قاله أبو بكر الوقار.
والثالث: الأسد والنمر والفهد والذئب والدب. فعلى القول أنه حرام يكون الحكم فيه حكم الخنزير، إلا أن ينوي الانتفاع بجلده فينوي ذكاته. وعلى القول أنه مكروه يكون بالخيار على أن يرميه بنية ذكاته على كراهة في ذلك، أو بنية القتل إن لم يرد أكله.
والرابع: الثعلب والضبع هما عند مالك أخف، وهو بالخيار بين أن يرميه بغير نية الذكاة، وإن شاء نوى الذكاة إن كان يريد أكلهما. انتهى. واعترضه ابن بشير وقال: إنما تصح الذكاة للجلود على القول بالكراهة لا على التحريم، واعترض أيضاً قوله في الضبع والثعلب: إن شاء رماها بنية القتل فقال: إن أراد مع خوف الأذى منهما فظاهر، وإلا فلأي شيء يقتلهما بغير فائدة. وإلى كلام ابن بشير أشار بقوله:(وَقِيلَ: مَبْنَى الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ) أي: إذا قلنا بالكراهة جاز الاصطياد لأخذ الجلد، وإن قلنا بالتحريم فلا.
ابن عبد السلام: وقوله: (على القولين) المتبادر إلى الذهن أنهما القولان المنصوصان في جواز ذبحهما لأخذ جلودهما لا المخرَّجان في صيدها. والأقرب بعد التأمل أنه أراد المخرجين لا المنصوصين.
وهو الذي أشار إليه غير اللخمي. وعلى الاحتمال الأول يكون إطلاق القولين عليهما حقيقة، وعلى الثاني يكون مجازاً.
وَإِذَا ظَنَّ مُحَرَّماً فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مُبَاحٌ فَالذَّكَاةُ
هذا الفرع ظاهر؛ لفقد النية التي هي شرط. وقوله: (فَالذَّكَاةُ) أي: ذكاة الإنسية، وأطلق المصنف تبعاً للمدونة. والمحرم: الخنزير ونحوه، وقسمها اللخمي على ثلاثة أوجه فقال: إن كان يظن أنه سبع فتبين أنه حمار وحش كان على ثلاثة أوجه، فإن لم ينو ذكاته وإنما قصد قتله لم يؤكل هذا، وإن قصد ذكاته إلا أنه يجهل الحكم فيه، أو لأنه يعتقد أنه مكروه جاز أكله، وإن نوى ذكاة جلده خاصة لكان جلد هذا ذكيّاً، ويختلف في لحمه؛ فعلى القول أن الذكاة تتبعض وأن شحوم ما ذبحه اليهود حرام لا يؤكل اللحم، وعلى القول أنها لا تتبعض وأن الشحوم داخلة في الذكاة، وإن لم ينوها الذابح، يكون جميع هذا ذكيّاً. انتهى ونحوه للمازري.
فَإِنْ ظَنَّ مُبَاحاً فَإِذَا هُوَ مُبَاحٌ غَيْرُهُ فَقَوْلانِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: خِلافٌ فِي حَالِ إِنْ قَصَدَ الذَََّكَاةَ مُطْلَقاً صَحَّ وَإِلا فَلا
…
الجواز لأشهب، والمنع لأصبغ، واختار التونسي واللخمي وابن يونس وغيرهم الأول؛ لأن الذكاة في الجميع واحدة وقد قصدها. وتردد التونسي: هل يجزئ على هذا ما لو ذبح كبشاً يظنه نعجة بعد أن قطع أن الأصوب من القولين قول أشهب.
المازري: وهذا أبعد من اختلاف النوعين كالأرنب والظبي؛ لأن النوع واحد في الذكر والأنثى، وإنما يختلف في الصور والطباع. وقد قيل: إن الغالط في بعض صفات الموصوف لا يكون جاهلاً به على خلاف فيه مذكور في كتب الأصول، بخلاف الغالط في الذات وصفاتها.
ابن راشد وشيخنا: وكلام ابن بشير يرفع الخلاف؛ لأن له ثلاثة أحوال: إن قصد عموم الذكاة في المظنون وغيره أكل ما صاده بالاتفاق، وإن قصده بعينه دون غيره لم يؤكل الغير بالعقر اتفاقاً، وإن قصد شيئاً ولم يتعرض لغيره بنفي ولا [222/أ] إثبات فهو محل الخلاف.
وَلَوْ أَرْسَلَهُ وَلا ظَنَّ صَحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ
ابن راشد وابن عبد السلام: معناه إذا أرسله على بعد، ولم يتبين جنسه من أي المباحات هو بعد قطعه أنه ليس بمحرم. ابن راشد: ولم أقف على هذه المسألة. انتهى.
وقد ذكر اللخمي، ولم يذكر فيها خلافاً، ولفظه: ولو رمى وهو يرى أنه صيد ولا يعرف أي صنف هو لجاز أكله، وليس من شرط الجواز أن يعلم جنسه. ويحتمل أن يريد به ما ذكره ابن بشير ولفظه: وإذا أرسل ولم يقصد شيئاً، وإنما قصد ما يأخذه فهل يكتفي بذلك وتصح ذكاة ما أخذه؟ فيه قولان: أحدهما: الصحة، والثاني: عدمها، وهذا يشعر بالخلاف في وجوب التعيين وعدمه. وإلى حمل كلام المصنف على هذا ذهب ابن هارون.
