الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كاد
هناك ثلاثة أوجه:
الأول: أن لا يتقدمَها نَفْيٌ ولا يتلوها اتفقوا على أن معناها حينئذ «قارب»
(1)
،
وزاد بعضهم
(2)
: «ولم يفعل» وهو تصريح بالمفهوم؛ فإن قولك: «كاد التلميذ ينجح» كقولك: «قارب التلميذ أن ينجح» يُفْهِم كلٌّ منهما نَفْيَ النجاح ووجهه أنه لو نجح لما اقتصر المخبر على الإخبار بالمقاربة، وهذا الإفهام متفق عليه، وقد جاءت «كاد» هكذا ــ بدون تقدم نفي ــ في بضعة عشر موضعًا من القرآن
(3)
، وكلها مفهمة للنفي اتفاقًا
(4)
.
(1)
انظر تهذيب اللغة للأزهري (10/ 327)، والصحاح (2/ 532)، والقاموس (ص 316).
قلت: وأما الزجاجي، ففسرها بـ «همّ ولم يفعل» في كتابه حروف المعاني والصفات (ص 70)، وكذا ابن سيده، كما في اللسان (3/ 382)، وعن بعضهم: أنَّ «كاد» تأتي بمعنى أراد.
(2)
كالأخفش، والجوهري، والزجاجي كما تقدم، وابن الأنباري، وغيرهم من الأئمة.
(3)
هي ثمان عشرة آية، سأقتصر على ذكر اسم السورة ورقم الآية فيها: البقرة: (20)، الأعراف:(150)، التوبة:(117)، الإسراء:(73، 74، 76)، مريم:(90)، طه:(15)، الحج:(72)، النور:(35، 43)، الفرقان:(42)، القصص:(10)، الصافات:(56)، الشورى:(5)، الملك:(8)، القلم:(51)، الجن:(19).
(4)
إطلاق الاتفاق في الجميع فيه نظر؛ لأن العلماء اختلفوا في معنى قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} نفيًا وإثباتًا، كما في إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس (3/ 35)، وتفسير القرطبي (11/ 182)، وكذلك قوله تعالى: {يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا
…
}، قد اختلف في وقوع السطوة. انظر البحر المحيط لأبي حيان (6/ 388).
الوجه الثاني: أن يقع النفي بعد الفِعل وهذا قد يقع في «قارب» ، مثل:«قارب التلميذُ أن لا ينجح» وهذا يُفْهم إثبات النجاح وهو جارٍ على القياس.
ألا ترى أنه بمعنى قولك: «قارب التلميذُ أن يخيب» ؛ فكما أفهم قولُك: «قارب أن ينجح» نَفْيَ النجاح فكذلك أفهم «قارب أن يخيب» نفي الخيبة، وذلك إثباتٌ للنجاح.
وبعبارةٍ أخرى أن «قارب» في هذا الوجه كهي في الوجه الأول تُفْهم انتفاء المفعول فإذا كان في المفعول أداةُ نَفْي كان المفهوم نَفْيَ النفي وذلك إثبات.
هذا كله في «قارب» ، فأما «كاد» فلم أجدها على هذا الوجه
(1)
.
ولا أدري لماذا اجتنبوه
(2)
؟ !
(1)
أي: في تأخر أداة النفي عنها، فيقال مثلاً: كاد التلميذ لا ينجح.
(2)
الضمير يرجع للعرب، أو النحاة، ولكني وقفت على كلام للأئمة يفهم منه جواز هذا التركيب، وأنه غير مجتنب، فقد قال ابن عطية في المحرر (4/ 188):«ووجه ذلك أن «كاد» إذا صحبها حرف النفي وجب الفعل الذي بعدها، وإذا لم يصحبها انتفى الفعل، وهذا لازمٌ متى كان حرف النفي بعد «كاد» داخلاً على الفعل الذي بعدها، تقول: كاد زيدٌ يقوم، فالقيام منفيٌّ، فإذا قلت: كاد زيدٌ أن لا يقوم، فالقيام واجبٌ واقعٌ، وتقول: كاد النعام يطير، فهذا يقتضي نفي الطيران عنه، فإذا قلت: كاد النعام أن لا يطير، وجب الطيران له
…
». اهـ.
وقال ابن يعيش في شرح المفصل (7/ 125): «فإذا دخل النفي على كاد قبلها كان أو بعدها لم يكن إلا لنفي الخبر، كأنك قلت: إذا أخرج يده يكاد لا يراها
…
». اهـ.
