المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل الحب أصل الحركة] - الداء والدواء = الجواب الكافي - ط دار المعرفة

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ]

- ‌[الْقُرْآنُ شِفَاءٌ]

- ‌[الدُّعَاءُ يَدْفَعُ الْمَكْرُوهَ]

- ‌[دعاء الغافل]

- ‌[فَصْلٌ الدُّعَاءُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ آفَاتِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْقَاتُ الْإِجَابَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ظُرُوفُ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ الدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الدُّعَاءُ وَالْقَدَرُ]

- ‌[فَصْلٌ مُغَالَطَةُ النَّفْسِ حَوْلَ الْأَسْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الَّذِينَ اعْتَمَدُوا عَلَى عَفْوِ اللَّهِ فَضَيَّعُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الِاغْتِرَارُ بِالدُّنْيَا]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ وَالْغُرُورِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّجَاءُ وَالْأَمَانِيُّ]

- ‌[فَصْلٌ ضَرَرُ الذُّنُوبِ فِي الْقَلْبِ كَضَرَرِ السُّمُومِ فِي الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ آثَارِ الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ تَوَالُدُ الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُضْعِفُ إِرَادَةَ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ إِلْفُ الْمَعْصِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ هَوَانُ الْعَاصِي عَلَى رَبِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ شُؤْمُ الذُّنُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُورِثُ الذُّلَّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُفْسِدُ الْعَقْلَ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تَطْبَعُ عَلَى الْقُلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تُدْخِلُ الْعَبْدَ تَحْتَ لَعْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ حِرْمَانُ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ مَا رَآهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْ عُقُوبَاتِ الْعُصَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تُحْدِثُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تُطْفِئُ الْغَيْرَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُذْهِبُ الْحَيَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُضْعِفُ فِي الْقَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُنْسِي اللَّهَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِحْسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَاصِي يَفُوتُهُ ثَوَابُ الْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُضْعِفُ الْقَلْبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُلْقِي الرُّعْبَ وَالْخَوْفَ فِي الْقُلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُمْرِضُ الْقُلُوبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُعْمِي الْبَصِيرَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُصَغِّرُ النَّفْسَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي فِي سِجْنِ الشَّيْطَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُسْقِطُ الْكَرَامَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ مَجْلَبَةٌ لِلذَّمِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُوجِبُ الْقَطِيعَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تَمْحَقُ الْبَرَكَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تَجْعَلُ صَاحِبَهَا مِنَ السَّفَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُجَرِّئُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْدَاءَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُضْعِفُ الْعَبْدَ أَمَامَ نَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُعْمِي الْقَلْبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي عَدُوٌّ لَدُودٌ]

- ‌[فَصْلٌ ثَغْرُ الْأُذُنِ]

- ‌[فَصْلٌ ثَغْرُ اللِّسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُنْسِي الْعَبْدَ نَفْسَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُبَاعِدُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَلِكِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي مَجْلَبَةُ الْهَلَاكَ]

- ‌[فَصْلٌ الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ عُقُوبَاتُ الذُّنُوبِ شَرْعِيَّةٌ وَقَدَرِيَّةٌ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَطْعُ لِإِفْسَادِ الْأَمْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعُقُوبَاتُ الْقَدَرِيَّةُ]

- ‌[الْعُقُوبَاتُ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى الْقُلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعُقُوبَاتُ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ عُقُوبَاتِ الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ أَصْلُ الذُّنُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَقُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَقُّ فِي الْمَسْأَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شِرْكُ الْوَسَاطَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شِرْكُ مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي اللَّفْظِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي الْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ الشِّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ وَالْكِبْرُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ]

- ‌[فَصْلٌ الظُّلْمُ وَالْعُدْوَانُ]

- ‌[فَصْلٌ جَرِيمَةُ الْقَتْلِ]

- ‌[فَصْلٌ جَرِيمَةُ الزِّنَى]

- ‌[فَصْلٌ مَدْخَلُ الْمَعَاصِي النَّظْرَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَطْرَةُ]

- ‌[فَصْلٌ اللَّفْظَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخُطْوَةُ]

- ‌[فَصْلٌ عُقُوبَةُ اللِّوَاطِ]

- ‌[فَصْلُ عُقُوبَةِ اللِّوَاطِ وَعُقُوبَةِ الزِّنَى]

- ‌[فَصْلُ وَاطِئِ الْبَهِيمَةِ]

- ‌[فَصْلُ اللِّوَاطِ وَالسِّحَاقِ]

- ‌[فَصْلُ دَوَاءِ اللِّوَاطِ]

- ‌[فَصْلُ تَوْحِيدِ الْمَحْبُوبِ]

- ‌[فَصْلُ خَاصِّيَّةِ التَّعَبُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ: آخِرُ مَرَاتِبِ الْحُبِّ]

- ‌[الشِّرْكُ فِي الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ وَالْخُلَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ إِيثَارُ الْأَعْلَى]

- ‌[فَصْلٌ إِيثَارُ الْأَنْفَعِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ الْمَحْبُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ أَصْلُ كُلِّ عَمَلٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ الْمَحْمُودَةُ وَالْمَحَبَّةُ الْمَذْمُومَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ أَصْلُ الْحَرَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ لِلَّهِ وَحْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ آثَارُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ أَصْلُ كُلِّ دِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ عِشْقُ الصُّوَرِ]

- ‌[فَصْلٌ عِشْقُ اللُّوطِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَوَاءُ الْعِشْقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَقَامَاتُ الْعَاشِقِ]

- ‌[الْمَحَبَّةُ النَّافِعَةُ]

- ‌[فَصْلٌ كَمَالُ اللَّذَّةِ فِي كَمَالِ الْمَحْبُوبِ وَكَمَالِ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ الَّذِي لَا يُنْكَرُ وَلَا يُذَمُّ]

- ‌[فَصْلٌ مَحَبَّةُ الزَّوْجَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ النَّاسِ فِي الْعِشْقِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ]

الفصل: ‌[فصل الحب أصل الحركة]

لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ: لَا يَا عُمَرُ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، قَالَ: الْآنَ يَا عُمَرُ.

» فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ مَحَبَّةِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا عَلَى مَحَبَّةِ نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَمَا الظَّنُّ بِمَحَبَّةِ مُرْسِلِهِ سبحانه وتعالى، وَوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا عَلَى مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ؟ .

وَمَحَبَّةُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ تَخْتَصُّ عَنْ مَحَبَّةِ غَيْرِهِ فِي قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا وَإِفْرَادِهِ سُبْحَانَهُ بِهَا: فَإِنَّ الْوَاجِبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَى الْعَبْدِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ، بَلْ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَنَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، فَيَكُونُ إِلَهُهُ الْحَقُّ وَمَعْبُودُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالشَّيْءُ قَدْ يُحَبُّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَقَدْ يُحَبُّ بِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُحَبُّ لِذَاتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلَا تَصْلُحُ الْأُلُوهِيَّةُ إِلَّا لَهُ، وَ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 22] .

وَالتَّأَلُّهُ: هُوَ الْمَحَبَّةُ وَالطَّاعَةُ وَالْخُضُوعُ.

[فَصْلٌ الْحُبُّ أَصْلُ الْحَرَكَةِ]

فَصْلٌ

الْحُبُّ أَصْلُ الْحَرَكَةِ

وَكُلُّ حَرَكَةٍ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ فَأَصْلُهَا الْمَحَبَّةُ، فَهِيَ عَلَيْهَا الْفَاعِلِيَّةُ وَالْغَائِيَّةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَرَكَاتِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: حَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ إِرَادِيَّةٌ، وَحَرَكَةٌ طَبِيعِيَّةٌ، وَحَرَكَةٌ قَسْرِيَّةٌ.