وكان شيخنا رحمه الله تعالى يحمله على وجه آخر؛ وهو إذا أرسل كلبه في غار لا يدري هل فيه صيد أم لا؟ وقد ذكر ابن الجلاب مسألة الغار ونص فيها على الأكل. وصرح المازري بأن المشهور لا يشترط رؤية الصيد بل يجوز الإرسال على ما وراء أَكَمَة، وما في مغارة خلافاً لأشهب. وحكى صاحب البيان وجماعة من الشيوخ في الغار والغَيْضَة ثلاثة أقوال؛ قال أصبغ وابن المواز بالأكل فيهما، وقال سحنون: لا يؤكل فيهما. وفرق ابن القاسم فقال: يؤكل ما في الغار، ولا يؤكل ما في الغيضة لاحتمال أن يدخل الصيد فيها بعد الإرسال، وذلك مأمون في الغار. وتمشية شيخنا أولى، وظاهر كلام ابن هارون ليس بعيداً منه، والله أعلم.
وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى شَيْءٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى جَمَاعَةٍ وَنَوَى مَا أَخَذَ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَكَلَ وَإِنْ تَعَدَّدَ، وَكَذَلِكَ الرَّمْيُ ....
لم يؤكل غير المرسَل عليه لعدم النية، وكذلك قال ابن القاسم: إذا أرسله على جماعة ينويها، ولم ينو غيرها، أنه لا يؤكل ما أصاب من غيرها. وما ذكره من الأكل فيما إذا أرسله على جماعة ونوى ما أخذ منها أو من غيرها- هو المشهور. وخالف ابن المواز في الكلب فقال: إن أخذ اثنين أو أكثر في مرة واحدة أُكِل ما أخذ، وإن أخذ واحداً بعد واحد لم يؤكل إلا ما أخذه أولاً. ووافق على السهم أنه يؤكل جميع ما قتله. والفرق عنده أن الكلب يفتقر إلى إرسال ثانٍ بعد الأول، بخلاف السهم.
وقوله: (أَوْ مِنْ غَيْرِهَا) كقول مالك: إذا أرسله على جماعة ونوى إن كان وراءها غيرها فهو عليها مرسل، فليؤكل ما أخذه من سواها. ونقل عن أشهب أنه لا يؤكل ما وراء تلك الجماعة.
فائدة: ينشأ من هنا قاعدة؛ وهي: إن كان الصيد معيناً أكل، كان المكان محصوراً أم لا، وإن لم يكن الصيد معيناً وكنا المكان محصوراً كالغار والغيضة فثلاثة أقوال كما تقدم، وإن لم يتعين الصيد ولا انحصر المكان كما لو أرسل كلب على أي صيد وجده بين يديه فلا خلاف في المذهب أن ذلك لا يجوز، قاله المازري وابن هارون وابن عبد السلام. فإن قلت: ينتقض هذا الاتفاق مما نقلته عن مالك أنه إذا أرسله على جماعة ونوى إن كان وراءها غيرها فهو مرسل عليه. فالجواب: لعل مالكاً إنما أجاز تبعاً للمعين أولاً، والله أعلم.
وَلَوِ اضْطَرَبَ الْجَارِحُ، فَأُرْسِلَ وَلَمْ يُرَ فَقَوْلان بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُحَقَّقِ أَوْ لا
أي: أن الغالب إنما يضطرب لرؤية الصيد، فإذا اضطرب وأرسله وقتل صيداً، فقولان وهما لمالك، أحدهما: جواز الأكل للغالب. والثاني: المنع لكونه لم يرَ شيئاً. وفي
العتبية لابن القاسم: لا أحب له أن يأكله، ولعله يضطرب على صيد فيأخذ غيره. قال في البيان: وهذا إذا نوى ما اضطرب عليه خاصة، وأما لون واه وغيره فإنه يؤكل على معنى ما في المدونة في الذي يرسل كلبه على جماعة منا لصيد وينوي إن كان وراءها جماعة أخرى ولم يرها، فأخذ مما لم يرَ، أنه يأكله. قال: ومن الناس من حمل هذه الرواية على الخلاف؛ لما في المدونة مثل قول أشهب: أنه لا يصح أن ينوي إرساله ما لم يره. والتأويل الثاني أظهر.
وَمَهْمَا أَمْكَنَتِ الذَّكَاةُ تَعَيَّنَتْ، وَإِلَاّ كَفَى عَقْرُهُ وَجَرْحُهُ بخِلافِ صَدْمِهَا أَوْ عَضِّهَا مِنْ غَيْرِ تَدْمِيَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ بسَيْفٍ فَلَمْ يُدْمِهِ
…
لأنه إنما جاز العقر لعدم القدرة على الذكاة الأصلية. قوله: (وَإِلَاّ كَفَى عَقْرُهُ) أي: وإن لم تمكن الذكاة، وذلك إذا مات قبل إدراكه ولم يفرط في تناول الآلة كما سيأتي. ونص ابن المواز على الأكل إذا أدمته في أذنه.
عياض: ولا خلاف متى أدمته أنه يؤكل. ومقابل المشهور لابن وهب وأشهب، ومنشأ الخلاف: هل يحمل قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكَّنَ عَلَيْكُمْ ([المائدة: 4] على عمومه، أو يحمل على الغالب؛ لأن الغالب أنه إنما يكون الإمساك مع تدميته. وقوله: (كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ بسَيْفٍ)؛ أي فتأتِّي فيه القولان.
المازري: وقد ذكر ابن المواز عن أشهب إباحة الأكل إذا مات الصيد بصدمة الكلب أو ضربة السيف ولم يجرح، ومحمله عندي بحد السيف لا بعرضه، وابن المواز أطلق الحكاية. انتهى. لأنه إذا أصابه بالعرض في معنى المعراض إذا أصابه بغير حده. وقد نص في الحديث على عدم أكله.
