الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر طرف من ثناء الرسول الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وثناء أهل البيت الطيبين الطاهرين على السادة الأتقياء والبررة الأصفياء وحثه أمته على حبهم والتحذير عن سبهم وأمره باتباعهم والاقتداء بهم والكف عما شجر بينهم
فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» رواه البخاري ومسلم.
و «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدا أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» أخرجه البخاري ومسلم.
وقوله: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن أذاني فقد آذى الله فيوشك أن يأخذه" أخرجه البخاري. (1)
"إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة الله على شركم" أخرجه الترمذي.
"سألت ربي عن اختلاف أصحابي من بعدي فأوحى إلي يا محمد: إن أصحابك عندي كالنجوم في السماء بعضهم أقوى من بعض ولكل نوره، فمن أخذ بشيء مما هم عليه فهو عندي على هدى" أخرجه رزين في جامعه.
"إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه
(1) إنما أورده في التاريخ الكبير. وقال: "في إسناده نظر" في الضعفاء الكبير للعقيلي.
صرفا ولا عدلا" أورده المحب الطبري في الرياض النضرة.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم» أخرجه البخاري ومسلم.
«لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» أخرجه الترمذي وصححه.
وشهد صلى الله عليه وسلم للعشرة بالجنة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح. أخرجه الترمذي وأبو داود.
ودخل حائطا للأنصار فاستأذن عليه أبو بكر فقال: «افتح له وبشره بالجنة» ثم عمر كذلك ثم عثمان كذلك وقال فيه: «بشره بالجنة على بلوى تصيبه» أخرجه البخاري ومسلم.
وكان على حراء ومعه أبو بكر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص فتحرك بهم الجبل فركضه النبي صلى الله عليه وسلم برجله وقال: «اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» أخرجه مسلم والترمذي. وأخرجه البخاري وأبو داود فذكرا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فقط.
وسمع سعيد بن زيد أحد العشرة رجلا يسب رجلا من الصحابة فغضب وقال: "والله لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح" أخرجه الترمذي وأبو داود. زاد رزين: لا جرم لما انقطعت أعمارهم أراد الله أن لا يقطع الأجر عنهم
إلى يوم القيامة، فالشقي من أبغضهم والسعيد من أحبهم.
ومن ذلك سئل صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك؟ فقال: «عائشة» قيل: من الرجال؟ قال: «أبوها» قيل: ثم من؟ قال: «عمر بن الخطاب» أخرجه البخاري ومسلم.
وقال لأبي بكر: "أبشر فإنك «عتيق الله من النار» " فسمي من يومئذ عتيقا. أخرجه الترمذي.
وقال: "أما أنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي" أخرجه أبو داود.
وقال: "ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر" وفي رواية: "أبو بكر وعمر خير الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين" وفي أخرى: "أبو بكر وعمر في أمتي كالشمس والقمر في النجوم" وأوردها المحب الطبري.
وأوذي أبو بكر فغضب صلى الله عليه وسلم لذلك غضبا شديدا وقال: «هل أنتم تاركون لي أصحابي» كررها ثلاثا «إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت، وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركون ليصاحبي» أخرجه البخاري.
وقال: «إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر» أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي.
وقال: «ما لأحد عندنا يدا إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة» أخرجه الترمذي. وفي تصديق ذلك نزل قوله تعالى {وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى. ولسوف يرضى} فوعده الله تعالى بالرضا مكافأة عن نبيه صلى الله عليه وسلم، وحكم له بأنه أتقى الأمة
بعد حكمه بأن أكرمكم عند الله أتقاكم. فصار حكما منه بأن أبا بكر أكرم الأمة على الله وأفضلها. ومن هنا قال فيه صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره" أخرجه الترمذي.
ولما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» وكان غائبا، فقدّم القوم عمر، فلما سمع صوت عمر تغيرت حالته وأطلع رأسه من الحجرة مغضبا وهو يقول:«يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون، ليصل بالناس ابن أبي قحافة» ثم بعث إليه فجاء وصلى بالناس مدة مرضه صلى الله عليه وسلم.
ولما قال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» راجعته عائشة ثم حفصة أن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل بالناس، فغضب وقال:«إنكن لأنتن صواحب يوسف» أخرجه البخاري ومسلم.
ووجد خفة في مرضه فخرج وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر استأخر فأومأ إليه أن مكانك إكراما له، فلم يستطع ذلك أبو بكر إجلالا لمنصب الرسالة فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، أخرجه البخاري ومسلم. زاد الترمذي: وقال ألست أحق بها، ألست أول من أسلم، ألست صاحب كذا، ألست صاحب كذا.