وَالْحَرَكَةُ الطَّبِيعِيَّةُ أَصْلُهَا السُّكُونُ، وَإِنَّمَا يَتَحَرَّكُ الْجِسْمُ إِذَا خَرَجَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ وَمَرْكَزِهِ الطَّبِيعِيِّ، فَهُوَ يَتَحَرَّكُ لِلْعَوْدِ إِلَيْهِ، وَخُرُوجُهُ عَنْ مَرْكَزِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ إِنَّمَا هُوَ بِتَحْرِيكِ الْقَاصِرِ الْمُحَرِّكِ لَهُ، فَلَهُ حَرَكَةٌ قَسْرِيَّةٌ تَتَحَرَّكُ بِتَحْرِيكِ مُحَرِّكِهِ وَقَاسِرِهِ، وَحَرَكَةٌ طَبِيعِيَّةٌ بِذَاتِهَا يَطْلُبُ بِهَا الْعَوْدَ إِلَى مَرْكَزِهِ، وَكِلَا حَرَكَتَيْهِ تَابِعَةٌ لِلْقَاسِرِ الْمُحَرِّكِ، فَهُوَ أَصْلُ الْحَرَكَتَيْنِ.

وَالْحَرَكَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ الْإِرَادِيَّةُ هِيَ أَصْلُ الْحَرَكَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ، وَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى انْحِصَارِ الْحَرَكَاتِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ: أَنَّ الْمُتَحَرِّكَ إِنْ كَانَ لَهُ شُعُورٌ بِالْحَرَكَةِ فَهِيَ الْإِرَادِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شُعُورٌ بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى وَفْقِ طَبْعِهِ أَوْ لَا، فَالْأُولَى هِيَ الطَّبِيعِيَّةُ، وَالثَّانِيَةُ الْقَسْرِيَّةُ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ وَحَرَكَاتِ الْأَجِنَّةِ فِي

ص: 200

بُطُونِ أُمَّهَاتِهَا، فَإِنَّمَا هِيَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا وَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ فِي نُصُوصٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالْإِيمَانُ بِذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَائِكَةً، وَبِالْقَطْرِ مَلَائِكَةً، وَبِالنَّبَاتِ مَلَائِكَةً، وَبِالرِّيَاحِ مَلَائِكَةً، وَبِالْأَفْلَاكِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَوَكَّلَ بِكُلِّ عَبْدٍ أَرْبَعَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كَاتِبَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَحَافِظَيْنِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَوَكَّلَ مَلَائِكَةً بِقَبْضِ رُوحِهِ وَتَجْهِيزِهَا إِلَى مُسْتَقَرِّهَا فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمَلَائِكَةً بِمُسَاءَلَتِهِ وَامْتِحَانِهِ فِي قَبْرِهِ، وَمَلَائِكَةً بِتَعْذِيبِهِ فِي النَّارِ أَوْ نَعِيمِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَوَكَّلَ بِالْجِبَالِ مَلَائِكَةً، وَبِالسَّحَابِ مَلَائِكَةً تَسُوقُهُ حَيْثُ أُمِرَتْ بِهِ، وَبِالْقَطْرِ مَلَائِكَةً تَنْزِلُ بِأَمْرِ اللَّهِ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ كَمَا شَاءَ اللَّهُ، وَوَكَّلَ مَلَائِكَةً بِغَرْسِ الْجَنَّةِ وَعَمَلِ آلَتِهَا وَفُرُشِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا، وَمَلَائِكَةً بِالنَّارِ كَذَلِكَ.

فَأَعْظَمُ جُنْدِ اللَّهِ الْمَلَائِكَةُ، وَلَفْظُ الْمَلَكِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَسُولٌ مُنَفِّذُ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، بَلِ الْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَهُمْ يُدَبِّرُونَ الْأَمْرَ وَيُقَسِّمُونَهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَإِذْنِهِ، قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ:{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 64] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 26] .

وَأَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِطَوَائِفَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُنَفِّذِينَ لِأَمْرِهِ فِي الْخَلِيفَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا - فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا - فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 1 - 3] .

وَقَالَ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا - فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا - وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا - فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا - فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا - عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} [سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ: 1 - 6] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا - وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا - وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا - فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا - فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [سُورَةُ النَّازِعَاتِ: 1 - 5] .

وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى ذَلِكَ وَسِرَّ الْإِقْسَامِ بِهِ فِي كِتَابِ (التِّبْيَانِ فِي أَقْسَامِ الْقُرْآنِ) .

ص: 201