الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
ويشمل ما يلي:
1 -
تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر.
2 -
توضيح المراد بحقوق الله وحقوق العباد.
3 -
أثر التوبة على حقوق الله وحقوق العباد.
أولاً: تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر:
اعلم أن جماهير العلماء قد قالوا إن المعاصي والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة أذكر بعضها:
قول الله عز وجل: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) سورة النساء الآية 31.
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) سورة الشورى الآية 37.
وقوله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) سورة النجم الآية 32.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: (الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين، وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور، أو قال شهادة الزور) رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا يا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) رواه البخاري.
وعن نعيم المجمر أن صهيباً مولى العتواريين حدثه أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد الخدري رضي الله عنهما يخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه جلس على المنبر ثم قال والذي نفسي بيده ثلاث مرات، ثم سكت فأكب كل رجل منا يبكي حزناً ليمين رسول الله، ثم قال: ما من
عبد يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتى إنها لتصطفق ثم تلى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ) رواه النسائي وابن حبان وابن خزيمة.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، ورواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ. وغير ذلك من النصوص.
ولكن أهل العلم اختلفوا في حقيقة الكبيرة، وهذه بعض أقوالهم:
فمنهم من يرى أن الكبيرة هي ما لحق صاحبها بخصوصها وعيد شديد بنص من القرآن الكريم أو السنة النبوية، قال ابن عباس رضي الله عنهما:[الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب] تفسير القرطبي 5/ 159.
ومن العلماء من يرى أن الكبيرة هي كل معصية أوجبت الحد.
ومنهم من يرى أن الكبيرة هي كل محرم لعينه، منهيٌ عنه لمعنى في نفسه، فإن فُعل على وجهٍ يجمع وجهين أو وجوهاً من التحريم كان فاحشة، فالزنا كبيرة، وأن يزني الرجل بزوجة جاره فاحشة.
وقال الواحدي المفسر: [الصحيح أن الكبيرة ليس لها حد يعرفها العباد به، وإلا لاقتحم الناس الصغائر واستباحوها، ولكن الله عز وجل أخفى ذلك عن العباد، ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه رجاء أن تجتنب الكبائر، ونظائره إخفاء الصلاة الوسطى وليلة القدر وساعة الإجابة ونحو ذلك] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 16.
وقد لخَّص الشيخ ابن حجر المكي تعريفات العلماء للكبيرة فذكر ما يلي:
أحدها: أنها ما لحق صاحبها عليها بخصوصها وعيدٌ شديدٌ بنص كتاب أو سنة.
ثانيها: أنها كل معصية أوجبت الحد.
ثالثها: أنها كل ما نص الكتاب على تحريمه، أو وجب في جنسه حدٌ وترك فريضة تجب فوراً.
رابعها: كل جريمة تعلم بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة.
خامسها: أنها ما أوجبت الحد، أو توجه إليه الوعيد.
سادسها: أنها كل محرم لعينه منهيٌ عنه لمعنى في نفسه.
سابعها: أنها كل فعل نص الكتاب على تحريمه، أي بلفظ التحريم وهو أربعة أشياء: أكل لحم الميتة والخنزير ومال اليتيم ونحوه والفرار من الزحف، ورُدَّ بمنع الحصر في الأربعة.
ثامنها: أنه لا حدَّ لها يحصرها يعرفه العباد. وغير ذلك من الأقوال الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 14 - 16.
ثم ذكر ابن حجر المكي طائفةً من أقوال العلماء في الكبيرة:
قول ابن عباس: [الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار، أو غضب أو لعنة أو عذاب].
قول الحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك: [كل ذنب أوعد فاعله بالنار].
قول الغزالي: [كل معصية يقدم المرء عليها من غير استشعار خوف ووجدان ندم تهاوناً واستجراءً عليها فهي كبيرة، وما يحمل على فلتات النفس ولا ينفك عن ندم يمتزج بها وينغص التلذذ بها فليس بكبيرة].
وقال الغزالي في موضع آخر: [ولا مطمع في معرفة الكبائر مع الحصر، إذ لا يعرف ذلك إلا بالسمع ولم يرد].
قول العز بن عبد السلام: [الأولى ضبط الكبيرة بما يشعر بتهاون مرتكبها بدينه إشعار صغر الكبائر المنصوص عليها قال: وإذ أردت الفرق بين الصغيرة والكبيرة، فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقل الكبائر فهي صغيرة وإلا فكبيرة]
قول ابن صلاح في فتاويه: [الكبيرة كل ذنب عظم عظماً يصح معه أن يطلق عليه اسم الكبيرة، ويوصف بكونه عظيماً على الإطلاق، ولها أمارات منها: إيجاب الحد.
ومنها: الإيعاد عليه بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة.
ومنها: وصف فاعلها بالفسق.
ومنها: اللعن].
وقال البارزي: [والتحقيق أن الكبيرة كل ذنب قرن به وعيد أو لعن بنص كتاب أو سنة، أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد، أو حد أو لعن أو أكثر من مفسدته أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها].
واعلم أن كل ما سبق من الحدود إنما قصدوا به التقريب فقط، وإلا فهي ليست بحدود جامعة وكيف يمكن ضبط ما لا طمع في ضبطه] الزواجر 1/ 17 - 19.
والذي عليه أكثر أهل العلم أن كبائر الذنوب كثيرة، وليست محصورة في عدد معين، وإن ذكر في بعض الأحاديث عددها، فليس المراد الحصر، فمن ذلك ما ورد في الحديث، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو
قول الزور، وكان رسول الله متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا يا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: (الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال قول الزور، أو قال شهادة الزور) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي: [وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الكبائر سبع) فالمراد به من الكبائر سبع، فإن هذه الصيغة وإن كانت للعموم، فهي مخصوصة بلا شك، وإنما وقع الاقتصار على هذه السبع وفي الأخرى ثلاث، وفي الرواية الأخرى أربع، لكونها من أفحش الكبائر مع كثرة وقوعها لا سيما فيما كانت عليه الجاهلية ولم يذكر في بعضها ما ذكر في الأخرى، وهذا مصرح بما ذكرته من أن المراد البعض] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 264.
ويؤيد عدم انحصار الكبائر في سبع، أو ثلاث، أو أربع، ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه لما سئل عن الكبائر أسبعٌ هي؟ فقال: هي إلى سبعين أقرب.
وقال سعيد بن جبير: [قال رجل لابن عباس الكبائر سبع؟ قال: هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار]. انظر تفسير القرطبي 5/ 159.
وهذا هو الراجح إن شاء الله، وهو أن الكبائر ليست محصورة في عدد معين، وقد ذكر الإمام ابن حجر المكي يرحمه الله عدداً كبيراً من الذنوب التي تعد من الكبائر وساق الأدلة على ذلك فمن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتابه القيم الزواجر عن اقتراف الكبائر.