الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: حِفْظُ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ]
النَّوْعُ السَّابِعُ فِي كِفَايَةِ اللَّهِ لَهُ أَعْدَاءَهُ، وَعِصْمَتِهِ لَهُ مِنَ النَّاسِ، وَهَذَا فِيهِ آيَةٌ لِنَبُّوتِهِ مِنْ وُجُوهٍ:
مِنْهَا: أَنَّ ذَلِكَ تَصْدِيقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
فَهَذَا إِخْبَارُ اللَّهِ بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ الْمُشْرِكِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَكْفِيهِ أَهْلَ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 136]
فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ هَؤُلَاءِ الشَّاقِّينَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَعْصِمُهُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
فَهَذَا خَبَرٌ عَامٌّ بِأَنَّ اللَّهَ يَعْصِمُهُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ.
فَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الثَّلَاثَةِ الْعَامَّةِ قَدْ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ، وَفِي هَذَا عِدَّةُ آيَاتٍ
مِنْهَا: أَنَّهُ كَفَاهُ أَعْدَاءَهُ بِأَنْوَاعٍ عَجِيبَةٍ خَارِجَةٍ عَنِ الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ
وَمِنْهَا أَنَّهُ نَصَرَهُ مَعَ كَثْرَةِ أَعْدَائِهِ، وَقُوَّتِهِمْ، وَغَلَبَتِهِمْ، وَأَنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ جَاهِرًا بِمُعَادَاتِهِمْ، وَسَبِّ آبَائِهِمْ، وَشَتْمِ آلِهَتِهِمْ، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِهِمْ، وَالطَّعْنِ فِي دِينِهِمْ، وَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ، وَالْمُسْتَهْزِئُونَ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، وَعُظَمَاءِ الْعَرَبِ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ أَهْلُ الْحَرَمِ أَعَزَّ النَّاسِ، وَأَشْرَفَهُمْ يُعَظِّمُهُمْ جَمِيعُ الْأُمَمِ
أَمَّا الْعَرَبُ فَكَانُوا يَدِينُونَ لَهُمْ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ فَكَانُوا
يُعَظِّمُونَهُمْ بِهِ لَا سِيَّمَا مِنْ حِينِ مَا جَرَى لِأَهْلِ الْفِيلِ مَا جَرَى كَمَا كَانَتِ الْأُمَمُ تُعَظِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا ظَهَرَ فِيهِمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا ظَهَرَ
وَهَؤُلَاءِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ، وَهَؤُلَاءِ بَنُو إِسْحَاقَ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ، وَكِلَاهُمَا مِمَّنْ وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ فِي التَّوْرَاةِ فِيهِمْ بِمَا وَعَدَهُ مِنْ إِنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ النِّعْمَةَ الَّتِي لَمْ يُنْعِمِ اللَّهُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ فَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ مُعَظَّمِينَ لِأَنَّهُمْ جِيرَانُ الْبَيْتِ، وَلِأَنَّهُمْ أَشْرَفُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى هَاشِمًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَاصْطَفَى مُحَمَّدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَكَانَ قَدْ عَادَاهُ أَشْرَافُ هَؤُلَاءِ كَمَا عَادَى الْمَسِيحَ أَشْرَافُ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَبَدَّلَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا، وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، وَكَفَى اللَّهُ رَسُولَهُ الْمَسِيحَ مَنْ عَادَاهُ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَنْفَعْهُمْ نَسَبُهُمْ، وَلَا فَضْلُ مَدِينَتِهِمْ، وَكَذَلِكَ كَفَى اللَّهُ مُحَمَّدًا مَنْ عَادَاهُ، وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَنْفَعْهُمْ أَنْسَابُهُمْ، وَلَا فَضْلُ مَدِينَتِهِمْ
فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا يُثَبِّتُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى لَا بِالْبَلَدِ وَالنَّسَبِ، وَقَالَ تَعَالَى:
{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 66](66){لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 67]
وَقَالَ:
وَقَالَ:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112](112){وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [النحل: 113]
وَقَدْ سَمَّى أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْضَ مَنْ كَفَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَكَانُوا مَعْرُوفِينَ مَشْهُورِينَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ بِالرِّيَاسَةِ وَالْعَظَمَةِ فِي الدُّنْيَا فَذَكَرُوهُمْ لِيُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي أَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِهِ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ أَبُو جَهْلٍ هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ. فَمَا فَجَأَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنَّ بَيْنِي، وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا» وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} [العلق: 9](9){عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 10](10){أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} [العلق: 11](11){أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} [العلق: 12](12){أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [العلق: 13](13){أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14](14){كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15](15){نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق: 16](16){فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق: 17](17){سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18](18){كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ حَدِيثُ «هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فِيهِ: وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، وَنَحْنُ فِي جَدَدٍ مِنَ الْأَرْضِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُتِينَا. فَقَالَ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا. فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي، وَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ
أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ. فَدَعَا اللَّهَ فَنَجَا فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: قَدْ كُفِيتُمْ مَا هَاهُنَا، فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ.
