الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ أَخْبَارٌ تَحْمِلُ التَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ]
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ نَوْعَانِ:
نَوْعٌ يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِالْمَدْلُولِ عَلَيْهِ، وَنَوْعٌ يَحُضُّ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الرَّغْبَةِ فِيهِ أَوِ الرَّهْبَةِ مِنْهُ
فَالْأَوَّلُ: مِنْ جِنْسِ الْخَيْرِ الْمُجَرَّدِ
وَالثَّانِي: مِنْ جِنْسِ الْحَثِّ وَالطَّلَبِ وَالْإِرَادَةِ وَالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ، وَذَلِكَ كَمَنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ جَمَادَاتٍ أَوْ حَيَوَانَاتٍ أَوْ نَبَاتٍ لَيْسَ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ لَا حُبٌّ وَلَا بُغْضٌ، فَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ صَدِيقَهُ، وَوَلَدَهُ، وَمَحْبُوبَهُ، وَمَالَهُ، وَأَهْلَهُ، وَأَهْلَ دِينِهِ، وَفِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ عَدُوَّهُ، وَمُبْغِضَهُ، وَمَنْ يَقْطَعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ، وَيَقْتُلُهُ، وَيَأْخُذُ مَالَهُ، فَكَذَلِكَ دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ هِيَ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ، ثُمَّ يُعْلَمُ مَا يُخْبِرُ بِهِ النَّبِيُّ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ صَادِقٌ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ، فَهَذَا طَرِيقٌ صَحِيحٌ عَامٌّ.
وَأَمَّا إِثْبَاتُ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا فَعَلَهُ بِهِمْ، وَبِأَتْبَاعِهِمْ مِنَ النَّجَاةِ، وَالسَّعَادَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، وَمَا جَعَلَهُ لَهُمْ مِنْ لِسَانِ الصِّدْقِ، وَمَا فَعَلَهُ بِمُكَذِّبِيهِ وَمُخَالِفِيهِ مِنَ الْهَلَاكِ وَالْعَذَابِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَإِتْبَاعِهِمُ
اللَّعْنَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ عَذَابِ الْآخِرَةِ فَهَذَا يَدُلُّ مَعَ صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي اتِّبَاعِهِمْ، وَالرَّهْبَةِ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ فَفِيهِ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِمْ، وَالْمَوْعِظَةُ، وَالْوَعْظُ هُوَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ بِتَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ. قَالَ تَعَالَى:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} [النساء: 66] . . .
أَيْ يُؤْمَرُونَ بِهِ، وَقَالَ
{يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 17]
أَيْ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَكْمَلُ وَأَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِصِدْقِهِمْ، وَالرَّغْبَةَ فِي اتِّبَاعِهِمْ، وَالرَّهْبَةَ مِنْ خِلَافِهِمْ، وَتُفِيدُ صِحَّةَ الدِّينِ الَّذِي دَعَوْا إِلَيْهِ، وَسَعَادَةَ أَهْلِهِ، وَفَسَادَ الدِّينِ الْمُخَالِفِ لِدِينِهِمْ، وَشَقَاوَةَ أَهْلِهِ.
وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ
بِـ (قَافْ) وَ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) لِمَا فِيهِمَا مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ، وَسُورَةُ (قَافْ) كَانَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهَا جَامِعَةٌ لِإِثْبَاتِ النُّبُوَّاتِ، وَالْمَعَادِ، وَبَيَانِ حَالِ مُتَّبِعِي الْأَنْبِيَاءِ وَمُخَالِفِيهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهَا {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ} [ق: 12] (12){وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ} [ق: 13](13){وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق: 14]