فلو قدم المسلمون غيره بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم يؤمهم فهل وافقوا نبيهم أو خالفوه؟ وإذا ارتضاه الرسول لأمر دينهم فما بقي من أمر الخلافة،
أيحسن أن يكون خليفة غيره؟ لا يحسن له أن يتقدم بين يدي آحاد رعيته في أعظم شعائر الدين من الصلوات الخمس والجماعات والأعياد، فإن كانت الخلافة جباية الأموال وما هو دون ذلك فبئس بها. وأي شيء استفاده الصديق من عقد البيعة سوى أن ولاه المسلمون جباية الزكاة وصرفها في مصارفها. وهل كسب الصديق بولايته كنوز الأموال أو تنعم بالملابس الفاخرة أو اتخذ العبيد والخول أو شيد القصور وزخرفها. وإذا لم يكن شيء من ذلك فأي شيء عمله على الظلم والعدوان وخسران الآخرة والأولى بزعم أعداء الله تعالى، {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} .
وقد كان فضله في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورا بين الصحابة يعلمه الخاص والعام، ولا يداخل أحد منهم شك ولا ريب في أنه أقدم الخليقة منزلة عنده، ولله در حسان حيث يقول مخاطبا للنبي صلى الله عليه وسلم، ويمدح أبا بكر بعد أن استدعى منه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال:
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة
…
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
التالي الثاني المحمود سيرته
…
وأول الناس طرا صدق الرسلا
وكان حب رسول الله قد علموا
…
من البرية لم يعدل به رجلا
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
لم نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم. أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود.
كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان.
ولما قال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، قال لهم عمر: أيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر في الصلاة؟ فقالوا بأجمعهم: نعوذ بالله من ذلك. أخرجه النسائي. فعند ذلك بادروا ببيعته، وقالوا: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا.
ومن ذلك عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا عهدا نأخذ به في إمارة ولكنه شيء رأيناه من أنفسنا فاستخلفنا أبا بكر ورحمة الله على أبي بكر فأقام واستقام، ثم استخلف عمر ورحمة الله على عمر فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه. (1) أخرجه أحمد وفي رواية: ثم حطمتنا فتنة يعفو الله منها عمن يشاء.
وعن محمد بن الحنفية ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: قلت لأبي: أي الناس أفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أبو بكر، قلت ثم من؟ قال: عمر، قلت وخشيت أن يقول ثم عثمان فقلت: ثم أنت؟ فقال: ما أنا إلا رجل مسلم. أخرجه البخاري وأحمد وأبو حاتم.
(1) في هامش الأصل: "الجران بكسر الجيم باطن عنق البعير يقال ضرب الشيء بجرانه أي استقر وثبت اهـ"
وعن كثير بن عبد الله قال: قال رجل لعلي رضي الله عنه: يا خير الناس، فقال له: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قال: فهل رأيت أبا بكر؟ قال: لا، قال: فهل رأيت عمر؟ قال لا، قال: لو قلت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لضربت عنقك، ولو قلت رأيت أبا بكر أو عمر لجلدتك. أخرجه الإمام أحمد.
وعن علي كرم الله وجهه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، يا علي لا تخبرهما» أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو حاتم وزاد: "سيدا كهول أهل الجنة وشبابها"، وفي رواية: قال علي: ما حدثت حتى ماتا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إني لواقف في قوم يدعون لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ويترحمون عليه وقد وضع على سريره إذ رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي فالتفت فإذا هو علي رضي الله عنه وترحم على عمر ثم قال: رحمك الله إني كنت لأرجو أن أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرا ما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كنت وأبو بكر وعمر، فعلت وأبو بكر وعمر، انطلقت وأبو بكر وعمر» ، وما خلفت أحدا أحب إلي من أن ألقى الله بمثل عمله منك. أخرجه البخاري.
ومما أورده المحب الطبري عن علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيني هاتين وإلا فعميتا وسمعته بأذني هاتين وإلا فصمتا وهو يقول: "ما ولد في الإسلام مولود أزكى ولا أطهر من أبي بكر ثم عمر".
وعنه في قوله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} قال: هم رسول الله وأبو بكر وعمر.
وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وعمر فقال: "والله إني لأحبكما ومن أحببته أحبه الله، والله تعالى أشد حبا لكما مني، وإن الملائكة لتحبكما بحب الله لكما فأحب الله من أحبكما، وأبغض من أبغضكما، ووصل من وصلكما، وقطع من قطعكما، وأسعد من أسعدكما في حياتكما وبعد مماتكما"، فقال علي: لقد ازددت لهما حبا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل حبهما فإن حبهما إيمان وبغضهما نفاق. وفي رواية: "يا علي، ألا أدلك على عمل إذا عملته كنت من أهل الجنة، وأنت من أهل الجنة؟ إنه سيكون بعدي أقوام يقال لهم الرافضة يرفضون الإسلام، ويزعمون مودة أهل بيتي، يسبون أبا بكر وعمر، فإذا أدركتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون".
وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنها، قالت: نظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال: "هذا في الجنة وإن من شيعته قوما يسمون الرافضة يرفضون الإسلام من لقيهم فليقتلهم فإنهم مشركون"، وأخرجه الإمام أحمد أيضا. وفي رواية:"إن ممن يزعم إنه يحبك أقواما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يقال لهم الرافضة فإن أنت أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون" كررها ثلاثا قال: يا رسول وما علامتهم؟ قال: "لا يشهدون جمعة ولا جماعة أي لأهل السنة ويطعنون في السلف الأول".
وعن ابن عباس وقد سئل عن أبي بكر فقال: كان رحمه الله للقرآن تاليا، وللشر قاليا، وعن الفحشاء لاهيا، وبالله عارفا، ومن الله خائفا، فاق الصحابة ورعا وزهادة وبرا وأمانة، فعقب الله من يبغضه اللعنة إلى يوم القيامة. وأما عمر فرحم الله أبا حفص فكان والله كهف الإسلام، ومأوى الأيتام، وللحق حصنا حصينا، وللإيمان وأهله عونا معينا، قائما بأمر الله، صابرا محتسبا لله، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، وقورا في الرخاء والشدة، شكورا لله على كل حال، فأعقب الله من يبغضه اللعنة والندامة إلى يوم القيامة. أما عثمان فرحم الله أبا عمرو كان والله أفضل البررة، وأكرم الحفدة، مجهز جيش العسرة، كثير الاستغفار، هجادا بالأسحار سريع الدموع عند ذكر النار، دائم الفكر فيما يعنيه بالليل والنهار، مبادرا إلى كل مكرمة، فارا من كل مهلكة، ولقد عاش سعيدا، ومات شهيدا فأعقب الله من يبغضه اللعنة إلى يوم القيامة. وأما علي فرحم الله تعالى أبا الحسن كان والله علم الهدى، وكهف التقى، وطود النهى، وعين الندى، ونورا مسفرا في الدجى، وداعيا إلى المحجة العظمى، ومستمسكا بالعروة الوثقى، أبو السبطين وزوج خير النساء، فعلى من يبغضه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد.
وسئل عنهم أيضا جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي المرتضى أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين فقال: أما أبو بكر فقد ملئ قلبه بمشاهدة الربوبية، وكان لا يشهد مع الله غيره، فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه لا إله إلا الله، وأما عمر كان يرى كل ما دون الله صغيرا حقيرا في جنب عظمة الله، وكان لا يرى التعظيم لغير الله، فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه الله أكبر، وأما عثمان كان يرى ما دون الله معلولا إذا كان مرجعه إلى الفناء، وكان لا يرى التنزيه لغير الله تعالى، فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه سبحان الله، وأما علي بن فكان يرى ظهور الكون من الله، وقيام الكون بالله، ورجوع الكون إلى الله فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه الحمد لله.
وطعن قوم في أبي بكر وعمر عند زين العابدين ابن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم فقال لهم بعد أن أغلظ لهم القول: ألا تخبروني هل أنتم من السابقين الأولين أو الفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم؟ قالوا: لا، قال: فهل أنتم من الذين تبوؤا الدار والإيمان الآية؟ قالوا: لا، قال: فأنا أشهد أيضا أنكم لستم من {الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} .
وسئل الباقر محمد بن علي عن أبي بكر وعمر فقال: إماما عدل لا نالتني شفاعة جدي محمد عن لم أتولاهما وأتبرأ من عدوهما. وفي رواية قيل له: ما ترى في أبي بكر وعمر؟ فقال: إني أتولاهما وأستغفر لهما وما رأيت أحدا من أهل
بيتي إلا وهو يتولاهما، ومن جهل فضل أبي بكر وعمر جهل السنة. وفي أخرى أنه قال لجابر الجعفي: يا جابر أخبر أهل الكوفة عني أني بريء ممن تبرأ من أبي بكر وعمر، وفي أخرى: يا جابر بلغني أن أقواما بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر وعثمان، ويزعمون أنهم في أمرتهم بذلك فأبلغهم أني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده لو قدرت عليهم لتقربت إلى الله بدمائهم.
