المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني في الحث على محبة أهل بيته صلى الله عليه وسلم والتنبيه على جلالة قدرهم وعلو مجدهم - الحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول

[بحرق اليمني]

الفصل: ‌الفصل الثاني في الحث على محبة أهل بيته صلى الله عليه وسلم والتنبيه على جلالة قدرهم وعلو مجدهم

بها، وإنما حصل بينه وبين من خالفه من مجتهدي عصره نزاع في مسألة اجتهادية مال كل إلى قول فيها من المبادرة إلى قتلة عثمان والتوقف، وجرى بينهم ما جرى به القلم. فكل منهم معتقد أنه على الحق، وأنه مجاهد على دين الله، وأنه لو قصر فيما هو فيه فقد خان الله ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فمنهم من اتضح له الحق بعد ذلك أنه في جانب علي كالزبير وطائفة كثيرة يوم قتل عمار بن ياسر، ومنهم من بقي على ما هو عليه حتى لقي الله. ولقد عاتب بعضهم الصديقة الكبرى بنت الصديق الأكبر أم المؤمنين المبرأة بنص التنزيل عائشة رضي الله عنها وعن أبيها رغم أنف شانئيه وشانئيها- على قيامها في ذلك الأمر فقالت: ما أود أني تركت ذلك القيام ويكون لي به من رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أولاد ذكور.

وذلك في آخر عمرها، فدل على أنها لم يترجح لها خلاف ذلك، لكن أجمع الخلف من التابعين وجمهور السلف على أن عليا رضي الله عنه كان مجتهدا مصيبا فله أجران، لحديث ابن عباس مرفوعا:«ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» رواه البخاري، ومخاليفه يومئذ كانوا مجتهدين مخطئين فلهم أجر واحد، وكلا وعد الله الحسنى. وجمهور المخالفين له منهم من هو مشهود له بالجنة، وهم من كان من أهل بيعة الرضوان المحكوم لهم بالرضا الذي لا يتبدل من رب العالمين ومن رسوله بتحريمهم على النار، ومنهم من هو من أهل بدر الذين غفر الله ما تقدم من ذنبهم وما تأخر بشهادة الصادق المصدوق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

‌الفصل الثاني في الحث على محبة أهل بيته صلى الله عليه وسلم والتنبيه على جلالة قدرهم وعلو مجدهم

اعلم أن الناس ما بين مفرط في ذلك ومفرط، وكلا قصد طرفي الأمور

ص: 115

ذميم، وقد علمت من هو الأولى بهذا الاسم، أي التسمي بأهل البيت، وعلمت أيضا ما يجب من حبهم واحترامهم والتحذير من إهانتهم واحتقارهم نصحا لأمته وشفقة عليها أن لا تهين من أكرمه الله فيهينها الله، {ومن يهن الله فما له من مكرم} .

فمنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "أحبوا أهل بيتي لحبي" أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه على شرط الشيخين.

وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يدخل الإيمان قلب رجل حتى يحبكم لله ورسوله". أخرجه الإمام أحمد والحاكم وصححه.

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي» كررها ثلاثا. أخرجه الإمام أحمد ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه رحمهم الله، إلى غير ذلك. وناهيك بذلك فخرا لأهل البيت لما يتضمنه ذلك من شرف منصبهم، وإيجاب حبهم واحترامهم وتأدية حقوقهم والإحسان إليهم والمحافظة على ذلك كله والتحذير من ضده إكراما لسيد المرسلين وخاتم النبيين. وإذا كانت العقول والعادات بل والشرائع تقتضي إنزال الناس منازلهم واحترام أبناء الفضلاء ومن ينسب إليهم سواء اتصل المأمور بذلك منهم بإحسان أم لا حتى أمر الله وليه الخضر ونجيه موسى بمراعاة من كان أبوهما صالحا، فما ظنك بمن يدلي إلى من أرسله الله رحمة للعالمين، ومن به على المؤمنين، وأنقذهم له من خسران الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين، ومن هو الآية الكبرى لمعتبر، ومن هو النعمة العظمى لمغتنم. فأي رقبة لم تتقلد بمننه الجليلة وأي فرقة لم تستغرقها أياديه الجزيلة. وإذا كانت أبناء الرجل الرئيس بل وعشيرته بل وغلمانه وأتباعه بل