وقال الكفوي في الكليات (4/ 87): «ولا فرق بين أن يكون حرف النفي متقدمًا عليه أو متأخرًا عنه، نحو: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}، معناه: كادوا لا يفعلون» . اهـ.
وانظر البحر المحيط لأبي حيان (6/ 462).
الوجه الثالث: أن يتقدم النفي على الفعل فأما «قارب» فإنك إذا قلت: «ما قارب التلميذ أن ينجح» أفهم أنه لم ينجح.
وهذا واضح معقول، فإن نفي المقاربة يستلزم نفي الوقوع بلا ريب؛ إذ يمتنع الوقوع بدون مقاربةٍ.
لكنَّ الحال في «كاد» على خلاف هذا قال الله عز وجل: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71]، وقال سبحانه:{يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: 17]، وقال عز وجل:{لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78]، ومع قوله في آية أخرى:{لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الفتح: 15].
ومن تدبر كلام العرب وجد كلامهم على نحو هذا ــ أعني أن نحو: «ما كاد التلميذ ينجح» مفهم لإثبات النجاح.
ومن أنصف وكان كثير الممارسة لكلامهم عرف أن هذا هو المتبادر، لكنه مُشكِلٌ كما ترى ما الذي جعل «ما كاد ينجحُ» مفهمًا للإثبات، مع أن «ما قارب أن ينجح» مفهمًا
(1)
إفهامًا يدعمه العقل للنفي المؤكد؟
(1)
هكذا بالأصل، والوجهُ أنه بالرفع خبرًا لـ «أن» ، وقد يخرّج على لغة مَن نصب الجزئين.
اعترف بعض علماء العربية بما تقدم
(1)
،
واعتذر بأن العرف جرى بهذا
(2)
، أي: بأن نحو «ما كاد ينجح» يقال: إذا كان قد نجح بعد صعوبة وبطءٍ
(3)
.
قال المعري
(4)
:
(5)
(1)
هو قوله: «ومن تدبر كلام العرب
…
» إلى قوله: «المتبادر» .
وهذا الاعتراف جاء معناه عن الفراء، والأخفش كما في التهذيب للأزهري (10/ 328)، وانظر تاج العروس (2/ 488).
(2)
انظر: دلائل الإعجاز لعبد القاهر (ص 275)، وشرح كافية ابن الحاجب للمصنف (3/ 922).
(3)
هذا المعنى أخذ به أبو الفتح ابن جني، كما في المساعد (1/ 303)، وكذا ابن مالك في التسهيل حيث قال (1/ 396): «وتنفى كاد إعلامًا بوقوع الفعل عسيرًا
…
»، وانظر الإتقان (2/ 216)، والزاهر للأنباري (2/ 84).
(4)
أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي، أبو العلاء المعري، عالم باللغة، حاذقٌ بالنحو، جيد الشعر، شهرته تغني عن صفته، ولد بمعرة النعمان سنة (363 هـ)، له مصنفات كثيرة، منها: كتاب الأيك والغصون، والصاهل والشاحج، وشروح على بعض الدواويين، توفي سنة (449 هـ).
انظر: إنباه الرواة (1/ 81)، وبغية الوعاة (1/ 315).
(5)
هنا بياض بقدر سطرين، تركهما الشيخ لبيتي أبي العلاء المعري اللذين ألغز بهما، وهما ــ كما في شرح الكافية لابن مالك (1/ 466)، والأشباه والنظائر (2/ 651) ــ:
أنحويَّ هذا العصر ما هي لفظةٌ
…
جرت في لساني جُرهمٍ وثمودِ
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت
…
وإن أثبتت قامت مقام جحودِ
فأجابه الشهاب
(1)
:
(2)
وأبى أكثرهم هذا، وأصروا على أن «ما كاد ينجح» مثل «ما قارب ينجح» يفهم نفي النجاح نفيًا مؤكدًا
(3)
.
وأجابوا عن قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71]: أنهما كلامان، لكنَّ حالَ القوم في وقتين مختلفين، ففي الوقت الأول لم يقاربوا الفعل فضلاً عن أن يفعلوا.
