الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: إِخْبَارُهُ عليه السلام بِالْكَثِيرِ مِنَ الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ وَدَلَالَتِهَا عَلَى النُّبُوَّةِ]
وَآيَاتُهُ صلى الله عليه وسلم قَدِ اسْتَوْعَبَتْ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْآيَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ. وَإِخْبَارُهُ عَنِ الْغَيْبِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ بِأُمُورٍ بَاهِرَةٍ، لَا يُوجَدُ مَثَلُهَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّبِيِّينَ قَبْلَهُ، فَضْلًا عَنْ غَيْرِ النَّبِيِّينَ. فَفِي الْقُرْآنِ مِنْ إِخْبَارِهِ عَنِ الْغُيُوبِ شَيْءٌ كَثِيرٌ - كَمَا تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ - وَكَذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، مِمَّا أَخْبَرَ بِوُقُوعِهِ، فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:«قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ قَالَ:«صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَحْفَظُنَا أَعْلَمُنَا» . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ. فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ
بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ. قَالَ: قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ، الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى. قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ! قَالَ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ عَنْهُ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، فَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ. قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ. قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ. قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ مِنْ خُرُوجِ الرَّجُلِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ، ظَهَرَ كَمَا أَخْبَرَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: 7466 - «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ، فَوَافَقُوهُ عِنْدَ أَكَمَةٍ، فَإِنَّهُمْ لَقِيَامٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ، قَالَ: فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: ائْتِهِمْ فَقُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ لَا يَغْتَالُونَهُ، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: لَعَلَّهُ نَجِيٌّ مَعَهُمْ. فَأَتَيْتُهُمْ فَقُمْتُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَحَفِظْتُ مِنْهُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ أَعُدُّهُنَّ فِي يَدِي. قَالَ: تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ» .
قُلْتُ: فَفُتِحَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّاعُونُ الْعَظِيمُ بِالشَّامِ، طَاعُونُ عَمْوَاسَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ أَيْضًا، وَمَاتَ فِيهِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَاعُونٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ مَا أَخْبَرَ بِهِ، حَيْثُ أَخَذَهُمْ طَاعُونٌ كَعُقَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتَفَاضَ الْمَالُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حَتَّى كَانَ أَحَدُهُمْ يُعْطَى مِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطُهَا، وَكَثُرَ الْمَالُ حَتَّى كَانَتِ الْفَرَسُ تُشْتَرَى بِوَزْنِهَا، ثُمَّ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي لَمْ يَبْقَ بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْمُلُوكِ،
يَوْمَ الْجَمَلِ، وَيَوْمَ صِفِّينَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْنَا: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا، أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، قَالَ: فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَيُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا بَيْنَ لَحْمٍ وَعَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُؤْخَذُ فَتُحْفَرُ لَهُ الْحُفْرَةُ فَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الْأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ» . قُلْتُ: وَهَؤُلَاءِ الطَّوَائِفُ كُلُّهُمْ قَاتَلَهَمُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرُ هَذِهِ الطَّوَائِفِ مَعْرُوفٌ، فَإِنَّ قِتَالَ التُّرْكِ
مِنَ التَّتَارِ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ، وَحَدِيثُهُمْ فِي أَكْثَرِ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ نُسْخَةٍ كِبَارٍ وَصِغَارٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ، قَبْلَ قِتَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَهَرُوا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ، الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمُ الَّتِي لَوْ كُلِّفَ مَنْ رَآهُمْ بِعَيْنِهِ أَنْ يَصِفَهُمْ لَمْ يُحْسِنْ مِثْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: 7203 «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى» . وَقَدْ ظَهَرَتْ هَذِهِ النَّارُ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمَايَةٍ، وَرَآهَا النَّاسُ، وَرَأَوْا أَعْنَاقَ الْإِبِلِ قَدْ أَضَاءَتْ بِبُصْرَى، وَكَانَتْ تَحْرِقُ الْحَجَرَ، وَلَا تُنْضِجُ اللَّحْمَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلَكَ كِسْرَى ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرُ 55 لَيَهْلِكَنَّ ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ، وَلَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَالَ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَنْزَ آلِ كِسْرَى الَّذِي فِي الْأَبْيَضِ» . وَالْأَبْيَضُ قَصْرٌ كَانَ لِكِسْرَى، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ قَالَ عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ
وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . قُلْتُ: فَوَقَعَ هَذَا كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، بَعْدَ مَوْتِ الرَّسُولِ بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَهُوَ سَنَةُ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، لَمَّا أَصْلَحَ اللَّهُ بِالْحَسَنِ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا مُتَحَارِبَتَيْنِ بِصِفِّينَ، عَسْكَرِ عَلِيٍّ، وَعَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي
الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا بِأَيْدِيهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ، ثُمَّ إِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ بِعْدَكَ فَعَلَا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ، ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَعَلَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَتَدَعَنِّي فَلَأَعْبُرَهُ، فَقَالَ: أَعْبِرْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَظُلَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطِفُ مِنَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَالْقُرْآنُ حَلَاوَتُهُ وَلِينُهُ، وَأَمَّا مَا يَتَكَفَّفُ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ فَيَعْلُو، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ. فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ فَقَالَ: أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا. قَالَ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُخْبِرَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ. قَالَ: لَا تُقْسِمْ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ - وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ - ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَاسْتَحَالَتِ الدَّلْوُ غَرْبًا فِي يَدِ عُمَرَ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ: رُؤْيَا
الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ. وَقَوْلُهُ: فِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، قِصَرُ مُدَّتِهِ، وَعَجَلَةُ مَوْتِهِ، وَشُغْلُهُ بِالْحَرْبِ مَعَ أَهْلِ الرِّدَّةِ عَنْ الِافْتِتَاحِ وَالتَّزَيُّدِ الَّذِي بَلَغَهُ عُمَرُ فِي طُولِ مُدَّتِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَيْ كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ، قَالَ: إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَائْتِي أَبَا بَكْرٍ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الْأَمْرَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا خِلَافَةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا مُلْكًا عَضُوضًا، وَكَائِنًا عَنْوَةً وَجَبْرِيَّةً، وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ، يَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ، وَالْخُمُورَ وَالْحَرِيرَ، وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُرْزَقُونَ أَبَدًا حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ عز وجل» . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دَلْوًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ شُرْبًا ضَعِيفًا، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ
فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَانْتَشَطَتْ وَانْتَضَحَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ» . وَفِي السُّنَنِ عَنْ سَفِينَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«تَكُونُ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا» . فَكَانَ هَذَا
الْعَامُ تَمَامَ الثَلَاثِينَ سَنَةً مِنْ مَوْتِهِ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«زُوِيَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَشَارِقُهَا، وَمَغَارِبُهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ
وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَلَّا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا» . وَهَذَا أَخْبَرَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَأَصْحَابُهُ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ، فَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِهِ انْتَشَرَ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَلَمْ يَنْتَشِرْ فِي الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ كَانْتِشَارِهِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ؛ إِذْ كَانَتْ أُمَّتُهُ أَعْدَلَ الْأُمَمِ؛ فَانْتَشَرَتْ دَعْوَتُهُ فِي الْأَقَالِيمِ الَّتِي هِيَ وَسَطُ الْمَعْمُورِ مِنَ الْأَرْضِ، كَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ:
هَلَكَ كِسْرَى فَلَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ. وَذَاكَ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ آخِرُ الْأَكَاسِرَةِ الْمُمَلَّكِينَ، ثُمَّ وَلِيَ بَعْدَهُ وُلَاةٌ مُتَضَعِّفُونَ، فَكَانَ آخِرُهُمْ يَزْدَجَرْدُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِاللَّفْظِ الْآخَرِ:«إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَهَذَا أَخْبَرَ بِهِ، وَمُلْكُ كِسْرَى، وَقَيْصَرَ أَعَزُّ مُلْكٍ فِي الْأَرْضِ، فَصَدَقَ اللَّهُ خَبَرَهُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فَهَلَكَ كِسْرَى، وَهُوَ آخِرُ الْأَكَاسِرَةِ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بِأَرْضِ فَارِسَ، وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ كِسْرَى، وَلَمْ يَبْقَ
لِلْمَجُوسِ، وَالْفُرْسِ مُلْكٌ، وَهَلَكَ قَيْصَرُ الَّذِي بِأَرْضِ الشَّامِ، وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ مَنْ هُوَ مَلِكٌ عَلَى الشَّامِ، وَلَا مِصْرَ، وَلَا الْجَزِيرَةِ مِنَ النَّصَارَى، وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى قَيْصَرَ. قَالَ: الشَّافِعِيُّ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْتَابُ الشَّامَ انْتِيَابًا كَثِيرًا، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ مَعَاشِهَا مِنْهُ، وَتَأْتِي الْعِرَاقَ فَيُقَالُ: لَمَّا دَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَوْفَهَا مِنَ انْقِطَاعِ مَعَاشِهَا بِالتِّجَارَةِ مِنَ الشَّامِ، وَالْعِرَاقِ إِذَا فَارَقَتِ الْكُفْرَ وَدَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ، مَعَ خِلَافِ مَلِكِ الشَّامِ، وَالْعِرَاقِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى» بَعْدَهُ. فَلَمْ يَبْقَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ كِسْرَى يَثْبُتُ لَهُ أَمْرٌ بَعْدَهُ. وَقَالَ: «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» . فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الشَّامِ قَيْصَرُ، فَأَجَابَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا، وَكَانَ كَمَا قَالَ قَطَعَ اللَّهُ الْأَكَاسِرَةَ عَنِ
الْعِرَاقِ، وَفَارِسَ، وَقَيْصَرَ عَنِ الشَّامِ. وَقَالَ فِي كِسْرَى:«مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ. فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَكَاسِرَةِ مُلْكٌ، وَقَالَ فِي» قَيْصَرَ: ثَبَتَ مُلْكُهُ. فَثَبَتَ مُلْكُهُمْ بِبِلَادِ الرُّومِ، وَتَنَحَّى
عَنِ الشَّامِ، وَكُلُّ هَذَا يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَيَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم بِفَتْحِ الْيَمَنِ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ أَقْوَامٌ يَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ، وَمَنْ
أَطَاعَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ، وَيَطْلُبُونَ الرِّيفَ وَسَعَةَ الرِّزْقِ، قَالَ: وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«سَتُفْتَحُ مِصْرُ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا. وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ عَلَى مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا» .
فَمَرَّ أَبُو ذَرٍّ بَعْدَ فَتْحِ مِصْرَ بِمُدَّةٍ بِابْنَيْ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ، وَهُمَا يَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «حِينَ أُجْلِيَ الْأَحْزَابُ عَنْهُ: الْآنَ نَغْزُوهُمْ، وَلَا يَغْزُونَا» وَكَذَلِكَ كَانَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ، وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ وَأَنْتُمْ» . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَ غَيْرُ ذَلِكَ؟ تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ، ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِنِ الْمُهَاجِرِينَ فَتَحْمِلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ» . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ «لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجمعة: 2 - 3] . سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ» . وَفِي لَفْظٍ: لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ، وَفِي لَفْظٍ: الْعِلْمُ. وَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ، فَإِنَّهُ حَصَلَ فِي
التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، وَهَلُمَّ جَرَّا، مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، مِثْلُ: الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ، وَأَضْعَافِ هَؤُلَاءِ، مَنْ نَالُوا ذَلِكَ. «وَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]
سُئِلَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: هُمْ قَوْمُ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَقَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا وَأَلْيَنُ أَفْئِدَةً; الْإِيمَانُ يَمَانِيٌ، وَالْفِقْهُ يَمَانِيٌ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ.
فَلَمَّا ارْتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ أَتَى اللَّهُ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، فَقَاتَلَ الصِّدِّيقُ بِهِمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ، وَغَلَبَ بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ. وَقَالَ لِعُثْمَانَ: إِنَّ اللَّهَ مُقَمِّصُكَ قَمِيصًا فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ يَرْكُزُ بِعُودٍ
فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، إِذِ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. فَإِذَا هُوَ أَبُو بَكْرٍ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ: افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَفَتَحْتُ لَهُ، وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ: افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ. فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ فَفَتَحْتُ لَهُ، وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، فَقُلْتُ لَهُ الَّذِي قَالَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَبْرًا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ، «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتَنِ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ، وَقَالَ لِعُمَرَ: إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ ذَلِكَ الْبَابُ أَنْ يُكْسَرَ. فَسَأَلَهُ مَسْرُوقٌ مَنِ الْبَابُ؟
فَقَالَ: عُمَرُ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ الْفِتَنُ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ، وَقَالَ فِيهِ: فَإِذَا وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ
بِأَرْضِهِ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» . وَفِي صَحِيحِ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، أَوْ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ صَمَّاءَ بَكْمَاءَ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَيْلٌ لِلسَّاعِي فِيهَا مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي لَأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ «لَمَّا قَالَ لَهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ: يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ. فَقَالَ: وَيْحَكَ، قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَقْوَامٌ يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ،
يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، آيَتُهُمْ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا مُخَدَّجَ الْيَدِ عَلَى عَضُدِهِ مِثْلُ الْبَضْعَةِ مِنَ اللَّحْمِ تَدَرْدَرُ، عَلَيْهَا شَعَرَاتٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ:«تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ» . وَهَؤُلَاءِ ظَهَرُوا بَعْدَ مَوْتِهِ بِبِضْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ، لَمَّا افْتَرَقَ الْمُسْلِمُونَ، وَكَانَتِ الْفِئَةُ بَيْنَ عَسْكَرِ عَلِيٍّ، وَعَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ، وَقَتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَصْحَابُهُ، وَهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى قَتَلُوا عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَهِيَ الطَّائِفَةُ
الْبَاغِيَةُ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدْ أَخْبَرَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِعَلَامَتِهِمْ فَطَلَبُوا هَذَا الْمُخَدَّجَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، حَتَّى قَامَ عَلِيٌّ - بِنَفْسِهِ - فَفَتَّشَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ مَقْتُولًا فَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:«سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً» . وَهَؤُلَاءِ ظَهَرُوا بَعْدَهُ بِمُدَّةٍ فَكَانُوا يُؤَخِّرُونَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، وَيُؤَخِّرُونَ الْعَصْرَ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا
حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» . فَلَقُوا بَعْدَهُ مَنِ اسْتَأْثَرَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ حَقَّهُمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:«سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَطْلُبُونَ مِنْكُمْ حَقَّهُمْ، وَيَمْنَعُونَكُمْ حَقَّكُمْ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ «أَنَّهُ سَارَّ فَاطِمَةَ فَقَالَ لَهَا وَهُوَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: إِنِّي أُقْبَضُ فِي مَرَضِي هَذَا. ثُمَّ أَخْبَرَهَا أَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَسْرَعُكُنَّ بِي لَحَاقًا أَطْوَلُكُنَّ يَدًا قَالَتْ: قَالَتْ فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيُّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، فَكَانَتْ أَطْوَلُنَا يَدًا زَيْنَبَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا
وَتَتَصَدَّقُ» . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرِهِ، عَنْ أُمِّ حَرَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ مَغْفُورٌ لَهُمْ» . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أُمِّ حَرَامٍ أَيْضًا
قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ. قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: لَا» . وَغَزَاهَا الْمُسْلِمُونَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ يَزِيدُ أَمِيرَهُمْ، وَكَانَ فِي الْعَسْكَرِ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، وَمَاتَ وَدُفِنَ تَحْتَ سُورِهَا، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أُجْدِبُوا كَشَفُوا عَنْ قَبْرِهِ فَيُسْقَوْنَ.
ثُمَّ غَزَاهَا الْمُسْلِمُونَ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ غَزَاهَا ابْنُهُ مَسْلَمَةُ، وَحَصَرُوهَا عِدَّةَ سِنِينَ، وَبَنَوْا فِيهَا مَسْجِدًا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَطْعَمَتْهُ، وَجَعَلَتْ تُفَلِّي رَأْسَهُ، فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَتْ: مِمَّ تَضْحَكُ؟ فَقَالَ: عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ. فَقَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَتْ: مِمَّ تَضْحَكُ؟ فَقَالَ:
عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ، قَالَ أَنَسٌ: فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ زَمَانَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا لَمَّا خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَمَاتَتْ» ، وَهَذَا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ نَائِبِهِ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ لَمْ يَغْزُوا فِي الْبَحْرِ، وَأَوَّلُ مَا غَزَوُا الْبَحْرَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَفَتَحُوا جَزِيرَةَ قُبْرُصَ، وَجَاءُوا بِسَبْيِهَا إِلَى دِمَشْقَ، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ حَيًّا بِدِمَشْقَ فَجَعَلَ يَبْكِي، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ هَذَا يَوْمٌ قَدْ أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أَبْكَي أَنِّي رَأَيْتُ هَذِهِ الْأُمَّةَ كَانَتْ قَاهِرَةً ظَاهِرَةً فَأَضَاعَتْ أَمْرَ اللَّهِ فِيهِ؛ فَأَصَارَهَا اللَّهُ إِلَى مَا تَرَوْنَ، مَا أَهْوَنَ الْعِبَادَ عَلَى اللَّهِ إِذَا ضَيَّعُوا أَمْرَهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ
عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَجْتَاحُهُمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا» . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ:«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» . وَهَذَا أَخْبَرَ بِهِ حِينَ كَانَتْ أُمَّتُهُ أَقَلَّ الْأُمَمِ فَانْتَشَرَتِ الْأُمَّةُ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ - لَمْ يَزَلْ فِيهَا طَائِفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالسَّيْفِ، لَمْ يُصِبْهَا مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ، حَيْثُ كَانُوا مَقْهُورِينَ مَعَ الْأَعْدَاءِ، بَلْ إِنْ غُلِبَتْ طَائِفَةٌ فِي قُطْرٍ مِنَ الْأَرْضِ، كَانَتْ
فِي الْقُطْرِ الْآخَرِ أُمَّةٌ ظَاهِرَةٌ مَنْصُورَةٌ، وَلَمْ يُسَلِّطْ عَلَى مَجْمُوعِهَا عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَكِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ وَفِتَنٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ، يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» . وَهَؤُلَاءِ ظَهَرُوا بَعْدَهُ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَظَهَرَ النِّسْوَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، وَعَلَى رُءُوسِهِنَّ عَمَائِمُ كَأَسْنِمَةِ الْجِمَالِ الْبَخَاتِيِّ، يُسَمُّونَ الْعِمَامَةَ سَنَامَ الْجَمَلِ.
وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ، وَمُبِيرٌ،.
وَظَهَرَ الْكَذَّابُ مِنْ ثَقِيفٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ الثَّقَفِيُّ الَّذِي أَظْهَرَ التَّشَيُّعَ وَالِانْتِصَارَ لِلْحُسَيْنِ، وَقَتَلَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَغَيْرَهُ مِنْ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ أَظْهَرَ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ، حَتَّى قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ
وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ، قِيلَ لِأَحَدِهِمَا: إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، وَلِلْآخَرِ: إِنَّهُ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121]، وَقَالَ الْآخَرُ:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ - تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221 - 222] ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَكَانَ هُوَ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ الثَّقَفِيَّ، وَكَانَ مُبِيرًا سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ، انْتِصَارًا لِمُلْكِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ الَّذِي اسْتَنَابَهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّكُمْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ فَيَأْخُذُ مِنْ حَدِيثِي فَيَجْمَعُهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ، فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَدِيثِهِ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ
خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. وَفِي لَفْظٍ: إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ:«كُلُّهُمْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِمُ الْأُمَّةُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ، فَقَالُوا:«ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ» . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَيَانُ الْعَدَدِ، وَفِي الْأُخْرَى بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْعَدَدِ، وَقَدْ بَيَّنَ وُقُوعَ الْهَرْجِ، وَهُوَ الْقَتْلُ بَعْدَهُمْ. وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْعَدَدُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَى وَقْتِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ
بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ وَقَعَ الْهَرْجُ وَالْفِتْنَةُ الْعُظْمَى، وَإِنَّمَا يَزِيدُونَ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ إِذَا تُرِكَتِ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ، أَوْ عُدَّ مَعَهُمْ مَنْ كَانَ بَعْدَ الْهَرْجِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:«قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ لَكَ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَّى يَكُونُ لِي أَنْمَاطٌ، فَأَنَا أَقُولُ الْيَوْمَ لِامْرَأَتِي: نَحِّي عَنْكِ أَنْمَاطَكِ، فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ
يَخْرُجَانِ بَعْدِي» قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ، وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ: هَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» . وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ: قَامَ خَطِيبًا فَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ فَقَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَالْمَشْرِقُ عَنْ مَدِينَتِهِ فِيهِ الْبَحْرَيْنُ، وَمِنْهَا خَرَجَ مُسَيْلِمَةُ
الْكَذَّابُ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَهُوَ أَوَّلُ حَادِثٍ حَدَثَ بَعْدَهُ، وَاتَّبَعَهُ خَلَائِقُ، وَقَاتَلَهُ خَلِيفَتُهُ الصِّدِّيقُ، وَرَوَى أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ صَنْعَاءَ الْعَنْسِيُّ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ حِمْيَرَ، وَمِنْهُمُ الدَّجَّالُ، وَهُوَ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً» . وَصَاحِبُ الْيَمَامَةِ هُوَ مُسَيْلِمَةُ. قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابِي: قَالَ: هُمْ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ، دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَتَّى يَفِيضَ الْمَالُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ
الْهَرْجُ. قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْقَتْلُ الْقَتْلُ» . وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا، وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَيْنَ أَنْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى لَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: تَعَفَّفْ. قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ شَدِيدٌ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْتُ بِالْعَبْدِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: اصْبِرْ. يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَتْلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ مِنَ الدِّمَاءِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، وَأَغْلِقْ عَلَيْكَ بَابَكَ. فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أُتْرَكْ؟ قَالَ: فَأْتِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُ، فَكُنْ فِيهِمْ. قَالَ: فَآخُذُ سِلَاحِي؟ قَالَ: إِذَا
تُشَارِكُهُمْ فِيهِ، وَلَكِنْ إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَرُوعَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فَأَطْلِقْ طَرَفَ رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ» . وَفِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:«أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا، فَقَالَ: إِنَّكُمْ مَفْتُوحُونَ، وَمَنْصُورُونَ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلْيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . وَأَمَّا الْفُتُوحُ الَّتِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، وَالنُّصْرَةُ الَّتِي نُصِرُوا فَقَدْ أَخْبَرَ بِهِ فِي أَوَائِلِ مَبْعَثِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَوَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ. وَرَوَى أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَأَتَتْهُ قُرَيْشٌ، وَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، وَعِنْدَ رَأْسِهِ مَقْعَدُ رَجُلٍ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ فَقَعَدَ فِيهِ، فَشَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَقَعُ فِي آلِهَتِنَا. قَالَ: مَا شَأْنُ قَوْمِكَ يَشْكُونَكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: يَا عَمِّ،
إِنَّمَا أَرَدْتُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ. فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَقَامُوا، فَقَالُوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص: 5] ؟ قَالَ: وَنَزَلَتْ: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5] . وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ قَرُبَتْ بِبَعْضِ مِيَاهِ
بَنِي عَامِرٍ طَرَقَتْهُمْ لَيْلًا فَسَمِعَتْ نُبَاحَ الْكِلَابِ، فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: مَاءُ الَحَوْأَبِ، قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي رَافِعَةً. قَالُوا: مَهْلًا - يَرْحَمُكِ اللَّهُ - تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ، فَيُصْلِحُ اللَّهُ بِكِ. قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي رَافِعَةً، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ يَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟» وَفِيهِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الْغَرْزِ، وَأَنَا أُرِيدُ الْعِرَاقَ: لَا تَأْتِ
الْعِرَاقَ فَإِنَّكَ إِنْ تَأْتِهِمْ أَصَابَكَ ذَنَبُ السَّيْفِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلًا مُحَارِبًا يُحَدِّثُ النَّاسَ بِمِثْلِ هَذَا» . وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُسْتَقْبَلَاتِ فَوَقَعَ بَعْدَهُ كَمَا أَخْبَرَ، وَرَأَى النَّاسُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا أَخْبَرَ بِهِ مِمَّا لَمْ يَقَعْ إِلَى الْآنَ فَكَثِيرٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِأَشْيَاءَ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ، وَوَقَعَتْ فِي زَمَانِهِ، وَوُجِدَتْ كَمَا أَخْبَرَ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ:
لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» فَكَانَ كَذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا، فَقَالَ - لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ -: هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَلَمَّا حَضَرْنَا الْقِتَالَ، قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ الَّذِي قُلْتَ لَهُ آنِفًا: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِلَى النَّارِ. فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جَرْحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مَسْلِمَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» . وَرَوَاهُ سَهْلُ بْنُ
سَعْدٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَالْمِقْدَادَ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ،
فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ. فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا خَبَبٌ فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْكِتَابُ؟ فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. قَالَ: فَأَنَخْنَا بِهَا، فَالْتَمَسْنَا الْكِتَابَ فِي رَحْلِهَا، فَلَمْ نَرَ كِتَابًا، قَالَ: قُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَتْ أَنِّي أَهْوَيْتُ إِلَى حُجْزَتِهَا، وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، أَخْرَجَتِ الْكِتَابَ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَخَذْنَا الْكِتَابَ فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟ قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً
مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا، وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضَاءً بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ. فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» . فَكَانَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إِخْبَارُ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَهُمْ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«نَعَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:«إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ» ، وَفِي لَفْظٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَدْ مَاتَ الْيَوْمَ عَبْدُ اللَّهِ
صَالِحٌ أَصْحَمَةُ. فَأَمَّنَا، وَصَلَّى عَلَيْهِ» . وَفِي رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:«إِنَّ أَخَاكُمْ قَدْ مَاتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ» . يَعْنِي النَّجَاشِيَّ. وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَوَاهَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بِمَعْنَاهُ، قَالَ: ثُمَّ «إِنَّ الْمُشْرِكِينَ اشْتَدُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَشَدِّ مَا كَانُوا، حَتَّى بَلَغَ بِالْمُسْلِمِينَ الْجَهْدُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، وَأَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي مَكْرِهَا أَنْ يَقْتُلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَانِيَةً، فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ عَمَلَ الْقَوْمِ جَمَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِعْبَهُمْ، وَيَمْنَعُوهُ مِمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ مُسَلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ حَمِيَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ
إِيمَانًا وَيَقِينًا. فَلَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ مَنَعُوا الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، وَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ، اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ أَنْ لَا يُجَالِسُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، وَلَا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْقَتْلِ، وَكَتَبُوا فِي مَكْرِهِمْ صَحِيفَةً وَعُهُودًا وَمَوَاثِيقَ، لَا يَقْبَلُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبَدًا صُلْحًا، وَلَا تَأْخُذُهُمْ بِهِمْ رَأْفَةٌ حَتَّى يُسَلِّمُوهُ لِلْقَتْلِ. فَلَبِثَ بَنُو هَاشِمٍ فِي شِعْبِهِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ وَالْجَهْدُ، وَقَطَعُوا عَنْهُمُ الْأَسْوَاقَ فَلَمْ يَتْرُكُوا طَعَامًا يَقْدَمُ مَكَّةَ وَلَا بَيْعًا إِلَّا بَادَرُوهُمْ إِلَيْهِ فَاشْتَرَوْهُ؛ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكُوا سَفْكَ دَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ: حَتَّى كَانَ يُسْمَعُ صَوْتُ صِبْيَانِهِمْ يَتَضَاغَوْنَ مِنْ وَرَاءِ الشِّعْبِ مِنَ الْجُوعِ، وَعَدَوْا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ، فَأَوْثَقُوهُمْ، وَآذَوْهُمْ، وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَيْهِمْ، وَعَظُمَتِ الْفِتْنَةُ، وَزُلْزِلُوا
زِلْزَالًا شَدِيدًا. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي تَمَامِ حَدِيثِهِ: وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ إِذَا أَخَذَ النَّاسُ مَضَاجِعَهُمْ أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَرَى ذَلِكَ مَنْ أَرَادَ مَكْرًا بِهِ وَاغْتِيَالَهُ، فَإِذَا نَوَّمَ النَّاسَ أَمَرَ أَحَدَ بَنِيهِ أَوْ إِخْوَتِهِ، أَوْ بَنِي عَمِّهِ فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ فُرُشِهِمْ فَيَنَامَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ ثَلَاثِ سِنِينَ تَلَاوَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَمِنْ بَنِي قُصَيٍّ، وَرِجَالٌ سِوَاهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ وَلَدَتْهُمْ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ قَطَّعُوا الرَّحِمَ، وَاسْتَخَفُّوا بِالْحَقِّ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُهُمْ مِنْ لَيْلَتِهِمْ عَلَى نَقْضِ مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ مِنَ الْغَدْرِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ، وَبَعَثَ اللَّهُ عز وجل عَلَى صَحِيفَتِهِمُ الَّتِي فِيهَا الْمَكْرُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَرَضَةَ فَلَحَسَتْ كُلَّ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، وَيُقَالُ: كَانَتْ مُعَلَّقَةً فِي سَقْفِ الْبَيْتِ فَلَمْ تَتْرُكِ
اسْمًا لِلَّهِ عز وجل فِيهَا إِلَّا لَحَسَتْهُ، وَبَقِيَ مَا فِيهَا مِنْ شِرْكٍ أَوْ ظُلْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى الَّذِي صُنِعَ بِصَحِيفَتِهِمْ فَذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: لَا وَالثَّوَاقِبِ مَا كَذَبَنِي فَانْطَلَقَ يَمْشِي بِعِصَابَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ حَافِلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ عَامِدِينَ بِجَمَاعَتِهِمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُخْرِجُوا مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ، فَأَتَوْهُمْ لِيُعْطُوهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: قَدْ حَدَثَتْ أُمُورٌ بَيْنَكُمْ لَمْ نَذْكُرْهَا لَكُمْ، فَائْتُوا بِصَحِيفَتِكُمُ الَّتِي تَعَاهَدْتُمْ عَلَيْهَا، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَنَا صُلْحٌ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْظُرُوا فِي صَحِيفَتِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِهَا، فَأَتَوْا بِصَحِيفَتِهِمْ مُعْجَبِينَ بِهَا، لَا يَشُكُّونَ أَنَّ الرَّسُولَ مَدْفُوعٌ إِلَيْهِمْ، فَوَضَعُوهَا بَيْنَهُمْ، وَقَالُوا: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا وَتَرْجِعُوا إِلَى أَمْرٍ يَجْمَعُ قَوْمَكُمْ، فَإِنَّمَا قَطَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ جَعَلْتُمُوهُ خَطَرًا لِهَلَكَةِ
قَوْمِكُمْ وَعَشِيرَتِكُمْ وَفَسَادِهِمْ. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ لِأُعْطِيَكُمْ أَمْرًا فِيهِ نَصَفٌ، فَإِنَّ ابْنَ أَخِي أَخْبَرَنِي، وَلَمْ يَكْذِبْنِي أَنَّ اللَّهَ عز وجل بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ، وَمَحَا كُلَّ اسْمٍ هُوَ لَهُ فِيهَا، وَتَرَكَ فِيهَا غَدْرَكُمْ وَقَطِيعَتَكُمْ إِيَّانَا، وَتَظَاهُرَكُمْ عَلَيْنَا بِالظُّلْمِ، فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ ابْنُ أَخِي كَمَا قَالَ فَأَفِيقُوا فَوَاللَّهِ لَا نُسَلِّمُهُ أَبَدًا حَتَّى نَمُوتَ مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ بَاطِلًا دَفَعْنَاهُ إِلَيْكُمْ فَقَتَلْتُمُوهُ أَوِ اسْتَحْيَيْتُمُوهُ. قَالُوا: قَدْ رَضِينَا بِالَّذِي تَقُولُ، فَفَتَحُوا الصَّحِيفَةَ فَوَجَدُوا الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ خَبَرَهَا، فَلَمَّا رَأَتْهَا قُرَيْشٌ كَالَّذِي قَالَ أَبُو طَالِبٍ قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ
كَانَ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مِنْ صَاحِبِكُمْ، فَارْتَكَسُوا وَعَادُوا لِشَرِّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ وَالشِّدَّةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى رَهْطِهِ وَالْقِيَامِ بِمَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِنَّ أَوْلَى بِالسِّحْرِ وَالْكَذِبِ غَيْرَنَا، فَكَيْفَ تَرَوْنَ؟ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ قَطِيعَتِنَا أَقْرَبُ إِلَى الْجِبْتِ وَالسِّحْرِ مِنْ أَمْرِنَا، وَلَوْلَا أَنَّكُمُ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى السِّحْرِ لَمْ تَفْسَدْ صَحِيفَتُكُمْ، وَهِيَ فِي أَيْدِيكُمْ طَمَسَ اللَّهُ مَا كَانَ فِيهَا مِنِ اسْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ بَغْيٍ تَرَكَهُ. أَفَنَحْنُ السَّحَرَةُ أَمْ أَنْتُمْ؟ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ النَّفَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنِي قُصَيٍّ وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَدَتْهُمْ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ،
وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَهِشَامُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَتِ الصَّحِيفَةُ عِنْدَهُ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَوُجُوهِهِمْ، نَحْنُ بَرَاءٌ مِمَّا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ قُضِيَ بِلَيْلٍ. وَأَنْشَأَ أَبُو طَالِبٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ الشِّعْرَ، فِي شَأْنِ صَحِيفَتِهِمْ، وَيَمْتَدِحُ النَّفَرَ الَّذِينَ تَبَرَّءُوا مِنْهَا، وَنَقَضُوا مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَهْدٍ، وَيَمْتَدِحُ النَّجَاشِيَّ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: فَلَمَّا أَفْسَدَ اللَّهُ صَحِيفَةَ مَكْرِهِمْ، خَرَجَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَعَاشُوا وَخَالَطُوا النَّاسَ» . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لِأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ. قَالَ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ، فَطُفْتُ، قَالَ: فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: هَذَا سَعْدٌ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ
بِالْبَيْتِ آمِنًا، وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَقَدْ رَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: لَئِنْ مَنَعْتَنِي مِنْ هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا مِنْكَ يَا أُمَيَّةُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّهُ قَاتِلُكَ. قَالَ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ إِلَى مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَاتِلِي، فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْصَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ، فَقَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ. قَالَ: فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، إِنَّكَ مَتَى يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ، وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَهِلٍ حَتَّى قَالَ: إِذْ غَلَبْتَنِي فَوَاللَّهِ لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ
جَهِّزِينِي. فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ قَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ. قَالَ: لَا، وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ جَعَلَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بِعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ بِبَدْرٍ» . وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَخُو بَنِي جُمَحَ قَدْ حَلَفَ وَهُوَ بِمَكَّةَ لَيَقْتُلَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا بَلَغَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَلْفَتُهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل. فَأَقْبَلَ أُبَيٌّ مُقَنَّعًا فِي الْحَدِيدِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ، فَحَمَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ
قَتْلَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَقِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ، فَقَتَلَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، وَأَبْصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَرْقُوَةَ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ، فَطَعَنَهُ فِيهَا بِحَرْبَتِهِ، فَوَقَعَ أُبَيٌّ عَنْ فَرَسِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ طَعْنَتِهِ دَمٌ فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ، فَاحْتَمَلُوهُ، وَهُوَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ، فَقَالُوا: مَا أَجْزَعَكَ! إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ، فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَا أَقْتُلُ أُبَيًّا، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ،
فَمَاتَ إِلَى النَّارِ» . وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَهُوَ مِمَّا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَغَازِيهِ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ «أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ لَمَّا رَجَعَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، أَقْبَلَ عُمَيْرٌ
حَتَّى جَلَسَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: قَبَّحَ اللَّهُ الْعَيْشَ بَعْدَ قَتْلَى بَدْرٍ. قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَهُمْ، وَلَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَا أَجِدُ لَهُ قَضَاءً، وَعِيَالٌ لَا أَدَعُ لَهُمْ شَيْئًا لَرَحَلْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَتَلْتُهُ إِنْ مَلَأْتُ عَيْنِي مِنْهُ، فَإِنَّ لِي عِنْدَهُ عِلَّةً أَعْتَلُّ بِهَا، أَقُولُ قَدِمْتُ عَلَى ابْنِي أَفْدِي هَذَا الْأَسِيرَ، فَفَرِحَ صَفْوَانُ بِقَوْلِهِ، وَقَالَ لَهُ: عَلَيَّ دَيْنُكَ، وَعِيَالُكَ أُسْوَةُ عِيَالِي فِي النَّفَقَةِ، فَحَمَلَهُ صَفْوَانُ وَجَهَّزَهُ، وَأَمَرَ بِسَيْفِ عُمَيْرٍ فَصُقِلَ وَسُمَّ، فَأَقْبَلَ عُمَيْرٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ، وَأَخَذَ السَّيْفَ فَعَمَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُونَ، فَقَالَ عُمَرُ: عِنْدَكُمُ الْكَلْبُ، هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا
يَوْمَ بَدْرٍ، وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ. ثُمَّ قَامَ عُمَرُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: أَسِيرِي عِنْدَكُمْ، فَفَادُونَا فِي أُسَرَائِنَا فَإِنَّكُمُ الْعَشِيرَةُ وَالْأَهْلُ، قَالَ: فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟ قَالَ عُمَيْرٌ: قَبَّحَهَا اللَّهُ مِنْ سُيُوفٍ فَهَلْ أَغْنَتْ عَنَّا شَيْئًا؟ إِنَّمَا نَسِيتُهُ فِي عُنُقِي حِينَ نَزَلْتُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اصْدُقْنِي مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: مَا قَدِمْتُ إِلَّا فِي أَسِيرِي. قَالَ: فَمَاذَا شَرَطْتَ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ؟ فَفَزِعَ عُمَيْرٌ وَقَالَ: مَاذَا شَرَطْتُ؟ ! قَالَ: تَحَمَّلْتَ لَهُ بِقَتْلِي عَلَى أَنْ يَعُولَ بَيْتَكَ، وَيَقْضِيَ دَيْنَكَ، وَاللَّهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ. فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كُنَّا نُكَذِّبُكَ بِالْوَحْيِ، وَبِمَا يَأْتِيكَ مِنَ السَّمَاءِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَفْوَانَ فِي الْحِجْرِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، فَأَخْبَرَكَ اللَّهُ بِهِ» . وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا قَالَ لَهُمْ خَالِي: أَتَقَدَّمُكُمْ فَإِنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِلَّا كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا، فَأَمَّنُوهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ، قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ مَالُوا
عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا رَجُلًا أَعْرَجَ صَعِدَ الْجَبَلَ وَآخَرَ مَعَهُ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. فَكُنَّا نَقْرَأُ أَنْ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، ثُمَّ نُسِخَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَكَانَ فِي هَؤُلَاءِ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
قَالَ عَنْهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَمَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَأَتَيْنَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةٍ لِامْرَأَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَخْرِصُوهَا، فَخَرَصْنَاهَا، وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، قَالَ: أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّئٍ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو أَحَدُ
بَنِي سَلَمَةَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ أَسَرْتَهُ يَا أَبَا الْيَسَرِ؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، وَلَا قَبْلُ، هَيْئَتُهُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ. وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: يَا عَبَّاسُ، افْدِ نَفْسَكَ، وَابْنَ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ مُسْلِمًا
قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِي. قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ، إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقًّا فَاللَّهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا، فَافْدِ نَفْسَكَ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخَذَ مِنْهُ عِشْرِينَ أُوقِيَّةً ذَهَبًا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، احْسِبْهَا لِي مِنْ فِدَايَ. قَالَ: لَا، ذَلِكَ شَيْءٌ أَعْطَانَا اللَّهُ مِنْكَ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ. قَالَ: فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ حِينَ خَرَجْتَ عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ وَلَيْسَ مَعَكَ أَحَدٌ غَيْرُكُمَا؟ فَقُلْتَ: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا فَلِلْفَضْلِ كَذَا، وَلِقُثَمَ كَذَا، وَلِعَبْدِ اللَّهِ كَذَا. قَالَ فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عَلِمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي وَغَيْرُهَا وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ» .