اللخمي وصاحب التنبيهات: وإن مات من غير فعل كخوف أو سقوط وما [222/ب] أشبه ذلك لم يؤكل اتفاقاً.
التونسي: ولم يذكروا خلافاً في الذي مات في الجري من طلب الكلب له، وفي ذلك نظر. وفي التنبيهات: ولا خلاف إذا مات بسببها ولم تمسه، من انبهار أو سقوط وشبهه، أنه لا يؤكل. وفهم اللخمي خلافاً إذا أُنيبَتْ ولم تدمِ ولم تجرح، وجمعها مع مسألة الضرب والصدم، ولا يصح تنييب إلا بإدماء وإن قل، وهو مقتضى قوله في الكتاب في موضع آخر: إن لم تُنَب ولم تدمِ، ثم لم يذكر الإدماء في سائر المواضع. وحكى صاحب الذخيرة عن أشهب جواز الأكل إذا مات الصيد انبهاراً، ولعله حكاه عنه إلزاماً من قوله في الصدم والعض. ويدخل في قوله:(وَمَهْمَا أَمْكَنَتِ الذَّكَاةُ تَعَيَّنَتْ) لو أدرك الصيد حيّاً ولم يقدر على خلاصه. قال في البيان: ولو ذكى الصائد الصيد والكلاب تنهشه، وهو لا يقدر أن يخلصه منها لأكل باتفاق. انتهى.
خليل: وفي هذا الاتفاق نظر، فإن من يشترط في التعليم الانزجار لا يرى أكل الصيد هنا، وهكذا قال اللخمي، والله أعلم.
وَالْمَنْفُوذُ مَقَاتِلُهُ يَضْطَرِبُ حَسَنٌ أَنْ تُفْرَى أَوْدَاجُهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ أُكِلَ
إنما استحسن ذلك إراحة له. وقد اختلف في الحيوان الذي يؤكل إذا بلغ إلى حد الإياس، فأجاز ابن القاسم ذبحه إراحة، وقيل: بل يعقر ولا يذبح؛ لئلا يكون تشكيكاً للعوام في إباحة أكله، ومنع من ذلك ابن وهب.
فَلَوْ تَرَاخَى فِي اتِّبَاعِهِ فَإِنْ ذَكَّاهُ قِيلَ: إِنْ تُنْفَذْ مَقَاتِلُهُ أُكِلَ بالذَّبْحِ لا بالصَّيْدِ وَإِلا فَلا، إِلا أَنْ يَتَحَقََّقَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَراخَ لَمْ يُفِدْ، وَهَذَا يَظْهَرُ فِي السَّهْمِ ....
يعني: أنه يجب على الصائد اتباع جارحه رجاء أن يدركه حيّاً فيذبحه.
ابن عبد السلام: وظاهر ما حكاه ابن القصار عن مالك من جواز أكله إذا لم يتبعه ووجده ميتاً أن اتباعه من باب الأولى. وقوله: (أُكِلَ بالذَّبْحِ لا بالصَّيْدِ) ظاهر.
قوله: (وَإِلا فَلا) أي: وإن يدركه قبل إنفاذ المقاتل لم يؤكل إلا أن يتحقق أنه لو لم يتراخً لم يلحقه فيؤكل بالعقر وإن تراخى. وربما يظهر في بعض الجوارح في سرعة جريه وشدة بطشه، وهو في السهم أظهر كما قال المصنف.
وَلَوْ غَابَ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتاً فِيهِ أَثَرُ كَلْبِهِ أَوْ سَهْمِهِ أَكَلَهُ مَا لَمْ يَبِتْ، فَإِنْ بَاتَ لَمْ يَأكُلْهُ وَلَوْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ، قَالَ مَالِكَّ: وَتِلْكَ السُّنَّةُ. وَعُورِضَ بنَقْلِ خِلافِهِ وَانْفِرَادِهِ ....
اللخمي: وإذا أرسل على صيد ثم أتَّبعه وأعجزه حتى توارى عنه، ثم وجده قتيلاً، فهو على أربعة أوجه: يجوز أكله في وجهين: إذا عرف أنه الصيد المرسل عليه وإن لم يكن بازيُّه معه ولا فيه سهمه، أو وجد فيه سهمه أو معه بازيَّه أو كلبه، فإن لم يعرفه ولا وجد فيه سهمه ولا معه بازيَّه لم يؤكل، وهذا هو قول مالك عند ابن حبيب. ومثله إذا وجد معه بازيَّه ولم يعرفه، ويقربه صيد يشككه فيه، فقال ابن القاسم في العتبية: لا يؤكل. يريد إذا كان الاثنان قتيلين. وإن كان مع آخر حي أكل الميت؛ لأن الغالب أن المرسل أخذ ما رآه، وكذلك سهمه، إلا أن يتركه على التنزه. وهذا في البازي والكلب، وأما السهم فلا لأنه لا يتأتى منه التنقل.
قوله: (فَإِنْ بَاتَ لَمْ يَاكُلْهُ) هو المشهور. قال في المدونة: وإن بات لم يأكله وإن أنفذت مقاتله الجوارح أو سهمه وهو فيه بعينه. قال مالك: وتلك السنة. وفي هذه المسألة غير مذهب المدونة أربعة أقوال: أولها لأصبغ وابن عبد الحكم: يؤكل وإن بات كان المصيد به جارحاً أو سهماً.
وثانيها لابن المواز: إن كان بسهم ووجد في مقاتله أُكل، وإن كان بجارح لم يؤكل.
وثالثها لمالك في مدونة أشهب: يكره، هكذا حمله اللخمي على ظاهره، وحمله بعضهم على التحريم.