(1)
أحمد بن محمد بن علي الأنصاري السعدي الشافعي المصري، يعرف بأبي الطيب شهاب الدين، عالم أديب شاعر، ولد بالقاهرة سنة (790 هـ)، من مؤلفاته: التذكرة، وكتاب النيل، وديوان شعر، توفي سنة (875 هـ).
انظر نظم العقيان للسيوطي (ص 63).
(2)
في الأصل بياض بقدر سطرين أيضًا، تُركا لبيتي الشهاب اللذين أجاب بهما عن لغز المعري، وهما ــ كما في حاشية الصبان على الأشموني (1/ 268) ــ:
لقد كاد هذا اللغز يُصْدئ فكرتي
…
وما كدت منه أشتفي بورودِ
فهذا جوابٌ يرتضيهِ أولو النهى
…
وممتنعٌ عن فهم كل بليدِ
قال المناوي في فيض القدير (4/ 541): «وهذا الجواب لغزٌ أيضًا، فأوضحه بعضم بقوله:
أشار الحجازي الإمام الذي حوى
…
علومًا زكت من طارفٍ وتليدِ
إلى «كاد» إفصاحًا لذي الفضل والنهى
…
وأبهم إبعادًا لكل بليد
(3)
هذا رأي الجمهور، واختاره جماعة من المحققين، منهم: الزمخشري في المفصل، وابن كمال باشا في رسالته «كاد» ، وابن مالك في التسهيل والكافية، وابن الحاجب في كتبه، كشرح المفصل والكافية، والرضي، وابن القيم في كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية، والسيوطي في كتبه، وغيرهم من الأئمة.
ثم في الوقت الثاني قاربوا وفعلوا
(1)
.
وفي هذا من التكلف ما فيه
(2)
، والذي ألجأهم إليه ما تقدم من الإشكال
(3)
.
وقد وقع لي منذ زمانٍ ما يزيل الإشكال ويقرب إفهام الإثبات.
وقبل أن أشرحه أقدم كلامًا آخر:
تقول العرب: «لزيدٌ قائمٌ» وهذه اللام تسمى لام الابتداء
(4)
، وهي تفيد التوكيد
(5)
.
ولا تقول العرب: «زيدٌ لقائمٌ» ، وإذا دخلت «إنَّ» لم يقولوا ألبتة:«إن لزيدٌ قائمٌ» ولكنهم يقولوا
(6)
: «إن زيدًا لقائمٌ» ، فقال علماء العربية: إنَّ هذه اللام هي لام الابتداء نفسها، ولكنها أخرت عن موضعها كراهية الجمع بين حرفي توكيد
(7)
.
(1)
ذكر هذا التأويل ابن مالك في شرحي التسهيل والكافية، وابن هشام في المغني (2/ 344)، والسيوطي في الهمع (2/ 147)، وفي الإتقان (2/ 216)، وانظر الدر المصون (1/ 240).
(2)
قد استبعده أيضًا محمد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير (1/ 557)، فانظره.
(3)
هو قوله: «ما الذي جعل «ما كاد ينجح» مفهمًا
…
» إلخ.
(4)
واللام المزحلقة، والمزحلفة، بالقاف والفاء، كما في التصريح للأزهري (1/ 221).
(5)
وتخليص المضارع للحال، واعترضه ابن مالك، كما في شرح التسهيل (1/ 22)، وانظر مغني اللبيب (1/ 343)، وكتاب اللامات للزجاجي (ص 69).
(6)
هكذا في الأصل، وهي لغة.
(7)
راجع الجنى الداني (ص 128)، والمغني (1/ 343)، والهمع (2/ 171)، واللامات للزجاجي (ص 64).
وقالت العرب: «مهما يكن من شيء فزيدٌ قائمٌ» ولا تقول: «مهما يكن من شيءٍ زيدٌ فقائمٌ» .
وقالوا: «أما زيدٌ فقائمٌ» .
فقال النحاة
(1)
:
إن هذه الفاء هي التي كانت قبل «زيد» وأن ذاك محلها إلا أنها هنا أخرت عن موضعها للعلة التي ذكروها
(2)
.
وجاءت «هل» الاستفهامية بعد واو العطف وفائه وثم
(3)
، ولم تجئ بعدها
(4)
، وخالفتها همزة الاستفهام فجاءت قبل أحرف العطف ولم تجئ بعدها
(5)
.
(1)
هم الجمهور، وعن بعضهم إذا قلت:«أما زيدٌ فمنطلقٌ» ، فأصله: إنْ أردت معرفة حال زيدٍ فزيدٌ منطلقٌ.