وَفِي لَفْظٍ: " فَسَاخَ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهِ، وَوَثَبَ عَنْهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُخَلِّصَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، وَلَكَ عَلَيَّ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي»
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ «رِوَايَةِ سُرَاقَةَ نَفْسِهِ قَالَ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ. فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ
أُرَاهُمَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ. قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ: لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، ثُمَّ لَبِثْتُ سَاعَةً ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تُخْرِجَ فَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، وَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ
فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَرَكِبْتُ وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، فَقَرَّبَتْ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. . .» وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَاةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَائِلَةِ، فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاةِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ. فَقَالَ: مَنْ
يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ، فَشَامَ السَّيْفَ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ " ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ فَانْصَرَفَ حِينَ عَفَا عَنْهُ فَقَالَ: لَا أَكُونُ فِي قَوْمٍ هُمْ حَرْبٌ لَكَ» .
وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: «كَانَ فُلَانٌ يَجْلِسُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اخْتَلَجَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " كُنْ كَذَلِكَ " فَلَمْ يَزَلْ يَخْتَلِجُ حَتَّى مَاتَ» .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «قُلْتُ لَهُ: مَا أَكْثَرُ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ
أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، قَدْ سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَاتِنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ. أَوْ كَمَا قَالُوا. فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ مَا يَقُولُ. قَالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا مَرَّ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى فَمَرَّ بِهِمُ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَقَالَ:" تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ " فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ حَتَّى أَنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيُرَفِّؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ حَتَّى أَنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا
الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِدًا، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولًا. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ، وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا بَادَاكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ. فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ. قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ ". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ دُونَهُ يَقُولُ وَهُوَ يَبْكِي
{أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28]
ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ»
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: وَقَالَ عَبْدَةُ:
عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]
قَالَ: وَالْمُسْتَهْزِئُونَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ أَبُو زَمْعَةَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزَّى، وَالْحَارِثُ بْنُ عَيْطَلٍ السَّهْمِيُّ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَأَوْمَأَ جِبْرِيلُ إِلَى أَكْحَلِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: كُفِيتَهُ، وَأَوْمَأَ إِلَى الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ إِلَى عَيْنَيْهِ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: كُفِيتَهُ، وَأَوْمَأَ إِلَى رَأْسِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: كُفِيتَهُ، وَأَوْمَأَ إِلَى الْحَارِثِ السَّهْمِيِّ إِلَى بَطْنِهِ فَقَالَ، وَمَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: كُفِيتَهُ، وَأَوْمَأَ إِلَى أَخْمَصِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: كُفِيتَهُ. فَأَمَّا الْوَلِيدُ فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلَهُ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ
فَقَطَعَهَا، وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ فَعَمِيَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عَمِيَ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: نَزَلَ تَحْتَ سَمُرَةٍ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِيَّ أَلَا تَدْفَعُونَ عَنِّي، وَيَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيْئًا، فَجَعَلَ يَقُولُ: هَلَكْتُ هَا هُوَ ذَا أُطْعَنُ فِي عَيْنِي بِالشَّوْكِ. فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى عَمِيَتْ عَيْنَاهُ. وَأَمَّا الْأَسْوَدُ فَخَرَجَ فِي رَأْسِهِ قُرُوحٌ فَمَاتَ مِنْهَا. وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ عَيْطَلٍ فَأَخَذَهُ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ خَرْؤُهُ مِنْ فِيهِ فَمَاتَ. وَأَمَّا الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَرَكِبَ إِلَى الطَّائِفِ عَلَى حِمَارٍ فَرَبَضَ بِهِ فِي شَبْرَقَةٍ يَعْنِي شَوْكَةٍ فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ فَمَاتَ. وَقِيلَ: دَخَلَتْ فِي رَأْسِهِ شَبْرَقَةٌ فَمَاتَ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ. قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ
حَبِيبٍ ثَنَا أَبُو دَاوُدَ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ:«أَرَادَ صَاحِبُ الْيَمَنِ أَنْ يُؤْي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ الْوَلِيدُ فَزَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا سَاحِرٌ، وَأَتَاهُ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ مُحَمَّدًا تَعَلَّمَ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَاهِنٌ، وَآخَرُ زَعَمَ أَنَّهُ شَاعِرٌ، وَآخَرُ قَالَ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ. فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، كُلٌّ مِنْهُمْ أَصَابَهُ عَذَابٌ سِوَى عَذَابِ صَاحَبِهِ، وَذَكَرَ تَفْصِيلَ عَذَابِهِمْ» ، وَرَوَى مِثْلَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ «أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَانِبِهِ فَمَرَّ بِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ فَرَمَى فِي وَجْهِهِ بِوَرَقَةٍ خَضْرَاءَ فَعَمِيَ، وَمَرَّ بِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ فَأَشَارَ إِلَى بَطْنِهِ فَاسْتَسْقَى فَمَاتَ مِنْهَا، وَمَرَّ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَأَشَارَ إِلَى جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِهِ كَانَ أَصَابَهُ لَمَّا مَرَّ بِرَجُلٍ يَرِيشُ نَبْلَهُ فَخَدَشَ رِجْلَهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَانْتَقَضَ فَمَاتَ. وَمَرَّ بِهِ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَأَشَارَ إِلَى إِخْمَصِ قَدَمِهِ» فَذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمِنَ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَصْحَابِ السِّيَرِ وَغَيْرِهِمْ دَعْوَتُهُ عَلَى عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، «وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ لَمَّا عَادَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ ابْنَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَا ابْنَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَالَ عُتَيْبَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَفَرْتُ بِدِينِكَ، وَفَارَقْتُ ابْنَتَكَ، لَا تُحِبُّنِي وَلَا أُحِبُّكَ، ثُمَّ تَسَلَّطَ عَلَيْهِ بِالْأَذَى، وَشَقَّ قَمِيصَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ " فَخَرَجَ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَزَلُوا فِي مَكَانٍ مِنَ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ الزَّرْقَاءُ لَيْلًا فَأَطَافَ بِهِمُ الْأَسَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَجَعَلَ عُتَيْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلَ أَخِي، هُوَ وَاللَّهِ آكِلِي كَمَا دَعَا مُحَمَّدٌ عَلَيَّ. قَتَلَنِي وَهُوَ بِمَكَّةَ
وَأَنَا بِالشَّامِ فَعَدَا عَلَيْهِ الْأَسَدُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ، وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَذَبَحَهُ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا طَافَ الْأَسَدُ بِهِمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ قَامُوا وَجَعَلُوا عُتَيْبَةَ فِي وَسَطِهِمْ، فَأَقْبَلَ الْأَسَدُ يَتَخَطَّاهُمْ حَتَّى أَخَذَ بِرَأْسِ عُتَيْبَةَ فَفَدَغَهُ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ، لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ إِلَى فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ، وَهِيَ جُوَيْرِيَّةٌ فَطَرَحَتْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:" اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضَّحِكُ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَذَكَرَ السَّابِعَ لَمْ أَحْفَظْهُ، فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِي سَمَّى صَرْعَى
يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ» .
وَعَنْهُ قَالَ: اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ، وَدَعَا عَلَى سِتَّةِ نَفَرٍ فَذَكَرَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: غَيْرَ أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَقُطِعَتْ أَوْصَالُهُ فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ. وَقَالَ: غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ، وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا.
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَرَوْنَهُ، وَيَسْمَعُونَهُ مِنَ انْتِقَامِ اللَّهِ مِمَّنْ يَسُبُّهُ، وَيَذُمُّ دِينَهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعُقُوبَاتِ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْقِصَصِ الْكَثِيرَةِ مَا يَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ بَسْطِهِ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ مِنَ انْتِقَامِ اللَّهِ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الْعَجِيبَةِ الَّتِي تُبَيِّنُ كَلَاءَةَ اللَّهِ لِعِرْضِهِ، وَقِيَامِهِ بِنَصْرِهِ، وَتَعْظِيمِهِ لِقَدْرِهِ