ورابعها: حكاه اللخمي والمازري عن ابن الماجشون: إن وجده من الغد منفوذ المقاتل أُكل في السهم والجارح، وإن لم يجده منفوذ المقاتل لم يؤكل، وعلى هذا فالخلاف مطلق أنفذت مقاتله أم لا. وقصر ابن رشد الخلاف على ما إذا وجده من الغد منفوذ المقاتل. وعورض ما قاله مالك بنقل خلافه، وقد تقدم في حديث عدي الأكل بعد الثلاث، وفي بعض طرقه: كُلْهُ ما لم ينتن. وقوله: (بانفراده)، ابن عبد السلام: أي انفرد بنقل ما نسبه إلى السنة، وليس بصحيح؛ لأنه يوافقه في ذلك حديثان:
الأول: ذكره أبو داود في مراسيله، قال: جاء رجل بصيد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رميته من الليل، فأعياني ووجدت سهمي فيه من الغد، وقد عرفت سهمي، فقال:"الليل خلق من خلق الله عظيم، لعله أعانك عليه شيء انبذها عنك".
الثاني: ورد قريب منه في بعض طرق عدي انتهى بالمعنى. والظاهر أن المراد بالانفراد عدم الموافق له في مقالته: لأنه لم ينقل غيره ما نقل، فإنه لا عبرة بذلك. ونقل مالك وحده كافٍ في الثبوت.
وَإِنْ لَمْ يَبِتْ وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُمَا وَرَجَعَ لَمْ يَأَكُلْهُ؛ إِذْ لَعَلَّهُ لَوْ طَلَبَهُ كَانَ يَدْرِكُ ذَكَاتَهُ
الضمير في (تَرَكَهُمَا) راجع إلى الصيد والجارح أو السهم، ولم يأكله لتفريطه.
وَلَوْ قَدَرَ عَلَى خَلاصِهِ مِنْهَا فَذَكَّاهُ وَهُوَ فِي أَفْوَاهِهَا لَمْ يُؤْكَلْ إِلا أَنْ يُوقِنَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَبْحِهِ
…
لأنه لما قدر عليه تعينت الذكاة، واستثناء المصنف اليقين يمنع ما [223/أ] إذا ظن أنه مات من الذكاة، وهو المشهور كما تقدم. وقال في المدونة: ولو قدر على خلاصة منها فذكاه وهو في أفواهها تنهشه فلا يأكله؛ إذ لعله من نهشها مات، إلا أن يوقن أنه ذكاه وهو مجتمع الحياة قبل أن تُنفِذ هي مقاتله، فيجوز أكله وبئس ما صنع.
فرع: قال في المدونة: قال مالك رحمه الله: ومن رمى صيداً في الجو، فسقط فأدركه ميتأً، فأصاب السهم لم ينفذ مقاتله لم يؤكل؛ إذ لعله من السقطة مات. وكذلك إن رمى صيداً في الجبل فتردى من الجبل فمات لم يؤكل. ابن القاسم: إلا أن يكون قد أنفذت مقاتله بالرمية. وحمل بعض الشارحين على مالك أنه لا يؤكل الصيد ولو ذكاه وهو متيقن الحياة، خلاف ما نص عليه ابن القاسم.
ابن عبد السلام: وهو بعيد؛ لأن مالكاً علل منع الأكل بالشك، ولا شك مع اليقين. قال هذا الشارح: إذا ذبح البهيمة في جوف الماء أكلت. وقال ابن نافع: لا تؤكل، فألزم مالكاً التناقض بين المسألتين، ورأى أن قياس قوله في الصيد على ما فهمه: أنه لا يؤكل ما ذبح في الماء، وهذا الإلزام أيضاً ضعيف على تقدير تسليمنا له ما فاته في الكتاب، والفرق أن نهيش الكلاب أسرع قتلاً من الماء؛ لأن النهشة الواحدة تنفذ المقاتل، فلم يستويان. انتهى بمعناه. ومن هذا المعنى لو رماه فسقط في ماء. وفي الموازية والعتبية عدم الأكل فيمن رمى بسهم مسموم، قال: إذ لعل السم قتله أو أعان على قتله، وأخاف على مَن أكله.
وَلَوِ اشْتَغَلَ بآلَةِ الذَّبْحِ وَهِيَ فِي مَوْضِعٍ يَفْتَقِرُ إِلَى تَطْوِيلٍ فَمَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ، فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ فِي كُمِّهِ وَشِبْهِهِ فَمَاتَ أُكِلَ ....
يعني: أن الصائد كما يلزمه أن يجدَّ في اتباع الصيد كذلك يلزمه أن يُعدَّ آلة الذبح في محل متيسر، وإن استصحبها في محل لا يصل إليه إلا بتطويل فلا يؤكل الصيد لتفريطه.
ابن عبد السلام: وخالف عبد الملك في اشتراط حمل السكين. وذكروا من مواضع الاستعداد اليد والكم والخف والحزام، ومن مواضع التفريط الخرج ويد غيره.
محمد: إلا أن يموت في قد رما لو كانت شفرته في يده لم يدرك ذكاته فيؤكل.