انظر شرح الألفية للمرادي (3/ 1306).
(2)
هي إصلاح اللفظ، والفرار من وجود صورة عاطفٍ بلا معطوفٍ عليه، وقال ابن يعيش في شرح المفصل (9/ 11): «ووجه ثانٍ، وهو أن الفاء وإن كانت هنا متبعة غير عاطفة، فإن أصلها العطف
…
ومن عادة هذه الفاء متبعة كانت أو عاطفة أن لا تقع مبتدأة في أول الكلام، وأنه لابد أن يقع قبلها اسمٌ أو فعلٌ
…
» إلخ.
راجع: الجنى الداني (ص 523)، والتصريح (2/ 262).
(3)
بعد واو العطف، كقولك: وهل زيدٌ قائمٌ؟ وبعد فائه، كقوله تعالى:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، وبعد ثم، كقول الكميت:
*ليت شعري هل ثم هل آتينهم*
(4)
أي: ولم تجئ حروف العطف بعد «هل» الاستفهامية.
(5)
بل خالفت الهمزة جميع أدوات الاستفهام، قال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ
…
}، وقال: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا
…
} الآية، وقال عز وجل:{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} .
فقال النحاة: إن محل الهمزة بعد هذه الأحرف ولكنها قُدِّمت لأصالتها في الصدارة
(1)
.
فعلى هذا ظهر لي أن أداة النفي التي تتقدم «كاد» كان موضعها بعد «كاد» ، ولكنها قُدِّمت للعلة التي منعتهم من أن يأتوا بعد «كاد» بأداة نفي كما تقدم
(2)
.
وهذا الامتناع يدل على ما أزعمه من التقديم وعلى هذا فقولنا: «ما كاد ينجح» أصله ــ لو عبَّرنا بـ «قارب» ــ «قارب أن لا ينجح» ، وقد تقدم أن «قارب أن لا ينجح» يفهم الإثبات بالاتفاق
(3)
، فكذلك «ما كاد ينجح» ؛ لأن الأصل «كاد لا ينجح»
(4)
.
ثم قرأت في مفردات الراغب
(5)
: «كاد لمقاربة الفعل، يقال: كاد يفعل
(1)
هذا قول سيبويه والجمهور، وخالف الزمخشري والبيضاوي، فذهبا إلى تقدير جملة بعد الهمزة لائقة بالمحل، وقيل: إن الزمخشري رجع عن هذا، كما قال ابن مالك في شواهد التوضيح (ص 64 - 65). وانظر الجنى الداني (ص 31)، والهمع (4/ 360).
(2)
قد وافق المؤلفَ على هذا الرأي الأستاذُ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير (1/ 559)، وقرر هناك ما ذهب إليه المعلمي. راجع المقدمة.
(3)
انظر (ص 183)، وليس فيه ذكر الاتفاق فيما يخص الوجه الثاني من استعمالات «كاد» .
(4)
لعلَّ الأحسن أن يقال: لأن الأصل: «كاد ما ينجح» .
(5)
أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الأصفهاني، صاحب التصانيف المشهورة، ككتاب الذريعة، ومحاضرات الأدباء، والمفردات، وغيرها، كان عالمًا باللغة والأدب والتفسير، توفي سنة (502 هـ)، وقيل: إنه توفي في أوائل القرن الخامس.
انظر: بغية الوعاة (2/ 297)، ومفتاح السعادة (1/ 209).
إذا لم يكن قد فعل وإذا كان معه حرف نفي يكون لما [قد]
(1)
وقع، ويكون قريبًا من أن لا يكون ...... ولا فرق بين أن يكون حرف النفي متقدمًا عليه أو متأخرًا عنه».
هذا كلامه
(2)
.
وقوله: «يكون لما قد وقع ويكون قريبًا من أن لا يكون» وجه واحد، أي: أنه لِمَا وقع مع قربه من أن لا يكون، وحاصله: أنه وقع بعد جهدٍ وبطءٍ.
فأما قوله: «ولا فرق
…
» ففيه أنه لم يُسمع تأخُّر حرف النفي عنه
(3)
، فما بقي إلا أنه عند تقدم حرف النفي يفيد ما يفيده لو تأخر حرف النفي.
فقولنا: «ما كاد ينجح» يفيد ما يفيد «كاد لا ينجح» لو سمع هذا.
