الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الخلافة ما خلا طائفة من السلف فإنهم توقفوا في التفضيل بين علي وعثمان، ومنهم من فضل عليا عليه، ونقل ابن عبد البر أن إجماع الخلف انعقد على ما عليه جمهور السلف من الترتيب. هذا مع الاتفاق على أن عثمان إمام حق لأن من استكمل شروط الإمامة صحت إمامته وإن كان مفضولا، بل قد تجب تولية المفضول لكونه أصلح أو لكون نصب الأفضل مثيرا فتنة، إذ المعتبر في ولاية كل أمر معرفة مصالحه ومفاسده، ورب مفضول في علمه وعمله هو بالإمامة أعرف وبالرعية أشفق وأرأف.
يجب تعظيم كافة الصحابة
الخامس: يجب تعظيم كافة الصحابة رضي الله عنهم، والكف عن القدح في منصبهم الجليل، وتطلب المحامل الحسنة والتأويلات اللائقة بقدرهم فيما ينقل عنهم بعد العلم بصحة ذلك عنهم، وعدم المسارعة إلى ما ينقله عنهم المؤرخون والأخباريون وأهل البدع المضلة المبطلون. وإنما المعتمد على ما يورده العلماء الراسخون في علم الحديث والسير بالأسانيد المعتمدة. فإذا صح ذلك وجب حمله على أحسن المحامل لأن تقريره يؤدي إلى مناقضة كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ والخلف في قولهما محال، ثم يؤدي إلى هدم أركان الشرع من أصله والإزراء بشارعه وناقله وأهله، لأن الصحابة الذين نقلوا إلينا الشرع والتوحيد والنبوة والرسالة والإسلام والإيمان والصلاة والزكاة والصيام والحج والحلال والحرام إلى غير ذلك، ومتى تطرقت الأوهام إلى القدح فيهم انخرمت عدالتهم وردت روايتهم وشهادتهم، وصار هذا الدين الذي هو خير الأديان شر الأديان لكون حماله فسقة، وكان القرآن مفترى، وكان قوله فيهم {أولئك
هم الصادقون} و {التائبون العابدون} {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} إلى غير ذلك: زورا وبهتانا، وكان الرسول متقولا على الله. وقوله:"أصحابي كالنجوم"، (1) و «خيركم قرني» ، و "يحمل هذا العلم" إلى غير ذلك إفكا وباطلا، وكان الخير كله والصدق والنزاهة مع أعداء الله القادحين فيهم الذين حدثوا بعدهم وأحدثوا بدعهم لا مع الله ورسوله وكتابه، وصار جميع الأنبياء والمرسلين المبشرين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم كذبة، والكتب المنزلة عليهم من عند الله مختلقة، وصار جميع العلماء والأحبار والعارفين بالله الأخيار من أول الدهر إلى آخر الأعصار على باطل وضلال لاتفاقهم على تصديق الصحابة فيما نقلوه وعملهم بعلمهم الذي عنهم حملوه إلى ما لا يحصر من الكفر والضلال، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وهذا في الحقيقة هو المقصود لهذه الفرقة الضال التي ظاهر مذهبها الرفض، وباطنها الكفر المحض. وإلا فكيف يخطر بقلب من يدعي الإيمان الإزراء بسادة المؤمنين وأركان الدين، أو يتطرق إليه القدح فيهم أخذا بقول {من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} ، وعدولا عن ثناء الله عليهم في مواضع عديدة في كتاب عزيز {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} .
فأين قول القادح فيهم المنتقص لهم المزري بهم من قول الله تعالى الذي لا يبدل القول لديه
(1) في هامش الأصل: "هذا حديث ضعيف"
ولا يتصور أن ينعكس مدحه ذما ولا رضاه سخطا، {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون. أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}
فهذه الخيرات والفلاح والجنات المعدة لمن هي؟
{للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا} الآيات.
{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} .
وهذا الرضا الأبدي من المراد به؟
{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} .
{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} .
وهذه البيعة الرابحة من تولى عقدها؟
وهذه الأوصاف الجميلة من هو الموصوف بها؟
{الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله} . {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما} .
يا عجبا كيف تكون العصاة الفسقة بزعم الدعاة المرقة أحق بكلمة التقوى وأهلها، هلا كانوا هم أحق بها وأهلها لزعمهم أنهم على الحق لا الصحابة وأتباعهم. أغلطٌ صدر من البارئ جل وعلا حتى أعطى القوس غير باريها، أم سهو حصل ممن لا يضل ولا ينسى ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور حتى يقول فيهم ذلك مع علمه بما سيكون منهم من التبديل والتحريف! كلا والله بل كان الله بكل شيء عليما، وكانوا هم أحق بها وأهلها أزلا وأبدا، وعلم الله لا يتبدل، والله أعلم حيث يجعل رسالاته.
ثم كيف أطنب في مدحهم في كتابه وعلى لسان رسوله وهو يعلم ما يصدر منهم من التعاون على الظلم والعدوان وقول الزور والبهتان قبل أن يدفنوا نبيهم ويجهزوه، أغش منه لرسوله المحبوب مع ما له عنده من المكانة، أم عجزت قدرته النافذة عن أن يختار لرسوله من يصحبه بالصدق ويؤدي شرعه بالأمانة، أم أنزل كتابه وأرسل رسوله للإضلال لا للإرشاد حتى مدح فيه من هو مذموم عنده من العباد.