فَلَوْ مَرَّ إِنْسَانٌ وَأَمْكَنَتْهُ الذَّكَاةُ فَتَرَكَهَا فَفَاتَ فَالْمَنْصُوصُ: لا يُؤكَلُ وَيَضْمَنُهُ الْمَارُّ، وَقِيلَ: فِي ضَمَانِ الْمَارِّ قَوْلانِ بنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ كَالْفِعْلِ أَوْ لا
أي: إذا رمى صيداً أو أرسله عليه، فمر به إنسان وهو يتخبط وأمكنته الذكاة فلم يذكه حتى جاء صاحبه فوجده مات، لم يأكله لأن المار يتنزل منزلة ربه في كونه مأموراً بذكاته، فلما لم يذكه صار ميتاً. وإلى هذا أشار بقوله:(فَالْمَنْصُوصُ: لا يُؤْكَلُ وَيَمْنَهُهُ الْمَارُّ) أي: المنصوص لابن المواز. وأجرى ابن محرز وغيره من المتأخرين في تضمينه قولين، على الخلاف في الترك: هل هو كالفعل أم لا؟ أي: هل تركه كفعل التفويت أم لا؟ قيل: وعلى نفي الضمان فيأكله صاحبه. واختار اللخمي نفي الضمان، قال: وإن كان يجهل أنه ليس له أن يذكيه كان أبين في نفي الضمان، ولو مر بشاة يخشى عليها الموت، فلم يذبحها حتى ماتت، لم يضمن شيئاً؛ لأنه يخشى ألا يصدقه ربها أنه خاف عليها الموت فيضمنه، وليس كالصيد؛ لأنه يراد للذبح. انتهى.
واحترز بقوله: (وَاَمْكَنَتْهُ الذَّكَاةُ) مما إذا لم يره، أو رآه ولكن ليس معه ما يذكيه به، فإنه يؤكل ولا ضمان عليه، وكذلك قال اللخمي.
وَحُمِلَ عَلَيْهِ فُرُوعٌ كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ نَفْساً أَوْ مَالاً بيَدِهِ أَوْ شَهَادَتِهِ أَوْ بِإمْسَاكِ وَثَيقٍ، أَوْ بِتَرْكِ الْمُوَاسَاةِ بخَيْطٍ لِجَائِفَةٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ بِتَرْكِ الْمُوَاسَاةِ الْوَاجِبَةِ بفَضْلِ طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ لِحَاضِرٍ اوْ مُسَافِرٍ أَوْ لِزَرْعٍ، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْمُوَاسَاةِ بعُمُدٍ أَوْ خَشَبٍ فَيَقَعُ الْحَائِطُ قَبْلَ رَمِّهِ، أَمَّا لَوْ قَطَعَ وَثِيقَةً فَضَاعَ مَا فِيهَا ضَمِنَ، وَلَوْ قَتَلَ شَاهِدَيْ حَقٍّ احْتَمَلَ
…
أي: وحمل على هذا الخلاف فروع. وقوله: (بيَدِهِ) متعلق (تَخْلِيصِ)، و (نَفْساً) منصوب على التمييز تقديره: كترك تلخيص مستهلك من نفس أو مال بيده أو بشهادته، وتصور الفروع المذكورة ظاهر. وأما تقطيع الوثيقة فقال ابن بشير: لا يختلف في ضمانه،
قال: ودون هذا في المرتبة أن يقتل شاهديه اللذين يشهدان بالحق له، فإن هذا لم يتعدَّ على نفس الشهادة، وإنما تعدى على سببها، فهو بلا شك أضعف من الأول. وقوله:(احْتَمَلَ) أي: الخلاف بالضمان قياساً على الوثيقة وعدمه؛ لأنه قد لا يقصد قتلهما لإبطال الحق بالعداوة ونحوها، وقد نص متقدمو أهل المذهب على أن المرأة إذا قتلت نفسها كراهة في زوجها، وأرادت سخ نكاحها أن الصداق لا يسقط. وكذلك إذا قتل سيد الأمة المتزوجة أمته. ونص في المدونة في كتاب حريم البئر على مسألة منع الماء، وأوجب فيه الدية، فقال في مسافرين مروا بماء فمنعهم أهله الشرب منه: أن للمسافرين قتال أهل الماء، وإن لم يقدر المسافرون على دفعهم حتى ماتوا عطشاً فدياتهم على عواقل المانعين، والكفارة على كل نفس منهم على كل رجل من أهل الماء، مع وجيع الأدب، واختلف حيث قلنا: تجب المواساة [223/ب] بطعام او نحوه مما ذكر هل بعوض أم لا؟ على قولين: مذهب المدونة ثبوته إذا كان معهم ثمن؛ لأن الواجب الإعطاء، ولم يقع الدليل على نفي الثمن.
ابن يونس: ولا يشترطوا عليهم في ثمنه. قال أِهب: في مثل هذا لا شيء عليهم إذا لم يكن معهم ثمن. وذكر اللخمي خلافاً هل يُتبعون إذاأيسروا أو لا؟ واستظهر بعضهم نفي العوضية؛ لأنه الأصل في الواجب.
بعض القرويين: إنما كانت الدية على عاقلة المانعين إذا مات المسافرون عطشاً؛ لأنهم لم يقصدوا قتلهم، وإنما تأولوا أن لهم منع مائهم، وذلك مما يخفى على بعض الناس. ولو قصدوا منعهم بعد علمهم بأن ذلك لا يحل، وأنهم إن لم يسقوهم ماتوا لأمكن أن يقتلوا بهم. وخرج اللخمي ذلك على الخلاف فيمن تعمد شهادة الزور في شهادته حتى قُتل بها المشهود عليه، فقد قيل: يقتل الشاهد، ومذهب المدونة: لا قتل عليه.
