المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال: أبو بكر أخذ ميراث فاطمة من فدك، قال: فهل - الحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول

[بحرق اليمني]

الفصل: قال: أبو بكر أخذ ميراث فاطمة من فدك، قال: فهل

قال: أبو بكر أخذ ميراث فاطمة من فدك، قال: فهل كان بعد أبي بكر خليفة؟ قال: نعم عمر، قال: فما فعل فيها؟ قال: أقام على ظلمنا، قال: فهل بعده من خليفة؟ قال نعم عثمان، قال: فما فعل؟ قال: أقام على ظلمنا، قال: فهل بعد عثمان خليفة؟ قال: نعم علي، قال: فما فعل؟ فبهت، فقال السفاح: وايم الله لولا أن هذا أول مقام قمته فيكم لنكلت بكم.

فقل لأعداء الله ما منع أيضا عليا أن يعمل فيها بما يضمرونه في أنفسهم أيام خلافته {وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا. أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} {وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم. أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم} .

‌الخاتمة في زيادة شرح لقوله صلى الله عليه وسلم إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به الحديث والحث على حب أهل البيت وإكرامهم

وفيه فصلان

‌الفصل الأول

فقوله: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به» أي الذي إن تمسكتم به، فما موصولة والجملة الشرطية صلتها، أو شيئا إن تمسكتم به، فهي نكرة موصوفة بالجملة الشرطية، والتمسك بالشيء التعلق به وحفظه.

وقوله: «أحدهما أعظم من الآخر» ، وهو كتاب الله. إنما كان القرآن أعظم لأنه أسوة تقتدي به العترة المأمور بالاقتداء به وبهم سائر الناس.

ص: 109

وقوله: «حبل ممدود من السماء إلى الأرض» ، ووجه التشبيه بينهما أن من وقع في بئر أو مهواة فسبيل نجاته وإنقاذه أن يدلى له حبل من أعلى يتمسك به فيرتفع، وكان الناس لما كانوا قبل نزول القرآن واقعين في مهواة الهلاك من الكفر والضلال المفضي بهم إلى خسران الدنيا والآخرة، وبعد نزوله واقعين في مهواة طبائعهم مشغولين بشهوات أنفسهم معرضين عما يهمهم من أمر آخرتهم المفضية إلى الانحطاط عن الرتبة العلية الفاخرة، ثم أنزل الله سبحانه كتابه الذي بصربه بعد العمى، وهدى به بعد الضلال، وأحيا به القلوب بعد موتها، واستنقذ به النفوس من أسر شهواتها، رفعهم بذلك من تلك المهواة المهلكة إلى سواء طريق النجاة الموصلة إلى الفوز العظيم والنعيم المقيم، وقد قال الله تعالى فيمن وقع في مهواة شهواته الدنية وانحط عن رتبة الهمة العلية {ولو شئنا لرفعناه بها} أي بآياتنا إلى منازل الأبرار ومراتب العلماء الأخيار {ولكنه أخلد إلى الأرض} أي مال إلى الدنيا، ولما كانت الأرض سفلا للسماء المرفوعة عبر باستفال درجته عن الأرض السافلة بعد تعبيره عن علو درجته بالرفعة {واتبع هواه} ولم يتبع مقتضى آيات الله فحق عليه ما حق من الخسران والعياذ بالله.

وقوله: «وعترتي أهل بيتي» عترة الرجل بكسر العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق تطلق على عشيرته الأقربين والأبعدين، ولهذا قيده هنا بقوله أهل بيتي ليبين أنه أراد بذلك أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهم عند الجمهور من حرم عليه الصدقة من بني هاشم والمطلب ابني عبد مناف.

ص: 110

ومعنى التمسك بالقرآن العمل بما فيه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. ومن جملة ذلك تعظيم ما عظمه الله من عباده النبيين والمرسلين والملائكة وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفة ما يجبلهم من الحرمة والتكريم والمحبة لإجلال الله ورسوله لهم وحبهما لهم. ومعنى التمسك بالعترة اتباعهم فيما اتبعوا فيه حكم الكتاب، وطاعتهم فيما أطاعوا فيه الله ورسوله، ومحبتهم لله ورسوله من غير إفراط بغلو ولا تفريط بتقصير.

وقوله: «لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» أي أهل بيتي أوصيكم بالتمسك بسيرتهم كما أوصيتكم بالتمسك بالقرآن، إنما جمعت لكم بين الوصية بهما لالتزام أهل بيتي بأحكام القرآن في سيرتهم التي هم عليها حال الوصية وأنهم لا يزالون عليها حتى يلقوا الله تعالى ملازمين لحكم القرآن فيبعثون على ما ماتوا عليه. والوصية بالتمسك راجعة بالأصالة إلى الموجودين من أهل البيت وهم علي وابناه والعباس وبنوه، وغيرهم بالتبعية إلى كل من سيحدث من نسلهم إلى آخرهم إن لم يفارق حكم القرآن المأمور بالتمسك به قبله ولم يبطل حكم الاقتران بالمخالفة ولم يقطع رحم المصطفى بمخالفة سنته السنية ورحم أهل بيته الطيبين الطاهرين بمخالفة سيرتهم المرضية.

ولا شك أن أهل بيته الذين أمرنا يومئذ باتباعهم والتمسك بهم قد ظهر فيه مصدق الملازمة بينهم وبين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وامتازوا بذلك عن كافة من ابتدع في الدين وخالف الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالحين. وذلك لكثرة ما انتشر عن علي وابن عباس رضي الله عنهما من تفسير كتاب الله وإيضاح معانيه وكشف أسراره، ثم من نشر للحديث والفقه، ثم من علي بن الحسين وابنه جعفر وأمثالهم ومن مشى على منوالهم من بيان

ص: 111

أسرار العلوم والحكم والمواعظ وسياسات النفوس، إلى ما لا يحصى. مع اتفاق السلف والخلف على أنهم على هدى من ربهم، وأنهم لم يفارقوا في سيرتهم حكم الكتاب والسنة. ومع اتفاقهم على أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان على هدى من ربهم ملتزمون لأحكام الكتاب والسنة، وأن الكل حزب واحد وفريق متحد متناصرون على الحق متعاونون عليه، خصوصا أهل البيت مع الصديقين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فإن موالاة علي وابن عباس وبنيهما لهما وثناءهم عليهما وغير ذلك مما سبق الإشارة إلى نبذة منه لا يحتاج إلى إقامة دليل. ولم ينقل عن واحد منهم الغض من منصبهما الجليل فضلا عما اتخذه دينا من يزعم أنه من ولاة أهل البيت من التفسيق والتضليل وغير ذلك من الأباطيل.

وإذا ثبت أن أهل البيت المذكورين كانوا نصرة لمن ذكرنا من الصحابة وثبت أن الكل لم يفارقوا حكم الكتاب وأن بعضا لم يضل بعضا، فهل خلف هؤلاء السادة المذكورين أحد من حزب الضلال المبتدعة المخالفين لسنتهم المائلين عن طريقهم الذين أجمع السلف والخلف من الصحابة فمن بعدهم وعلي وبنوه وابن عباس وبنوه ومن حذا حذوهم من السادات أهل البيت أن ما هم عليه بدعة في دين الله مخالفة لكتاب الله مباينة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصادمة لما أجمع عليه السلف والخلفمن هو أهدى من أولئك؟ فإن قال الخصم نعم فقد اعترف بتنقيصه عليا وبنيه وكذبه الحس والعيان والسنة والقرآن. وإن قال لا فقد اعترف بأن ما ختاره لنفسه مخالف لما عليه علي وأهل بيته الأطهار. وإن زعم أن ما هو عليه هو دين علي وآله كما صرح به في نظمه فقد اغتاب السادة وعليه البيان على دعواه من نصوص الكتب التي نقل منها فضائل علي وأهل البيت، وهي بيننا وبينه محكمة، وإلا

ص: 112

أقمنا الحجة فيها على دعوانا. وإن زعم أن ما فيها مفترى كما هو معتقد جنانه والظاهر من صفحات وجهه وفلتات لسانه فقد أبطل فضائل علي وسائر أهل البيت، ويلزمه إبطال جميع ما فيها من السنة والتوحيد والنبوة والصلاة والصيام وغير ذلك إذ لا فرق إلا لمجرد الهوى وهو مراده لو حصل عليه. ولكن {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} .

وإذا تبين أنه على ضلال تبين أنه ومن والاه وانتحل مذهبه ممن يزعم أنهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم قد فارقوا حكم القرآن ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، ورفضوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطعوا الرحم التي أمر الله بها أن توصل، وضللوا سادات أهل البيت عليا وابن عباس وبنيهما؛ فاستحقوا أن يقال لهم ما قال سبحانه وتعالى لنبيه نوح عليه السلام لما قال إن ابني من أهلي:{إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} وما قاله فيمن زعم أنه أولى الناس بإبراهيم لكونه ولده {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه} ، وما قاله صلى الله عليه وسلم عن آله فقال:"آلي كل تقي إلى يوم القيامة". وما قاله في بعض المنتسبين إليه: «يزعم أنه مني وليس مني إن أوليائي

ص: 113

إلا المتقون». {ووقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} . وعلم أن الملازمة بين أهل البيت المذكورين أولا ومن تبعهم وبين القرآن ملازمة صحيحة. فكل من تمسك منهم بالقرآن حتى مات صدق عليه أنه لم يفارق القرآن ولم يفارقه القرآن حتى لقي الله. فلو فرضنا مثلا إنه لم يوجد من أهل بيته إلا الموجودون حال إشارته إليهم والوصية بالتمسك بهم ثم ماتوا، لصح أن يقال إن أهل البيت والقرآن لم يفترقا حتى وردوا القيامة، فكذلك إذا خالفهم طوائف الضالة من ذريتهم ولم يتبعوهم على ما كانوا عليه صاروا بمثابة المعدومين، ولا توارث بين أهل ملتين شتى.

أما الميراث الدنيوي فحكمه مبني على المخالفة الظاهرة بالكلية لأن أحكام الدنيا منوطة بالظواهر، حتى أنا نورث من قال لا إله إلا الله بلسانه وكفر بالله بجنانه وعصاه بأركانه، وأما في الميراث الديني فآله صلى الله عليه وسلم الذين يرثون ميراثه كل بر تقي و {إن أولياؤه إلا المتقون} .

وإذا تقرر هذا فاعلم أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالتبليغ وإقامة الحجة، وقد أطلعه الله على ما سيلقى علي وبنوه من المحنة وعدم اجتماع الكلمة عليهم، فأشار بهذه الوصية أن عليا كما أنه اليوم ملتزم لحكم الكتاب فإنه أيضا لا يزال كذلك إلى أن يلقى الله، فمتى دعاكم إلى طاعته فأطيعوه وندبكم إلى إجابته فاتبعوه، فإنه يدعوكم إلى حكم الكتاب، ويسلك بكم المحجة العظمى، ويهديكم إلى الصراط الأقوم وستجدونه هاديا مهديا. ولم تتفق من علي رضي الله عنه دعوة إلى اتباعه ولزوم طاعته في مدة الخلفاء الثلاثة قبله باتفاق من الأمة. فلما آن أوان دعوته المشار إليها وبويع له بالخلافة لم ينازعه أحد قط في اسم الخلافة ولم يشك أحد في تأهله لها وأحقيته

ص: 114