الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
الزنا:
تعريفه: هو وطء الرجل المرأة التي لا تحل له، وأي علاقة بين رجل وامرأة لا تشتمل على عنصر الوطء لا تعتبر زنا يوجب الحد. وتختلف عقوبة الزنا باختلاف الزناة فإن كان الزاني غير متزوج فعقوبته مائة جلدة لقوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} أما من سبق له أن تزوج فعقوبته الرجم حتى الموت، وقد يثبت هذه العقوبة بأحاديث كثيرة.
شروط هذه العقوبة: لتطبيق هذه العقوبة يجب توفر عدة شروط:
1-
شهادة أربعة عدول على حصول الفعل مع اليقين الكامل والتأكد التام مع اتفاقهم في كل تفاصيل الفعل، وزمانه ومكانه ووضعه، فإن لم يتفقوا على ذلك اعتبر إبلاغهم كاذب، وأوقع عليهم حد القذف بدلا من إيقاع حد الزنا على المتهم {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} ، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ومعلوم أن من زنا في موضع يراه فيه أربعة أشخاص رؤية تفصيلية فهو مجاهر بفعله مستخف بالدين وقيم المجتمع ومستخف بعلاقته مع زوجته، وإذا كان مستخفا بذلك كله كان حقيقا بهذه العقوبة الشديدة مع العلم أن تاريخ المسلمين لم يشهد حدًّا - حسب علمنا - أقيم بشهادة شهود أربعة وإنما يقام هذا الحد في الغالب، برغبة الزاني تطهيرا لنفسه وتوبة عن الجرم الذي قارفه.
2-
عدم توفر شبهة تسقط الحد فإذا توفرت أية شبهة أو وجد أي مخرج للمتهم سقط عنه الحد. لقوله صلى الله عليه وسلم «ادرءوا الحدود بالشبهات»
ملاحظات حول الزنا: هناك عدة أمور ينبغي التنبيه لها:
1-
أنه يندب لمن غلبته نفسه فسقط في الزنا أن يستر نفسه ولا يحدث بذلك، ولا يعترف على نفسه به، بل يتوب إلى الله ويستغفره ويكفر عن فعله بالأعمال الصالحة ولا يقنط من رحمة الله لقوله صلى الله عليه وسلم:«من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله» وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} وقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}
2-
ينبغي كذلك لمن اطّلع على مسلم يقترف شيئا من ذلك أن يستره ولا يبلغ عنه «من ستر مسلما ستره الله»
3-
جعل الإسلام للبيوت حصانة تامة فلا يجوز دخولها إلا بإذن أهلها كما حرم التجسس والتصنت عليها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
4-
أن الشخص إذا اعترف على نفسه فيجب التأكد الكامل من سلامة عقله، وإدراكه وأن يكون ذلك بعيدا عن أي إكراه أو ضغط بل تعطى له الفرصة لعله يرجع عن إقراره ويلقن الرجوع عنه، فإذا رجع لم يقم عليه الحد، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع ماعز - الرجل الذي اعترف بالزنا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أعرض عنه الرسول عدة مرات، وهو يكرر الاعتراف ويقول:(إني زنيت فطهرني) والرسول يعرض عنه ويصرف وجهه، ثم قال له:«لعلك قبلت» «لعلك شربت» كل ذلك وهو مُصِرّ على الاعتراف. ثم لما أرادوا أن يقيموا عليه الحد أُخبرَ الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هرب ونفى ما اعترف به فقال لهم: «هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه»
الحكمة في حد الزنا: بالنظر في العقوبات الإسلامية كلها يظهر تلازم أمرين فيها:
أ- الأول كثرة الاحتياطات لصالح المتهم، وكثرة القيود على تطبيق العقوبة.
ب- صرامة العقوبة وشدتها، وهذا يضمن أمرين:
الأمر الأول: حفظ الأمن العام وتقليل معدل الإجرام نظرًا لصرامة العقوبة فالقاتل الذي يعلم أنه سيقتل والسارق الذي يعلم أنه ستقطع يده والمعتدي على العرض والأسرة الذي يعلم أنه سيرجم أو يجلد مائة سوط سيفكر في نتائج الجريمة قبل الإقدام عليها، بينما إذا علم أنه سيحبس فقط لأشهر أو سنوات قد لا يبالي بالعقوبة وبالتالي لا يقلع عن الجرم.
الأمر الثاني: صيانة حياة المتهم وإعطاؤه كل الضمانات بأن لا تطبق عليه العقوبة إلا بعد استنفاذ كل الأعذار والبحث عن السبل التي تدرأ عنه العقوبة. وإذا نظرنا إلى الزنا نجده ينطوي على نفس الميزة حيث تشدد في وسائل إثباته (أربعة عدول) وكانت عقوبة حازمة.
وإذا نظرنا إلى تطبيق هذه العقوبة نجد لها عدة أحكام.
1-
حماية الأمن العام: حيث إن أهم أسباب القتل الاعتداء على الأعراض. وتطبيق حد الزنا يقلل من عمليات الاعتداء على الأعراض، ومن ثم يقلل من عمليات القتل الناتج عنها وهذا ينعكس إيجابا على الأمن العام.
2-
حماية الأسرة: فالأسرة لها تقديرها الخاص في الإسلام، ومن شأن فشو الزنا تدميرها والعصف بكيانها واضطراب العلاقة ببين أطرافها والعقوبة الصارمة للزنا من شأنها أن تقلل من جرائم الزنا، مما ينعكس إيجابا على الأسرة بشكل مزدوج فصاحب الأسرة الزاني تساهم العقوبة في ردعه من الزنا مما يعود على أسرته بالاستقرار، والأسرة المعتدى عليها كذلك ستستفيد من تقليل فرص الزنا بهذه العقوبة فيزاد استقرارها.