وَلَوْ غَصَبَ مَا صَادَ بِهِ، وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لِلْمَالِكِ فَإِنْ كَانَ عَبْداً فَلِمَالِكِهِ اتِّفَاقاً، وَإِنْ كَانَ كَالسَّيْفِ وَالشَّبَكَةِ وَالْحَبْلِ فَلِلْغَاصِبِ اتِّفَاقاً، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَالْفَرَسُ كَالسَّيْفِ وَإِنْ كَانَ جَارِحاً فَعَلَى قَوْلَيْنِ، بنَاءً عَلَى التَّشْبيهِ بهِمَا
أي: إذا فرعنا على المشهور فإنه لا غلة للغاصب، وإنما هي لرب المغصوب. وقوله في العبد:(فَلِمَالِكِه اتِّفَاقاً) معنى ذلك أنه ليس واجباً له على التعيين، وإنما هو مخير فيه أو في تركه وأخذ قيمة عمله، نص عليه ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون. وألحق ابن القاسم الجارح بالعبد، وألحقه أصبغ وسحنون بالفرس.
واختار اللخمي وابن رشد قول ابن القاسم؛ لأن الجارح هو الكاسب، وحكم الصائد تبع فكان الحكم لأقواهما سبباً، ويكون للغاصب بقدر تعبه.
فرع: قال ابن شعبان في رجلين أرسل أحدهما كلبين على صيد، وأرسل الآخر عليه كلباً واحداً، فإن الصيد يكون بينهما نصفين. وكذلك لو كان الكلب الواحد لرجلين؛ لواحد ثلثه وللآخر ثلثاه، فأرسلاه على صيد، فإن الصيد يكون بينهما نصفين.
اللخمي: وليس هذا أصل المذهب، بل المذهب قسمة الصيد على عد الكلاب المرسلة، أو على نسبة الأجزاء في الكلب الواحد، كالعبد والدابة فإن منافعهما تقسم على قدر الإملاك في كل واحد منهما.
المازري: وهذا الذي أنكره على ابن شعبان، ورأى أنه ليس أصل المذهب، ليس كما ظن رحمه الله فقد اختلف في الكلب إذا غصب فصيد به، ففي أحد القولين أن الصيد للغاصب والكلب في حكم الآلة، فعلى هذا يكون الذي قاله ابن شعبان له وجه، وذلك إذا جعلنا فعل الكلب واقتناصه في حكم التبع، والصيد إنما حصل بالصائد فلذلك لم يعتبر تعدد الكلاب، والله أعلم.
وأَمَّا لَوْ طَرَدَ طَارِدٌ الصَّيْدَ قَاصِداً أَنْ يَقَعَ فِي الْحِبَالَةِ وَلَوْلاهُمَا لَمْ يَقَعْ فَبَيْنَهُمَا بحَسَبِ فِعْلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَهُوَ عَلَى إِيَاسٍ فَلِرَبِّهَا، وَعَلَى تَحْقِيقِ بغَيْرِهَا فَلَهُ
…
أي: إذا نصب شخص حِبالة، وهي الشرك، وفي معناه جميع ما ينصب للصيد من حفرة وغيرها، فطرده شخص ليقع في الحِبالة ولولا الطارد والناصب لم يقع، فالصيد بينهما بحسب فعليهما، فيقال: إذا كانت أجرة الناصب تساوي نصف درهم وأجرة الطارد تساوي درهماً فللطارد ثلثاه، وللناصب ثلثه. وقال أصبغ: يكون للطارد خاصة وعليه للناصب أجرة الحبالة. كمن رمى بسهم رجل فصاد به أو كلبه أو بازيِّه.
عبد الحق: وهو القياس. وإنما استحسن ابن القاسم الشركة؛ لأن المبتغي من جميعهم هو الاصطياد، بخلاف التعدي على سهم الغير أو بازيه. قال في البيان: ولو قيل إن الصيد يكون للناصب، ويكون عليه للذين طردوا الصيد أجرة مثلهم إلا أن يشاء أن يسلم الصيد إليهم، قياساً على قول ابن القاسم في الذي يتعدى على كلب رجل أو بازيه، فيصيد به صيداً لكان قولاً. وقوله:(وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ) أي: إن لم يقصد الطارد إيقاعه في الحبالة وكان آيساً من أخذ الصيد، ثم اتفق وقوع الصيد في الحبالة، فهو لربها.
قوله: (وَعَلَى تَحْقِيقٍ)؛ يعني: وإذا كان الطالب أعيي الصيد، وتحقق أخذه ولم يرد إيقاعه فيها، فلما أشرف على أخذه وقع في المنصب، فهو للطارد.
اللخمي: ثم ينظر في أجرة الحبالة؛ فإن كان الطارد لم يردها لم يكن عليه أجرة لأنه كان في غنى عنها، وإن كان عالماً ورده إليها كان عليه الأجرة لأنه قصد الانتفاع بها. وفي البيان: انظر لو كانوا لما طردوه وأعيوه، وهم لا يريدون إيقاعه في المنصب، فلما أشرفوا على أخذه قصدوا إيقاعه في المنصب ليخفَّ عنهم في أخذه بعض التعب، فلم يقع في ذلك في العتبية ولا في الواضحة بيان. والذي ينبغي في ذلك أن يكون لهم ويكون عليهم لصاحب
المنصب قيمة انتفاعهم، وكذلك ينبغي أن يكون الجواب لو طردوا صيداً إلى دار رجل فأخذوه فيها. وقد حكى عبد الحق في ذلك عن بعض شيوخه قولين: أحدهما: أنه لا حق لصاحب الدار في ذلك؛ لأن الدار لم تُتخذ للصيد. والثاني: أن يكون معهم شريكاً [224/أ] فيه كالمنصب، وكلا القولين عندي بعيد، وما قلناه أولى. انتهى.