وهذا حقٌّ، لكن لم يبيِّن العلة، وقد فتح الله تعالى بها.
بقي أن يقال: فهل امتنعوا من أن يُدخلوا حرف النفي مقدَّمًا أصالة على «كاد» كما يدخلونه على «قارب» في نحو «ما قارب أن ينجح» ؟
قلت: قد يقال: نعم بدليل أننا لا نعرف موضعًا جاء فيه «ما كاد يفعل»
(1)
زيادة من المفردات.
(2)
انظر: المفردات في غريب القرآن (ص 443).
(3)
راجع: (ص 184).
مفهمًا ما يفهمه «ما قارب أن يفعل» والعلة في ذاك ظاهرة وهي أنهم لما اعتزموا أن يقدموا على «كاد» حرف النفي ــ الذي حقه أن يكون متأخرًا عنها ــ امتنعوا خشية الإلباس من إدخال حرف النفي عليها مقدمًا أصالة.
لكن يظهر لي أنهم لم يمتنعوا من ذلك ألبتة، بل قد يأتون به إذا كانت هناك قرينة على المقصود.
والحجة على هذا مفصلًا
(1)
.
وقد يقال: لما وضعوا «كاد» للدلالة على قرب خبرها من اسمها، واشترطوا أن يكون خبرها فعلاً؛ ليكون ــ لدلالته على الحالية ــ أدل على القرب المعنوي أكدوا
(2)
ذلك بالتزام القرب اللفظي، وهو: أن لا يُقَدَّم على الفعل حرف، وقد يشهد لهذا إبعادهم «أَنْ» المصدرية فلا يقولون:«كاد أن يقعد» إلا نادرًا
(3)
، ولا يلزمهم من الإتيان بـ «أن» نادرًا أن يؤتى بـ «لا» نادرًا لأن الترك هنا دليلٌ على التقديم فوجبت المحافظة عليه
(4)
.
(1)
كذا في الأصل! تُرك بياضٌ بعد هذا الكلام.
(2)
هذا جواب: لمّا.
(3)
هو استعمال صحيحٌ فصيحٌ، جاء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وليس خاصًّا بضرورة الشعر، كما ذهب إليه المرزوقي في شرح الحماسة (1/ 54)، وقد سرد الشواهد على هذا ابن مالك في كتاب شواهد التوضيح (ص 159).
(4)
من قوله: «وقد يقال:
…
» إلى هنا، كتب في الجانب الأيمن من الصفحة نفسها، ولم يوضع لها تخريجٌ أو إشارةٌ تعين مكانها، فرأيت ــ بعد التأمل ــ أن من المناسب إيرادها ههنا، والله أعلى وأعلم، وصلى الله على نبيه وآله وسلم.
فائدة: وُجد في بعض تعاليق المؤلف رحمه الله فائدة عن «ما كاد» نصها:
الصواب في «ما كاد» و «ولم يكد» أن النفي يجيء مسلطًا على «كاد» ، كما هو الظاهر، فيلزمه عدم الوقوع.
وقد تجيء «كاد» مسلطة على النفي تقديرًا، كقوله تعالى:{وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ، والتقدير: وكادوا لا يفعلون. فيلزمه الوقوع.
وحمله كذلك على هذا التقدير أنك لا تجد في كلامهم: «كاد لا يفعل» و «لا يكاد لا يفعل» .
وأما العلة في عدم ورود هذا، والتزام تقدم أدلة النفي فيحتاج إلى نظر.
الرسالة السادسة
الكلام على تصريف «ذو»
«ذو» عينه واو ولامه ياء، أما الأول فلأن مؤنَّثهُ «ذات» وأصلها ذوات بدليل أنَّ مثناها «ذواتا» حُذفت عين المفردة لكثرة الاستعمال. هـ كليَّات
(1)
أبي البقاء الحسيني
(2)
ــ رحمه الله ــ بتصرف.
«ذو» لامُه ياءٌ محذوفة، ووزنه في الأصل ذَوَيٌ وِزَانُ سَبَب، ويكون بمعنى صاحب فيُعرب بالواو والألف والياء، ولا يستعمل إلا مضافًا إلى اسم جنس، فيقال: زيد ذو علم، وذو مال، والزيدان ذوا علمٍ، والرجال ذوو مال، وهند ذات مالٍ والهندان ذواتا مالٍ، والنساء ذوات مالٍ، هـ «مصباح» بتصرف
(3)
.
