المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فاعتبروا يا أولي القلوب والأبصار، {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا - الحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول

[بحرق اليمني]

الفصل: فاعتبروا يا أولي القلوب والأبصار، {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا

فاعتبروا يا أولي القلوب والأبصار، {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير. إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير}

‌فصل

وما أورده الخصم من تعداد مناقب لسيدنا أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ففضل علي لا ينكر، وعلو منصبه وجلالة قدره أشهر، فوق ما ذكر بأضعاف كثيرة وأكثر، ولكن للصديق أيضا من الفضل ما هو أكبر، ونصيبه من عطاء الله أتم وأوفر، {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا. انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} . وكما أن الرسل فضل الله بعضهم على بعض ورفع بعضهم درجات، فكذلك أتباعهم وأتباع أتباعهم هم درجات عند الله، والله بصير بما يعملون.

ثم إن كلامنا هذا إنما هو تبصرة وذكرى لكل عبد منيب، وأما الخصم فإنه يلزمه على مذهبه الفاسد إبطال ما احتج به، ورد ما أورده، لأن هذه الأحاديث كلها وغيرها إنما رواها الصحابة الذين أبطل عدالتهم ورد شهادتهم، ونقلها عنهم أتباعهم القائلون بمعتقدهم. ورد شهادتهم على مذهبه أولى. فكيف احتج بروايتهم فيما وافق رأيه وهواه، وردها فيما هو أهم من ذلك من نقل أصل الدين وما سواه. وأيما أعظم: اعتقاد التفضيل، أم اعتقاد هدم قواعد الشرع والتعطيل.

ص: 60

{فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} .

جعلوا شغلهم الأهم مسألة التفضيل، وصرفوا همهم إلى غير ما أمروا به من القال والقيل، مع أنه مفروغ منه، و {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} . أولئك قوم قد لحقوا بالله، وعرف كل منهم منزلته عند الله، {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} ، {إخوانا على سرر متقابلين} ، والواجب على من بعدهم لهم ما يجب على الأولاد لآبائهم من البر والإحسان والاستغفار المأمور به بنص القرآن:{والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا} . فإنهم آباء أهل الإسلام، إذ هم الذين آووه ونصروه، ثم مهدوه وقرروه، ثم أدوه كما سمعوه، فجزاهم الله عنا أفضل الجزاء. وكل ما ورد من الفضائل في حق علي وغيره فعنهم نقل ومنهم عرف. وكيف ينسب المبتدع نفسه إلى أنه أتقى منهم وأقوم بدين الله وأطوع لله وأعلم بمراد الله، وينسبهم إلى أنهم خالفوا رسول الله فيما سمعوا منه مشافهة وخالفوا الله ورسوله في تقديم مفضول على فاضل والتمادي على الباطل. {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} .

ثم لم يزل العلماء والأولياء والفقهاء والقراء وغيرهم يتناقلون هذه الأخبار وغيرها مما هو مشهور على مر الأعصار، ويودعونها في تصانيفهم ويتقربون إلى الله بذكرهم في تواليفهم، ولم يصل الموافق والمخالف إلى عملها إلا بواسطتهم، وهم معتقدون لما عليه الصحابة من ترتيب الخلفاء في التقديم وتوفية

ص: 61

كل منهم ومن سائر الصحابة ما هو له من الإجلال والتكريم. فلو علموا أن تلك الأحاديث مصادمة لما فعلوه ومضادة لما اعتقدوه، لكان كتمها وتبديلها بعكسها أهون إثما مما ارتكبوه من مخالفتها كفاحا والتمادي في الباطل إلى الموت وسن سنة قبيحة منسوبة إلى الله ورسوله كذبا يعمل بها من بعدهم إلى يوم القيامة. فأي مصيبة أعظم في دين الله من هذا الاعتقاد، وأي فساد في الدنيا والآخرة أشنع من هذا الفساد {سبحانك هذا بهتان عظيم. يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين. ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم} {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} .

اللهم إنا كما نشهد لك بالوحدانية ولنبيك بالتبليغ فإنا نشهد لهم بالصدق فيما إلينا عنك أوصلوه، وعن نبيك نقلوه، وبأداء الأمانة فيما من أمر دينك تحملوه، ولا نتخذهم أربابا، ولا نجعل بعضهم على بعض أحزابا، بل هم عبيد لك مربوبون، سامعون لك مجيبون، دعاهم نبيك فتابعوه، وعلى نصر دينك بايعوه، فصدقوا كما سميتهم الصادقين، وما بدلوا تبديلا.

ص: 62