وقال ابن حارث: اتفق ابن القاسم وأِهب في الذي ينظر إلى صيد، فيتبعه ويطرده حتى يضطره إلى دار رجل، أنه للذي يطرده إلى دخول الدار، ولا شيء فيه لصاحب الدار. واختلفا إذا لم يطرده للدار، وكان الصيد هو الذي دخل دار الرجل، فقال ابن القاسم: هو لصاحب الدار خاصة. وقال أِهب: هو للذي كان يتبعه خاصة. انتهى.
وَيُمَلَّكُ بالصَّيْدِ، وَلَوْ نَدَّ الصَّيْدُ لِصَاحِبِهِ فَصَادَهُ ثَانٍ، فَثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ: إِنْ طَالَ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ فَلِلثَّانِي ....
يملك الصائد بالاصطياد؛ لأنه مباح في الأصل، فلو ند بعد أن صيد فصاده آخر فقال اللخمي والمازري وصاحب الجواهر: إن كان تأنس عند الأول وأخذه الثاني قبل أن يتوحش كان للأول اتفاقاً. اللخمي: واختلف إذا كان أخْذُ الثاني له بعد أن توحش، أو كان ندوده قبل أن يتأنس على ثلاثة أقوال: فقال مالك هو للآخذ، وبه أخذ ابن القاسم. وقال مرة: إذا نَدَّ بعد أن تأنس كان للأول ولو توحش، وإن نَدَّ قبل أن يتأنس عند الأول فهو للثاني، وبه أخذ ابن الماجشون. وقال ابن عبد الحكم: هو للأول وإن لم يتأنس عنده، ولا يزول ملكه عنه وإن قام عشرين سنة. وهو أبين لأن الأول قد تقدم ملكه عليه بنفس أخذه، وانفلاته لا يزيل ملكه بمنزلة لو كان عبداً فأبق. انتهى.
وفي الجواهر: مذهب الكتاب أنه للثاني في الصورتين. وعلى هذا فإطلاق المصنف الخلاف ليس بجيد، وكذلك ما شهره مخالف لمذهب الكتاب على ما قاله في الجواهر، ولا أخذ به ابن القاسم على ما قاله اللخمي. وفي بعض النسخ إسقاط المشهور وهو أولى،
لكن في أخذ الصورتين من لفظ المدونة نظر؛ لأن الذي فيها: وإذا دجن عندك صيد ثم ند فصيد بحدثان ما عند ولم يتوحش فهو لك، وإن لم يؤخذ بحدثانه وقد لحق بالوحش، فهو لمن صاده ظبياً كان أو بازيّاً أو غيره. انتهى.
فأنت تراه لم يتكلم على ما إذا لم يتأنس عند الأول بشيء، سواء لحق بالوحش أم لا، ولهذا عين المازري المشهور فيما إذا تأنس ولحق بالوحش، فقال: إن لحق بالوحش وصار من جملته بعد التانس فالمشهور من المذهب أنه للثاني. وقال ابن عبد الحكم: إنه للأول. واختلف أيضاً إذا لحق بالوحش قبل أن يتأنس عند الأول، فقال محمد بن عبد الحكم: هو للأول. وقيل: هو للثاني وفي الذخيرة: اتفقوا على الحربي يؤسر ثم يأبق إلى بلاد الحرب ثم يؤسر أنه للأول، وهو شديد الشبه بالصيد. وفرق بعض أصحابنا بأن الحربي له من يمنعه، والصيد بقي دون مانع كموات الأرض إذا حيي ثم خرب. انتهى. وحكى في الجواهر قولاً رابعاً، فقال بعد ذكر الثلاثة: وقيل: إن طال مقامه عن الأول فهو للثاني، وإن لم يطل فهو للأول.
واعلم أن قول المصنف في القول الثالث: (طَالَ) ليس بظاهر؛ لأنه يقتضي أنه إنما يكون للثاني لمجموع الطول والتوحش، ومذهب المدونة الاكتفاء بالتوحش، ولهذا لم يذكر صاحب الجواهر الطول في القول الثالث، وحيث حكمنا به للأول فالمنصوص أنه يغرم للثاني أجر تعبه في تحصيله، واعترض بمسألة الآبق، فإنهم لم يجعلوا له جُعلاً إلا بشرط أن يكون شأنه طلب الإباق.
خليل: وقد يفرق بأن ملك الثاني للصيد قوي بدليل أنه له على بعض الأقوال، وهو لم يدخل إلا على تملكه، فإذا لم يقض له به فلا أقل من أن يأخذ أجر تعبه، بخلاف العبد لأنه إن أخذه دخل على أنه لغيره فهو متبرع.
وَعَلَيْهِ فِي تَعْيِينِ مُدَّعِي الطُّولِ قَوْلانِ
ظاهره، وعلى الثالث في كلامه: وإنما جعله في الجواهر مفرعاً على الرابع، وإنما جاء هذا والله أعلم من إتيان المصنف بقوله:(طَالَ) في القول الثالث، ولهذه المسألة صورتان: إحداهما: أن يقول الثاني: ندَّ منك عن بعد، ويقول الأول: بل ند عن قرب. والثانية: أن يقول الأول: ند مني عن قرب، ويقول الثاني: لا أدري. ونص في الجواهر على أن الخلاف فيهما متحد، وأن مذهب ابن القاسم أنه للثاني فيهما، ومذهب سحنون أنه للأول فيهما، وسبب الخلاف تعارض أصلين؛ وهما: وضع اليد، واستصحاب الملك الأول. وحمل ابن عبد السلام كلام المصنف على الأول، وحمله ابن هارون على الثانية. وما قاله ابن عبد السلام أظهر؛ لأن الأول في الصورتين لا يدعي الطول. والمصنف قال:(مُدَّعِي الطُّولِ)، وذلك لا يمكن إلا إذا ادعى الثاني الطول.