ص: 116

وقبيلته وأهل بلده بل وقطره بل وأهل عصره قد يسودون بسيادته ويشرفون بشرف رئاسته ويفتخرون على من سواهم بفضله ويعلون بعلو منصبه ونبله، فهل أحد أجل قدرا وأعظم مرتبة وفخرا ممن ينتسب أهل البيت ويعولون في الدنيا والآخرة هم ومن سواهم عليه، خيرة العالم وسيد ولد آدم، صاحب الحوض المورود واللواء المعقود الذي آدم فمن دونه تحته، والمقام المحمود الذي يغبط به الأولون والآخرون، والشفاعة العظمى التي يعجز عنها أولو العزم ويقول:«أنا لها أنا لها» ، ومن كان هذا شأنه فنسبة كل شرف إلى شرفه كقطرة في البحار الزاخرة. وإذا تشرف قوم غيره وأجلوا واحترموا لشرف من انتسبوا إليه فشرف أهل البيت النبوي أولى، وقدرهم الرفيع أعلى وبينهم وبين غيرهم في الشرف مثل ما بين من تشرفوا به وبين غيره من البون.

ومن هنا خصوا بمشروعية الصلاة عليهم تبعا له صلى الله عليه وسلم في كل مقام شريف، من خطبة وصلاة وغير ذلك، حتى أوجبها طائفة من العلماء كما هو وجه في مذهبنا مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم:"من صلى صلاة لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه" أخرجه الدارقطني. (1) ويقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: لو صليت صلاة لم أصل فيها على محمد وعلى آل محمد ما رأيت أنها تقبل.

وعليه قيل:

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفخر أنكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له

وقد كانت قلوب السلف الأخيار والعلماء الأحبار مجبولة على حبهم واحترامهم ومعرفة ما يجبلهم طبعا.

(1) سنن الدراقطني ح1343 وقال: " [فيه] جابر [الجعفي] ضعيف وقد اختلف عنه".

ص: 117

وبالجملة كل من في قلبه مثقال ذرة من تعظيم المصطفى صلى الله عليه وسلم وحبه فمصداق ذلك تعظيم وحب كل من ينتسب إليه بقربة أو قرابة أو صحبة واتباع سنة، إذ كل ما ينتسب إلى المحبوب محبوب.

أحب لحبها السودان حتى

أحب لحبها سود الكلاب

فمن قام من أهل البيت بحفظ حدود الشريعة المطهرة فقد تحققت فيه القربة والقرابة، وحاز فضيلة الحسب والنسب، وتوفرت فيه فضيلة الشرفين من الجهتين، ومن لم يسبق له نصيب وافر في الميراث النبوي ولكنه لم يفارق الملة الفراق الموجب للحجب بقي على ميراثه في حق القرابة وروعيت فيه حقوقها، وكذا من ارتكب معصية لا تقتضي إخراجه عن الملة لم يوجب ذلك إطراح ما له من الحقوق وتوكل إساءته وتقصيره عن الالتحاق بسلفه إلى الله إذ صلة الأرحام مأمور بها مع القطيعة والعقوق، وهو صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك، إلا فيما لا بد من إجراء الأحكام وإقامة الحدود، فتراعى حرمة الشريعة حينئذ لأن حقهم إنما وجبت مراعاته لأجل صاحب الشرع، فإذا عارضه حق صاحب الشرع نفسه تلاشى كل حق دونه، وكان حق الله ورسوله أولى. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أحبوهم لحبي إياهم فمتى أبغضتهم فأبغضوهم، وقد علمتم شدة بغضي لمن خالف سنتي فسيروا فيهم سيرتي معهم وكونوا معي. وقال أيضا:"حتى يحبوكم لله ورسوله" أي لا للهوى فما داموا على الطريق المرضي الذي يحبه الله ورسوله وجبحبهم وإن سلكوا ما يسخط الله ورسوله وجب مراعاة حق الله لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فنحبهم لله ولرسوله، ونبغضهم لله ولرسوله. فإن الولاية الأصلية ليست إلا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسواهما إنما تثبت له الموالاة بهما لا غير {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} .

ص: 118

وهذه قصيدة فيها انعطاف على ما سبق من أول الجواب إلى آخره مقابلة لأبيات المبتدع، وهي على روي أبياته ومن بحرها أيضا، ولكن نصبناها لتطابق الواقع فإن البدعة لم تزل مخفوضة وأعلام السنة منشورة {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}

