الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أضل أعمالهم *والذين آمنوا وعملوا الصالحات *وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم *ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم، كذلك يضرب الله للناس أمثالهم} (محمد: 1-3) .
ثم يعقب بعد هذا التقسيم للناس بقوله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب *حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق *فإما مناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} الآية (محمد: 4) .
إن هذا الانفصال بين أمة الإسلام وأمة الكفر الداعية إلى الكفر المحاربة للمسلمين واجب ولازم لاستمرار هذه الدعوة وبقاء هذه الرسالة فإن لم يكن في الأوطان والدول فليكن أولاً في العقيدة والشعور ولا بد، وبغير هذا لا يكون هناك إسلام.
خامساً: الرضا بفشو المنكر وانتشاره
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم
خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل] (مسلم) .
هذا الحديث نص على أن من مستلزمات الإيمان إنكار بإحدى وسائل الإنكار السالفة وهي اليد ثم اللسان ثم القلب، وإنكار المنكر باليد معناه إزالته بالقوة، وأما باللسان فمعروف، وأما إنكار المنكر بالقلب فهو كراهيته وبغضه وبغض فاعليه وكراهيتهم، وهذه الصورة الأخيرة التي هي أدنى صور الإنكار لا تعرض المؤمن للأذى وهي أقل مستويات الإيمان. ومفهوم هذا الحديث أن الذي لا يكره المنكر ولا يبغض أهله فليس بمؤمن لقول الرسول صلى الله عليه وسلم [وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل] .
وهذا نص صريح واضح ومعلوم أنه لا يخرج من النار من في قلبه إيمان أقل من هذا، لأنه لا أقل من هذا. وعلى هذا يكون الراضون بفشو المنكر وانتشاره
كفاراً فاقدي الإيمان وإن زعموا أنهم من المسلمين. فكيف بمن يبارك المنكر ويحبه؟!
فكم ممن ينسب إلى الإسلام اليوم يحب ويرضى ويبارك أن تتعرى النساء في الأسواق والمجتمعات العامة وأن يتم اختلاط الرجال بالنساء على هذه الصورة ليمتع نفسه بالمتاع الحرام. وكم منهم من يسب المجتمعات الإسلامية المحافظة ويستهزئ بها وبأهلها ويتهمهم بالرجعية والتأخر وشتى نعوت النقص والتحقير.. وكم من هؤلاء من يفرق إذا نودي في الناس بوجوب تحكيم كتاب الله تبارك وتعالى وغاية فرقه وخوفه أن تختفي هذه الشهوات المحرمة وتغلق الخمارات والبارات وتختفي اللذائذ الرخيصة!! وهؤلاء هم الذين شرحوا بالكفر صدراً، وضاقت صدورهم أن يذعنوا للإسلام ديناً ودولة، ومجتمعاً نظيفاً طاهراً والحكم على هؤلاء بأنهم مسلمون حكم ظالم وجاهل يصدر ممن لم يعرف ما الإسلام وما رسالته وما غايته في الحياة والناس.
فليراجع كل مؤمن إيمانه ولينظر هل اختار حقاً دين الله منهج حياة وغاية وجود، فيضع نفسه في صف المسلمين محباً لعقيدتهم راضياً بشريعتهم كارهاً للكفر بكل صوره ومظاهره وللمنكر بكل أشكاله. وهذا هو الإيمان.
وفي معنى حديث هذا الباب الحديث الآخر عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان](البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم) . ومعنى هذا أن إنكار المنكر بالقلب أضعف الإيمان أنه ليس هناك إيمان وراء هذا.
وأما السبب في ذلك أن الإيمان يستلزم حب شريعة الله تبارك وتعالى، والرغبة في تحكيمها، وأن تكون كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فإذا لم يتحرك القلب تجاه المعصية فيبغضها ويبغض أهلها فمعنى هذا أنه رضي بالمنكر، والرضا بالمنكر إقرار له ومعنى هذا الانسلاخ من دين الله تبارك وتعالى ومضادة الإيمان به. فإذا انضاف إلى الإقرار والرضا الحب والمتابعة، والإشادة والمباركة فقد اجتمعت جريمتان: كفر وصد عن سبيل الله تبارك وتعالى لأن محبة المنكر أن يفشو والرغبة في أن يسود الباطل، إنما هو الرغبة في أن تكون كلمة الله دون كلمة الكفر.
وهذا نقيض الإيمان الذي يستلزم العمل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
وهذا الأمر يحتاج من كل مسلم إلى مراعاة وعناية فائقة ليخلص قلبه من كل حب لغير شريعة الله، ومن كل هوى يناقض دينه سبحانه وتعالى والله المستعان.