فَلَوْ نَدَّ مِنْ مُشْتَرٍ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: مِثْلُهَا، وَقَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: لِلْمُشْتَرِي
يعني: أن المسألة الأولى مفروضة فيما إذا ند من صائد، وأما لو ند من مشتر فقال ابن المواز: هو للآخر. وهكذا نقل التونسي واللخمي عنه. وكلام المصنف يوهم أن محمداً قال: إن الأقوال السابقة تأتي هنا، وقد أجراه ابن عبد السلام على ظاهره من أن محمداً أجرى الأقوال. وقال ابن الكاتب: بل يكون هذا للأول على كل حال قياساً على من أحيا ما دثر مما أحياه غيره بعد أن اشتراه، بخلاف الصورة الأولى فإنه بمثابة من أحيا ما دثر مما أحياه غيره من غير شراء.
ابن عبد السلام: وفي التشبيه نظر؛ لأن الشراء إن كان من مالك كان ذلك مانعاً من إلحاق [224/ب] مسألة الصيد بها، وإن كان ممن حجر فالموات لا يستحق بالتحجير فلا أثر للتحجير عندنا بالبيع في غير محل.
خليل: وفي كلامه نظر، والظاهر أن ابن الكاتب لم يرد ما ذكره، بل مراده: من اشترى ممن ملك بإحياء ثم دثرن ولا شك أنه كالصيد، والله أعلم.
وَلَوْ رَأَى وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ صَيْداً فَبَادَرَ غَيْرُهُ فَلِلْمُبَادِرِ، فَإِنْ تَنَازَعُوا وَكُلِّ قَادِرٌ فَلِجَمِيعهِمْ
لأن الصيد إنما يملك بوضع اليد عليه لا بالنظر. وأما الثانية فإنما جعل لهم قطعاً للنزاع ولعدم ترجيح بعضهم.
وَمَا قُطِعَ مِنَ الصَّيْدِ إِنْ كَانَ نِصْفَهُ أَوْ كَثِيراً مِنْهُ أُكِلَ، وَإِنْ كَانَ يَسِيراً لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ قَتَلَ عَلَى الْمَشْهُورِ بِخِلافِ الرَّاسِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ مَعَهُ
حاصله: إن قطع النصف أو الأكثر أكل الجميع، وإن قطع الأقل فهو على قسمين: إن أمكن أن يعيش معه لم يؤكل المقطوع اتفاقاً، وأما بقيته فتؤكل بلا خلاف. والأصل فيه ما رواه الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:"ما أُبِينَ من حيٍّ فهو ميِّت"، وإن لم يمكن أن يعيش معه فهو أيضاً على قسمين:
إما أن يكون عدم الحياة من نفس القطع، وفيه قولان: المشهور: أنه لا يأكله، وفي الجلاب الأكل، قال: وإن قطع رأسه أو وسطه أو ما لا حياة له بعده جاز أكله.
وإما أن يكون بسبب منفصل كما لو قطع خطمه، فإن كان ذلك سبباً للموت لا من نفس القطع، بل لأنه سبب للجوع اللازم عن القطع ولو قدر أن يجعل في حلقه ما يتغذى به لعاش، فهو ملحق بما لا يكون عنه موت.
ابن عبد السلام: وهذه طريقة البغداديين، ومال إليها كثير من المغاربة، وجمهور المتقدمين على أن اليسير لا أثر له إلا أن يكون الرأس.
ابن هارون: فإنه يؤكل اتفاقاً. انتهى. وفي الموازية قال مالك وربيعة: ومن رمى صيداً فأبان وركيه مع فخذيه فلا يؤكل ما أبان منه وليأكل باقيه، وكذلك لو قطع يديه أو رجليه. وفي
العتبية عن ابن القاسم: كل ما ضربه من الوركين إلى الرأس فجزَّ له جزتين فليؤكل جميعه، ولو أبان فخذيه ولم تبلغ ضربته إلى الجوف فلا يؤكل ما أبان منه ويؤكل ما بقي. زاد ابن حبيب: وإن أبين العجز مع ذلك. قال في البيان: والصواب أكل الجميع وإن أبين العجز؛ لأنه معنى ما في الموازية أنه لم يبلغ الجوف، وحمله بعضهم على الخلاف، وأن مذهب ابن القاسم اعتبار وصول القطع إلى الجوف، فيحصل في معنى القطع نصفان، ولا يشترط ذلك على ما في الموازية، ومرادهم بالبائن: ما أُبين بالكلية أو بقي معلقاً بالجلد أو مع يسير من اللحم، وأما لو بقي بحيث يعلم أنه يلتحم فإنه يؤكل جميعه. نص على ذلك في الموازية.
فائدة: قال اللخمي: فعل الجارح من الكلاب والبزاة بالصيد ذكاة بتسعة شروط: ثلاثة في الجارح: وهو أن يكون معلماً، وخرج بإرسال من هو في يده، ومضى لما أرسل عليه ولم يشتغل عنه، وثلاثة في المرسل عليه: وهو أن يكون الصيد في موضع لا يقدر على أخذه إلا بذلك، أو يراه البازي أو الكلب ليس في غيضة ولا أكمة، ويكون موته من جراحته ليس من صدمته، ولا خوف منه، وثلاثة في المرسل، وهو أن يكون جاء في طلبه لم يرجع عنه، وأن تصح ذكاته، وأن يكون مسلماً. فهذه جملة متفق عليها، وإن انخرم منها شيء لم يؤكل، وفي بعضها خلاف.
* * *