علم المحجة واضح لمن اهتدى

فحذار من سبل الغواية والردى

هذي شريعة أحمد الغراء قد

جليت كأسفار الصباح إذا بدا

بيضاء كالشمس المنيرة ليلها

كنهارها فتوخها لك مقصدا

واستن سنته القوية واعتصم

بكتابه وحديثه تلق الهدى

وإذا أظلك ليل شبهة بدعة

حار الغوي بتيهها وترددا

فبأي أنجم صحب أحمد تقتدي

تهدى وحق بمثلهم أن يهتدى

قد صح عمن ليس ينطق عن هوى

هذا عموما مطلقا ومقيدا

وبسنة الخلفاء قال عليكم الـ

هادين منهم موصيا ومؤكدا

وإلى اللذين عناهما من بعده

صرف الوصية آمرا أن يقتدى

أتراه أرضانا بذلك خائنا

أم ناصحا أم مغويا أم مرشدا

أو عن هوى أو كان غمرا جاهلا

من كان منهم مصلحا أو مفسدا

كلا لقد صدقت فراسته التي

صدرت وعن عين الحقيقة أوردا

أنى وروح القدس ينفثم لهما

في روعه ومعلما ومؤيدا

وبعصمة الملك القدير عن الخطا

أضحى يقول موفقا ومسددا

فلسورة النجم افتتح وأعدها

للملحدين به شهابا مرصدا

لو جال طرف الطرف في آثار من

أخذوا بأطراف الحديث وأسندا

لرأيته قرة أعين من جنة

لمحبهم ولظى الحسود إلى المدى

ص: 119

كم قد أشاد بفخرهم طرا وكم

أثنى بمثنى في الثناء وموحدا

ورمى الجهول محذرا من سبهم

بنصال أسهم غيظه وتهددا

من بعد ما أثنى عليهم ربه

بأجل أوصاف الثناء مرددا

كم سورة صالت على أعدائهم

فالحشر بالأحزاب غار وأنجدا

والفتح قد ختمت بمسك ختامهم

والنور أصبح زيتها متوقدا

ثم التي فضحت عداهم أفصحت

ببيان معناها البديع منضدا

طعنت صدور الطاعنين وأردفت

تروى المديح مطابقا ذم العدا

وبآل عمران الشهادة أنهم

خير الورى وكفاك ذاك مشهدا

أترى الخبير بخلقه أثنى على

من ليس أهلا للثناء مجددا

جعل الفلاح لهم وإجلال الرضا

خبرا وصدق العهد عنهم مبتدا

أيقول أعددنا الجنان لهم وهم

ممن طغى في دين أحمد واعتدى

أو حل عقد رضا أحل عليهم

وقضاه في الذكر الحكيم مؤيدا

أو عنه عاقبة الأمور تغيبت أو

تخفى تقدس ربنا وتفردا

والله ما نزلت بذا آياته

هزؤا ولا عبثا ولا جاءت سدى

خذها محكمة القوافي نصبها

سر لخفض معارضيها قد بدا

نصبت لها أعلام فتح بعد أن

خفضوا بكثرة جمعهم فتبددا

وسم التصرف بالإشارة أيها

ذا المستغيث فهذه صلق العدا

فلت بفصل القول من برهانها

حد القضايا المهملات بلا اعتداء

كم مزدهًا بغروره قلبت له

ظهر المجن فأولغت فيه المدى

عجبا لمغتر بآل محمد

أهدى الضلال لمحتذيه وما هدى

تخذ الهوى دينا ويزعم أنه

أضحى بعقد ولائهم متقلدا

ص: 120

أأراد سادات البرية حيدرا

وبنيه والحبر الخضم المزبدا

صدق الغوي فإنهم أهل لما

أثنى ولكن ما بهديهم اهتدى

أهم كما زعم الغوي على الذي

يلقيه عن شيطانه متمردا

حاشا لقدرهم العلي وفضلهم

عن زيغ من في دين أحمد ألحدا

فقد افترى كذبا عليهم ومزريا

بالسادة النجب الكرام أولي الندى

قرناء وحي الله لن يتفرقا

حتى ورود الحوض بينهما غدا

نشروا عن التفسير فيه ما انطوى

وشفوا به الأكباد من حر الصدا

ورووا حديث المصطفى حتى غدا

بالري للراوين أعذب موردا

وبصحبه اتحدوا وعنهم نافحوا

وعليهم أثنوا الثناء معددا

فلهم ولائي ما حييت عدو من

عادوا وسلما للمسالم مسعدا

وعليهم من ربهم صلواته

بعد النبي مع السلام مجددا

وكذلك الصحب الأفاضل ماجدا

حاد فأطرب حين زمزم منشدا

{ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} . {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} .

كملت نساختها ومقابلتها من نسخة كتبت سنة تسعين بعد الألف قريبا من عصر المؤلف، والمؤلف من أهل القرن العاشر، له من التآليف ما لا يحصى في كل فن رحمه الله تعالى. قوبلت على يد الحقير محمد بن عوض بن محمد بن فضل عفى الله عنه في شهر محرم 1341

ص: 121