الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخِصالُ المُكَفِّرَةُ للذنوب
يتضمن تحقيق مخطوط صغير للخطيب الشربيني فيه سؤال وجواب حول تكفير الحج للذنوب
دراسة وتعليق وتحقيق
الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه
الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل خلقه، سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وآل كلٍ وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فهذا سؤال نفيس، رفع إلى الشيخ الإمام العالم العلامة، شمس الدنيا والدين، محمد الخطيب الشربيني الشافعي، تغمده الله تعالى برحمته،
وأسكنه بحبوحة جنته، وأعاد علينا من بركات علومه الباهرة في الدنيا والآخرة آمين.
وصورته: فإن قيل في الحج هل يُكَفِّر الصغائر والكبائر من حقوق الله تعالى والآدميين، كالزنى والسرقة وترك الصلاة وقتل النفس وغير ذلك؟
وإذا قلتم إنه يُكَفِّر، فيسقط عنه الطلب في الآخرة، ولا يلزمه قضاء ما فاته من الصلاة قبل الحج، أم لا بد من قضاء الصلاة بعد الحج؟
وما الحكم في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)؟ (1)
فأجاب رحمه الملك الوهاب: إنه يُكَفِّر الصغائر مطلقاً، وأما الكبائر المتعلقة بالآدمي، فإن كانت مالية كدَين، فلا يُكَفِّر، بل لا بدَّ من وفاءِ دَينه، لما ورد أن (نَفْسَ المؤمن تُحبَسُ عن مقامها حتى يوفى في دينه)(2).
(1) سبق تخريجه.
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ ولكن ورد بلفظ: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وبلفظ: (نفس المؤمن معلقة ما كان عليه دين) رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن، ورواه البيهقي وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر الفتح الرباني 15/ 91، سنن ابن ماجة 2/ 806، سنن الترمذي 3/ 389، السنن الكبرى 6/ 76، صحيح ابن حبان 7/ 331، المستدرك 2/ 324، صحيح سنن الترمذي 1/ 313.
ومعنى الحديث: أن نفس المؤمن محبوسة عن مقامها الكريم حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا؟ وهذا مقيد بمن ترك مالاً. وأما من لم يترك مالاً فحكمه ما ذكره الشربيني. انظر تحفة الأحوذي 4/ 164، نيل الأوطار 4/ 53.
نعم: إن كان معسراً، وكان في عزمه أن يوفيه إذا قدر عليه ومات كذلك، فإن هذا يُكَفَّر ويُرضي اللهُ تعالى عنه خصمَه (1)
(1) وقد ورد في ذلك أحاديث منها: حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدين دينان فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك الذي يؤخذ من حسناته ليس يومئذ دينار ولا درهم) رواه الطبراني وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص 5، وورد في معناه أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في نيل الأوطار 4/ 53 - 54.
وأمَّا ما يتعلق بغيبةٍ (1) ولم تبلغ صاحبَها ولم يتب، فإنها تُكَفَّر بذلك (2).
وأما إذا بلغت صاحبها فلا تُكَفَّر إلا بتحليله (3).
وأما الكبائر المتعلقة بحق الله تعالى، فإن كان صلاةً أو صوماً
(1) الغيبة هي: ذكر الإنسان بما فيه، فإن ذُكر بما ليس فيه فهو البهتان وأشار إلى هذا المعنى حديث أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته) رواه مسلم، وانظر تفسير القرطبي 16/ 334 - 335.
(2)
انظر روضة الطالبين 11/ 247.
(3)
ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون له دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري، وانظر تفسير القرطبي 16/ 338.
فإنه يجب عليه قضاؤه (1) ولا يُكَفَّر، وإذا كان كتأخير لصلاة عن وقتها بغير عذر والصوم فهذا يُكَفَّر (2).
وأما الزنى واللواط، فإن ثبت عند حاكم بالشهادة فلا يُكَفَّر إلا بإقامة الحدِّ عليه (3).
(1) ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب قضاء ما فات من الصلاة أو الصيام عمداً، انظر المجموع 3/ 75 حاشية الدسوقي 1/ 263، المغني 2/ 446، البحر الرائق 2/ 364.
(2)
انظر روضة الطالبين 11/ 247.
(3)
انظر المصدر السابق.
والحديث المذكور (1) عامٌ مخصوص (2)، فلا يمنع ما ذُكِرَ، والله تعالى أعلم.
انتهى والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(1) يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
(2)
العام هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له. شرح الكوكب المنير 3/ 102، وأما العام المخصوص فهو: ما أريد به الأكثر وما ليس بمراد هو الأقل. المصدر السابق 3/ 166.