الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها، وإنما حصل بينه وبين من خالفه من مجتهدي عصره نزاع في مسألة اجتهادية مال كل إلى قول فيها من المبادرة إلى قتلة عثمان والتوقف، وجرى بينهم ما جرى به القلم. فكل منهم معتقد أنه على الحق، وأنه مجاهد على دين الله، وأنه لو قصر فيما هو فيه فقد خان الله ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فمنهم من اتضح له الحق بعد ذلك أنه في جانب علي كالزبير وطائفة كثيرة يوم قتل عمار بن ياسر، ومنهم من بقي على ما هو عليه حتى لقي الله. ولقد عاتب بعضهم الصديقة الكبرى بنت الصديق الأكبر أم المؤمنين المبرأة بنص التنزيل عائشة رضي الله عنها وعن أبيها رغم أنف شانئيه وشانئيها- على قيامها في ذلك الأمر فقالت: ما أود أني تركت ذلك القيام ويكون لي به من رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أولاد ذكور.
وذلك في آخر عمرها، فدل على أنها لم يترجح لها خلاف ذلك، لكن أجمع الخلف من التابعين وجمهور السلف على أن عليا رضي الله عنه كان مجتهدا مصيبا فله أجران، لحديث ابن عباس مرفوعا:«ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» رواه البخاري، ومخاليفه يومئذ كانوا مجتهدين مخطئين فلهم أجر واحد، وكلا وعد الله الحسنى. وجمهور المخالفين له منهم من هو مشهود له بالجنة، وهم من كان من أهل بيعة الرضوان المحكوم لهم بالرضا الذي لا يتبدل من رب العالمين ومن رسوله بتحريمهم على النار، ومنهم من هو من أهل بدر الذين غفر الله ما تقدم من ذنبهم وما تأخر بشهادة الصادق المصدوق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
الفصل الثاني في الحث على محبة أهل بيته صلى الله عليه وسلم والتنبيه على جلالة قدرهم وعلو مجدهم
اعلم أن الناس ما بين مفرط في ذلك ومفرط، وكلا قصد طرفي الأمور
ذميم، وقد علمت من هو الأولى بهذا الاسم، أي التسمي بأهل البيت، وعلمت أيضا ما يجب من حبهم واحترامهم والتحذير من إهانتهم واحتقارهم نصحا لأمته وشفقة عليها أن لا تهين من أكرمه الله فيهينها الله، {ومن يهن الله فما له من مكرم} .
فمنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "أحبوا أهل بيتي لحبي" أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه على شرط الشيخين.
وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يدخل الإيمان قلب رجل حتى يحبكم لله ورسوله". أخرجه الإمام أحمد والحاكم وصححه.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي» كررها ثلاثا. أخرجه الإمام أحمد ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه رحمهم الله، إلى غير ذلك. وناهيك بذلك فخرا لأهل البيت لما يتضمنه ذلك من شرف منصبهم، وإيجاب حبهم واحترامهم وتأدية حقوقهم والإحسان إليهم والمحافظة على ذلك كله والتحذير من ضده إكراما لسيد المرسلين وخاتم النبيين. وإذا كانت العقول والعادات بل والشرائع تقتضي إنزال الناس منازلهم واحترام أبناء الفضلاء ومن ينسب إليهم سواء اتصل المأمور بذلك منهم بإحسان أم لا حتى أمر الله وليه الخضر ونجيه موسى بمراعاة من كان أبوهما صالحا، فما ظنك بمن يدلي إلى من أرسله الله رحمة للعالمين، ومن به على المؤمنين، وأنقذهم له من خسران الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين، ومن هو الآية الكبرى لمعتبر، ومن هو النعمة العظمى لمغتنم. فأي رقبة لم تتقلد بمننه الجليلة وأي فرقة لم تستغرقها أياديه الجزيلة. وإذا كانت أبناء الرجل الرئيس بل وعشيرته بل وغلمانه وأتباعه بل
وقبيلته وأهل بلده بل وقطره بل وأهل عصره قد يسودون بسيادته ويشرفون بشرف رئاسته ويفتخرون على من سواهم بفضله ويعلون بعلو منصبه ونبله، فهل أحد أجل قدرا وأعظم مرتبة وفخرا ممن ينتسب أهل البيت ويعولون في الدنيا والآخرة هم ومن سواهم عليه، خيرة العالم وسيد ولد آدم، صاحب الحوض المورود واللواء المعقود الذي آدم فمن دونه تحته، والمقام المحمود الذي يغبط به الأولون والآخرون، والشفاعة العظمى التي يعجز عنها أولو العزم ويقول:«أنا لها أنا لها» ، ومن كان هذا شأنه فنسبة كل شرف إلى شرفه كقطرة في البحار الزاخرة. وإذا تشرف قوم غيره وأجلوا واحترموا لشرف من انتسبوا إليه فشرف أهل البيت النبوي أولى، وقدرهم الرفيع أعلى وبينهم وبين غيرهم في الشرف مثل ما بين من تشرفوا به وبين غيره من البون.