وعن زيد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم قال: البراءة من أبي بكر وعمر براءة من علي، فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر، قال ذلك للرهط الذين اجتمعوا ليقاتلوا معه، قالوا لا نخرج معك إلا أن تتبرأ من أبي بكر وعمر. وقال: من سب أبا بكر وعمر فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وقال جعفر الصادق في مرض موته: اللهم إني أحب أبا بكر وعمر، فإن كان في نفسي غير ذلك فلا تنلني شفاعة محمد.
وسئل عنهما موسى الرضا فقال: أبو بكر جدي، وعمر ختني، أفتراني أبغض جدي وختني!
وقال عبد الله بن الحسن بن علي بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب لرجل من الرافضة: ورب هذه البنية -يعني الكعبة- إن ما تزعمون من أمر الإمامة لباطل، ووالله إن قتلك لقربة لولا حق الجوار، أساء بنا آباؤنا إن كان ما تقولون من دين الله ثم لم يخبرونا به، ولم يطلعونا عليه، ولم يرغبونا فيه ونحن كنا أقرب منهم قرابة منكم وأوجب عليهم وأحق أن يرغبونا فيه
منكم.
وقال رجل لعلي: سمعتك يا أمير المؤمنين تقول على المنبر الله أصلحني بما أصلحت به الخلفاء الراشدين المهديين فمن هم يا أمير المؤمنين؟ فاغرورقت عيناه بالدموع ثم قال: أبو بكر وعمر إماما الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش والمقتدى بهما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من اقتدى بهما عصم، ومن اتبع آثارهما هدي إلى صراط مستقيم، ومن تمسك بهما فهو من حزب الله، وحزب الله هم المفلحون.
وعن علقمة رحمه الله قال: سمعت عليا رضي الله عنه وهو على المنبر يقول: بلغني أن أناسا يفضلونني على أبي بكر وعمر، ولو كنت تقدمت في ذلك لعاقبت فيه، ولكني أكره العقوبة قبل التقدم، فمن أتيت به بعد هذا وقد قال شيئا من هذا فهو مفتر، وعليه ما على المفتري، ألا إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر، ثم الله أعلم بالخير.
وفي رواية: أتي علي رضي الله عنه وهو بالكوفة برجل ينتقص أبا بكر وعمر فأمر بضرب عنقه قال يا أمير المؤمنين لم تضرب عنقي وإنما غضبت لك؟ قال: وما ذاك ويلك؟ قال: إني غريب ما صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا علمت منزلة هذين الرجلين منه ومنك، وإنما سمعت بعض من يغشاك يفضلك عليهما، ويزعم أنهما ظلماك حقك وتقدماك في أمرك. فقال علي: أوتعرف القوم؟ قال: لا إلا بأعيانهم عند نظري إليهم. فقال: والله ما ظلماني ولا تقدماني ولولا أنك قلت بغربتك وقلة معرفتك لضربت عنقك، ثم خطب خطبة طويلة وقال في آخرها واعلموا أن خير الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم أنا وقد رميت بها في رقابكم ووراء ظهوركم فلا حجة لكم علي عند الله.
وفي رواية: أتي علي برجل يقال له أبا السوداء كان ينتقص أبا بكر وعمر
فدعاه ودعا بالسيف وهمّ بقتله، ثم قال: لا تساكني في بلدة، فسيره إلى المدائن.
وفي أخرى: أتي بعبد الله بن سبأ وكان يفضل عليا على أبي بكر وعمر فقال: اقتلوه، فقال ابن سبأ: أتقتل رجلا يدعو إلى حبك وحب أهل البيت، فخلاه وقال: من قدر عليه بعد ثلاثة أيام فليقتله، وسيره إلى المدائن ثم خطب الناس.
