المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: الاستهزاء بالمسلم لإسلامه، ومعاداته لدينه - الحد الفاصل بين الإيمان والكفر

[عبد الرحمن بن عبد الخالق]

الفصل: ‌ثالثا: الاستهزاء بالمسلم لإسلامه، ومعاداته لدينه

حكم الله بالرجعية والجمود والتخلف عن مسايرة الزمن.

وثمة نقطة هامة في هذا الصدد أحب بيانها حتى لا تلتبس الأمور وهي أن اجتهاد الأئمة والفقهاء في عصر ما لا يعتبر حكماً لله تبارك وتعالى وإنما حكم الله هو نص كتابه، وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم فقط، وما سوى ذلك معرض للصواب والخطأ لأنه اجتهاد المجتهد يصيب ويخطئ وأما حكم الله فلا يخطئ أبداً سبحانه وتعالى.

فلا يعد مخالفاً لحكم الله تبارك وتعالى وخارجاً عنه من خالف شيئاً من أقوال الأئمة والفقهاء. وإنما يعتبر كذلك من خالف النصوص الصريحة الواضحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

‌ثالثاً: الاستهزاء بالمسلم لإسلامه، ومعاداته لدينه

قد يغفل كثير من الناس عن هذا الحكم فيعتقدون -كما بينت سابقاً- أن الاستهزاء بشعيرة من شعائر الإسلام كفر. والاستهزاء بالمسلم ليس كفراً، وهذا أمر يحتاج إلى بيان وتفصيل.

1-

الاستهزاء بالمسلم قد يكون لصفة خلقية (بفتح الخاء وإسكان اللام) أو لخلق يتصف به، أو

ص: 61

لتصرف أو سلوك ما، وهذه معصية ليست كفراً. قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} (الحجر: 11) .

فجعل الله تبارك وتعالى هذه الأفعال فسقاً {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} أي بئس اسما يطلق على الرجل أن يسمى فاسقاً بعد أن كان مؤمناً.

ولكن ليكن معلوماً أن الاستهزاء بالصفات الخلقية والتي لا تدخل للإنسان فيها قد يجر إلى الكفر لأن اختلاف الألوان والأشكال والألسنة من مراد الله تبارك وتعالى بل ومن آياته. قال تعالى: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم. إن في ذلك لآيات للعالمين} (الروم: 22) .

2-

وقد يكون الاستهزاء بالمسلم من أجل إسلامه فيستهزأ به لتمسكه بشعيرة من شعائر الإسلام. أو لعمله عملاً من أعمال الإيمان. وهنا ينصرف الاستهزاء إلى الدين ويكون هذا العمل كفراً. وقد وصف الله

ص: 62

الكفار فإن هذا هو دينهم مع المؤمنين قال تعالى: {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون *وإذا مروا بهم يتغامزون *وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين *وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون *وما أرسلوا عليهم حافظين} (المطففين: 29-33) .

فهؤلاء المجرمون يضحكون من المؤمنين ويستهزئون بهم ويتغامزون إذا مروا عليهم ومع ذلك يرجع كل مجرم إلى منزله فرحاً فخوراً بنفسه وكأنه لم يعمل جريمة يحاسب عليها، ثم إنهم يصفون المؤمنين بالضلال، وما أشبه هذا بقول مجرمي زماننا عن المؤمنين "انهم معقدون، رجعيون، نسوا حياتهم، ضيعوا شبابهم، لا يستمتعون بمتع الحياة، ولذائذها المبذولة"..

قال تعالى: {وما أرسلوا عليهم حافظين} أي ما جعلنا هؤلاء المجرمين محصين لأعمال المؤمنين ولا قائمين عليهم. ثم تأتي الصورة الثانية. صورة الآخرة حيث يكون أهل الإيمان في العلو والرفعة في الجنات، وأهل الإجرام في النار والجحيم. {فاليوم الذين آمنوا

ص: 63

من الكفار يضحكون *على الأرائك ينظرون} (المطففين: 34-35) .. ومثل هذه الآيات قوله تعالى: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا *ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة *والله يرزق من يشاء بغير حساب} (البقرة: 212) .

وخلاصة هذا الأمر أن الاستهزاء بالمسلم لإسلامه كفر لأنه في حقيقته استهزاء بالإسلام، والاستهزاء بالإسلام هو طعن في واضعه ومنزله سبحانه وتعالى ومعلوم ماذا يعني هذا. وبهذه المنزلة معاداة المؤمن لتدينه، فالعداوة مع مؤمن لشأن ما من شؤون الحياة وإعراضها إن كانت بحق فليس في هذا شيء وإن كانت بباطل فهي معصية. وأما عدوانه من أجل تدينه وتمسكه بالإسلام فهي كفر لأنه محاربة لدين الله ومحادة له. وصد عن سبيل الله فكثير من الناس -ولا حول ولا قوة إلا بالله- يكون الشخص محبباً إليهم محبوباً لديهم إذا كان موافقاً لأهوائهم تباعاً لشهواتهم. وما كاد يهتدي ويلتزم طريق الله تبارك وتعالى حتى يلاقي العداوة والبغضاء ممن كانوا له أصدقاء وهذا أمر خطير جداً نعوذ بالله منه. فإذا بلغت العداوة مبلغ فتنة المسلم عن

ص: 64

دينه، وصده عن سبيل ربه فقد بلغت المنزلة منزلة الكفر، قال تعالى في وصف الكافرين:{الر. كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد *الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد *الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة *ويصدون عن سبيل الله *ويبغونها عوجاً *أولئك في ضلال بعيد} (إبراهيم: 1-3) .

فقد وصف الله الكفار هنا بوصفين: الأول حبهم للدنيا عن الآخرة، والثاني صدهم عن سبيل الله ورغبتهم أن يظل طريقه سبحانه وتعالى معوجاً للسالكين فيه حتى ينصرف الناس عنه، وينفض الناس منه. وقد توعدهم الله سبحانه وتعالى بالويل لذلك فكيف بالذين يمارسون هذا الصد عن سبيل الله بتجنيد أجهزة الدولة ومقومات الأمة لذلك، وقد رأيت في صحيفة تصدر في بلاد عربية وإسلامية هذا الخبر (صدر في استانبول قرار يقضي بأن لا تسير المرأة محجبة في شارع عام، أسوة بعربات الكارو والحمير) انتهى. أهناك صد عن دين الله أبلغ من هذا؟ وانظر إلى فعل الصحافي الخبيث (أسوة بعربات الكارو والحمير) فليس

ص: 65