ومن هنا خصوا بمشروعية الصلاة عليهم تبعا له صلى الله عليه وسلم في كل مقام شريف، من خطبة وصلاة وغير ذلك، حتى أوجبها طائفة من العلماء كما هو وجه في مذهبنا مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم:"من صلى صلاة لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه" أخرجه الدارقطني. (1) ويقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: لو صليت صلاة لم أصل فيها على محمد وعلى آل محمد ما رأيت أنها تقبل.
وعليه قيل:
يا أهل بيت رسول الله حبكم
…
فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم الفخر أنكم
…
من لم يصل عليكم لا صلاة له
وقد كانت قلوب السلف الأخيار والعلماء الأحبار مجبولة على حبهم واحترامهم ومعرفة ما يجبلهم طبعا.
(1) سنن الدراقطني ح1343 وقال: " [فيه] جابر [الجعفي] ضعيف وقد اختلف عنه".
وبالجملة كل من في قلبه مثقال ذرة من تعظيم المصطفى صلى الله عليه وسلم وحبه فمصداق ذلك تعظيم وحب كل من ينتسب إليه بقربة أو قرابة أو صحبة واتباع سنة، إذ كل ما ينتسب إلى المحبوب محبوب.
أحب لحبها السودان حتى
…
أحب لحبها سود الكلاب
فمن قام من أهل البيت بحفظ حدود الشريعة المطهرة فقد تحققت فيه القربة والقرابة، وحاز فضيلة الحسب والنسب، وتوفرت فيه فضيلة الشرفين من الجهتين، ومن لم يسبق له نصيب وافر في الميراث النبوي ولكنه لم يفارق الملة الفراق الموجب للحجب بقي على ميراثه في حق القرابة وروعيت فيه حقوقها، وكذا من ارتكب معصية لا تقتضي إخراجه عن الملة لم يوجب ذلك إطراح ما له من الحقوق وتوكل إساءته وتقصيره عن الالتحاق بسلفه إلى الله إذ صلة الأرحام مأمور بها مع القطيعة والعقوق، وهو صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك، إلا فيما لا بد من إجراء الأحكام وإقامة الحدود، فتراعى حرمة الشريعة حينئذ لأن حقهم إنما وجبت مراعاته لأجل صاحب الشرع، فإذا عارضه حق صاحب الشرع نفسه تلاشى كل حق دونه، وكان حق الله ورسوله أولى. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أحبوهم لحبي إياهم فمتى أبغضتهم فأبغضوهم، وقد علمتم شدة بغضي لمن خالف سنتي فسيروا فيهم سيرتي معهم وكونوا معي. وقال أيضا:"حتى يحبوكم لله ورسوله" أي لا للهوى فما داموا على الطريق المرضي الذي يحبه الله ورسوله وجبحبهم وإن سلكوا ما يسخط الله ورسوله وجب مراعاة حق الله لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فنحبهم لله ولرسوله، ونبغضهم لله ولرسوله. فإن الولاية الأصلية ليست إلا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسواهما إنما تثبت له الموالاة بهما لا غير {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} .
وهذه قصيدة فيها انعطاف على ما سبق من أول الجواب إلى آخره مقابلة لأبيات المبتدع، وهي على روي أبياته ومن بحرها أيضا، ولكن نصبناها لتطابق الواقع فإن البدعة لم تزل مخفوضة وأعلام السنة منشورة {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}
علم المحجة واضح لمن اهتدى
…
فحذار من سبل الغواية والردى
هذي شريعة أحمد الغراء قد
…
جليت كأسفار الصباح إذا بدا
بيضاء كالشمس المنيرة ليلها
…
كنهارها فتوخها لك مقصدا
واستن سنته القوية واعتصم
…
بكتابه وحديثه تلق الهدى
وإذا أظلك ليل شبهة بدعة
…
حار الغوي بتيهها وترددا
فبأي أنجم صحب أحمد تقتدي
…
تهدى وحق بمثلهم أن يهتدى
قد صح عمن ليس ينطق عن هوى
…
هذا عموما مطلقا ومقيدا
وبسنة الخلفاء قال عليكم الـ
…
هادين منهم موصيا ومؤكدا
وإلى اللذين عناهما من بعده
…
صرف الوصية آمرا أن يقتدى
أتراه أرضانا بذلك خائنا
…
أم ناصحا أم مغويا أم مرشدا
أو عن هوى أو كان غمرا جاهلا
…
من كان منهم مصلحا أو مفسدا
كلا لقد صدقت فراسته التي
…
صدرت وعن عين الحقيقة أوردا
أنى وروح القدس ينفثم لهما
…
في روعه ومعلما ومؤيدا
وبعصمة الملك القدير عن الخطا
…
أضحى يقول موفقا ومسددا
فلسورة النجم افتتح وأعدها
…
للملحدين به شهابا مرصدا
لو جال طرف الطرف في آثار من
…
أخذوا بأطراف الحديث وأسندا
لرأيته قرة أعين من جنة
…
لمحبهم ولظى الحسود إلى المدى
كم قد أشاد بفخرهم طرا وكم
…
أثنى بمثنى في الثناء وموحدا
ورمى الجهول محذرا من سبهم
…
بنصال أسهم غيظه وتهددا
من بعد ما أثنى عليهم ربه
…
بأجل أوصاف الثناء مرددا
كم سورة صالت على أعدائهم
…
فالحشر بالأحزاب غار وأنجدا
والفتح قد ختمت بمسك ختامهم
…
والنور أصبح زيتها متوقدا
ثم التي فضحت عداهم أفصحت
…
ببيان معناها البديع منضدا
طعنت صدور الطاعنين وأردفت
…
تروى المديح مطابقا ذم العدا
وبآل عمران الشهادة أنهم
…
خير الورى وكفاك ذاك مشهدا
أترى الخبير بخلقه أثنى على
…
من ليس أهلا للثناء مجددا
جعل الفلاح لهم وإجلال الرضا
…
خبرا وصدق العهد عنهم مبتدا
أيقول أعددنا الجنان لهم وهم
…
ممن طغى في دين أحمد واعتدى
أو حل عقد رضا أحل عليهم
…
وقضاه في الذكر الحكيم مؤيدا
أو عنه عاقبة الأمور تغيبت أو
…
تخفى تقدس ربنا وتفردا
والله ما نزلت بذا آياته
…
هزؤا ولا عبثا ولا جاءت سدى
خذها محكمة القوافي نصبها
…
سر لخفض معارضيها قد بدا
نصبت لها أعلام فتح بعد أن
…
خفضوا بكثرة جمعهم فتبددا
وسم التصرف بالإشارة أيها
…
ذا المستغيث فهذه صلق العدا
فلت بفصل القول من برهانها
…
حد القضايا المهملات بلا اعتداء
كم مزدهًا بغروره قلبت له
…
ظهر المجن فأولغت فيه المدى
عجبا لمغتر بآل محمد
…
أهدى الضلال لمحتذيه وما هدى
تخذ الهوى دينا ويزعم أنه
…
أضحى بعقد ولائهم متقلدا
أأراد سادات البرية حيدرا
…
وبنيه والحبر الخضم المزبدا
صدق الغوي فإنهم أهل لما
…
أثنى ولكن ما بهديهم اهتدى
أهم كما زعم الغوي على الذي
…
يلقيه عن شيطانه متمردا
حاشا لقدرهم العلي وفضلهم
…
عن زيغ من في دين أحمد ألحدا
فقد افترى كذبا عليهم ومزريا
…
بالسادة النجب الكرام أولي الندى
قرناء وحي الله لن يتفرقا
…
حتى ورود الحوض بينهما غدا
نشروا عن التفسير فيه ما انطوى
…
وشفوا به الأكباد من حر الصدا
ورووا حديث المصطفى حتى غدا
…
بالري للراوين أعذب موردا
وبصحبه اتحدوا وعنهم نافحوا
…
وعليهم أثنوا الثناء معددا
فلهم ولائي ما حييت عدو من
…
عادوا وسلما للمسالم مسعدا
وعليهم من ربهم صلواته
…
بعد النبي مع السلام مجددا
وكذلك الصحب الأفاضل ماجدا
…
حاد فأطرب حين زمزم منشدا
{ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} . {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} .
كملت نساختها ومقابلتها من نسخة كتبت سنة تسعين بعد الألف قريبا من عصر المؤلف، والمؤلف من أهل القرن العاشر، له من التآليف ما لا يحصى في كل فن رحمه الله تعالى. قوبلت على يد الحقير محمد بن عوض بن محمد بن فضل عفى الله عنه في شهر محرم 1341