وعن سويداء بن غفلة رضي الله عنه قال: دخلت على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقلت: يا أمير المؤمنين مررت بنفر من أصحابك يتناولون أبا بكر وعمر فلولا أنهم يرون أنك تضمر لهما على وفق ما أعلنوا به ما اجترأوا على ذلك، فقال: أعوذ بالله أن أضمر لهما إلا الذي أتمنى المضي عليه، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه ووزيراه رحمة الله عليهما. ثم نهض دامع العين يبكي حتى دخل المسجد فصعد المنبر فجلس متكئا قابضا لحيته ينتظر اجتماع الناس إليه فلما اجتمعوا قام فتشهد بخطبة موجزة بليغة ثم قال: ما بال قوام يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه، وعما قالوه بريء، وعلى ما يقولونه معاقب، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن ولا يبغضهما إلا فاجر، صاحبا رسول صلى الله عليه وسلم ووزيراه، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق والوفاء، يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان فما يجاوزان فيما يقضيان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يرى كرأيهما، ولا يحب كحبهما أحدا، مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راض، ومضيا والمسلمون عنهما راضون.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على
صلاة المسلمين، وصلى بهم أبو بكر سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض الله عز وجل نبيه واختار له ما عنده ولاه المسلمون ذلك أيضا، وفوضوا إليه الزكاة لأنهما مقرونتان، ثم أعطوا البيعة طائعين غير مكرهين، وأنا أول من سن له ذلك من بني عبد المطلب، ووالله إنه لذلك كاره، يود لو أن أحدا كفاه ذلك، وكان والله خير من بقي، أرحمه رحمة وأرأفه رأفة وأثبته ورعا وأقدمه إسلاما، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بميكائيل رأفة ورحمة، وإبراهيم حلما ووقارا، سار فينا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله عز وجل.
واستخلف بعده عمر بعد أن استأمر أبو بكر المسلمين في ذلكف منهم من رضي ومنهم من كره، وكنت أنا ممن رضي، فلم يفارق عمر الدنيا حتى رضي به من كان كارها، فأقام الأمر على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهاج صاحبه يتبع أثرهما ويعمل بعملهما، كاتباع الفصيل أمه، وكان والله رحيما للضعفاء والمساكين، وعونا للمظلومين على الظالمين، لا تأخذه في الله لومة لائم، قدضرب بالحق على لسانه، وجعل الصدق من شأنه، حتى كنا نظن أن ملكا ينطق على لسانه، أعز الله بإسلامه الإسلام، وجعل هجرته للدين قواما، وألقى الله عز وجل له في قلوب المؤمنين المحبة، وفي قلوب المنافقين الرهبة، شبهه رسول الله بجبريل، فظا غليظا على الأعداء، وبنوح عليه السلام حتفا مغتاظا على الكفار، فمن الذي كان لكما مثلهما رحمة الله عليهما، ورزقنا الله المضي على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلا باتباع أثرهما، والحب لهما، فمن أحبني فليحبهما، ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا برئ منه، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة إلا إنه لا ينبغي لي أن أعاقب قبل التقدمة، ألا فمن أتيتبه يقول هذا جلدته جلد المفتري، ألا وخير هذه الأمة أبو بكر
بن أبي قحافة، ثم عمر بن الخطاب، ثم الله أعلم بالخير، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولإخواننا ثم نزل.
وأخرجها كلها المحب الطبري وعزاها إلى مخرجيها حفاظ الإسلام.
وما أوردناه فقطرة من بحر ثناء الله تعالى ورسوله وأصحابه وآله الطيبين الطاهرين على الصحابة كلهم وإنزالهم منازلهم وإلزام الخلق كافة محبتهم لحب الله ورسوله لهم. وهذه نصوص السادة أهل البيت النبوي علي وابن عباس وفاطمة وبني علي الحسن والحسين وابن الحنفية وزين العابدين ومحمد وجعفر وسائر السادة الذين اتبعوا آثارهم واقتفوا منارهم شاهدة لهم بمحبتهم، ناطقة بموالاتهم ونصرتهم، وإنهم وأبو بكر وعمر وعثمان بل وسائر الصحابة حزب واحد وفريق متحد، متناصرون على الحق، متظاهرون على الهدى، ولا ينكر ذلك إلا جاهل مارد ومتجاهل معاند.
وإذا كان الأمر كذلك فكيف اختار هؤلاء المارقون عن الدين مروق السهم عن الرمية ما جنحوا إليه من البدعة المهلكة الردية، ثم يزعمون أنهم القائمون بنصرة العترة الفاطمية، والموالون لأهل العصبة النبوية، فإن كان موالاتهم ونصرتهم لغير من ذكرناه من علي وأتباعه الهداة المهتدين فقد اعترفوا بالضلال، ونحن براء مما زعموه، وإن زعموا أنه حدثمن أهل البيت بعد ما ذكرنا من هو أهدى منهم وأعلم فقد كابروا الحس وقيل لهم هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وإن وافقونا على أن من ذكرنا هم سادة أهل البيت فليشهد الله وملائكته