قوله تعالى: {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} [سبأ: 16] تثنية ذوات مفرد على الأصل. هـ، قوله تعالى:{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن: 48] تثنية ذوات على الأصل ولامها ياء. هـ جلالين
(4)
.
«ذو» أصله ذوى مثل: عصى. هـ «مختار الصحاح»
(5)
.
(1)
الكليات (2/ 356).
(2)
هو أيوب بن موسى الحسيني الكفوي الحنفي، ولد في كفا بالقرم، وتوفي وهو قاضٍ بالقدس سنة (1094 هـ).
انظر: معجم المؤلفين لكحالة (3/ 31)، وهدية العارفين (5/ 229).
(3)
انظر: المصباح المنير للفيومي (1/ 211).
(4)
انظر: تفسير الجلالين (3/ 278)، (4/ 150).
(5)
راجع المختار (ص 118).
«ذو» أصله عند سيبويه
(1)
ذَوَىٌ كجبلٍ، وعند الخليل
(2)
«ذوّ» بشد الواو. هـ «حاشية الخضري على ابن عقيل على ألفية ابن مالك»
(3)
.
تنبيهٌ: مذهب سيبويه أن «ذو» بمعنى صاحب وزنها فَعَلٌ بالتحريك، ولامها ياء فهي ذوي لا نقلاب لامها ألفًا في نحو: ذواتا، وقيل في تثنيتها أيضًا ذاتا بلا ردِّ اللام، والأكثر ذواتا ــ كما في التسهيل
(4)
ــ وأما الثاني فلأن يائيَّ اللام أكثر من واويِّه فأصله ذَوَى حذفت لامه اعتباطًا ونُقِلت حركات الإعراب إلى الواو، وحُرّكت الذالُ بحركة الواو اتباعًا لها، ثم في حال الرَّفع حذفت ضمة الواو للثقل فبقي «ذو» ، وفي حال النصب قلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فبقِيَ «ذا» ، وفي حال الجرّ حذفت كسرة الواو للنقل فوقعت الواو متطرفة إثر كسرة فقلبت ياءً فقيل:«ذي» .
فإن قلتَ: لا وجه للنقل والاتباع في حال النصب لفتح الواو والذال فتحًا أصليًا؟
(1)
أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، الإمام المشهور، أخذ النحو عن الخليل ويونس، وأخذ اللغات عن أبي الخطاب الأخفش، توفي سنة (180 هـ)، وقيل غير ذلك.
انظر: أخبار النحويين البصريين للسيرافي (ص 63)، وطبقات الزبيدي (ص 66).
(2)
أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد البصري الفراهيدي، اللغوي النحوي العروضي الزاهد الإمام المعروف، درس على أبي عمرو بن العلاء، وأخذ عنه سيبويه والنضر وجماعة، توفي رحمه الله سنة (160 هـ)، وقيل غير ذلك.
انظر: نزهة الألبا لابن الأنباري (ص 49).
(3)
انظر حاشية الخضري (1/ 45).
(4)
راجع شرح التسهيل لابن مالك (1/ 104).
قلتُ: يقدر ذهاب فتحهما الأصلي وفتح الواو بفتحة الإعراب التي كانت على اللام المحذوفة وفتح الذال بفتحة الاتباع؛ لتكون حالة النصب كحالتيْ الرفع والجر. هـ «صبّان على الأشموني على الألفية»
(1)
.
«ذو» أصل ذو ذوى مثل: عصى، وردّ لام ذات في التثنية لا لام ذو فقالوا: ذواتا، قال: وقد جاء أيضًا ذاتا، قال: وهو قليل وجمع بحذف اللام فقيل: ذوات، ولو رُدَّت لقيل: ذويات. هـ. «رضي على الكافية والشافية» بتصرف
(2)
.
«ذو» أصلها ذوى فحذف لامها في مفردها المذكر فقيل: ذو، وفي مفردها المؤنث فقيل: ذات وفي جمع المذكر فقيل: ذوون، وفي جمع المؤنث فقيل: ذوات، ولو رُدَّت لقيل في الأول: ذوى مثل: عصى، وفي الثاني ذواة مثل: نواةٍ، وفي الثالث: ذويون مثل: حكمون، وفي الرابع: ذويات مثل: حصيات، وأما التثنية في ذات فقالوا: ذواتا، قال: على الأصل فوزنه ذواتا زيدٍ وهي الأكثر، وبها ورد القرآن قال تعالى:{ذَوَاتَيْ أُكُلٍ} ، {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} ، وقد جاء «ذاتا» على القياس وهو قليل، وللتثنية والجمع شروط:
أحدها: الإفراد فلا يجوز تثنية المثنى والجمع السالم والمكسر المتناهي، ولا جمع ذلك اتفاقًا ولا غيره من جموع التكسير، ولا اسم
(1)
راجع حاشية الصبان على الأشموني (1/ 71)، وقد تصرف الشيخ في النقل عنهما.
(2)
انظر شرح الكافية (2/ 175)، وشرح الشافية (2/ 62).
الجنس إلا إنْ تُجوِّز به. هـ. «همع الهوامع للسيوطي» بتصرف
(1)
.
أقول
(2)
: أصل «ذو» ذَوَيٌ على وزان فَعَلٍ ولو جاء على الأصل لقيل فيه: ذوى نحو هوى لانقلاب الياء ألفًا، فيكون مؤنثه «ذوات» وزن حدقةٍ، فوزانه بعد الحذف «فَعَ» ووزان ذات «فَعَت» ، فلو جعلنا مثناها ذاتا كان بوزان «فَعْتا» ولكن قيل في مثناه: ذواتا على الأصل، فوزانها «فَعَلَتا» نحو حَدَقَتا.
أقول: قد ظهر لي مما مر أن أصل «ذو» ذوى على وزان فعل، وكان القياس أن تبدل لامه ألفًا لكونها ياءً متحركة مفتوحًا ما قبلها فيكون «ذَوَى» على وزن هَوَى، لكنهم حذفوا لامه اعتباطًا كما حذفت من «أب، وأخ، وحم، وهنٍ، وفم» ، منقلب الميم واوًا، ثم نقلوا حركة الإعراب إلى العين ــ وهي الواو ــ لصيرورتها آخر الكلمة كما في «يدٍ، ودمٍ» ثم تحرك الذال بمثل حركتها اتباعًا، وتحذف حركة الواو رفعًا وتبدل ألفًا فتحًا
(3)
، وياءً جرًا، ووزانها ــ حينئذ ــ «فع» مثل «أبٍ، وأخٍ، ويدٍ، ودمٍ» ، ثم عند تأنيثه كان لهم وجهان الأصل والفرع، إما أن يتبعوا الفرع ــ كما فعلوا ــ فقالوا:«ذاتٌ» فوزانها فَعْتٌ مثل «بِنْتٍ، وأُخْتٍ» ، وإما أن يتبعوا الأصل فيقولوا:«ذواة» على وزن نواةٍ، ودواةٍ ثم إذا أرادوا التثنية فكذلك إما أن يتبعوا الفرع فيقولوا: «ذاتا
(1)
انظر همع الهوامع (1/ 139 - 150).
(2)
القائل هو الشيخ المعلمي.
(3)
أي: نصبًا.
مالٍ» فوزانه «فَعْتا» وقد ورد بقلةٍ
(1)
، وإما أن يتبعوا الأصل فيقولوا:«ذواتا أكل» ، و {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ}. فوزانه: نواتا تمرٍ، دواتا زيدٍ، ثم لما أرادوا الجمع احتاجوا لزيادة ألف الجمع ــ كما في نحو ــ: حدقةٍ قالوا: حدقات، فالتقت الألف الأصلية المبدلة عن الياء مع ألف الجمع ساكنتين فحذفت الأولى فقيل:«ذوات» فوزانه «فَعَات» مثل «بَنَات» . والله ــ سبحانه وتعالى ــ أعلم.
جَمَعهُ الحقير
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي
(1)
قال رجل من بني سعد:
* يا دار سلمى بين ذاتي العوج *
انظر: همع الهوامع (1/ 150).
الرسالة السابعة
إشكال صرفي وجوابه
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ وفِّق للصواب
خطيء
…
خطيئة
…
خطايِئُ
…
خطائِئُ
…
خطاءٍ/ي
…
خطايا
فعل
…
فعيلة
…
فعايل
…
فعائل
صحف
…
صحيفة
…
صحايف
…
صحائف
شوي
(1)
…
شواءية
(2)
…
شوايِئُ
…
شوائِئُ
…
شواءٍ/ ي
…
شوايا
بلي
…
بليّة
…
بلايِئُ
…
بلائِئُ
…
بلاءٍ/ ي
…
بلايا
برء
…
بريئة
…
برايِئُ
…
برائِئُ
…
براءٍ/ ي
…
برايا
بغي
…
بغوي
…
بغايِئُ
…
بغائِئُ
…
بغاءٍ/ ي
…
بغايا
حوي
…
حويّة
(3)
…
حوايِئُ
…
حوائِئُ
…
حواءٍ/ ي
…
حوايا
(1)
كتب المؤلف هذه الأفعال (شوى وبلى وبغى وحوى) بالياء وهي في المعاجم بالألف المقصورة، ولعله يريد أن يشير إلى أنَّ الألف منقلبة عن الياء التي هي لام الفعل.
(2)
هكذا وجدتها ولا أدري ما وجْهُها؟ ولعلها: شويّة أو شاوية كما في شرح المفصل لابن يعيش (10/ 113). أو تكون (شويئة).
(3)
قال أبو حيان في الارتشاف (1/ 260) لما ذكر (حوايا) قال: "جمع حَويّة أو حاوية أو حاوياء". اهـ.
إنَّ نحو هذه الأمثلة
(1)
لم يستعمل على القاعدة في رسائل، وصحائف، وعجائز
(2)
؛ لأنَّه هنا لو استعمل كذلك لزم أن يكون منقوصًا.
أمَّا اليائيُّ فظاهر
(3)
، وأمَّا الهمزيُّ
(4)
فلأنَّ القاعدة الأخرى في الهمزة أنَّها إذا كانت طرفًا بعد أخرى مكسورةٍ تُبدل ياءً كالجائي
(5)
، فلو فُعِلَ هنا كذلك صار منقوصًا، والمنقوص إذا نُكّر نُوِّن فقيل: هنا خطاءٍ، وبلاءٍ فالْتبس بالمصدر؛ فهربًا من ذلك أُبْدِلَ ما بعد ألف الجمع ياءً مفتوحةً وما بعده ألفًا.
أمَّا الواو إذا كانت بعد الألف في نحو: دعاوَى، وفتاوَى فهي ليست في مفردها كالتي في بَغُوي وعَجُوز
(6)
؛ فلذلك لا تقلب همزةً، بل تارةً تلحق
(1)
ويعني بها المؤلف: (خطايا ــ شوايا ــ بلايا ــ برايا ــ بغايا ــ حوايا).
(2)
قاعدة رسائل وأخواتها ما نصَّ عليه ابن مالك في الألفية بقوله في الإبدال:
والمدُّ زيد ثالثًا في الواحد
…
همزًا يُرى في مثل كالقلائد
وقال السيوطي في الهمع (6/ 258): "وتبدل الهمزة أيضًا من تالي ألف شبه مفاعل، إذا كان مدًّا مزيدًا كالقلائد والصحائف والعجائز، بخلاف ما إذا كان أصليًّا كمعايش ومفاوز" اهـ.
(3)
اليائي نحو: (شوى ــ بلى ــ بغى ــ حوى) فإنَّ ألفها منقلبة عن ياء.
(4)
الهمزيُّ نحو: (خطئ، برء).
(5)
انظر شرح الشافية للرضي (3/ 55، 59).
(6)
أي أنَّ مفرد (دعاوى وفتاوى) دَعْوى وفَتْوى، والواو فيهما ليست كالتي في (بَغُوْي، وعَجُوز) لأنَّها في الأخيرتين زائدة وحرف مدّ فتنطبق عليها قاعدة فعائل في قلبها همزةً، بينما هي في (دعْوَى وفتْوَى) أصلية ليست مدةً، لكنَّ جمعهما يعاملان معاملة جمع (بغوي وعجوز) بحسب ما رآه المؤلف هنا، فيقال: دعاوَى وفتاوَى بوزن (بغايا)، ودعاوِي وفتاوِي بوزن (عجائز)، والفتح والكسر في جمع مثل (فتوى ودعوى وعلقى) وبابها جائز كما تجده في المساعد لابن عقيل (3/ 453).
بعجوز فيقال: دعاوِي وفتاوِي، وتارة ببغُوي فيقال: دعاوَى وفتاوَى.
والله ــ سبحانه وتعالى ــ أعلم.
هذا ما ظهر لي ههنا بعد طول استشكال، وما أظنُّه إلا الحق. والله أعلم.
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي