الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَفْعِهِ لِذِكْرِهِ، وَمَا مِنْ طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَعِنْدَهُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الْمَشْهُورِ الْمُجَرَّبِ عِنْدَ عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّامِ إِذَا حَاصَرُوا بَعْضَ حُصُونِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِمْ فَتْحُ الْحِصْنِ، وَيَطُولُ الْحِصَارُ إِلَى أَنْ يَسُبَّ الْعَدُوُّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فَحِينَئِذٍ يَسْتَبْشِرُ الْمُسْلِمُونَ بِفَتْحِ الْحِصْنِ، وَانْتِقَامِ اللَّهِ مِنَ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ قَرِيبًا كَمَا قَدْ جَرَّبَهُ الْمُسْلِمُونَ غَيْرَ مَرَّةٍ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]
وَلَمَّا مَزَّقَ كِسْرَى كِتَابَهُ مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَ الْأَكَاسِرَةِ كُلَّ مُمَزَّقٍ، وَلَمَّا أَكْرَمَ هِرَقْلُ وَالْمُقَوْقِسُ كِتَابَهُ بَقِيَ لَهُمْ مُلْكُهُمْ.
[إِجَابَةُ دَعَوَاتِهِ عليه السلام مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ]
النَّوْعُ الثَّامِنُ فِي إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، وَإِجَابَةُ الدُّعَاءِ مِنْهُ مَا تَكُونُ إِجَابَتُهُ مُعْتَادَةً لِكَثِيرٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ كَالْإِغْنَاءِ، وَالْعَافِيَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْمَدْعُوُّ بِهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ كَتَكْثِيرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَثْرَةً خَارِجَةً عَنِ الْعَادَةِ، وَإِطْعَامِ النَّخْلِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ فِي
مِثْلِهِ مَرَّةً، وَرَدِّ بَصَرِ الَّذِي عَمِيَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَدْعِيَتِهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ عَوَّدَهُ اللَّهُ إِجَابَةَ دُعَائِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ صَلَاحِهِ وَدِينِهِ، وَمَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ إِنْ كَانَ صَادِقًا أَوْ مِنْ أَفْجَرِهِمْ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، وَإِذَا عَوَّدَهُ اللَّهُ إِجَابَةَ دُعَائِهِ لَمْ يَكُنْ فَاجِرًا بَلْ بَرًّا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ إِلَّا بَرًّا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا صَادِقًا، فَإِنَّ هَذَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ضَالًّا يَظُنُّ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّ الَّذِي يَأْتِيهِ مَلَكٌ، وَيَكُونُ ضَالًّا فِي ذَلِكَ، وَالَّذِي يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَإِنَّ هَذَا حَالُ مَنْ هُوَ جَاهِلٌ بِحَالِ نَفْسِهِ، وَحَالِ مَنْ يَأْتِيهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ أَضَلَّ مِنْهُ، وَلَا أَجْهَلَ مِنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ، وَبَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ الصَّادِقِينَ، وَبَيْنَ الْمُتَشَبِّهِينَ بِهِمْ مِنَ الْكَذَّابِينَ مِنَ الْفَرْقِ مَا لَا يُحْصِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الْفُرُوقِ، بَلْ جَعَلَ بَيْنَ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ مِنَ الْفُرُوقِ أَعْظَمَ مِمَّا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلِأَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْأَوَامِرِ مُخَالِفٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِمَا يَأْتِي بِهِ الشَّيْطَانُ، وَمَنِ اسْتَقْرَأَ أَحْوَالَ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَحَالَ الْكُهَّانِ وَالسَّحَرَةِ تَبَيَّنَ لَهُ مَا يُحَقِّقُ ذَلِكَ
وَالشَّيْطَانُ الَّذِي يَقُولُ لِمَنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ: إِنَّكَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، وَاللَّهُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ، يَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كَذِبًا، وَالْكَذِبُ يَسْتَلْزِمُ الْفُجُورَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِمَا لَيْسَ بِرًّا بَلْ إِثْمًا، وَيُخْبِرُهُ بِمَا لَيْسَ صِدْقًا بَلْ كَذِبًا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ مِمَّنْ تُضِلُّهُ الشَّيَاطِينُ مِنْ جَهَلَةِ الْعُبَّادِ، وَمِمَّنْ يُزَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ أَوْ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا بُدَّ أَنْ تَأْمُرَهُ الشَّيَاطِينُ بِإِثْمٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكْذِبَ فِي بَعْضِ مَا تُخْبِرُهُ بِهِ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} [الشعراء: 221](221){تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 222]
وَحِينَئِذٍ فَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ مَعَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ مِنَ الْأَبْرَارِ الَّذِينَ عَوَّدَهُمُ اللَّهُ إِجَابَةَ دُعَائِهِمْ إِجَابَةً خَارِجَةً عَنِ الْعَادَاتِ، بَلْ لَا يَكُونُ مَعَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ إِلَّا مِنَ الْأَفَّاكِينَ الْفُجَّارِ، وَإِذَا كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَى النُّبُوَّةِ عَالِمًا بِأَنَّهُ صَادِقٌ ثَبَتَ أَنَّهُ نَبِيٌّ.
وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْخَطَأِ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ اللَّهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَحِينَئِذٍ فَكُلُّ مَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَهُوَ
الْمَطْلُوبُ، وَمَنْ كَانَ يَأْتِيهِ صَادِقٌ وَكَاذِبٌ مِثْلَ ابْنِ صَيَّادٍ، وَمِثْلَ كَثِيرٍ
مِنَ الْعُبَّادِ الَّذِينَ لَهُمْ إِلْهَامٌ مِنَ الْمَلَكِ، وَوَسْوَاسٌ مِنَ الشَّيْطَانِ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ، وَيَقُولُ: أَنَا أَرْسَلَنِي اللَّهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ، وَلَوْ بِبَعْضِ الْوُجُوهِ، مِثْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِكَذِبٍ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّيْطَانِ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَنَّهُ نَبِيٌّ لَا بُدَّ أَنْ يَكْذِبَ فِيمَا يُخْبِرُهُ بِهِ.
وَمِثْلَ إِخْبَارِ الصَّادِقِ لَهُ بِأَنَّ هَذَا كَذِبٌ، فَإِذَا أَتَاهُ الشَّيْطَانُ بِالْكَذِبِ لَا بُدَّ أَنْ يُخْبِرَهُ الصَّادِقُ الَّذِي يَأْتِيهِ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِأُمُورٍ جُزْئِيَّةٍ، إِذْ إِخْبَارُهُ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ صَادِقٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ يُهْلِكُهُ هَلَاكًا عَظِيمًا، وَيُفْسِدُ عَلَى الصَّادِقِ جَمِيعَ مَا يَأْتِيهِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُصَدِّقَ ذَلِكَ الْكَاذِبَ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُهُ بِهِ، إِذْ قَدِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ كَاذِبًا، وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ كَاذِبٌ
فَلَا يَكُونُ مِثْلَ ابْنِ صَيَّادٍ وَنَحْوِهِ، مِمَّنْ يُعْرَفُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، بَلْ أَضَلُّ مِنْ هَؤُلَاءِ: يَظُنُّ أَنَّ كُلَّ مَا يَأْتِيهِ فَهُوَ صَادِقٌ، وَلِهَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ يَأْتِيهِ إِخْبَارٌ مَلَكِيٌّ صَادِقٌ، وَإِخْبَارٌ شَيْطَانِيٌّ كَاذِبٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ يَأْتِيهِ كَاذِبٌ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ الْكَذِبُ فِيمَا يُخْبِرُهُ بِهِ الشَّيْطَانُ الْكَاذِبُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ
وَلِهَذَا يُوجَدُ الْكُهَّانُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ كَذِبَ مَنْ يُخْبِرُهُمْ كَثِيرًا، وَكَذَلِكَ الْعُبَّادُ الَّذِينَ لَهُمْ خِطَابَاتٌ وَمُكَاشَفَاتٌ بَعْضُهَا شَيْطَانِيٌّ وَبَعْضُهَا مَلَكِيٌّ، يَتَبَيَّنُ لَهُمُ الْكَذِبُ فِيمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ الشَّيْطَانُ، كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ، فَلَا يُوجَدُ شَيْخٌ عَابِدٌ لَهُ حَالٌ شَيْطَانِيٌّ إِلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يُخْبِرَهُ بِكَذِبٍ يَظْهَرُ لَهُ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا صَدَّقَ هَذَا الْكَاذِبَ فِي إِخْبَارِهِ النُّبُوَّةَ كَانَ مُصَدِّقًا لِلْكَاذِبِ، وَلِأَنَّ الصَّادِقَ الَّذِي يَأْتِيهِ مُخْبِرًا لَهُ بِالصِّدْقِ نَاصِحًا لَهُ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يُصِرُّ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ مَنْ يَأْتِيهِ صَادِقٌ، وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَاذِبٌ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ إِلَّا مَنْ هُوَ أَفَّاكٌ أَثِيمٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} [الشعراء: 221](221){تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 222]
فَتَنَزُّلُهَا عَلَى الْأَفَّاكِ الْأَثِيمِ، وَأَمَّا نُزُولُ الشَّيْطَانِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَقَدْ يَكُونُ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِأَفَّاكٍ أَثِيمٍ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا لِلنُّبُوَّةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلنُّبُوَّةِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقِرَّهُ الصَّادِقُ الَّذِي يَأْتِيهِ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ هَذَا إِنْ جُوِّزَ ذَلِكَ.
فَإِنَّ النَّاسَ تَنَازَعُوا: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُلْقِيَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ
مَا يَنْسَخُهُ اللَّهُ وَيَمْحُوهُ، أَمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَرَّ عَلَى خَطَأٍ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ بَعْضِ أَدْعِيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي شُوهِدَ إِجَابَتُهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِ أَدْعِيَتِهِ مِثْلَ دُعَائِهِ عَلَى الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ فَقُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَأُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ، وَمِثْلَ دُعَائِهِ عَلَى عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَمِثْلَ دُعَائِهِ عَلَى الَّذِي كَذَبَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ آيَةً، وَمِثْلَ دُعَائِهِ لَمَّا قَلَّ الزَّادُ وَجَمَعُوهُ عَلَى نِطْعٍ، فَكَثَّرَهُ اللَّهُ بِبَرَكَةِ دَعْوَتِهِ حَتَّى كَفَى الْجَيْشَ الْعَظِيمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَمِثْلَ دُعَائِهِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ فَكَفَى الطَّعَامُ، وَهُوَ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ لِأَلْفِ نَفَرٍ، وَكَذَلِكَ دُعَاؤُهُ لَمَّا نُزِحَتْ بِئْرُ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَثُرَ مَاؤُهَا حَتَّى كَفَى الرَّكْبَ، وَهُمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَرِكَابَهُمْ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ دُعَاؤُهُ لِلَّذِي ذَهَبَ بَصَرُهُ فَأَبْصَرَ، وَدُعَاؤُهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَمَا رَدَّ يَدَيْهِ إِلَّا وَالسَّمَاءُ قَدْ أَمْطَرَتْ، وَدُعَاؤُهُ فِي الِاسْتِصْحَاءِ، وَإِشَارَتُهُ إِلَى السَّحَابِ فَتَقَطَّعَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَدَعْوَتُهُ عَلَى سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ لَمَّا تَبِعَهُمْ فِي الْهِجْرَةِ فَغَاصَتْ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ، وَدُعَاؤُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَقَالَ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]
وَأَمِثَالُ ذَلِكَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَ:
{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65]
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ "
{أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]
قَالَ: " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ "
{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65]
قَالَ: " هَاتَانِ أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَجْتَاحَهُمْ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِيهَا، فَلَنْ
يَزَالَ الْهَرْجُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ «حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: جَعَلَ عَمِّي يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
تَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا
…
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
،
وَنَحْنُ مِنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا
…
فَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ هَذَا؟ " قَالُوا: عَامِرٌ قَالَ: " غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ ". قَالَ: وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ. قَالَ: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ
…
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
قَالَ: وَبَرَزَ لَهُ عَمِّي عَامِرٌ فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ
…
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ
قَالَ: فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ، وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسُلُّ سَيْفَهُ فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ أُكْحَلَهُ، وَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ. قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ، قَتَلَ نَفْسَهُ. قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا أَبْكِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ قَالَ ذَلِكَ؟ " قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. قَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَادِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللَّهَ لَهُ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ»
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ فَقَالَ: " أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ " ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ مَكْتُوبَةٍ، فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا. فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ
لِي خُوَيْصَّةً. فَقَالَ: " مَا هِيَ؟ " قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ قَالَ: فَمَا تَرَكَ آخِرَةً وَلَا دُنْيَا إِلَّا دَعَا بِهِ " اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ " فَإِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا، وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي إِلَى مَقْدَمِ الْحَجَّاجِ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:«دَعَا لِي بِثَلَاثِ دَعَوَاتٍ قَدْ رَأَيْتُ مِنْهَا اثْنَتَيْنِ، وَأَنَا أَرْجُو الثَّالِثَةَ فِي الْآخِرَةِ» .
وَفِي التِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي خَلْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ: «سَمِعَ أَنَسٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الْفَاكِهَةَ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ
فِيهَا رَيْحَانٌ يَجِيءُ مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا أَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٍ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمِي فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ فَاغْتَسَلَتْ، وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجَّلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابَ فَقَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ فَقَدِ
اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ، وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ خَيْرًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" اللَّهُمَّ حَبِّبْ عَبْدَكَ هَذَا، يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمَا الْمُؤْمِنِينَ " فَمَا خَلَقَ اللَّهُ مُؤْمِنًا يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ سَعْدٌ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ
وَمَالِكَ. دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ» فَظَهَرَتْ بَرَكَةُ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَ مِنْ مَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَحَمَلَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَخَمْسِمِائَةِ بَعِيرٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: وَكَانَ عَامَّةُ مَالِهِ مِنَ التِّجَارَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: اقْتَسَمَ نِسَاءُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ثُمُنَهُنَّ فَكَانَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَوْصَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِمَنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَوَجَدُوا مِائَةً، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ:
حَدَّثَتْنِي أُمُّ بَكْرٍ بِنْتُ الْمِسْوَرِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَاعَ أَرْضًا بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَسَمَهَا فِي فُقَرَاءِ بَنِي زُهْرَةَ وَفِي الْمُهَاجِرِينَ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِحَدِيقَةٍ فَقُوِّمَتْ مِائَةَ أَلْفٍ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ
وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ " فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَحَبَّهُمَا إِلَى اللَّهِ فَأَسْلَمَ عُمَرُ،» وَرُوِيَ أَنَّ الدَّعْوَةَ كَانَتْ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ فَأَسْلَمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَأَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَظَهَرَ مِنْ عِزِّ الْإِسْلَامِ فِي إِمَارَتِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَفَتْحِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَمِصْرَ، وَكَسْرِ عَسَاكِرِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ مَا تَحَقَّقَ بِهِ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ "، وَفِي رِوَايَةٍ " الْحِكْمَةَ» " وَظَهَرَتْ إِجَابَةُ دَعْوَتِهِ حَتَّى كَانَ يُسَمَّى: الْبَحْرَ.
وَقَالَ فِيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَدْرَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْنَانَنَا لَمَا عَشَرَهُ مِنَّا أَحَدٌ. وَكَانَ عُمَرُ يُقَدِّمُهُ وَيُدْخِلُهُ مَعَ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ، وَعِلْمُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَشْهُورٌ فِي الْأُمَّةِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ قَدْ
أَعْيَا، وَأَرَدْتُ أَنْ أُسَيِّبَهُ. قَالَ: فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَهُ وَدَعَا لَهُ فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ لِي: " مَا لِبَعِيرِكَ؟ " فَقُلْتُ: عَلِيلٌ. قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَجَرَهُ فَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيِ الْإِبِلِ قُدَّامَهَا، فَقَالَ:" كَيْفَ تَرَى بِعِيرَكَ؟ " قُلْتُ: بِخَيْرٍ، قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَالَ: " فَتَبِعْنِيهِ. . . .» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدً إِذَا دَعَاكَ " وَفِي لَفْظٍ: " اللَّهُمَّ أَجِبْ دَعْوَتَهُ،
وَسَدِّدْ رَمْيَتَهُ " فَكَانَ سَعْدٌ لَا يَرْمِي إِلَّا يُصِيبُ، وَلَا يَدْعُو إِلَّا أُجِيبَ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ قَالَتْ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ فَقَالَ:
" مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهُ هَذِهِ الْخَمِيصَةَ؟ " فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَقَالَ: " ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ " فَأُتِيَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَلْبَسَنِيهَا فَقَالَ: " أَبْلِي وَأَخْلِقِي " مَرَّتَيْنِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: " يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا " وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْحَسَنُ، فَبَقِيَتْ حَتَّى دَكَنَ» ، «وَعَنْ أَبِي يَزِيدَ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ادْنُ مِنِّي " فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِي وَلِحْيَتِي ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ، وَأَدِمْ جَمَالَهُ "
قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ: فَبَلَغَ بِضْعًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَمَا فِي لِحْيَتِهِ بَيَاضٌ إِلَّا نَزْرٌ يَسِيرٌ، وَلَقَدْ كَانَ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ، وَلَمْ يَتَقَبَّضْ وَجْهُهُ حَتَّى مَاتَ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ:«مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى وَجْهِي فَدَعَا لِي» . «قَالَ: عَزْرَةُ: إِنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ إِلَّا شَعَرَاتٌ بِيضٌ» . وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ «عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ حَنِيفَةَ بْنِ حِذْيَمٍ قَالَ حِذْيَمٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ ذُو
سِنٍّ، وَهَذَا أَصْغَرُ بَنِيَّ، فَسَمِّتْ عَلَيْهِ. قَالَ:" تَعَالَ يَا غُلَامُ " فَأَخَذَ بِيَدِي، وَمَسَحَ بِرَأْسِي، وَقَالَ:" بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ " أَوْ " بُورِكَ فِيكَ " فَرَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتَى بِالْإِنْسَانِ الْوَارِمِ فَيَمْسَحُ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَالشَّاةِ، وَالْبَعِيرِ» .
وَيُذْكَرُ «عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، وَاسْمُهُ مَدْلُوكٌ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَمَسَحَ رَأَسَهُ بِيَدِهِ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ. فَكَانَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ مَوْضِعُ يَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَسْوَدَ، وَسَائِرُهُ أَبْيَضَ» ذَكَرَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ
وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْعَلَا قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَمَرَّ رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الدَّارِ فَرَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ وَجْهَهُ. قَالَ: وَكُنْتُ قَبْلُ مَا رَأَيْتُهُ إِلَّا وَرَأَيْتُهُ كَأَنَّ عَلَى وَجْهِهِ الدِّهَانَ» .
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ «عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: عُرِضَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَلْبٌ فَأَعْطَانِي دِينَارًا، وَقَالَ:" أَيْ عُرْوَةُ ائْتِ الْجَلْبَ فَاشْتَرِ شَاةً " فَأَتَيْتُ الْجَلْبَ فَسَاوَمْتُ صَاحِبَهُ فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ، فَجِئْتُ أَسُوقُهُمَا فَلَقِيَنِي رَجُلٌ فَسَاوَمَنِي فَأَبِيعُهُ شَاةً بِدِينَارٍ، فَجِئْتُ بِالدِّينَارِ وَجِئْتُ بِالشَّاةِ فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا دِينَارُكُمْ، وَهَذِهِ شَاتُكُمْ. قَالَ:" وَصَنَعْتَ كَيْفَ؟ " فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ " فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَقِفُ بِكُنَاسَةِ الْكُوفَةِ فَأَرْبَحُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إِلَى أَهْلِي» . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَفِي لَفْظٍ:«فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَهْلِ دَارِهِ عَنْهُ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَمَالِهِ فَقَالَ لَهُ: " كُلْ بِيَمِينِكَ " قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: " لَا اسْتَطَعْتَ " مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ. قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ» .
وَرَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ قَالَ جَابِرٌ: فَبَيْنَمَا أَنَا نَازِلٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: هَلُمَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الظِّلِّ. قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ جَابِرٌ: فَقُمْتُ إِلَى غِرَارَةٍ لَنَا فَالْتَمَسْتُ فِيهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا جَرْوَ قِثَّا،
فَكَسَرْتُهُ ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ " قُلْنَا: خَرَجْنَا بِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ: وَعِنْدَنَا صَاحِبٌ لَنَا نُجَهِّزُهُ يَذْهَبُ يَرْعَى ظَهْرَنَا. قَالَ: فَجَهَّزْتُهُ ثُمَّ أَدْبَرَ يَذْهَبُ إِلَى الظَّهْرِ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ لَهُ قَدْ خَلِقَا، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" أَمَا لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرَ هَذَيْنِ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ كَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا. قَالَ:" ادْعُهُ فَلْيَلْبَسْهُمَا " ثُمَّ وَلَّى يَذْهَبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا لَهُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ، أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ " فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ:" فِي سَبِيلِ اللَّهِ " فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَرَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعِيدٍ.
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ.